"تمكين النساء"، الإمبرياليّة، وقاعدة كمّ الأفواه العالمية

السيرة: 

آريان شاهفيسي فيلسوفة أكاديمية كردية-بريطانية. وهي محاضرة في الأخلاقيات في كلية برايتون وساسكس الطبية، حيث تجري أبحاثًا عبر مجموعة من الموضوعات في الفلسفة التطبيقية، مع تركيز المشاريع الحالية على العدالة الإنجابية والهجرة والحدود والأخلاقيات الصحية العالمية. كتبت آريان تعاليقًا على New Statesman وJacobin وThe Conversation، وقد ظهرت على إذاعة BBC وChannel 4 News، وقامت باستشارات سياسية حول توفير الإجهاض وصحة النساء. أريان عضو في هيئة الاستشارة في كحل، وهي محررة في مجال العلوم لمجلة الأدبThe Offing ، التي تسعى إلى دعم العمل من قبل المهمشين/ات في المساحات الأدبية.

‫ ‫الملخص: 

حدّت "قاعدة كمّ الأفواه العالمية"، وعلى إمتداد ثلاث عقود، من القدرة على الوصول إلى خدمات الصحّة الانجابية في كافّة دول الجنوب. ففي 2017، قام ترامب بتوسيع نطاق صلاحيات السياسة، مقلصًّا، بالتالي، أعداد النساء القادرات على الوصول إلى الإجهاض الآمن. أناقش، من خلال هذه الورقة البحثية، كيف تحوّلت شعوب الجنوب العالمي، بسبب السياسات الاقتصادية للشمال العالمي، إلى شعوب معتمدة تمامًا على المساعدات بغية تأمين الخدمات الصحّية الأساسية. وأبيّن كيف يختلف تأثير محدودية الوصول إلى الرعاية الصحّية وفقًا لاختلاف الجندر، وذلك على صعيدين: أوّلًا، تتكبّد النساء، كمقدّمات رعاية رئيسيات، مزيدًا من الأعمال الرعائية غير المأجورة نتيجة نقص/عدم ملائمة الخدمات االصحّية. ثانيًا، تصبح إمكانية حصول المرأة على خدمات الصحّة الجنسية والانجابية عرضة للأهواء الأخلاقية والسياسية التابعة لقوى خارجية. وتعمل قوى التهميش هذه خلف ستار خطاب مساعدات "تمكين المرأة"، والذي بدوره لا يدرك عمدًأ ماهيّة هذا الوضع. فقد أضعفت سياسات الشمال العالمي الاقتصادية نساء الجنوب العالمي، في حين عرّضت قاعدة كمّ الأفواه العالمية سيادة النساء على أجسادهن إلى الخطر. أمّا الأثر فما هو سوى شكل من أشكال الامبريالية الواجب مقاومته.

الكلمات المفتاحية: 
الإجهاض
الإمبرياليّة
التكيّف الهيكلي
الرعاية صحيّة
العدالة الانجابية
اقتباس: 
أريان شاهفيسي. ""تمكين النساء"، الإمبرياليّة، وقاعدة كمّ الأفواه العالمية". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 4 عدد 2 (2018): ص. 187-199. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 22 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/womens-empowerment.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (639.23 كيلوبايت)
ترجمة: 

هبة عباني هي باحثة ومترجمة وكاتبة تعيش في بيروت، درست الصحافة في الجامعة اللبنانية، وعملت في مجال حقوق الأفراد غير المنضبطين جندريا والنساء. تهتم في كتاباتها وأبحاثها بالقضايا التي تندرج ضمن هذه العناوين.

Cover Website.jpg

رسومات زينة حمادي 2018 ©

مقدّمة

أصبحت عبارة "تمكين النساء"، ضمن خطابات المساعدة والتنمية، شعارًا يرمز إلى الفضيلة. ولكن بلورة هذا الهدف أو بعض متغيّراته، تفرّق بين البرامج/المشاريع الليبرالية والأخرى التقدميّة أو الـ"نسويَة"، بالمعنى الواسع للنسوية. فليس هناك من مثال أكثر إنطباقًا على ذلك كحملة "أثر الفتاة"(Girl Effect) ، والتي قامت بها الشركة المتعدّدة الجنسيات نايكي (Nike). وقد أُطلقت الحملة في العام 2015، بناءً على فكرة مفادها أنّه بالإمكان تحسين النموّ الاقتصادي والتنمية في الجنوب العالمي، عبر الاستثمار في المراهقات ((Shain 2013. حصل هذا رغم سوء سمعة شركة نايكي (Nike) المعروفة بمصانعها المستغلّة للعمّال/ات، والتي تضمّ بين موظّيفها عددا كبيرا من النساء العاملات في النسيج. (تجدر الإشارة إلى أنّ الحملة لا تقدّم أيّة وعود فيما يخصّ ظروف عملهنّ في المستقبل). لم يكن تفضيل المرأة أو العدالة الدافعين الأساسيّين وراء هذه الجهود. حيث يشير رئيس مجلس إدارة شركة نايكي (Nike)، مارك بيتر إلى أنّ "الاقتصاديين برهنوا أنّ <الإستثمار في الفتيات> هو من أفضل العائدات الممكنة على الاستثمار". ويضيف مصرّا على أنّ "الإستثمار فيهنّ ليس عادلًا فحسب، بل هو خطوة اقتصادية ذكيّة" (البنك الدولي 2008). تدلّ عبارة "ليس عادلّا فحسب" إلى أنّ العدالة لا تشكّل، بحدّ ذاتها حافزًا كافيًا، فالحملة وجدت أسسًا أكثر إقناعًا للترويج لمصالح النساء. وبالفعل، حصل ذلك. لكنّ خلق فرص اقتصادية للنساء هو أمر واحد، في حين أنّ اعتبار النساء فرصا اقتصادية هو أمر آخر. حيث أنّ النساء والفتيات، حسب مفهوم هذه الشركات، هنّ تلميذات مؤهّلات وراشدات قادرات على تنظيم المشاريع، مطيعات/سلسات، عاملات كادحات سواء في العمل مدفوع أوغير مدفوع الأجر؛ كما أنهنّ مستهلكات عازمات ومسؤولات. بعبارة أخرى: مواضيع نيوليبرالية مثالية (Mills 2003; Wilson 2015).

