انهاء استعمار المعارف عملية نسوية

السيرة: 

غرونيا تشارلتون كاتبة ومنظمة نسوية. حصلت غرونيا مؤخراً على درجة الماجستير في العمل والحركات الاجتماعية والتنمية وتهتم بشكل خاص بالتنظيم العابر للحدود والمنهجيات والنُهُج التقاطعيّة عن انعدام الأمان الماليّ والعمل. هي تعمل حاليًا كمساعدة اتصالات وتواصل في مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان.

غوى صايغ كاتبة كويرية آناركية، وناشرة مستقلة ومؤرشفة. هي المحرّرة المؤسِّسة لمجلّة "كحل" ومؤسِّسة شريكة لـ"منشورات المعرفة التقاطعية". حصلت على ماجستير في الدراسات الجندرية من جامعة باريس 8 فينسين - سانت دينيس. إنها شغوفة بنظرية الكوير، والمنشورات الدورية العابرة للحدود القومية، والتاريخ المتخيل أو المجهول. أودري لورد وسارة أحمد هما ملهمتاها.

اقتباس: 
غرونيا تشارلتون، غوى صايغ. "انهاء استعمار المعارف عملية نسوية". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 5 عدد 1 (2019): ص. 1-4. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 26 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/162.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (535.55 كيلوبايت)

4.jpg

ورد زرّاع

عندما مدّ "مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان" (المركز) جسور التعاون مع "مجلة كحل" للمساهمة سويةً في مشروع عبر وطني لإنهاء استعمار المعرفة حول الجندر والجنسانية، كنا نعلم، ماديا وعاطفيا، أن عمليات إنهاء الاستعمار لا تأخذ مسارا مستقيما وأنّها ليست بديهية. كانت تدفعنا الرغبة في الانخراط في مشروعٍ لإنهاء الاستعمار، من شأنه أن يمتدّ ليشمل ممارساتنا وهياكلنا وآلياتنا، وليس فقط محتوى المعرفة التي ننتجها. هذا ما دفعنا إلى طرح تساؤلات صعبة ولكن ضرورية. كيف نحمّل أنفسنا كما بعضنا البعض المسؤولية عندما نواجه الهم الناتج عن القيام بعمل سياسي على مستوى الخطاب؟ كيف نلتقي معا كنسويات، ونفسح المجال لبعضنا البعض دون تجنّب تحدي بعضنا البعض؟ كيف نوجه عمليات إنهاء الاستعمار نحو داخلنا ونحو المساحات التي تفصلنا عن بعضنا البعض؟ متابعة للمؤتمر السنوي الثالث للمركز، المنظم بالتعاون مع "كحل"، هذا العدد الخاص هو تتويج، وليس نهاية، عملية التعاون هذه.

رُسِمَت حدود مؤتمرنا – المادية والمالية وتلك المرتبطة بعملنا – من قبل أخريات/آخرين؛ هددوا/ن رؤيتنا. اختلفت التشكيلة النهائية للمتحدثين/ات في المؤتمر جذريا عما كنا نتخيله في البداية حيث كان علينا التصدّي لرفض تأشيرات السفر ونقص التمويل وغياب "الأجر". أصبح الغياب، حينئذ، انعكاسا للإسكات المنهجي للمعرفة في الجنوب العالمي ضمن الأكاديميا وعبر هذه الحدود.

باشر المركز في تنظيم المؤتمر السنوي في نيسان/أبريل 2018. بحماس لبدء التحضير، قمنا بترتيب مكان لانعقاد المؤتمر مع زملاء/زميلات في "كلية لندن الجامعية"، وبدعوة متحدثين/ات من الجنوب العالمي، وبطلب الحصول على تمويل، وبصياغة الدعوة إلى تقديم الأوراق البحثية مع "كحل". انبثقت الدعوة، التي تمحورت حول إنهاء استعمار المعرفة بشأن الجندر والجنسانية مع التركيز على المنهجيات، من الإحباطات والخبرات المشتركة في مختلف أبحاثنا واستشاراتنا، والرغبة في مناقشة ومشاركة وتعلّم المنهجيات والمقاربات البديلة للجندر والجنسانية. مدفوعات/ين لهذا الموضوع، قمنا بالصياغة والتعديل والتعاون للتأكد من أن الدعوة كانت صريحة في المطالبة بالتغيير الهيكلي للمعرفة من خلال المنهجيات، كما الاعتراف بتلك الموجودة خارج الأوساط الأكاديمية. منذ تموز/يوليو، اخترنا ست/ة عشر/ة متحدث/ة من باكستان إلى الأرجنتين ومرورا بفلسطين. أردنا أن يكون المؤتمر مكانا لمشاركتنا وبنائنا للتضامن النسوي عبر الوطني غير حبيس الحدود، سواء كانت هذه الحدود أكاديمية أم مفروضة من الدولة.

منذ البداية، تحدّت الحواجز المالية هذه الرؤية وقوّضتها. في نيسان/أبريل، تقدّم المركز إلى العديد من فرص التمويل، آملا تأمين تكلفة الرحلات الدولية للمتحّدثين/ات. بحلول اختيارنا ملخّصات الأوراق البحثية في آب/أغسطس، أكّدت رسائلنا الالكترونية للمتحدثين/ات ما كنا قد صرحنا عنه في الدعوة لتقديم ملخصات الأوراق البحثية: لم تكن لدينا ميزانية لدعم المتحدثين/ات الدوليين/ات. على الرغم من تقبُّل الكثير منهم/ن في البداية، أُجبِر العديد منهم/ن في نهاية المطاف على العزوف، في الأشهر التي فصلتنا عن انعقاد المؤتمر، عن المشاركة بسبب غياب تمويل جامعاتهم/ن للمؤتمرات الدولية. لم تتمكن متحدّثات من جميع أنحاء الجنوب العالمي – الأرجنتين وجنوب أفريقيا والبرازيل ومصر ولبنان وفلسطين – من التكلُّم بسبب القيود التمويلية، وبالتالي لم يتمكنّ من مشاطرة منبر المؤتمر في لندن في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2018. يكشف غياب التمويل لأجل الأكاديميا في الجنوب العالمي، وضمنها، عن سبب الحاجة إلى فتح الحوار حول إنهاء الاستعمار بشكل عابر للحدود (وداخل الجنوب العالمي) من أجل بناء تضامن نسوي متين ومُتاح وعبر-وطني. اقتنع الشريك الممول للمركز، في نهاية المطاف، بالمساهمة قليلا في تكاليف المؤتمر. إن الطريقة التي يُقَولِب بها الرأسمال والريع المعرفة ليست مجهولة بالنسبة إلينا. إنما في ظل غياب الدعم "المؤسسي" (أي من قبل جامعة)، أُغلقت الحدود أكثر في وجهنا، وحاصرتنا بإحكام.

في الوقت نفسه، نظّم المركز دعوات رسمية للحصول على تأشيرات السفر، وكذلك لتقديمها إلى أماكن عمل المشاركين/ات، تفصِّل مكان وزمان انعقاد المؤتمر من أجل تدعيم ملفّات المتحدثين/ات. أولى التأشيرات المرفوضة كانت للمتحدّثين/ات المصريين/ات، وتلتها تأشيرة متحدّثة تونسية. عنى لنا هذا الرفض، مرة أخرى، أنه على الرغم من سياسته ونواياه بإنهاء الاستعمار، اقتصر مؤتمرنا، بشكل شبه حصري، على متحدّثات/ين يحملن/ون تأشيرات أو جوازات سفر أو إقامات ضمن حدود المملكة المتحدة. لم يستطع غضبنا ومقاومتنا أن يمحُوَا حقيقة أن حدود مؤتمرنا تم رسمها حرفيا بواسطة الجيوسياسة وديناميات الشمال/الجنوب ومدى تدفُّق الموارد. في الواقع، تُعَدُّ هذه الأمثلة جزءًا من الممارسات العديدة والممنهجة لإقصاء أكاديميّي الجنوبي العالمي، الذين لا يتلاءمون مع المواقع الرمزية المحددة لهم. يعلو صوت الحدود من أجل الحفاظ على الاعتقاد السائد بأن جامعات الشمال العالمي هي المنتجة الأساسية "للمعرفة"، تستوعب وتصادر معارف الجنوب العالمي وشتاته الأكاديمية عندما يناسب ذلك أجنداتها.

الغياب في حد ذاته من أعراض العمل الدؤوب وغير المعترف به للأكاديميات/ين من الجنوب العالمي، وهذا ما نوقش باستفاضة خلال المؤتمر الذي استمر ليوم واحد. في نهاية المطاف، يضحى الإنتاج النسوي للمعرفة وتنظيمها مسألة إتاحة وإمكانية الوصول، والتي غالبا ما تغيب في مثل هذه المناسبات والمساحات. على الرغم من أننا تأكدنا من إمكانية الوصول إلى مكان انعقاد المؤتمر على كرسي متحرك، إلا أن النقص في التمويل أعاقنا عن مساعدة أشخاص ذوي قدرات مختلفة، مثل ترجمة لغة الإشارة، أو حتى الترجمة بشكل عام. توصلنا إلى استنتاج مفاده أن قلة الموارد المالية والتي تم اختبارها كحواجز، تمثل آلية تمعن في فصل إنتاج المعرفة عن إمكانية الوصول إلى معارف مختلفة وبديلة منخرطة في إنهاء الاستعمار.

عندما لاقى الإعلان عن المؤتمر على وسائل التواصل الاجتماعي الاهتمام لدى آلاف الأشخاص ورغبة المئات بالمشاركة، تساءلنا عن سبب شعبية الدعوة المتزايدة. خمّنا أن ذلك سببه استراتيجيات وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن ربما الاعتبارات الأكثر ترجيحا كانت شكلت عبارات "إنهاء الاستعمار" و"الجندر والجنسانية" مجالات أكاديمية "مثيرة"، صاعدة في مختلف المؤسسات البريطانية. كمنظِّمات، شعرنا بالتوتر بسبب تفاجئنا بالضجة الهائلة التي أحدثها مؤتمرنا، وخصوصا في ظل الحواجز التمويلية وصعوبة الحصول على تأشيرات. تحقيقا لهذه الغاية، عملنا، في حدود إمكانياتنا المتاحة، على توسيع نطاقنا وزيادة جمهورنا. انتهى بنا الأمر إلى عقد المؤتمر في جامعة بيركبيك بلندن، وتلقينا الدعم من شبكة إنهاء الاستعمار الجنسي.

نجد أن تسليط الضوء على العمل غير المأجور المبذول لتنظيم المؤتمر له نفس القدر من الأهمية. التعويل، داخل الأوساط الأكاديمية، على الإنتاج المجاني أو العمل دون مقابل، وفي بعض الحالات على فرض رسوم المشاركة في نشر البحوث أو عرضها، هو تعويل إشكالي برأينا. كمنظمة مستقلة، يعتاش المركز بشكل أساسي على أعمال استشارية دون أن يتمتع بالأهلية القانونية التي تخوله القيام بعمل خيري أو الحصول على تمويل. علاوة على ذلك، يستخدم المركز إيراداته الاستشارية لتمويل الأنشطة والمبادرات التي لا تحصل على تمويل من الجهات المانحة النمطية. الاعتراف بالعمل غير المأجور في التنظيم والتحدث والتطوع والكتابة لهذا المؤتمر أمر جوهري. على الرغم من هذا العمل غير المأجور، ومع ازدياد شعبية المؤتمر، أصبحت الرسائل الإلكترونية لطلب التذاكر أكثر إلحاحا. مع ذلك، لم يكن مؤتمرنا يقدّم خدمة ولا منتجا. لم يولّد دخلا ولم يوفر أي بدل لعملنا التنظيمي: تعادلت ميزانيتنا بعد تأمين الغداء والعشاء للمشاركات/ين. لا نتناول العمل غير المأجور لنقول إنه كان من المفترض أن يوّلد مؤتمرنا الربح، بل لتوضيح كيف يحدّ رأس المال، بشكل غير متكافئ، قدرات المشاركات/ين وجمهور مؤتمرنا على المساهمة في النقاشات والمشاريع والتنظيم حول قضايا إنهاء الاستعمار.

إيمانا منا بضرورة تجاوز الحدود المفروضة على مكان انعقاد المؤتمر وموقعه الجيوسياسي، لم نكن فقط حريصين على تظهير محتوى النقاشات التي حصلت في لندن، اندفعنا إلى شمل من لم ي/تتمكن من الحضور للمساهمة في هذا العدد الخاص من "كحل". شاركت مديرتَا المركز نور أبو عصب ونوف ناصر الدين تأملاتهما حول الحاجة إلى إعادة مركزة فلسطين في المشاريع النسوية لإنهاء الاستعمار. بالإضافة إلى صبيحة علوش وأكانكشا مِهتا وتاله حسن وشاما دوسا اللواتي كن جميعهن حاضرات على طاولة الحوار في لندن. تعكس أوراقهن ونصوصهن المنشورة في هذا العدد جوهر ما حاول المؤتمر بثّه. بينما تقوم صبيحة بالتنظير حول "الكويريّ المتردّد" كبديل عن ثنائية الليبرالية المثلية / الجنوب العالمي الكاره للمثلية، ترسم أكانشكا معالم البيداغوجيا المنخرطة في إنهاء الاستعمار في الصف والحرم الجامعي على أنها عمل رعائي، مما يوسع نطاق مساحات التدريس. أما شاما وتاله، فتناقش كل منهما منهجيات البحث التي انخرطتا فيها والتي تتبنى إنهاء الاستعمار. تناقش شاما مستخدمة البحث المستنير بالفنون سرديات "تعزيز القدرات" في باكستان، وتبحث تاله في سياسة الدراسات التشاركية النسوية التي تسعى إلى فهم العالم عبر تغييره، المنفّذة في لبنان مع عاملات المنازل المهاجرات.

شاركت نافين ميناي وسارة شروف في كتابة ورقة عن كون الصداقات النسوية الكويرية وممارسات الرعاية نوعا من المعرفة. نظرا لعدم قدرتهما على عرض ورقتهما شخصيا في مؤتمر لندن، طلبت كل منهما أن يحاورهما متحدثون/ات من المؤتمر. طلبت "كحل" من أريان شافيسي وصوفي شماس، اللتين حضرتا المؤتمر ولكن اختارتا عدم الكتابة في هذا العدد الخاص، القراءة والتعليق على ورقة نافين وسارة. رويدا رويدا، تفتّحت مساحة افتراضية ونسوية من صنع الخطاب والتفاوض بين "كحل" والكاتبتين، اللتين وجدتا الأخذ والردّ في النقاشات أمرا مثرياً ومنتجاً ومعبّرا عن الاهتمام. كانت طريقة العمل مع نافين وسارة هي التي أتاحت المجال للتخلص من الديناميات بين المحررة/القارئة/الكاتبة وعملية النشر، بقدر ما أتاح ذلك مضمون الورقة نفسها.

ختاما، نود أن نعيد التأكيد على أهمية زعزعة تموضع المعرفة عن مراكز القوة. بعيدًا عن إعادة إنتاج الثنائيات المستهلكة عن الشرق في مواجهة الغرب، فإننا نبحث بدلا من ذلك في كيفية تخصيص الموارد وتوزيع رأس المال، مما يعزز موقع بعض المعارف على حساب أخرى. نشر هذا العدد الخاص في "كحل" واستعادة النقاش في المساحات الافتراضية النسوية هي طرق لمواجهة ومقاومة الوضع الراهن المتعلق بالإتاحة وإمكانية الوصول. كما أنها تعيد تشكيل السياقات المحددة بالحواجز التي نخلقها لأنفسنا وللآخرين. كذلك، شكل التعاون بين "كحل" والمركز بيداغوجيا نسوية قيد التطوير؛ وفرت أساسا معرفيا لممارساتنا، وأتاحت لنا الاعتراف بالفوضى داخلها والتعرف عليها. هذه البيداغوجيا نفسها هي التي تضفي الشرعية على العاطفة كشكل من أشكال التعاون النسوي، تتقارب في لقاءات مرنة تتداخل وتتشابك وتتلاشى.

ملحوظات: