سارة أحمد، عيش حياة نسويّة

السيرة: 

غولشيهر حميدي-مانيش نسوية كويريّة إيرانية، مقيمة في لندن، تتجذّر اهتماماتها الأكاديمية بطريقة عميقة في تقاطع الهجرة والنظريات الكويريّة والنسويّة. وفي الوقت الحالي، من ناحية أكاديميّة، تقوم بالإبحار في الأدب النفسي التحليلي الذّي يتناول الجندروالجنسانيّة والهجرة، وتُنمّي بذلك علاقة الحب والكراهية معهم، في حين تستثمر نشاطها المدنيّ في التّعاون مع الحملات الجديدة لمحاربة العنف المنزليّ في إيران. تخرّجت مؤخرا من SOAS بدرجة التّفوّق بماجستير في الجندر والجنسانية، ولا تزال تُفكّر في الخطوات التالية لمتابعة نشاطها المدنيّ وطموحاتها الأكاديميّة.

اقتباس: 
غولشيهر حميدي مانيش. "سارة أحمد، عيش حياة نسويّة". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 3 عدد 1 (2017): ص. 134-137. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 27 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/living-a-feminist-life.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (406.32 كيلوبايت)

كتاب سارة أحمد “عيش حياة نسوية” يعطي شعار النسوية القديم “الشخصيّ هوالسياسيّ” دفعة جديدة من قابليّة التّعاطف مع المقولة. في لغتها الشعرية شديدة الفرادة، تتفاعل مع الخبرات اليوميّة والأشياء واللّقاءات والمشاعر والتّجسّدات. هدفها من هذه المهمة، على حد قولها، لا يقتصر على جلب النّسويّة إلى “البيت،” وإنّما يهتمّ أيضا باستكشاف كيفيّة كون “النظريّة النسويّة شيئا نفعله في البيت” (ص 7). خلال الكتاب، تستكشف أحمد أنّ “الأفكار النسوية” ليست مجرّدة، إنّما مولودة من خلال مشاركتنا في العالم. فهي تنشأ في خضمّ الصّراعات التّي نواجهها في “فهم الحقائق التي يصعب فهمها،” “نضالا من أجل أن تكون، وأن تجعل تلك الكينونة مفهومة” (ص 10).

بساطة هذه الحقائق المستعصية عن الفهم تجعل استيعابها أكثر صعوبة. بسيطة بمعنى كونها الجانب الأكثر روتينية أو الأكثر حضورا بشكل علنيّ في الحياة اليومية. بسيطة مثل أن تتجمّع مع أولئك الذّين تُحبّ/ين/هم حول طاولة العشاء. بسيطة مثل تعبيرات الوجه التي تواجه/ين/ها.

تلك صورة طاولات عشاء العائلات التّي تطلق تحليل أحمد النّظريّ عن شخصية قاتلات البهجة النّسويات في عملها اللّامع السّابق قاتلات البهجة النّسويّات (ومواضيع متّعمدة أخرى): “نبدأ بطاولة. حول هذه الطّاولة، تجتمع الأسرة، وتتبادل أطراف أحاديث مهذّبة، حيث يمكن الحديث في مواضيع معيّنة فقط. شخص ما يقول شيئا تعتبره إشكاليّة” (أحمد 2010).1 من خلال الإشارة إلى المشكلة، تصبح/ين أنت المشكلة، وهذا هو بالضبط سبب عدم “الكشف عن المشكلة التّي كشفتها. حيث يُصبح الإعتراض هو المشكلة” (ص 141).

النسوية: ما تحتاجه كي تقوى على أن تكون أنت المشكلة. أو في كلمات أحمد: “النسوية: ما نحتاج إليه للتعامل مع عواقب كوننا نسويّات” (ص 162).

تُشير أحمد إلى “العينين المتداولتين” أو “الحاجبين المرفوعين” كالإشارات التّي تُفهمك أنّك المشكلة. بالإضافة إلى الابتسامات المزيّفة المتداولة قبل أن يتغيّر موضوع المحادثة بشكل كامل، والتّي هي تجارب يوميّة ومتداولة كذلك. ومن المفترض أن تُعيد هذه الابتسامات توكيد “الغضب المفاجئ كمرض نسوي” (ص 193). يبتسمون/ن لتذكيرك بأنّك تجعلين حياتك “أصعب مما يجب أن تكون عليه” (ص 233). يبتسمون للتّعبير عن لطفهم/نّ في رفضك. لدى تلك الابتسامة نيّة حسنة، تمامًا مثل “تاريخ العنصريّة والتّمييز الجنسيّ الذّي تتخلّله النوايا الحسنة؛” فيستاؤون لحالك “كما لو أنّهم/نّ باستائهم/نّ، يقصدون/ن خيرًا” (ص 151).

تتعامل أحمد مع الابتسامات في كتابها أيضا في حالتين. واحدة لدى اعتماد الابتسامة كاستراتيجية، لأن “الابتسام يصبح ضروريا لتنعيم المظهر عندما يعتبرون الأخير شديد القساوة” (ص 130). الابتسامة هي جزء من “العمل العاطفي” المستمرّ في “مكافحة القوالب النمطية” الذي عادة ما يستمر بالنسبة لمن ينظر إليهنّ/م على أنهنّ/م “آخرون عرقيّا.” ومن ناحية أخرى، تقترح أحمد أيضا عدم الابتسام كـ”إضراب نسوي” (ص 248)، بناء على مفهوم فايرستون (1970)2 المسمّى “حظر الابتسامة” – وهي دعوة عامّة لوقف الابتسام كعمل جماعيّ حتى يصير لدينا شيء نبتسم من أجله. بشكل فردي، قد لا نرغب في الابتسام بأدب كضربة نسوية للنكات والتعليقات المفرّقة جندريّا وعنصريّا. هذه هي النقطة التي تتحوّل فيها أحمد إلى المبدأ الرابع من بيانها النسوي: “أنا لست على استعداد للضحك على النكات المصممة لتسبب الإهانة” (ص 161).

ومع ذلك، متى يُصبح عدم الابتسام امتيازًا لا يمكن أن تتحمّل كلفته كلّ قاتلات البهجة النّسويّات؟ يمكن أن يكون لعدم الابتسام عواقب مادّية وعاطفيّة خطيرة – وهي عواقب مجندرة. ولا يقتصر الأمر على أنّ إجبار المرأة على الابتسام يعزّز الأدوار المجندرة فحسب، بل إنها تعمل أيضا كأداة مراقبة وتجعل أجساد النساء مُعدّة ومقروءة. والواقع أنّه قد ينتج عدم الابتسام عواقب وخيمة لأنّه “لا يُمكن أن يكون هناك شيء أكثر خطورة على الجسد من الاتّفاق الاجتماعي على أنّ ذاك الجسد خطير” (ص 143).

إن المشاركة المذكورة أعلاه مع التجارب والتّعبير اليوميّ تذكّرنا بأن “عيش حياة نسوية هو تحويل كلّ شيء إلى شيء قابل للشّك. مسألة كيفية عيش حياة نسوية موجود على قيد الحياة كقضية كمسألة حياة أيضا” (ص 2). بالنّسبة لأحمد، هذا الـ”كل شيء” ليس مبالغة؛ إذ في جميع أنحاء الكتاب، تتعامل مع المساحات والبيئات (حتى انها تتفاعل مع مطبات الطريق!)، والأشياء (الطاولات والكراسي والملابس)، والمشاعر (الفكاهة، المفاجئة، والضعف، والحب) وحتى أجزاء الجسم (الذّراعان والأذنان والعينان). وباستخدام مجازات مثل الطوب والجدران وجدران من الطوب، يمكن للشخص الذي يعيش حياة نسوية أو للعامل اليوميّ أن يصبحوا “غزاة فضاء” أو “عديمي التّطابق” (ص 125) – كشخص لا يتطابق وجوده وجسده مع شكل ووظيفة البيئة التي يدخلها. فعيش حياة نسوية يعني أنك غالبا ما يُنظر إليك على أنك “تأثير أجنبي،” وأنّ “الأشياء الخاطئة تسعدك،” كفرد يُنظر إلى سعادته “كبديل عن الشيء الحقيقي،” كأنّك تقصد/ين “العمد” (ص 65-68)؛ أو أنّك “ذو/ات طابع موضوعي أكثر من اللازم” (ص 156)؛ وباعتبارك “ناكر/ة جميل” (ص 70).

ومع ذلك، وكما تشير أحمد أيضا، فمن المؤسف أن جدار الطوب ليس سوى استعارة. فإذا كان هناك جدار فعلي، “سنكون جميعا قادرين/ات على رؤيته ولمسه” (ص138).3 ويمكن اعتبار ثقل الاستعارات في تحليل أحمد كعائق لها. إذ مثلما أدرجت، “عندما تصبح/ين نسويّا/ة، تعرف/ين بسرعة كبيرة أنّ ما كنت تهدفين إلى وضع حدّ له هو شيء لا يعترف البعض أنّه موجود” (ص 6) كما أنّ البعض الآخر “يستثمرون أنفسهم في عدم رؤيته” (ص 138). ولذلك، ربما قد يعني عيش حياة نسوية بالنّسبة لنا أن نصل إلى مفردات ولغة مادية متّسقة بما فيه الكفاية بحيث لا يمكن إنكارها. لغة يمكنها أن تمثل مادّية هذه الجدران، كجدران توقف الحركة، وتملك قوّة تغيير الاتجاهات. فهو جدار “متحرّك وموقف للحركة” (ص 137) وهو بذلك أشدّ صعوبة. “إذا كانت الجدران هي ما يوقف بعض الأجساد أثناء حركتها، فالجدران هي ما لا تواجهه عندما لا تُوقف” (ص 148). وبعبارة أخرى، ما هو مجازي للبعض هو مادي للآخرين. ولهذا السبب، ربما نحتاج إلى التوصل إلى لغة يُمكنها قتل بهجة عدم الرؤية، على الرغم ما تدعوه أحمد “المفاهيم المتعرّقة” ستكون موجودة دائما (ص12)، وهي تلك المفاهيم التي يتمّ إنشاؤها أثناء محاولة وصف شيء ما تشعرين به خلال “الأمعاء النسوية” (ص27)، ولكن هو شيء مستعص عن الفهم تماما في الوقت الحاضر.

على الرغم من أنّ كتاب عيش حياة نسويّة لأحمد مليء بالألم والغضب النّابع من “الأشياء الهشة” و”العلاقات” و”الرّوابط المقطوعة” والإرهاق، فإنّه لا يتّسم باليأس. إنّها لا تيأس وتُساعدنا على ألّا نيأس. فهي تبدأ الكتاب و”تحملنا من خلاله” بـ”أمل،” لأنّ “الأمل لا يقع على حساب النضال،” بل إنّه يحرّكه. (ص 2) بعد أن أعطت القارئ “إعادة تعريف تحويليّة للبقاء على قيد الحياة” كأن يبقى الأمل حيّا (ص235)، تختتم الكتاب بالأمل مرّة أخرى، من خلال مفهوم “مجموعة لازمات قاتلات البهجة للبقاء على قيد الحياة.” ومع ذلك، بالنسبة إلى أحمد، هذا الأمل لا يتعلق بالسعادة، ولا حتى الأمل في تحقيق السعادة. في رأيي، رفض فكرة جعل السّعادة هدف الحياة هو أقوى حجج أحمد وأكثرها تمكينا. وهذا ممكن فقط عندما ندرك أن “السعادة تُستخدم لتبرير الأعراف الاجتماعية كسلع اجتماعية” (ص 254). تكشف أحمد مسار السّعادة على أنّه “حلقة: يتمّ توجيهنا إلى ما هو أمامنا. وما هو أمامنا يعتمد على كيفية توجيهنا” (ص 48). ولأنّ ما هو أمامنا هو نظام أبويّ مغاير، فنحن بحاجة إلى كشف عنفه بدلا من المشاركة فيه – وهي مهمة تعتقد أحمد أنها تخصّ البيانات النّسوية، وهي تُقدّم واحدة منها كخاتمة ثانية لكتابها. أنا لا أتعمّد رفض أنّ عيش حياة نسوية “هو ألّا تعيش/ي بسلاسة. نحن نصطدم بعالم لا يعيش وفقا للمبادئ التي نحاول عيشها” (ص 256). ومع ذلك، قد يجعلنا قرارنا برفض جعل السعادة قضيّتنا في الحياة نشهد “التعاسة التي يمكن أن تُسبّبها السعادة” (ص 257). ولعل بإمكان ذلك أن يعني أننا قد نجد في الواقع سعادة لا تمليها معايير غيريّة أبويّة في مكان ما عميق من اختيار عدمها.

“النسوية: كيف نرث من رفض الآخرين أن يعيشوا حياتهم/هنّ بطريقة سعيدة” (ص 63).

أريد الانتقال إلى وراثة النسوية، أو النسوية كـ”وراثة عاطفية” (ص 20) كنقطتي الأخيرة. فإنّنا، في أكثر الأحيان، بُغية تحطيم النّزعة الذّكوريّة والعنصريّة حولنا، نحطّم أنفسنا. وللإستمرار، نحتاج إلى تجميع شظايانا. ومع ذلك، فإن كلّ من التحطيم والبقاء على قيد الحياة بعده ممكنان فقط بسبب كل تلك النسويات الملوّنات الأخريات اللواتي حُطّمن عقابا على التّحطيم الذّي مارسنه. تقول أحمد: “بعد كل شيء، نحن نعلم أن بعضنا يوجد هنا على هذه الأسس لأنّ هناك أياد في التاريخ رفضت الاإستمرار في العمل والاستمرار في البناء أو الإمساك بالجدران التي تؤمّن مسكن الأسياد” (ص 160). فنُحاول الوصول إلى هذه الأيادي وتُحاول هذه الأيادي أن تصل إلينا، وبذلك نُشكّل “جيشا نسويّا من السّواعد” (ص 159) يغضب فجأة وعن قصد ويقتل البهجة الجماعيّة. جيش من السّواعد التي تمتد عبر الأراضي الزمانية والمكانية الواسعة وتمتدّ إلى ما بعد الأجساد. على الرغم من أنّ الجسد جزء أساسيّ من زميلاتنا قاتلات البهجة النّسويّات، فإنّ بإمكان الكتب أيضا الوقوف كأسلحة أساسية في جيشنا النّسويّ من السّواعد. لذلك، تماما مثل أحمد، ستحتوي مجموعة أدوات بقائي على قيد الحياة على “قاتلات بهجة أخريات” دون شكّ (ص 244) وعلى “الكتب،” وهي كتب نسوية تجعل من قراءتها عملية مشابهة، كما تقول أحمد، لـ “تكوين صداقات، وإدراك أنّ أخريات كنّ هنا من قبل” (ص 31). ومن هذا المنطلق أعتقد أنّ القرّاء سيجدون/ن في قراءة “عيش حياة نسوية،” رفيقا ودليلا حيويّا على بقاء قاتلات البهجة على قيد الحياة.

  • 1. Ahmed, Sara. 2010. “Feminist Killjoys (and Other Willful Subjects).” Scholar and Feminist Online. http://sfonline.barnard.edu/polyphonic/ahmed_01.htm [last accessed 10-07-2017]
  • 2. Firestone, Shulamith (1970). The Dialectic of Sex: The Case fir Feminist revolution. New York: Bantam.
  • 3. وتتحدث أحمد عن ذلك في سياق الجدران المؤسساتيّة التي يواجهها العاملون في مجال التنوع، استنادا إلى أبحاثها معهم في المملكة المتحدة، ولكنّ هذا لا ينطبق على السياقات الأخرى التي توجد فيها أسوار الفصل العنصري الفعليّة التّي يختار بعض الناس عدم رؤيتها أو النّظر إليها بطريقة إيجابيّة.
ملحوظات: