النسوية كواجب أخلاقي في عالم تسوده العولمة

السيرة: 

آريان شاهفيسي فيلسوفة أكاديمية كردية-بريطانية. وهي محاضرة في الأخلاقيات في كلية برايتون وساسكس الطبية، حيث تجري أبحاثًا عبر مجموعة من الموضوعات في الفلسفة التطبيقية، مع تركيز المشاريع الحالية على العدالة الإنجابية والهجرة والحدود والأخلاقيات الصحية العالمية. كتبت آريان تعاليقًا على New Statesman وJacobin وThe Conversation، وقد ظهرت على إذاعة BBC وChannel 4 News، وقامت باستشارات سياسية حول توفير الإجهاض وصحة النساء. أريان عضو في هيئة الاستشارة في كحل، وهي محررة في مجال العلوم لمجلة الأدبThe Offing ، التي تسعى إلى دعم العمل من قبل المهمشين/ات في المساحات الأدبية.

اقتباس: 
أريان شاهفيسي. "النسوية كواجب أخلاقي في عالم تسوده العولمة". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 1 عدد 1 (2015): ص. 7-20. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 23 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/feminism-as-a-moral-imperative.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (193.05 كيلوبايت)

الحركة النسائية/النسوية : التعريف والدوافع

دعوني أبدأ معكم بهذا السؤال: ما مشكلة هذا العالم؟ شاهدوا التلفاز هذا العام (2015) وقولوا لي ماذا ترون؟ غياب دور المرأة، مستبدين متوحشين، متدينين متطرفين، مجموعة أشخاص تقتل لكي تنتقم، جنود احتلال غاشم. فالسؤال هنا: أين النساء؟ ألن يكون من الأفضل أن تقوم النساء بتحريض المتظاهرين على القتل والقيام بالمطالبة بقيام نظام ديني متشدد واحتلال أراضي أجنبية والدعوة الى الابادة الجماعية؟ هل هكذا نستطيع ان نحصل على المساواة بين الجنسين؟ أليست المساواة هي ما نسعى اليه؟ بالطبع لا. بالتالي، النقطة الأولى التي أريد أن أسجلها بسيطة: إن النسوية لا تكون بوضع النساء في مراكز القوة وصنع القرار التي يسيطر عليها حالياً الرجال. هذا النوع من النسوية هو بتعبير آخر "هراء نسوي". وأقول هذا لأنني تعبت من هذا النوع من النسوية التي تبدو مثيرة لجيل جديد من الشابات الوصوليات من الطبقة الوسطى (خصوصا في الجامعات) والتي تهتف لزيادة عدد النساء في مجالس الإدارة. ونرى ازدهار في هذا النوع من النسوية التي تدعو الى وجود النساء في مراكز القوة ومناصب العمل كرئيسة مجلس أو مديرة منظمة غير حكومية أو تكون مديرة تنفيذية. هذا النوع من النسوية يكرس مفهوم أنه يجب على المرأة أن تحصل على نصيبها من الكعكة/المجتمع العملي القائم.

بالنسبة لي، إن حث النساء على تبوء المناصب العليا ليس بالموضوع الهام وهو لا يختلف عن السعي لزيادة عدد النساء في صفوف جيش الاحتلال الاسرائيلي القاتل، ولا يختلف ايضا عن مشاركة النساء في التخطيط الاستراتيجي للطموح الامريكي الإمبريالي. كل هذا لا يفيد، فوجود النساء في السلطة واتخاذ مواقف مشابهة للسلطة هو تورط مباشر في معاناة النساء والرجال على حد سواء. إن هذا النوع من الحركات النسوية ليس واسع الانتشار ولكنه خبيث ولا يعود بالنفع على احد.

لا تسيئوا فهمي فهذا ليس مقالاً ضد النسوية، بل ما أسعى إليه هنا هو أن أُسلط الضوء على بعض المشاكل والصعوبات التي نواجهها كنسويات في عالم معولم وأحاول التركيز على الأسس الأخلاقية التي نشأت عليه الحركة النسوية.

أولاً، ماذا أعني بالنسوية؟ تقوم النسوية على عنصرين: عنصر وصفي وعنصر معياري. يقول العنصر الوصفي بأننا نعيش في عالم أبوي حيث المرأة عرضة لاضطهاد منهجي لكونها امرأة. أما العنصر المعياري فيعلن أن هذا الاضطهاد غير مقبول أخلاقياً وأن علينا العمل لتحدي وإضعاف هذا النظام الأبوي.

يعتمد النظام الابوي/الذكوري على ركيزتين أساسيتين: أولاً، أن النساء هم مانحي الرعاية الأساسية في عالم لا يعطي قيمة للرعاية. وثانياً، أن النساء عبارة عن جسد وهن مفرطي الجنس في عالم يعتبر الجنس أمراً سيئاً وقذراً. إضافة الى هذا، يعلمُنا النظام الأبوي أن النساء، بطبيعتهن/بجوهرهن، يملكن هذه الصفات.

لكن هذه التركيببات الأبوية لا تقف بمفردها. إذ تساندها القوى الاقتصادية بشكل كبير، فتربط الاعتبارات المالية بالاجتماعية وتثبت الاثنين معاً. ان الرأسمالية قد استعادت واستولت على النسوية. تحصل هذه الإستعادة (ديبورد 1975) عندما تقوم الايديولوجية السائدة بالاستيلاء على فكرة ذات امكانية راديكالية وتشويهها. إن الجندر، وكل المعايير القمعية المرتبطة به، اصبح يطرح على انه مشكلة فرديةيتم التعامل معها حسب خيارات كل شخص. أي، إذا كان جندري يؤذيني فهذه مشكلتي، وإذا آذاك جندرك فهذه مشكلتك.

هذا الأمر يجعلنا قابلين لإطلاق الاحكام المسبقة على علاقاتنا بأنفسنا ومع الاخرين، إذ يجعلني أتعاطى مع مشكلتي وأتركك لمشكلتك وكأن هذه المشاكل غير مرتبطة. مع الوقت قد يبدو هذا صحيحاً. ويصبح القمع على أساس الجندر مسؤولية (وذنب) كل شخص بمفرده. لهذا فالنساء يقعن بمواجهة خيار وهمي، فقد اصبح جندرهم عبء شخصي عليهن. والنتيجة أن جندر الشخص يصبح ملكية خاصة ينبغي التعامل معها على حدة، وينبغي تحمّل المسؤولية الفردية عندما نفشل بأن نوقف او نبعد العواقب الوخيمة او الاثار الضارة.

ترتكز النظريات النسوية في سياق ما بعد الحداثة بشكل رئيسي على خصوصية تجارب النساء وتتحدى فكرة أن "المرأة" مفهوم متجانس ذات صوت واحد. ولكنرغم أحقية هذه الأطروحة، ينتج عن ذلك التقليل من أهمية التضامن على حساب إنعزال غير مجدي يؤدي الى عدم فهم النظام الأبوي كظاهرة عالمية واسعة الانتشار ومتطورة في ظل الرأسمالية.

وهكذا تم إعادة صياغة مصطلح الجندرمن أساس سياسي إلى مصطلح فارغ لشيء جيد (فريزر2009 ص.4) وتم وضعه بشكل خاص في حملة علاقات عامة للليبرالية الجديدة. أصبحنا نسمع الآن جندر هذا وجندر ذالك، وكيفما أُدخِل هذا المصطلح في مكان ما، يجري الاحساس بأننا قمنا بواجب مبهم لكن مهم. هذا المنطق يدّعي أنه يحترم الإختلاف وتنوع الثقافات. لقد أصبح المعنى الحقيقي ل"تكافؤ الفرص" فرص متكافئة لزيادة تراكم رأس المال للآخرين، وصار من المصطلحات التي تحمل مشكلة اقتصادية مزدوجة، لأن السياسات التي تستهدف عدم المساواة بين الجنسين في الحقيقة تتوافق مع إعادة التنظيم الإقتصادي الذي يضع أعباء جديدة وإضافية على المرأة. في هذا النموذج، الناس الذين يطالبون بالمساواة الجندرية على صعيد السياسة العالمية يعملون في الواقع في خدمة حملة أشمل للحث على رفع القيود والمنافسة والتسويق.

تمر النسوية حالياً في مرحلة هامة جدا، فإذا لم تعود النسوية وتتصل بجذورها الأخلاقية قريباً، فستخسر مطالبها الملحة لتصبح مساحة قافرة وأنيقة من نظريات ما بعد الحداثة المكررة والمبتذلة. ويتحمل الأكاديميين بعض المسؤلية هنا. فبالطبع علينا أن نصقل أدوات التحرير بالعمل النظري والنقد الدائم. ولكن علينا أن نحذر من أن تصبح مصقولة جدأً فتصبح أداة قمع جديدة. لعمل النظري عن الجندر يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من الواقع والممارسة وإلا سيفقد كلياً القوة لإيجاد الحوافز من أجل تحقيق الأهداف النسوية.

كأكاديمين/ات ونشطاء نسوييات ونسويين، يجب علينا أن نكون أكثر وضوحاً حول طرق بذل جهودنا النسوية. لا يمكن للحركة النسوية أن تركز فقط على إدراج النساء ووضعهن في المواقع الحالية للرجال، اما لنستبدلهم او أن نكون مرافقين لهم. قد تكون هذه الاستراتيجية جيدة لو استحقت هذه المواقع الدفاع عنها ولو كانت مفيدة للمجتمع بشكل عام. ولكن عموماً، معظمها ليس كذلك، لا يمكن أن تستمر النسوية بتمكين المرأة أن تأخذ حصتها من السلطة أو الثأر للمظالم الماضية والحالية، والحركة النسوية لا تقتصر على دراسة الجندر بشكل غير مجسد ومنفصل عن سياقه. ان الجندر بدون شك هو أداة للظلم، لكنه يعمل من خلال إتصاله بأدوات أخرى للظلم. لذا علينا ان نستوعب النظام الحالي بكامله وكل ما ينتجهه وكيف نوقف إنتاج هذه الأدوات. لذلك أولويتنا أن لا تكون النسوية منعزلة. إنها تحتاج إلى حلفاء ناشطين في الإيديولوجيات التي يتمثل هدفها في إعادة بناء الاقتصاد العالمي على نحو أكثر إنصافاً وتحدي امبريالية الحدود والعنصرية.

لا يكون التحرر في جعل نساء عاملات يحققن أجراً مساوياُ لرجال من طبقتهن هم أيضاً في وضع سيىء فيشاركن في إبقاء النظام الاقتصادي على حاله. إن مشاركة النساء في صنع القرار للشركات ليس تحرراً، ففي الكثير من الأحيان، ما يوصف بأنه تحرر من القهر هو مجرد إستعانة بمصادر خارجية. إن الاشخاص أو الجماعات الذين يتمتعون بامتيازات كثيرة في ظل التعصب تجاه العرق-الطبقة-الجنسية يمكنهم غالباً أن يجدوا تقاطعات آمنة من خلاله الإستعانة بمصادر خارجية ونقل الظلم والامساواة بين الجنسين من موقع الى آخر بينما تبقى السلطة الأبوية العالمية على حالها. إن النسوية الحقيقية من المستحيل أن تقبل بتسوية تحقق العدالة لبعض النساء على حساب أخريات.

في الصفحات المتبقية من هذا المقال، أريد أن أوضح نقطة شديدة الاهمية: إن النضالات التي علينا خوضها في سبيل الجندر هي عالمية لأن حياتنا، بشكل او بآخر، متورطة في العولمة. ان تحقيق بعض المكاسب على حساب المجتمعات الفقيرة أو المهمشة عنصرياً ليس نصراً أو تحرراً، ولا يتناسب مع النسوية واهدافها وأخلاقها.

 

عولمة القهر

في العقود القليلة الماضية، تم عولمة التجارة من خلال تشكيل المنظمات الحكومية الدولية والمصارف العالمية، منتجة بنية فوقية هدفها إيجاد الأسواق الدولية. إن آثار هذه العولمة بلا شك سلبية، وخصوصاً على المجتمعات الأكثر فقراً في العالم، فهي تعمق الفقر وإن ارتفع الحد الأعلى للثروة في تلك البلدان.

ما زلنا نرى ظواهر العولمة، من تزايد تركز الثروة ضمن طبقة معينة، الى التهرب من الضرائب وممارسة التجارة الحرة، بالإضافة الى إنخفاض الإنفاق العام واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وقد حلت النزعة الاستهلاكية محل المواطنة. وتفككت المجتمعات وهُمِشت بسبب الهجرة الاقتصادية في سبيل تنمية الاقتصاد العالمي، وقد أصبحت الشركات هي التي تطالب بالعدالة، فلم يعد من المنطقي للفرد أو للجماعة المطالبة بالإنصاف.

وهنا سأناقش ستة من المواضيع والنقاط التي أثرت سلباً على النساء في الدول الفقيرة بسبب العولمة، معتمدةً على العمل المبتكر والشامل لـ أليسون جاغر (2014).

 

 1- تأنيث العمل

خلال توسع التجارة، تم نقل عدد من الوظائف من عالم الشمال الى مناطق ذات أجور منخفضة في العالم الجنوبي. فنشأت طبقة عمال صناعية جديدة تتألف من نساء فقيرات تتجمع في منطقة الصادرات. في آسيا عموما، كان للعنصرية والتعصب الجنسي دوراً مهماً في تسهيل هذه الخطوة، وقد ساهم إغراء المستثمرين الاجانب للشركات في جعل الحكومات الآسيوية سهلة الإنقياد. تقوم هؤلاء النساء الفقيرات بعمل شاق وغير مجزي على الاطلاق ووتقبل بأي مقابل، ونراهن أيضا يعرضن أجسادهن بكل يأس للصناعة العالمية لإنتاج المواد الإباحية. إن هذا التوسع في التجارة خلق ايضا طبقة من الموظفين المهاجرين في عالم الشمال. وإن هذا المنطق الرأسمالي (اذا استطعنا أن نسميه منطقا) هو أيضاً المنطق الأبوي، حيث عمل الناس يٌعتبر تكميلي لا أساسي، في فرضية أن هؤلاء النساء فقط يضفن على أجور أجوازهن الذين هم مصدر الرزق الرئيسي لعائلاتهم. ولكن في معظم الأحيان، ليس لهؤلاء العاملات زوج معيل. لذلك عادة ما تكون هذه الوظائف بدون أي تأمين او تعويض وبدون عقود تحدد ساعات العمل وبالطبع أجورها منخفضة للغاية. في ظل هذه الظروف يكون التحرش الجنسي جزء يومياً من الحياة. وبسبب الفقر وبظل غياب أي جهة نقابية يمكن أن تحمي أو تدافع عن حقوق العاملات، تستمر كل هذه التجاوزات بدون أي رقيب وبدون أي عقاب.

 

  2- تصدير الزراعة

بعد ان تمت عولمة التجارة، أصبح تصدير المزروعات صناعة دولية كبرى. وبسبب ذلك تمت إزالة العديد من القيود مما أدى الى مرونة قوانين التجارة والسماح للشركات ببيع المؤن الزراعية الرخيصة الى عالم الجنوب. وبما أن معظم فلاحي العالم هم من النساء، فقد تأثرن بشكل حاد. ولكن هناك قسم معين تأثر بدرجة اكب، فاضطرت النساء الى إعتزال الزراعة والتوجه الى وظائف جديدة نشأت في ظل الوضع الاقتصادي الجديد حيث الأجور منخفضة وظروف العمل سيئة. وللنجاة، كان الخيار الوحيد للعديد من النساء هو الدخول في مجال عمل الجنس.

 

  3- تغيير البنية الهيكلية

إن معظم بلدان عالم الجنوب مٌدينة بقروض هائلة لبلدان عالم الشمال والمؤسسات المالية العالمية. وتحتاج هذه البلدان لكي تستطيع تلبية حاجاتها وتسديد ما عليها من قروض الى المزيد من القروض. وهنا يبدأ تغير البنية الهيكلية لبلدان عالم الجنوب. أي لكي توافق بلاد عالم الشمال على إعطاء القروض لبلدان الجنوب، تشترط عليها أن تصبح أقرب الى السوق المفتوح وعادةُ ما يعني هذا تخفيض الأجور ورفع أسعار المواد الغذائية والقضاء تماماً على الخدمات العامة. وبما أن المجتمعات تحمّل النساء مسؤولية الرعاية الأساسية، فالنساء أكثر من يتحملن عبء هذا التغيير الهيكلي للإقتصاد. إن القضاء على الخدمات العامة لا يجعل الرعاية الأساسية مهمة سهلة بل على العكس، وعلاوة على ذلك إن الكثير من الفتيات الصغيرات تتوقفن عن الدراسة لكي يساعدن أمهاتهن، وهنا تبدأ كارثة نشوء جيل كامل من الفتيات بدون تعليم يعشن في دوامة الفقر.

توضح الإحصاءات كيف ان تغيير البنية الهيكلية تعود بالفائدة فقط للبلدان المانحة. فقد أظهر مركز النزاهة المالية العالمية للأبحاث الاقتصادية في عام 2013 أننا اذا جمعنا كل التدفقات المالية (سواء المشروعة او غير المشروعة) بما فيها الاستثمار و التحويلات المالية والإعفاء من الديون والموارد الطبيعية وحتى الصادرات، فإن العالم يدين لافريقيا. فيجب ألا يخفى علينا أن عالم الجنوب "الفقير" هو سبب تطور باقي العالم عن طريق ظروف العمل القريبة للعبودية والأجور المنخفضة للرجال والنساء في بلدان عالم الجنوب، وفي ظل العمل بلا أجر التي تقوم به النساء بالحفاظ على الأسر والمجتمعات المحلية والتي تسمح بالعمل المأجور.

 

  4- العسكرة

تستمر التجارة العالمية للسلاح بالازدهار. حالة الحرب هي حالة دائمة في العالم. إن الرجال هم المقاتلين الأساسيين في معظم هذه الحروب ولكن معظم الضحايا هم من النساء والأطفال الذين لا يكسبوا شيئاً من النزاعات لكنهم يشكلون 80% من اللاجئين. بالإضافة إلى ذلك، ترتفع أثناء الحرب نسبة الإغتصاب والعنف المنزلي. وعندما ينتهي الصراع تخضع النساء دوماُ لمعايير قمعية على أساس التعصب الذكوري وغالبا ما تكون معايير أكثر قمعاً من تلك التي كانت قبل الحرب.

 

  5- الجنسنة : تجارة الجنس

سهلت العولمة نمو صناعة الجنس العالمية وكرَسته. وأصبح إنتاج المواد الإباحية يٌعتبر من أكثر الصناعات ربحاً في العالم، وقد ساهمت شبكة الإنترنت بإزدهار هذه الصناعة بدون أدنى شك. ساعد تسارع ازدهار وانتشار المواد الإباحية على جعل المرأة مادة جنسية. وتُعتبر التجارة الجنسية التي تستخدم النساء والأطفال وتستغلهم جنسياً أكبر حركة إجرامية في العالم (98% من الضحايا هم من النساء والفتيات). في بعض الدول الأسيوية ومنطقة البحر الكاريبي، يعتمد الاقتصاد المحلي على تجارة الجنس والعمل في مجال الجنس كمصدر أساسي للدخل. ورغم أن مهنة الجنس ليست حديثة بالتأكيد، ولكن تفكك المجتمعات الريفية والهجرة الى المدن، بالإضافة الى الفقر وتفاقم اليأس، يجبر النساء على العمل بالدعارة والاستمرار بذلك.

 

6- التدهور البيئي

في السنوات الخمسين الماضية، شهد كوكبنا تدهور بيئي خطير، شمل تلوث الهواء والتربة والماء والتصحر، بالإضافة الى خلل في النظام البيئي وحالات انقراض في الحياة البرية. وبالطبع، سبب هذا التدهور هم البشر. والمتهمين الأساسيين في هذا الخلل هم أصحاب الصناعات الرابحة بشكل خيالي وسريع في عالم الشمال والنشاط العسكري/الحربي الذي تديره بلاد عالم الشمال. وللأسف، إن النساء الفقيرات مجددا هن الضحايا أيضا، وذلك لأنهن مضطرات للتعامل مع نتائج التدهور البيئي من نقص للغذاء والماء والوقود، بالإضافة الى الأمراض الناتجة عن سكنهن بالقرب من التلوث والسموم.

 

دراسة حالة إقليمية : عاملات المنازل المهاجرات في لبنان

العمالة المنزلية للأجنبيات في لبنان هو المثال النموذجي للطريقة التي ترتكز عليها تحرير المرأة في ظل الرأسمالية، وهو يتمثل بإنشاء قوة عمل جديدة أساسها الاستعانة بعمالة خارجية. على ما يبدو، تحت النظام الرأسمالي، يبدو لنا أنه دائماً سيكون هناك نساء ودائماً سيكون هناك فقراء. تسعى لتبقى قضية المرأة معلقة كما قضية الفقر. في عالم معولم، تصبح النساء الأكثر فقراً هم نساء العالم.

يتميز لبنان بمعاييره الاجتماعية التقدمية والتحررية في المنطقة، وخصوصاً بما يتعلق بعمل وتعليم المرأة. وفي لبنان كما في العديد من البلدان، إن اللواتي يستمتعن بهذا هذا التحرر هم من الطبقة الثرية ونساء ذات سلطة. يعتمد القيام بالأعمال والنشاطات لهذه الفئة على وجود العمالة المنزلية للنساء الاجنبيات اللواتي أجبرهن الفقر على أن يتخذوا هذا العمل كمصدر رزق. إن التفكير بحقيقة أن هناك مجموعة من الأشخاص تخدم مجموعة أخرى بسبب الفقر هي عبارة عن ظلم كبير في واقعنا اليوم. المبرر الموجود في الخطاب الرأسمالي القذر يُختصر بعبارة: على الأقل لديها وظيفة. هذا يجعلننا نفكر بالتحديات التي تواجه قضيتنا، وخصوصاً في ظل هذا الواقع الاقتصادي العالمي.

"زراعة قلب عالمي"، هكذا وصفت العالمة الاجتماعية أرلي هوستشايالد العمالة المنزلية للمهاجرات الاجانب. فقد أصبحت الحب والرعاية في ظل الرأسمالية سلع يتم استيرادها من البلدان الفقيرة الى البلدان الغنية. هذه العمالة تؤدي بالتأكيد على تغيير التركيبة السكانية في البلدان الأجنبية. أما البلدان الفقيرة فقد تستفيد من التحويلات المالية المرسلة والضرائب الناجمة عن هذه التحويلات. حلّت العمالة المنزلية للأجنبيات أزمة الرعاية بالنسبة للبلدان الغنية، ولكن هذه العمالة تركت وراءها في البلدان الفقيرة عجزاً في الرعاية وخلقت مجالات عمل ذات أجور منخفضة أو بدون أجرة على الإطلاق بالنسبة للنساء التي لم تستطع العمل خارج البلاد. هذا الى جانب الضرر والصفة العنصرية التي تُطلق على البلدان الفقيرة المصدِرة للرعاية.

إن البلدان المرسلة للعمالة والرعاية المنزلية تتكبد خسارة كبيرة مقارنة مع البلدان المستقبِلة. تعاني بلدان عالم الجنوب طوال الوقت في محاولتها لسد القروض الوطنية نتيجة تغيير البنية الهيكلية. يؤدي هذا الى التقصير في الخدمات العامة التي تتضمن توفير الرعاية للأطفال ورعاية المسنين والبنية التحتية الأساسية مثل وسائل النقل العام. وتتحمل النساء العبء الأكبر في هذا التغيير الهيكلي، على اعتبارهن مانحات الرعاية الاساسية، لأن عليهن أن يسعن دوماً الى تعويض النقص عن طريق إعادة تنظيم الحياة الأسرية بموارد قليلة والعمل بكد لتلبية جميع الاحتياجات الاساسية. نتيجة هذه الظروف ونقص الأطراف المعيلة يبقى خيار العمل في بلدان القسم الشمالي فرصة جيدة للنجاة.

يستضيف لبنان ربع مليون من عاملات المنازل المهاجرات. وقد تجاوزت هذه الظاهرة القبول الاجتماعي ليصبح طموح الطبقة المتوسطة امتلاك عاملة مهاجرة. ومن خلال نظام الكفالة القانوني، يتم استيراد العمال الأجانب حيث تبقى العاملة مقيمة في منزل صاحب العمل بدون أي نوع من الحقوق الأساسية مثل الإجازة المرضية او ساعات العمل الثابتة، ومن دون أي حق قانوني يسمح لها بالبقاء في البلد إذا تم انهاء عقد العمل. وطبعا يكون الأجر منخفضاً جداَ رغم هذه الظروف السيئة. تدعو الإحصاءات في لبنان حول العمالة الأجنبية للخجل الوطني، حيث تُحرم 99% من العاملات من مغادرة المنزل ومن أي حرية بالتنقل (مع وجود حالات حرمان من جواز السفر وتحديد اوراق قانونية أخرى، وثلث هذه الحالات تبقى أسيرة في المنزل). ثلثي العاملات الموجودات في لبنان يعملن لمدة إحدى عشر ساعة يوميا، وأكثر من نصف العاملات أُسيء اليهن لفظياً. ثلث العاملات يعملن كل أيام الأسبوع بدون أي يوم إجازة. ويقدّر مركز حقوق الإنسان أن كل أسبوع تموت عاملة في لبنان وأن معظم الوفيات تُصنف على أنها حالة انتحار أو حالة موت ناتجة عن حوادث أثناء الهروب من أرباب العمل أو الهروب من الحبس.

أثناء كتابة هذا البحث، كانت عاملات المنازل المهاجرات في لبنان يناضلن من أجل نقابة عمالية شكَلنها حديثا، وهي تُعتبر الأولى من نوعها على صعيد المنطقة. في حال نجحت هذه الخطوة ستكون انجازاً كبيراً في مجال حقوق عاملات المنازل المهاجرات في جميع أنحاء العالم.

أن التنظيم النقابي للعاملات المهاجرات له أهداف واقعية تستحق النضال على المدى القصير بدون شك، خصوصا أن ظروف العمل في لبنان سيئة جداً وبحاجة ماسة الى تحسين. لكن برأيي الشخصي، بغض النظر عن طريقة تحسين ظروف عمل العاملات المهاجرات، يبقى استقدام نساء مهاجرات مشكلة أخلاقية بجوهرها. إن العمل المنزلي الذي يتضمن الإقامة الدائمة هو عمل عاطفي بامتياز ويعتمد بالأساس على الحالة العاطفية للعاملة، بغض النظر عن ظروفها او رأيها الشخصي. فهي توفر الرفاهية العاطفية لرب العمل وعليها أن تحضر دوماً بطلة لطيفة ووجه مبتسم ومريح يملأه البهجة تجعل رب العمل مرتاح/ة ومسرور/ة. لكن بالواقع، هذا الأمر يخفي علاقات القوى ووعيها له. فهي مضطرة أن تقوم بدورها في محيط جماعي حيث شخصها يُعتبر ثانوياً مقارنة بالذين حولها. فتصبح هي ونساء عالم الجنوب مثلها وسيلة لغاية لا يمكن عكسها.

لهذه الاسباب فإن البعض التحسينات القانونية والتشريعية لن تكون سوى مخدّر قصير الأمد لألم كبير سيستمر خصوصاً في ظل الظروف المخزية في لبنان، حيث يتحالف التعصب العرقي والجنسي والعنصري والهرمية الموجودة لكي تنكر حقوق الأشخاص وتحافظ على تعبئة وحماية رأس المال على حساب المواطنين والضعفاء.

 

الحركة النسائية/النسوية ضرورة أخلاقية

يجب علينا أن نرفض قوى السوق التي تحاول دوما أن تجعل موضع الجندر مسألة شخصية من خلال نسوية مشوهة تتألف من النساء البيض من الطبقة الوسطى. هؤلاء النساء، بسبب قصر نظرهن ومعاييرهن، يستعملن منابرهن من أجل نظريات نسوية أكاديمية مشوشة أو لأجل تلبية طموحات شخصية. أكثر من أي وقت مضى نحن بحاجة الى الكفاح من أجل تأكيد الهوية الحقيقية للنسوية، حيث الشخصي هو سياسي بطريقة شمولية وراديكالية، وهذا يعني أن ندرك أن كل نواحي حياتنا متورطة في هذه الدراما العالمية، وأن المأساة ما زالت تحصل في مكان ما.

إن كل شخص تقرأ/يقرأ هذا المقال غالباً ما تستخدم/يستخدم هاتفه/ها المتطور أو كومبيوتره/ها الشخصي الذي تم تصنيعه او تجميعه في معمل عماله من النساء الكادحات. الجميع يرتدي بنطال أو قميص أو أي قطعة ثياب غالبا ما يتم صناعتها في بنغلادش من قبل امرأة تنام في غرفة مع 16 امرأة أخرى وتعمل لمدة ستة عشر ساعة باليوم مقابل القليل من المال(أقل من دولار بالساعة). جميعنا يأكل طعام جاهز أو اصناف متعددة من الطعام تم تحضيرها او تحضير مكوناتها من قِبل امرأة ليست من اصحاب البشرة البيضاء. جميعنا اليوم يحظى بمكان عمل أو مكان دراسة نظيف ومهيأ بشكل رائع ويمنحنا الشعور الجيد لكي نعمل أو ندرس ونحظى برفاهية وهذا بفضل امرأة عاملة مهاجرة من عالم الجنوب. والكثير من قراء هذا المقال قد نشأووا في منزل او بيئة تواجد فيها عاملة منزلية مهاجرة عملت بكد وكافحت لكي تستطيع ان تتقاضى أجرها وتحول القسم الأكبر منه الى بلدها لكي تعيل عائلتها. المشكلة الأكبر تكمن بأن معظم هؤلاء النسوة لا تستطيع ان تتحمل نفقة الإكترونيات او الملابس او المواد الغذائية التي يصنعنها، وان جل ما يقدمن من خدمات هو يختصر أعظم واكبر خدع الرأسمالية.

إن هذا العالم الذي نعيش به والذي تسوده العولمة الذي يقدم لنا الكثير من الخدمات والراحة هو عالم يعتمد على الاشخاص الذين يتقاضون أجورا زهيدة لأعمال كثيرة وهذا ما يساعد على نمو البروليتاريا. وهو عالم يعتمد على جهود النساء الفقيرات الملونات (العاملات المهاجرات من عالم الجنوب). بالطبع أنا لا أقصد أنه لا يوجد أحد آخر يعمل في هذا العالم ولكن الفكرة أنه لا يوجد فعلا أحد يعمل بهذه الشروط وبهذه الظروف وبهذه الأجور الزهيدة والحالة الغير مستقرة بالإضافة الى العنف الممارس وسوء المعاملة، ورغم كل هذا يبقى العالم متجاهلا لهذه الطبقة وناكراً لمعروفها. إن هذه الطبقة من النساء العاملات التي أتكلم عنها تحديداً هي التي، حرفياً، تبدع وتنتج العالم الذي نعيش فيه.

إن النسوية التي لا تأخذ بعين الاعتبار الظلم العالمي بين الجنسين هي حركة يجب أن نرفضها رفضا قاطعا. هذا لا يعني أنه لا يجب علينا أن نكافح ونخوض في بعض القضايا المحلية الأخرى. ولكن النظام الأبوي الذي يتحكم بنا جميعاً ليس قضية صغيرة أو تافهة. لذلك علينا أن نتأمل دوماً وأن نُراكم خبراتنا و نهيئ شبكات تضامننا لنستطيع من خلالها أن نقاوم الشكل الأكثر شراسة من النظام الأبوي الذي يدعمه اقتصاد الليبرالية الحديثة والذي يعتبر أن الأرباح أهم من الناس.

ماذا أعني بالواجب الاخلاقي؟ سأقوم ببعض المقارنات للتوضيح. أنا أراهن أن كل شخص تقرأ/يقرأ هذا الكلام ستدّعي/يدعي أنها/ه تعتبر/يعتبر العنصرية شيئاً إساءة فظيعة. وهذا يبدو مثالياً، ولكنه ليس واقعي. جميعنا عنصريين بشكل أو بآخر (منشأ العنصرية بداخلنا معقد ومركب لأن العنصرية هي في البنية الأساسية). كما آمل أن لا أحد من القراء ستدَعي/يدعي بانها/ه مؤيد(ة) للعنصرية. بل على العكس، آمل أن نسعى جميعا لمكافحة العنصرية. رهاني الثاني هو أن القارئين يدعون أنهم من مكافحين الفقر، وهذا أمر أخلاقي وواضح أن نكون جميعا مكافحين لسياسات التجويع وسوء التغذية والمرض والمِلل وبدون شك حالة القلق المادي الدائم الذي يعاني منه ثلثي العالم في ظل النظام الاقتصادي العالمي الحالي. هذا يدعونا للسؤال بكل حسن نية: لماذا لا يدًعي الناس بأنهم نسويات/نسويين؟ إما لأنهم لم يتعرفوا إلا على النسوية التي تكلمت عنها في البداية، بسبب عدم فهمهم لحقيقة ومعنى النسوية، أو بسبب عدم رغبة بعض الاشخاص بخسارة الإمتيازات التي يقدمها لهم النظام الحالي. لست أدري تماما، ولكن ما أعرفه تمام المعرفة هو أنك عندما تستطيع(ين) أن تفهم(ي) النسوية بحقيقتها وأهدافها، وعندما تدرك(ين) وضع العالم، ستعرف(ين) تماماً لماذا دعم الحركة النسوية هو واجب اخلاقي.

 

ملحوظات: 
المراجع: 

Debord, G. (1957) “Report on the Construction of Situations and on the International Situationist Tendency's Conditions of Organization and Action,” Paris.

Fraser, N. (2009) “Feminism, Capitalism, and the Cunning of History,” in New Left Review, 56, pp. 97-117.

Jaggar, A. (2014) Gender and Global Justice, Polity Press.