لا تولد المرأة جمانة، بل تصبح كذلك

السيرة: 

صحافيّة لبنانيّة (1985). درست الأدب الفرنسي والصحافة في الجامعة اللبنانية، وعملت بدءًا من العام 2009، محرّرة وكاتبة ضمن قسم “ثقافة وناس” في جريدة “الأخبار”. تتولّى منذ العام 2012 تحرير صفحة “صوت وصورة” اليوميّة في جريدة “السفير”، وهي صفحة تعنى برصد الإعلام وتحليله ونقده.

اقتباس: 
سناء الخوري. "لا تولد المرأة جمانة، بل تصبح كذلك". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 1 عدد 2 (2015): ص. 130-136. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 06 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/one-is-not-born.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (295.03 كيلوبايت)

على الغلاف الأخير لكتاب “الجنس الثالث ــ ما أوصاني به أفلاطون قبل أن يموت” (“دار نوفل”/ 2015)، يحرص الناشر على تمرير قول لبول أوستر، يُفهم كأنّه إشادة بالعمل. الحصول على اعتراف من روائي أميركي بشهرة أوستر، ترويج مهمّ، لا شكّ، لأحدث إصدارات جمانة حداد. يقول صاحب “ثلاثيّة نيويورك” عن “الجنس الثالث”: “هذا الكتاب صعقة كهربائيّة”. على امتداد أكثر من 220 صفحة، تحاولين البحث عن مصدر تلك “الصعقة”. وحين تطوين الصفحة الأخيرة، بعد جهد، قد يخيّل إليك أنّ أوستر قال ما قاله من باب السخرية ربّما، أو بعين منفصلة تماماً عن الواقع. عينٌ ترقب أيّ منتج أدبيّ أو فنيّ عالم ثالثيّ كأنّها تنظر إلى “فاكهة إيكزوتيكيّة” مبهرة، حتى لو كان المنتج ضحلاً. يكفي أن يضمّ عنوان الكتاب كلمة “جنس”، وأن يحمل توقيع امرأة عربيّة تخبرنا كم هي محظوظة ومتحرّرة، كي يولّد الصعقة المطلوبة بالنسبة للقارئ المستشرق.

يحمل عنوان “الجنس الثالث” وعوداً كاذبة كثيرة. في البداية، تخال فيه نسباً ما إلى كتاب سيمون دو بوفوار المرجعيّ “الجنس الثاني”. تتوقّع فرضيّة جديدة، تحاول فيها حداد إضافة شيء ما إلى علم الاجتماع أو الفلسفة النسويّة أو النظريّات حول الجندر. وذلك ليس بنقاش مبسّط المعالم، إذ تتداخل فيه تيّارات ومدارس عدّة، بعضها يكمّل ما بدأته بوفوار وبعضها ينقضه، بدءاً من نظريّات جوديث باتلر، مروراً بالنسويّات العربيّات من نوال السعداوي إلى فاطمة المرنيسي، وصولاً إلى عشرات الإصدارات الأكاديميّة الراهنة التي تحاول البناء على النضالات اليوميّة للنساء حول العالم، لإضافة فهم سياسيّ واجتماعيّ جديد إلى الأدبيّات النسويّة من زوايا نظريّة مختلفة ومتشعّبة. ذلك بالتحديد ما لا تفعله حداد. فإن كان الفكر البشري يحفظ لبوفوار قولها: “لا تولد المرأة امرأة، بل تصبح كذلك”، لا بدّ أن يحفظ للشاعرة والمترجمة اللبنانيّة قولها (بشكل مضمر ومباشر في آن): “لا تولد المرأة جمانة، بل تصبح كذلك”.

“الجنس الثالث” هو الجزء الثالث والأخير من سلسلة بدأت مع “هكذا قتلت شهرزاد” (2010)، ثمّ “سوبرمان عربي” (2012). وكما في الكتابين السابقين، تعلن حداد ثورتها على الموروث الذكوري القمعيّ، ولكن بأيدٍ نظيفة وقفّازين. وكما في الكتابين السابقين، تضع الكاتبة عناوين فلسفيّة ونضاليّة كبيرة، لما يمكن أن يشكّل، في أفضل الحالات، دفتر مذكّرات، أو تجميعاً لخواطر شخصيّة ومبعثرة عن العلاقة بين الجسد والذات والعالم، تدرجها حداد ضمن وجهة نظرها الخاصّة عن النسويّة.

عنوان الكتاب “الجنس الثالث” غريب عن مضمونه، من الناحية النظريّة، إذ يبدو كأنّه مُسقط من مجال آخر على متن تمجيدي للذات بمعظمه. فحين نقول “الجنس الثالث” في العام 2015، فإنّنا نحيل تلقائيّاً إلى نقاش راهن ومحتدم حول المفردات القانونيّة والدارجة المعتمدة لدى الحديث عن ثنائيي الجنس ومتحوّلي الجنس، إلى جانب كلّ السجالات المرتبطة بتحديد الهويّة الجندريّة على المستويات السياسيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والحقوقيّة.

تحكي حداد عن “الجنس الثالث” كأنّ المفردة من اختراعها بطريقة ما، مؤكّدةً أنّها لا تقصد بها “الجنس الثالث الذي باتت تعترف به بعض الثقافات والبلدان” (ص.15)، بل إنّ “الجنس الثالث المقصود في هذا العمل يصبو إلى أن يسمو بالخطاب الجندريّ والنسويّ إلى خطاب إنسانويّ جامع للكلّ. يريد أن يقول إنّ الإنسان الإنسانويّ هو الجنس الجديد، وإنّ الإنسانويّة هي النسويّة الجديدة (مثلما هي النظام الأخلاقي الجديد أو الفلسفة السياسيّة الجديدة أو النموذج الاقتصادي الجديد) (ص. 15)”. وبذلك، يسهل رصد الاضطراب المصطلحي المفاهيمي في الكتاب منذ الصفحات الأولى، حين تعلن حداد نيّتها التنظير لما تسمّيه “الإنسان الإنسانوّي والنسويّة الإنسانويّة”. فمعظم نظريّات الجندر الجادّة القديمة منها والجديدة، تعلن قطيعتها مع أيّ فلسفة تحدّد دوراً وهويّة مسبقين للإنسان وفقاً لجنسه أو طبقته أو عرقه…

تخصّص حداد كتابها لحواريّة مع أفلاطون الذي دعاها إلى فراش موته، كي يسلّمها شعلة الفلسفة، لتكمل المسيرة من بعده، وتطوِّر أفكاره، كما تخبرنا في الكتاب، بكلّ جديّة. يقول أفلاطون لجمانة في الصفحات الأولى إنّه أخطأ، لأنّه كَيّف “الانسان بناءً على معايير مدينتي وهرميّاتها، وكان يجدر بي أن أفعل العكس. لقد فرزته أنواعاً وطبقات فميّزت بين مؤهّل للحكم، ومؤهل للحرب، ومؤهل للإنتاج. لقد طوّعته بناءً على مبدأ قدرات محدودة ومقيّدة (إما العقل إمّا العاطفة إمّا الشهوة)، بنيما كان حريّاً بي أن أمجّد كفاءته في أن يكون الثلاثة معاً، وأكثر، أيّ كفاءته في أن يكون إنسانويّاً” (ص. 19). يريد الكتاب إذاً الحديث عن الجنس الثالث، ولكن ليس الجنس الثالث، وأن يعتمد الفلسفة الإنسانويّة منهجاً ولكن من خلال نقضها، وأن يحكي عن الجندر من وجهة إنسانويّة ومن “خارج جدليّة الجندر”، بحسب ما يرد في المقدّمة. فالكتاب يموضع نفسه “في مساحة منفصلة أو متحرّرة من جدليّة الجندر (…)، يطمح إلى التعبير عن حاجتنا الملحّة إلى إدارة ظهورنا لكلّ التصنيفات القائمة (الجنس البيولوجيّ، التوجّه الجنسي، الهويّة الجنسيّة، إلخ…) التي تسمّم حقيقتنا وتحصرها وتحاصرها، وإدارة ظهورنا للتحليلات المفصّلة التي ترافق تلك التصنيفات: تحليلات غالباً ما يكون هدفها الوحيد وضع تسمية محدّدة على ظاهرة ما أو تجربة معيّنة تجرّأت على أن تسبق الواقع أو تتحدّاه، إلى حدّ أنّها تخنق هذه التجربة وتأسرها في زنزانة الخطابيّة والتبرير والتمحيص السيكولوجيّ. إلا أنّ الانسان الإنسانويّ لا يحتاج إلى ختم موافقة، هو يعيش ذاته وكفى” (ص. 15).

المصطلحات خطيرة. وكتاب جمانة حداد يقتل المصطلحات. ينسب نفسه في العنوان والفرضيّة إلى سجال نسويّ جندري، معلناً “ترفّعه” في الوقت ذاته عن “لوثة النسويّة”. تنتهج الكاتبة اللبنانيّة بذلك نهج بعض الشخصيّات العامّة المؤثّرة في الغرب، ممثلات وكاتبات ومغنيّات، ممن يجدن في نسبة مواقفهنّ إلى “النسويّة” شتيمة، فيحتمين بخطاب إنسانوي يساوي بين المرأة والرجل (تضيف إليهما حداد جنساً ثالثاً تعرّفه وفقاً لرؤيتها المبتكرة)، من خلال الاحتماء بمفاهيم الذكورة والأنوثة التقليديّة، ومحاولة المواءمة بينها. كأنّ الأمر صراع بين “شهرزاد وشهريار” أو بين “سوبرمان” و”المرأة القطّة”، كما أوحت الكاتبة في الجزءين الأول والثاني من ثلاثيّتها. وذلك الخطاب “الإنسانويّ” لا يختلف في جوهره عن الخطاب الذكوريّ، إذ أنّه يلغي الظروف الوضعيّة المحيطة بالنضال النسويّ على اختلاف أشكاله في العالم، وفي المنطقة العربيّة خصوصاً، حيث أنّ الحديث عن التمييز بحقّ النساء ليس ترفاً فكريّاً أو محاولة تنظيريّة بائسة في الفسلفة الأفلاطونيّة. أيّ حديث عن “الإنسان” كمرحلة “متقدّمة” في المساواة بين المرأة والرجل، لأنّهما “مظلومان” معاً، لا يختلف في انطلاقاته المنهجيّة المتهافتة عمّن يساوون مثلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث يتحوّل المطرود من أرضه إلى شريك في جريمة المحتلّ، ما يبرّر المزيد من اضطهاده. قد يكون الرجل أيضاً “ضحيّة” للمنظومة الاقتصاديّة والسياسيّة العالميّة البائسة، وخصوصاً إن كان فقيراً أو مثليّاً أو “ملوّناً”، أو خارجاً بأيّ شكل من الأشكال عن “كاتالوغ” الذكورة المقبولة والسائدة في مجتمعه. لكنّ القول بإنسان “إنسانويّ” خارج عن كلّ التصنيفات، يعني تخطّي الكثير من أنواع الظلم الواقعة على عاتق المرأة والتي لا يمكن تلخيصها مثلاً بالمساواة في الراتب أو في فرص العمل أو في التعليم. أين نذهب بتزويج القاصرات، وبالختان، وبتشريع الاغتصاب الزوجي، وبجرائم الشرف، وبالعنف الأسري والزوجي، وكلّها “مشرّعة” في بلدان عربيّة كثيرة بالعرف والقانون؟ ماذا نفعل بصناعات الإعلام والإعلان التي لا ترى في المرأة إلا مخلوقاً جنسياً؟ ماذا نفعل بالتشريعات الدينيّة والوضعيّة التي لا تحفظ للنساء أيّ حقوق فعليّة في الإرث أو الحضانة أو غيرهما؟ ماذا نفعل قبل كلّ ذلك بالتنميطات المفروضة على النساء في الشكل والاهتمامات وأشكال الحياة اليوميّة بدءاً من الدراسة إلى العمل إلى أبسط الأفعال كالسير في الشارع من دون التعرّض لتحرّش لفظي أو جسدي؟

القول بإنسان إنسانويّ، كنظريّة جندريّة جديدة، قد يبدو خطاباً تحرريّاً في الظاهر، لكنّه في الجوهر امتداد للموروث الذكوري النافي للمرأة. هو أصلاً سوء فهم عميق للنسويّة التي لا تضع المرأة في مواجهة حاقدة مع الرجل، بل تسائل الأدوار المفروضة عليها من قبل المنظومة الاجتماعيّة والسلطويّة الذكوريّة والأبويّة، وتناضل لمعالجتها وتحطيمها.

يتجلّى ذلك الانزياح المفاهيمي بعمق أكثر، في محاولة ابتداع حداد لتعريف “مختلف” لعبارة “الجنس الثالث”، وهي لا تفعل أكثر من استعادة الأسطورة الإغريقية “الكليشيه” عن الـ”أندروجين” الكائن الذي انقسم ليصبح ذكراً وأنثى. في حين أنّ “الجنس الثالث” تعبير يستخدم قانونيّاً في بعض البلدان للدلالة على أفراد ولدوا بأعضاء جنسيّة للذكر والأنثى معاً. بحسب مجلّة “فورن بوليسي“، أقرّت باكستان في العام 2009 قانوناً يتيح إصدار بطاقات هويّة غير محصورة بتصنيفي “ذكر” أو “أنثى”. وفي العام 2011، أتاحت أستراليا خانة لجنس ثالث على جوازات السفر، يشار إليه بحرف X. في حين أقرّت ألمانيا في العام 2013 قانوناً يسمح للأهل بإزالة خانة الجنس من وثيقة الولادة. وكذلك فعل موقع “فايسبوك” في العام 2014، حين أتاح أكثر من “احتمال” في خانة الجنس، خارج ثنائيّة “أنثى أو ذكر”. في حين اعترفت الهند في العام 2014 بحقّ الأفراد بالتعريف عن أنفسهم كجنس ثالث، نسبةً إلى من يعرفون بالهيجرا. وبما أنّ كتاب حداد يندرج في خانة الحديث عن الذات حصراً ــ الذات المتمتّعة بامتيازات اجتماعيّة واقتصاديّة عدّة هنا ــ فإنّه يتفّه تلقائيّاً آلام الملايين ممّن يعانون الاضطهاد لأنّهم لا يندرجون ضمن ثنائيّة الذكر/ الأنثى، في إطار التعريفات المكتسبة للأنوثة والذكورة والأدوار الاجتماعيّة المفترضة لكلّ جنس. ذلك بالرغم من أنّ حداد تعلن في الكتاب “مباركتها” لحقّ الاختلاف! المشكلة أنّها على طول فصول عملها الثمانية، تقول الفكرة ثمّ نقيضتها تماماً.

تقسّم حداد كتابها وفقاً لنمط واحد يتكرّر في كلّ فصل، يبدأ بـ”القصّة” وتتناول فترة أو تجربة من حياة الكاتبة، ثمّ تنتقل إلى “المقصِد” الذي يكون في حين جبلاً، وفي حين متاهة، وفي حين نادياً للتعرّي، وفي حين دغلاً. وتختم كلّ فصل بمحاورة بينها وبين “الوسواس”، ثمّ بوصيّة من أفلاطون. ومع دعوتها في البداية إلى التحرّر من “الخانات” للانطلاق نحو “الثورة الانسانويّة”، تعود إلى الخانات في ترتيب محتويات عملها، وتقسّم “إنسانها الإنسانويّ” إلى سبعة أصناف: “المحارب”، “الصادق”، “المفكّر”، “المنصت”، “المتعاطف”، و”الأبيّ”، و”المتمرّد”. وتختم كلّ ذلك برسالة إلى “الشباب” تدعوهم لكي يتجرأوا على “الجنون والتغيير”. هكذا يتبدّى الكتاب الذي ينسب نفسه إلى الفلسفة، ويقول كلمات كبيرة مثل “جندر” و”نسويّة”، كأحد لوائح “أسرار وفنون الحياة والسعادة” التي تنتشر كالفطر على موقع “بازفيد” أو مجلّات الصحّة.

وعند التعمّق مثلاً في فصل “رحلة الأبيّ” (ص. 151)، تخبرنا حداد عن عقدتها بسبب أنفها الكبير في طفولتها، وكيف تجاوزت ذلك لشبهها بالممثلة الأميركيّة باربرا سترايتسند. ثمّ تشرح لنا مقصدها بالإباء، من خلال محاورة مع وسواسها حول مفهوم الجمال الخارجيّ وضرورة حبّ الذات. وفي فصل “رحلة المتعاطف” (ص. 129) تكمل رحلتها التبشيريّة الوعظيّة، وتحكي كيف ذهبت خلال مراهقتها لتقديم مساعدات لعائلات فقيرة، وكيف لم يلاحظها شاب كانت معجبة به، لأنّها لم تكن تظهر شخصيّتها “الحقيقيّة”. ثمّ في محاورتها مع “وسواسها” من جديد، تدعونا “لنضع أنفسنا مكان المتوجّعين، لكي ندرك كم أنّ ظروفهم صعبة وغير قابلة للاحتمال”. وفي فصل “رحلة المتمرّد” (ص. 175) تقصّ علينا تجربتها مع الأدب الإباحي، وكيف اكتشفت معنى الجنس من خلال قراءتها للأدب العالمي، وتحكي لنا كم كانت محظوظة بذلك. وعلى المناول ذاته، تخلص في محاورتها مع الوسواس، إلى ضرورة تحطيم التابوهات وتعرية الذات.

صحيح أنّ الكتاب موزّع إلى أقسام، إلا أنّه يدور كلّه في فلك واحد: تجارب الكاتبة الخاصّة، وصراعاتها مع المجتمع. تبني حدّاد انطلاقاً من ذاتها، فلسفة “الجنس الثالث/ الإنسان الإنسانويّ”، من دون أيّ اعتبار للبعد المنهجي، أو لدقّة المصطلحات المستخدمة. تصرّ على تفريغ بعض التحديّات النسويّة الجارحة والمسيّسة من جوهرها، لتجعل منها أزمة نرجسيّة. تبتدع اجتهادات مفاهيميّة، لإثبات “لا جدوى نظريّات الجندر”، لأنّها بصفتها الفرديّة، تجاوزت تلك النظريّات، بعدما حلّت أزمة حجم أنفها وتحرّرت من الأقنعة الاجتماعيّة. فحين توحي بأنّ طريقها نحو “الإنسانويّة الفاضلة”، يمرّ “بالتصالح” مع شكلها، كخطوة “للتحرّر”، فإنّها تعيد تكريس أدبيّات ذكوريّة مفروضة في الإعلام الماينستريميّ. أدبيّات تركّب صورة المرأة “المثاليّة” بناءً على حجم الأنف، وقياس الخصر والثديين، ونبرة الصوت، وطريقة الحركة، وطول التنّورة. ذلك ما يضع حدّاد في غربة تامّة عن صراع نسويّ راهن آخر، يتمثّل بالعمل على خلق/ فرض تعريفات مغايرة لـ”ما يجب أن تكونه المرأة”، من خلال تسليط الضوء على أجساد مختلفة، لا تخضع للتنميطات المُنزَلَة عن الجمال (مقاييس العرق أو لون البشرة، الوزن أو قياس الملابس، العمر، الطبقة الاجتماعيّة…).

ولكن ما العمل إن أرادت كلّ مراهقة اكتشفت، بالمصادفة، وجود من هم أقلّ حظّاً منها، أن تجترح نظريّة نسويّة جديدة؟ ما العمل إن كانت المنظومة الفكريّة والإعلاميّة تختزل النقاش الواسع حول النسويّة بالتصالح مع أحجام الأنوف؟ لا مشكلة ربما، يحقّ لكلّ من يرغب أن يكتب ويعبّر ويتفلسف ويبشّر. لكن ربما يكون مفيداً ألا ينسب كتابه إلى الفلسفة والنسويّة إن كان مضمونه لا يختلف كثيراً عن كتيّبات “خصائص المرأة الجوزاء” و”كيف تكسبين قلبه بعشر خطوات”.

ملحوظات: