الداخل و/أو/مضافًا إلى الخارج: تحرير المختبأ
من خلال مراجعة نقديّة ذاتيّة لتجاربنا الأوليّة مع الإمكانات الغامضة والمتعدّدة الكويريّة، سأقوم بتحديد موقع وتجميع آثار شبكة معرفيّة تتكشّف باستمرار رغم عمليات تغييبها القسريّ الممنهج. تلك الشبكة التي تمثّل وعد الكويريّة: نداءٌ للذات المُغرّبة (المستلبة). في حال معالجتها مجتمعةً، تشكّل هذه المقاربات الشخصيّة هياكل المعرفة والحركة والشعور الكويريّ النقيض لنهج الفردانيّة. تلك الفردانيّة التي أحاجج أنها توظَّف كجزء لا يتجزّأ من ذخيرة التقنيات المصمَّمة لعرقلة قيام الجمع الكويريّ. من هذا المنطلق، أطرح ما أسمّيه "الغيريّة الجنسية الاستبدادية" كنظام سياسي فتّاك، وهو نظام متورّط في الموروثات الاستعمارية والرواسب المحلّية التي تغذّي مواقف الدولة المصرية المعاصرة تجاه المثليين/ات على وجه التحديد، وتجاه مواطنيها/مواطناتها على نطاق أوسع. يجب أن أشير هنا إلى أن تفكيري في هذه القضايا يعود فضله إلى شكل من أشكال الربط والالتزام الكويريّ أو الربط والالتزام الذي يتبحّر في غمار القدرات الغامضة والمشحونة التي تصقل هيكل البنية الكويريّة. أنا مدين للعلاقات التي جمعتني مع أفراد من عائلتي وأصدقائي/صديقاتي الكويريين/ات، لأنهم/ن مَن وفّروا لي المساحة لاستكشاف كلّ ما كان ممنوعًا عنّي بالأخصّ. وبالفعل إن بحثنا عن (معنى) الكويريّة يدور في رحى علاقاتنا وحواراتنا. في الوقت نفسه، تشكّل مساعينا الفرديّة والجمعيّة لمعالجة أو التطرّق إلى الانتهاكات الممارَسة ضدّنا على نحو مستمرّ على يد هذا النظام، خارطة الطريق نحو الكويريّة التي تتحدّى نير جهاز الدولة الذي يمعن بخنقنا ومحاصرتنا ضمن حدود مختبآتنا. باستخدام هذه المنافذ الوجدانيّة كمدخل إلى تحليل المعنى الفعلي للكويريّة، أصبحتُ قادرًا على الكشف عن آثار المكوّنات الاستباحية للبنية القائمة. بعبارة أخرى، من خلال الولوج في تحليل هيكليّ لتعابير وتجارب متنوعة من الكويريّة، فأنا أدخل في الوقت عينه في عملية تحليل لعلاقة سياسات وجهود الدول الاستبدادية لاستئصال الكويريّة، بإعادة إنتاج الظاهر لكن على نحو مغرَّبٍ عن المقاربات المعتادة للنظرية الكويريّة التقليدية. تحقيقًا لهذه الغاية، سينطلق تحليلي من "المختبأ" كأداة مادية ومفاهيميّة تابعة لمنتظم الغيرية الجنسية، الذي يعمل على تغذية نزعة مدمّرة للفردانيّة في مختلف الأوساط الاجتماعية من جهة، كأداة تحمل القدرة على رصّ الصفوف الكويريّة في حال تمّ تفكيك وحلّ التناقضات والتقاطعات الكائنة ضمن الأوصاف: "داخل (مضمر)" و"خارج (منكشف/معلن)"، "خاص" و"عام"، "فردي" و"جماعي".
theob1.jpg
في المختبأ، بعيدًا عن الأنظار: لا تاريخ أو ذاكرة في مختبأي ذاك، بعيدًا عن الأنظار دون شكل أو مادة |
شبكةٌ من صدى الاصوات في مختبآتنا هذه، بعيدًا عن الأنظار عدوٌّ قوميّ ها هو ذا في غرفة معيشتي جسدٌ شكرا يا جسد لأنك حملتني هي سيرورة كاملة محفورة في لحمي |
كان الصيف الذي بلغتُ فيه 21 عامًا صاخبًا على أقلّ تقدير، حتى أنّ لحظات الكتابة هذه – هنا في هذا المكان الآمن نسبيًا، مُثقلة بمشقّة نقل تلك التجربة من حيث الخوض في غمارها. إن موقعي المضمّن في سياق السردية الليبرالية يعتريه كثير من اللغط، فالسردية تلك لا تعترف بأهلية أو شرعية وجودي خارج أطر تجارب الصدمة والإرهاب التي أقاسيها. ولكن تبقى الحقيقة أن تلك الأبعاد الحميميّة، التي تحوم السرديات الليبرالية حولها حصرًا، تشكّل ماهية حياتي فعلًا. إلا أن محاولاتي في تجسيد تلك الأبعاد لن تبقى منقوصة وحسب، بل قد تنزلق في مغبّة التواطؤ مع السرديات الافتراضية نفسها التي تتنكّر لوجودي. ولكن كيف للمرء أن يرسم الخط الفاصل بين غمار تلك المقاربات التوثيقية الشاقّة والمرهقة من جهة – أي بين الثمن الذي يضطر الكثيرون الى دفعه في ظل هيمنة1 الخطابات الشمولية2 لحقوق الإنسان – وبين محاولات الذات المستمرّة للتعبير الحرّ عن ماهيتها الوجوديّة؟ وها أنا ذا بالرغم من تلك الهواجس أحاول الكتابة بترّدد، متمسّكًا بالصلات التي تشكّلت بين هذا النهج التوثيقي الحاضر في كتاباتي وبين قارئيه/ته القلائل من جهة، وتلك التي تنتظر التشكّل وتلك التي في مخاض التشكّل المستمرّ من جهة أخرى. إنّها سياسة الوجود اليومي.3
في أولى أيام الصيف، واجهني والدي بشأن انحرافاتي.4 ورغم أن تلك لم تكن المواجهة الأولى بيننا بهذا الشأن، إلّا أنّ ما ميّزها هو حيازته على أدلّة موضوعية دامغة كان قد جمعها بتصفّحه لهاتفي في أثناء نومي. هكذا عرف والدي أن ابنه خول. انقطع الشكّ باليقين وتحوّلت تلك اللحظة إلى دليل على فشله كأب. ترتّب على ذلك سلسلة من المشاحنات البدنيّة والعاطفية، التي دفعت بي الى ملازمة السرير مدّة الأشهر الثلاثة تلك. في سياق هذا الحنَق، طالبني بأرقام هواتف شركائي وقائدنا المزعوم الذي مثّل بالنسبة إليه السبب وراء الدفع بابنه مُستلب الإرادة نحو هذا المسار. رفضتُ إعطاءه الأرقام فقام بتحطيم هاتفي. لم يكن لدي ما أخسره بعد، لذا حاولت بسذاجة الدفاع عن نفسي ومواجهته وتغيير رأيه بمناشدة إنسانيته أولًا ثم بمحاججته عقلانيًا. لكن لم يدم عنفوانيَ طويلاً، وفي النهاية استسلمت لمحنتي. لم يكن بإمكاني فعل أي شيء لتغيير الوضع الذي كنت فيه، لذلك لازمت أريكتي وغرقت في أفكاري لساعات طوال أو ربما لأيام متتالية، محدّقًا في خزائن عُزلتي/في المختبأ.5
خلال ذلك الوقت، كانت أفكاري تهيم من وإلى حركة التحرّر الكويريّة. أذكر ترسانة الخلافات التي نشرها الكويريّون/ات في الغرب باسم تسييس فعل التحرّرية الجنسانية (الخروج من المختبأ). في عزلتي، أذكر تفاعلي الرومانسي مع التمرّد والاعتراض العام ورفض العودة إلى المختبأ. كم مرة كنت أعود إلى حراك ستون وول6 من أجل التماس الإلهام والتطلّع نحو الثورة التي تعبّد الطريق لحياة كريمة لا تعرف الخوف؟ ألقي نظرة خاطفة من تحت الأغطية، وأدرك أن الهواء في الخارج ليس أقلّ ضبابيّة من حالي، وأنه مثقل بالفساد، وأن الكثيرين/ات منّا بالكاد يستطيعون التنفّس. لم يعد المستقبل مرئيًا في الأفق، وتبيّن لي حينها أن تلك لم تكن أحلامًا في متناولي. لم تكن إلا أوهامًا مضنية عن الهروب من واقعي. كنتُ في حالة انتظار مستمرّ للّحظة التي "تبدأ" فيها حياتي. تبلورت معالم الانتظار في ذلك الصيف، وتبيّن أن ما من جديد يقترب. تبيّن أن واقعي هذا ليس إلا محنةً محكومةً عليّ سلفًا. إنها محنةٌ تتركني والناس الذين يشبهونني معلّقين في هامشيّة وجوديّة، ذميمةٍ محاصرةٍ عالقة. أنا في حالة انهيار، والمختبأ يحدّق بي، فهو الشاهد الصامت على حالي وهو الوصاية الباقية. صرت أتساءل "متى ألتقي... أو أين هو مجتمعي؟" كان هناك العديد من الأشخاص الذين يشاركونني حالي، كنت متيقنًا من ذلك، بعضهم من الأصدقاء أو العشاق أو الغرباء، لكن أين كانوا؟ بدأت أتخيّل أنهم في المباني من حولي أو أنهم هناك منتشرين/ات في جميع أنحاء المدن، كلٍّ في مضجعه/ا، غارقون/ات في خواطرهم/ات الآخذة بالتخمّر. هم/ن هناك، يبحثون عنّي كما أبحث عنهم/ن أو يأملون بلقائي كأملي في لقاءهم/ن. أعلم أنه لولا امتيازي كفرد يمكنه الوصول إلى الأشخاص والأماكن حيث هناك إحساسٌ نسبيّ في الأمان، لما كنت لأكون الشخص الذي أنا عليه اليوم. يقودني هذا الامتنان والحزن إزاء فكرة "المجتمع" إلى التساؤل عن الطريقة التي نخلو فيها إلى موروثات الصدمات، كل منّا وحده/ا – في سرّ المُختبأ المنعزل. أتساءل عن سبب كون المختبأ لا يتّسع سوى لشخصٍ واحدٍ في عزلته، وأدرك في الوقت عينه أن ثمةَ من المختبآت ما لا يُعدّ ولا يحصى. عدد يكفي للقول إن مسلسل الانتهاكات الذي نواجهه كمثليين/ات في هذا الجزء من العالم، لا يمكن إلا أن يفسَّر على أنه صدمة تاريخية عابرة للأجيال. كنّا ولا نزال في كلّ مكان وفي اللامكان في الوقت عينه. كنّا ولا نزال نُعتبَر مرضى/مريضات ومجرمين/ات، محذوفين/ات من أراشيف الذاكرة. لكنّنا نبقى مبعثرين/ات في المدن والدول، نربك المؤسسات حيثما ظهرنا. لقد قاسينا عملية نفي مجتمعيّة فريدة من نوعها، لكن ما هو الذي يحول دون تشكّل "مجتمعنا"، ذاك الذي من شأنه أن يكون بناءً اجتماعيًا وسياسيًا وعائليًا بديلًا؟ "المجتمعات" التي تتشكّل من دافع العيش على غير قواعد واقع الحال المفروضة علينا، وبغض النظر عن التجليات التي قد تؤول إليها، هي مجتمعات تتحدّى الفردانية التي تحتلّ فضاءات مختبآتنا الحالية. هي تلك المجتمعات التي نتحرّر فيها من فردانية ذاك المختبأ، وبالتحرّر نُعيد صياغة سياسة تقدّمية معًا (سوليفان، 2003).
بدا لي واضحًا أن تجارب الانتهاك والمواجهة المعاشة، هي التي تشكّل العماد الأوحد الذي يخوض الأفراد الكويريون/ات على أساسه معركة الاعتراف بهويتهم/ن الذاتية ومفاهيم الانتماء إلى بعضهم الآخر. الانتماء المبنيّ على خلفية مواجهة الاستبداد وقبضة الدولة الأمنية. لكن المثير للاهتمام هو الكيفية التي تكوَّن من خلالها هذا المشهد على حاله هذا. ما الذي سمح بعمليّة تواصل أو نقل تلك التجارب المعينة بين أوساط الكويريين/ات؟ وكيف يساعدنا ذلك في فهم معنى أن نعيش "حياة كويرية" ها هنا؟ تقليديًا، يتضمن هذا النوع من الاستجواب مسارات نظرية متعددة لطالما كانت تطرح أسئلة مماثلة ومنذ زمن طويل. تقدّم المسارات تلك نظرة ثاقبة للحتمية الهويّاتيّة ذات الطابع العرقيّ والجنسيّ التي تتضمنه عملية التذويت7 (ويتينج، 1992 فانون، 1970). أنا أحاول هنا أيضًا أن أفكّك عملية التذويت هذه، لكن لغايات مختلفة تمامًا. هدفي ليس فقط أن أسأل كيف يُنتِجُ اقتصاد الغيرية الجنسية "النموذج التفسيري لمن هم ليسوا من غيريي/ات الجنس" أو بمعنى آخر للشخص الكويري – إن صح استخدام اللفظة في هذا السياق – ولكن الأهم من ذلك هو الاستفسار عن الإمكانات التي تتأتى عن هكذا نماذج تفسيرية في سياق نظام شموليّ مثل النظام في مصر. ومع ذلك، فإنني أزعم أن الأدوات المفاهيمية المتاحة لي محدودة وهشّة لجهة قيمتها المفاهيمية، فهي تنهار عند إخراجها من السياقات التي صُمِمَت ضمنها. أن نقول إذن إن الغيريّة الجنسيّة، على سبيل المثال، مسألة إلزاميّة يعني أن نتستّر تمامًا على الطُرُقِ التي ساهمت بها المعرفة الغربية في إنتاج الـ "ذات" التقريريّة، التي تتمتع بالقدرة على مخالفة (مغايرة) غيريّتها الجنسيّة. هذا الافتراض المسبق لحتميّة التماهي خطير من عدة نواحٍ، لاسيّما لجهة فشله في تفسير أوجه عدم الاتّساق التي تشكل جزءًا لا يتجزّأ من مشروع النظام الاقتصادي الحالي، لتثبيت وإدارة وترتيب الذوات بشكل جماعي. فإلى ماذا سيؤول الأنموذج الفرداني الذاتي هذا، وما هو مآل النموذج الكويري عندما يصطدم بـ "ذوات" لا تتلاءم مع محدّداته المفاهيمية؟ بالفعل إن أفراد المجتمع الكويري يقاومون بدعة التماهي، بالتحديد لأن ذواتهم تتشكّل عند التقاطعات والمحاور التي تخلقها تجارب الانتهاك الجمّة التي يقاسونها والتي تضعهم بشكل كويريّ في مواجهة تلك البناءات المفاهيمية المبتدعة. إلا أن الجواب الذي أقدّمه ليس خاليًا من التناقضات كذلك. وهكذا أكون مضطرًا لمتابعة هذا الانهيار في الاستراتيجيات المفاهيمية التي تدرّبتُ في البحث عنها والنظر فيها وفي الكويريّة. لذا فإن هذه المقالة تُعدّ محاولة للتطرّق إلى تلك التناقضات والإشارة إلى التقاطعات التي – وفي حال عولجت بشكل جمعي – تستطيع توفير مساحات لعملية إعادة تشكيل مفاهيميّ جذريّ. لا تكتفي النظرة الحتميّة للغيريّة الجنسيّة بإقصاء الأفراد الكويريّين/ات فحسب، بل إنها تختزل أيضًا العلاقات الشائكة التي تجمعهم مع الدولة والتي بدورها تأطّرهم/ن وتموضعهم/ن على أساس شاذّ/إقصائي. هذه الإختزالية تحول دون فهمنا لأثر هذه العلاقات على أصول إدارة الدولة.
من خلال مراجعة نقديّة ذاتيّة لتجاربنا الأولية مع القوى الغامضة ومتعدّدة الامكانات الكامنة في الكويريّة، سأقوم بتحديد موقع وتجميع آثار شبكة معرفيّة تتكشّف باستمرار رغم عمليات تغييبها القسريّ الممنهج. تلك الشبكة التي تمثّل وعد الكويريّة: نداء للذات المُغرّبة (المستلبة).8 في حال معالجتها مجتمعةً، تشكّل هذه المقاربات الشخصيّة والفردانيّة،9 هياكل المعرفة والحركة والشعور (الإدراك العاطفي) الكويري النقيض لنهج الفردانيّة. تلك الفردانية التي أحاجج أنها توظَّف كجزء لا يتجزأ من ذخيرة التقنيات المصمَّمة لعرقلة قيام الجمع الكويريّ (مونوز، 2011). من هذا المنطلق، أطرح ما أسمّيه "الغيريّة الجنسية الاستبدادية" كنظام سياسي فتّاك، وهو نظام متورّط في الموروثات الاستعمارية والرواسب المحليّة التي تغذي مواقف الدولة المصرية المعاصرة تجاه المثليين/ات على وجه التحديد، وتجاه مواطنيها/مواطناتها على نطاق أوسع.
يجب أن أشير هنا إلى أن تفكيري في هذه القضايا يعود فضله إلى شكل من أشكال الربط والالتزام الكويريّ، أو الربط والالتزام الذي يتبحّر في غمار القدرات الغامضة والمشحونة التي تصقل هيكل البنية الكويرية. أنا مدين للعلاقات التي جمعتني مع أفراد من عائلتي وأصدقائي الكويريين/ات، لأنهم/ن مَن وفّروا لي المساحة لاستكشاف كلّ ما كان ممنوعًا عني بالأخصّ. وبالفعل إن بحثنا عن (معنى) الكويريّة يدور في رحا علاقاتنا وحواراتنا. في الوقت نفسه، تشكّل مساعينا الفرديّة والجمعيّة لمعالجة أو التطرق إلى الانتهاكات الممارَسة ضدنا على نحو مستمرّ على يد هذا النظام، خارطة الطريق نحو الكويريّة التي تتحدّى نير جهاز الدولة الذي يُمعن بخنقنا ومحاصرتنا ضمن حدود مختبآتنا. باستخدام هذه المنافذ الوجدانيّة كمدخل إلى تحليل المعنى الفعلي للكويريّة، أصبحتُ قادرًا على الكشف عن آثار المكوّنات الاستباحية للبنية القائمة. بعبارة أخرى، من خلال الولوج في تحليل هيكلي لتعابير وتجارب متنوعة من الكويريّة، فأنا أدخل في الوقت عينه في عملية تحليل لعلاقة سياسات وجهود الدول الاستبدادية لاستئصال الكويريّة باعادة انتاج الظاهر، لكن على نحو مغرّبٍ عن المقاربات المعتادة للنظرية الكويريّة التقليدية. تحقيقًا لهذه الغاية، سينطلق تحليلي من "المختبأ" كأداة مادية ومفاهيميّة تابعة لمنتظم10 الغيرية الجنسية، الذي يعمل على تغذية نزعة مدمّرة للفردانيّة في مختلف الأوساط الإجتماعية من جهة، كأداة تحمل القدرة على رصّ الصفوف الكويريّة في حال تم تفكيك وحلّ التناقضات والتقاطعات الكائنة ضمن الأوصاف: "داخل" (مُضمر) و"خارج" (مُفصح عنه)، "خاص" و"عام"، "فردي" و"جماعي" (سوليفان، 2003).
تحرير المنهجيّة: الهواجس والقيود والفرَص
بدأت العمل على هذه الورقة منذ ثلاث سنوات. ولكن في الأشهر القليلة الماضية، طرأت تغيرات عميقة على الحجج التي كنت أحاول طرحها. يرجع هذا إلى الصراع العائلي المستمر الذي ما زلت أخوض غماره والذي أثّر الى حد كبير على عملية الكتابة، وفي بعض الأحيان عرقل مسيرها تمامًا. بعد أن دفعتني رغباتي الشخصية والسياسية والفكرية لفهم تجاربي، كانت مواقفي رجعية تمامًا ولكن كان مردّ ذلك معللًا. أثناء هذا المخاض، أسرني نمط تفكير ذاتَويّ أطّرني من عدة نواحٍ، وللسخرية، أوقعني هذا النمط في مطب التذويت الاستلابي11 الذي كنت حريصًا جدًا على تفكيكه. كنت أستوحي إلهامي من المادية الديالكتيكية والنظرية النقدية ومدرسة الظاهِراتيّة12 الفلسفيّة والنظرية الكويريّة ومنهجية دراسات الأداء، وكل التقاطعات التي كانت تجمع بينها. إلا أنني ولنفس ذاك السبب بتُّ محجوبًا عن غيري من المثليين/ات الذين لم تُمثّل لهم خبراتهم/ن "موقعًا حيويًا للتساؤل"، بل حوّلوها الى وسيلة لبناء علاقات على أساس جماعي. كنت شديد التشبّث بهاجس النظريّة، لأنها كانت تمثّل بوابةً من نوع ما تقودني الى فهم تجربتي الشخصيّة. ولكن بغض النظر عن مقدار قراءاتي، لم يبرحني الاحساس بالاحباط الشديد. في المراحل الأولى من هذا البحث، كان الاكتئاب الذي أعاني منه قد بلغ أشدّه. جهودي الرامية إلى التنظير في معنى هذا الاكتئاب أقلقت مسعى الكتابة لديّ، لأنني صرت أعتقد أن تجربتي كانت منعزلة، وبذلك غير كافية لبناء حجّة. بلغت هذه الحالة ذروتها خلال الصيف حين شعرت أن النظرية لم تعد ذات منفعة لي في ذلك الوقت. وبالفعل لم تكن ذات منفعة. لكن كما ذكرت آنفًا، ما خفف عني في تلك المرحلة هو الحب والدعم الذي تلقيته من كويريين/ات آخرين/يات. لم يمكن لأحدٍ سواهم/ن أن يقدم ذاك النوع من الدعم لي. قررت حينها أن البقاء ضمن فلك تجاربي الخاصّة لهو أمرٌ غير بنّاء. وأن إشراك الناس من حولي في التساؤلات التي كنت أطرحها حول الذاتوية والجنس من شأنه إنتاج تحليل أكثر عضوية ودقّة عن حالنا، من أجلنا ومن خلالنا. أصبح بحثي بعد ذلك، أو ظهر على الدوام وكأنه رسالة حب معنونةُ إلى الكويريّة، إلى غيري من الكويريين/ات وإلى نفسي. لم تساعدني تلك العلاقات على استعادة الشعور بالثقة فيما أردت قوله وحسب، بل ساعدتني أيضًا في معالجة أفكاري على أنها قيّمة في حد ذاتها وعلى أنها مشاريع بناءٍ مستقبليّ في طور الإعداد. وهكذا بلورتُ هاجسًا آخر، وهو رسم مختبئي (خزانتي). نبع هذا من الرغبة في الكشف عن سيل من التجارب النموذجية للحياة الكويرية. من شأن ذلك خلق سجلات زمكانية (زمانية ومكانية) بديلة وتشكيل العماد الأساس لهياكل الشعور13 التي تعتبر كونيّة وذاتيّة في آن (هالبرستام، 2005 ومونيوز، 1999). من أجل فهم الطرق التي قدَّمت بها الكويريّة نفسها آخذة باستجلاب ومعالجة وإعادة توجيه مختلف الموضوعات، بدا من المفيد الانخراط في سلسلة من الممارسات التي تدأب إلى التحرر من المعرفة الموروثة. شكّلت هذه الممارسات على إثر طرح عدّة أسئلة (تغيرت عدة مرات في خضم العملية البحثية)، تهدف صياغاتها إلى العودة إلى ما بدا لي في ذلك الوقت على أنه لحظة الشذوذ14 الأولى – لقاءاتنا الأولى مع الكويريّة. المختبأ في مجازيّته المفاهيمية التي تفضح استبداد منظومة الغيريّة الجنسيّة وتكرّس التطبيع معها في الوقت عينه. المختبأ الذي يوظَّف كحاجز داخليّ تستخدمه الذات المقموعة ضدّ ذاتها، فتراه يخلق انطباعًا واهمًا بالخصوصية والباطنيّة. المختبأ كمساحة مفاهيمية حيث يبدأ التفكير من وعن طبيعة التذويت المشحون. هذا المختبأ غدى المكان الأول الذي بحثت فيه عن هياكل الشعور (الإدراك العاطفي).
عطفًا على ذلك، توجهت إلى عدّة محاورين قدامى لأستفسر عمّا يعنيه حقيقةً "الخروج" عن المختبأ، فما يكون حيث نخرج، ومن أين نخرج؟ وما هي التحولات التي طرأت على حالهم/ن بين حالة الانزواء "داخل" المختبأ والتحرّر "خارجه"؟ بالإضافة إلى المحادثات غير الرسمية، لجأت كذلك إلى إعداد سلسلة من المقابلات شبه المنظمة، بالإضافة إلى تمرين إضافي يُطلب من المحاورين/ات فيه التفكير بصريًا بمجموعة من التحوّلات المتعلقة بالموضوع. ما خلصت إليه كان أكثر ماديّةً مما توقعت، ما زعزع الإطار المفاهيمي الذي بدأت به هذا المسعى البحثي. وضّحت المواد المرئية المنتجة وعلى نحوٍ كبير الكثير من المسائل، بحيث أنها سمحت للمشاركين/ات – وتباعًا لنفسي – لإعادة التماس ذاكرة أو شعور كان سريع الزوال ويصعب التعبير عنه. كما أنها سهّلت تحديد هياكل الإدراك العاطفي15 بسبب تكرار الموضوعات والعناصر التكوينية المرئية التي بيّنت أنماط من التجزئة والذاتيّة على أنها تقاطعات لافتة تربط هذه التجارب المتنوعة ببعضها الآخر. هناك الكثير مما يمكن قوله عن المواد المرئية بحد ذاتها، لكن فيما يخص هذه المقالة اكتفيت باستخدام عددٍ من تلك المواد المرئية، إلى جانب المقابلات العائدة إليها. جميع المواد المستخدمة سواء كانت مرئية أم مكتوبة أم مسجّلة، تم تحليلها وإعادة زيارتها مع المشارك المعني عند كل مرحلة من مراحل العملية البحثية.
في تعليق أخير على منهجيتي، يجب أن أشير إلى أنه على الرغم من أن المحاورين/ات الذين عملت معهم/ن في هذا البحث متشابهون نسبيًا من حيث الموقع الطبقي والخلفيات العرقية، إلا أنهم متنوعون/ات من حيث ارتباطاتهم بالكويريّة وتصنيفاتهم/ن الجنسية16 بالإضافة إلى تطلعاتهم السياسية – التي تفسّر عدداً من الإشكالات الكبيرة التي تواجه النشاط الكويريّ في التاريخ الحديث والمعاصر. إنني مدرك أن التماس الاجتماعي والاقتصادي والجغرافي الذي بيننا سهّل عمليّة النقل والتواصل موضع اهتمامي. إلا أنني سئمت في الوقت نفسه من القيام بأي تعميمات حول موضوع الكويريّة تدّعي تجاوز المحددات الطبقية والعرقية. لكن على الرغم من أنني كنت أنوي التواصل مع محاورين من خارج بيئتي، إلا أنني واجهت قيود عائلية جمّة جعلت هذا الأمر صعبًا. ومع ذلك، فإنني لا أرمي الى تقديم رؤية شاملة عن حياة الكويريين في مصر، ولا حتى عن حياة المحاورين. ما أرمي إليه هو تحديد تلك الشبكات التي لطالما تعرّضت للاختفاء17 القسري في مخاض بنائها، والتي كانت تربط ما بين الكويريين هنا. ومن خلال تجميع شظايا هذه التجارب الفردية والذاتية معًا، نستدعي القوى الكامنة في مسعى إلى اعادة توجيهها وقيادتها بشكل جماعي. أهدف في الإشارة إلى هياكل المعرفة العاطفية تلك – غير الكاملة أو الساكنة – الى الإشارة نحو شيء من الماهيّة الكويريّة عوضًا عن الادعاء بتجسيدها كاملةً.
هل من كويريين/ات هنا؟: إستبداد الغيريّة الجنسيّة والدولة القوميّة18
كما أشير أعلاه، إن الدافع وراء هذا البحث هو رغبتي في تلمّس قيمة تجاربي كمساحات جديرة بالبحث العلمي، وليس كإضافة فضولية ومأساوية لفهرس من معاناة المثليين/ات في مختلف أنحاء العالم. في الواقع تمّ انتقاد عملية الفهرسة التي تتطلّب إنتاج فئات تكون أساسًا لمثل هذا المشروع. فهذه المنهجية تساهم في تسطيح الاختلافات في ظل الكونية، مُتجاهلةً المعطيات المادية التي تتحدّد على إثر الخلفيات العرقية والمواقع الطبقيّة والتي لا يمكن فصلها بأي شكل عن العناصر التكوينيّة للتجربة الكويريّة في هذا الجزء من العالم (مونيوز، 1999وراوا، 2014). ومع ذلك، فإن هذه المقاربة الكليّة هي ضرورة لأي تحليل للحياة الجنسية والجندرية، لا سيما في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا. ترجع هذه الضرورة جزئيًا إلى حقيقة أنّ العديد من الكويريين/ات يُفرض عليهم الالتزام المستمر بوجوب الابقاء على كونيّة خطاب حقوق المثليــين والمثليــات وثنائيــي وثنائيــات الميــل الجنســي. هذا الخطاب يهيكل ارتباطاتهم بذواتهم وبالدولة من جهة، وتصوّراتهم السياسية لما قد يبدو عليه المستقبل التحرري ومن أين قد ينطلق، من جهة أخرى. إن هذه المقاربات مهمّة جدا لجهة ردود الفعل التي تستتبعها من جانب دولة مصر. وعلى الرغم من أن إعطاء تاريخ شامل لسياسات وإشكاليات خطاب الـ المثليــين والمثليــات وثنائيــي وثنائيــات الميــل الجنســي في مصر ليست من ضمن أهداف هذه المقالة المباشرة، إلا أنّه من المهمّ تقديم لمحة موجزة عن المسألة بهدف تسييق التجارب التي سأقدمها لاحقًا.
السمة المشتركة التي تجمع بين أجهزة الدول الاستبدادية، هي فرض قوانين الطوارئ وتصنيف العديد من الجرائم والعمليات القضائية المرتبطة بها على أنها "قضايا أمن قومي". إحدى نتائج هذا التصنيف هي القبض على أحقيّة تشخيص أمراض اجتماعية/أخلاقية مزعومة والاتهام بإثارتها. من خلال هذا الفعل التصنيفي، تبرر الدولة العنف الممارَس في إطار "معالجة" تلك "الأمراض". كانت اعتقالات كوين بوت وما تبعها من هلع أخلاقي في عام 2001 أوّل حدث تم تغطيته على نحو مكثّف يتعلق بالاضطهاد المقونن بحق الكويريين/ات في البلاد. أثارت تلك الواقعة الكثير من الجدل. يحاجج برات (2007) بأن مثل هذا الحدث تم توظيفه بشكل متعمّد من قبل الدولة، من أجل إنتاج مشهد من شأنه تشتيت أنظار جمهور محبط وخائب إزاء الركود الاقتصادي المتفاقم من جهة، وتثبيت طابع من الذكورة لمفهوم النزاهة أو السيادة الوطنية. تلك الأخيرة التي تزعم مواجهة تهديد امبريالي زاحف يهدف إلى تغيير الاقتصادات السياسية الجندرية القائمة. إن هذا الهاجس حيال قدسيّة جوهرٍ وطني معيّن، هو أيضًا عنصرٌ أساسي يجمع بين الانظمة الاستبداديّة في الدول التي كانت مستعمرة سابقًا. من السخرية أن نغفل عن المفارقة الكائنة في التشبث بماهويةٍ قدسية، في حين أن الفكر الماهوي بحد ذاته هو الذي كان وما زال المسؤول عن كل ما عصف ويعصف بالمنطقة من جائحات (أبو خليل، 1997). مفارقة أخرى تكمن في الجهود المبذولة لتعريف الهوية المصرية على أنها تتلازم وسمات الذكورة19 والغيرية الجنسية والإسلام، وعند الحاجة تتلازم والهوية العربية والعداء للأجندات الإمبريالية للمثليين/ات جنسيًا. للمفارقة، أدّت هذه الجهود إلى سلسلة من الاحتجاجات التي عمّت المجال العام. والآن تعترف الدولة رسميًا بوجود "مثليين/ات منحرفين/ات"، وإن كان ذلك من منطلق وجوب القضاء عليهم. إستمر إرث الخول كعدو وطني، وتمظهر ذلك في العديد من الحوادث الصغيرة والتي بلغت ذروتها مرة أخرى مع حملة الاعتقالات الموجهة ضد روّاد حفل "مشروع ليلى" الموسيقي عام 2017، والتي تعدّ أكبر حملة مطاردة للخارجين/ات عن الشرع شهدتها البلاد حتى الآن. وجه الشبه بين كل تلك الأحداث هو "[أسلوب تجسيد]" خطاب الأمن القومي الذي يتمّ من خلاله إنتاج (وإعادة إنتاج) مفهوم السيادة القومية والحفاظ على الانتظام السياسي، باستخدام أجساد الرجال المثليين والنساء العابرات جنسيًا كعلف لهذا النموذج الماهويّ المُتصوَّر (برات، 2007. ص. 129). بعد يومين من الحفل الموسيقي كانت المداهمات مستمرة بكامل جبروتها، أمّا أنا فكنت في حال من الانهيار تحت وطأة عالم لا مكان لي فيه. كنت أجد نفسي أركض في الشوارع أصرخ بذعر، فقد كنت مقتنعًا بأنني مُلاحَق. كنت في حيرة من أمري وأنا خائف من أن أرشد متتبعيَّ إلى حيث أقطن. وصلت إلى غرفتي بطريقة ما لا أذكرها، وبذلت قصارى جهدي للجلوس دون حراك الى أن تهدأ نوبة الهلع التي أدركتُ لاحقًا أنها قد أصابتني. وجدَتني أختي ولكنني كنت عاجزًا عن أن أشرح لها حجم خوفي. قالت لي ودموعها تنهال، بأن عليّ الاختباء لأن المكان ليس آمنًا هنا. كيف كنت لأقول لها أنني كنت مدركًا لذلك جيّدًا، وأنني تعلّمت من كبار السن بين معارفي الكويريين/ات ما يجب فعله أثناء المداهمات للحفاظ على سلامتي، لكنني ما زلت مشلولًا للغاية بسبب الخوف؟ كان العنف في الهواء ولا يزال ملموسًا، والتهديدات بالاختفاء القسري والتعذيب والمضايقة والنبذ والحرمان الاجتماعي والاقتصادي و/أو الديني، هي مخاوف تحتلّ أذهان الكويريين/ات سواء كان ثمّة عمليّة مداهمة قائمة أم لا.
عطفًا على هذا السياق، إن تبنّي مصطلحات على شاكلة "مثليّ/ة" ليست خطرة على جموع المثليين/ات فقط، لجهة أنها تتماشى مع خطاب المؤامرات الأميركية التي تتسلل لتقويض السلطة المصرية المخلّدة على صورة ذكوريّة راسخة. بل إن هذه المصطلحات تفشل في لمّ شمل طيف كامل من التجارب التي تتكوّن منها حيوات أولئك الذين لديهم ارتباطات كويرية بالجنس والجندر، وبالتالي بالدولة القوميّة. تجارب الانتهاك المشرعنة دستوريًا كما يصفها مكداشي وبوار (2016، ص 219) "ليست استثنائية في هذه المساحات الاجتماعية السياسية: [تلك الانتهاكات هي] إضافات على مشاهد الحرب والإبادة الجماعية والاحتلال والقمع والديكتاتورية والإرهاب والقتل، التي تُشكل جزءًا أساسيًا من نسيج الحياة اليومية للكثيرين من الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة". في هكذا سياقات تمسي تقنيات العنف المختلفة أساسية في إنتاج عملية وإدارة المواطنين/ات المذعنين/ات.20 يحاجج البعض أن الأداة الأكثر حميميةً المستخدمة لممارسة هذا الانتهاك هي التصنيف الجنسي، الذي يرافقه عملية تطبيع مع حتميات سياسية واقتصادية تشكّل مجتمع غيريّي/ات الجنس. إلا أن فهمنا لعمليات تشكيل الدولة في هذه المنطقة، تتطلّب تركيزًا إضافيًا على الطرق التي تمّ من خلالها "تبنّي واستنباط" إملاءات استعمارية متعدّدة، أعيدت صياغتها ورُسّخت عبر التاريخ من قبل السلطات المحلّية (ويتيج،1993 ولوحونز، 2007 وراوو، 2014. ص.177). في مثل هذا السياق المشحون الذي يُموضع الكويريين/ات عند الحد الفاصل بين ألّا تكون/ي – وبين أن تكون مطاردًا/ة. يُموضعون في مرمى نيران الخطابات الداعية للتحرر وتلك المنادية بالطاعة/الولاء للعائلة والدين والوطن. أتفق مع راوو أن "رهاب المثلية الجنسية" هو "مصطلح ضيّق للغاية، لجهة أنه لا يشمل في معناه التفاعلات المحليّة التي تُعبّر عن كراهية الكويريّ/ة" (المصدر نفسه). فيما تبقّى من المقالة، سأركّز على التجارب التي أنتجتها تلك التفاعلات والأجندات لكي أدعم حجّتي، ومفادها أن استراتيجيات الدولة المصرية المتعلقة باستبدادية الغيريّة الجنسيّة تنتهك الأفراد بنيويًا وتدفعهم نحو الكويرية. من خلال الخوض في الصيغ الذاتية التي تبيّن هشاشة الحياة الكويرية في هذه المنطقة، سأعالج تلك الاستراتيجيات على أنها مجزّأة في الأصل، بحيث أنها تنتج أفرادًا كويريين/ات بسبب الموقع الذي تموضعهم/ن فيه من تراكيب الذات والدولة القومية والمجتمع. تتحدد تلك الاستراتيجيات ضمن أطر الغيرية الجنسية. وبالمثل، أبدأ من تجارب "المختبأ" لأشير إلى الادهاءات التي تُدعِّم مثل هذا البناء، والتي أحاجج بأنها جزء لا يتجزّأ من وظيفة هذا البناء كحاجز يفرّق بين الكويريين/ات، ويحول دون قدرتهم/ن على الولوج في تفاعلات جمعيّة جذريّة الطابع.21
أسرى المُختبأ: الخروج منه أم عنه؟
قدّمت ميم الرجولة على أنها "مزحة كبيرة لم يفهمنها". محاطات بثقافة المعيارية الغيرية وسط مجتمع غير آبه بواقع الحال ذلك، تكلّمت عضوات ميم عن ذلك الاحساس بالتغريب الذي شعرن به دون أن يعرفن كيفية التعبير عنه. [كان الأمر كما لو] أنه قد تم انتقائي من بين الحشد وسحبي جانبًا ووضع وسمًا (بمعنى الوصمة الإجتماعية) على جبهتي. تجربة الوسم والنبذ هذه شائعة بين العديد/ات من الأفراد الذين عملت معهم/ن ضمن هذا البحث، تشير تلك التجربة إلى مشاعر الذلّ المشتركة بين الكويريين/ات. إلا أن استيعاب والتصالح مع هذا الوسم، جاء ضمن مراحل تعبّر عنها "ميم" في الرسم أعلاه. "لقد عشت في ثلاثة منازل". تعكس الرسمة موقعها من المختبأ في ثلاث مراحل متفرّدة من حياتها. في القسم الأول، ميم في الصف الثالث ترزح تحت ثقل حالة نكران (انعدام) وخواء متفاقمة، "لأن ذلك لن يجعل أمي وأبي سعداء". القسم الثاني يعبر عن منعطف حرجٍ بالنسبة لميم. بات المختبأ "معبًّأ" ولم يعد بإمكانهم تجاهله الآن. تخبرني ميم عن النشاط المضني الذي قاسته في تلك المرحلة، والمتمثل بمحاولة التماهي مع أفعال الغيريّة الجنسيّة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الضغط الهائل النابع عن الاحساس بالحاجة الى تغيير الذات، أو على الأقل إخفاء ما أصبح واضحًا لها أنه انحراف (كويريّتها). في القسم الأخير تستسلم ميم، "لم يقتصر الأمر على اعترافي بنفسي"، بل كان أشبه بـ "لقد هُزمت وها أنا أعلن الهزيمة". لا تزال ميم غير واضحة بشأن هذه المرحلة وفضلت التعامل بحذر حيالها. أشارت ميم إلى أنه "يبدو أنني أتعايش بشكل سلس" مع المختبأ، ومع ذلك ما زالت عالقة ما بين الاستسلام للواقع والتشبّث بالمختبأ. لكن ما هو واضح هو أن المختبأ بالنسبة لميم كان ولا زال يعبر عن نفسها الداخلية والعلاقة الواهية التي تجمع بينها وبين ذاتها. من ناحية أخرى، فإن وهم الخصوصية الذي يخلقه المختبأ يبث بميم إحساسا داخليًا حميمًا حيث تودع أسرارها الصغيرة المنبوذة اجتماعيًا. يرافق ذلك إحساس مواز بالرغبة في "الاعتراف" بمكنونات هذا المختبأ (سوليفان، 2003. ص. 54). يساهم المختبأ بعملية التطبيع مع هذا التغريب، وذلك عائد الى أنه بحد ذاته بناء ناتج عن اقتصاد الغيرية الجنسية، فضلاً عن أنه بحد ذاته أداة للتذويت الجنسي.22 إذا كان المختبأ يحمل افتراضًا مسبقًا لهوية الفلك الذي يحتويه (أي عالم الغيرية الجنسية)، فذلك يفترض أيضًا ما يجب أن يحتوي عليه ذاك الفلك (أي فرد مغاير/ة جنسيًا). ربما يكون إدراك الوصمة الاجتماعية وما يستتبعه من إحساس بالنقص الذاتي الذي تعاني منه ميم، حالها حال العديد من الكويريين/ات، هو اللحظة التي يبدأ فيها المختبأ بالانكشاف، مُبينًا عن نفسه كقوة بنيوية نابعة عن/وتؤثر على الشخص الكويري/ة وعلاقته/ا مع ذاته/ا.
العيش بهدف إرضاء التوقّعات
بدأتُ كلّ مقابلة بسؤال المتحدثين/ات حول الكيفية التي يرغبون فيها بأن أُشير إليهم/ن في هذا النص، وما هي المعلومات الإضافية التي يرغبون في مشاركتها. السبب الجزئي وراء ذلك كان الحرص على تفادي مسألة اللغط بالأخص فيما يتعلّق بهذه المجموعة من الأفراد، الذين تتمحور شفافية التواصل وإياهم والحفاظ على سلامتهم على هذه الاستراتيجيات الخطابية التسلسلية. إنها أيضًا محاولة لاستكشاف هذه الاستراتيجيات الخطابية والسؤال عن كيفية تأثيرها على قُدرة كل مشارك/ة على الفعل من جهة، وعلى إحساسه بذاته. مع أورورا كانت هذه المسألة هي محور نقاشنا. بالنسبة إليها، فإن عملية استكشاف جنسانيتها وجندريتها جاءت على مراحل، متأصلة في معرفةٍ مُتعلقة بالشعور بالاختلاف. قبل الوصول إلى مُصطلح "كويرية الجندر"، أخبرتني عن الصراع الشاق في العثور على المُصطلح المُلائم تماماً لوصف تجربتها. تعبيرٌ مشحون بالسُلطوية ومشاعر الارتياب والعار. عندما طلبتُ منها العودة بذاكرتها إلى أولى ذكرياتها مع الكويرية، قدّمت لي الرسمة المرفقة في الأعلى والتي تعكس أولى انطباعاتها المربكة ولكن المتيّقنة في آن. إنها تمتاز بحالة من اليقين التام لـ "نوع آخر" من الانجذاب إلى ما يُصنَّف جندريًا بالأنثوي. بالنسبة لها، استدعت السلوكيات المنوطة بالأنوثة خبايا كامنة وغير مستكشفة بعد في ذاتها التي كانت "شيئًا آخر غير رجل" "دي كانت المساحة الصغيرة إني أكتشف نفسي". ومع ذلك، لم تُترجم تلك النزعات لاستكشاف الذات في لغة المثليين والمثليات وثنائيّي وثنائيات الميل الجنسي والعابرين والعابرات جنسيًا وحاملي وحاملات صفات الجنسين والكويريين والكويريات. كانت أورورا تشعر بالاستبعاد بسبب عدم توافقها والمعيارية السائدة فيما يتعلق بالانجذاب الجنسي، والفشل في الالتزام بالثنائيات الصارمة للتعريف الذاتي الجندري والجنسي. وما زاد من تفاقم هذا الشعور بالتغريب عن كويريتها، هو صحتها النفسية. لم يقتصر الأمر على الصرامة في تحديد الهويات المُتضمَّنة في خطاب المثليين والمثليات وثنائيّ وثنائيات الميل الجنسي والعابرين والعابرات جنسيًا وحاملي وحاملات صفات الجنسين والكويريين، الذي لا يشتمل على جلّ تجاربها، بل إن الأصول الاستعماريّة لتصنيف المثليين والمثليات وثنائيّ وثنائيات الميل الجنسي والعابرين والعابرات جنسيًا وحاملي وحاملات صفات الجنسين والكويريين، له حصة من ذلك التغريب: "أنا حتى مش مستوعب أتكلّم إزاي عن نوعي الجنسي والجنساني كشخص عربي". وعلى الرغم من أن مصطلحات مثل "الجندرية الكويرية" أو "كوير" مثّلت بالنسبة لها وعدًا بمساحة رحبة تُمكّنها من مواصلة البحث عن هويتها الجنسانية، لا تزال أورورا حذرة تمامًا من الصياغات/المقاربات الهووية برمّتها. تميّز أورورا على نحو مثير للاهتمام بين "التماثل بشيء ما" وبين الهوية باعتبارها التساوي الرياضي بين الأشياء (الذات والمفهوم) (أنا مساوٍ أو مثل ذاك)، الأمر الذي كان مُمكنًا لها من ناحية تعريفها لذاتها، والتصور الليبرالي التقليدي للهوية أو "التحديد كشيء"، الأمر الذي يُقرأ تلقائياً بكونه "تظاهرًا" بالتماثل "أنا لست فعلياً هذا" بالنسبة لها، "أن تعلق" ضمن التصور الثاني من الهوية يقود حُكماً إلى التغريب عن السياق المحلي الخاص للمرء، الوقوع في اشكال التعرّف على الذات بالوكالة. تكرّست بنيوية هذه المسألة برُمّتها من خلال تشابك الهوية مع المُمارسات التأديبية. هناك مقاربتين يشكّك من خلالهما المرء بطبيعته الجنسية/جنسانية/جندرية. المقاربة الأولى هووية، أو مرتبطة بالعمل (غير المجدي في نهاية المطاف) لإثبات انتمائه لمصطلح ما، أمام نفسه والآخرين. عادة ما يتمّ انتقاء المصطلح على خلفية أحاسيس بالعار وكراهية الذات. تلك الأحاسيس تدفع الفرد إلى التساؤل باستمرار عن شرعية وجوده: "هل دي فعلًا الحقيقة؟ هل أنا فعلاً بلا ميول جنسية مُحددة؟ ممكن أكون بكذب؟" يتعزز هذا النمط المؤذي من التشكيك خارجيًا وحتى من قبل كويريين/ات آخرين/يات يمارسون أشكالًا من الرقابة على من يمكنه استخدام مصطلح معيّن للتعريف عن نفسه ومتى. أما النهج الثاني فهو ذاك النابع من الوعد الكويري بخلق مساحة للفرد في الانخراط ضمن معترك التجربة التوليدية للذات والسعي نحو بلورتها. وبينما تنتقد أورورا الهووية، فإنها تؤمن بالحتمية السياسية لتحقيق التحرر، مُشيرة إلى وجود مأزق رئيسي في عملية التنظيم الكويري في المنطقة والمتمثلة بمعالجة مسألة المرئية (الإفصاح/الانكشاف).
الوظيفة المزدوجة للمختبأ: بين الانفتاح والانعزال
في مسعى لتفكيك هذا المأزق، بدأت في تعديل أسئلتي بحيث أتمكّن من فهم أفضل للكيفية التي تؤثر بها ممارسات الفرد لجهة الإضمار أو الإفصاح عن كويريّته/ا، على عمليات نسج الثنائيات كالانفتاح/الانعزال الرضوخ/الإرادة التقريرية. من المهم أن نضيف هنا أن هذه الإشكالية المعينة، المتعلقة بتوقيت الإفصاح عن الذات – إن حصل – والدور الذي يلعبه الإفصاح عن الهوية الذاتية في بناء سياسة كويرية تقدّمية – إن وُجدت – تتضمن مصالح مختلفة لمكوّنات مختلفة. كانت مقاربات أمير للمسألة مثيرة للاهتمام بالنسبة لي، لأنها وجّهتني نحو الطبيعة المزدوجة للمختبأ كمكان خانق ولكن مليء بالإرادة التقريرية في آن، أما السمة الطاغية فتتباين نسبة لطبع كل فرد. بالنسبة لأمير، فإن توصيف "الإفصاح" (الخروج) كلحظة من لحظات الانكشاف الكامل23 ومن مختلف النواحي، هو محض خطاب أبيض،24 "لا توجد حالة من الإفصاح أو الإضمار المطلق". الكويريون/ات في مصر "منكشفون/ات" في بعض السياقات ومضمرو/ات الهوية في سياقات أخرى. يسمح مفهوم الانكشاف النسبي لأمير بأن تطرح "الإضمار" (البقاء داخل المُختبأ) على أنه نمط من الإدراك المفرط للطريقة التي يُنظر اليهم/ن (ككويريون/ات) فيها. فتخبرني أنهم يكونون في ذروة انعزالهم الذاتي، في الأحيان التي يحاولون فيها التأقلم مع أفعالهم المعيارية الجنسية لكي لا يلفتوا الأنظار لأنفسهم، سواء في الشارع أم في العمل أم مع أفراد الأسرة والأفراد الذين يرتاحون معهم/ن. في المقابل، تصف أمير تصورًا مثاليًا للانكشاف، الذي يعني لحظة غياب معايير مسبقة للنظر إلى النفس وتصرفاتها وطابعها العام. أي أنه المكان والزمان اللذان تنعدم فيهما تصنيفات الجسد وبالتالي الجنس والجندر. هكذا تكون عملية الإفصاح أو الانكشاف لأمير عبارة عن عملية إدراك لحجم القمع الذاتي الذي يخوضه الكويريّ/ة لكي لا يُلحظ، "مدقوقة لغاية جوا جزمتي بس بعدها تركتها تخرج". هذا الخروج عن المختبأ الذي أتى على شاكلة الزحف التدريجي، حدث بمساعدة مجموعة الأصدقاء الكويريين/ات. ومع ذلك، لم يسمّوا أنفسهم/ن كويريون/ات إلا لاحقًا في أعقاب اعتقالات "مشروع ليلى" العام 2017.
[أثناء حملة الاعتقالات]
طبيعي أكون متضايقة، في ناس بيتقبض عليها لمجرّد إنها موجودة. دي حاجة رهيبة… بس أنا ليه متأثّرة للدرجادي كدة؟ أنا حاسّة بالغُلّ كلو ده ليه؟ في الشغل الناس بتتكلم في الموضوع. بس ليه كده؟ أنا حاسة إني مش قدرة أتنفس و{بروح الحمام كل شوية} عشان أعيّط وبنهار نفسيًا.
في تلك اللحظات تأكّد لهم/ن أنهم/ن لن ينعموا براحة البال التي يتمتّع بها نظراؤهم/ن من غير الكويريين/ات، لذلك ارتؤوا أن التضامن مع مجتمعهم (الكويريّ) كان أولويّتهم/ن. وبالرغم من أنهم أشاروا الى أن المختبأ يجسد الإحساس بانعدام الثقة بالذات – تلك التي يناضلون للتصالح معها – بيد أنهم/ن يلجؤون إلى نفس المختبأ لما هو خارج عن وصايته – إن صح التعبير – أي لالتماس القدرة على التواصل. أتفق مع أمير في أن الحياة الكويرية في مستعمَرة سابقة كمصر، تفرض عليك أن تكون مرنًا ومتعدّد الأوجه وخلّاق. بتعبير آخر، أن تعيش حياة كويرية هنا هو أن "نتعلم من خلال التجربة كيف ومتى وأين نتصرّف... بالإحساس وبالتجربة" في سياق بناء تعبير عن ذواتنا. يتّفق المتحدثون/ات على أن هذا النمط من الوجود مضنٍ وينتابه على الدوام الاحساس بـ " فقدان الذات في كل التصرفات". هذا التشظّي يلتئم ويشفى فيما أدعوه بفعل التواصل الكويريّ، "لحد ما قابلتهم ماكنتش عارفة أنا مين".
الاستجابة للنداء الكويريّ: التواصل وإعادة صوغ ماهيّة الذات
في المراحل الأولى من البحث الذي تمخّضت عنه هذه المقالة، كنت أيضًا أواجه معضلة فيما يتعلق بكيفية الوصول إلى ما يبدو أنه ذاتية ما بينيّة، وهي ماهية شائعة بين الكويريين هنا. على الرغم من أنني كنت أنظر على وجه التحديد في الذاتيات العابرة، بدا واضحًا لي أن هذه الحالة وضعت الكويريين في فلك اللاوجود بالمعنى الفانونى (1970). كان الفرد العابر محاصرًا ضمن ذاتية منكسرة عاجزة عن الدخول في الفلك الاجتماعي، وبالتالي يتمّ إقصاؤها. بعد إشراك زملائي من الكويريين/ات والعابرين/ات في هذه الإشكالية، أصبح من الواضح أن هذا المفهوم الانتقالي الذي عشناه كان جامدًا للغاية. حتى المواد التجريبية والمرئية التي جمعتها لهذا المشروع، قاومت تلك الحتميات وتطلّبت الكثير من إعادة النظر وإعادة صقل المفاهيم. في هذا القسم، أقتبس هذه المادة من بتلر كمثال لما يمكن أن تعنيه عملية إعادة صوغ ماهية الذات:
ليس للمرء قولٌ في المصطلحات التي يتعرّض من خلالها إلى فعل الانتهاك. تستحوذ تلك المصطلحات على الأفراد دافعة إياهم/ن الى خطر التواطؤ مع معانيها الجارحة، من خلال تكرارها وبالرضوخ إلى الأذى الذي تتسبب به. إلا أنها أيضًا تشكّل مناسبة لتفعيل القوة المحرّكة الكامنة في ذلك الانتهاك (الجرح)، والتي تدفع بدورها نحو تساؤلات ما كان دونها للفرد أن يطرحها طواعيًّة (1997، ص 383).
تكرار المصطلح على نحو صاغر يعني القبول بهذا الانتهاك، وإعادة صياغته ذاتيًا. وبذلك، إذا سلّمنا بقدرة الكويريّة على مخاطبة المقصيين/ات25 والكويريين/ات – المدفوعين/ات قسرًا لتبنّي الطابع الغيري – يصبح من الجليّ أن هذا "المفعول به"26 الموضوع عند تقاطعات محاور الانتهاك – حيث تواجهه تلك الانتهاكات وتحتويه في الوقت عينه – ليس محض "مفعولٍ به". وعلى الرغم من أنهم لا يستطيعون إنكار هذا البعد من "ذاتيّتهم"، إلا أنهم مع ذلك عالقون في محدودية فلكها.27 في القالب الآخر، إن التعامل مع الكويرية كنداء بديل يساعد الكويريين/ات على مقاومة تلك المحددات من خلال إعادة صوغ النظرة والتعريف لمختلف وسائط الهيمنة الكائنة ضدهم/ن. إنه/ن (يفعلون) يتصرفون/يتقاربون/يوائمون/يرغبون بأنفسهم/ن بشكل كويريّ.
عندما طلبت من "نون" رسم مخاض "الإفصاح" (الخروج عن المختبأ)، أعطوني28 هذه الرسمة المكوّنة من قسمين: "كيف كان الأمر – كيف أشعر/أرى نفسي". في القسم الموجود على اليسار، تعبّر نون عن فعل الإفصاح (الخروج عن المختبأ) على أنه عملية إدراك للذات من خلال مواجهة مع كل ما كان "دائمًا موجودًا، في الخلفية، ولكن مكبوتًا". بالنسبة إلى نون، إدراك كويرية الذات مرتبط بحالة من الوعي29 المفرط للنظرات الخارجية المسلطة على أجسادهم. يعكس الرسم مشهدًا حيث تكون نون في صالون لتصفيف الشعر النسائي، يحاولون إبعاد نظرهم عن الانعكاس الذي يؤطرهم ويحدّق بهم،30 وعن "التباين الذي حفّزه اللون البنّي [لليد] في تلك المساحة". بالنسبة لهم، لطالما تعرّضت الكويرية الى إزاحات عنصرية وجنسانية وجندرية. أما حالة الوعي المفرط فهي نتاج لمعاناة طويلة رافقت محاولة التماهي ومعيارية الغيرية الجنسية. تلك المعاناة التي تبلغ ذروتها في اللحظة التي يقرر فيها الفرد أن (يضع حدّاً لهذه الحالة): "إحلقه وحسب [الشعر] – كلّه". وعلى الرغم من أن نون أخبرتني أن رغباتهم في تحديد مظهرهم بطريقة أخرى / كانت في ذلك الوقت متأثرة بشدّة بـ "ما كانوا يعتقدون أن الأشخاص البيض سيظهرون عليه عندما يحلقون شعرهم"، إلا أنهم ما زالوا ينظرون إلى ذلك الفعل على أنه نابع عن إرادة تقريرية حرّة. الفعل (حلاقة الشعر) في حد ذاته كان بمثابة تحريض ذاتي على عملية "التصالح" مع أنفسهم، وذلك من خلال إعادة تشكيل حرفية لأجسادهم وما تحمله من أبعاد جندرية وجنسانية وعرقية. في القسم الموجود على اليمين، يفسّرون نون العملية بشكل أكثر غموضًا، إلا أنهم فسّروا لي أنهم "لا يفكّرون [في أنفسهم] على أنهم كيان مادّي أو كائن بشري، بل هم حالة غير متبلورة معلّقة في الفضاء". ينبع هذا الشعور جزئيًا من انعكاسية مردّها الانكشاف المفرط العائد إلى عصيانهم لمعيارية الغيرية الجنسية. والتي بدورها تحبط الرغبة في وجود مُغاير للسائد. كما يروون لي عن لقاءات متعددة مع سائقي "أوبر" كانوا يلغون الرحلة او يغادرون لحظة رؤيته. وعلى الرغم من أنهم يضحكون مع الأصدقاء بشأن هكذا حوادث، إلا أنّ تراكمها واستمرارها يُثقل كاهلهم. يخبرني نون أنهم ولفترات طويلة كان الإنترنت ملجأهم الوحيد، "أشعر أحيانًا أنه المكان الوحيد الذي أوجد فيه بالفعل"، على عكس الأماكن حيث لا اتصال فيها بالانترنت، "في الفصول الدراسية على سبيل المثال... حالي أشبه بالروبوت، لست ذاك الشخص". وهكذا مثّلت المنصات الإلكترونية مخرجًا من الاغتراب الذي يعيشه نون، لأنها سمحت لهم بالتوسّع والتعبير عن أنفسهم: "لقد نُظر إليّ على أنني صبي، وكنت طرفًا فاعلًا في تكوين تلك النظرة". هذه المشاركة الفاعلة في بناء تصوّر عن الذات مؤشر على وجود تحوّل في أنماط ولوج الكويريين في علاقات الآخرين مع الذات. فلطالما اعترى هذه العلاقة نفي للذات أما الآن أصبحت تتخلل إعادة توجيه تلك الذات نحو الكويرية (وكويريين آخرين). من خلال عملية إعادة التفاوض لشروط بناء العلاقات التي تتسم بها فضاءات الانترنت الكويريّة، يحدث فعل التأكيد على الهوية الشخصية. هذا التوق إلى الاعتراف بالذات والتصالح معها ردده الأفراد الآخرون الذين عملت معهم لغرض كتابة هذه الورقة. جميعهم أكد على أن التفاوض والفهم التدريجي للذات يحدث من خلال التأكيد الذي يمنحه الوجود المحض (في أوقات عديدة) لكويريين/ات آخرين/يات.
بالنسبة لملك، هذه مشكلة "إنكشاف". على الرغم من أنها كانت تدرك انجذابها إلى نساء أخريات إلا أن هذه الحالة كان يشوبها الغموض. لكنها تشير إلى أنه في اجتماع بين "مجموعات مختلفة في المجتمع"، عبّر المجتمعون عن أن هذا الانجذاب يتأكد من خلال الإحساس بـ "حاجة مألوفة... اكتشفت حاجة في نفسي جديدة قديمة". هكذا تمكّنت ملاك من مقاربة مشاعرها بالعودة لـ"المجتمع" الذي موضعت نفسها ضمنه، وإن كانت تلك الحالة المرجعية فضفاضة وملتبسة أحيانًا من الناحية الاجتماعية، يتخلل الاعتراف المتبادل بالذات بروز ثغرة بين الكيفية التي ينظر فيها الفرد الكويري إلى نفسه/ا من جهة، والنظرة التي تحكم علاقته/ا مع الآخرين والعالم من جهة أخرى. بعبارة أخرى، إنها التباين بين الداخل والداخل من جهة وبين والداخل والخارج من جهة أخرى. لذلك نقول إن العلاقة بين الفضائين مرنة ديالكتيكية أكثر مما تعكسه المفاهيم الموجودة. هذا النوع من العلائقية أو الاتصال الكويري، يساهم في شفاء الأفراد المكبلين/ات بأصفاد الغيرية الجنسية تلك التي تشرذم الكويريين/ات بطرق مماثلة من شأنها أن تجعل تجربة "عيش حياة مزدوجة" سمة نموذجية عالمية مشتركة لحياة الجمع الكويري. في تطرقها الى هذا التشرذم، تميّز ملك بين التعريف الشخصي للذات الذي عادة ما يكون أسير الاحساس بالتوجس والحذر، ويساهم في الشعور بالفردانية والاغتراب. وبين التعريف الذاتي الحر والهادف إلى التنقيب عن مكامن الدعم التي تتبلور عندما تكون مع كويريين/ات آخرين/يات. إن الطبيعة الموجّهة أو المقصودة لعملية التعريف الذاتي هذه بالنسبة لها، تتجلى في أفضل ما يميّز الكويريين/ات – "اكتشاف" الكويريين/ات الآخرين/يات. بالنسبة لملك، فإن الجمع بين الدلالات والسياق، يميّز بعض الأفراد على أنهم/ن أصحاب هوية كويرية واضحة، مما يحفّز ظهور رغبة مضمرة في التواصل وإياهم/ن تحت افتراض أنهم بدورهم/، يودّون التواصل معك. تصف ملك هذا الشكل من الدلالة بأنه "الإدلاء بموقف... السماح لأشخاص مثلي بمعرفة من أكون". هذه الرغبة في التمسك بهوية الذات من خلال الآخرين/يات، كما أعتقد، تتخلل فرض المرء سيادته على جسده من خلال إعادة تعريفه بعبارات كويرية ولأهداف متعلقة بالنهج الكويرية.
في محاولة لفهم التحوّلات بين هذين الوضعيتين (الحالتين)، تصحبني ملك إلى منزلها باعتباره مرحلة من مراحل الألم. في الرسم، تنكر ملك طابع المساحة "خاصة" عن غرفة النوم. "ما فيش حاجة عندنا اسمها باب مقفول". تنتظر حتى تغادر والدتها للاستمناء.31 تصوّر ملك مشهدًا حيث تنظر فيه إلى انعكاسها في المرايا الموجودة على خزانة، فيبادلها انعكاسها النظرات. تدأب ملاك على تحديد موقعها الفعلي داخل الغرفة، وأما الخطوط فهي تُسم شخصها والمساحة. تتضمن غرفة النوم وهمًا بشيء من الخصوصية والفردية والاستقلالية، التي تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من حاجات الفرد للحفاظ على تماسكه في كل صباح حين يستيقظ، ويقف أمام خزانة ملابسه لاتخاذ قرار بشأن الكيفية التي يريد من خلالها اظهار نفسه، وبعدها يشرع في عمله المنتج. إلا أن ملك مدركة تمامًا للمخاطر التي تحوم حول التماس هذه الاستقلالية الوهمية والخادعة، مشيرة إلى الطرق التي تُعامل فيها كطفلة من قبل نمط الأبوية المعسكرة32 الذي يملي مفهوم "العام" و"الخاص" في مصر. لا مبالغة في واقع أن الباب مفتوح دائمًا، وهكذا تصبح أعمق مستويات العلاقات الحميمة للأفراد الكويريين/ات موضع استغلال من قبل استبدادية الغيرية الجنسية. مرة أخرى، فإن المساحة (المفاهيمية والمادية) للمختبأ (الخزانة) هو الذي يطبع واقع الحال هذا، لجهة أنه يختزن الافتراض المسبق لماهية الفرد الواقف أمامه (اللاجئ اليه)، ويوفر لهم مكانًا لدفن "سرّهم الصغير القذر" كما يصفه العالم الكائن خارج هذا المختبأ. الانعكاسات المتشظية في رسم ملك، تبيّن الانقسام الذي تجسده كفرد كويري. تلك الكويرية التي تكتسب معناها بالنسبة لملك من التقاطعات الجامعة بين الهوامش. تفهم ملك الكويرية على أنها "الإشتمالية الجذرية" التي تقدّم وعدًا بالتناغم الكامل33 الذي يمكن تحقيقه مع الكويريين الآخرين ومع الذات. إذن يشير هذا التشظي الذي في الرسم إلى التقاطعات التي تمثل حالة أسر وولادة لملك في الوقت عينه. هنا تصبح ملك أيضًا همزة وصل بين علاقات القوة التي لم تعد عنصرا غير فاعل ضمنها. ترسم نهجها في مواجهة الاستحقاقات، كما يجب على جميع الكويريين أن يفعلوا. إن تورطنا وتضميننا في نهج العنف السائد، يشحننا بطرق متنوعة يصعب تحديدها أو التأكد من طبيعتها. لكن مع ذلك الواقع يبقى أنّ هذا النهج يشحننا بقوة كامنة غامضة، لا بدّ أن نتعلم – مع غيرنا من الكويريين/ات – سبل توظيفها وتوجيهها وصقلها لغرض مواجهة المنظومة التي تنتهكنا.
في ملاحظة أخيرة، يبدو أن الكويرية دائمًا أسيرة الغيرية الجنسية، ولذلك نقول إن المختبأ هو بالفعل بناء من بناءات الغيرية الجنسية، لأنه يخفي ويُطبّع مع موازين القوى التي تتشبّث بها لإضفاء الشرعية على أصالة المختبأ. لقد حاولتُ في هذه الورقة استكشاف إمكانية الفصل بين الخاص والعام لتبيان كيف أن فكرة الفصل بحد ذاتها هي افتراض سلطوي. إفتراض وجود الفضاء العام يعني بالضرورة افتراض مسبق لوجود حامي لهذا الفضاء، وهكذا يتمظهر كيان الدولة على أنه فاعل خير. ويصبح هذا الفضاء رديفًا للفضاء السياسي، وبذلك يُعرّف الفضاء الخاص على نحو نقيض مما يفترض تباعًا بأنه فضاء غير مسيّس. بهذا المنطق الخبيث يعتّم على حقيقة هذا الفضاء كمساحة لتغلغل السلطة. يتمّ التطبيع مع الأيديولوجيا من خلال مشاعر كالخزي والذنب وما إلى ذلك، متناسين بأن تلك المشاعر أداة للتأديب والإخضاع – باعتبار أنها تشكّلت استجابةً لمخاوف الإقصاء الاجتماعي أو العقاب القانوني أو الانتقام الإلهي. على الرغم من هذه الجهود الهائلة لقمعها، تصعد الكويرية وتباشر في الربط بين الحلقات المقصيّة (المغرَّبة)، الأمر الذي يوفّر للمثليين/ات ولعملية تعرّفهم/ن على ذواتهم/ن وحفاظهم/ن على وجودهم/ن، فرصة للتنظيم الجماعي الجذري.
لم يُكتب لنا اللقاء، يا أيها الحبيب
لقد أُبعدنا عن بعضا البعض
فمُدّ ذراعيك لنتكاتف سوية
هكذا ننتشل المستقبل من تحت الركام
هكذا نعبّد الطريق لينعم به أحبّةً جُدُدٌ من بعدنا
أما اليوم فبتكاتفنا نناضل يا أيها الحبيب
- 1. هنا نعني الاستلاب الثقافي الممارَس من خلال الخطاب الإنسانوي للإعلام السلعي و"المنظمات غير الحكومية" المختصّة بالشأن.
- 2. ذات البعد القمعي والتجريدي في آن. (المترجمة)
- 3. الترجمة مستوحاة من مفاهيم الاشتباك اليومي لمهدي عامل. (المترجمة)
- 4. perversions
- 5. في النسخة الانجليزية الأصلية يستخدم الكاتب لفظة "الخزانة"، وهي كناية لغوية للمنفى الذي يضمر فيه الانسان هويّته الشخصيّة وبالأخص في هذا السياق، حيث يضمر الكويريون هويتهم الجنسانية خوفا من القمع الممنهج الممارس من قبل مؤسسات الرقابة الرأسمالية المتمثلة بالعائلة ومختلف التراكيب الاجتماعية والمؤسسية والدولاتية (الأمنية منها والقانونية) المتحكّمة بنشأة الفرد الشخصية والجمعيّة. لهذا انتقيت لفظة "المختبأ" لتعبّر عن ذلك الاصطلاح المفهومي. (المترجمة)
- 6. سلسلة مظاهرات شعبية أخدت رحاها في مدينة نيويورك – مانهاتن الأمريكية ضدّ القمع الشرطي الممنهج الذي بدأ يمارس ضدّ مثليّي الجنس عام 1969. (المترجمة)
- 7. استخدم مصطلح التذويت على أنه يعكس الحالة التواصلية المتلازمة مع الهويات الجمعية والتي تبنى على أساس تجارب ذاتية متناقضة مع بنى الأمر الواقع. التذويت يعكس الماهية المتحولة والمترحّلة للوجود التي وصفها الكاتب عندما تطرق الى العلاقة الآنية والمتبدلة بين الفضاء "المختبأ" والزمن "المعلّق" ص.3 من النص الأصلي. (المترجمة)
- 8. انتقيت لفظة التغريب أو الاستلاب لأنها مستقاة من الأدبياتة الماركسية لوصف حالة فقدان الهوية الشخصية. انتقيت اللفظة لانها تتواءم ومقاربة الكاتب البنيوية التي تحاول الوصل بين الدولة (أصول الحكم) وديناميات الحركات والاستراتيجيات المفاهيمية في ظلها وفي مواجهتها في آن. (المترجمة)
- 9. أو الشخصيّة ذات الطابع الفرداني أي النقيض للطابع الجمعيّ. فالشخصيّ قد يصاغ ويقارب جمعيًّا إلا أن الكاتب هنا يرمي إلى نقد الشخصانية في بعدها الليبرالي بحيث يعامل كلّ عنصر على أنه منسلخ عن الكل المجتمعي (المترجمة)
- 10. المنتظم كناية عن جملة الأنظمة الإجتماعية والسياسية والمؤسسية واللغوية التي تشكل منظومة القمع الدولاتية أي الـ (Regime). هذا الاصطلاح يوضح المفهوم الذي ذكره الكاتب آنفًا عن "الغيرية الجنسيّة الاستبداديّة" في سياق وصف آلة قمع نظام دولة مصر.
- 11. أو التذويت التغريبيّ. (المترجمة)
- 12. أو الفينومولوجيا. (المترجمة)
- 13. الشعور أو العاطفة، ويمكن استخدام لفظة الاعتقاد العاطفي أو المعرفة العاطفية. (المترجمة)
- 14. أو لحظة الشّقاق أو الإنحراف الأولى، بحيث يكنّ الشقاق عن مسلك نقيض للقواعد الاجتماعية السائد في ظل سياسة الامر الواقع الراهنة.
- 15. هياكل الشعور أو هياكل الادراك. (المترجمة)
- 16. نوعهم الجنسيّ. (المترجمة)
- 17. التلاشي. (المترجمة)
- 18. الترجمة المباشرة للمصطلح (The Nation) هو الأمّة، إلا أن الكاتب يعرّج على المناحي الاجتماعية وعلى القمع المؤسسي الذي يولد ويعيد انتاج "استبداد الغيرية الجنسية" في دولة مصر ومختلف الابعاد الهووية التي تنضوي تحت بنى الاستبداد تلك والتي تحوم جميعها حول هوية الشعب الذي ينضوي تحت الدولة القومية. (المترجمة)
- 19. الرجولة (أقرب للمحكي العربي). (المترجمة)
- 20. انتقي هذا المصطلح لأنه يمثل مفاهيمياً نقطة الاتصال بين فعل الطواعية وفعل الرضوخ. (المترجمة)
- 21. يحول دون القدرة على الولوج في تفاعلات تؤدي الى توافق جذريّ الطابع بين ذوات الجمع الكويريّ أو على بلورة ذاتويّة جمعيّة جذريّة. (المترجمة)
- 22. التذويت المجنسن. (المترجمة)
- 23. المطلق. (المترجمة)
- 24. أبيض (عائد الى لون البشرة): أي الفئة أو الطبقة المتمتعة بالامتيازات عادة تستخدم للإشارة إلى شعوب دول الاستعمار المباشر السابقة (دول عالم الشمال). (المترجمة)
- 25. أو المُغربين/ات. (المترجمة)
- 26. أو كرعيّة. (المترجمة)
- 27. عالقون في محدودية فلك مظلوميتها، اعتقد ان اضافة هذه اللفظة اساس في تبيان المعنى الذي يصبو اليه الكاتب حيث انه يدعو الى الانتقال من حالة الرعايا المضطهدين الى حالة الجماعة الفاعلة ضد البنى التكوينية لمصادر اضطهاداً. (المترجمة)
- 28. نستخدم صيغة الجمع للتعبير عن جندر غير محدد. (هيئة التحرير)
- 29. الوعي المفرط انتقي كمصطل وليس الانوية المفرطة بحيث أن للأخيرة معان اكثر انعزالية من الاولى وبذلك قد لا تخدم مقصد الكاتب. (المترجمة)
- 30. their gaze locked at the reflection staring back at them
- 31. أو لممارسة العادة السرية (انتقيت لفظة استمناء بالعودة الى قاموس الجندر) ونظراً لأن تعبير العادة السرّية يربط الفعل بالعار. (المترجمة)
- 32. أو الصارمة أو الأمنية، لفظة عسكرة قد لا تصح في بعدها المؤسسي ضمن هذا السياق على الأقل (في النصين العربي والانجليزي). لو كانت المؤسسة المشار اليها عشيرة لكانت العسكرة أدق لكن فيما خص مؤسسة العائلة قد تكون غير دقيقة (لكي لا نقول مبالغة لأن وجه المقارنة في حدية القمع مغلوط على مستوى البناء التحتي للمجتمع). (المترجمة)
- 33. أو وعدا بالتناغم الكامل أو بالتكامل التام. (المترجمة)
AbuKhalil, A. A. (1997). Gender boundaries and sexual categories in the Arab world. Gender Issues, 15(1-2), 91.
Butler, J. (1997). Gender is burning: Questions of appropriation and subversion. Cultural Politics 11, 381-395.
Fanon, F. (1970). Black skin, white masks. London: Paladin.
Halberstam, J. (2005). In a queer time and place: Transgender bodies, subcultural lives (Vol. 3). NYU press.
Lugones, M. (2007). Heterosexualism and the colonial/modern gender system. Hypatia, 22(1), 186-219.
Mikdashi, M., & Puar, J. K. (2016). Queer theory and permanent war. GLQ: A Journal of Lesbian and Gay Studies, 22(2), 215-222.
Muñoz, J. E. (1999). Disidentifications: Queers of color and the performance of politics (Vol. 2). U of Minnesota Press.
Muñoz, J. E. (2011). Cruising utopia: The then and there of queer futurity. NYU Press.
Pratt, N. (2007). The Queen Boat case in Egypt: sexuality, national security and state sovereignty. Review of International Studies, 33(1), 129-144.
Rao, R. (2014). The locations of homophobia. London Review of International Law, 2(2), 169-199.
Sullivan, N. (2003). A critical introduction to queer theory. NYU Press.
Wittig, M. (1992). The straight mind and other essays. Beacon Press.