تكثُر الأمثلة على مدى انتشار رمز "تمكين النساء" وخوائه في آن واحد، ضمن مجموعة واسعة من السياقات. ففي اليوم العالمي للمرأة، هذا العام، ووسط إضرابات واسعة النطاق لعمّال/عاملات ماك دوانلدز (McDonald’s) من أجل العمّال – نصفهم من النساء، قامت الشركة بتقليب شعارها المميز "M" إلى "W". لم تقم الشركة بذلك للإشارة إلى حقوق العمّال، ولا كدلالة على تحسّن في سياستها، كما ظنّ البعض في البداية. أرادت الشركة، ببساطة أن تشير فقط إلى "النساء" (Khomami and Glenza 2018). كان الغرض من ذلك، إطلاق إلتزام مبهم المعالم تجاه مصالح النساء، وبالتالي تطهير صورة الشركة من دون تقديم أي تنازل في المقابل. وقد تبيّن أن الإستعراض هو الهدف الوحيد لمبادرات كهذه بعد ستة أشهر، عندما نفذّت نساء عاملات من 10 مدن أميركية مختلفة إحتجاجات نتيجة فشل الشركة في التعامل مع التحرّش الجنسي في العمل (Rushe 2018).

لا تنفرد شركتا نايكي وماك دونالدز (Nike and McDonald’s) في النظر إلى النساء على أنّهنّ فرصًا للعلاقات العامّة، أو كمورد للاستغلال الاقتصادي. فالوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) تتباهى بالتزامها تجاه تمكين النساء، زاعمةً أنّها تأمل أن تكون "قوّة دافعة من أجل عدالة النوع الاجتماعي/الجندر، وتمكين النساء على نطاق عالمي" (USAID 2012). فالأمل في "دفع التقدّم التنموي وتعزيز الإزدهار والأمن العالميّين" هو أحد المحفّزات لتحقيق هذا الهدف. وفي حين أنّ هذه المزاعم وُضعت ضمن وثيقة صاغتها الإدارة السابقة، تحظى السياسة بتأييد الوكالة حتى الآن وبفخر، وذلك عبر موقعها الالكتروني هذا العام (USAID 2108a). هذا على الرغم من أنّ رئيس الإدارة الحالية قام بتعميد دوره من خلال توقيع أمر إداري يقتضي تفعيل وتوسيع نطاق سياسة تعرّض سيادة وصحّة وحيوات النساء في الجنوب العالمي إلى الخطر.

تستكشف هذه المقالة نفاق خطاب تمكين المرأة في ظل الأثر العكسي الذي تخلّفه السياسات الاقتصادية للشمال العالمي على نساء الجنوب العالمي. أناقش أنّ السياسات الاقتصادية للشمال العالمي جعلت الجنوب العالمي يعتمد على المساعدات من أجل تأمين الحاجات الأساسية، ممّا يجعله ضعيفًا في وجه تغيّرات الأهواء السياسية والأخلاقية للقوى الخارجية. وهذا يشكّل أحد أشكال الامبريالية الواجب مقاومته.

 

الإشكالية في خطاب التمكين (تمكين المرأة)

نحن نعيش في عالم أبوي لا تتمكّن فيه كثيرات من النساء من تحقيق حاجاتهنّ الأساسية. وفي حين يصحّ توصيف المشكلة كمشكلة قوّة/سلطة، نادرًا ما يستنتج خطاب التمكين أنّ الذنب يقع على إمتيازات الرجل والقمع البنيوي. في المقابل، يقولون لنا أن النساء والفتيات "غير متمكّنات/ضعيفات"، وبالتالي لا بدّ من "تمكينهن". يتباين تعريف هذا التصريح الفضفاض، ولكن تفوح من المصطلح رائحة المقولات السابقة كوصف "المرأة ناقصة"، أي أنّها غير مكتملة، أي أنّها الآخر. كما أنّ خطابات التمكين تصوّر النساء كما لو أنّهن يحتجن إلى بعض التحسينات أو التعديلات، التي لا يملك مؤهلّات توفيرها سوى فاعلي الخير من الشمال العالمي. وبمجرّد أن تتحسّن، ستتحسّن المجتمعات تلقائيًا تبعًا لذلك، الأمر الذي قد يدفع المرء إلى الاستنتاج أنّهنّ السبب أو المصدر الوحيد لهذا النقص.

نادرًا ما توصف السلطة ضمن خطابات التمكين كملكيّة إقصائيّة، أو كقدرة تفتقر إلى الأخلاق. في المقابل، تُصوّر على أنّها مطلوبة/مرغوبة، كما يتمّ تجاهل الدور الإقصائي الذي تلعبه عندما تُمارس بشكلها المفرط: فالجميع يتمتّع بالقدرة على امتلاك السلطة في آن واحد، بينما يحتاج البعض إلى المساعدة من أجل استرجاع سلطتهم/نّ، وبالتالي، يجب بذل الجهود في سبيل "التمكين". يبتعد هذا الطرح عن المنطق، لا سيَما أنّ مسألة القدرة هي مسألة نسبية ومتفاوتة. وفي حين أنّ سلطة الرجل هي جزء من فعل الرجولة بصفته الجندر المثالي في ظلّ مجتمعات أبويّة، نجد أنّ الأحزاب السياسية التي تروّج لتمكين المرأة نادرًا ما ترى أنّ التغيير، في حال كانت هناك حاجة إليه، يكمن في التقليص من موقع الرجل: التخلّص من المثل العليا المرتبطة بالرجولة، وليس فقط في المجتمعات المستهدفة، بل بين تلك المتواجدة في الشمال العالمي، والتي تخلّد لإقتصاد عالمي يسلب الوكالة على الذات.

أن نزعم أنّ النساء والفتيات بحاجة إلى التمكين، يعني أنّ التحديّات التي يواجهنها هي تحدّيات فرديّة معزولة عن البنى الاجتماعية، والتي ترى أنّ كلّ إمرأة هي مسؤولة بمفردها عن تحسين أحوالها. وعليه، يحمل خطاب التمكين بصمة نسوية نيو-ليبرالية، ويتوقّع من النساء أن يجعلن من "الحرية" الفردية هدفًا، وأن يتحمّلن المسؤولية الأساسية للوصول إلى هذه الغاية (Shahvisi 2015; Rottenberg 2018). أمّا الأسوأ، فهو عدم وضع خطاب التمكين في الإطار التاريخي الصحيح. فإنّ إضعاف النساء في الجنوب العالمي يتأثّر بشدّة نتيجة الفقر، الذي تتحمّل مسؤوليته بشكل كبير كيانات الشمال العالمي. في المقابل، يتمّ تأطير مبادرات "تمكين النساء" على أنّها أعمال خيرية، في حين أنّه يمكن اعتبارها شكلًأ من أشكال التعويض. سيتمّ التعمّق في هذه الفكرة بشكل تفصيلي في القسم اللاحق.

أمّا الإشكالية الأخرى، فتعود إلى الفكرة القائلة أنّ النساء يحتجن إلى تشجيع منّظم وجهود برّاقة وتدخلّات، ليصبحن "متمكنّات". فحاجات النساء في عالم الجنوب ليست غامضة أو "متخصصّة". لأنّها لا تنتج عن انحرافات أو ميّزات معيّنة. فالنساء تحتجن إلى العدالة الاقتصادية والصحيّة بصفتهّن عوامل مجسّدة ومعرّضة لقيود اقتصاد عالمي قاس، شأنهنّ شأن الجميع. حيث أنّ برنامج التمكين الذي يفشل في اعتبار هذه الحاجات أولويّة، سيخذل بالضرورة النساء اللواتي يدّعي خدمتهنّ.

هذا الإخفاق، هو تحديدًا ما أقوم باستكشافه في الأقسام التالية. أصف باختصار، قبل وضع الخطوط العريضة لتأثير المساعدات الإمبريالية على صحّة النساء بواسطة قاعدة كمّ الأفواه العالمية، الطرق التي اعتمدتها القرارات الاقتصادية للشمال العالمي لتحويل مواطني/ات الجنوب العالمي إلى مواطنين/ات معتمدين/ات على المساعدات بغية تأمين حقوقهم/نّ الصحيّة الأساسية.

 

إضعاف نساء الشمال العالمي

إذا ما إعتبرنا أنّ النساء في عالم الجنوب يفتقدن إلى القدرة بشكل خاص، فهذا نتيجة الاضعاف الاقتصادي على يد القوى الفاعلة في الشمال العالمي. تعتمد دول عدّة من الجنوب العالمي على التمويل العالمي للصحّة والقادم من الولايات المتّحدة (وغيرها)، حيث تعاني أنظمتها الصحيّة من نقص في الموارد البشرية والتمويل. يعود هذا إلى أسباب عدّة. أولّا، إنّ اقتصاد هذه الدول غالبًا ما يكون ضعيفًا، وهذه نتيجة مباشرة للاستعمار (Bruhn and Gallego 2012). فالاستعمار أيضًا مسؤول عن سبب أساسي آخر في إضعاف الاقتصاد: الحوكمة الهشّة (Tusalem 2016). كما أنّ القواعد الاقتصادية العالمية تزيد من رداءة الوضع عبر تفضيل المصالح الاقتصادية للشمال العالمي (Wade 2004). فدول الجنوب العالمي لا تسدّد الديون ذات الفوائد المرتفعة فحسب، والتي تكبّدتها جرّاء تمكين اقتصادها، بل إنّها تتكبّد خسائر نتيجة التدفّقات الماليّة غير المشروعة، كسوء التسعير في التجارة، والتهرّب الضريبي أيضًا (Brock and Pogge 2014).

قامت دول عدّة في الجنوب العالمي، لضمان حصولها على القروض التنموية، بتطبيق برامج التكيّف الهيكلي منذ 1990، الأمر الذي استلزم حلّ أو خصخصة القطاع الصحّي والرعائي والمموّل من الدولة لكي يصبح أكثر توجّهًا نحو السوق، وبالتالي أكثر قدرة على تسديد الديون. نتج عن ذلك قطاعات عامّة متعاقدة، موارد رعاية صحّية ينقصها التمويل اللازم، وتبعيّة شديدة للمنّظمات غير الحكومية من أجل سدّ العجز عبر تأمين التمويل، الموارد، والكادر البشري لإدارة الخدمات الأساسية.

في قارّة أفريقيا، مات حوالي نصف مليون طفل إضافي، نتيجة عمليّة التكيّف الهيكلي، حيث تم ّ تخفيض الانفاق على الرعاية الصحّية بنسبة خمسين في المئة (McMurtry 1998). وهناك أمثلة لا تحصى حول تأثير التكيّف الهيكلي على مخرجات الصحّة (أنظر/ي Turshen 1977; Aidoo 1982; Coovadia et al. 2009). فالفاعلون الرسميّون، أيضًا، يدركون الدور العام الذي يلعبه التكيّف الهيكلي بالنسبة إلى موضوع الصحّة في الجنوب العالمي. في هذا السياق، يشير العهد الدولي للحقوق الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، التابع للأمم المتّحدة إلى أنّه:

يجب على المؤسّسات الماليّة، سيّما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أن يُولوا اهتمامًا خاصًّا لمسألة حماية الحقّ في الصحّة ضمن سياسات التسليف، وإتّفاقات القروض، وبرامج التكيّف الهيكلي (الأمم المتحّدة 2000).

كما يعترف كبير إقتصاديّي البنك الدولي لمنطقة أفريقيا أنّ:

لم نكن نعرف أنّ الكلفة البشرية لهذه البرامج ستكون مرتفعة بهذا الشكل، ولا أنّ المردود الاقتصادي سيكون بهذا البطئ (Bello et al. 1994).

ما ورد أعلاه يُؤثّر بشكل خاص وكبير على النساء. ففي ظلّ الاستعمار، تمّ عزل النساء عن الاقتصاد الزراعي؛ حين فرض المسؤولون تصوّراتهم، والتي تقضي بأنّ مكان النساء الطبيعي هو في المجال الخاص (Ester 1970). وعليه، فإنّ برامج التكيّف الهيكلي استهدفت النساء في هذا المجال الخاص (Haddad et al. 1995)، بحيث توقّعوا من النساء تخفيف تأثيرات التخفيضات في ميزانية الصحّة والخدمات الرعائية من خلال القيام بمزيد من العمل غير المدفوع ومزيد من العمل الرعائي، بينما تبقين غير مرئيات ضمن حسابات الناتج المحلّي الإجمالي (Sadasivam 1997). بعبارة أخرى، تعتمد سياسات التكيّف الهيكلي على النساء من أجل "امتصاص الصدمة". فالسياسات الاقتصادية تستخدم عمل النساء غير المرئي والذي يهدف إلى حماية مجتمعاتهنّ من الأسوأ، لكي تبيّن أنّ سياساتها أكثر جدوى وأقلّ تدميرًا، كما من أجل إخفاء وجهها/كلفتها الحقيقي/ة.

ومع تفاقم الأزمة، تصبح النساء، بطبيعة الحال، أقلّ حظًّا خلال عمليّة توزيع الموارد القليلة في المنزل، فمن المحتمل أن تعانين من سوء التغذية نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء وإعطاء الأولويّة للرجال العاملين خارج المنزل (Owoh 1993). في سياق مماثل، تعدّ الفتيات أكثر عرضة للإنقطاع عن الدراسة من أجل توفير المصاريف والمساعدة في الأعمال المنزلية (Elson 1995; Korayem 1996). كما يُلاحظ أيضًا الآثار المختلفة على صحّة النساء. وتحديدًا، إرتفاع نسبة وفيّات الأمّهات (Coburn et al. 2015)، وتأثّر صحّة النساء العقلية نتيجة تفاقم أعباء العمل الإضافي غير المأجور (Moncarz 2004).

تؤدّي السياسات الماليّة النيو-ليبراليّة العالمية والتسليف إلى تدهور الصحّة والخدمات الرعائية في عدّة سياقات في الجنوب العالمي، متسبّبًة بتردّي النتائج الصحيّة والتعليميّة، تحديدًا فيما يخصّ النساء والفتيات، إزدياد عمل النساء غير المأجور، وتنامي الإعتماد على المموّلين الخارجيّين. يتطلّب العمل الحقيقي مع حاجات النساء إدراك العوامل التي تحول دون وصول النساء إلى العدالة الاجتماعية والاقتصادية، والتي يحدّدها (من ضمن عوامل أخرى): الطلب على العمل غير المرئي، والقدرة على الوصول إلى الوسائل من أجل حماية صحّتهن وتحقيق سيادتهن الجسديّة.

تضع خطابات التمكين نساء الجنوب العالمي في موقع الممكّنة للسياسات الاقتصادية العالمية ذاتها التي همشّتهن من خلال خلق الفقر، والأعباء الإضافية للعمل غير المرئي، والاعتماد على المنظّمات غير الحكومية عبر مموّلي الشمال العالمي. فمن دون وضع الإضعاف/عدم التمكين في سياق تاريخي دقيق، تصبح محاولات "التمكين" قادرة على التهرّب من النقد، إذ أنّها تجد طرقًا جديدة لاستغلال عمل النساء في الجنوب العالمي. كما أنّ خطابات التمكين تركّز على النساء بوصفهنّ أفراد، فلا تستهدف العوامل البنوية التي تحبس المجتمعات في الجنوب العالمي في حالة من التبعية الاقتصادية. لذا، إنّ فرض الاستعمار الجديد لقيم أخلاقية وسياسية يبقيه بعيدًأ عن المساءلة، في حين تبقى النساء مسؤولات، بالدرجة الأولى، عن تهميشهنّ. في القسم التالي، أستكشف مثالًا حيًّا: الإمبريالية الأخلاقية لقاعدة كمّ الأفواه العالمية.

 

ترامب وقاعدة قاعدة كمّ الأفواه العالمية

انعقد مؤتمر الأمم المتّحدة للتنمية والسكان في العام 1984، في مدينة مكسيكو. هناك، تمّ تمرير سياسة تمنع تمويل الولايات المتّحدة من الوصول إلى المنّظمات التي توفّر خدمات الإجهاض أو خدمات الإرشاد المرتبطة به. كانت النتيجة ما يسمّى ب "سياسة مدينة مكسيكو"، السيّئة السمعة، والتي وقّعها آنذاك، وفي العام نفسه، الرئيس رونالد ريغان. ففي نسختها الأصلية، نصّت السياسة على أنّه في حال تلقّت المنظّمات غير الحكومية تمويلًا فيديراليًا من قبل الولايات المتّحدة، تصبح ملزمة بالتعهّد بأنّها لن "تروّج أو تقدّم/ خدمات الإجهاض"، حتى في لو كان الإجهاض قانونيًا في ولاية معيّنة (وزارة الخارجيّة الأميركيّة 2017). إثر تولّيه الرئاسة في العام 1993، قام بيل كلينتون بإبطال هذه السياسة. ولكنّها تفعّلت من جديد وتوسّع نطاقها من قبل جورج بوش الإبن، ليعود باراك أوباما ويبطلها في 2009.

تكمن المشكلة في سياسة مدينة مكسيكو في عدم تمكّن المنظّمات التي تتلقّى تمويلًا فيديراليًا من مناقشة الإجهاض مع مستخدمات/ي خدماتهم، ولا القيام بالمناصرة من أجل تعزيز القدرة على الوصول إلى الإجهاض أو التشريع. وبالتالي، إنّ قبول التمويل الأميركي يتطلّب من المنظّمة أن تسمح لوزارة الخارجية الأميركية بمراقبة الملفّات والسجلّات من أجل معرفة إذا ما كانت هذه القاعدة مفعّلة أم لا. وتُعدّ الرقابة على الخطاب المتعلّق بتوفير الإجهاض غير دستورية على الأراضي الأميركية بحسب التعديل الأوّل، ممّا خلق مزيدًا من النقاش. وفقًا لذلك، لقّب الناقدون هذه السياسة ب "قاعدة كمّ الأفواه العالمية".

تمّ تنصيب دونالد جونيور ترامب رئيسًا للولايات المتّحدة في 23 من كانون الثاني/يناير، 2017، وكما كان متوقّعًا، فعّل، بعد ثلاث أيّام، قاعدة كمّ الأفواه العالمية. كما وسّع نطاق صلاحيّات السياسة بشكل كبير، بما في ذلك المشهد العالمي فيما يخصّ الصحّة الجنسيّة والانجابية. كانت قاعدة كمّ الأفواه العالمية السابقة تنطبق على التمويل الأميركي المتعلّق بالتنظيم الأسري، أي ميزانية بحدود حوالي ستمائة مليون دولار. أمّا سياسة ترامب الجديدة فهي متصّلة بكلّ التمويل الأميركي الفيديرالي الخاص بالصحّة العالمية، وهي تقدّر بتسعة مليارات دولار. يتضمّن هذا: التمويل الأميركي من أجل فيروس نقص المناعة المكتسب/الإيدز، صحّة الأمّ، الصحّة الانجابية، وبرامج اللقاحات (الوكالة الأميركيّة للتنمية 2018ب).

لكي نفهم دلالة توسيع نطاق صلاحيّات هذا القانون، علينا أن نعي أنّ التمويل الأميركي للصحّة العالمية هو المصدر الأضخم والوحيد للتمويل المرتبط بالمساعدات الصحيّة العالمية، وهو يسبق مساهمات منظّمة الصحّة العالمية، ومؤسّسة غايتس (Garrett 2013; Kucheryavenko 2018).1 ففي ظلّ سياسة ترامب الجديدة، والتي إبتكرت مبدأ "حماية الحياة من خلال المساعدات الصحّية العالمية"، تصبح هذه الحصّة الكبيرة من التمويل مشروطة بعدم إستخدام الأموال لهدف توفير الإجهاض، أو حتى تقديم الإرشادات حوله، حتى لو من مصدر تمويل آخر.

 

إستكشاف تأثيرات قاعدة كمّ الأفواه العالمية الجديدة

يتوجّب على مقدّمي خدمات الرعاية الصحّية العاملين ضمن المنظّمات غير الحكومية، من أجل الحصول على جزء ما من التمويل الأميركي الخاص بالصحّة العالمية والمقدّر بتسعة مليارات دولار، أن تتعهّد بعدم "توفير الإجهاض، ولا الترويج له كطريقة من طرق التنظيم الأسري" (وزارة الخارجيّة الأميركيّة 2017). ممّا يضع مقدّمي الرعاية الصحّية أمام خيارين:

          (أ) إيقاف التقديمات، الإستشارات، الإحالات، والمناصرة المرتبطة بالإجهاض؛

          (ب) رفض التمويل الأميركي، ممّا يؤثّر على قدرتهم على تقديم خدمات الرعاية الصحّية الأخرى.

من الصعب أن نتخيّل طريقة ما لمواجهة معضلة أكثر إرباكًا. فالمنظّمات غير الحكومية التي ترفض التمويل الأميركي بهدف مواصلة تقديم كافّة خدمات التنظيم الأسري وفقًا لمبادئ المنظّمة، سوف تعاني من عجز حادّ في تمويلها. حيث، سيصعب على تلك المنظّمات تسديد العجز من مصادر أخرى، خاصّة في ظلّ إقتطاع التمويل العالمي للصحّة، ممّا سوف يؤدي إلى تقليص الخدمات. هذا الأمر لا يعرّض فحسب حياة وصحّة مستخمات/ي الخدمات إلى الخطر، لكنّه، وللمفارقة، سوف يجعلهم غير قادرين على تقديم خدمات الإجهاض، أو سوف يجبرهم على تقليص حجم هذه الخدمات.

وفي حال قرّرت منظّمة أن تكون برغماتية، وأن تتخلّى عن تقديم خدمات الإجهاض من أجل ضمان إستمرارية عملها بأقصى قدرة، فهي تُبقي بذلك نساء كثيرات دون أيّ سبيل للإجهاض الآمن. وبالتالي، تتخلّى عن حقّ النساء بامتلاك أجسادهنّ مقابل توفير حاجات الجميع إلى الرعاية الصحّية. من وجهة نظر أخلاقيّة، لا تُعدّ أيّ من تلك الإستجابات مقبولة، ولكن، الخطأ الأخلاقي ارتكبته بوضوح السياسة التي فرضت هذه المعضلة. فمهما كان القرار، فإنّ مناصري قاعدة كمّ الأفواه العالمية هم المنتصرون: بعض المنظّمات تتخلّى عن عملها حول الإجهاض، بينما يفرض على آخرين تقليص قدرات عملهم.

ولكن، وبطبيعة الحال، تفشل قاعدة كمّ الأفواه العالمية من تحقيق مبتغاها: فأعداد عمليّات الإجهاض لم تتناقص. علمًا أنّه ما زال من المبكر إطلاق أحكام إجمالية نظرًأ إلى نسبة وتفاصيل التأثيرات المتعلّقة بنسختها الأخيرة، علمًأ أنّه تمّت مراقبة، وبشكل دقيق للغاية، النسخة الأقلّ تشدّدًأ، والتي كانت قيد التطبيق مرّتين. تجدر الإشارة إلى أنّ قاعدة كمّ الأفواه العالمية لم تٌظهر أيّ تراجع في أرقام عمليات الإجهاض. تعتبر هذه النقطة في غاية الأهمية لأنّ الهدف المزعوم لقاعدة كمّ الأفواه العالمية هو الحدّ من الإجهاض، وبالتالي تحقيق هدف السياسة الحقيقي في "حماية الحياة". في الواقع، يبدو أنّ عدد عمليّات الإجهاض تزايد منذ بدء تطبيق قاعدة كمّ الأفواه العالمية (Bendavid et al. 2011). يمكننا أن نفهم هذا التأثير غير البديهي إذا ما إعتبرنا أنّ قاعدة كمّ الأفواه العالمية تميل إلى تقليص قدرة المنظّمات التي توفّر خدمات التنظيم الأسري. وبالنتيجة، تبقى قدرة النساء على الوصول إلى وسائل منع الحمل ضئيلة، وبالتالي سيحتجن، على الأرجح، إلى الإجهاض لإنهاء الحمل غير المرغوب. أظهرت قاعدة كمّ الأفواه العالميّ’ أيضًا تأثيرات سلبية على صحّة الطفل، حيث ينتج عن عدم الوصول إلى وسائل منع الحمل ولادات غير مرحّب بها لأطفال ليس من الممكن تلبية حاجاتهم (Jones 2011).

أما الأمر الأهمّ، فهو يكمن في عدم توفّر الإجهاض الآمن في حالات كثيرة، سيّما أن نسبة الإجهاض لم تتراجع في ظلّ قاعدة كمّ الأفواه العالمية، حيث توقّفت خدمات المظّمات التي كانت توفّر الإجهاض أو الإرشاد حول هذا الموضوع، والتي يتواجد معظمها في الجنوب العالمي (Grimes et al. 2006; WHO 2012). أمّا النسخة المتّسعة الصلاحيات فمن شأنها، على الأغلب، أن ترفع من هذه النسبة فتبقى معدّلات الإجهاض على حالها، في حين تصبح نسبة عالية منه غير آمنة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ توقّف الخدمات الأخرى نتيجة إنقطاع التمويل سيرفع، على الأرجح، من معدّلات الوفيّات نتيجة أسباب أخرى.

تخلق قاعدة كمّ الأفواه العالميّة جوًّا من الرقابة حول مسألة الإجهاض، حيث يبذل العاملين/ات في المنظّمات غير الحكومية مجهودًا شاقّا وطويل الأمد "من أجل تجنّب الشّك بأنّهم يتحدّثون/تتحدّثن عن الموضوع المحرّم أي الإجهاض غير الآمن" (Ernst and Mor 2003, p.10). في السياق نفسه، يقول ممثلو/ات المنظّمات غير الحكومية أنّهم/نّ يتجنّبون/ن المساهمة في النقاش حول توفير الإجهاض في بلدانهم/نّ من أجل حماية تمويلهم. من المحتمل أن تترك هذه الرقابة أثرًا طويل المدى على الخطاب المتعلّق بالإجهاض والقدرة على الوصول إليه في بلدان عالم الجنوب.

توقّعت منظّمة ماري ستوبس الدولية، أنّ تخفيض تمويل خدماتها في ظلّ قاعدة كمّ الأفواه العالمية سيتسبّب بزيادة تقدّر ب6.5 مليون حمل غير مرغوب، 2.1 مليون إجهاض غير آمن، وأكثر من 21 ألف وفاة بين الأمّهات (Marie Stopes International). حتى الآن، يقدّر عجز المنظّمة ب 60 مليون دولار، ما أدّى إلى تقليص أو توقيف خدمات الصحّة الجنسية والانجابية في كلّ من مدغشقر، أوغندا، وزمبابواي (Harris 2018). كما أفادت منظّمة خيارات لصحّة العائلة كينيا، وهي المنظّمة الأولى لناحية توفير خدمات الصحّة الجنسية والانجابية في كينيا، بوجود تأثيرات مقلقة نتيجة انخفاض تمويلها بنسبة 60% (Ingber 2018). فقد توقّفت إحدى مبادرات التواصل التابعة لها، والتي كانت تزوّد 76000 إمرأة كل سنة بخدمات الصحّة الجنسية والانجابية المجّانية (Jerving 2018). فيما أقفلت العيادات المختصّة التي كانت تقدّم الخدمات لعاملات الجنس والأقليّات الدينية، في حين تقلّصت إمكانيّاتها بالنسبة للخدمات الصحّية الأخرى، بما فيها اللقاحات، الكشف عن سرطان عنق الرّحم، رعاية الأمّ، طبّ الأطفال، وأيضًا الوقاية والعلاج من فيروس نقص المناعة المكتسب/الإيدز. ويُتوقّع أن يكون لقاعدة كمّ الأفواه العالمية نتائج كارثية على الوقاية والرعاية بما يتعلّق بفيروس نقص المناعة المكتسب/الإيدز، حيث أنّ ثلثي التمويل الخاضع للإضافات التي أدخلها ترامب على السياسة يخصّ برامج فيروس نقص المناعة المكتسب/الإيدز (AIDS United 2017).

يجد العاملون/ات في المنظّمات غير الحكومية أنفسهم/نّ في مأزق أخلاقي فرضه، بصورة متعمّدة، المموّلون الذين يتحدّد تأثيرهم السياسي في بلادهم وفقًا لموقفهم من الإجهاض. ولكن، بالإضافة إلى العوائق الحتمية التي يواجهون عند تقديم الخدمات، والتي تمثّل قلقًا أخلاقيًا، يواجه العاملون/ات في المنظّمات غير الحكومية صعوبة يمكن تجنبها بشكل كامل: فرض إطار عمل أخلاقي يخدم مصالح السياسيين الساعين إلى السلطة في أماكن أخرى من العالم. فهذا شكل من أشكال اللإمبريالية الأخلاقية. حيث تطبّق، قسرًا، مبادئ الدول القويّة على الآخرين، ضمن سياق تختلف فيه كليًّا الأولويّات والنتائج، وتتفاقم المخاطر على الصحّة.

 

خلاصة

قدّمت السياسات الاقتصادية للشمال العالمي قروضًا تشترط على شعوب عالم الجنوب القضاء على خدماتها الصحيّة، وإضعاف قدرة النساء على الرعاية بصحتهنّ وصحّة الآخرين، وربطها بالاعتماد على تبرّعات من مموّلين خارجيّين. ففي ظلّ هذا الوضع الصعب، تصبح الولايات المتّحدة قادرة على تطبيق قاعدة كمّ الأفواه العالمية، جاعلة تمويلها للصحّة العالمية مشروطًا بتنازل النساء عن سيادة أجسادهنّ. لا يمكن للنساء في عالم الجنوب أن "يتمكّنّ" دون التخلّص من علاقة التبعية والشرطية لدول و مؤسّسات عالم الشمال.

على وجه التحديد، ينبغي على القوانين الدولية أن تمنع الدول من ربط تمويل الاحتياجات الأساسية بالقضايا السياسية الآنية. فالوضع الحالي، يخوّل الولايات المتّحدة من استخدام مواردها المالية الضخمة من أجل توريد انقساماتها الايديولوجية المحليّة إلى عالم الجنوب، حيث تتعرّض حياة النساء إلى الخطر من أجل الكسب السياسي. ففي ظلّ توفّر متّسعًأ من الحيّز للممارسة الضميرية في كيفيّة توزيع المساعدات الأجنبية، يجب على كافّة السياسات المرتبطة بالصحّة أن تتعلّم الواقع المعاش لمتلقي/ات الخدمات، وأن تخضع لمبدأ عدم إلحاق الأذى في أخلاقيتها الطبيّة. وفي حال أدّت هذه القيود إلى سحب التمويل الأميركي الفيديرالي كليّا، فإنّ هذا سيتيح للمنظّمات غير الحكومية وللحكومات أن تخطّط بما يتناسب مع الوضع، بدلًأ من التواطئ براغماتيًا مع ايديولوجيات تجد أن هناك حياة أهمّ من أخرى. تتسبّب قاعدة كمّ الأفواه العالمية، بشكلها الحالي، كما هي، بالأذى، كما يوجد دليل غير واضح على إضعافها لأهداف الصحّة العالمية. فالهدف المزعوم أي "حماية الحياة من خلال المساعدة الصحّية العالمية" لم يتحقّق: حيوات النساء مهدّدة عبر السياسة الجديدة، والتي لن تحمي الأجنّة.

خلال السنوات المتبقّية من ولاية ترامب، والسنوات التي ستليها، ستتقلّص بشكل كبير قدرة ملايين من النساء في عالم الجنوب على الوصول إلى الرعاية الطبيّة والموارد الضرورية لتحقيق سيادة الجسد. بينما ستموت كثيرات نتيجة للإجهاض غير الآمن، أو كنتيجة لتناقص التمويل العالمي الخاص بالصحّة بشكل عام. بينما، ستواصل برامج "تمكين النساء"، الرافعة لشعار الفضيلة ترويجها لمصالح عالم الشمال الاقتصادية ذاتها، والتي ما تزال تضعف النساء في عالم الجنوب وتنتج أرضًا خصبة لاستمرار الاستعمار الجديد.

 

  • 1. علينا أن ننظر إلى هذا النمط في سياقه الكامل. تعتبر دول قارّة أفريقيا الأكثر استفادة من تمويل الصحّة العالمية للولايات المتّحدة، وفي حال قمنا بدراسة تدفّق الأموال، نجد أنّ أفريقيا هي الدائن الوحيد لباقي العالم (Boyce and Ndikumana 2005; 2011)
ملحوظات: 
المراجع: 

Aidoo, T.A. 1982. Rural health under colonialism and neocolonialism: a survey of the Ghanaian experience. International Journal of Health Services 12(4), pp. 637–657.

AIDS United 2017. AIDS United | Blogs - Expanded “Global Gag Rule” Threatens Global HIV/AIDS Progress. Available at: https://www.aidsunited.org/Blog/?id=3581 [Accessed: 26 October 2018].

Bello, W.F. et al. 1994. Dark victory: The United States, structural adjustment, and global poverty. London: Pluto Press.

Bendavid, E. et al. 2011. United States aid policy and induced abortion in sub-Saharan Africa. Bulletin of the World Health Organization 89, pp. 873–880c.

Boyce, J.K. and Ndikumana, L. 2001. Is Africa a net creditor? New estimates of capital flight from severely indebted sub-Saharan African countries, 1970-96. Journal of Development Studies 38(2), pp. 27–56.

Boyce, J.K. and Ndikumana, L. 2005. Africa’s Debt: Who Owes Whom? In: Epstein, G. ed. Capital flight and capital controls in developing countries. Cheltenham, Gloucestershire: Edward Elgar Publishing, p. 334.

Brock, G. and Pogge, T. 2014. Global tax justice and global justice. Moral Philosophy and Politics 1(1), pp. 1–15.

Bruhn, M. and Gallego, F.A. 2012. Good, bad, and ugly colonial activities: do they matter for economic development? Review of Economics and Statistics 94(2), pp. 433–461.

Coburn, C. et al. 2015. The African Development Bank and women’s health: A cross-national analysis of structural adjustment and maternal mortality. Social Science Research 51, pp. 307–321. doi: 10.1016/j.ssresearch.2014.09.007.

Coovadia, H. et al. 2009. The health and health system of South Africa: historical roots of current public health challenges. The Lancet 374(9692), pp. 817–834.

Elson, D. 1995. Male bias in macro-economics: the case of structural adjustment. In: Elson, D. ed. Male bias in the development process. Manchester: Manchester University Press, pp. 164–90.

Ernst, J. and Mor, T. 2003. Breaking the silence: the global gag rules impact on unsafe abortion. The Center for Reproductive Rights. Available at: https://www.reproductiverights.org/sites/default/files/documents/bo_ggr.pdf.

Ester, B. 1970. Women’s Role in Economic Development. American Journal of Agricultural Economics 53(3), pp. 536–537.

Garrett, L. 2013. Existential challenges to global health. Center on International Cooperation. Available at: http://www.dphu.org/uploads/attachements/books/books_1015_0.pdf.

Grimes, D.A. et al. 2006. Unsafe abortion: the preventable pandemic. The Lancet 368(9550), pp. 1908–1919.

Haddad, L. et al. 1995. The gender dimensions of economic adjustment policies: Potential interactions and evidence to date. World Development 23(6), pp. 881–896. doi: 10.1016/0305-750X(95)00022-5.

Harris, W. 2018. Trump’s Global Gag Rule one year on. Marie Stopes International 19 January. Available at: http://mariestopes.org/news/2018/1/global-gag-rule-anniversary/ [Accessed: 26 October 2018].

Ingber, S. 2018. Kenyan Clinic Rejects Trump Abortion Policy, Loses $2 Million In U.S. Aid. National Public Radio 2 May. Available at: https://www.npr.org/sections/goatsandsoda/2018/05/02/604425181/kenyan-cl... [Accessed: 26 October 2018].

Jerving, S. 2018. Q&A: ‘Global gag rule’ hits Kenya’s largest reproductive health organization | Devex. Available at: https://www.devex.com/news/q-a-global-gag-rule-hits-kenya-s-largest-repr... [Accessed: 26 October 2018].

Jones, K.M. 2011. Evaluating the Mexico City Policy: How US foreign policy affects fertility outcomes and child health in Ghana. International Food Policy Research Institute (IFPRI).

Khomami, N. and Glenza, J. 2018. ‘Try again’: McDonald’s women’s day stunt criticized as hollow gesture. The Guardian 8 March. Available at: https://www.theguardian.com/business/2018/mar/08/mcdonalds-sign-internat... [Accessed: 18 October 2018].

Korayem, K. 1996. Structural adjustment, stabilization policies, and the poor in Egypt. Cairo: American University in Cairo Press.

Kucheryavenko, O. 2018. Global health finance: adapting to a new reality | Global Health. PLOS Blogs 19 February. Available at: https://blogs.plos.org/globalhealth/2018/02/global-health-finance-adapti... [Accessed: 18 October 2018].

Marie Stopes International 2017. Re-enactment of the Mexico City Policy. Available at: http://mariestopes.org/news/2017/1/re-enactment-of-the-mexico-city-policy/ [Accessed: 19 October 2018].

McMurtry, J. 1998. Unequal freedoms: The global market as an ethical system. Toronto: University of Toronto Press.

Mills, M.B. 2003. Gender and inequality in the global labor force. Annual Review of Anthropology 32(1), pp. 41–62.

Moncarz, E. 2004. Constant exhaustion: women work and mental health. Womens Health Journal (2–3), pp. 87–90.

Ndikumana, L. and Boyce, J.K. 2011. Capital flight from sub-Saharan Africa: linkages with external borrowing and policy options. International Review of Applied Economics 25(2), pp. 149–170.

Owoh, K. 1993. Gender and Health in Nigerian Structural Adjustment: What Does it Mean for Women? Canadian Woman Studies 13(3), pp. 71–74.

Rushe, D. 2018. McDonald’s workers walk out in 10 US cities over ‘sexual harassment epidemic’. The Guardian 18 September. Available at: https://www.theguardian.com/business/2018/sep/18/mcdonalds-walkout-worke... [Accessed: 18 October 2018].

Sadasivam, B. 1997. The Impact of Structural Adjustment on Women: A Governance and Human Rights Agenda. Human Rights Quarterly 19(3), pp. 630–665.

Shain, F. 2013. ‘The Girl Effect’: Exploring Narratives of Gendered Impacts and Opportunities in Neoliberal Development. Sociological Research Online 18(2), pp. 1–11. doi: 10.5153/sro.2962.

Turshen, M. 1977. The impact of colonialism on health and health services in Tanzania. International Journal of Health Services 7(1), pp. 7–35.

Tusalem, R.F. 2016. The Colonial Foundations of State Fragility and Failure. Polity 48(4), pp. 445–495.

UN 2000. Committee on Economic, Social and Cultural Rights, General Comment No. 14, The Right to the Highest Attainable Standard of Health. Available at: https://www.refworld.org/pdfid/4538838d0.pdf [Accessed: 25 October 2018].

US Department of State 2017. Protecting Life in Global Health Assistance. Available at: https://www.state.gov/documents/organization/271867.pdf.

USAID 2012. Gender equality and female empowerment policy. Available at: https://www.usaid.gov/sites/default/files/documents/1865/GenderEqualityP....

USAID 2018a. Gender Equality and Women’s Empowerment | U.S. Agency for International Development. Available at: https://www.usaid.gov/what-we-do/gender-equality-and-womens-empowerment [Accessed: 23 November 2018].

USAID 2018b. Global Health Legislative & Policy Requirements. Available at: https://www.usaid.gov/what-we-do/global-health/cross-cutting-areas/legis... [Accessed: 18 October 2018].

Wade, R.H. 2004. Is globalization reducing poverty and inequality? World development 32(4), pp. 567–589.

WHO 2012. Unsafe abortion incidence and mortality: global and regional levels in 2008 and trends during 1990-2008. Available at: http://apps.who.int/iris/handle/10665/75173.

Wilson, K. 2015. Towards a Radical Re-appropriation: Gender, Development and Neoliberal Feminism. Development and Change 46(4), pp. 803–832. doi: 10.1111/dech.12176.

World Bank 2008. Press Release: The World Bank Launches Private-Public Initiative to Empower Adolescent Girls. Available at: http://siteresources.worldbank.org/INTECAREGTOPGENDER/Resources/Adolesce....