تصدّعات قاهرية

السيرة: 

كاتبة، ومُنظمة نسوية أفريقية، تسكن القاهرة، وتهرب إلى الطبيعة لتحلم بعالم أفضل وأكثر هدوءاً وجمالًا.

اقتباس: 
سالدروات. "تصدّعات قاهرية". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 6 عدد 3 (16 ديسمبر 2020): ص. 329-332. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 21 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/261.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (313.45 كيلوبايت)

theoa2_copy.jpg

معركة في الكهف

ثيو لوك

تعجبك امرأة. لو تمكنت من مشاركتها نصًا تحبّينه حول رواية/تاريخ مدينة عربية، فأنت حتمًا في مهبّ احتمالات الوقوع في غرامها؛ حيث تسقط جدران الحماية وتسقط معها "روشنة"1 ثقافة المواعدة المزيّفة، والتي لا تمتّ إلى الروشنة بصلة. لو أحبّته بطريقة عربية أو كويرية للغاية، فأنت تعيشين المُتعذّر، الحلم الابدي. امرأة تحبّ النساء وتشعر في الوقت ذاته بانتماء لم يدمّرها.

لطالما كانت الكلمات بالنسبة لي مغوية للغاية. وبينما كنت أكبر، قرأتُ جملي المفضّلة مرارًا وتكرارًا، وميّزتها مُمرّرة أطراف أصابعي على الكلمات، كما لو كان ذلك سيجعلها حيّة أكثر. أفعل الشيء ذاته مع النساء، أتشبّث بهن، بالحياة، بالبَلَل، وبالوقدة التي تشعلها الحميمية بين النساء. كبرتُ في عالم لم أعرف فيه لأي مدى يمكن لأصابعي أن تكون جِنسِيّة.

أعرف حين أصادف كتابًا سيصير المفضّل لدي، وأعرف أيضًا حين ألتقي امرأة أننا سنترك بصمات دائمة في تاريخ بعضنا البعض.

شيري موراغا، غلوريا أنزالدوا، أودري لورد، أدريين ريتش – تاريخهن حدد تاريخي؛ وفتحت كلماتهن فيَّ منافذًا لأصوغ حبّي للنساء.. لهنّ فقط. لقد محون العار والحيرة، وغذين حياتي باحتمالات لا متناهية للمحبة، الاهتمام، الحماوة، التوق والانتماء.

خلال السنة الماضية، حاولت النجاة من قسوة القاهرة كما هو الحال دائمًا. التقيت بصديقة سعيدة مثلي، ومثلي أرادت الاحتفاظ بالبراءة التي أهدتنا السعادة في هذه الظروف المدمّرة. عبرنا عن المحبة بالطريقة ذاتها، ولكن لجندر مختلف. كنا نرتاد صفوف السباحة معًا، كان الأمر مفيدًا لقلقنا حيال الحياة في القاهرة والقاهرة نفسها. مشينا في الشوارع بخفّة، واتفقنا للأسف على محبة هذه المدينة، تبادلنا وتشاركنا لحظات سحرية نشدناها ووجدتنا.

اعتدنا الذهاب إلى المسبح برفقة مدرّبة. وهو مكان للطبقة الوسطى المتوسطة/الدنيا، حيث بدت الكويرية غريبة، وبدونا غريبتين أيضًا، رغم أننا كنّا من الطبقة الوسطى. بدونا مخوّلات وحرّات، فأخطأوا تقييمنا الطبقي، كما لو أنك تصبحين مخوّلة وحرة فقط إذا كنت جزءًا من النخبة المصرية. إحدى المدرّبات، التي لطالما تبادلت معها نظرات "نعم، أعلم، أنا أيضًا أحبّ النساء"، كانت مفعمة بالطاقة ولطالما ضحكت على سباحتى الخرقاء ومسبّاتي2 (شتائمي)، التي تجعلها خجولة بطريقة رائعة في كلّ مرّة أقول أحة أو فشخ أو نيك.3 كنت مدركة تمامًا لامتيازاتي في هذا المكان: أنا امرأة مثلية تعيش بمفردها في القاهرة، ومقبولة من كويريي/ات المدينة، محاطة بنسويات كويريات أعمل معهن يوميًا وأشاركهن الجهد اليومي لبناء كيان معرفي يشبه حياتي. لا زلت أتألّم من الوحدة أحيانًا، قيود أن تكون كويريًا/ة في القاهرة، وإخفاء هويتي الكويرية عن عائلتي، لكني لا أعرف شيئًا عن وحدتها أو إذا كانت تعرف أنه لا بأس أن نحبّ النساء وأن نعترف/نُقر بتلك المحبة.

هل يمكن أن تكون القاهرة ساحرة؟ هل يمكن أن تكون كويرية؟

انتقلتُ إلى القاهرة منذ 8 سنوات؛ الآن هي مدينتي. أحبها ولكن لا شيء يدمي قلبي مثلها. صحيح جدًا أن المدن تعكس الحرية كما تعكس القمع. تعكس القاهرة الفقر، تهاوي الأحلام، الوهن، الضعف والسهاد. لكن، لا يبدو أننا سنفقد الأمل من اتساع احتمالاتها.

في العام 2013، ذهبتُ إلى أول حفلة كويرية لي، وكانت في القاهرة. كنت أخرج تدريجيًا من مخبئي (الخزانة)؛ لم تكن تلك إرادتي، لكن كنت أرغب أن ألفت انتباه النساء اللواتي يعجبنني. كنت لا أزال أتنايك مع الرجال فاعتبرت نفسي ثنائية الميل الجنسي. لا أعتقد أني كنت يومًا كذلك. صحيح أن انجذاباتي وشاذياتي وفيتيشاتي الجنسية مرنة وغير مجندرة، إلا أنني أحبّ النساء كثيرًا وأذوب بطريقة لا يمكن أن أشعر بها مع الرجال المعياريين. لا بدّ من امرأة لتذيبني، ويحتاج الأمر بالتأكيد لامرأة اختبرت القاهرة، هذا الفهم المبطّن لما نعرفه عن النشوء في هذه البقعة الجغرافية: حس الفكاهة، القمع، المقاومة، قوة الحلم، الأشياء التي كرهناها عندما كنّا صغاراً..

لا يمكن للقاهرة أن تكون كويرية ولا ساحرة ولا سعيدة. يحاولون إقناعنا بكلامهم وكراهيتهم ومحدوديتهم.

التقيت بساحرة خلال العطلة في سيناء، وأخبرتها عن المرأة الاولى التي أحببت وأنني كاتبة. الكتابة وحبّ النساء هما جوهر حياتي؛ كلاهما يجعلاني هشّة بالقدر ذاته. كنت منتشية وكانت غريبة، وأردت إخبار غريبة عن أكثر ما يؤثر فيّ. أسمّيها ساحرة لأنها عندما كنّا نتحدث عن الأدب، النسوية والنساء ذكرت كتاب "النساء اللواتي تركضن مع الذئاب"، فقلت لها إنها هي المرأة التي تركض مع الذئاب، وشجّعتني على تقديم نفسي دائمًا ككاتبة. افترقنا، ولكن طمأنّا بعضنا البعض، تحت سماء تملؤها النجوم في مكان تكون فيه ما تريد وتشعر على الرغم من ذلك بالانتماء. عيناها وصوتها غمراني بالسكينة.

استوقفتني مرّة تلميذة في الصف الثانوي من مدرسة رسمية في المعادي لتقول لي إنني جميلة وإنها تحبّ شعري. كنت متأكدة أنّ كويريتي هي ما يعجبها. شكرتها وودت لو أتمنّى لها حياة كويرية سعيدة. لم أعِ حينها أنني أصبحت امرأة ناضجة إلى أن صادفتُ تلك التلميذة في أواخر عشرينياتي، وشعرتُ بالتقدير من قبل الكويريين/ات المراهقين/ات في القاهرة. ذاب قلبي مرة أخرى عندما أعطتني فتاة ورقة كتبت عليها "أريد فقط أن أخبرك أني أحبّ شعرك". ابتسمتُ وشكرتها. كنت وقتها أعمل في مقهاي المفضل، وكان يومًا مملًا وتافهًا، لكن براءتها وشبابها والعرضيّة الكويرية للفتتها ذكّرتني أن هذا يحدث كلّ دقيقة في مكان يُخزي كويرييه. لذلك، حياتنا ممكنة.

القاهرة ساحرة. القاهرة كويرية. القاهرة جميلة.

انخرطتُ في العمل التنظيمي أنا وأول امرأة أحببت. قبل ذلك، لم يكن لأي تنظيم نسويّ أي معنى. قبل أن تظهر في حياتي ونتبادل الكتب، جالستُ نساء منسجمات مع الغيرية المعيارية بشكل مقلق وغير واعيات لمفهوم التقاطعية، ونخبويات أو ساعيات إلى النخبوية. كنّ مقلقات ولكن أيضًا كنّ النساء الوحيدات اللواتي لا يشبهن النساء في عائلتي، لأنهن كنّ نساء صاحبات قرار ويمقتن الأبويّة. أدركت فيما بعد أن الأبويّة تؤذينا بأشكال مختلفة، حيث يمكنهن أيضًأ أن يكنّ قامعات. في الحفلة، التقيت بالمرأة الوحيدة التي أقدّرها؛ كانت شريكتها امرأة. في ذلك الوقت عزلتُ أمي تقريبًا. كنت في الـ 18 من عمري وكنت غاضبة. حوّلتها تقريبًا إلى عدوّة لأنها لم تكن هنّ. أعتقد أني كسرت قلبها لأني كنت أرغب/أسعى لحيوات ونساء لسن هي. أعماني البحث عن الحرية والقبول، فلم أرَ حاجتها هي للقبول من قبل ابنتها. بعد عشر سنوات، عرفت أنها سبب الإنسان الجميل الذي أكون اليوم. أخبر أمي عن النساء اللواتي أعجب بهن/أحبّهن، لكن لا أقول إنهن عشيقاتي، بل فقط أصف مدى روعتهن. أخبرها عن أصدقائي/صديقاتي الكويريين/ات واللاكويررين/ات الذين/اللواتي اتخذن قرارات ثورية في حياتهم/ن. أخبرها عن النساء اللواتي كسرن قلبي. لقد كنت ضائعة، مكسورة، وبحاجة إلى حكمة الأم لترشدني في محنتي. سألتها هل يجب أن يكون الحبّ مؤلمًا إلى هذا الحدّ؟ أردت أن أكون مثل أمي، قادرة على الوقوع في الحبّ مرارًا، فسألتها كيف تخطّت حبّها الأول. كانت جميلة عندما شاركتني أفكارها وحكمتها الجذلة. لا شيء مَتْلُوف في أمي.

 

  • 1. ترجمة عامية مصرية للتعبير الإنكليزي coolness
  • 2. التعبير "مسباتي" ورد في النص الإنكليزي باللغة العربية، أي الشتائم. (المترجمة)
  • 3. أحة، فشخ، نيك تعبير عامية مصرية. قد تدفع هذه التعابير إلى الخجل لارتباط دلالاتها الاجتماعية والثقافية بالشتيمة او العيب. تستخدم أحة للتعبير عن الاعتراض. فشخ أو نيك تعني fuck أو as fuck، ويختلف استخدامها وفقًأ للسياق. قد تعبّر عن حماس شديد أو تستخدم لوصف أمر شديد الروعة، أو العكس تمامًا.
ملحوظات: