أشكر لله إنّي بيضاء

السيرة: 

منتهى ناشطة فلسطينية تبلغ من العمر 26 عاما، لها خلفية أدب إنجليزيّ. وهي تكمل درجة الماجستير في الدراسات الجنسانية مع إشارة خاصة إلى الشرق الأوسط في جامعة SOAS في لندن. هي مهتمّة بالتّرجمة والشّعر وتأثير الأدب المقارن على مختلف الثقافات والوقت والفضاء. تقوم حاليّا بإنهاء أطروحة عن التقدّم المُحرز في الأدب الكويريّ والثّقافة الشّعبيّة في منطقة المشرق العربي. منتهى هي مشروع غير مكتمل، دودة كتاب، وكاتبة بسيطة. إنّها لا تزال تبحث عن مساحة وقصة أخرى وتحدٍّ آخر، وعن البيت. هي لا تحبّ النّظم والقواعد، ولها شهيّة كبيرة للتّغيير. منتهى ترهب الصناديق والقوالب النّمطية والتّعميم.

اقتباس: 
منتهى عابد. "أشكر لله إنّي بيضاء". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 3 عدد 1 (2017): ص. 127-133. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 22 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/thank-god-im-white.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (472.68 كيلوبايت)

cover_issue_5_ar.png

هالة حسن

إلى الثّنائي الأبيض من لندن الذي وضع القمامة على طاولتي بينما كنت أطلب قهوتي،1 إلى ذلك الرجل الأبيض في البدلة الفاخرة الذّي دفعني بكوعه عند تحدّثي العربية على الهاتف، وإلى المراهق الأبيض المنتعل حذاء أديداس والذّي صرخ حين كنت أسير ببطء مًتأمّلة الخريطة: “إذهبي للضّياع في بلد آخر.” إلى السيدة المسنّة البيضاء في فستانها الفاخر وقبّعتها والتّي لم تسمح لي بمساعدتها على حمل أكياسها الثقيلة لمجرّد ثقل نُطقي لحرف ال R عندما سألتها: “هل أنت بحاجة إلى مساعدة في حمل هذه الحقائب إلى الطابق العلوي، يا سيّدة؟،”2 وإلى أمين الصندوق الهندي الذي يتكلم معي كل صباح عن بلاده وبلادي وما فعله البيض لكليهما، وإلى سيدة التنظيف الهايتيّة التّي تسمح لي بالاستماع إلى الراديو الصغير الخاصّ بها أثناء انتظار الحافلة، وإلى سائق الحافلة الآسيوي الذي يبتسم استجابة لابتسامتي حين أقفز إلى الدّاخل، وإلى الحارس الأسود في جامعتي الذّي لم يتعب من إجراء نفس المحادثة معي كل صباح:
“مرحبا يا سيّدي، كيف حالك؟”
“أوه، أنا بحالة جيدة يا آنستي، وأنت؟”
“أنا بخير، لكنّني متعبة.”
“فعلا، على المرء أن يقوم بما عليه. إلى المكتبة؟”
“بالطبع، يومك سعيد، سيّدي. ”
“أنت أيضا عزيزي، أنت أيضا.”

لكم/نّ جميعا، شكرا.

أتخيّل أنّ الكثير من البيض الذين/اللّواتي انكمشوا/ن على أنفسهم/نّ عند قراءتهم/نّ ما ذكرت، وهم/نّ يهمسون/ن كلمة “أسود” متظاهرين/ات بعدم رؤية البيض الأربعة قبلها، ويُحاولون/ن أن يُثقلوا الـ R على ألسنتهم/نّ، ويتساءلون/ن عما إذا كانوا/كنّ ابتسموا/ن إلى سائق الحافلة ذات يوم. على الأرجح يحاولون/ن تذكّر شكل أيّ من موظّفي الأمن في الجامعة. لا بأس، أدرك أنّ كلامي يبدو فوقيّا، وفجّا، وأنّه يحمل الكثير من الهراء كما قد يصفه البريطانيون. أتصوّر ردود أفعالهم/نّ وصدمتهم/نّ واتهاماتهم/نّ، وأنّهم/نّ أطلقوا/ن عليّ صفات كثيرة. “عنصريّة،” على الرغم من ذلك، لن تكون إحداها. إذ يتمّ تدريب البيض على عدم رؤيتها أو سماعها أو فهمها. فهم/نّ لا يعرفون/ن ما يعنيه مصطلح العنصريّة لدرجة أنّه من المستغرب جدا أنّه لا يزال موجودا في قاموسهم/نّ. البيض لن يجرؤوا/ن على وصفي بالعنصريّة لملاحظتي العرق وحديثي عنه دون الحاجة إلى الهمس به كما يفعلون. همسة الاسكات، “هسس،” مضمّنة بشكل غير مرئي في نخاعاتهم/نّ الشوكية، تنظّم تحرّكاتهم/نّ، في حين أنهم/نّ غافلون/ات عنها، تماما مثل الحال مع الأكسجين. سوف يطلقون عليّ الكثير من الصّفات، ولكنّ العنصرية لن تكون ضمنها، لأنّني ببساطة “أعبر كبيضاء” مثلما أخبرتني الفتاة الكندية اللبنانية من صفّ نظرية الجندر، وهذا ما يجعلني في مأمن من الكلمة. لن ينعتني البيض بالعنصريّة لأننّي مثلهم/نّ تماما، أملك الآن امتيازا يحدّده مستوى الميلانين في جسدي.

فقط حين تختبئ حروف الـR، فقط عندما أكون صامتة، أشبه امرأة بيضاء وأختبر ميزة العبور بين العرقين. أنا “محظوظة” لكوني أعبر كبيضاء. فهذا الأمر يشوّش عليهم/نّ تقاطعيّتهم/نّ3 المزعومة.

على عكس الكثير من الناس الملوّنين في بريطانيا العظمى، أنا أخضع لتجربة العنصرية فقط عندما أتكلّم، عندما أضغط بقصد على حروف الـR، عندما يختار جسدي الوجود في منطقة رماديّة من اللّكنات غير الأمريكية وغير البريطانية. وعندها فقط تتحوّل جملة صاحبة البيت من “مرحبا عزيزتي، كيف يمكنني مساعدتك؟” إلى “لا، أنا لا أؤجّر الغرف للعرب،” وتُصبح موظّفة خدمة الزّبائن البيضاء في المتجر غافلة عن وجودي. تتحوّل جملتها من “ثانية واحدة، عزيزتي” إلى “ليست لدينا ثياب في حجمك، ابحثي عنها في مكان آخر،” وهي تسير مبتعدة في حين أن كلماتي تتابع قفى رأسها في صمت فوضوي من عطلة يوم الملاكمة.

أنا في لندن منذ الأشهر الأربعة الماضية، أقوم بدراستي العليا في الجنسانية مع تركيزخاصّ على الشرق الأوسط، يال السّخرية. وأظلّ أتساءل، لماذا يجعلوننا نقرأ نظريّات من قبل ناس بيض كتبوا عن ناس بيض آخرين، أو عن البنّيين “البدائيين؟” لماذا يجعلوننا نقرأ نصوصا مصمّمة للنّاس البنّيين الذين يحاولون بجدّ الحصول على موافقة الأكاديميا البيضاء؟ لماذا يجب أن أقرأ جوديث بتلر، الفائز بالجائزة الأولى في مسابقة الكتابة السيئة؟ الكاتبة التّي تُعتبر من بين النّاس الـ10 الأذكى على هذا الكوكب، ولِمَ يهمّهم ذلك في حين يستطيع 9 آخرون فقط أن يفهموا “جرائم اللغة”4 التّي ترتكبها؟ لماذا تستخدم المصطلحات الأكثر تعقيدا لخلق الخطاب؟ لماذا لا يُمكنُكِ الكتابة كما أفعل، يا بتلر؟ أي لجمهور غير أكاديمي وغير أمريكي؟ ففي النّهاية، أنتِ تكتبين لنا، الناس المناضلين بسبب أداء لونهم، عرقهم، وجندرهم. أولئك النّاس الذّين لم يسمعوا أبدا بـ”الحلم الأمريكي” الذّي تعيشينه. أناس مثلي، تعلّموا الإنجليزية من تلقاء أنفسهم، لأن الاستعمار البريطاني باع هوّيتي، وتركني مع حدّ أدنى من التعابير: فقط ما يكفي من الكلمات كي لا أجوع حتّى الموت، ولكن كلمات غير كافية لطرح الأسئلة، وغير كافية أبدا لصياغة حجّة جيّدة، أوكتابة مقال أكاديمي يرضي طلاب صفّ بريطاني، أو لإجابة النّاس البيض الذين لا يستطيعون التعامل مع صوت حروف الـR حين أنطق بها. أنا أكيدة أنّك تعرفين أنّ “اللغات هي أعلام الولاء”5 (Rajagopalan، 2002). فكيف يرفرف علمك؟

لقد حاولت تطوير جهاز مناعي ضدّ ما أراه هنا. لكن بدلا من ذلك، ها أنا أكتب هذا الإهداء للثّنائيّ الأبيض الذّي وضع القمامة على طاولتي. على وجه التحديد وبسخرية، على كتاب فانون مُعذَّبوا الأرض. أنا أكتب هذا المقال بعد ثماني ساعات من القراءة ومحاولة فهم التقاطعيّة. هذا المصطلح الذي يُساء استخدامه بشكل مفرط من قبل الألسنة البيضاء يجعلني أشعر بغضب من النسويات “الليبراليات” اللّواتي يدعون إلى “تحرير الحلمة” لأن حلماتهنّ قد اكتفت، في حين أن حلماتنا لم تفعل بعدُ. “النسويات الليبراليات” اللّاتي يحملن تفوّقهن وعقدة التّحرير، ويقتربن منّا بأفكار تحرير مجرّدة؛ دائما ما تكون خارج السياق ومليئة بالانتهاك.

التقاطعيّة في عالم خيال البيض هو حلم لدمج جميع أنواع الظّلم معًا ومحاربتها كأنّها واحد. ذاك المصطلح الذّي صاغته امرأة سوداء ضاقت ذرعًا من قانون البيض صار الآن مصطلحا يستغلّه بعض البيض للدفاع عن الجندر والعرق والطبقة والجنسانيّة مجمّعة. إن تقاطعيّة البيض هي شعار يقول: “المرأة هي الزّنجيّ الجديد.”6 لافتة حملتها فتاة بيضاء عارية الصدر في مظاهرة “مسيرة العاهرات” في نيويورك. ففي محاولة لإخبار العالم أن النساء يعاملن مثل “الزّنجيّ،” عمدت إلى تجريد عرق كامل من إنسانيّته، وتاريخ كامل من العبودية، وقلّلت من الكفاح المستمرّ ضدّ العنصريّة، وأشارت إلى السّود على أنهم “زنوج” لمجرّد إثبات نقطة يُمكن إثباتها بدلا من ذلك بشعار”أوقفوا أبويّتكم الوسخة.” ومع ذلك، ما زلت اعتبرت دونيّة، سجينة نُطقي لحرف الـ R، عرضة للاشتباه وللنّظرات الفوقيّة متى انزلقت الكلمات العربية من لساني في محادثة. أمّا هي، من ناحية أخرى، فلا تزال وجه مسيرة المرأة من أجل الحرية، بعد ترتيب القمع بأكمله على الرغم من ما انزلق على لسانها.

من أجل فهم التقاطعيّة، كان عليّ أن أقرأ إدوارد سعيد ثلاث مرّات باللغة العربية، مرّتين باللّغة الإنجليزية، أن أصارع تقنين كرينشاو للمصطلح، أن أترجم منهج آبي فولكانو التّقاطعيّ الفوضويّ بأكمله، وأن أناضل مع “النقد النسوي الماركسي” لْإيف ميتشل. على أنّ قراءة سعيد هنا، في لندن، كانت مختلفة، إذ تراكمت كلّ الأشياء لكي أفهم الآن فقط من هو ذلك الآخر الذّي استمرّ في الحديث عنه. إلى تلك اللّحظة، لم أكن قد اعترفت أنّني كُنْتُه: الآخر الذّي أقصوه ويحاولون إقصاءه مرّة أخرى. في لندن، أصبحت شخصيّة مُسكتة، حيث أخذت التقاطعيّة البيضاء شكلًا آخر، تعريفًا ولونًا آخر. بدأت أرى ذلك شكلا آخر من أشكال الاستعمار، والاستشراق، وقمع الآخر. الآن أفهم أنّنا ما زلنا نعيش ما وصفته سبيفاك ب”الرجال البيض يُنقذون النساء البنّيات من الرجال البنّيين،”7 وأصبح هذا تعريف البيض الجديد للتقاطعيّة في إستولاء الألسنة البيضاء على المصطلح.

لذلك، باختصار، فإن تقاطعيّة البيض كما فهمتها واختبرتها وعشت رُغما عنها، تحوم حول نظر العديد من البيض إلينا، أي “الآخرين،” بفوقيّة لكوننا مختلفين/ات بعض الشيء، لحملنا ظلال الصخور الأرضية الألفية على وجوهنا، ولعدم امتلاكنا شعرا انسيابيّا، ولأنّ عيوننا لها ألوان الكون كلّه، ولأنّنا نحتاج إلى مزيد من الوقت لإنهاء قراءة جملة باللّغة الإنجليزية، ولأنّنا نطرح الكثير من الأسئلة في الصّف، أو لأنّنا لا نتفوّه بكلمة عندما يسحقنا الشعور بالاغتراب.

تقاطعيّة البيض هي نظرهم إليّ بفوقيّة لأنّني سألت عن معنى سياسة الهوية؛ لعدم فهمي مصطلح الهوية وتخبّطي في كلّ مرّة أسمع فيها كلمة “السياسة.” إن تقاطعيّة البيض هي شعورهم بالفخر لسؤالهم عن معنى مخيّم اللّجوء، لمعرفتهم كيفية تحديد موقع فلسطين على الخريطة، لاعتقادهم أنهم تمكّنوا من نطق مقطع باللغة العربية بشكل صحيح. التقاطعيّة بالنّسبة إليهم هي معركة بين البيض والرأسمالية، لتعديل النفوس التّي استعبدوها والبلدان التّي باعوها وما زالوا يبيعونها ويسرقونها. إن التقاطعيّة البيضاء هي رؤية أنجلينا جولي كنموذج يحتذى به لمساعدة السود، والبكاء حين تبكي وعدم التّمكن من رؤية الأطفال الأفارقة الذّين تُطعمهم؛ أن يكونوا ممتنّين لها دون الاعتراف بما جلب الوبال على أفريقيا في المقام الأول. التّقاطعيّة البيضاء هي أن تشعر بالذنب عن تاريخك، ولكن ألّا تفعل أيّ شيء حيال ذلك.التقاطعيّة البيضاء هنا، في لندن، هي استخدام الفتيات البيض الجالسات حولي في الصّف مصطلحات أجنبية جدّا بالنّسبة للساني، وإعطائي نظرات مشفقة وواعدة بأنّهنّ سوف تقدنني إلى التّحرر قريبا. هي إخبارهنّ إيّاي أنّ “حركات ما بعد الحداثة والليبرالية الجديدة المناهضة للعنصرية” هي حلواي الجديدة. والتقاطعيّة البيضاء هي أن أجلس في صندوق في مطار هيثرو لمدة ستّ ساعات لأنّني أبدو أكثر بياضا من جواز سفري، لأنّ مكتب الهجرة لم يكن قادرا على تحمّل وزن فتاة صغيرة منمّشة الوجه، تحمل جواز سفر فلسطينيا، مولودة في غزة، ومتحصّلة على منحة للدّراسة في المملكة المتحدة؛ يبدو كلّ شيء غير طبيعيّ لهم: أنا أكثر بياضًا من أصولي، ولكنّني شديدة القتامة نسبةً لإنجازاتي. ولكن مجدّدا، بإمكان التقاطعيّة البيضاء أن تكون تناولي القهوة مع فتاة بيضاء تحمل جوازي سفر على الأقل واستماعي لأخبار عطلة عائلتها في تنزانيا في أحد أعياد الميلاد، واضطراري إلى ابتلاع التعاطف في صوتها أثناء عرضها عليّ صور أطفال سود يبتسمون إلى الكاميرا، وتفكيري بيني وبين نفسي: لا يستحقّ هذا الموضوع أن أُطرد من أجله.

لا أستطيع الجلوس في الفصل دون التّململ في مكاني، ومقاومة الرّغبة في الرّكض صارخة تجاه الباب. لا أستطيع منع نفسي من رؤية كوابيس عن ناس بيض يحاولون سحبي من الثقوب ومعانقتي، محاولين تغطية نمشي بالثلج، سائلين مع نغمات مختلفة من الصّدق والقلق إذا كان خروجي ليلا في فلسطين آمنا، وإذا كان من الآمن لفتاة أن تقود سيارة، وإذا اضطررت إلى ارتداء الحجاب، وإن كان باستطاعتي الحديث والتعبير والبكاء والعويل، إن كنت أريد الانضمام إلى قوى التّحرر العادلة. أستيقظ مغطّاة بالعرق على صوت مروحيّات المرور الذّي يأخذني مرّة أخرى إلى أنواع أخرى من المروحيّات التّي يُرسلها النّاس البيض إلى بلدي. وهي قصّة لوقت آخر.

أذهب إلى الصفوف، ولا يمكنني إخفاء آثار كابوس الليلة الماضية من تعابير وجهي بعد الآن، وأنا متعبة من الاضطرار للاستماع إلى نفس الأعذار في كل مرة “آسفون لم نكن نعرف، وسائل الإعلام كاذبة تنشر معلومات مغلوطة عن شعبك طيلة الوقت، كما تعرفين.” أحاول أن أعضّ لساني، ولكنّ إجابتي تنزلق في بلد الديمقراطية المطلقة والحرية “المعرفية:” “حسنا، الجهل هو النعيم، يا رفاق، وأنتم في نعيم تامّ.” أنتم تعتقدون أنّي أتيت من الصحراء حيث يركب الرجال الجمال ويعيشون في الخيام ويدفنون الفتيات أحياء، ولكنّكم لسبب ما لا تزالون مصدومين عندما ترون مدى معرفتي لتاريخكم وتاريخي. أنا أعرف الإخفاقات الثلاثية لأمواجكم النسوية، وتيار وعيكم لأنّكم لا تتعبون أبدًا من “التعبير عن أنفسكم بطريقة صحيحة سياسيا،” وأعرف جهلكم، أنا أعرف جهلكم لأنّني لم أعش في النّعيم أبدا ولا حتّى لجزء من ثانية منذ وُلدت.

أذهب إلى الفصول الدراسية، وأشهد نفس النغمات العدوانية، والمنافسة السلبية، وأخاف من الاضطرار إلى الإجابة على نفس السؤال في كل مرة: “كيف تتكلمين الإنجليزية بطلاقة؟” ويمكنني أن أفكر في ردّ واحد فقط “لا أعرف. ربّما 200 سنة من الاستعماروالتّعليم من منظور أوروبيّ. كيف تعرفون أقلّ القليل من التّاريخ؟”8 لقد أتيت إلى هنا منذ أربعة أشهر رغبة التّعلم عن الجندر في جوّ أكاديمي، أعود بعده إلى فلسطين للتّعليم. أحلام بسيطة بالنسبة لنا الناس البدائيين البسطاء. اعتقدت بصدق أنّي اخترت أفضل بلد، وأفضل مكان للتّعلّم عن أكثر اهتماماتي إلحاحا، هوّيتي وتجربتي كامرأة. ومن المفارقات أنني سأترك البلد وأنا أقلّ معرفة ممّا كنت عليه قبل وصولي، فسأتركه بمزيد من الكراهية تجاه الفوقيّة – وهي كلمة تعلّمتها مؤخرا وهي على ما يبدو شبيهة بالعنصرية، ومع عدم احترامي للنظريات الفاضحة التي يتم حشوها في حلقنا دون أن يكون لها أيّ منفذ في الواقع. سوف أعود لتعليم أشياء كثيرة، لن يكون أيّ منها أبيض، ولا عن العبور كشخص أبيض، أو عن تقييم من الامتيازات الشّخصيّة، أو الاستيلاء على ثقافة، أو الاضطرار إلى الجلوس خلال مناقشة أخرى حول “العنصرية المضادّة.” سوف أخبرهم عن هذه المفاهيم الخارقة، وسوف يحكّ الطّلاب رؤوسهم وينظرون حولهم بخوف, سأقول لهم ألّا يخافوا؛ أنّ منقذي الأبيض خسرني في الطريق إلى الوطن لأن الطريق كان أكثر طولا وظلاما من أن يتحمّله الشّاحبون.

سأطلب منهم/نّ الهرب بجلدتهم/نّ إن سمعوا/ن “قهوة لاتي بصويا الكراميل وحليب البقر النّباتي دون غلوتين” المحضّرة بحُبّ. وسأطلب منهم/نّ أن يصرخوا/ن هويتهم/نّ9 بفخر، وألّا ينظروا/ن خلف أكتافهم/نّ لمجرّد سماع كلمة سياسة،10 أن يُبقوا/ين على ابتساماتهنّ المنتصرة حين يدخل موظّف المنظمات غير الحكومية الأبيض إلى المقهى. إذا باشرت مهنة التّدريس يوما ما، سأقول لطلابي/طالباتي أن يتوقّفوا/ن عن القراءة وعن محاولة فهم ما يريده العالم الأبيض منّا وكيف يرانا ويصنّفنا. سوف أتحدث إليهم/نّ عن أنفسهم/نّ، وأسمعهم/نّ يتحدثون/ن عن أنفسهم عارفين/ات ما يجعلهم/نّ من هم/هنّ، بعيدا عن الانشاءات المفترضة سابقا. سأطلب منهم/نّ مغادرة الفصل والبحث داخليّا وخارجيّا والعثور على الثنائيات والتّناقضات والحدود، و سحقها جميعا.

سنعيد النظر في قصائد القرون الوسطى، ونفرح بالأبيات التّقدمية التّاريخية،11 بوكالة النساء على أنفسهنّ، بالإيروس الحاضر في ماضينا بدلا من الموت في حاضرنا. سأقول لطلابي أنه لا وُجود لجيل فاشل، ولكن يوجد تعليم فاشل حرمنا من معرفتنا وتاريخنا. سأقول لهم إن “تأييد مشروع ليلى للمساواة الجندريّة”12 والتوجه الجنسي للمغنّي الرّئيسي اعتُبرت أسبابا صالحة لحظرهم من الأردن إلى الأبد. سوف أتحدث إليهم عن جندرهم/نّ وأجسادهم/نّ. وسأعلّمهم/نّ أن يحبّوا أجزاءه المغطّاة وتلك المكشوفة، والقتال من أجل أيّ منهما وكليهما. سوف أُبيّن للورديّ والأزرق أنّ الأخضر قد يكون أفضل، وأنّ أيّ لونٍ يمكن أن يكون وسيلة أخرى لنرى أنفسنا والعالم.

سأتحدّث عن ذكورات لا تقتصر على أغلالنا الشرقية المذكّرة وتلك غير التّي لا تّحدّدها شيطنة الغرب للرجال البُنّيين. سوف أؤكّد لهم أنّنا سوف نُدافع عن بعضنا البعض ونقف مع بعضنا البعض، وسوف نتعلم الأمل من ابتساماتنا التي لا تختفي مهما كان الأمر، ومهما تمّ وسمنا بـ”الآخرين.” سأقول لهم ما يعرفونه بالفعل: لا تقلقوا، لن يأتي البيض لانقاذنا أبدا، إذ ليس بإمكانهم إنقاذ أنفسهم.

  • 1. قام الزوجان بنقل القمامة إلى طاولتي بينما كنت أسير للحصول على قهوتي من الصراف، وأتحدّث على الهاتف مع أمّي باللغة العربية. عندما عدت طلبت منهم نقل القمامة بعيدا. نظرت المرأة إليّ، ثمّ تجاهلني كلاهما وواصلا الحديث. ونتيجة لذلك، قمت بدلق قهوتي على طاولتهم وأشيائهم، وذهبتُ لتنظيف طاولتي. حاولا أن يجعلا أمين الصندوق – الذي كان رجلا باكستانيا – يطردني باستخدامهما لشتائم عنصرية. رفض هو ذلك و طلب منهما المغادرة. فجمعا أشياءهما وذهبا.
  • 2. “Do you need help carrying your bags upstairs, Ma’am?”
  • 3. نظرية التّقاطعيّة هي مصطلح صيغ لأول مرّة في عام 1989 من قبل مناضلة الحقوق المدنيّة الأمريكيةّ والباحثة الرئيسية للنّظرية النّقديّة للعرق، كيمبرلي كرينشاو. وتهتمّ النّظريّة بدراسة الهوّيات الاجتماعية المتداخلة أو المتقاطعة وما يتّصل بها من نظم القمع أو الهيمنة أو التمييز.
  • 4. http://www.denisdutton.com/bad_writing.htm
  • 5. Rajagopalan, Kanavillil. “The Politics of Language and the Concept of Linguistic Identity.” Cauce 24 (2001): 17-28. 17
  • 6. http://testdb.msmagazine.com/blog/wp-content/uploads/2011/10/slutwalk-race.jpg
  • 7. Spivak, Gayatri C. “Can the Subaltern Speak?” Colonial Discourse and Post-Colonial Theory: A Reader, eds. Patrick Williams and Laura Chrisman (Hemel Hempstead: Harvester, 1993). 93
  • 8. https://twitter.com/pjux/status/644971803354513408
  • 9. نظرا للرّفض العامّ لسياسات الهويّة، تجدر الإشارة إلى أنّ مفهوم “الهوّية” في فلسطين يقع تحت التّهديد من قبل الإحتلال الإستيطاني، ومنه الحاجة والتّشديد على الإبقاء الهويّة.
  • 10. نظرا للرقابة المستمرة من السلطات الفلسطينية والإسرائيلية على حرية التعبير، ومحاكمة النشطاء والأكاديميين/ات والصحفيين/ات، بالإضافة إلى حظر مصادر المعلومات بأكملها، أصبح موضوع السياسة أكثر أسى وخطورة للمناقشة حتى في وضع غير رسمي .
  • 11. Amer, Sahar. “Medieval Arab Lesbians and Lesbian-Like Women.” Journal of the History of Sexuality 18 (2009): 215-236.
  • 12. http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-36148343
ملحوظات: