ردّ الفعل الإسلاموفوبي
باحثة ومترجمة واستشارية. يتركّز عملها البحثي في الثقافة والفنون وهي متخصّصة في الفنون العربيّة المعاصرة. يشمل عملها البحثي مجالات عدّة منها العمالة الثقافيّة والفنيّة المجندرة. عملت سابقًا كمديرة مساعدة في مركز بيروت للفن وشاركت في تقييم عدد من المعارض الفنيّة. هي أيضًا مؤسّسة مشاركة في "الأركيلوغ" منصّة إلكترونيّة للترجمة والنشر بشكل جماعيّ.
kohl-6-knowledge_epistemic_justice-ar.jpg
عقب التساؤلات التي طرحتها ليلى أبو لغد في كتابها "هل تحتاج المرأة المسلمة إلى إنقاذ؟" (2002)، ألقى عدد من الأعمال الضوء على الإشكاليات المتعلّقة بالصورة النمطية للمرأة العربية المسلمة التي ينبغي إنقاذها من براثن الرجال من حولها. في السياق الفرنسي، تندرج هذه الصورة النمطية في خدمة السردية الانتصارية للقيم الجمهورية وفضائلها التحرّرية من منظور قومي كما يتّضح من أعمال ميانتي فرناندو (2013) وسارة فاريس (2021). وقد كان عمل نصيرة غينيف الرائد على جانب خاص من الأهمية لكونه يتتبّع جذور هذه الصورة إلى الأيديولوجيات الاستعمارية حيث كان تصوير النساء المسلمات كمضطهدات يخدم في تسويغ التدخلات الاستعمارية الفرنسية وتأطير الجمهورية كقوة تحرّرية. يقدّم كتاب غينيف "النسويات والرجل العربي" (2004) الذي كتبته بالاشتراك مع إريك ماسيه، دراسة نقدية حول كيفية عنصرة وجندرة النساء والرجال المسلمين في السردية الوطنية الفرنسية بناءً على فرضية بضرورة "إنقاذ" النساء المسلمات من ثقافتهن. ويكتسب عمل غينيف أهمية بالغة نظرًا لتسليطه الضوء على كيفية استغلال شخصية المرأة المسلمة المضطهدة لتأكيد رسالة فرنسا الحضارية وتعزيز التمييز ما بين "الحرية" الغربية و"القمع" الشرقي. وقد تميّزت فرنسا عن غيرها من الدول الأوروبية بقوة المخيال الاستعماري المتمحور حول شخصية المرأة المسلمة المضطهدة إلى درجة أنها باتت نوعًا أدبيًا بذاته (حجّة 2021).
بيد أنّ الخطاب السياسي المعاصر حول مخاطر الإسلام على أوروبا قد أحدث تحولًا كبيرًا على النظرة إلى المرأة المسلمة. يشير مفهوم رد الفعل الإسلاموفوبي إلى الرد العنيف على التمكين الملحوظ الذي حظيت به المرأة المسلمة الصاعدة اجتماعيًا. فقد تحولت النظرة إلى المرأة المسلمة من الطموح التحرّري إلى موقف أكثر توجّسًا حيال دورها المستجدّ، إذ اتضحت أشكال من ردود الأفعال العنيفة على هذا النوع من النساء اللاتي يُعتَبرن مؤهلاتٍ للعمل السياسي تمامًا كالرجال (فولادي 1993). كما يشير هذا المصطلح إلى رد الفعل المحافظ على مسيرة النضال من أجل المساواة في الحقوق وظروف الحياة. ويستهدف رد الفعل العنيف ضد النساء المسلمات الصاعدات في هذه الحالة تقويض ادعاءاتهن النسوية في المقام الأول وكشف نواياهن "الإسلامية". ففي مقابل ارتفاع عدد الأصوات المطالبة باعتبار الحجاب خيارًا شخصيًا أو حتى نسويًا، تشهد هذه الممارسة الدينية تحوّلًا في الخطاب العام – من علامة واضحة على الدونية لدى فئة مهمّشة إلى علامة على تحدّي المعايير الراسخة في المجتمع الفرنسي. وتُتهم النساء المسلمات اللاتي يعرّفن أنفسهن كنسويّات بإفراغ القضية النسوية من معناها الحقيقي، وتفضيل اتباع استراتيجية التركيز على مظلومية النساء من أجل اكتساب فعالية سياسية.
يمثّل رد الفعل العنيف هذا تحوّلًا في طريقة التعامل مع النساء المحجبات: إذ لم يعد يُنظر إليهن كضحايا للرجال المسلمين بل كمحاربات يعملن من خلال الحجاب على تقويض وأسلمة أوروبا. كما لم يعد يُنظر إليهن كطفلاتٍ أو كفتياتٍ صغيراتٍ بل كأمهاتٍ ومربّياتٍ ونساء فاعلات. مُنحت النساء القدرة على الفعل فبات يُنظر إليهن على أنهن تهديد للقيم الأوروبية. ويوضح موضوع دخول الجامعة، حيث تتمتع النساء من أصول مهاجرة بفرص أكبر من أهلهنّ (بوشيمن وآخرون 2016)، ويفاقم هذه النظرة إلى النساء المسلمات ككائنات مسيّسة في الأساس. فهنّ لم يعُدن محصورات في مجال العاطفة أو الأسرة أو الحيّ، بل يُنظر إليهن كفاعلات سياسيات حقيقيات.
على سبيل المثال، تكرّر خلال جلسات الاستماع التي عقدتها هيئة برلمانية فرنسية بشأن سُبل مكافحة التطرف الإسلامي، الحديث عن دور المرأة المسلمة حيث وُصفت بأنها تستغلّ النظرة الطفولية الموجهة إليها للدفع بالمجتمع الفرنسي نحو اتباع المعايير الإسلامية. وأعرب العديد ممن أُجريت معهن المقابلات عن سخطهن حيال حكم البراءة الممنوح طوعًا للنساء في إطار مخططات مكافحة التطرّف، وندّدوا بـ"السّذاجة أو إنكار الواقع" ودعوا إلى الكفّ عن النظر إلى النساء المسلمات على أنهن ساذجات ينبغي إنقاذهن، معتبرين أنهن متورّطات في مؤامرة "الإسلاميين الجدد" مثلهن مثل الرجال (دولاتر وأوستاش-برينيو 2020:34).
وينطوي رد الفعل الإسلاموفوبي هذا على الشيء وعكسه: فالصعود الاجتماعي الواضح للمرأة المسلمة ومعاركها السياسية مُدانان كعلامتين على تبعيتها للمشروع السياسي الذي يفرضه الرجل "الإسلامي". ويُنظر إلى النساء كـ"مُستَغلّاتٍ" و"مبعوثاتٍ" من قبل الإسلاميين وذلك تحت شعار استغلال النساء بالتراضي. يؤدي هذا التصوّر الخاص لفاعلية المرأة إلى اعتبار النساء المسلمات حرّات الإرادة والتصرّف في إطار التزامهن بمشروع لا يخصّهن ولكنهن يدعمنه بملء إرادتهن. وبالتالي، تُعتبر النساء فاعلاتٍ في المناداة بمطالبهن، في حين يبقى الذكور المسلمون الممثلين حصرًا بالضمير "هم" في الخطاب (المرجع السابق:73).
في ظل المواجهة مع مشروع إسلامي مزعوم يوصَف بالحتمي ويحظى بدعم النساء، لم يعد الهدف هو تحرير المرأة بل منعها من نشر معايير اجتماعية جديدة. وتعدّ ”قضية التنّورة الطويلة" التي شهدتها فرنسا عام 2022 دليلاً واضحًا على هذا التحوّل النوعي. ففي خضم الجدل المتزايد حول ملابس الفتيات في المدارس الثانوية للالتفاف على قانون حظر الرموز الدينية في المدارس، لم يعد يُنظر إلى هؤلاء النساء على أنهن ضحايا التجنيد المتطرّف بل محاربات في مؤامرة إسلامية وانفصالية، ما يشير إلى تغيير جوهري في تسييس النظرة إلى النساء المسلمات وإلى أنشطتهن ونواياهن، بوصفهن يسعين بثبات نحو هدف سياسي يمتلكن السيطرة الكاملة عليه، وهو ما يمثل قطيعة كبيرة مع شخصية المرأة المسلمة الضعيفة الهشة الملتحقة رغماً عنها بمنطقٍ خارجٍ عن إرادتها.
Abu-Lughod, Lila. 2002. Do Muslim Women Really Need Saving? Anthropological Reflections on Cultural Relativism and Its Others. American Anthropologist, 104(3), 783–790
Beauchemin, Cris, Christelle Hamel and Patrick Simon. 2016. Trajectoires et origines: Enquête sur la diversité des populations en France. Paris: INED.
Delattre, Nathalie and Jacqueline Eustache-Brinio. 2020. Rapport fait au nom de la commission d’enquête sur les réponses apportées par les autorités publiques au développement de la radicalisation islamiste et les moyens de la combattre. French Senate: INSP.
Farris, Sara R. 2021. Au nom des femmes. "Fémonationalisme". Les instrumentalisations racistes du féminisme. Paris: Syllepse.
Fernando, Mayanthi. 2013. Save the Muslim Woman, Save the Republic: Ni Putes Ni Soumises and the Ruse of Neoliberal Sovereignty. Modern & Contemporary France, 21(2), 147–165.
Fuladi, Susan. 1993. Backlash: La guerre froide contre les femmes. Paris: Éditions des Femmes.
Guénif-Souilamas, Nacira and Eric Macé. 2004. Les féministes et le garçon arabe. Paris: Éditions de l’Aube.
Hajjat, Abdellali. 2021. La ‘femme musulmane opprimée’: Genèse d’un nouveau genre littéraire à succès (1988–2003). French Cultural Studies, 32, 251–268.