يومَ لم نَمُت

السيرة: 

غوى صايغ كاتبة كويرية آناركية، وناشرة مستقلة ومؤرشفة. هي المحرّرة المؤسِّسة لمجلّة "كحل" ومؤسِّسة شريكة لـ"منشورات المعرفة التقاطعية". حصلت على ماجستير في الدراسات الجندرية من جامعة باريس 8 فينسين - سانت دينيس. إنها شغوفة بنظرية الكوير، والمنشورات الدورية العابرة للحدود القومية، والتاريخ المتخيل أو المجهول. أودري لورد وسارة أحمد هما ملهمتاها.

اقتباس: 
غوى صايغ. "يومَ لم نَمُت". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 8 عدد 2 (02 ديسمبر 2022): ص. 1-1. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 28 مارس 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/369.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
ترجمة: 

مدير الترجمة في مجلة "كحل". تمارس الترجمة المكتوبة والتعاقبيّة مع تخصص في مجال السياسة والإدارة العامة وموضوعات الهجرة / اللاجئين والعلوم التربوية.

مع انتهاء "مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي"، دوّت صرخة خيبة أمل نشطاء المناخ والسياسيين البيئيين في كلّ مكان. لم تُتخَذ قراراتٌ ذات مغزى للحدّ بشكل جاد من انبعاثات الكربون أو إبطاء استخراج الوقود الأحفوري، وبهذا شكّل "مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي" كارثة دبلوماسية، خاصة في وقتٍ يُطلَب منّا فيه العمل من أجل البيئة، وبنحو عاجل. بعبارةٍ أُخرى سار مؤتمر الأمم المتحدة بزيفٍ روتينيّ مُعتاد.

ما سار كالمعتاد أيضاً، كان تدفّق نشطاء المناخ والمندوبين وممثلي الدول إلى شرم الشيخ للتفاوض بشأن التغيّر المناخي. لعقود من الزمان، لعب النشاط المناخي دور بطل المكاسب الصغيرة، إلى أن أصبح حجم الأزمة واسع النطاق ويتعذّر احتواؤه كميّاً. الآن بعد أن أيقنّا أن قادة العالم لن "يستيقظوا" لإنقاذنا أو إنقاذ الكوكب، يصعُب علينا أن نفهم الآمال المحطّمة لنشطاء المناخ، الذين وباستخدامهم لنفس الاستراتيجية، توقّعوا أن تسفر عن نتيجة مختلفة. لدى "مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي" تاريخ مترسّخ من الفشل عندما يتعلق الأمر بالعدالة البيئية: لقد جرى بالفعل الاعتراض على مؤتمر الأطراف الأول بالاحتجاجات1 التي جرى تعمّد تجاهلها من قِبل كُلٍ من المندوبين والدول. في الواقع، جدّد "مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي" وجوب التزام نشطاء المناخ "باللاعنف".2 إن كانت ساعة الفعل قد دقّت، كما قيل لنا، فمتى نتوقف عن التفاوض؟

في الخطابات الليبرالية حول البيئة، يُستحضَر الجنوب العالمي بعبارات من الشفقة والأبوية. نمثّل لهم مكبّات القمامة والبيئات غير الصالحة للحياة والمدن التي تغمرها الفيضانات والمهاجرون لأسباب مناخية وأولئك الذين سيتكبّدون أكبر قدر من الخسائر ويموتون بنحوٍ فظيعٍ جداً. لسنا المقاومين، إلا أن النشاطية السياسية تحدث في مكان آخر - أحياناً باسمنا وأحيانا باسم آخرين.

بصفتنا مناضلين ومقاتلين من أجل الحرية، فقد جلسنا لعقود في اجتماعات تعلّمنا فيها عن قدوم الأزمة - وهي أزمة يجري الإشارة إليها بكونها تنتمي إلى زمن مستقبلي غير مؤكد الحدوث بحيث يتعذّر حشد أي مقاومةٍ فورية لها، أما الآن فهذه الأزمة أقرب من أن نماطل. يُقال إن نهاية العالم وشيكة، كما لو أنها فكرة غابت عن خواطرنا، كما لو أن جموعاً منا لم تخض صراعها مع نهاية الزمان بالفعل.

إن تاريخ المقاومة لأجل الأرض والسيادة في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا، يمتدّ على أقل تقدير قرناً من الزمان. بدءاً من فلسطين إلى لبنان وكُردستان، قاوم الناس عبر العصيان: بتهريب البذور وزراعة الأراضي الزراعية متحايلين على نقاط التفتيش. حَمَينا آبار المياه بأجسادنا وحافظنا على وسائل نقل الأجداد وواجهنا بناء السدود ومكائد خطوط الأنابيب... نظراً لأن نشطاء المناخ العالمي يتخلّون ببطء عن مساعيهم السلمية، فإن مقاومة جميع الأنظمة الاستبدادية والقوى الاستعمارية والاستعمار الاستيطاني والاحتلال لا يُنظر إليها بعد على أنها شكل من أشكال النضال "من أجل المناخ"، وإنما من أجل "قضايا" أخرى تُعدُّ البيئة نسبةً إليها مسألة جانبية. كتب مالم بياناً للمقاومة "كيف تُفجّر خط أنابيب" قائلاً:

جرى تعطيل الأجهزة التي ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون مادياً طوال قرنين من الزمان، من قبل مجموعات من الشعوب المستعمَرة كرد فعل غاضب على قوى الأتمتة والفصل العنصري والاحتلال – ولكنها لم تُشكّل بعد قوى مدمرة في حد ذاتها.

استحضرت قراءتي لهذه الكلمات، الاحتجاجات على أزمة النفايات في بيروت عام 2015. نزَفَت راحاتنا أثناء خلع سياج الأسلاك الشائكة، وجرَفَت دماءنا ضراوة خراطيم المياه التي استخدمتها شرطة مكافحة الشغب لتفريقنا. كان ذلك في مُنتصف فصل الصيف والكثيرون من المُحتجيّن لم يكن لديهم مياه صحّية في منازلهم. اختنقنا بفعل الغاز المسيل للدموع، ولم تكن رائحته تختلف كثيراً عن الهواء الفاسد والقمامة المحترقة التي كنا نستنشقها منذ أسابيع.

من دون عقيدة بيئية راديكالية تمهدّ لفعل مقاوم، ستتراجع مساعي نشطاء المناخ بسرعة وسيفترضون أن الكارثة البيئية لها علاقة بجوهرانية "طبيعية" تحتّم حالة تَرَدٍّ عام: مثل الأعاصير على أنواعها والطوفانات والفيضانات وحرائق الغابات والجفاف والموجات الحرارية. لكن الكوارث البيئية ليست مجرد حوادث تلقائية للطبيعة، بل هي أحداث تجري هندستها من قِبل النظام العالمي. بالتالي، كيف تختلف القمامة عن الغاز المسيل للدموع الذي يتم إطلاقه لتفريق المُتظاهرين؟ كلاهما ثمرة منطق فائض إنتاجي واحد، القمامة ترجمة لتراكم رأس المال والقنابل ضمانة صناعية لهيمنة رأس المال نفسه.

لقد فهم المنظّرون ونشطاء المناخ تماماً الصلة الوثيقة ما بين الرأسمالية والتغيّر المناخي: فالرأسمالية تقوم على إبادة البيئة، ولأجل التغلّب على التغيّر المناخي، لا بُدّ من القضاء على الرأسمالية.3 هل يمكن قول الأمر ذاته عن تثبيت أنظمة القوة؟ لم يُحدث "مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي" القطيعة التي سعى إليها نشطاء المناخ، لكنه طرح على المِحكّ هذا السؤال عن غير قصد. علاء عبد الفتاح، الذي بدأ إضراب المياه وسط أسوأ أزمةٍ للمياه في مصر،4 اعتزم إطلاق سراحه خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي، أو أن يموت وهو يحاول. في حال أخفقت الدول، فإن علاء شأنه شأن ملايين السجناء الذين ماتوا منسيين على بعد كيلومترات فقط من انعقاد مؤتمرات الأطراف والاجتماعات الدبلوماسية ومؤسسات إدارة الدولة، وضعوا السجون كمؤسسة منتجة للقمع الاستبدادي والأرباح الرأسمالية في واجهة الصحف أثناء مؤتمر حول تغيّر المناخ.

ما هي إذاً الكارثة البيئية؟ السجون والبنوك هي كارثةٌ بيئية. الانفجار الذي وقع في بيروت كارثةٌ بيئية. النفايات والقنابل المُسيلة للدموع كارثةٌ بيئية، وكذلك هو الاحتلال والاستعمار الاستيطاني. بالقول إن أزمة المناخ يقابلها اللاعنف في أحسن الأحوال والتقاعس في أسوأ الأحوال، معناه عدم إلقاء نظرة فاحصة على العالم اليوم. عندما يجري تخريب البنى التحتية الملوثة وكلما يقوم السجناء بالإضراب أو الخروج من خلف القضبان وكلّما يُحرق بنك أو يُعطَّل وكلما نستخدم أجسادنا لوقف تدمير النظام البيئي، إنها أفعال إيكولوجية جذرية.

إن الإدراك الشامل للأزمة البيئية أو حتى الرأسمالية يمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى شيء من اليأس، كما لو أن كل ما يتبقى لنا هو "أن نتعلّم الموت". ولكن بالعودة لروث ويلسون جيلمور، ليست لدينا رفاهية ألا نتخيّل نهاية النظام العالمي الحالي5، فإننا محكومون بالأمل. إننا نعرف بالفعل كيف نحرم أجسادنا من الطعام والماء. نعرف بالفعل كيف نموت في سياقات الحروب التي لا تنتهي من أجل النفط والموارد. لكننا نعرف أيضاً كيف نعيش ونقاوم. وسنتمسك بما تبقّى لنا وسط هذه الحرب القائمة.

ملحوظات: