معرفة غير خاضعة
kohl-6-knowledge_epistemic_justice-ar.jpg
مفهوم الإبستمولوجيا النسوية السوداء الديكولونيالية غير الخاضعة ينبثق من أبحاثي الأكاديمية وتعليمي، ومن نشاطي في الحركات النسوية السوداء في البرازيل. ينطلق هذا المفهوم من المعرفة السائدة وطرق إنتاج المعرفة الأكاديمية السائدة التي تشكّلت تاريخياً هنا بشكلٍ حصري على يد (رجال برازيليين وأجانب) بيض. في خمسينيات القرن الماضي، بدأ الباحثون السود البرازيليون في نقد هذه الوضعية. على سبيل المثال، قام ألبرتو غيريرو راموس (1996) بتمييز بين حياة السود وموضوعات السود. ومن ثم، ساهم العديد من المؤلفين السود مثل أبدياس دو ناسيمنتو، ليليا غونزاليس، وبياتريس دو ناسيمنتو، وغيرهم في قلب ومساءلة ميدان الإنتاج الفكري نظرياً ومنهجياً وإبستومولوجياً.
عند النظر في مستجدّات ميدان الإنتاج الفكري الأسود، أحاول رسم معالم منهج يفضّل المنظورات النسوية السوداء والمناهضة للاستعمار والنماذج النظرية المرتبطة بها. من الناحية المنهجية، نميل بشكل أكبر إلى استخدام المنهجيات النوعية، ولا سيما الإثنوجرافيا والإثنوجرافيا الذاتية، التي غالبًا ما يُلتَبس بها السيرة الذاتية أو تاريخ الحياة. نظرًا لضيق المساحة المتاحة لتطوير هذا النص، سأعطي الأولوية للتحليل وليس للإبستمولوجيا.
أولاً، من الضروري الاعتراف بمساهمات النسويات حول سؤال الموقع والموضع الذي يفصح عن المعرفة المنتجة. هذه مساهمة هامّة، ولكنها تركّز على موقف أولئك الذين ينتجون المعرفة وليس أولئك الذين يتمّ تحديدهم كـ"موضوعات" للمعرفة. بالمقابل، تُعنى الإبستمولوجيا النسوية السوداء الديكولونيالية غير الخاضعة بعدم رسم ترادف بين الأفراد الذين ينتجون المعرفة وأولئك الذين تم تعريفهم كموضوعات للبحث، أو ما نسميه بالمتحدثين أو الموضوعات التي تقود البحث. تصف باتريشيا هيل كولينز (2000) الموقع الإبستمولوجي للنساء السود بالنظرية الموضِعية، مشيرةً إلى أهمية الجنس والعرق في تشكيل الموضوع الذي ينتج المعرفة. كما تسلّط الضوء على أهمية الإبستمولوجيا في تحديد الأسئلة التي تستحق التحقيق والإطارات التحليلية والتفسيرية التي من خلالها سيتمّ بناء المعرفة وتطويرها.
في نصٍّ سابقٍ، ناقشت الظهور التاريخي للإبستمولوجيا النسوية السوداء (فيغيريدو 2020). وفي هذا السياق، أودّ أن أُبرز أننا قد أنشأنا ممارسة أكاديمية تهتمّ بتحديد مكانة وموضع موضوع البحث، مع التركيز على الأبعاد الجنسية والعرقية في إنتاج المعرفة. أؤكد هنا على كلمة "الموضوع" لتوضيح منطقة نزاع جوهرية في إعادة تشكيل الحقلين الأكاديمي والسياسي. إن الدعوة إلى مفردات جديدة وقواعد لغوية عرقية وجندرية مختلفة تتحدّى البنى النحوية التقليدية، التي تُعتَبر فيها الصيغ المحايدة جنسيًا مذكّرة، تُعدّ خطوة بارزة نحو استخدام هذه المصطلحات كأدوات يومية للمقاومة وإعادة المعنى للتجربة الإنسانية. من خلال هذا المنظور، قامت النسويات السود بإضفاء الطابع النسوي على المعرفة، بدلاً من مجرد تكريمها. في هذا السياق، أوصي أيضًا بتعريب المراجع الببليوغرافية بطريقة مميّزة، عبر إبراز اسم العائلة بخطٍّ عريض عند الاقتباس الأول من المؤلف، وذلك للإشارة إلى أن هذه المساهمات هي من مؤلّفين سود. على سبيل المثال، سيكون من المناسب استخدام الصيغة "ناسيمنتو، فالديسير" للدلالة على ذلك.
تصرّح ليليا غونزاليس (1984) بأن "القمامة ستتحدّث"، معتبرةً أن القمامة هي تلك الفئات التي تمّ التخلّص منها من قبل النظام الرأسمالي، والذين يتمّ تمثيلهم من خلال الآخرين في الساحات السياسية والأكاديمية. من خلال المطالبة بمكانة شرعية وسلطة قائمة على التجربة الذاتية، تندّد غونزاليس بالتمثيلات المنقوصة والمُجنسَنَة للنساء السود في الثقافة البرازيلية، كما يتجلّى في صور الأم السوداء، والمولاتو، والعاملة المنزلية. ومن خلال تبنّي هذا الموقع الهامشي في التفكير والتعبير، تسلّط غونزاليس الضوء على الموقف الدقيق للنساء السود كموضوعات في إنتاج المعرفة.
من المهمّ أن نؤكد أن الإشارة إلى "الموقعية" لا تعني ببساطة التأكيد على قضية القيم الاجتماعية في إنتاج المعرفة، أو الإشارة إلى أن المعرفة دائمًا ما تكون جزئية، وهي وجهة نظر تمّت مناقشتها بشكل واسع في العلوم الاجتماعية. بل إن النقطة الأساسية هنا هي مكان التعبير، أي الموقع ضمن الهيكل الاجتماعي، الذي ينبع من الامتيازات المتجذّرة والمستمرّة في النظام الاستعماري/الحديث/الرأسمالي/العنصري/الجنسي/اللاسامي، وكذلك في النظام الطبقي للموضوع الذي يعبر. في الفلسفة والعلوم الغربية، يكون موقع الموضوع الذي يعبر دائمًا مفصولًا عن موقعه الإبستمولوجي. وبهذا الشكل، يتمّ تجاهل العلاقة بين موقع الموضوع في علاقات السلطة وبين موقعه الإبستمولوجي. وقد أطلق الفيلسوف الكولومبي سانتياغو كاسترو-غوميز (2005) على هذه الظاهرة "إبستمولوجيا النقطة الصفرية"، حيث تُعرض "النقطة الصفرية" على أنها وجهة نظر شاملة تغطي نفسها، مما يجعلها تُبنى على أنها لا تمتلك وجهة نظر محددة، وبالتالي تُعتبر محايدة وعالمية.
في البرازيل، ظهرت فكرة "الموقعية" جنبًا إلى جنب مع وجهات النظر السوداء الفعلية بقوة أكبر بعد إدخال سياسات العمل الإيجابي في عام 2002. من منظور إبستمولوجي، أُعيد تنظيم القضايا التي يتمّ التحقيق فيها الآن بشكل يقترب أكثر فأكثر ممّا حدّده راموس بـ"حياة السود"، أي ذلك الكون التجريبي الذي ينتمي إليه الباحثون. مع دخول المزيد من الطلاب السود والهنود الأصليين إلى الأكاديمية البرازيلية، أصبحت هذه الأبحاث تسعى بشكل متزايد لتقديم إجابات للمشكلات التي تواجهها هذه المجتمعات. وفي الوقت الحالي، يعني ذلك أن العنف المؤسسي قد أصبح يحظى باهتمامٍ خاص، إلى جانب المقاومة السياسية السوداء.
ومع ذلك، فإن هذا الإنتاج الأكاديمي الأسود الذي تمّ إعادة تموضعه والمشاركة فيه يُختبر بالكثير من التوتر، حيث يسير السعي وراء الشرعية جنبًا إلى جنب مع الرغبة في التدخّل الفعّال. وهذا يعني أن معظم أسئلتنا الأكاديمية هي، في جوهرها، أسئلة سياسية. نحن نواجه خطابات تسعى لتقويض عملنا، معتبرةً إياه "الفطرة السليمة" أو مختزلةً إياه إلى مجرد نشاط سياسي، وبالتالي تصفه بأنه أقلّ علمية، لأنه يتحدّى أسطورة الحياد القيمي.
علاوةَ على ذلك، يسعى الإنتاج الفكري الأسود إلى إقامة علاقات أكثر تساويًا بين الباحثين والمبحوثين. ولأخذ هذه المنظورات الجديدة بعين الاعتبار، يصبح من الضروري صياغة مفاهيم وأدوات نظرية ومنهجية مبتكرة. في هذا السياق، أودّ أن أسترجع تعريف الإبستمولوجيا الذي اقترحته ماريا لوغونيس (2011)، حيث يجب أن تكون الإبستمولوجيا النسوية السوداء الديكولونيالية غير الخاضعة إبستمولوجيا حدودية، إبستمولوجيا مفترقات الطرق والتضامن التي تدرّب الباحثين الذين يتحلّون بالحساسية والالتزام بمكافحة اللامساواة في مجالاتهم المختلفة وتقاطعاتها. تتطلّب هذه المنظورات الجديدة منّا تطوير مفاهيم وأدوات نظرية ومنهجية مبتكرة. على سبيل المثال، اقترحت ريناتا سوزا (2020) مفهوم "القتل السياسي للنساء" لتسليط الضوء على كيفية تأثير هوية ماريل فرانكو الجندرية والعرقية والجنسية على اغتيالها. كانت ماريل فرانكو، وهي امرأة سوداء وعالمة اجتماع ومثلية، عضوًا منتخبًا في مجلس مدينة ريو دي جانيرو ورئيسة لجنة المرأة في المجلس، وكانت مدافعة شرسة عن حقوق الإنسان وضد تصرفات الشرطة العسكرية في المدينة. في الـ38 من عمرها، تعرّضت لإطلاق نار وحشي، حيث أُصيبت بـ13 رصاصة في 14 آذار/مارس 2018، في هجوم استهدف السيارة التي كانت تستقلها، إلى جانب سائقها أندرسون بيدرو غوميز الذي قُتل أيضًا. في وقت اغتيالها، كان منتدى العالم الاجتماعي يُعقد في سلفادور، باهيا، حيث سارع المشاركون إلى التعبير عن ردود فعلهم من خلال مظاهرات ضخمة. أصبحت ماريل فرانكو رمزًا وطنيًا ودوليًا لنضال النساء السود والنساء المثليات والمتحوّلات جنسيًا.
تُعدّ التجربة مفهومًا محوريًا في الفكر النسوي والفكر النسوي الأسود. "الخاص هو سياسي"، وهو أحد المساهمات الرائدة في الفكر النسوي الذي يتجاوز الحدود، إذ يبرز العلاقة بين التجربة الفردية والجماعية. فالتجربة الشخصية والمشتركة تشكّل بالنسبة لنا دليلاً هامّاً وأساسيًا؛ إنها قاعدة تأمّلاتنا ونظرياتنا. من هذا المنطلق، تؤكد المنهجيات التي تقترحها النسويات السود على أهمية الحوار الأفقى، والتعاطف، وغالبًا ما تُعتمد الإثنوجرافيا الذاتية كطريقة بحث رئيسية، لأن واقعنا يتحدّى أي منظور علمي تقليدي ومحايد. كيف يمكننا تصوّر وجود معرفة لا تركّز على فهم الديناميكيات الاجتماعية التي تكرّس اللامساواة والاستغلال، وتُديم امتيازات الأقلّية البيضاء في البرازيل؟ كيف يمكننا قبول وإعادة إنتاج مفاهيم ونظريات لا تسهم في بناء علم يلتزم بالتحوّل الاجتماعي؟ هذه هي بالضبط الإشكاليات التي انبثقت منها ردود فعل الجيل الحالي من النسويات السود في البرازيل، حيث أنشأوا حوارًا مستمرًا داخل الأكاديمية وخارجها. لقد حلَّ "التحدّث مع" محلّ "التحدّث عن".
لقد كانت الفئات التي اقترحتها الحداثة الغربية لفهم الزمان والمكان هدفًا للانتقاد من قبل العديد من المفكّرين. من منظور نقدي راديكالي أسود، يرتبط استمرار العنصرية واستغلال السود في الحداثة ارتباطًا وثيقًا بين الماضي والحاضر. تنتقد جوتا مومباسا (2020) هذه الفئات عندما تتأمّل في واقعها اليومي، حيث تُسمّى بالكلمات المهينة مثل "كوير"، و"أسود"، و"سمينة"، وتُوصَف بأنها وحش وجسد منحطّ. هذا المشهد، الذي تعيشه يوميًا، يعيدها إلى الماضي، إلى فترة الاستعباد وموضوعاتها. وبالتالي، بالنسبة للسود، لا يكون الزمن خطيًا، بل يُختبر الحاضر والماضي في آن واحد. بناءً على هذا النقد، تُعدّ التجربة الطريقة التي نواجه بها حدود فئات الفهم التي تنظّم عالمنا، وهي طريقتنا في الوجود والإحساس بالعالم.
في هذا السياق، تقف الإبستمولوجيا النسوية السوداء الديكولونيالية غير الخاضعة في ثورة ضد المعايير التي تأسست سابقًا. فهي تكسر الحدود وتضع الموضوعات التي كانت هامشية، مثل النساء السود، في مركز إنتاج المعرفة. بالنسبة للإبستمولوجيا النسوية السوداء الديكولونيالية غير الخاضعة، فإن الموضوع و"الشيء"، اللذين يفصل بينهما العقل الغربي، كما تشير دينيس فيريرا دا سيلفا (2017)، يؤديان إلى أخلاقيات خالية من القيم، بينما بالنسبة لنا، هما غير قابلين للفصل.
Castro-Gómez, Santiago. 2005. Ciências Sociais, violência epistêmica da invenção do outro. In A Colonialidade do Saber: Eurocentrismo e Ciências Sociais: Perspectivas Latino Americanas, ed. Edgardo Lander. Buenos Aires: CLACSO, Colección Sur Sur.
COLLINS, Patricia Hill. 2000. Black Feminist Thought: Knowledge, Consciousness and the Politics of Empowerment, 2nd ed. New York and London: Routledge.
GONZALEZ, Lélia. 1984. Racismo e Sexismo na Cultura Brasileira. Revista Ciências Sociais Hoje, 3, 223–244.
Lugones, María. 2011. Reflexiones desde nuestras prácticas de conocimiento situado. Pdtg-Unmsm, 2, 790–813.
FIGUEIREDO, Angela. 2020. Epistemologia insubmissa feminista negra decolonial. Tempo e Argumento, 12(29). https://doi.org/10.5965/2175180312292020e0102
MOMBAÇA, Jota. 2020. A plantação cognitiva. MASP. https://assets.masp.org.br/uploads/temp/temp-QYyC0FPJZWoJ7Xs8Dgp6.pdf
NASCIMENTO, Abdias. 1982. O negro revoltado. Rio de Janeiro, Nova Fronteira.
RAMOS, Alberto G. 1996. A Redução Sociológica. Rio de Janeiro: UERJ.
SILVA, Denise Ferreira. 1 (VIDA) ÷ 0 (NEGRIDADE) = ∞ – ∞ OU ∞ / ∞: (Sobre a) Matéria para Além da Equação de Valor. Oficina de Imaginação Política. https://www.professores.uff.br/ricardobasbaum/wp-content/uploads/sites/164/2019/06/4_Denise_Ferreira_da_Silva_Mate%CC%81ria_ale%CC%81m_equac%CC%A7a%CC%83o_valor.pdf
SOUZA, Renata. 2020. Feminicídio Político: Um Estudo Sobre a Vida E a Morte De Marielles. Cadernos De Gênero E Diversidade, 6 (2), 119–33. https://doi.org/10.9771/cgd.v6i2.42037