التنظير الممارس للتنسيق الفنّي الكويري: الدروس المستفادة من الإخفاقات في مهرجان "كوير" آسيا السينمائي

السيرة: 

أكمَلَ ج. دانييل لوثر أبحاث الدكتوراه من SOAS في عام 2019. وقد شاركوا في تأسيس Queer" Asia" في عام 2015 ويواصلون المشاركة في تنظيم هذا العمل. زميلة تدريس في قسم دراسات النوع الاجتماعي في كلية لندن للاقتصاد. تركز أبحاثهم وعملهم على النوع الاجتماعي والجنس وإنهاء الاستعمار والدراسات الثقافية في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. كما أنهما محرّران مشاركان في 'Queer' Asia: Decolonising and Reimagining Sexuality and Gender (2019). وهم حاليًا باحثون زائرون مساعدون في Queer@King's in King's College London، وقد سبق لهم التدريس في SOAS وجامعة وارويك.

‫ ‫الملخص: 

يستخلص هذا المقال تجربة أربع سنواتٍ من العمل في إطار التنسيق الفنّي لمهرجان "كوير" آسيا السينمائي في لندن، بغية تحليل الازدواجيات والمسار الانفعالي الذي يوضّح التنظير الكويري بالممارسة في مجال التنسيق الفنّي. ويسعى هذا المقال إلى تقديم قراءة نقدية بالإخفاقات في التنسيق الفنّي لمهرجان السينما الكويرية المختصّ بالأفلام والفيديو من مختلف أنحاء آسيا وإفريقيا ومجتمعات المهجر في الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا الجنوبية، باعتبارها وجهًا لانخراط أساسي في التنظير بالممارسة للتنسيق الفنّي المناهض للعنصرية والرأسمالية والقومية. ويستند إلى أعمال الباحثين/ـات والممارسين/ـات في حركة السينما الثالثة وفي مجال التنسيق الفنّي للمهرجانات السينمائية والنظرية الكويرية والنظرية الانفعالية، بغية تقديم بحثٍ ابستمولوجي نابع من الممارسة يتحرّى المعوّقات البنيوية التي تواجه التنسيق الفنّي السينمائي حول نقطة التقاطع بين الكويرية وآسيا. ويعيد صياغة السؤال حول الممارسة الكويرية والتنسيق الفنّي كعملٍ حساس وأخلاقي وحريص وملتزم بالسياسة الكويرية المناهضة للاستعمار.

الكلمات المفتاحية: 
عاطفة
إخفاق
الكويريّة
سينما
تنسيق فنّي
التطبيق العملي
اقتباس: 
ج. دانييل لوثر. "التنظير الممارس للتنسيق الفنّي الكويري: الدروس المستفادة من الإخفاقات في مهرجان "كوير" آسيا السينمائي". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 7 عدد 1 (06 سبتمبر 2021): ص. 114-134. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 07 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/301.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (815.11 كيلوبايت)
ترجمة: 

باحثة ومترجمة واستشارية. يتركّز عملها البحثي في الثقافة والفنون وهي متخصّصة في الفنون العربيّة المعاصرة. يشمل عملها البحثي مجالات عدّة منها العمالة الثقافيّة والفنيّة المجندرة. عملت سابقًا كمديرة مساعدة في مركز بيروت للفن وشاركت في تقييم عدد من المعارض الفنيّة. هي أيضًا مؤسّسة مشاركة في "الأركيلوغ" منصّة إلكترونيّة للترجمة والنشر بشكل جماعيّ.

كيف يمكننا إعادة تعريف التنسيق الفنّي الكويري في إطار التنظير بالممارسة، بناءً على تعريف التنسيق الفنّي كعمليةٍ تنطوي على التحرير والانتقاء والبرمجة (راستغار 2016، 2012)؟ ما هي أوجه التفاوض بين السياسة الكويرية في السياق التنظيري الممارَس، وبراغماتيات العرض والتنسيق الفنّي في مهرجان للسينما الكويرية؟ في هذا النص، أقدّم مفهومي لسياسات التنسيق الفنّي الكويري، انطلاقًا من تجربتي في التنسيق الفنّي على مدار أربع دورات من مهرجان "كوير" آسيا السينمائي في لندن، بدءًا بالدورة الافتتاحية التي انطلقت في العام 2017، وانتهاءً بدورة العام 2020، والتي كانت الأولى التي تُعرض حصرًا على منصةٍ رقمية في ظل الجائحة.1 أنطلق في هذا العمل من كوني باحثٌ ومنظرٌ، أسعى إلى تقديم قراءة نقدية حول الإخفاقات التي رافقت هذه المسيرة من التنسيق الفنّي باعتبارها ملتقى لتقاطعات شديدة التشابك، يمكن الانطلاق منها نحو تنسيقٍ فنّي حساسٍ وملتزم مدفوعٍ بحسّ التضامن والحرص، وممهِّد للمزيد من التعاون على الصعيد الجنوبي-الجنوبي.2

وينشد هذا الاستعراض للتنسيق الفنّي باعتباره إخفاقًا في فهم القضايا البنيوية التي تقيّد صيغة مهرجان بضخامة مهرجان "كوير" آسيا، وببينيّته في الوقت عينه، ووضعه في سياقه والتنظير له.3 إذ تنشأ المعوّقات البنيوية التي أراها محورًا لإخفاق التنسيق الفني، عن البينية المتصلة للإبستمولوجيات التي يتيحها التمازج بين مفهومي الكوير وآسيا (مارتن وآخرون 2008؛ تشِن 2010؛ أروندِكار وباتِل 2016). ففي مثال مهرجان "كوير" آسيا السينمائي، تتسم هذه البينيّة والمعوقات المتصلة بها بالاستحالات والهرميات التي ترسخها سياسة الحدود المتّبعة في المملكة المتحدة، إضافةً إلى الأسئلة الأعمّ حول التنسيق الفنّي الكويري والاستخراج المعرفي المتعلّق بالحدود والأنماط المنطقية القومية والعرقية والمجندرة التي توجه سلوكيات المشاهدة والانتقاء الذاتي لدى الجمهور. تعكس هذه العناصر مجتمعةً الحاجة الملحّة لإعادة التفكير في تنظير ممارَس للتنسيق الفنّي، يشتبك مع الديناميات الاستعمارية المستمرة التي تنطبع آثارها على التنسيق للمهرجان. كما تستدعي مساءلة التنظير التنسيقي الممارَس حول انحيازاته التضامنية تجاه الكويرية والتحرر من الاستعمار. من هنا يأتي سؤالي: هل يمكن للتنسيق الفنّي العمل بشكلٍ استراتيجي لمجابهة الديناميات الاستعمارية في إطار العرض السينمائي والاستهلاك الثقافي من جهة، والتصدي للمعوقات البنيوية المعدّة سلفًا لإفشال هذه العملية، والتي يمكن استخلاص العبر المهمة منها؟

أتتبع في سردية الإخفاق هذه التغييرات في استراتيجياتي التنسيقية كمؤسس ومدير للمهرجان، الذي وإن بدا للعيان "ناجحًا"، كان محفوفًا بالمواجهات الانفعالية الشاقّة مع الديناميات الاستعمارية المنهجية والبنيوية. وأرى في إعادة تتبّع مسارات الإخفاق، منهاجًا ناجعًا في مجابهة الحواجز البنيوية التي بدت لي قاهرة من خلال مراحل العمل. فهو يستحث السؤال عن أسباب إخفاق التنسيق الفنّي، وعن كيفية مواجهته "للتقييم المزدوج للأفلام.. وكيفية إفساحه المجال لأنماط مشاهدة تسمح بالاختلاف بدلًا من فرض نماذجَ قومية من التجانس" (راستغار 2012، 310). يشمل هذا السؤال أيضًا استمرار هيمنة "الغيتوهات المناطقية" (جاكسون ومارنت وماكليلاند 2005، 301)، التي ترسم معالم الذاتية والإنتاج المعرفي. إن تتبع مسار الإخفاق لهو استراتيجيةٌ مُضادة تترافق مع استراتيجيات الأثر المتلاشي وسريع الزوال التي تنتهجها المهرجانات، حيث يطغى الوهج الخارجي على الصدوع العميقة في الاستراتيجيات التنسيقية، في حين لا يتمّ توثيق الجهد الهائل المبذول خلال المواجهات اللحظية مع المنطق العنصري والطبقي والاستعماري الذي يعيد إنتاج بُنى اللامساواة، بسبب الانكباب على العمل الذي يستهلك مجمل الوقت والطاقة.

في هذه السياقات، أصف منهجيتي الكويرية في التنسيق الفنّي كمنهجيةٍ مشحونةٍ سياسيًا وكعمليةٍ راديكاليةٍ من والبرمجة للجماهير، تستهدف البناء الفاعل لثقافات السينما الكويرية العابرة للحدود، وتُعرِض عن المفاهيم السائدة والمهيمنة المتعلقة بالجودة والذوق، وتنخرط في مجابهة الديناميات الاستعمارية والتدفقات العالمية التي ساهمت في خلق هذا المهرجان. ويكتسب هذا الأمر أهميةً أكبر في ضوء الإرث القومي و/أو الفاشي لمهرجانات الأفلام في أوروبا (دو فالك 2007)، وفي العديد من بلدان آسيا (راجادياشكا 1985؛ دياز 2012؛ هاغدورن 2013).

ولا بدّ من الإشارة في البداية إلى أنني كنت قد تولّيت بناء رؤية مهرجان "كوير" آسيا السينمائي منذ لحظة انطلاقته في العام 2017، وقد دعمني في ذلك فريق عمل تنسيقيٍ صغير منبثق من لجان مؤتمر "كوير" آسيا رافقني على امتداد دوراته الأربع. الدورة الأخيرة التي أقيمت في صيف العام 2020 في ظل جائحة كوفيد-19، تطلّبت توجيه التنظير الممارَس للتنسيق الفنّي نحو الاستجابة للأزمة والتفاعل مع التأثير المتفاوت للجائحة ولحالة الهشاشة المتواصلة. وأدرك تمامًا أن هنالك الكثير من الزملاء والزميلات من منسقين/ـات فنيين/ـات وشركاء وشريكات، عملوا في الدورات الأخرى من المهرجان ممّن قد لا يشاركونني الرأي حيال ما سأورده من تفاصيل الإخفاقات في التنسيق الفنّي للمهرجان السينمائي. ولست في صدد تقديم الإجابات الوفيرة للأسئلة المعقّدة والمتشابكة التي تثيرها المعوقات البنيوية دون التنسيق الفني، ولكنني أرى هذه الأسئلة بمثابة دعوةٍ ومساهمةٍ للعديد من المناقشات الغنيّة بين المنظمين/ـات والناشطين/ـات والمنظرين/ـات في الأوساط الكويرية.

 

2016: من مؤتمر صغير لما بعد التخرّج إلى فضاء ملحّ للعمل المتمحور حول الجنوب

في العام 2016، كنت أحد المنظمين/ـات الأربعة الذين واللواتي أطلقوا/ـن مؤتمر "كوير" آسيا في لندن، وكنت أبحث عن وسيلة للتعامل مع إحساس العزلة الذي خبرته أثناء عملي الكويري في قسم الدراسات المناطقية من خلال بناء مجتمعٍ صغير. وبدأنا بوضع تصوّرٍ لمؤتمر "كوير" آسيا الأول في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية SOAS بجامعة لندن في شهر تموز/يونيو 2016 (لوثر وأونغ لو 2019؛ سيمبسون 2017)، باعتباره تلك المساحة المفقودة. غير أن التجاوب والمشاركة فاقا كلّ توقعاتنا، وكانت النتيجة مساحةً حميمةً حافلةً بالمشاركات من الأكاديميين/ـات والناشطين/ـات والمؤدين/ـات وصانعي/ـات الأفلام، ومُترعةً بحيوية النقاش الهادف والحوار والتشبيك القائمين على التشارك الوجداني.

تضمّن المؤتمر برنامجًا لعرض الأفلام وعروض الأداء. وكما في حلقات النقاش التي تلت جلسات المؤتمر، أبدى المشاركون/ـات والمتابعون/ـات للأفلام والعروض اهتمامًا بالغًا ومشاركةً فاعلة في النقاشات البنّاءة وأدلوا/ين بخبراتهم/ـن ومعارفهم/ـن خلال عروض الأفلام. وقد ساهمت حيوية ذلك الوسط الفريد، على تنوّع التموضعات ووجهات النظر، في غرس البذرة الأولى لمهرجان "كوير" آسيا السينمائي السنوي.

وقد ساهمت جملة الأهداف والاستراتيجيات التي تبنّاها "كوير" آسيا في تمكين هذا الوسط، والتي تضمّنت تعزيز الحوار بين مختلف السياقات في آسيا ضمن بيئة من الترحيب والانفتاح (يُرجى مراجعة لوثر وأونغ لو 2019، 2-3). كما ساهم أيضًا في ذلك التمازج بين وجهات النظر المتنوعة أثناء عروض الأفلام في العام 2016، ما أفسح المجال لممارسةٍ سينمائيةٍ متمردة على ما هو سائد في العلاقة بين الجمهور والعمل السينمائي (غبرييل 1979، 89).

وكان هذا ما دفعني إلى العمل على إطلاق مهرجان "كوير" آسيا السينمائي في العام 2017. فقد اتجه المهرجان إلى حث التضامن الجنوبي-الجنوبي بناءً على وعيٍ مشترك عن كيفية خضوع أشكال الاختلاف لسطوة المنظومات الأبوية البرجوازية الجديدة، والتصورات القومية على الحداثات ما بعد الاستعمارية وأنماط الإنتاج والاستهلاك النيوليبرالية. وفي المقابل، أثارت عمليات التفكير في مركّبات التنسيق الفنّي لمهرجان سينمائي كويري عن الجنوب العالمي في لندن، سؤالًا بالغ الأهمية حول المكان والموقف من مناهضة الاستعمار والتنظير الممارَس في إطار الكويرية الراديكالية. وكثيرًا ما وجدتني مقبلًا على منظّري ومنظّرات السينما الثالثة، ومن بينهم/ـن تيشومي غبرييل (1982)، وإيلا شوحطـ وروبرت ستام (2013)، وغلاوبر روشا (2019)، وغيرهم/ـن بحثًا عن فهم للالتزام المُلقى على عاتق التنسيق الفنّي للمهرجانات حيال مناهضة الاستعمار والتنظير الممارَس في إطار الكويرية الراديكالية.

يؤكد غبرييل أن منشأ الفيلم في العالم الثالث ليس معيارًا كافيًا لاعتباره عملًا راديكاليًا، بل إن معيار إدراجها في إطار تصنيف السينما الثالثة هو "الإيديولوجيا التي يتبنّاها والوعي الذي يقدمه" (1982، 2). ويطلق غبرييل تصنيف السينما الثالثة على "أفلام العالم الثالث المعادية للإمبريالية والاضطهاد الطبقي بكل ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات وتمظهرات" (المصدر نفسه). إذًا يستلزم التنظير الممارَس الراديكالي في السينما الثالثة ربطه بإعادة إحياء تقاليد النقد السينمائي، والإيديولوجيا الماركسية في الستينيات والسبعينيات استنادًا إلى أعمال ألتوسير (1971)، وغرامشي (1978)، وفانون (1967) وغيرهم. في المقابل يختلف ممارسو/ـات السينما الثالثة في تحديد هذا النموذج من التنظير الراديكالي الممارَس. فعلى سبيل المثال، يقول خورخي سانخينيس (1970)، وميغيل ليتين (1971)، بأن على السينما الثورية أن تحثّ على النضال وإن اختلفا مع آخرين حول مداه. وقد رأى آخرون أمثال عثمان سيمبيني (1973)، أن هدف السينما الثالثة هو تعزيز الوعي الثقافي.

شهدت صناعة الأفلام في العديد من أنحاء الجنوب العالمي منذ أواخر القرن العشرين، تحوّلات وعمليات عدّة في اتجاه تنظيم الإنتاج والملكية. وتعكس السينما الهندية على سبيل المثال جانبًا من هذه التحولات مع انحسار السينما الملتزمة بالتحرر في قضايا الطبقة العاملة (الفلاحين) (براساد 2000)، أمام البرجزة والإحلال الطبقي الحضري (غانتي 2012). كما شهد الاستهلاك والتوزيع والعرض السينمائي العديد من التحولات الموازية (غانتي 2012؛ دواير 2011) بما في ذلك تخصيص الاستهلاك أو ربطه بالمجمّعات السينمائية الضخمة مرتفعة الكلفة، بالإضافة إلى رواج الاستهلاك على الأجهزة المحمولة باليد (داسغوبتا 2017). اليوم وبعد ما يُقارب نصف قرن على تعريف غلاوبر روشا السينما الثالثة بأنها "سينما التحرّر" (1970)، وفي ضوء هذه التحولات التي نشهدها، يأتي السؤال: هل يمكن للعرض والتنسيق الفنّي السينمائيَين أن يشقّا مسارًا لإيديولوجيا معارضةٍ راديكالية بين الجمهور والفيلم، تكون مبنيةً على أساس من الوعي المناهض للثقافة المهيمنة؟ وبالأخص، هل يمكن للعرض والتنسيق الفنّي السينمائيَين المعدَّين للاستهلاك تحت مسمّى "الكوير" أن يضطلعا بمهمة الدعوة إلى النضال، وإن صحّ ذلك فما شكل هذه الدعوة؟

يقترح غبرييل ممارسات توزيعٍ وعرض بديلة منها الاتحاد الإفريقي لصانعي الأفلام (FEPACI)، أو مجموعة سينيه دو لا باز الأرجنتينية (1982، 23)، اللتان تلتقي أهدافهما على بناء التضامن والترويج لأشكال من الإنتاج والتوزيع والعرض تناوئ الاستهلاك البرجوازي والإمبريالي. يصعب التفكير بهذين النموذجين في سياق السينما الكويرية اليوم. إذ لا يقتصر الأمر على تفرّق الانتماءات القومية لصانعي/ـات الأفلام الكويرية وتشتتهم/ـن بحسب التدفقات العالمية للثقافات والبشر نحو الشمال، بل ويلحظ القيود المفروضة عليهم من الموروثات القومية والاستعمارية الرهابية تجاه المثليين/ـات والعابرين/ات والكوير. في ضوء هذه الوقائع، يشمل التنظير الكويري الممارَس في نظري، الخوض في هذه الأشكال المتداخلة من اللامساواة من خلال مهرجان "كوير" آسيا السينمائي، بالتوازي مع فهم "الطبيعة التموضعية للجماهير واعتباطية الجماليات السينمائية" (دوفي 2015، 93).

 

2017 – 2018: الإخفاق كمسار نحو ممارسة نظرية كويرية في التنسيق الفني

شهدت الدورتان الأولى والثانية من مهرجان "كوير" آسيا السينمائي في العامين 2017 و2018، نموًا مضطردًا في الحجم والنسبة. وقد عرضنا في العام 2017 واحدًا وعشرين فيلمًا وثلاثة وثلاثين في العام الذي تلاه (وما فاق الثمانين فيلمًا في العام 2019 – سأتطرّق إلى ذلك لاحقًا). وكانت جميع العروض مجانيةً وموزعةً في صالات يسهل الوصول إليها، في حين ازداد عدد التذاكر "المُباعة" (بتعرفة مجانية) من خمسمائة في العام 2017 إلى أكثر من ألف وثلاثمائة في العام 2018. وتشير هذه الأرقام من الناحية الموضوعية إلى نمو متسارع، إلا أنها تطغى في الوقت عينه على حجم ومقدار الجهد الكويري والمناهض للاستعمار الذي بذله فريق التنسيق الفني.

أما الجانب الآخر المهمّ الذي أغفلته الأرقام، فهو دور المهرجان في استقطاب الأفلام والفيديوهات من مختلف أنحاء الجنوب العالمي، وهو ما يندر وجوده في مجال مهرجانات مجتمع الميم السينمائية (راين 2006) لا سيّما في ظل ضآلة التمويل وما تواجهه هذه المهرجانات من التهميش والكراهية على المستويين الاجتماعي- الثقافي والسياسي. فقد أُجبر المخرج السينمائي فان بوبو على اللجوء إلى التمويل الجماعي والوظائف والترجمة (بوبو وهونغوي 2019)، والأعمال المتفرّقة العابرة لإنتاج أفلامه (وفق مراسلات شخصية، 14 نيسان/أبريل 2021، يُرجى أيضًا مراجعة دِكلرك 2017؛ باو 2019؛ جاكوبس 2020). كذلك، اضطر المخرج فراز أنصاري اللجوء إلى التصوير السينمائي على طريقة "العصابات"، حيث عمد إلى التصوير من على متن قطار مومباي المحلّي من دون الاستحصال على الأذونات، ما استدعى الفرار بصورة مستمرة من الشرطة (وفق مراسلات شخصية ، 29 حزيران/يونيو 2018، يُرجى أيضًا مراجعة سيث 2018). كما تشيع هذه السرديات في أوساط المخرجين/ـات المعروفين/ـات في أوساط صناعة السينما السائدة كما في حال فيلم مريم كشاورز بعنوان  Circumstance(2011) الذي أنتجته بسيناريو مزيف في لبنان (خليلي 2012).

من هنا يتطلّب تنسيق الأعمال الفنية من مختلف أنحاء الجنوب العالمي جهدًا رعائيًا بالغًا. وتستلزم هذه الرعاية فهم القيود التي تنتَج هذه الأفلام في ظلّها والعمل على دعمها ماديًا. وهذه هي الخطوة الأولى نحو التنظير الممارَس في مجال التنسيق الفني الكويري، أي أن يتم التعامل مع الفيلم أو الفيديو لا كمُنتجٍ ثقافي مُنجز بل كمجموعةٍ هشة من النضالات القائمة على جهدٍ جماعيٍ بالغ. وهو في ذلك يشدّد على ضرورة الاستمرار في تفهّم مقدرات المشاركين/ـات، أي الوعي باحتمالية انعدام قدرة صانعي/ـات الأفلام على سداد رسوم الاشتراك في المهرجانات أو تحمّل أعباء رسوم تأشيرات الدخول أو التغيّب عن وظائفهم/ـن والتزاماتهم/ـن المهنية (وهي غالبًا في إطار الأعمال المؤقتة والهشة)، بحثًا عن المهرجانات لعرض أعمالهم/ـن.

أنظر إلى التنظير الممارَس في إطار التنسيق الفنّي بوصفه انخراطًا فعليًا في أعمال العرض والتوزيع، مع الالتزام التام بأخلاقيات وممارسات شديدة الحرص على فهم خصوصيات بُني الغيرية الأبوية التي تحاصر صناعة الأفلام الكويرية في سياقات مختلفة. إذ يستجيب التنظير الممارَس لتنسيقٍ فني مناهضٍ للاستعمار ومبادرٍ وداعمٍ لهذه البُنى من منطلقٍ كويريٍ مفعمٍ بالإحساس بالتعاطف والمسؤولية في تقديم الدعم والرعاية. كما يعكس أهمية الحاجة إلى الالتزام بالتواصل مع صانعي/ـات الأفلام والفيديوهات الكويرية من سياقات وخلفيات متنوعة لا تتشابه بالضرورة مع خلفيات فريق التنسيق الفني. ويجب على هذه الإجراءات أن تلحظ اختلافات اللغة، وأن تتمتّع بالحساسية تجاه تعريف مفهوم الكويرية في سياقاتٍ مختلفة بمنأى عن السقوط في إعادة إنتاج الإبستمولوجيات الكويرية الغربية. إلى ذلك، لا بد من التفكير في كيفية تقديم الأفلام وعروض الأداء إلى الجمهور، بعيدًا عن استنساخ النظرة الإمبريالية. أما على الصعيد العملي، فيشمل ذلك العمل ضمان توفير الدعم لصانعي/ـات الأفلام أو لفرق عملهم/ـن، بهدف عرض أعمالهم/ـن أو التأكد من إبراز أصواتهم/ـن في سياق الحديث عن أعمالهم/ـن والابتعاد عن التحدث باسمهم/ـن. كما يعني ذلك في بعض الأحيان الاضطلاع بمهمات إضافية كجمع التمويل لتغطية تكاليف تأشيرات الدخول والسفر والإقامة متى تسنّى ذلك، لتجنب الاستحواذ على أصواتهم/ـن ومواصلة التنبّه إلى تقاطعات سياسات التمثيل والمكان. وفي مجمل الأحوال، ينبغي على التنظير الممارَس للتنسيق الفني أن يتحلّى بالمواظبة والتأمل الذاتي.

انطلاقًا من هذه الاعتبارات، عملنا في العامين 2017 و2018، بميزانيات هزيلة كنا قد جمعناها من حملات التمويل الجماعي، وبعض طلبات التمويل الضئيلة التي نجحنا في الاستحصال عليها من الجامعات. وقد عمدنا مرارًا إلى استخدام التقنيات الرقمية، حين عجزنا عن دعم صانع/ـة الفيلم في إتمام إجرءات السفر إما بسبب محدودية الإمكانات المادية أو نتيجة الاصطدام بأنظمة منح التأشيرات.

وكانت سياسة الحدود المصمتة المتّبعة في المملكة المتحدة من أبرز التحديات الهيكلية التي واجهناها آنذاك، وقد حالت دون محاولاتنا لإيجاد أرضية مشتركة بين الكويرية والتنسيق الفني. فقد ترافق النجاح الذي أحرزه مؤتمر 2016، في استقطاب الاهتمام والمشاركات العالمية بصورةٍ متزايدة و أكثر نشاطًا وتفاعلًا، مع مواجهاتٍ أعقد مع نظام الحدود في المملكة المتحدة. وقد سجّل مهرجان العام 2017 بعنوان "الرغبة والتحرر من الاستعمار ونُظُم التجريم" تزايدًا في عدد المشاركات ولا سيّما من خارج المملكة المتحدة. وقد تلقّينا من العديد من الأشخاص العاملين/ـات في مختلف أنحاء الجنوب العالمي، مطالب للدعم في تغطية التكاليف الباهظة لتأشيرة الدخول إلى المملكة المتحدة.4 أما قائمة الوثائق الطويلة المطلوبة لتعبئة طلبات تأشيرات الدخول فتضع مزيدًا من العقبات في وجه الكويريين والعابرين/ـات العاجزين/ـات، عن طلب الوثائق القانونية بسبب الهيكليات القائمة على رهاب العبور الجنسي ورهاب المثلية ومختلف أنواع التمييز الجندري والجنسي والطبقي والقومي والطائفي-الإثني في الهيئات الرسمية والمالية. وقد استجاب فريق عملنا من خلال تعزيز جهوده لتنظيم فعاليات جمع التمويل، فقمنا بتنظيم المزيد من أنشطة التمويل الجماعي وقدّمنا طلبات تمويل ووثائق لاستبيانات الأثر إلى الجامعات سعيًا للحصول على دعمٍ مالي لأشخاص محددين سواء من المتحدثين/ـات أو المشاركين/ـات. تطلّب إنجاز كل هذا جهدًا مكثفًا – ومهددًا لمتطلبات "نظام الامتياز البحثي" (REF)، و"نظام الامتياز التعليمي" (TEF) اللذان نخضع لهما نحن العاملون/ـات في ظروف شديدة الهشاشة في الأكاديميا البريطانية – وإنما ضروريًا وملحًا لدعم الأشخاص الكويريين/ـات من ذوي/ات البشرة الملونة.5 كذلك فُرضت علينا تبريراتٌ مضنية للاستحصال على تأشيرات الدخول، وهو ما لم يحل دون رفضها في النهاية، واضطررنا لاتخاذ قرارات بالغة الصعوبة تتعلق بتوزيع الموارد الضئيلة.

في ضوء هذه التجربة التي أمست صعوباتها شديدة الوضوح بالنسبة إلينا، وفي خضم العداء والشيطنة المتزايدين للهجرات المتولدة من المشاريع الإمبريالية للشمال العالمي وإرثه الاستعماري، نظمنا مهرجان ومؤتمر العام 2018 تحت عنوان "BodiesXBorders" (أجسادXحدود). ولكن رغم كل الجهود التي بذلناها والدعم الذي تلقيناه من أكاديميين/ـات مخضرين/ـات، ارتفعت أعداد طلبات التأشيرة المرفوضة بشكلٍ مفرط. فما كان منّا بعد أن تملّكنا الإحباط سوى الرد بوضع تجهيز في معرض العام 2018، يستعرض لائحة الطلبات المرفوضة لتأشيرات دخول فنانين/ـات وممارسين/ـات وصانعي/ـات أفلام كويريين/ـات من الجنوب العالمي.6 تضمّن التجهيز رسالة احتجاجٍ دعونا المشاركين/ـات إلى توقيعها ورفعها إلى وزارة الداخلية البريطانية.

واجه تنسيق المهرجان السينمائي مزيدًا من المصاعب. ففي العام 2018 كان المتحف البريطاني من المساهمين في تنظيم المهرجان من خلال فريق الشراكات المجتمعية التابع له، ما ألقى بعثرات عدّة في مسيرة البرنامج ولا سيّما مع قرارنا إدراج التأشيرات المرفوضة وعرضها في مؤسسة بريطانية مرموقة – وتحديدًا أيضًا بسبب تاريخها الاستعماري.7 من جهة، شهدنا إقبالًا أكبر من قبل الممارسين/ـات على إرسال أعمالهم/ـن. ومن جهةٍ ثانية، كان علينا اعتماد الشروط التي تُمليها سياسات التمويل الخيرية للمتحف إضافة إلى التقدم للاستحصال على شهادة تصنيف للأفلام المعروضة. علمًا بأن تلك الشراكة أتاحت لنا فرصة الاستفادة من قاعة عرضٍ مجانية، ما مكننا من تخصيص بعض الميزانية لتغطية تكاليف المشاركين/ـات. كما سعينا إلى عرض أكبر عددٍ ممكنٍ من الأفلام ضمن فترات الدخول المجاني المحدودة، بشكلٍ يوازي ثقل رأس المال الثقافي المتراكم ويوظفه لصالح صنّاع الأفلام.8 ترافق ذلك مع العمل الاعتيادي على اجتذاب الجمهور والتسويق للبرنامج وإدارة الفعاليات اليومية للمهرجان.

وجدت صعوبةً بالغةً في التعامل مع أمرين. أولهما كان السؤال المتكرر، للجمهور الأبيض عادةً، حول "ما الذي يستحق المشاهدة؟" والثاني، وهو الأصعب، كان ما بدأت ملاحظته في نمط انتقاء الجمهور لحضور الأفلام خلال المهرجان بشكل يكرّس التصنيفات السياقية للجمهور نفسه بحسب العرق والجندر والقومية.

 

"ما الذي يستحق المشاهدة؟": سياسات الموقع والتنسيق الفنّي الكويري

تشير رويا راستغار إلى أن مسألة الجودة والذوق هي مسألةٌ مشبعةٌ بالإيديولجيا بما يهدد بتقييد الفيلم وثقافة الإنتاج السينمائي، فتقول "يكرّس التصنيف الإقصائي للجودة المعايير التقليدية لتقييم السينما" (2012، 311). فتعيد هذه المعايير إنتاج الذهنية الثنائية لأفلامٍ تجارية وأخرى مستقلة (دي فلاك 2007)، مع التغافل عما يُنظّر له بوصفه "سينما العالم الثالث".

بالعودة إلى الخطوة الأولى للتنظير الممارَس للتنسيق الكويري (وهي الرعاية)، فإن السؤال حول "ما الذي يستحق المشاهدة؟" يقع في منزلة العنف المعرفي (هول 1996، 446؛ سبيفاك 1988). إذ يؤشر على أن عملية التنسيق الفنّي ليست معيارًا كافيًا لقياس "استحقاق" العمل الفنّي (انظر هول 1996، 449)، وينفي عن الأفلام المختارة للعرض أوجه الإتقان والجمال. أكثر من هذا، ينفي هذا السؤال الجهل والغفلة عن الكيفية التي يتمّ بها تقييم استحقاق العمل الفنّي للاستهلاك داخل الحدود البريطانية حيث ينتفي حضور صاحب/ـة العمل. ينتقد ستوارت هول مثل هذه الأسئلة المتعلقة بالاستحقاق، ويُظهر أنه لا يمكن الالتفاف عليها بتصنيفات "متجاوزة للمعايير الثقافية التقليدية" (1996، 449). عوضًا عن ذلك، يقترح هول أن نفكر انطلاقًا من موقع "من يضع نفسه في قلب النضال المتواصل لتمثيل السود" (المرجع نفسه).9 أرى هذا الموقع للنضال المتواصل كخطوةٍ ثانيةٍ في إطار العمل على التنظير الممارَس للتنسيق الكويري.

استنادًا إلى منظري/ات السينما الثالثة، أجيب عن هذا السؤال عادةً بأن إنتاج المعنى قيدٌ بعملية المشاهدة. يقول تيشومي غبرييل أن "الأسلوب يكتسب معناه فقط في سياق استخدامه – في كيفية عمله على الثقافة وتسليط الضوء على عمل الإيديولوجيا بداخلها" (1979، 89). مسائل كجماليات الفيلم وقيمته الإنتاجية وغيرها من المعايير التي اعتمدتها السينما الكويرية الغربية في القرن الواحد والعشرين، وكيفية تأثيرها على تشكيل ذواتنا، هي ما يجب أن يتبادر إلى أذهاننا حينما نسأل "ما الذي يستحق المشاهدة" في مهرجان يتمحور حول أفلام وفيديوهات من الجنوب العالمي.

اجتهد منظرو/ات السينما الثالثة في أسئلة الاستحقاق والأسلوب لتوليف مروحةٍ واسعةٍ من الممارسات الراديكالية في صناعة السينما. يقترح تيشومي غبرييل أن مثل هذه الأفلام تطوّر لغةً سينمائيةً جديدة، تعتنق مناهضة استعمار العقل والتحوّل الراديكالي للمجتمع (1979). رغم ذلك، وكما يوضح أنتوني غونيراتني، تبدو مسألة الأسلوب واللغة السينمائية "كشرطٍ سطحيٍ مخالفٍ للمنطق" (2004، 11)، فصنّاع الأفلام وجمهور ما بعد الاستعمار موجودون بطبيعة الحال ضمن "دائرةٍ أوسع من الاستهلاك الرأسمالي" (المرجع نفسه). كذلك، وكما تبيّن شوحط وستام (2013)، فإن التيارات الثقافية العالمية التي يرفدها تفاوت القدرة على الوصول والإنتاج والاستهلاك، تشي بمركزيةٍ هوليوودية تشكلها ممارسات السوق. يتعقّد هذا أكثر فأكثر إذا ما نظرنا إليه من زاوية الجندر والجنسانية والكويرية. يقول غونيراتني إن تهميش النساء ضمن تيار السينما الثالثة يفاقمه بالضرورة تفاوت القدرة على الوصول إلى السلطة والموارد (2004، 17)، ما يزيد من صعوبة إنتاج فيلمٍ لا يتوجه إلى أوساط صناعة السينما التجارية السائدة (دو فالك 2007؛ كريدل، لويست، ودو فالك 2016)، أو إلى سينما المهرجانات وما يتصل بها من أسواق وممارسات (يوردانوفا وراين 2009؛ يوردانوفا 2015). بالنسبة لصنّاع الأفلام الكويريين/ـات، يتعقّد سؤال القدرة على الوصول بحسب السياقات والأعراف المهنية التي يعملون/ـن ضمنها.

أثير هذه المسائل للتفكّر في التناقضات والتعقيدات الرهيبة التي تعتري سؤال القيمة أو الاستحقاق وعلاقتها بالتنظير الممارَس للتنسيق الفنّي الذي يركز على الجنوب العالمي. أضع سؤال الاستحقاق جنبًا إلى جنب مع ما ذهب إليه ب. روبي ريتش بشأن جماليات الصورة الخشنة والمشوشة للسينما الكويرية الجديدة – وتأثرها بالتراكيب ما بعد الحداثية وإعادة تدوير الصورة والنشاط السياسي والحقوقي – لأسلّط الضوء على سطحية سؤال الاستحقاق بالنسبة إلى السينما الكويرية الجنوبية. أطلق ريتش على جماليات السينما الكويرية الجديدة طريقةً لصناعة سينما "مثلية ما بعد حداثية" (2013، xvi). تأثرت السينما الكويرية الجديدة من حيث كونها "لحظة تاريخية" بأزمة الإيدز، وخصوصًا في الشمال مع صعود النهج المحافظ لريغان وتاتشر، والتغيرات التقنية التي طرأت على صناعة الفيلم والفيديو بظهور الكاميرات الصغيرة والمحمولة. من الناحية الأسلوبية، تمخضت السينما الثالثة من ميدان الاحتجاج والغضب الكويري الحضري. ذاك الميدان الذي تشكّل بفعل الجغرافيا الحضرية الخاصة بالأماكن منخفضة الأجور في مرحلة ما قبل الإحلال الطبقي الحضري في نيويورك ولندن. تتبّع ريتش جماليات هذه السينما في رحلة خروجها من أقبية المنازل وصالات العرض السرية إلى الشهرة والرواج التجاري، في وقت تزايد فيه إقبال جمهور المهرجانات على الجماليات الاعتيادية على حساب الجماليات الكويرية الثورية الغاضبة، وانتظمت صناعة السينما على وقع الربح المادي. إن تمكّنت السينما الكويرية الجديدة، كمجموعةٍ من التوليفات والتراكيب والانفعالات الغاضبة والفعاليات السياسية الحقوقية، من تثبيت أقدامها في دوائر صناعة السينما – مع ما مثّلته من تحدٍّ لمسائل الذائقة والجودة في مواجهة الجماليات السينمائية السائدة خلال الثمانينيات والتسعينيات – فمن باب أولى أن نسلّط الضوء على القضايا البنيوية للحدود والجنسيات والعرقيات. تحدّ هذه العراقيل البنيوية من فرص السينما الكويرية أينما كانت، كما تحجّم قدرتها على نقد جماليات الاستهلاك الإعلامي النيوليبرالي. خصوصًا مع اشتداد أزمة تفشي الإيدز في الجنوب العالمي (مورتاغ 2019؛ كوهين 2005؛ هالاس 2003)، يواجه صناع الأفلام من النساء والكويريين/ـات عراقيل تحول دون وصولهم/ـن إلى الموارد اللازمة، بينما تواصل الحكومات الفاشية قمعهم/ـن وتجريدهم/ـن من هوياتهم/ـن وجنسانياتهم/ـن الكويرية.

أسهم تقاطع هذه العوامل البنيوية – تدنّي الإيجارات وصعود النخب الكويرية المدينية، وتوحش الحكومات المحافظة وأزمة تفشي الإيدز والتحولات التقنية – في إنتاج ما بات يُعرف لاحقًا بالسينما الكويرية الجديدة في خلال الثمانينيات والتسعينيات. بالتوازي مع العلاقات المتينة بين أفراد مجتمع الميم وسهولة عبور الحدود بين الشمال وبعضه، سمحت تلك العوامل، في مخاضٍ من الفرحة والألم، بمولد ثقافةٍ سينمائية كويرية. ما جعل السينما المنتَجة في هذه "اللحظة التاريخية" (انظر أيضًا ريتش 2000) جديرةً بالمشاهدة، كان اتصالها بجوهر القمع الاجتماعي والثقافي والسياسي لا برأس المال (أو ربما غيابه) المستثمَر فيها. وبالرغم من أن سياقات آسيوية مختلفة كانت قد شهدت شيوع أسئلة مشابهة في الوقت نفسه، لا تزال هذه اللحظة عصيّةً على التفسير في دوائر السينما الكويرية في أماكن أخرى حول العالم. فالذات البشرية (في سياقاتٍ أخرى) تتشكل دائمًا بفعل الاستلاب النيوليبرالي للكويرية وفق معايير الإنتاج السينمائي التجاري، بينما ينحصر العرض والتوزيع بحدود الجنسيات والعرقيات والمناطقيات اللغوية العديدة.

بالنظر إلى الوراء، يبدو من المستحيل أن نسأل عن "استحقاق" أعمال آندي وورهول أو كينيث أنغر أو ديريك جارمان أو أيساك جوليان أو مارلون ريغز أو ليزي بوردن أو جيني ليفنغستون أو كمبرلي بيرس ناهيك عن جون ووترز وتيلدا سوينتون، دون أن نعي أن ما واجهوه/واجهنه من عقباتٍ ومظالم، يتشابه مع ما يـ/تواجهه اليوم صنّاع الأفلام الكويريين/ـات في الجنوب. بالإضافة إلى الوقوف بوجه القمع الاجتماعي والثقافي والسياسي، فإن صنّاع أفلام كفان بوبو وديبالينا وهي خياوبي وجيان شيريان وسليم مراد وتشا روك وسونغ بن بيون وغيلدم دورماز وسريدار رنغيان وآتيكا زينيدي وهيونغ سوك لي وكين هيان ليم – على سبيل المثال لا الحصر – أيضًا يتحدون/ين أعراف وجماليات التصنيف العرقي والقومي للسينما. هذا إذا ما تغاضينا عن ذكر الفيض المستمر من الإنتاج الثقافي المبتذل الذي يعتاش على توظيف قضايا مجتمع الميم لادعاء التنوّع.

أتصور أن سؤال الاستحقاق يستدعي ردًا من خلال التنظير الممارَس للتنسيق الفني الكويري كاستراتيجيةٍ مقابلة: كممارسةٍ سياسة ما بعد استعمارية وكويرية مناهضة للاستعمار تدرك تحديات الغبن الواقع عليها. أسمّي هذا منطق "المثلية ما بعد الاستعمارية" الذي يجيب على سؤال "الاستحقاق" بلافتة تقول "يُرجى النظر" (انظر صورة 1؛ وانظر أيضًا لو 2018).

                 

صورة 1: صورة للافتة التي وُضعت على شاشة العرض بدلًا من الفعاليات الملغاة بسبب قيود السلطات البريطانية على إصدار التأشيرات. ترافقت اللافتة مع خطاب يتناول القيود المجحفة على إصدار التأشيرات وعبور الحدود البريطانية، في محاولة لتسليط الضوء على التغييب الصارخ لصناع الأفلام والفنانين/ـات المدعوين/ات. يعيد تصميم اللافتة تدوير التصميم المألوف لإحدى اللافتات التي يراها ركاب مترو لندن بشكل يومي، في محاولةٍ لمطالبة الجماهير بالتنبه الدائم إلى المنطق العنصري والقومي والأغلبوي الذي قد يعمل لا شعوريًا على تشكيل نظرتهم/ـن للأمور.

 

صُنعت هذه اللافتة قبل انطلاق مهرجان عام 2018، من جهةٍ كتعبيرٍ عن الغضب إزاء كمّ التأشيرات المرفوضة للمدعوين/ات، ومن جهةٍ أخرى كجواب على سؤال "الاستحقاق" الذي كنت أتلقّاه باستمرار. لم تحظ اللافتة بموافقة فريق المتحف البريطاني – إذ كنت مضطرًا للحصول على موافقتهم المسبقة على كل شيء. إلا أنه وفي أول أيام المهرجان، وضعت اللافتة على شاشة العرض، وقمت بزرعها بين العروض في أوقات الندوات التي ألغيت بسبب عدم تمكّن أصحابها من الحضور على خلفية الشروط الاستعمارية للحدود البريطانية.

التي ألغيت بسبب عدم تمكّن أصحابها من الحضور على خلفية الشروط الاستعمارية للحدود البريطانية.

أخيرًا، يقودنا هذا إلى الخطوة الثالثة من الوصول إلى تنظير ممارَس للتنسيق الفنّي الكويري، وهي محاولة إبطال الغبن المتصل بتفاوت القدرة على الوصول بالتزامن مع الاختبار النقدي للجغرافيات السياسية للموقع والمنطق العرقي والطبقي المجندر للحدود؛ والحدود القومية التي تحول دون تضامن الجنوب مع الجنوب. قياسًا على عبارة غونيراتني حول صناعة السينما الراديكالية، أعتقد أن التنسيق الفني الكويري يجب أن يكون تجسيدًا "للرفض الإيديولوجي للأنماط المعتمدة من قبل صناعة السينما التجارية" (ديسانياك وغوتيراتني 2004) والتي تشجع الاستهلاك المكثف وغير السياسي للسينما الكويرية الجنوبية. يتطلب هذا النوع من التنسيق الفنّي، العمل بشكلٍ فعالٍ على تغيير المعوقات البنيوية التي تقف وراء استسهال الاستهلاك غير السياسي.

إلا أن هذا أمر صعب المنال، وربما شديد المثالية. في وقت تتسارع فيه وتيرة الإنتاج والاستهلاك النيوليبرالي (دوغان 2004؛ هارفي 2007؛ روفيل 2012) أيُحكم على مسعانا السياسي هذا بالفشل؟

 

الانتقاء الذاتي عند الجمهور وإخفاق القرار

شكّل سؤال الاستحقاق أيضًا حافزًا للتفكّر المتعمق في عملية البرمجة. في العام 2017، عُرضت الأفلام نهار الأحد بعد مؤتمرٍ أكاديمي استمرّ ليومين. لم يكن ما تحقّق في 2016 ممكنًا إلا لأن الجمهور كان متواجدًا بالفعل لحضور المؤتمر. في العام 2018، بناءً على ما تعلمناه من هذا الإخفاق، جرت فعاليات المهرجان بالتوازي مع المؤتمر، بحيث يُتاح للجمهور الاختيار بين ثلاث جلسات تجري بالتوازي إضافةً إلى زيارة معرض "كوير" آسيا للفنون (وتوقيع عريضة الاحتجاج الموجهة إلى وزارة الداخلية البريطانية). حوّلت هذه الفعاليات "كوير" آسيا 2018: أجساد x حدود إلى بؤرةٍ متقدةٍ من النشاط الكويري على تنوعاته.

بالرغم من ذلك، كان حضور الجمهور للأفلام في دورتي 217 و2018 ذاتي الاختيار، استنادًا إلى محددات العرق والجندر والميل الجنسي والجنسية. بالكاد حظيت الأفلام الطويلة بجمهورٍ جديد بخلاف الحضور المألوف للمهرجان. فشل برنامج العروض تحديدًا بسبب تكريسه للغيتوهات المناطقية في اختيار الأفلام. تقع اللائمة في ذلك على مسؤولي التنسيق الفنّي، الذين اختاروا أفلام طويلة ووثائقيات عوضًا عن الأفلام الكويرية القصيرة. كان من الصعب أن يشاهد الجمهور أكثر من فيلمٍ طويل واحد في اليوم.

هل كان ذلك انعكاسًا للتحيّزات الثقافية والقومية والعرقية عند فريق التنسيق الفنّي نفسه؟ سارت عملية التنسيق الفني وفق منحنى تعلمٍ صعب، ما كان بالنسبة لي كمنسقٍ وممارسٍ وباحثٍ فني أمرًا شاقًا بقدر ما كان ماتعًا. تطلب الأمر جهدًا لتناسي الجماليات المستمدة من المراجع القومية وأنماط الاستهلاك الطبقي؛ الجماليات التي يستحثها استهلاك الإنتاج السينمائي والتلفزيوني السائد والمهيمن، وتستدرّها التفضيلات العرقية التي تُضمرها المخيلة القومية. تطلب الأمر أيضًا فهم السياقات وأطر التمويل الذاتي التي يعمل من خلالها صناع الأفلام. هل كان هذا التناسي لتصوراتنا عن ماهية السينما الكويرية شيئًا مما قد يهتم الجمهور بفعله في مهرجان سينمائي؟

ما هي الانفعالات العالقة (أحمد 2005) التي تستدعيها عملية التناسي تلك؟ كما توضح أحمد، تتشكل المجتمعات القومية عبر ممارسة التعرّف/التنكّر الانفعالي بين مجموعةٍ من الغرباء. تقول إن "الأمّة هي تجلٍّ انفعالي لتآلف أو تنافر مجموعةٍ من الأجساد، في حركةٍ تحمل معها الأثر المصاحب للحدود والتخوم" (2005، 108). عمليًا كانت نتيجة ذلك أفلام شرق آسيوية تحضرها غالبيةٌ من جمهورٍ شرق آسيوي، وأفلام جنوب آسيوية تحضرها غالبيةٌ من جمهورٍ جنوب آسيوي وهكذا دواليك، إلى الحدّ الذي لم تحظ معه الفعاليات التي تتناول تجارب العبور الجنسي بحضور سوى نفر قليل من العابرين/ات. هل يمكن للتنسيق الفنّي الكويري أن يؤسس لتضامن جنوبي - جنوبي عن طريق تشجيع الجمهور على تطوير القدرة على "الاستدارة إلى أو الاستدارة بعيدًا عن" (2005، 109) الآخر الإثني؟ أو ربما عبر تطوير قدرة الجمهور على تحمّل مشقة التناسي؟

من خبرتي السابقة بالعمل في مهرجاناتٍ متنوعة وتحت إشراف عديدٍ من المدراء، عادةً ما أتلقى توصيات مختلفة لانتقاء الأفلام استنادًا إلى توجيهات إدارة الجمهور. أتلقى أحيانًا توصيات بتجنب "ما قد يعكّر صفو الجمهور" أو بالبحث عن "قصصٍ سعيدة ومطمئنة". في أحيانٍ أخرى تُرفض اختياراتي لأفلام أو فيديوهات محلية الصنع والمحتوى لصالح محتوىً "برّاق" أو "مريحٍ بصريًا" (ما السبب وراء هذا؟). عادةً ما تُستحضر ذائقة الجمهور أو حالته المزاجية أو النفسية كمبرر. على النقيض، أتت اختياراتي في "كوير" آسيا كطريقةٍ لبناء التضامن عبر نقد الاستهلاك الساذج للتمثيلات السائدة والمهيمنة لحياة ونضالات المجتمع الكويري.

بشكلٍ عملي، كان ذلك يعني النظر إلى الأفلام المعروضة كمجموعةٍ منتقاة من السرديات والصور والروابط الانفعالية والنضالات التي تثري فهمنا عن الجبهات العديدة التي ينشط فيها مجتمع الميم في الجنوب العالمي. يضطلع التنسيق الفنّي هنا بمهمة التبحّر في خصوصيات هذه الأفلام وسياقات إنتاجها وعلاقتها مع غيرها من الأفلام المعروضة. يقوم التنسيق الفنّي في هذه الحالة ببناء أشكالٍ من التضامن المتجذر والمرتكز على الفعل بين الجمهور. وهو بذلك يستهدف زرع "الأمل فيما بعد الاستعمار" (أحمد 2005، 109)، حيث يأتي الجمهور من مختلف المشارب ليتشارك مجتمعًا واحدًا بغض النظر عن الفوارق. هل يمكن لهذا الفهم المشترك أن يعمل كحافزٍ على تضامن أوسع يتخطى حدود القومية وغيرها من "معايير التمييز" المستحدثة؟ سيتطلب ذلك أن نزيح جانبًا عبابًا من تمثّلات التفوق الأبيض والتفوق الطبقي والطائفي وغيرها من المفاهيم المشابهة عن لياقة الأبدان وكفايتها الجنسانية والتي تشكّل وتحكم رغباتنا وذواتنا وتخيلاتنا عن المتعة الجنسية. في هذا الصدد، تمثل كتابات ستوارت هول (1996؛ 2019) وغلوريا أنزالدوا (2007) وغيرها من الكتابات المرتبطة، رغم اختلافها، بالتعلم انطلاقًا من التموضع بين ثقافتين، قوةً دافعةً تحث مسعاي وتساعدني على التفكير في الطرق المتنوعة والمتناقضة التي تتشكل بها الذوات والهويات انطلاقًا من خيارات تُتخذ باسم التفضيلات العرقية والحدود القومية والرغبات الجنسية المجندرة.

كانت برمجة الفعاليات على نحو يسوّغ للجمهور استعمال الغيتوهات المناطقية كمعيارٍ للاختيار أمرًا لا يمكن وصفه بالإنجاز أو الإخفاق الكبير. رابع وأصعب الخطوات في سبيل تنظير ممارَس للتنسيق الفنّي الكويري هو التقييم النقدي، لذا كان لزامًا علي أن أختلي بمشاعري لأعرف لماذا، بمعزل عن الإطراء والنجاح الذي لاقيناه، شعرت بحزنٍ يُثقل روحي.

 

إعادة النظر في التنسيق الفني: الفيلم الكويري القصير و"كوير" آسيا 2019-2020

استغرقتُ في أحزاني لأشهرٍ تلت. شعرتُ بالخذلان والحيرة. خفّفَت عني جنيفر أونغ لو، صديقتي المقربة والمنسقة الفنّية والمنظّمة المشاركة في "كوير" آسيا، حين أخبرتني أن لديهم/ـن ذات الشعور. طمأنني ذلك ومنحني فسحةً للتفكير حول الشعور الذي ساد العمل والسبب وراءه. يتّسم عملنا، كأي مهرجانٍ يركز على الهوية أو أي تنسيقٍ فنّي كويري، بقدرٍ كبيرٍ من الهشاشة (لويست 2011) ويتمّ توظيفه في الوقت ذاته لخدمة أجندات التنوع والاندماج وأشباه المقاييس الحسابية المعمول بها في المؤسسات النيوليبرالية.10

كنت مجبرًا على استكمال هذا العمل لأنه كان ضروريًا لبقائي على قيد الحياة الأكاديمية كشخصٍ كويريٍ ملوّن من دلهي، وأول حائزٍ على شهادة الدكتوراه في عائلتي. من جانبٍ آخر، كانت المساحة التي خلقناها فريدة، وتمثّل حاجةً ماسّة للمجتمع الأكاديمي البريطاني وفضاءاته الثقافية. نبعت فرادة عملنا من تركيزنا على الجنوب العالمي والدعم الذي قدّمناه للمهمشين/ـات في دوائر الدراسات المناطقية أو دوائر النسوية الكويرية البيضاء على السواء. كان الفضاء أيضًا منظمًا بطريقةٍ تسمح بالمراجعة النقدية الدورية، وتقدّم أهمية الاندماج اللاترتبي وفهم الآخر والتعاطف مع نضالات الباحثين/ـات الشباب من الجنوب العالمي وذوي/ات الخلفيات المهمشة. قياسًا على ستورات هول، كانت تلك محاولة لتطبيق "سياسات الهوية الحيّة عبر الاختلاف" (2019، 78). كان جزءاً من كل هذا هو الالتفات مبكراً إلى ما تمثله حدود الشمال العالمي من استحالةٍ تعجيزية. فأغلبنا يتعامل بشكلٍ دوريٍ مع صعوبات عبور الحدود البريطانية في مراكز الشرطة، ومع الرسوم التعجيزية للتأشيرات ومع الحساب المحبط للتكاليف الباهظة للعودة إلى الوطن. وفَدَ أغلبنا إلى الحياة الأكاديمية البريطانية كباحثين/ـات من الجنوب العالمي من خلفياتٍ مهمشة أو أقلوية داخل المجتمع البريطاني. لذا، وبالرغم من اختلاف فريق العمل كل سنة، ووجود عددٍ محدودٍ من الوجوه الثابتة في الفريق، تمكنّا من صوغ تفاهمٍ مشتركٍ حول الصعوبات التي يواجهها الناس – الفنانين/ـات والناشطين/ـات والأكاديميين/ـات وصناع الأفلام – في المملكة المتحدة. كذلك ساعدنا العمل عن قرب في إدراك ومشاركة خبراتنا بطريقةٍ مكنتنا من تجاوز الحدود القومية والعرقية وحدود التخصص الأكاديمي وغيرها من المحدّدات الاجتماعية والثقافية والمالية التي تشكل ذواتنا. لازلت أستشعر التزامنا بهذا العمل كتجربةٍ مشتركة لاختلافنا وكويريتنا مع ما صاحبه من تجاربٍ أليمة. وحيث أفضت بنا بعضٌ من هذه التجارب إلى إبداعاتٍ جديدة، حملنا بعضها الآخر على الاختلاف والفراق.

كانت إحدى هذه اللحظات الصعبة حين قرر اثنان من أربعتنا – إنغ هاو وي وألان سمبسون وآبري جاين وأنا – نحن الذين أطلقنا "كوير" آسيا، الانفصال عام 2018 بسبب الخلاف بين مُقارباتنا. بالتأكيد ليست هذه قصتي لأخبرها، ما أسعى إليه هنا هو محاولة فهم الأوجه البنيوية لهذا الخلاف. يتركز الأمر مجددًا حول السؤال الجوهري لاجتياز الحدود البريطانية من قِبل أحد/إحدى المشاركين/ـات وأحد/إحدى أعضاء اللجنة المنظمة، وحول الموارد المحدودة التي كانت بحوزتنا حينذاك. امتلك كل من جانبي الخلاف حجةً وجيهةً، تتعلق الأولى بدعم فنان/ـة كويري/ـة آسيوي/ـة للمشاركة في مؤتمر العام 2018، وتتعلق الثانية بتمكين عضو/ة لجنة المؤتمر الذي/التي يـ/تعمل من خارج المملكة المتحدة من حضور المؤتمر. لتجاوز الخلاف، خصّصنا ما لدينا من تمويلٍ محدود لاستقدام الفنان/ـة ، ومن جانبٍ آخر عملنا على طلب تمويلٍ إضافي لتمكين عضو/ة اللجنة وهو/ـي ناشط/ـة يـ/تعمل بمجال التنمية في الجنوب العالمي، من المجيء إلى المملكة المتحدة. ما فجّر المشكلة وأظهر حجم إخفاقنا كان غياب قدرة أي من الفريقين على تجاوز الخلاف والعمل معًا لطرح حلٍ للمشكلة. كان الأهم أننا تجاوزنا الخلاف عند إدراكنا للهشاشة التي تعترينا كلنا. بالنسبة لي، كان الأمر الحاسم هو إدراك أن العمل الذي يهدف إلى تضامنٍ نسويٍ كويريٍ جنوبي يحتاج في أساسه إلى ثقافة تقبل الآخر وممارسة تنتبه إلى مادية هذا النوع من العمل الثقافي.

بالتوازي مع شعوري المتنامي بالحزن إزاء استحالة الحدود والموارد ومحدّدات التخصص الأكاديمي، أدركت أن التنسيق الفنّي عاجزٌ إلى الآن عن بلورة جوهر هذا الشعور المشترك بالتضامن بشكلٍ كاف. تطلب ذلك تغييرًا هيكليًا لكيفية تنظيم "كوير" آسيا.

 

الأثر الانفعالي للتنسيق الفنّي الكويري

أمضيت شهورًا طويلة بعد مؤتمر ومهرجان العام 2018 أفكر في هذا الخلاف والحدود التي عرقلت عملنا، وفي الأوجه العديدة لإخفاقنا. أخذنا أنا وجنيفر قرارًا صعبًا وهامًا بإلغاء المؤتمر واستبداله ببرنامجٍ صيفي للتنظير حول التعقيدات التي واجهتنا ومشاركتها. أعدّت التفكير في برنامج المهرجان السينمائي، وبالتعاون مع فريقٍ مصغّر، قررنا استبداله بمهرجان للفيلم الكويري القصير لتجاوز الغيتوهات المناطقية والتغلّب على الإخفاقات السابقة.

كانت الدعوة الجديدة لطلبات التقدّم ناجحةً على نطاقٍ واسع، رغم ما شابها من أخطاء. بالمقارنة مع مهرجان العام 2018 الذي تلقّى أكثر من ثمانين طلبًا للمشاركة، تلقّى مهرجان العام 2019 أكثر من ألف وثلاثمائة طلبٍ من أربعة وثمانين بلدًا مختلفًا، فضلًا عن عددٍ من الطلبات التي لم تحدَّد جنسية أصحابها. استحدث ذلك عددًا من المشاكل، منها ضرورة مشاهدة الأفلام كلها بنفس الدرجة من الالتزام لجهة الوقت والجهد والعناية. كما تطلب أيضًا المزيد من العمل لفهم سياقات إنتاج هذه الأفلام، ولهذا الغرض طلبنا من المتقدمين/ـات إرفاق نصٍ تقديمي عن العمل. واجهنا أيضًا صعوبات تتعلق باللغة والترجمة والتواصل، وبفهم معنى ومظهر الكويرية بالنسبة لنا وبالنسبة للمتقدمين/ـات على اختلاف السياقات. أجرينا كذلك العديد من النقاشات المثيرة والصعبة بين أعضاء فريق العمل حول معنى الكويرية وما الذي يمكن أن يكون كويريًا دون أن نتمكن بالضرورة من إدراكه.11

انطلق عملنا من توصيات ترتكز إلى فهمٍ موسع لما هو كويري، بحيث يشمل الممارسات والهويات، والأفعال الجنسية المنافية للتقليد المحكي، الحملات والتظاهرات، ويشمل أيضًا القناعة بأن كل ذلك قد لا يكون كافيًا للتعبير بالضرورة عما هو كويري. وعليه، قمنا بانتقاء مجموعةٍ شديدة التنوع من ستين فيلمًا قمنا بتبويبها تحت وسومٍ عامة من بينها "الطفل" و"من الداخل إلى الخارج وبالعكس" و"استثنائي!" و"تحسس الأجساد". تعاونّا أيضًا مع سينمكيو شنغهاي، وهو تجمعٌ كويري مستقل قام بتنسيق ثلاثة برامج.12 كان برنامج المهرجان منفصلًا عن باقي فعاليات "كوير" آسيا التي استمرت طوال شهرٍ كامل في ثلاث مدنٍ بريطانية بمشاركة عددٍ من المؤسسات.

قمنا بتقديم خطابات تقديم تأشيرات وطلبات تمويل متى استطعنا ذلك، لمساعدة صنّاع الأفلام على الحضور والمشاركة في فعاليات المهرجان. في الحالات التي استحال فيها ذلك، لجأنا إلى تفعيل صوت التنسيق الفنّي لتوضيح كيفية عمل البرنامج على إدارة مفاهيمٍ متنوعة، قد تختلف أو تتفق، مع الكويرية. كان ذلك تغيرًا مهمًا لاستراتيجية عملنا، إذ شعرت بغنى النقاشات عن العامين السابقين، كما لاحظت مواظبة أغلب الجمهور على حضور البرنامج إلى نهايته. تمكنت مجددًا من الاستمتاع بالفوارق الدقيقة التي تأتي من تراكبٍ غير متوقع للنصوص والسياقات – بشكلٍ يشبه ما تسميه غياتري غوبينات التنسيق الفنّي الكويري (2018)، ومن الاستمتاع بحداثة التنظير من خلال الفيلم والفيديو وباعتناق الاختلافات النابعة من شعورنا المشترك بالغيرية.

 

2020: الكويرية من منظور التنظير الممارَس خلال الجائحة

كان هذا التغيير سببًا في سلسلةٍ من التقاطعات التي سمحت بالتفاوض حول ماهية التنظير الكويري الممارَس من الوجهة الأكاديمية. صاغ ذلك عددًا من الروابط الشعورية التي ظهرت من خلال سلسلةٍ جديدةٍ من المبادرات التشاركية الرائعة. تتضمن هذه المبادرات العمل على وجود فريقٍ جديدٍ في برلين وهامبورغ لإدارة فرع "كوير" آسيا في ألمانيا،13 وتطوير نظرياتٍ كويرية عبر الممارسة من خلال مهرجان كوير كاندي السينمائي نهاية العام 2020، كما يجري العمل الآن على تطوير مشروعٍ للتعاون مع كوير تشاينا يو كي.

حملتنا الجائحة على إعادة التفكير في مهرجان الفيلم الذي كان مخططًا انعقاده في حزيران/يونيو-تموز/يوليو 2020. وهنا يجب التمييز بين الإلغاء وإعادة التفكير بالتضامن مع الشركاء. فالأولى تتمحور حول الذات وحمايتها. أما الثانية، فتعني من خلال ممارستي التنسيقية الكويرية، إعادة التفكير بشكلٍ كلّي فيما يمكن فعله لتناول المظالم التي طالت آثارها مجتمع الكوير والعابرين/ـات حول العالم جراء الجائحة.

أسهم العمل المبني على التنظير الممارَس والروابط العاطفية التي نشأت عبر السنوات في تنسيقي لبرنامجٍ قصيرٍ على الإنترنت، يوجّه الدعم المؤسسي لتمويل حقوق العرض العائدة لصنّاع الأفلام. استنادًا إلى معرفتي بالصعوبات التي يواجهها المجتمع المحلّي، سعيت لأن أكون مسؤولًا أمام المجتمعات العابرة للقوميات التي ركّزت عليها الأفلام واستخدمت عرض الأفلام كطريقةٍ لاستجلاب التمويل. وعليه جاءت نسخة المهرجان لعام 2020 تحت عنوان "عروض لدعم المجتمع في مواجهة جائحة كورونا".14 تمكّن المهرجان من استجلاب تمويلٍ لدعم أفراد مجتمع الميم من المشردين/ـات ودعم شباب العابرين/ـات في لندن وبكين، ولكبار السنّ في الرافع للتمكين وللعابرين/ـات في تشناي وبنغالور ومانيلا. أملنا أن تكون هذه العروض السينمائية والفعاليات الرقمية طريقةً للتواصل مع أفراد مجتمع الميم الذين/اللاتي فقدوا/ـن فجأة شبكات الدعم والحماية، وهو أقل ما يمكن فعله في هذا الصدد.

رغم ذلك، كانت هذه النسخة من المهرجان فرصةً لفهم إعادة توزيع الموارد كضرورة للتصدي للاختلافات التي تفصلنا، وهو درسٌ تعلمناه من محاولات العمل والتنظيم ضمن إطار مؤسسات الشمال العالمي التي اعتاشت ولاتزال تعتاش على رصيد قرونٍ من استنزاف المعارف والبشر والموارد (كوسيكانكي 2012). أعتقد أن أي عملٍ للتنسيق الفنّي لا يتسع لمثل هذا التضامن ويكتفي بالانضواء والانتفاع من ذات البُنى التقليدية للسلطة، التي تستديم سيطرة مؤسسات الشمال العمل الذي يُعدُّ بدرجةٍ أو بأخرى متواطئًا. ولا يختلف عنه التنسيق الفني الكويري الذي يسعى لتوظيف حيوات ونضالات مجتمع الميم في مجتمعات الجنوب العالمي إذا لم يأت مشفوعًا بعملٍ مادي لدعم هذه المجتمعات.

 

ملاحظات ختامية

أعود إلى حيث بدأت بسؤالي عن كيفية صناعة مهرجانٍ سنمائيٍ كويري. للإجابة عن هذا السؤال، اقتبس من ستوارت هول (2019، 79) لأقول إن إدارة مهرجانٍ سينمائي من قِبل أشخاصٍ تتقاطع هوياتهم/ـن الجنسية والجندرية مع طيف مجتمع الميم، لا يجعل بالضرورة من هذا المهرجان ممارسةً كويريةً. بالمثل، لا يكفي أن يكون صنّاع الفيلم أفرادًا من مجتمع الميم كي يكون الفيلم كويريًا. بالأحرى، وكما يؤكد تيشومي غبرييل (1982) ويبيّن شونوفر وغالت (2016)، تكمن مسألة كويرية العمل الفنّي في التنظير الممارَس والتنسيق الفنّي وفي التفاعل مع الجمهور.

استحالت الكويرية، كما مناهضة الاستعمار، اصطلاحًا برّاقًا يجتذب الشركات الكبرى كعملةٍ جديدةٍ يمكن تدويرها في اقتصادٍ نيوليبرالي (دوغان 2004؛ برلانت ووارنر 1998)، دون أي ممارسةٍ تنظيرية تخلّ بالتوازن الراهن (لويس 2016). بالمقابل، التنسيق الفنّي الكويري، كما حاولت أن أبيّن، يحتاج لأن يكون ممارسةً مخلّةً بالتوازن ومعيدةً لتوزيع الموارد بشكلٍ واعٍ. يعرقل عمل الممارسات الاستهلاكية للاستنزاف ويعيد تعيين الموارد المؤسسية (شاهاني 2020)، ويسعى نحو بناء فهمٍ مشترك للذات متجاوزًا هيمنة الحدود والقوميات والمناطقيات والتوريات الإقصائية التي تعيد إنتاج منطق "نحن" في مواجهة "الآخرين". هناك حاجةٌ ماسّة اليوم لتحرير الكويرية من أيدي من استلبها للتربح الشخصي. هذا هو ما بشّرت به جوديث باتلر مع آخرين/أخريات "كموقعٍ للنزاع الجمعي... يُعاد إطلاقه ويُلوى وينحرف عن استخدامه السابق باتجاه أهدافٍ سياسية أكبر وأكثر آنية" (1993، 19). عندها يضطلع التنسيق الفنّي بالعمل المادي للرعاية ومناهضة الاستعمار (انظر صايغ وعلوش 2020) بحيث يأخذ مسارًا نحو ما يمكن أن يكون كويريةً جذريةً قادرة.

           
  • 1. بدأ مهرجان "كوير" آسيا كمؤتمر طلابي ضيق النطاق في العام 2016 بجامعة الدراسات الشرقية والإفريقية SOAS في لندن، ويعمل حاليًا كشبكة مفتوحة من الأكاديميين/ـات الناشئين/ـات والناشطين/ـات والفنانين/ـات في لندن وبرلين. وتُقام النسخة الأحدث من المهرجان بعنوان "Imagining Queer Bandung" (تصور باندوغ كويرية) في برلين من تنظيم فريق عمل "كوير" آسيا في ألمانيا وهي نتاج للأيام الأربعة الأولى من برنامج "كوير" آسيا الصيفي الذي جرى في لندن في العام 2019. للمزيد حول عمل "كوير" آسيا وفكرته يمكن مراجعة كتبنا “Queer” Asia: Decolonising and Reimagining Sexuality and Gender (لوثر وأونغ لو 2019) وزيارة موقع "كوير" آسيا الإلكتروني. وكان المهرجان السينمائي من مخرجات مؤتمرات "كوير" آسيا وقد انطلقت دورته الافتتاحية في العام 2017.
  • 2. أعني بالتعاون الجنوبي-الجنوبي ممارسة تنظيرية تضع نصب عينها المشاريع المناهضة للعنصرية والرأسمالية والمشاريع الكويرية والمناهضة للاستعمار، من أجل بناء الحركات ومجابهة الهياكل السلطوية. أستقي تصوّري للتعاون الجنوبي-الجنوبي من أعمال مجموعة سانتا كروز للنسوية الملونة (2014) ومشروع الدراسات الثقافية الآسيوية المستوحى من أعمال ستوارت هول في جامعة برمنغهام (تشِن 2017)
  • 3. جاك هالبرستام (2011) له دور مهم في تجاوز التصورات السلبية عن الإخفاق، إذ يعيد تصوّرها كإطار معرفي يعمل على تحديد توجهات بديلة ويحول التأثيرات السلبية للإخفاق إلى مادة لتحفيز المنسقين/ـات الفنيين/ان والجمهور على حدٍ سواء.
  • 4. تبلغ تكلفة تأشيرة الدخول السياحية إلى الممكلة المتحدة 350 جنيهًا استرلينيًا وهي التأشيرة الأسهل والأقل كلفة وليست بالضرورة الأنسب لحضور المؤتمرات. ويُعد هذا المبلغ باهظًا بالنسبة إلى العملات الأخرى.
  • 5. يُستخدم كل من "نظام الامتياز البحثي" (research excellent framework REF) و"نظام الامتياز التعليمي" (teaching excellence framework TEF) في المملكة المتحدة لاتخاذ القرارات بشأن الترقيات والتوظيفات والقيمة الأكاديمية. على سبيل المثال، يرجى مراجعة رد صبيحة علوش في إطلاق عدد "النسويات الكويرية" من مجلة كحل (غوى صايغ، صبيحة علوش، سارونا أبو عكر، آية الشرقاوي، أحمد ابراهيم، نور المزيدي، سارة أحمد 2021).
  • 6. يمكن الاطلاع على النسخة الإلكترونية التي قمنا بنصّها وعرضها في المعرض على الرابط الآني: https://docs.google.com/document/d/1vS94UkpYZxcdc4i5GvSdX3_PW79Ky9N5IQs4g1mL2QA/edit?usp=sharing.
  • 7. يرجى الاطلاع على العمل المهم لشبكة الباحثين/ـات والممارسين/ـات السود والآسيويين وأبناء الأقليات الإثنية (BAME) في متحف ديتوكس (وجيد ومينوت 2019). كما يرجى الاطلاع على أعمال الكوير والعابرين/ـات في نقد المعيارية الغيرية في المتاحف (سكوت 2018، بوسولد وسكوت وشانترين 2020). وأيضًا يرجى الاطلاع على أعمال ليلى أبو العلا ولا سيما القصة القصيرة "المتحف" (1999).
  • 8. ربما كان ذلك إخفاقًا إضافيًا في نظر الممارسين/ـات في دوائر مناهضة الاستعمار، إلا أن الأمر يستلزم وقفة للتفكير، هل تستتبع علاقتنا مع المتحف البريطاني كفضاء للعرض أي ثقل اجتماعي ثقافي؟
  • 9. حول استخدام السواد كمصطلح سياسي في السياق البريطاني، انظر أيضًا آموس وبارمر (1984).
  • 10. يتطلب هذا إفراد المساحة لحديث لا يتسع له المقام هنا، إلا أنه من المهم أن يُنظر لهذا العمل بالقياس على سارة أحمد (انظر 2012).
  • 11. نواصل النقاش حول الكيفية التي نُقيّم فيها التقديم بكونه آسيوي أو غير ذلك.
  • 12. المزيد حول سينمكيو شنغهاي هنا: https://www.cinemq.com/
  • 13. للاطلاع على نسخة العام 2021 من مهرجان "كوير" آسيا بعنوان "تخيل باندونغ كويرية": https://queerasia.com/qa21iqb/
  • 14. للاطلاع على برنامج المهرجان: https://queerasia.com/2020ccs/
ملحوظات: 
المراجع: 

Aboulela, Leila. 1999. “The Museum.” In Opening Spaces: An Anthology of Contemporary African Women’s Writing, edited by Yvonne Vera. Heinemann.

Ahmed, Sara. 2005. “The Skin of the Community: Affect and Boundary Formation.” In Revolt, Affect, Collectivity: The Unstable Boundaries of Kristeva’s Polis, edited by Tina Chanter and Ewa Plonowska Ziarek. Ithaca: State University of New York Press.

Ahmed, Sara. 2012. On Being Included: Racism and Diversity in Institutional Life. Duke University Press.

Althusser, Louis. 1971. Lenin and Philosophy, and Other Essays. London: New Left Books.

Amos, Valerie, and Pratibha Parmar. 1984. “Challenging Imperial Feminism.” Feminist Review 17 (1): 3–19. doi.org/10.1057/fr.1984.18.

Anzaldúa, Gloria. 2007. Borderlands: The New Mestiza. Aunt Lute Books.

Arondekar, Anjali, and Geeta Patel. 2016. “Area Impossible Notes toward an Introduction.” GLQ: A Journal of Lesbian and Gay Studies 22 (2): 151–71. doi.org/10.1215/10642684-3428687.

Bao, Hongwei. 2019. “The ‘Queer Generation’: Queer Community Documentary in Contemporary China.” Transnational Screens 10 (3): 201–16. doi.org/10.1080/25785273.2019.1662197.

Berlant, Lauren, and Michael Warner. 1998. “Sex in Public.” Critical Inquiry 24 (2): 547–66. jstor.org/stable/1344178.

Bosold, Birgit, E. J. Scott, and Renaud Chantraine. 2020. “Queer Tactics, Handwritten Stories: Disrupting the Field of Museum Practices.” Museum International 72 (3–4): 212–25. doi.org/10.1080/13500775.2020.1873525.

Butler, Judith. 1993. “Critically Queer.” GLQ: A Journal of Lesbian and Gay Studies 1 (1): 17–32. doi.org/10.1215/10642684-1-1-17.

Chen, Kuan-Hsing. 2010. Asia as Method: Toward Deimperialization. Duke University Press. jstor.org/stable/j.ctv11smwwj.

Cohen, Lawrence. 2005. “The Kothi Wars: AIDS Cosmopolitanism and the Morality of Classification.” In Sex in Development: Science, Sexuality, and Morality in Global Perspective, edited by Vincanne Adams and Stacy L. Pigg. Durham and London: Duke University Press.

Cusicanqui, Silvia Rivera. 2012. “Ch’ixinakax Utxiwa: A Reflection on the Practices and Discourses of Decolonization.” South Atlantic Quarterly 111 (1): 95–109. doi.org/10.1215/00382876-1472612.

Dasgupta, Rohit K. 2017. Digital Queer Cultures in India: Politics, Intimacies and Belonging. Taylor & Francis.

Deklerck, Stijn. 2017. “Bolstering Queer Desires, Reaching Activist Goals: Practicing Queer Activist Documentary Filmmaking in Mainland China.” Studies in Documentary Film 11 (3): 232–47. doi.org/10.1080/17503280.2017.1335564.

Diaz, Robert G. 2012. “Queer Love and Urban Intimacies in Martial Law Manila.” Edited by Rolando B Tolentino. Plaridel: A Philippine Journal of Communication, Media and Society 9 (2): 1–19.

Dissanayake, Wimal, and Anthony Guneratne. 2004. Rethinking Third Cinema. Routledge.

Dovey, Lindiwe. 2015. Curating Africa in the Age of Film Festivals. Framing Film Festivals. New York, NY: Palgrave Macmillan.

Duggan, Lisa. 2004. The Twilight of Equality: Neoliberalism, Cultural Politics, and the Attack on Democracy. Reprint edition. Boston: Beacon Press.

Dwyer, Rachel. 2011. “Zara Hatke (Somewhat Different): The New Middle Classes and the Changing Forms of Hindi Cinema.” In Being Middle-Class in India: A Way of Life, edited by Henrike Donner, 200–224. Routledge Contemporary South Asia Series 53. London; New York: Routledge.

Fanon, Frantz. 1967. The Wretched of the Earth. Penguin Classics. London: Penguin.

Gabriel, Teshome H. 1979. “Third Cinema in Third World: The Dynamics of Style and Ideology.” PhD diss., University of California Los Angeles.

Gabriel, Teshome H. 1982. Third Cinema in the Third World: The Aesthetics of Liberation. Studies in Cinema, no. 21. Ann Arbor; Epping: UMI Research: Bowker.

Ganti, Tejaswini. 2012. Producing Bollywood: Inside the Contemporary Hindi Film Industry. Durham: Duke University Press.

Gopinath, Gayatri. 2018. Unruly Visions: The Aesthetic Practices of Queer Diaspora. Duke University Press.

Gramsci, Antonio. 1978. Antonio Gramsci: Selections from Political Writings (1921-1926); with Additional Texts by Other Italian Communist Leaders. London: Lawrence and Wishart.

Halberstam, Jack. 2011. The Queer Art of Failure. North Carolina, US: Duke University Press.

Hagedorn, Jessica. 2013. Dogeaters. Open Road Media.

Hall, Stuart. 1996. Stuart Hall: Critical Dialogues in Cultural Studies. Comedia. London: Routledge.

Hall, Stuart. 2019. “Old and New Identities, Ethnicities.” In Essential Essays, Volume 2: Identity and Diaspora, edited by David Morley. Duke University Press.

Hallas, Roger. 2003. “AIDS and Gay Cinephilia.” Camera Obscura: Feminism, Culture, and Media Studies 18 (1 (52)): 85–127. doi.org/10.1215/02705346-18-1_52-85.

Harvey, D. 2007. A brief history of neoliberalism. Oxford and New York: xford University Press.

Iordanova, Dina. 2015. “The Film Festival as an Industry Node.” Media Industries Journal 1 (3). doi.org/10.3998/mij.15031809.0001.302.

Iordanova, Dina, and Ragan Rhyne, eds. 2009. The Festival Circuit. Film Festival Yearbook 1. St. Andrews, Scotland: St. Andrews Film Studies in collaboration with College Gate Press.

Jackson, Peter A., Fran Martin, and Mark McLelland. 2005. “Re-Placing Queer Studies: Reflections on the Queer Matters Conference (King’s College, London, May 2004).” Inter-Asia Cultural Studies 6 (2). doi.org/10.1080/14649370500066035.

Jacobs, Katrien. 2020. “Smouldering Pornographies on the Chinese Internet.” Porn Studies 7 (3): 337–45. doi.org/10.1080/23268743.2020.1776151.

Keshavarz, Maryam. 2011. Circumstance. Drama. Marakesh Films, A Space Between, Bago Pictures.

Khaleeli, Homa. 2012. “Maryam Keshavarz: ‘In Iran, Anything Illegal Becomes Politically Subversive.’” The Guardian, August 23.

Kredell, Brendan, Skadi Loist, and Marijke de Valck, eds. 2016. Film Festivals: History, Theory, Method, Practice. London; New York: Routledge.

Lewis, Holly. 2016. The Politics of Everybody: Feminism, Queer Theory and Marxism at the Intersection. London: Zed Books.

Littin, Miguel, Gary Crowdus, Irwin Silber, and Susan Hertelendy Rudge. 1971. “FILM IN CHILE: An Interview with Miguel Littin.” Cinéaste 4 (4): 4–11. jstor.org/stable/43868788.

Lo, Tim. 2018. “How a Queer Asian Saw ‘Queer’ Asia 2018.” Rife Magazine (blog). June 28. rifemagazine.co.uk/2018/06/how-a-queer-asian-saw-queer-asia-2018/.

Loist, Skadi. 2011. “Precarious Cultural Work: About the Organization of (Queer) Film Festivals.” Screen 52 (2): 268–73. doi.org/10.1093/screen/hjr016.

Luther, J. Daniel, and Jennifer Ung Loh, eds. 2019. “Queer” Asia: Decolonising and Reimagining Sexuality and Gender. London: Zed Books.

Martin, Fran, Peter A. Jackson, Mark McLelland, and Audrey Yue, eds. 2008. AsiaPacifiQueer: Rethinking Genders and Sexualities. Urbana: University of Illinois Press.

Murtagh, Ben. 2019. “Reimagining HIV in Indonesian Online Media: A Discussion of Two Recent Indonesian Webseries.” In “Queer” Asia: Decolonising and Reimagining Sexuality and Gender, edited by J. Daniel Luther and Jennifer Ung Loh, 45–64. London: Zed Books.

Perry, G. M., Patrick McGilligan, and Ousmane Sembene. 1973. “Ousmane Sembene: An Interview.” Film Quarterly 26 (3): 36–42. doi.org/10.2307/1211343.

Popo, Fan, and Bao Hongwei. 2019. “‘Love Your Films and Love Your Life’: An Interview with Fan Popo.” Positions: Asia Critique 27 (4): 799–809. doi.org/10.1215/10679847-7726994.

Rajadhyaksha, Ashish. 1985. “The Tenth International Film Festival of India: Scattered Reflections around an Event.” Screen 26 (3–4): 147–51. doi.org/10.1093/screen/26.3-4.147.

Rastegar, Roya. 2012. “Difference, Aesthetics and the Curatorial Crisis of Film Festivals.” Screen 53 (3): 310–17. doi.org/10.1093/screen/hjs022.

Rastegar, Roya. 2016. “Seeing Differently: The Curatorial Potential of Film Festival Programming.” In Film Festivals: History, Theory, Method, Practice, edited by Brendan Kredell, Skadi Loist, and Marijke de Valck. London; New York: Routledge.

Rhyne, Ragan. 2006. “The Global Economy of Gay and Lesbian Film Festivals.” GLQ: A Journal of Lesbian and Gay Studies 12 (4): 617–19. doi.org/10.1215/10642684-12-4-617.

Rich, B. Ruby. 2000. “Queer and Present Danger: After New Queer Cinema | Sight & Sound.” Sight & Sound, March. bfi.org.uk/news-opinion/sight-sound-magazine/features/queer-present-danger-b-ruby-rich.

Rich, B. Ruby. 2013. “The New Queer Cinema: Director’s Cut.” In New Queer Cinema: The Director’s Cut. Durham: Duke University Press.

Rocha, Glauber, Gary Crowdus, Wm. Starr, Ruth McCormick, and Susan Hertelendy. 1970. “CINEMA NOVO VS. CULTURAL COLONIALISM: An Interview with Glauber Rocha.” Cinéaste 4 (1): 2–9. jstor.org/stable/43868804.

Rocha, Glauber, Ismail Xavier, Stephanie Dennison, and Charlotte Smith. 2019. On Cinema. Tauris World Cinema Series. London: I.B. Tauris.

Rofel, L. 2012. "Queer positions, Queering Asian Studies." Positions: Asia Critique 20 (1): 183 - 193.

Sanjines, Jorge. 1970. “Cinema and Revolution.” Cinéaste 4 (3): 13–14. jstor.org/stable/41685720.

Sayegh, Ghiwa, Sabiha Allouche, Sarona Abuaker, Aya El Sharkaway, Ahmed Ibrahim, Nour Almazidi, and Sara Ahmed. 2021. “An Archive of Queer Feminisms with Sara Ahmed.” Kohl: A Journal for Body and Gender Research 6 (3): 424–40. kohljournal.press/Archive-Queer-Feminisms-Sara-Ahmed.

Sayegh, Ghiwa, Sabiha Allouche. 2020. "Circling: a Methodology." Kohl: a Journal for Body and Gender Research 6 (3): 239–242. kohljournal.press/circling-methodology. doi: 10.36583/2020060301.

Schoonover, Karl, and Rosalind Galt. 2016. Queer Cinema in the World. Durham: Duke University Press.

Scott, E. J. 2018. “The Museum of Transology: Protesting the Erasure of Transcestry.” In Prejudice and Pride: LGBTQ Heritage and Its Contemporary Implications, edited by Richard Sandell, Rachael Lennon, and Matt Smith, 18–21. Leicester: Research Centre for Museums and Galleries, School of Museum Studies, U. of Leicester.

Seth, Analita. 2018. “All about India’s First Silent LGBTQ Short Film, Sisak.” Filmfare.Com, September 6, 2018. filmfare.com/news/bollywood/all-about-indias-first-silent-lgbtq-short-film-sisak-30189.html.

Shahani, Parmesh. 2020. Queeristan: LGBTQ Inclusion in the Indian Workplace. Westland.

Shohat, Ella, and Robert Stam. 2013. Unthinking Eurocentrism: Multiculturalism and the Media. Sightlines. Taylor and Francis. doi.org/10.4324/9781315002873.

Simpson, Allan. 2017. “What Do Queers Want? QA17 Summary.” “Queer” Asia (blog). August 30. queerasia.com/2017/08/30/what-do-queers-want-qa17-summary/.

Singh, Julietta. 2018. No Archive Will Restore You. punctum books.

Spivak, Gayatri Chakravorty. 1988. In Other Worlds: Essays in Cultural Politics. New York; London: Routledge.

Valck, Marijke de. 2007. Film Festivals: From European Geopolitics to Global Cinephilia. Amsterdam University Press. library.oapen.org/handle/20.500.12657/35273.

Wajid, Sara, and Rachael Minott. 2019. “Detoxing and Decolonising Museums.” In Museum Activism, edited by Robert R. Janes and Richard Sandell. Routledge.