تجريد اللحم من جنسانيته

السيرة: 

أليس إيف وينباوم هي أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة واشنطن، سياتل. يستكشف عملها التقاطعات بين العرق والتكاثر ضمن زمن ممتدّ للرأسمالية العنصرية. تشمل كتبها "الحياة الآخرة للعبودية الإنجابية: الرأسمالية الحيوية وفلسفة التاريخ للنسوية السوداء" (2019) و"الاستنساخ الضال: أنساب العرق والأمة في الفكر الحديث عبر الأطلسي" (2004). يتعامل مشروعها الحالي مع "الخيال البائس" باعتباره شكلاً من أشكال التأريخ الذي يتمتّع بموقع فريد يتيح له تقديم مفاهيم جديدة للحرمان الإنجابي في عصرنا.

اقتباس: 
أليس وينباوم. "تجريد اللحم من جنسانيته". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 11 عدد 1 (30 ديسمبر 2024): ص. 9-9. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 18 يناير 2025). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/ungendering-flesh-ar.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
ترجمة: 

أدهم سليم هو باحث وكاتب يعمل حالياً مديراً لتحرير منصة "الأركيلوغ" للنشر والترجمة.

باحثة ومترجمة واستشارية. يتركّز عملها البحثي في الثقافة والفنون وهي متخصّصة في الفنون العربيّة المعاصرة. يشمل عملها البحثي مجالات عدّة منها العمالة الثقافيّة والفنيّة المجندرة. عملت سابقًا كمديرة مساعدة في مركز بيروت للفن وشاركت في تقييم عدد من المعارض الفنيّة. هي أيضًا مؤسّسة مشاركة في "الأركيلوغ" منصّة إلكترونيّة للترجمة والنشر بشكل جماعيّ.

kohl-2-body-ar.jpg

أود أبو نصر - جسد

في السنوات الأخيرة، تجدّد الإقبال على مقالة هورتنس سبيلرز المفصلية المنشورة عام 1987 بعنوان "Mama’s Baby, Papa’s Maybe: An American Grammar Book". اشتبكت هذه المقالة في سياق دراسات نزع الاستعمار والماركسية والدراسات (النسوية) الخاصة بالسود مع مباحث الآثار الدائمة لاستعباد الأفارقة (ماديًا وأيديولوجيًا) على السياسة والسياسة الاجتماعية والثقافة المعاصرة وعلى المعالجات الأكاديمية للأثر النفسي لـ"الممرّ الأوسط" والعبودية على تجارب السود في الشتات. وفي حين انجذب جيلٌ سابق من القرّاء نحو مفاهيم سبيلرز الرئيسية – أمثال "النحو الأمريكي" (American grammar) و"التنميط الإباحي" (pornotroping) (بينتو 2017)، وكلاهما يتطرّق إلى إشكاليات التمثيل والنظام الرمزي – ركّز الباحثون/ات مؤخرًا (وأنا منهم) على الاستعارات المفاهيمية التي توسّع وتفصّل النقاش حول الجسد والجنسانية والتشكيل الجنساني العنصري حيث يلقى مفهوما "التجريد من الجنسانية" و"اللحم" (flesh) (الذي تميّزه سبيلرز عن "الجسد") صدىً خاصًا في مثل هذه الدراسات.

رأت بعض الباحثات والباحثين أن مفهوم "التجريد من الجنسانية" يساعد في دراسة تجربة الحياة في جسدٍ أسود والاستلاب الجسدي، فضلًا عن استكشاف العلاقات بين الكويرية والعبور والسواد في الماضي والحاضر (سنورتون 2017؛ مورغان 2021). واعتبر البعض الآخر الجسد موردًا تبادليًا – يجسّد "المرذول" وينبئ باحتمالات جذرية (بليس 2015؛ كينغ 2018؛ موسر 2015). أما على المقلب الآخر، فقد سعى مفكّرون آخرون إلى حشد تلك الاستعارات المفاهيمية لفتح أفق جديد في دراسات النساء في العبودية وتحليل العملية المزدوجة المتمثّلة بتجريدهن من إنسانيتهن وتمييزهن عرقيًا، والتي أفضت إلى استعبادهن إنجابيًا وجنسيًا (مورغان 2021؛ وينباوم 2019؛ مورغان ووينباوم 2024). أما قراءتي المفضّلة – وهي قراءة تستند إلى مساهمات أخرى في الدراسات الأكاديمية التي تنطلق من خلاصات مقالة سبيلرز – فتقول بضرورة النظر إلى مفهومي "التجريد من الجنسانية" و"اللحم" على وجهين متلازمين ماديّ وأيديولوجي. كما يجدر اعتبارهما بمثابة هديّتين نظريتين فريدتين للسياسات النسوية وسياسات نزع الاستعمار، وذلك من منطلق أنهما، أي التجريد من الجنسانية واللحم، يقدّمان صيغة وصفية نقدية ومشحونة بإمكانات سياسية جذرية في الوقت عينه.

تقضي هذه القراءة المفضّلة باعتبار "التجريد من الجنسانية" بمثابة اختزال تعتمده النسوية السوداء لتوصيفٍ سريعٍ وفعّالٍ لممارسات العنف التي تتتبّعها سبيلرز إلى منشئها على متن سفن العبيد التي شقّت الأطلسي بحمولاتها الثمينة. يوصّف التجريد من الجنسانية ظاهرة تشييء أجساد الأسرى الأفارقة المجنسنة في "الممرّ الأوسط" – أي أنها تصف ما حدث عندما تمّ تحويل البشر إلى سلعٍ حيّة قابلة للتخزين في عنابر السفن بجوار غيرها من البضائع المتوجهة إلى أسواق "العالم الجديد". وقد انطوى تحويل البشر ذوي الجنسانية إلى كمياتٍ من البضائع غير المجنسنة على عمليةٍ حسابيةٍ ومكانيةٍ حوّلت الأجساد المجنسَنة إلى كمّياتٍ ممّا تسميه سبيلرز "اللحم" (وينباوم 2024).

بهذا المعنى، يمكن النظر إلى اللحم أيضًا بمثابة اختزال تعتمده النسوية السوداء لتوصيفٍ سريعٍ وفعالٍ لنزلاء العنابر المجرّدين من إنسانيتهم داخل سفن العبيد – وهو حيّز مشبع برأس المال الذي يجب إدارته بفعالية لتحقيق الربح. أطرح هنا مسألة الحساب استنادًا إلى مساهمات مؤرّخي العبودية أمثال جينيفر مورغان وستيفاني سمولوود ووالتر جونسون وغيرهم. إذ تفصّل أعمالهم التاريخية الظروف المادية للاستعباد والآلية المفاهيمية الدقيقة التي تمّ من خلالها اختزال البشر إلى أشياء وفق منطق التبادل الرأسمالي الذي أمدّ تجارة العبيد. وكانت إرهاصات هذا المشروع التاريخي المتمحور حول العمليات الحسابية المجرِّدة من الإنسانية التي جعلت العبودية تمضي قدمًا، قد وردت في أطروحات سبيلرز في Mama’s Baby, Papa’s Maybe، ما يحتّم الاعتراف بها كمساهمات مادية قوية في تاريخ العبودية وما بعدها. إذ تنظّر سبيلرز بوضوح للعبودية الأطلسية كشكل من أشكال الرأسمالية العرقية أسوةً بالمؤرخين والمنظرين الراديكاليين السود، وإن كانت لم تستخدم لغة الرأسمالية العرقية صراحةً (مورغان ووينباوم 2024).

ترى سبيلرز أنّ تجريد الجسد من جنسانيته هو عملية مزدوجة تبدأ على متن سفينة العبيد ثم تتكرر في أماكن أخرى. يفسر هذا البعد المزدوج، الذي لم يحظَ بمقدارٍ كافٍ من الاهتمام في نظرية سبيلرز، كيف يمهّد تجريد المستعبَدات من جنسانيتهن الطريق أمام العمل الإنجابي القسري أو ما يسمى بتربية العبيد في المزارع المنتشرة على كامل رقعة الأميركتين والكاريبي. وكما أشير في موضع آخر، فإن عملية تجريد النساء المستعبدات من جنسانيتهن بدأت على متن سفن العبيد ثم تكررت لاحقًا من خلال استغلال العبدة المسلَّعة كآلة للتكاثر، أي كمصدرٍ لإنتاج سلعٍ جديدة (وينباوم 2024). فمن خلال إجبار هؤلاء النساء على الإنجاب، جرّد المستعبِدون النساء المستعبدات لا من النسب والقربى فحسب بل أيضًا من هويتهن المجنسنة كـ"أمّهات" لمن أنجبن.

وفي حين يحظى تدمير علاقات النسب بين المستعبَدين بالاهتمام على نطاق واسع في النقاشات المستوحاة من طروحات أورلاندو باترسون حول "التغريب بالولادة" (natal alienation)، تغيب مسألة تجريد "الأم" المستعبَدة من جنسانيتها عن تلك النقاشات باستثناء ما كتبته سبيلرز، ذلك بالرغم من دأب سبيلرز وإصرارها على اعتبار "الأم" هويةً معنصرةً (بيضاء) ومجنسنةً (أنثى) حصرًا في التجربة الإنجابية للمرأة المستعبَدة. وتذهب سبيلرز في الإشارة إلى أن تصوّر "الأنثى الأسيرة" ككتلة لحم مجرّدة من الجنسانية لم يشكّل الدعامة الأيديولوجية لتجارة العبيد في حينها فحسب، بل هو عملية متواصلة وفق ما يستدلّ عليه من الأيديولوجيا السائدة التي لا زالت تنافي بين سواد البشرة والأمومة. يشكّل هذا المثال من التعارض الطور الما-بعدي للعبودية ويشكّل بالتالي تجارب الجماعات السوداء (العائلات البيولوجية وجماعات القربى الاختيارية) وأبناء الشتات الأفريقي.

وعلى الرغم من ارتباط عملية خلق اللحم غير المجنسَن بإنجاب/إنتاج السلع الحيّة ومراكمة الأرباح الهائلة لمصلحة أصحاب المزارع والمستعمرين، إلا أنها أيضًا عملية قابلة لإعادة التوجيه (وقد تمّ ذلك بالفعل بحسب بعض السرديات) نحو أغراض النسوية والكويرية المناهضة للاستعمار. وبحسب باحثين/ات أمثال سي رايلي سنورتون وتيفاني ليثابو كينغ وسامانثا بينتو وجيمس بليس وشونيكوا روتش، فإن كتاب Mama’s Baby, Papa’s Maybe يستشرف تحوّلًا في مفاهيم التجربة الجسدية المجنسَنة والمعنصَرة ويفتح آفاق علائقيات جديدة وأنماطًا بديلة من القربى. وبالفعل، تشير سبيلرز في اتجاه مفاهيم القربى (القرابات) المتمرّدة التي تجد مكانها اليوم بين تجارب الكويرية والعبور والسواد.

وكما أشرتُ في مكان آخر (وينباوم 2024)، فقد تتحقق الإمكانية التي رآها الآخرون متلازمة مع مفهوم اللحم المجرّد من الجنسانية أيضًا في السعي إلى إرساء شكلٍ قويّ من أشكال العدالة الإنجابية. والعدالة الإنجابية هو العنوان العريض الذي يظلل كافة المشاريع السياسية والنضالية التي ترفض اختصار الحقوق الإنجابية بمسألة تعميم الوصول إلى وسائل منع الحمل و/أو الإجهاض، وتقدّم رؤية مادية أكثر شمولًا للحرية الإنجابية. وبالتالي، تشمل العدالة الإنجابية الحق في الإنجاب وعدمه والحقّ في الموارد المادية الضرورية التي تجعل الإنجاب ممكنًا (روس وسولينغر 2017). باختصار، يقدّم الحقّ في الإنجاب فكرة شاملة وجذرية عن الإنجاب كحقّ إنساني يعمّ البشر كافة بغض النظر عن الطريقة التي يختارون بها ممارسة الاستقلالية الإنجابية وبناء صلات القرابة و/أو تربية الأطفال.

في حين تميل المناداة بحقوق الإنسان إلى دفع الحراك المعني بالعدالة الإنجابية نحو الفضاء الليبرالي، أي إلى الانشغال بمؤتمرات الأمم المتحدة وبرامجها واتفاقاتها وقراراتها مع استبعاد كل ما عداها، إلا أنني ما زلت آمل أن يمتلك هذا الحراك القدرة على توجيه الثقافات والسياسات الإنجابية نحو مستقبل جذري. بعبارة أخرى، ما زلت آمل أن تحشد النضالات المعاصرة لتعميم الرعاية الصحية الإنجابية ورعاية الأطفال وتصحيح الأجور والحد الأدنى للدخل الاستعارات المفاهيمية التي طرحتها النسوية السوداء كاللحم ونزع الجنسانية، إضافة إلى نقد مادي متين لتسليع الإنجاب في سياق العبودية وغيرها.

 

ملحوظات: 
المراجع: 

Bliss, James. 2015. Hope Against Hope: Queer Negativity, Black Feminist Theorizing, and Reproduction without Futurity. Mosaic, 48(1), 83–98.

Johnson, Walter. 1999. Soul by Soul: Life Inside the Antebellum Slave Market. Cambridge: Harvard University Press.

King, Tiffany Lethabo. 2018. Black ‘Feminisms’ and Pessimism: Abolishing Moynihan’s Negro Family. Theory and Event, 21(1), 68–87.

Morgan, Jennifer and Alys Weinbaum. 2024. Introduction: Reproductive Racial Capitalism. History of the Present: A Journal of Critical History, 14(1), 1–19.

Morgan, Jennifer. 2021. Reckoning with Slavery: Gender, Kinship, and Capitalism in the Early Black Atlantic. Durham, NC: Duke University Press.

Musser, Amber. 2014. Sensational Flesh: Race, Power and Masochism. New York: New York University Press.

Nash, Jennifer. 2021. Birthing Black Mothers. Durham, NC: Duke University Press.

Patterson, Orlando. 1982. Slavery and Social Death: A Comparative Study. Cambridge: Harvard University Press.

Pinto, Samantha. 2017. Black Feminist Literacies: Ungendering, Flesh, and Post-Spillers Epistemologies of Embodied and Emotional Justice. Journal of Black Sexuality and Relationships, 4(1), 125–45.

Roach, Shoniqua. 2024. To Put Afoot a New Black Woman: On Hortense Spillers and the Possiblities of Gender. Boundary 2, 51(1), 107–125.

Ross, Loretta J. and Rickie Solinger. 2017. Reproductive Justice: An Introduction. Berkeley, CA: University of California Press.

Smallwood, Stephanie. 2007. Saltwater Slavery: A Middle Passage from African to American  Diaspora. Cambridge: Harvard University Press.

Snorton, C. Riley. 2017. Black on Both Sides: A Racial History of Trans Identity. Minneapolis: University of Minnesota Press.

Spillers, Hortense. 1987. Mama’s Baby Papa’s Maybe: An American Grammar Book. Diacritics, 17(2), 65–81.

Weinbaum, Alys Eve. 2019. The Afterlife of Reproductive Slavery: Biocapitalism and Black Feminism’s Philosophy of History. Durham, NC: Duke University Press.

Weinbaum, Alys Eve. 2024. Hortense Spillers, Racial Capitalism and Ungendered (Re)productive Accumulation. History of the Present: A Journal of Critical History, 14(1), 20–49.