تأثير الاحتلال الإسرائيلي على حق الاختيار في الزواج في المجتمع الفلسطيني

السيرة: 

لونا سعادة حاصلة على درجة الماجستير في قطاع التنمية في شؤون النساء والقانون من جامعة بيرزيت (2001). وهي خبيرة في الجندر وحقوق المرأة ولديها 20 عامًا من الخبرة في العمل من الشرق الأوسط مع وكالات التنمية الدولية والحكومة المحلية. وقد قامت باستشارات بشأن القضايا المتعلقة بالجندر مثل المشاركة السياسية للمرأة والعنف القائم على الجندر وصحة وحقوق المرأة مع العديد من المنظمات الدولية والوطنية.

 

اقتباس: 
لونا سعادة. "تأثير الاحتلال الإسرائيلي على حق الاختيار في الزواج في المجتمع الفلسطيني". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 4 عدد 2 (2018): ص. 200-204. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 29 مارس 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/palestinians-choice-marriage.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (406.98 كيلوبايت)

Cover Website.jpg

رسومات زينة حمادي 2018 ©

الحق في اختيار الشريك للطرفين هو حق كفله ميثاق حقوق الانسان والمواثيق الدولية وتزداد أهميته عند الحديث عن حق النساء في تقرير الشريك والذي تم التركيز عليه بشكل صريح في اتفاقية مناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). حيث يخضع حق المرأة في اختيار الزوج في المجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات الاهلية الى الفكر الابوي الذي يحرم المرأة في الكثير من الحالات من هذا الحق. وفي الواقع الفلسطيني تزداد الإشكالية في ظل الاحتلال الإسرائيلي وتصبح قضية الحق في اختيار الزوج قضية سياسية أكثر منها اجتماعية.

من اجل تسهيل الصورة على القارئة والقارئ، من الضروري شرح الواقع السياسي السائد في فلسطين والخاص في عملية التقسيم السياسي الجغرافي لتوضيح قضية تسييس الحق في الاختيار ولم الشمل للأسر وتأثيره على النساء الفلسطينيات.

تستند سياسة إسرائيل في فرض نفوذها على المجتمع الفلسطيني بالتحكم والسيطرة على حق الجنسية وعلى الحق في اختيار أحد الزوجين. وتقوم هذه السياسة بالأساس على مبدأ التهجير للفلسطينيين من خلال تشديد الشروط الخاصة في منح الجنسية للفلسطينيين وبشكل خاص المقدسيين والمقدسيات كآلية لتهويد القدس ومن جهة أخرى على الفلسطينيين القاطنين في مناطق ج كما سأوضح لاحقا.

يخضع الحق في اختيار الشريك/ة الى الواقع السياسي القانوني المفروض على فلسطين من قبل الاحتلال الإسرائيلي. ان التقسيمات السياسية التي فرضت من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين أدت إلى تسييس حق الاختيار للشريك ووضع العديد من التحديات والعراقيل امام المقبلين على الزواج في عملية الاختيار. حيث تخضع فلسطين منذ عام 1948 وحتى الان، الى سلسلة من التقسيمات السياسية الجغرافية الهادفة إلى إلغاء الهوية الفلسطينية. ومنذ اتفاقية اوسلوا وما نتج عنها من تقسيمات إدارية سياسية جديدة (ا، ب، ج) إضافة إلى سياسة العزل على قطاع غزة منذ عام 2006، أصبحت قضية الحق في اختيار الشريك/ة إضافة الى قضية لم الشمل للأسر الفلسطينية اكثر صعوبة.

لا تعد الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وحتى بعد اتفاقية أوسلو حتى الآن، دولة ذات سيادة ذات حدود محددة أو استقلال سياسي أو اقتصادي وتسيطر على أراضيها ومواردها الطبيعية. في العام 1967، تم تقسيم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة.

في أعقاب اتفاقيات أوسلو عام 1993 واتفاق أوسلو الثاني، قسمت الضفة الغربية إلى مناطق أ، ب، وج، لكل منها حوكمة مختلفة، وبالتالي وضع قانوني مختلف. في حين أن المنطقة أ، التي تضم 18٪ من الضفة الغربية، تخضع للسيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية، فإن المنطقة ب تخضع لسيطرة مشتركة على مستويات إدارية وعسكرية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. المنطقة ج التي تضم أكثر من 60٪ من الضفة الغربية هي تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل. تنقسم الضفة الغربية كذلك إلى كانتونات إسرائيلية مثل المناطق H1 وH2 في محافظة الخليل، حيث تخضع H1 للسيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية وH2، التي تشكل 20٪ من الخليل، تحت سيطرة دولة إسرائيل. إن القدس التي يعترف بها القانون الدولي بوصفها مجموعة من الأشخاص تقع تحت السيطرة الكاملة لدولة إسرائيل ويعيش الفلسطينيون بموجبها كـ"مقيمين دائمين" تحت التهديد المستمر للنقل القسري والطرد. حيث يميز القانون الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ويمنع الحق في اختيار شريكأ وبدء أسرة، لأنه ينكر الحقوق على أساس الأصل القومي، ويتم فصل العائلات الفلسطينية القائمة ولا يتم السماح بتأسيس عائلات أخرى. تحرم السياسات الإسرائيلية المقدسيين الفلسطينيين الذين يحملون بطاقات هوية زرقاء، والذين يعيشون إما في منطقة J1 (جزء القدس الشرقية الذي تم ضمه وإدماجه في بلدية القدس الإسرائيلية بعد حرب 1967) أو J2 (المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان في شرق وشمال القدس التي تم استبعادها من بلدية القدس الإسرائيلية) من حقوق الإقامة الأساسية الخاصة بهم في السكن الملائم وحرية الحركة وحقوقهم في الصحة والعمل والتعليم والحياة الأسرية. وتشمل هذه السياسات مجموعة الإجراءات التشريعية (الإسرائيلية) الهادفة إلى تشريد الفلسطينيين من داخل حدود بلدية القدس من خلال إلغاء حقوق الإقامة الخاصة بالفلسطينيين في المدينة.

كما تم تجزئة المناطق الريفية في الضفة الغربية (أ، ب، ج) من خلال نظام التصاريح الإسرائيلية، وجدار الفصل العنصري، وحواجز الطرق ونقاط التفتيش. وفي قطاع غزة، يتم التحكم في الحدود والمياه والمجال الجوي بشكل كامل من قبل الكيان الصهيوني. منذ عام 2008، ارتكبت إسرائيل ثلاث حروب على الفلسطينيين في قطاع غزة مع الدمار الشامل للحياة البشرية والبنية التحتية. علاوةً على ذلك، فصلت سيطرة الكيان الصهيوني ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

ضمن هذا الواقع السياسي وفي إطار سياسة الكيان الصهيوني في بسط سيطرته الكاملة على الأراضي الفلسطينية، لجأ الكيان الصهيوني إلى انتهاك الحق في الحياة الأسرية والحق في الاختيار كآلية للسيطرة. ويتجسد هذا الانتهاك بشكل واضح في القدس وذلك من خلال نوعين من لم الشمل للعائلات. في النوع الأول، عندما يحمل أحد الزوجين هوية زرقاء اللون (وهي حملة السكان القاطنين في مدينة القدس القابعة تحت السيطرة السياسية والقانونية الإسرائيلية) ويحمل الآخر هوية خضراء اللون (وهم الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة)، لا يمكنهم العيش سويًا في منطقة J1. إذا قرر الزوجان العيش معا في J1، يخشى الزوج أو الزوجة دون هوية القدس من الترحيل من المدينة. ويكون الانعكاس أكثر سلبية على النساء بسبب القيود الاجتماعية التي تفرض عليهم بسبب الثقافة الابوية التي تحدد المسموح والممنوع للنساء حسب العادات والتقاليد الابوية. بالتالي فان العديد من الحالات التي قمت بمقابلتها خلال عملي كناشطة في حقوق المرأة تلجأن إلى أن تخفي نفسها ببقائها في المنزل، ولا تتحرك خارج المنزل، وتعيش بشكل غير قانوني (بناء على تعريف سياسة الاحتلال) في J1 مما ينعكس على حقوقها الأخرى كالعمل والتعليم وغيره، أي أنها تصبح في سجن مغلق وهو المنزل بدلا من ان يكون منزل يبعث الأمان والاستقلالية والاستقرار، خاصة ان النساء في حال الزواج في المجتمع الفلسطيني يتبعن الرجل في مكان الإقامة. وهذا ما عبرت عنه احدى النساء التي تحمل هوية خضراء وتزوجت من حامل هوية مقدسية بقولها:

لقد فاتني العديد من المناسبات العائلية في منزل والدي في الخليل، وكذلك عائلتي لم تتمكن من زيارتي لأنهم لم يكن لديهم تصريح لتمكينهم من عبور نقاط التفتيش العسكرية. ولأنني لم أكن حامل هوية في القدس، لم يُسمح لي بالحصول على رخصة قيادة أو العمل داخل إسرائيل.1

ضمن هذا الواقع المعاش، ونتيجة للتوقع المجتمعي من دور المرأة الانجابي، فان بقائها أسيرة في المنزل ومحدودية حركتها تكون مقبولة ومتوقعه منها مجتمعيا. وينظر اليها مزيدا من الاحترام من قبل المحيط بسبب تحملها وقبولها للواقع السياسي. فالتقدير يتعلق بجزئية تحملها الواقع السياسي الناتج من سياسة الاحتلال والذي يعتبر جزءا من النضال بالمفهوم المحلي. ان القيود المفروضة من الاحتلال الإسرائيلي في حق الاختيار والجنسية تساهم في زيادة تهميش النساء واقصائها من الحياة العامة بسبب الثقافة الابوية السائدة والذي ينتج عنه عنفا مزدوجا، لتصبح النساء ضحية الاسرة والمجتمع والاحتلال.

ومن جانب آخر، ومن اجل حفاظ الشريك او الشريكة حملة الهوية الزرقاء قد يلجأ الزوجان إلى العيش منفصلين، وبالتالي يضطران إلى تحمل الانفصال القسري لسنوات عديدة، وإذا كان للزوجين أطفال، فسيتم فصل أحد الزوجين عنهم. ومن هنا فان حق الاختيار قبل الزواج يصبح هاجسا لدى العائلات بسبب صعوبة الحصول على الإقامة في القدس او خارجها. حيث عبرت احدى الأمهات من حملة الهوية المقدسية (الزرقاء):

أفضل ان يكون عريس بنتي هوية مقدسية، لأنه من الصعب ان نعمل لم شمل لعريس ابنتي إذا كان هوية ضفة، وصعب على ابنتي ان تسكن في الضفة في حال الزواج لأنها ستفقد اقامتها في القدس. التبعات سيئة لأنه سيصبح من الصعب عليها زيارتنا أو أولادها في المستقبل.2

بالتالي هذه التجارب المختلفة للنساء وتبادلها فيما بينهن، تساهم في التفكير مليا من قبل الطرفين في اختيار شريك الزواج بناء على المكان الجغرافي السياسي.

النوع الثاني من الانتهاكات يتعلق بالحالات التي كان فيها أحد الزوجين يحمل الهوية الزرقاء، ويعيش الزوجان معاً في منطقة J2 أو في مدينة أخرى في الضفة الغربية. في هذه الحالة، يخاطر الزوج/ الزوجة الذي يحمل الهوية الزرقاء بخسارة وضع الإقامة في القدس، مما يؤدي إلى استبعاده/ها مؤقتًا من تقديم طلب لم شمل العائلات، حيث لا يمكن تقديم هذه الطلبات إلا بعد عامين من الإقامة المتتالية في J1. هذا الواقع يؤثر على حرية الاختيار للزوجين، كما أشارت إحدى الفتيات عن تجربتها بالاتي:

رفضت عائلتي أن ارتبط بالرجل الذي أحبّه، لأنه كان من الضفة الغربية، ولم يتقبل أهلي أن اخسر هويتي المقدسية بسبب زواجي، ولا استطيع أن اضمن حتى بعد الزواج أن يحصل زوجي على إقامة في القدس في حال قدمت له لم شمل من إسرائيل. بالتالي رفضوا أهلي الزواج وأنا لا استطيع أن أعارضهم. (امرأة من القدس الشرقية)3

وينطبق الحال أيضا في الاختيار ما بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، بسبب الصعوبة في التنقل ما بين قطاع غزة والضفة الا بتصريح يتم منحه من الجانب الإسرائيلي والتي نادرا ما تعطى إلا في حالات معينة. يصبح حق الاختيار ما بين الفلسطينيين في الضفة والقطاع أكثر محدودية وصعوبة، بسبب سياسة العزل والانقسام ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة حتى في حالات الزواج:

إن الانقسام والعزلة المفروضة على قطاع غزة تعيق من إمكانية أن يتعرف الشباب والفتيات ما بين الضفة والقطاع على بعضهم. وحتى في حال إمكانية الزواج، فان الإقامة تصبح من القضايا العالقة والتي تتطلب العديد من المحاولات للحصول على إقامة أما في القطاع أو في الضفة. (أمراة من قطاع غزة)4

ان السيطرة الكاملة من قبل سلطة الكيان الصهيوني على سجل السكان الفلسطينيين بما في ذلك الموافقة قبل إصدار شهادات الميلاد وبطاقات الهوية الفلسطينية وجوازات السفر، تؤدي العملية البيروقراطية المعقدة التي تفرضها سلطة الاحتلال وصعوبة الحصول على تصاريح إلى تثبيط كبير للفلسطينيين من التخطيط للمستقبل ومن ضمنها حق الاختيار في الزواج.

قليلة الدراسات التي اشارت الى تأثير سياسة العزل الإسرائيلية والتقسيمات السياسية الجغرافية على حق الاختيار في الزواج، وهي قضية تستدعي التركيز عليها لأنها تمس في حقوق أساسية للنساء بشكل خاص وللمجتمع بشكل عام. وتزداد خطورة الجنسية في فلسطين مع إقرار الكنيست الصهيوني لقانون القومية الذي ينص على "الدولة القومية" اليهودية إن لليهود حق فريد بتقرير مصيرهم، كما يجعل من العبرية اللغة الأساسية للدولة، مهمشا استخدام العربية ولاغيا حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. ان القانون المقر يهدف الى الفصل العنصري والى القضاء على الهوية الفلسطينية والوجود للكيان الفلسطيني.

بعض المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، تعمل جاهدة على تسليط الضوء على الانتهاكات التي تعاني منها النساء بشكل خاص وذلك من خلال رفع التقارير الدولية الى اللجان المختلفة منها لجنة القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة والى لجنة المرأة والمقرر الخاص للعنف ضد النساء، وعلى الرغم من صدور العديد من التوصيات من قبل الأمم المتحدة، الا ان اسرائيل ما زالت تنتهك جميع الحقوق للشعب الفلسطيني والذي دشن اخرها في إقرار قانون القومية.

 
ملحوظات: