إضفاء طابع كويريّ على الاحتلال: جنسيات الاستعمار الإستيطاني في عصر القوميّة المثليّة

السيرة: 

رالف حداد طالب لبناني كويريّ بدأ درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية ودراسات الجندر في جامعة ماكجيل في مونتريال. وتشمل اهتماماته تشكيل الهوية الكويرية غير الاستعمارية وإضفاء طابع كويريّ على مفاهيم المواطنة والانتماء، مع التركيز بشكل خاص على لبنان وفلسطين. ويركز رالف على قدرة الأدب في أن يكون معبرا لوجهات النّظر المهمّشة، ويهتم بكيفية استخدام وجهات النظر هذه لتصوّر مجتمع أكثر شمولية من الذّي لدينا.

‫ ‫الملخص: 

يركّز هذا المقال على العلاقة بين الإستعمار الإستيطاني وبناء الأمة وضبط الجسد عبر النظرة الإستعمارية الإستيطانية البيضاء. وبعد تقديم لمحةٍ عامةٍ عن أثر الإستعمار الإستيطاني على الجنسانية، أنتقل إلى إجراء تحليلٍ مقارنٍ بين الإستعمار الإستيطاني وأثره على الجنسانيات في خلال فترة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا من جهةٍ، وأثره في فلسطين تحت الإحتلال الإسرائيلي المستمر من جهةٍ أخرى. كذلك أناقش آخرويّة “الأصالة” في تضادّها مع التشكيل “الحديث” للجنسانيات الإستيطانية كما حدث في ما يُعرف اليوم بأميركا الشمالية، وكيف أُعيد تشكيل المثلية كبياضٍ عبر عَرقَنة وضبط وإعادة تنشئة “الأصلي/ة” على نحوٍ عنيف. مستخدمًا إطار العمل المقارن، أنتقل إلى فلسطين حيث يفرض الإحتلال الإسرائيلي العنف على الأجساد الفلسطينية الكويرية، ويستخدمها أيضًا، بغرض تعزيز مشروعه الإستعماري الإستيطاني المستمر لبناء الأمة، من خلال الجهد القسريّ والتخيّلي للقومية المثلية وللغسيل الوردي..

الكلمات المفتاحية: 
Settler-colonialism
Indigenous
Queer Bodies
Occupation
Apartheid
Sexualities
اقتباس: 
رالف حدّاد. "إضفاء طابع كويريّ على الاحتلال: جنسيات الاستعمار الإستيطاني في عصر القوميّة المثليّة". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 3 عدد 1 (2017): ص. 112-126. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 30 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/queering-the-occupation.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (567.59 كيلوبايت)
ترجمة: 

لين هاشم كاتبة ومؤدّية نسوية تعيش في بيروت. حازت على شهادة الماجستير في علوم الجندر والجنسانية من جامعة لندن، وهي جزءٌ من مجموعاتٍ نسويةٍ عدّة في لبنان والمنطقة. نُشرت كتاباتها وترجماتها في عددٍ من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية من بينها ملحق "شباب السفير" ومجلة "كحل" لأبحاث الجسد والجندر. عملت كمدرّبة ومستشارة وباحثة في عددٍ من المؤسسات من بينها "فريدا: الصندوق النسوي الشاب" والجامعة الأميركية في بيروت. تشارك باستمرارٍ في أمسياتٍ شعريةٍ ومهرجاناتٍ فنيةٍ في لبنان والخارج. في أيار 2018، كتبت عرض "المسافة الأخيرة" وأدّته مع الفنان والراقص ألكسندر بوليكفتش في ختام معرض "رسائل حب إلى ميم" من تنظيم ديمة متى في بيروت، ثم في بلفاست وكتماندو. تعمل حاليًا على نشر مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان "حقد طبقي".

cover_issue_5_ar.png

هالة حسن

 

لم يُشيّد جدار الفصل العنصري بغرض إبقاء كارهي/ات المثلية من الفلسطينيين/ات خارج إسرائيل المثلية، كما ليس هناك من بابٍ سحريٍ يمرّ عبره المثليون/ات الفلسطينيون/ات – سامي شمالي، عضو في “القوس.”

“لماذا إذًا هاجرتَ إلى كندا؟” سألني مرةً أحد الغرباء في أحد المقاهي. كنا نناقش الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين عندما اتخذ الحديث منعطفًا آخر وسألني لماذا أساند دولةً تضطهد و”ترجم” المثليين/ات. يومذاك، انتابني الغضب من قيام هذا الغريب بإطلاق الافتراضات عن حياتي الخاصة وعن كويريّتي، بغرض تبرير حجّته القائمة على استبدال موقعي الفعليّ بنسخةٍ محرّفةٍ ومشوّهةٍ منه. “لماذا إذًا هاجرتَ إلى كندا؟ أليس بسبب تعرضك للاضطهاد في لبنان لكونك كويريًا؟” لم تكن تلك اللحظة بأمرٍ جديد، فغالبًا ما تُساءل الهويات الكويرية غير البيضاء وتُطلق بشأنها التخمينات، كما يبدو وجودها في حدّ ذاته مأزقًا للفاعلين/ات المثليين/ات الغربيين/ات1. وفي إطار نموذجٍ للحقوق الكويرية تهيمن عليه المعيارية المثلية الإستعمارية الإستيطانية الأوروبية – الأميركية، تغدو الكويرية مؤشرًا على التقدّم (سواء على يمين أو يسار الطيف السياسي) 2: فكلما تمتّع الكويريون/ات بحقوقٍ أكثر في محلّةٍ ما، كلما روّج النظام لنفسه كنظامٍ أكثر حداثةً وتقدّمًا. ولا يستثني هذا الأمر إسرائيل التي تسوّق لنفسها على نحوٍ متزايدٍ كدولةٍ صديقةٍ للمثليين/ات لدى الجمهور الغربي. ويحلّل هذا المقال النشاط والسياسات الكويرية في إسرائيل/ فلسطين في ضوء عوامل متقاطعةٍ عدّة: تشكيل الخطابات المثلية الغربية العالمية، والإمبريالية الأميركية، والقومية المثلية، والغسيل الوردي والعسكرة. وإذ تُستكشَف هذه السردية في ضوء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وغيرها من مجتمعات الإستعمار الإستيطاني، فإنها تنظر في الطرق التي تُنتَج من خلالها الجنسانياتُ المثلية الممتثلة إلى النظرة العالمية للا-غيرية، كأدوات استيعابٍ لشرعنة الإحتلال. وفي نهاية المطاف، إن قيام إسرائيل بضبط أجساد الفلسطينيين/ات كي تمتثل لتشكيلاتٍ معينةٍ للجنسانية يسهّل قمع التمرد الفلسطيني، ومعه أيّ تجسيدٍ للكويرية التي ترفض أن تتواطأ مع ممارسات وانتهاكات دولة الإستعمار الإستيطاني.

 

الإستعمار وآثاره الجنسية

لطالما اتخذ الإستعمار من الجنسانية مشروعًا من بين مشاريعه الكثيرة الهادفة إلى تحضير الشعوب. هكذا، قام المستعمرون الأوائل في الأميركيتين بـ”جنسَنة” السكان المحليين/ات الأصليين/ات، ولاسيما الرجال منهم، بغرض تبرير اضطهادهم/ن. وكان يُنظر إلى الجنسانيات الأصلية كجنسانياتٍ منحرفةٍ وبدائية، لذا كان اضطهادها مبررًا في المخطط الأكبر لمهمة التحضير. ويشرح “باتريك وولف” أن المجتمعات الإستعمارية الإستيطانية تُبنى على أساس إقصاء السكان الأصليين/ات ودمجهم/ن في الوقت عينه (مقتبس في Morgensen, “Biopolitics,” 52). وبحسب “سكوت مورغنسن،” فإن التحكم الإستعماري بجنسانيات المجتمعات الأصلية هو أحد الأمثلة على السلطة الحيوية (biopower) (52).

“السياسات الحيوية” (biopolitics التي يُستمد منها مصطلح “السلطة الحيوية”) هو مصطلحٌ سكّه “ميشيل فوكو” بغرض تبيين السلطة التي تمارسها الدولة على الأفراد لتنظّم حقّهم/ن في الحياة والموت (Morgensen, Spaces, 33). ويطوّر “مورغنسن” تعريف “فوكو” مبرزًا السلطة الحيوية التي تمارسها دولة الإستعمار الإستيطاني في تقرير من يُشتمل، ومن يستحقّ أن يُشتمل في فئتَي “الأحياء” و”الأموات” (33)، كما يجادل بأن السياسات الحيوية الإستعمارية الإستيطانية تتجسّد في المستعمرات من خلال فرض جنسانيات المستعمِرين/ات على المجتمعات الأصلية، بالإضافة إلى فرض المعايير الأبوية الغيرية عمومًا عبر مختلف أجهزة الدولة الأيديولوجية، ولاسيما القانون (34). ويسعى هذا المشروع إلى إلغاء الجنسانية الأصلية ودمجها عنوةً ضمن مجال هيمنة الجنسانية المستعمِرة (34). وبالنسبة إلى “مورغنسن،” فالسلطة الحيوية التي تمارسها الدولة تنتج أطر عملٍ مخالفة للقانون بحيث تحتفظ الدولة بحق حجب الحياة بناءً على معايير معينةٍ تحدّد من ينتمي/ تنتمي إلى الدولة، ما يُنتج “سيادةً خارجةً عن القانون كجزءٍ من أعمال السلطة الخاصة [بالدولة]” (Biopolitics,” 54“). إن جانبًا هامًا من تطبيق الدولة للسلطة الحيوية يُمكن أن يتم في إطار أنسَنة/ لا أنسَنة الأصالة. ويشدّد “مورغنسن” على أنّ مساءلة درجة إنسانية الشعوب الأصلية الرازحة تحت الإستعمار الإستيطاني لطالما رُبطَت بدرجة خضوعها للقانون الغربي (كما هو مطبّقٌ في المستعمرات الإستيطانية)، وبالتالي للقيم الغربية (من خلال الملغَمة amalgamation) (61). هكذا، تُشكّل فئة “المستعمِر/ة” في تضادٍ مع فئتَي “الأهلي/ة” “والأصلي/ة،” وبمجال مناورةٍ صغيرٍ بينهما. بالتالي، إن إطار عمل السياسات الحيوية هو بمثابة سيرورةٍ آخرويةٍ تبرّر تشكيل دولةٍ تقوم على المستعمرات الإستيطانية، كما هو حال إسرائيل، ولا يمكن فصل هذا عن خطاب الجنسانية.

وتشير “باربرا فوس” إلى الدور المحوريّ للجنسانية في المشاريع الإستعمارية الإستيطانية (11)، فهذه المشاريع، كمشاريع بناء الأمبراطورية، تعتمد بالضرورة على ما يسمّيها “ستولر” “الأكاذيب المحمومة والرقيقة” التي تربط بين مختلف الأجهزة الأيديولوجية للدولة (11). وتتضمن هذه “الأكاذيب المحمومة والرقيقة” الجنسانية كأداة ضبطٍ، على سبيل المثال. وإذ ترافق الجنسانيةُ مشروع الأنسَنة/ اللا أنسَنة الذي يتبع تطبيق الدولة للسلطة الحيوية بغرض تنظيم الأصالة، يمكن فهم الجنسانية هنا كمشروع مقارنةٍ بين الأجساد (12). وتستند هذه المقارنة إلى “المقارنات بين الأجساد، وبين الحداثة والتقليد، وبين الحضارة والبدائية، وبين الأعراف والانحرافات وبين الأفعال والهويات” (12). بالطبع، لقد أنتج تنظيم ومعاقبة الجنسانية الأصلية جنسانية المستعمِر/ة كجنسانيةٍ “حديثة” في تضادٍ مع الجنسانيات والمجتمعات البدائية للشعوب الأصلية (Morgensen, “Biopolitics,” 42). ويشير “مورغنسن” إلى أن “الجنسانية الحديثة لم تكن نتاجًا للإستعمار الإستيطاني ]…[ بل إن الجنسانية الحديثة غدت وسيلةً لإنتاج الإستعمار الإستيطاني ورعايا الإستيطان، من خلال تيسير الفتوحات المستمرة وتطبيع آثارها” (42). بهذا المعنى، تتشكّل الدولة المستعمِرة الإستيطانية من خلال خطابٍ محددٍ عن الجنسانية، معطوفًا على شيطنة الجنسانية الأصلية وبالتالي شيطنة الأصالة والشعوب الأصلية. وأطوّر في هذا المقال حجّتَي “فوس” و”مورغنسن” من خلال النظر إلى الجنسانية كموقعٍ تمارس فيه الدولة السلطةَ الحيوية التي لا تعمد حصرًا إلى كبت الجنسانيات الأصلية وغير المعيارية، بل تستولي أيضًا على حركات الجنسانية بغرض الحفاظ على سيرورة الآخروية وشرعَنة علّة الوجودخاصّتها.

 

التشكيلات الثقافية للكويرية

ينتج عن سيرورة السياسات الحيوية في الدولة الإستعمارية الإستيطانية خطابُ جنسانيةٍ تهيمن عليه القيم البيضاء وقيم المعيارية على أساس الغيرية الجنسية. ومن المهمّ عدم التفكير في هذه السيرورة في إطار قبول الدولة للكويرية أو للجنسانيات غير المعيارية، أو في إطار رهاب المثلية/ الإضطهاد، بل التفكير فيها كجنسانيةٍ مفعّلةٍ، مرمّزة بالدرجة الأولى في المجتمعات الإستعمارية الإستيطانية، وبالتالي منتشرة على يد الدولة. وفي سياقَي جنوب إفريقيا والمناطق الإسرائيلية/ الفلسطينية، فإنّ المجتمعات الإستعمارية الإستيطانية3 – وهي في الحالتَين مؤلفة من مستعمِرين/ات أوروبيين/ات – تُبنى على أساس مجتمعٍ إقصائي قائمٍ على الإستيطان ومدّعيًا الأصالة.

ويمكن للكتابة عن الكويرية في علاقتها بإسرائيل/ فلسطين أن تبني على التنظير لأوضاعٍ معينةٍ ضمن سياق جنوب إفريقيا. حاليًا، يتخذ الكثير من الناشطين/ات الفلسطينيين/ات جنوب إفريقيا نقطةً مرجعيةً لما يمكن لفلسطين أن تكون عليه، لاسيما الحركة الداعية إلى مقاطعة دولة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS). نحن ندرك أن جنوب إفريقيا ليست الدولة المثالية اليوم، إذ يستمر إرث نظام الفصل العنصري بالحضور، لكن تمكن المقارنة بين آثار أطر العمل الأكبر لنظام الفصل العنصري والإحتلال في السياقَين. ومع لحظ التعقيدات الخاصة بكلّ سياقٍ، ومن دون اتخاذ موقفٍ اختزاليٍ من مثال جنوب إفريقيا بغرض ملاءمته مع السياق الإسرائيلي/ الفلسطيني، يظلّ بإمكاننا ملاحظة تشابهاتٍ مدهشةٍ في ما يخصّ الكويرية والمساحات الكويرية في المكانَين.

يعلّق “إيان بارنارد” على تداول الفيديوهات البورنوغرافية المثلية الآتية من جنوب إفريقيا في الولايات المتحدة والمنتجة في ظلّ نظام الفصل العنصري في خلال التسعينات من القرن الماضي، رابطًا على نحوٍ مثيرٍ بين البياض والمثلية. ويجادل “بارنارد” أن جنوب إفريقيا “تجسّد اصطدام وانهيار العالمَين الأول والثالث” من خلال ربطها العالم الأول، أو الحداثة، بالسكان بيض البشرة، والعالم الثالث بالسكان سود البشرة (21). وعلى الرغم من كون هذه المقارنة إشكالية نظرًا لتعزيزها ثنائية الحداثة مقابل البدائية، فإن “بارنارد” يشير إلى ظروف المعيشة المنتَجة في ظل نظام الفصل العنصري للجماعات العرقية المنفصلة. على سبيل المثال، الفيديو البورنوغرافي موضوع النقاش، وعنوانه رجال جنوب إفريقيا،يظهر حصرًا رجالًا بيض البشرة يمارسون أفعالًا جنسيةً مختلفة، بينما تظهر من حينٍ لآخر لقطاتٌ لمناظر طبيعية من جنوب إفريقيا بغرض منح الفيديو نوعًا من الأصالة (21). ويجادل “بارنارد” أن اللقطات تبدو “غربية على نحوٍ واضحٍ” بالنسبة إلى المشاهد الأميركي الذي يستطيع عندها “الشعور بالارتباط” بالمكان المعروض أمامه (22). ويغيب الأشخاص سود البشرة بشكلٍ ملحوظٍ عن الفيديو، باستثناء مرورهم أحيانًا في خلفية اللقطة. وتتجاوَر هذه اللقطات الخلفية مع لقطاتٍ لحيواناتٍ بريةٍ كالحمير الوحشية والفيلة ولقطاتٍ أخرى لسهول جنوب إفريقيا، بهدف إضفاء جوٍ من “الإكزوتيكية” و”البدائية” على الفيديو (22). بالتالي، لا يُحتسب الرجال السود في الجنسانية التي يعرضها الفيديو للمشاهد الأميركي، بل “يؤدّي الأشخاص سود البشرة غرض إثراء المكان بالمزيد من الآخروية، ويمثّلون في الوقت عينه طِباقًا يبرز سويّة ]…[ الشخصيات بيضاء البشرة” (23).

ويُعيد “بارنارد” هذا المحو إلى الواقع الأكبر لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والذي يُلغى فيه الرجال السود حرفيًا من مخيّلة جنوب إفريقيا، كما من مواطنيتها وجنسيتها (24). ويرتكز هذا المشروع على فكرةٍ مفادها أن جنوب إفريقيا هي أمّةٌ أوروبيةٌ ديموقراطيةٌ (لمواطنيها ومواطناتها بيض البشرة) وسط إفريقيا السوداء (وبالتالي البدائية والعدائية) (24). ويخلق هذا الواقع خيالًا “حضاريًا” يساعد المشاهدين الأميركيين على التماهي مع الفيديو موضوع النقاش. ومن خلال توزيعها داخل الولايات المتحدة حصرًا (25)، تقدم تلك الفيديوهات واقعًا عن المثلية في جنوب إفريقيا متسمًا بالغسيل الأبيض، كما تعرض للجمهور الخارجي جنوب إفريقيا كأمةٍ ذات غالبيةٍ بيضاء (27). وعلى نحوٍ مماثلٍ، وبقدر ما تُحال جنوب إفريقيا إلى أمةٍ بيضاء في تلك الفيديوهات، تُعرقَن المثلية كمثليةٍ بيضاء في ذلك السياق (27). لقد جرّم نظام الفصل العنصري الجنس بين الرجال على نحوٍ صارمٍ، محافظًا على القوانين الإستعمارية المناهضة لـ”لواط،” إذ كان يُنظر إلى مثلية الذكور البيض كتهديدٍ للذكورة الأفريقانية،4 وبالتالي كتهديدٍ للدولة القومية (Currier, 29). لكن هذه القوانين استهدفت الرجال السود على نحوٍ غير متكافئ، إذ كانوا أكثر عرضةً من الرجال البيض للاستهداف بالقوانين المناهضة للواط (29). إن تجريم الجنسانية السوداء، وبشكلٍ أوسع الجنسانيات الأصلية، يبيّن قمع الجنسانيات والأجساد غير الإستيطانية عن طريق السلطة الحيوية التي تمارسها دول الفصل العنصري الإستعمارية الإستيطانية.

بالإضافة إلى ذلك، كان الوصول إلى “الأماكن المثلية” مضبوطًا في ظلّ نظام الفصل العنصري، ببساطةٍ لكون غالبيّتها تقع في مناطق مصنّفة كمساحاتٍ عامةٍ “بيضاء،” ما قيّد وصول الرجال الكويريين السود إليها (Leap, 221). وبما أن نظام الفصل العنصري كان يطبّق القوانين المناهضة للواط بصرامةٍ، كان الرجال السود يواجهون صعوبةً أكبر في إقامة العلاقات المثلية. وفي شهاداتٍ كثيرةٍ جمعها “ويليام ليب” عن “المشهد” المثلي في ظلّ نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، كانت سردية الحضور الأسود ممحوةً بالكامل (225)، إذ انشغلت معظم تلك الشهادات بتفاعل الرجال البيض مع بضعهم البعض، أو مع الرجال ذوي البشرة الملونة (224). ويشير “ليب” إلى “أن البيض عبّروا عن عداءٍ أقلّ بكثيرٍ تجاه الرعايا ذوي البشرة الملونة ممّن كانوا أكثر اقترابًا إلى الصورة المثالية للمثلي الأبيض” (224). ونتبيّن من هذا التحليل أن سياسات الإحترام أدّت دورًا كبيرًا في السماح لذوي البشرة الملونة بدخول الأماكن المثلية البيضاء، ضامنةً بذلك التزام هؤلاء الرجال بالمُثُل البيضاء. ويورد “ليب” شهادةً تتناول هذا الموضوع تحديدًا، يؤكّد فيها المُستجيب أنه “كان من الشرف لرجلٍ ملوّن البشرة أن يمصّ عضوًا ذكريًا أبيضًا” (225). هكذا، وبدلًا من تحدّيها، أعادت المساحات المثلية في جنوب إفريقيا إنتاج الهرميات العرقية والمصادقة عليها من خلال موضَعة المساحات المثلية والأدوار الجنسية كذلك (225). وفي نهاية المطاف، تغدو سياسات الإحترام مُعرقنةً ومختزلةً في السؤال عمّن ينخرط في أيّ نوعٍ من الممارسة الجنسية، وهو جانبٌ يزداد تعزيزًا في ظلّ الفصل العنصري. ويضيف “دونهام” تفصيلًا مثيرًا على هذا التحليل للجنسانية الذكرية المثلية في جنوب إفريقيا، متخذًا من لغة “سويتو” (Soweto) مثالًا محددًا، إذ ساد فهمٌ شائعٌ في خلال فترة الفصل العنصري مفاده أن الرجال “المثليين” هم خليطٌ أو “جنسٌ ثالثٌ،” وكانت تتمّ معاملتهم على هذا الأساس: “في اللغة العامية البلدية السوداء، كان الشريك المتأنّث في الزوج المثلي الذكري يُسمّى ستاباني – وهي كلمةٌ تعني حرفيًا ثنائيّ الجنس” (7). وتخلق الفروق الطبقية – المُعرقَنة أيضًا –أنواعًا مختلفةً من المجتمعات المثلية في جنوب إفريقيا (15). ويضيف “دونهام” أن تداول الصور “المثلية” عبر الحدود يمنح الرجال سود البشرة في جنوب إفريقيا مرجعًا يعودون إليه، وإن هيمن عليه الطابع الأبيض: “بالنسبة إلى الرجال السود، أن تكون مثليًا يحمل في طيّاته نوعًا معينًا من التعقيد يغيب عن معظم البيض في جنوب إفريقيا” (16).

وتكشف هذه التحليلات تشكيلًا لخيالٍ مثليٍ أبيض ومعياري، فُرض على الآخرين في جنوب إفريقيا التطابق معه. وزاد واقع الفصل العنصري هذا الخيال تعقيدًا، من خلال الحرمان التام للرجال السود من الوصول إلى أي مكانٍ مثليٍ، سواء كان أبيضًا أم ملوّنًا. إذًا، لا يكتفي الفصل العنصري بتعقيد المكان “الكويري،” بل يزوّدنا أيضًا بنظرةٍ بديلةٍ عن كيفية فهم الجنسانية لدى بعض مجتمعات جنوب إفريقيا. هكذا، تغيّر سريعًا التشكيلُ الجنساني الذي كان سائدًا قبل فترة الفصل العنصري، بالتزامن مع “تحديث” جنوب إفريقيا في الفترة التالية له:

مع ولادة جنوب إفريقيا “الحرة،” خُلق مفهوم الجنسانية لدى بعض الرجال سود البشرة، أو على نحوٍ أكثر تحديدًا، خُلقَت هويةٌ مبنيةٌ على أساس الجنسانية. هكذا اختلفت الشبكة التصنيفية قيد الإنشاء عن الشبكة القديمة. الآن، بات ممكنًا تصنيف الشريكين في العلاقة المثلية كفردَين ينتميان إلى الجندر ذاته (ذكرَين) وكـ”مثليّين.” (16)

وعلى الرغم من أنه في سياق إسرائيل/ فلسطين، لا تبدو الجوانب القانونية الكامنة وراء تجريم هذه الجنسانيات ملفوظةً بوضوحٍ، فإن مفهوم ضبط المكان يخدم تحليل السياق، إذ يمكن اقتفاء أثره وصولًا إلى ممارسات الفصل العنصري والإستعمار الإستيطاني. إن الجنسانية المثلية البيضاء ذات الهوية الجندرية النمطية هي الجنسانية المهيمِنة في إسرائيل، وهي التي تقرّر إمكانية انتماء الرجال الكويريين في إسرائيل/ فلسطين إلى المجموعات والأماكن الكويرية (أو الحرمان من هذا الانتماء). ويتداخل هذا الواقع مع الواقع الصهيوني، وبالتالي مع محو آثار احتلال الأراضي الفلسطينية (بينما كان الواقع المثلي يتداخل مع واقع الفصل العنصري في جنوب إفريقيا)، كما يعيد إنتاج خطاب البدائي مقابل الحديث والمتخلّف مقابل التقدّمي. وفي جنوب إفريقيا، كانت “المثلية” تعني تلقائيًا مناهضة السود نتيجة إقصائها المادي للرجال السود عن المساحات العامة المثلية، بالإضافة إلى الرقابة الأكثر تشدّدًا على الجنسانيات المثلية الذكرية السوداء مقارنةً بمثيلاتها البيضاء. أما في إسرائيل، فيزداد الخطاب المثلي كراهيةً للعرب والمسلمين/ات.

وبغرض فهم مفاهيم الكويرية واستخداماتها في سياق إسرائيل/ فلسطين، علينا أن نفهم أولًا الواقع الكويري في إسرائيل من خلال مفهومَي القومية المثلية والغسيل الوردي، وموضعتِها ضمن أطر العمل الأكبر للعسكَرة.

 

الصهيونية الهرتزلية و”الموسكلجودن5

في معرض تناولها الكويرية في السياق الإسرائيلي، تقول “أليسا سولومون” أنه بغرض توكيد القومية القُطريّة، اضطرّت الحركة الصهيونية الهرتزلية إلى التخلي عن صورة “اليهود الكويريين، كبش الفداء والمنحلّين في أوروبا،” وإعادة تشكيلها لتغدو صورة “قويةً ومهيمنةً ومعياريةً جنسيًا – اليهود مفتولو العضلات (الموسكلجودن) في وطنهم الرومنسي الخاص،” إسرائيل (151). إن وجود الكويرية الإسرائيلية في حدّ ذاتها، وفقًا لـ”سولومون،” يمثّل رفضًا للمشروع الصهيوني الهادف إلى وسم الوطن بالغيرية الجنسية طبقًا للقواعد الجندرية (152). لكن “سولومون” تؤكد أنه في خضم الحرب الثقافية الإسرائيلية الناشبة اليوم بين الصهيونية السائدة واليمين المتديّن، اكتسبت الكويرية قيمةً خطابيةً لدى الصهيونية السائدة في وقوفها ضد الأصولية الدينية – وهي الأصولية الدينية ذاتها التي تعارض بشدةٍ حقوق المثليين/ات في إسرائيل (152 – 153). وأخذت حقوق المثليين/ات تتعزّز في إسرائيل تحديدًا في الوقت الذي كانت تتآكل فيه الأخلاقيات القديمة للمسؤولية الجماعية، مفسحةً في المجال أمام الواقع المتنامي للفردية الإستهلاكية في إسرائيل (155). ويؤكّد هذا الإنتقال إلى الفردية الإستهلاكية ثنائية الخاص/ العام المُجندرة التي ترافق المعيارية الغيرية للأمة: النساء في المنازل والرجال في المجال العام (161).

ووفقًا لـ”سولومون،” لم تكن المناصرة من أجل حقوق المثليين/ات ممكنةً لولا مبدأ الخصوصية الذي صعد مع الفردية الإستهلاكية (155). وأحال هذا الواقع حقوق المثليين/ات حقوقًا فرديةً في طبيعتها، متبنيًا إطار عملٍ قانونيٍ غربيٍ لتفعيل تلك الحقوق. بالطبع، “إن مجرد واقع وجود حركةٍ مثليةٍ يشكّل لحظةً مثاليةً لتعريف التطبيع وفقًا للصهيونية الليبرالية: أن نكون تمامًا كالدول الأوروبية. وبما أن المثليين/ات يزدادون ظهورًا وقبولًا في المجتمعات الغربية، على إسرائيل أن تحرص على اتباع خطى “السويّة” هذه من خلال الحصول على مثليّيها ومثليّاتها المُعلَنين/ات” (156). لكن هذه “السويّة” المثلية ترتبط على نحوٍ وثيقٍ بالذكورة والرجولة (التي ترتبط بدورها بالقومية اليهودية الصهيونية)، وبالتالي تنتج تعريفًا ضيقًا جدًا للحقوق المثلية التي تستثني كل من يقع خارج إطار العمل الذكري اليهودي الأشكنازي هذا، والذي يطابق تمامًا الصهيونية السائدة. في الواقع، ومن خلال جعل الخدمة العسكرية إلزاميةً لجميع المواطنين/ات، يضمن هذا التطبيع دخول الرجال المثليين المجالَ الوطني للدفاع عن الوطن ضد الآخر (157). وكما تشير “سولومون،” فإن المثليات الإسرائيليات اللواتي يرفضن الإمتثال لواجباتهنّ الوطنية كزوجاتٍ وأمهاتٍ، يتّخذن موقفًا مؤثرًا ضد هذا المفهوم الضيق لحقوق المثليين/ات: “هنّ يرفضن الدور المُعطى لهنّ في تلك القومية التي تغدو في ما عدا ذلك مجرد جزءٍ غير مكسورٍ من الإجماع الوطني الهشّ” (161). لكن هذا الخطاب يظلّ مُجندرًا إلى حدٍ كبيرٍ نظرًا إلى الطابع الذكوري والعسكري للصهيونية الهرتزلية، إذ يغدو تعميم المثلية مجرد أداةٍ إضافيةٍ لاستيعاب الجنسانيات غير المعيارية ووضعها تحت هيمنة أجهزة الدولة المعيارية.

إن نظرة إسرائيل لنفسها كأمةٍ أوروبية (154)، معطوفةً على تعميم المثلية، يعيد تشكيل المثلية بصفتها بيضاء اللون، كما في حال جنوب إفريقيا. بالتالي، تساهم الأبعاد المُعرقَنة للجنسانيات في إقصاء الفلسطينيين/ات عن الأمة الإسرائيلية، وفي موضعتهم/ن كعوامل مناهضة لصورة إسرائيل الذاتية كأمةٍ غربية.

 

القومية المثلية والغسيل الوردي كآليّات استيعاب

بمهارةٍ، تنشر إسرائيل صورة الذكر الإسرائيلي المثلي مكتمل الرجولة في المحافل الدولية بغرض تقديم صورةٍ ديموقراطيةٍ وتقدّميةٍ على عكس صورة جيرانها العرب/ المسلمين المفترض أنهم متطرفون. هذا ما يسميّه الناشطون/ات “الغسيل الوردي،”6 وهي ممارسةٌ تغدو مُتاحةً عبر القومية المثلية7. وبحسب “مايا مكداشي،” “فإنّ القومية المثليةُ تُنتِج المثليةَ المعيارية على النحو ذاته الذي يستمر فيه تشكيل وتنظيم “الغيرية” المعيارية عالميًا، من خلال نشاطات شركات حقوق الإنسان، والتمويل الدولي، والمؤسسات البحثية والسياسات الداخلية والخارجية للدول” (2011). في الواقع، يمثّل إطار العمل الذي تستخدمه القومية المثلية نظرةً ضيقة الأفق إلى المثلية لجهة انطباقها على المواطنة والدولة، فالأمة تُعتبر تقدّميةً بقدر ما يُتاح لمواطنيها ومواطناتها المثليين/ات إمكانية عقد الزواج المثلي، والانخراط في الخدمة العسكرية وتبنّي الأطفال – وهو واقعٌ يمثّل بشكلٍ رئيسٍ تجربة الرجال البيض المثليين ذوي الهوية الجندرية النمطية في الولايات المتحدة (Puar, 2013, 337). لكن الدولة القومية الغربية لا ترى في إطار العمل هذا إطارًا ضيق الأفق، إذ تسعى إلى فرض هذه النظرة المحدودة إلى المثلية على دول عالم الجنوب: “تقترح الوزيرة كلينتون أن الكويريين/ات في كل مكان، سواء كانوا بيض البشرة أو سود البشرة، ذكورًا أو إناثًا أو متحولين/ات جندريًا، جنودًا أو مدنيين/ات، أثرياء أو فقراء، فلسطينيين/ات أو إسرائيليين/ات، يمكن فهمهم/ن ومساءلتهم/ن عبر إطار العمل الحقوقي ذاته” (337). بالتالي، القومية المثلية ليست غاية سياسات الهوية الليبرالية الغربية، بل هي أحد أوجه إعادة صياغة الدول لتطابق الأجندة النيوليبرالية التي تتحكم بتلك الدول، كما أنها أداة استيعابٍ إضافية لمراقبة وضبط المواطنين/ات من خلال سياسات الجنسانية.

وفقًا لـ”مسعد،” تشكّل المثلية العالمية8 (Gay International) إحدى وسائل الإستيعاب، إذ تعتمد على أجهزة الدولة ذاتها التي تنفّذ أجندات الإمبريالية الأميركية في الخارج، ما يدفع بنا إلى مساءلة القضية في حد ذاتها: “وزارة الخارجية الأميركية، والكونغرس الأميركي، ومنظمات حقوق الإنسان التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها والإعلام الأميركي” (Massad 375). ولمزيدٍ من الإيضاح، إن هذا الشكل من القومية المثلية التي تروّج لها المثلية العالمية يُنفّذ إذًا عبر أجهزة الدولة كتجسيدٍ آخر للإمبريالية والهيمنة. إن أحد الأهداف الرئيسة للمثلية العالمية هو “العالم الإسلامي” الذي يراه “مسعد” كضحيةٍ دائمةٍ للإمبريالية (362). وتُنجز هذه المهمة من خلال جعل القضية الإمبريالية تبدو شرعيةً – هكذا، تُنتج ضمن المؤسسات السائدة الأعمالُ الأدبية عن المثليين/ات في “العالم الإسلامي:”

لقد أنتج مناصرو/ات المهمات الإرسالية للمثلية العالمية نوعَين من الأدب عن العالم الإسلامي: أدبٌ أكاديمي عن السرديات التاريخية والأدبية والأنثروبولوجية مكتوبة بمعظمها بأقلام باحثين من الذكور المثليين البيض الأوروبيين أو الأميركيين، وهي تزعم وصف وشرح “المثلية” في ماضي وحاضر العالمَين العربي والإسلامي؛ وسردياتٌ صحافيةٌ عن حيوات من يُسمّوا مثليين (وعلى نحوٍ أقلّ بكثيرٍ) مثلياتٍ في العالمَين العربي والإسلامي المعاصرَين. (362)

ومع الإقرار بمحدودية حجّة “مسعد” التي تستقطب الغرب والشرق وتُعيد إنتاج “العالم الإسلامي” كضحيةٍ أبديةٍ للإمبريالية، من غير الممكن إنكار حقيقة أن القومية المثلية تساند مزاعم المثلية العالمية بشأن العالم الإسلامي، بغرض كسب الشرعية المؤسّسية. وعندما يتعلّق الأمر بهذا النوع من الأعمال البحثية، يغدو المثلي/ة العربي/ة والمسلم/ة موضوع دراسةٍ، لا شخصًا ذا/ت قصةٍ وتاريخٍ شخصيٍ مفصّل (367). وتمامًا كما في تدخلات النسوية الغربية الهادفة إلى “إنقاذ” نساء العالم الثالث من محنة العالم الثالث،9 تشكّل القومية المثلية جزءًا لا يتجزأ من المجمع العسكري – الصناعي المعاصر. على هذا النحو، تشبه القومية المثلية ما تسمّيه “ليلى أحمد” “النسوية الإستعمارية،” أو النسوية التي تحاول تبرير الغزو والإحتلال عن طريق توظيف خطابات تحرير النساء (151). وفي الوقت الذي تنشر فيه القومية المثلية خطاب حقوق المثليين/ات ضيق الأفق متجاهلةً الخصوصية التاريخية والثقافية للشرق الأوسط، فإنها تقوم أيضًا بمراقبة وضبط الأجساد الكويرية ذات البشرة الملوّنة في “الوطن” (أي الولايات المتحدة في هذه الحال)، مرغمةً إياها على الامتثال لنموذجٍ جامدٍ من حقوق المثليين/ات، يتّسم بالهمينة البيضاء وبالمعيارية المثلية (Mikdashi, 2011). أما عن استخدام الولايات المتحدة الأجساد العربية الكويرية كمبرّرٍ لغزو العراق وأفغانستان، تكتب “مايا مكداشي:” “هل سيقوم الجيش الأميركي، على سبيل المثال، بـ”تطبيق” حقوق المثليين/ات العراقيين/ات أو الأفغان/يات؟ هل ستفرض الولايات المتحدة عقوباتٍ على الحكومات غير الصديقة للمثليين/ات؟” (2011(. إن “الشمولية” المخادعة واستثمار الدول الإمبريالية في حقوق المثليين/ات، يشكّلان إذًا تبريرًا لضرورة الإحتلال، وهو خطابٌ لا يأخذ بالحسبان التجسيدات المختلفة للجنسانية على الرغم من ادّعائه عكس ذلك.

ويبدو عدم استقرار الهويات المثلية في العالم العربي/ الإسلامي مستعصيًا على فهم الباحثين/ات والنقاد، إذ يُنظر إلى عدم تبنّي بعض المسلمين/ات والعرب أي هويةٍ “مثلية” كشذوذٍ في عالمٍ طُبّعَت فيه فئات الهوية الجنسية وباتت تُطبّق في المجتمع. كما “فوكو،” تقول “سيدويك” أن “كلمة ’مثلي/ة‘ دخلت الخطاب الأوروبي – الأميركي في نهاية القرن التاسع عشر” (2)، كما أن تبنّي الهوية المثلية في السياق الأوروبي – الأميركي، يحمل في طياته دومًا معنى “الإعتراف” بحسب مفهوم “فوكو:” “ليس هناك من قسمةٍ ثنائيةٍ بين ما يقوله المرء وما لا تقوله، وعلينا أن نحاول تحديد الطرق المختلفة لعدم قول هذه الأمور ]…[ ليس هناك من صمتٍ واحدٍ بل هناك كثرة، وهي كلها جزءٌ متمّمٌ للاستراتيجيات التي تؤسّس للخطابات وتتخلّلها” (Foucault, 27). عندما لا يُؤدّى “فعل الكلام،” يُنظر إلى الشخص “المثلي/ة” على أنه/ا ما زال/ت يقبع في الخزانة10 (Sedgwick, 3). هذه هي “الفرضية القمعية” التي يتحدث عنها “فوكو،” ومفادها أن غياب مناقشة الجنسانية، المثلية هنا، يؤشّر بطريقةٍ ما إلى سياقٍ قمعيٍ أوسع تمارسه أجهزة الدولة (Puar, 2005, 23). بهذا المعنى، الأفعال القابلة للقراءة بالنسبة إلى الدولة والممتثلة إلى الخيال العالمي للمثلية العالمية، تؤدّي دورًا إضافيًا في إسكات التجسيدات غير المعيارية للجنسانية.

ويقدّم مثال إسرائيل/ فلسطين تفسيرًا عمليًا للقومية المثلية، ولاسيما الخطاب المرتبط بالغسيل الوردي وتقاطعاته مع خطاب المثلية العالمية المُعولَم. “أهلي غاضبون أكثر لانتقالي إلى مدينةٍ أخرى منه لكوني مثلية. هناك الكثيرون/ات ممن تربطهم/ن بأسرهم/ن أواصر وثيقة تجعلهم/ن غير مستعدين/ات لكسرها بإعلان ميولهم/ن بالمعنى الغربي ]…[ الإعلان ليس شرطًا مسبقًا لبناء حركةٍ حيويّة، لقد أثبتنا إمكانية بناء مجتمعٍ من دون الحاجة إلى أن “يعلن” الجميع عن أنفسهم/ن على مختلف الصّعد،” تؤكّد “حنين معيكي،” إحدى مؤسّسات “القوس” – مجموعةٌ للناشطين/ات الفلسطينيين/ات المثليين/ات ومزدوجي/ات الميول الجنسية والمتحولين/ات جندريًا والكويريين/ات وحلفائهم/ن – في مقابلةٍ مع “إنترناشونال فيوبوينت” (De Jong, 2011). وفي سياق الدول الإستعمارية الإستيطانية، تغدو الشمولية على أساس الجنسانية أداةً إضافيةً في يد المستعمِرين/ات للإمعان في إقصاء السكان الأصليين/ات، وحفظ العمود الفقري لأجهزة الدولة سالمًا من أي تحدٍ.

 

إسرائيل/ فلسطين والعواطف الكويرية

في فلسطين، الغسيل الوردي هو جزءٌ من النكبة المستمرة، فكلا الصهيونية والغسيل الوردي يعتمدان على مفهوم التدمير المسبَق والإنكار المستمر لفلسطين وللإنتماء الفلسطيني. (Schotten and Maikey, 2012)

ترمز الحياة المثلية الإسرائيلية إلى التبنّي العالمي للحقوق المثلية الغربية في إسرائيل، لاسيما إذ يُنظر إلى إسرائيل على أنها بلدٌ “غربي” (Schulman, 2011). لقد أدّى خطاب الغسيل الوردي إلى تشكيل الإسلام والتطرف الإسلامي كتهديدٍ رئيسٍ للكويرية اليوم (Gentile and Kinsman, 135). هكذا، يُنظر إلى “التخلّف الجنسي” الإسلامي في العالم العربي، ولاسيما في الضفة الغربية وغزة، كتهديدٍ لإسرائيل وللمثلية الإسرائيلية – وهما كيانان يُقرءان ككيانَين أبيضَين غربيّين (135). وبدأت حملة الغسيل الوردي الإسرائيلية في العام 2005 بمساعدة خبراء التسويق الأميركيين، حين أطلقت الحكومة الإسرائيلية حملة 11“Brand Israel” كردٍ على تنامي حركة التضامن العالمية مع فلسطين. وركّزت هذه الحملة على الترويج لتل أبيب كمكانٍ سياحي صديقٍ للمثليين/ات (143)، بهدف وسم إسرائيل كدولةٍ مؤثرةٍ وحديثةٍ، في محاولةٍ لإبعاد الأنظار عن احتلالها للأراضي الفلسطينية. وكان جزءٌ من هذه الحملة توظيف المثلية الإسرائيلية “المعلَنة” كدليلٍ على انتماء إسرائيل إلى الغرب، وتضادها مع “تخلّف” جيرانها من الدول العربية.

ويُنتج خطاب الغسيل الوردي هذا خطابًا إسرائيليًا يركز على الحاجة إلى إنقاذ المثليين/ات الفلسطينيين/ات – لكن هذه السردية الإنقاذية تظلّ انتقائية. وتكتب “مايا مكداشي:” “ككويري/ة، لديك الحق في أن تحب/ي وتمارس/ي الجنس مع من تشاء/ين بأمانٍ ومن دون تمييزٍ، لكن كفلسطيني/ة ليس لك الحقّ في ألا تكون/ي خاضع/ةً للإحتلال، أو حر/ةً من القمع على أساس معتقداتك ونشاطاتك وانتماءاتك السياسية” (2011). وتلقي هذه السردية الإنقاذية بالمسؤولية على عاتق إسرائيل والغرب كمنقذين للكويريين/ات الفلسطينيين/ات، مشكّلةً بذلك خطرًا كبيرًا لكونها تُشرعِن الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، من خلال تصوير إسرائيل ككيانٍ ضروري لضمان حياة مجموعةٍ منتقاةٍ من الفلسطينيين/ات ممّن يُفترض أنهم/ن يحتاجونها كي يكونوا أنفسهم/ن. وتجدر الإشارة إلى أن الضفة الغربية التي كانت تخضع للحكم الإداري الأردني كانت ألغت قانون مناهضة اللواط البريطاني منذ العام 1956 (Schulman, 2011). ويمكن هنا الربط بين السردية آنفة الذكر والسردية الأميركية لغزو أفغانستان: إذ كان يُنظر إلى الولايات المتحدة الأميركية كطرفٍ ضروري لإنقاذ مجموعةٍ معينةٍ من الشعب الأفغاني، وتحديدًا النساء، ما شرعَن الغزو الأميركي لأفغانستان.

ولا يمكن فصل الغسيل الوردي عن السياق الرأسمالي النيوليبرالي للعالم الغربي، إذ أنه يُنتج ما تسمّيه “بوار” “مجمع حقوق الإنسان الصناعي.” وعندما يتعلّق الأمر بالحقوق الكويرية، ما زال مجمع حقوق الإنسان الصناعي هذا يصوغ خطابًا ذا ركيزةٍ أوروبية – أميركية ويحاول فرض فهمه الخاص للـ”حقوق” على العالم برمّته. وتشير “بوار” إلى وقوف إسرائيل في واجهة خطاب القومية المثلية: “إن تاريخ القومية المثلية الإسرائيلي، أو صعود حقوق المثليين/ات ومزدوجي/ات الميول الجنسية والمتحولين/ات جندريًا في إسرائيل، يوازي على نحوٍ متلازمٍ العزل المتنامي للشعب الفلسطيني، لاسيما في فترة ما بعد أوسلو” (2013, 338). وعلينا هنا الإشارة إلى ازدواجية المعايير: فالإحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية يؤثّر أيضًا في معيشة الكويريين/ات الفلسطينيين/ات – وهي فئةٌ يُفترض بإسرائيل السّعي لحمايتها، كما أن انتشار ممارسة تعذيب الأجساد الفلسطينية، سواء كانت كويريةً جنسيًا أم لا، يفضح النفاق الإسرائيلي بوضوح.

التعذيب “هو جزءٌ متمّمٌ للخطاب الإرسالي/ الإنقاذي للتحرير والنهوض الحضاري، وهو يمثّل العقاب المناسب للإرهابيين وللأجساد التي تماثلهم” (Puar, 2005, 15). وعلى عكس ادّعاءات المسؤولين الرسميين الأميركيين أن التعذيب في سجن “أبو غريب” في العراق كان حادثةً معزولةً “لا تعكس طبيعة الشعب الأميركي،” فإن التعذيب صُمّم خصّيصى لاستهداف “نقاط الضعف” المفترضة لدى المجتمع العربي/ الإسلامي (14-15). بالطبع، يؤكد “سيمور هيرش” أن الجيش الأميركي استخدم نصوصًا أنثروبولوجيةً عن الشرق الأوسط لابتكار تكتيكات تعذيبٍ فعالةٍ (مقتبس في Puar, 2005, 16)، كان أحدها كتاب العقل العربي لـ”رافايل باتاي،” وهو كتابٌ جُرد منذ وقتٍ طويلٍ من أي مصداقية. ويقول “باتاي” في كتابه إن “النشاط المثلي، أو أي إشارةٍ إلى ميولٍ مثليةٍ، ككلّ التعابير الأخرى عن الجنسانية، لا يُعلَن عنها أبدًا. إنها مسائل خاصةٌ وتبقى في المجال الخاص” (مقتبس في Puar, 2005, 16). هكذا، استخدم الجيش الأميركي الممارسات المثلية كتكتيك تعذيبٍ ضد سجناء “أبو غريب،” كما كان الهدف من صور التعذيب إرغام السجناء على العمل كمخبرين لدى الجيش الأميركي خوفًا من الخزي والعار لارتكابهم أفعالًا “مثلية:” “كان يُعتقد أن الخوف من الفضيحة سيدفع بهم إلى جمع المعلومات عن أنشطة التمرّد قيد التخطيط، قال المستشار. لكن إن صحّ ذلك، فالتكتيك لم يكن فعالًا، إذ استمرّ التمرد بالنمو” (16).

وتستخدم “قوات الدفاع الإسرائيلي” التكتيكات ذاتها ضد المثليين/ات الفلسطينيين/ات بغرض إرغامهم/ن على التعامل معها: “إن كنت مثليًا/ةً وتعرف/ين شخصًا يعرف بدوره/ا شخصًا مطلوبًا – ونحتاج نحن إلى معرفة ذلك – فسوف تحوّل إسرائيل حياتك إلى جحيم” (Weiss, 2014). إذًا، تدعم إسرائيل أنواعًا حصريةً من الكويرية، بينما تستخدم أنواعًا أخرى منها كأدواتٍ ضدّ الأجساد المطبوعة بهذه الكويرية، ما يجعل حضور إسرائيل مضرًا بالكويريين/ات الفلسطينيين/ات، على عكس الدور التحريري الذي تدّعيه الدولة لنفسها. ولمزيد من الإيضاح، يكتب “سامي شمالي:” “لم يُشيّد جدار الفصل العنصري بغرض إبقاء كارهي/ات المثلية من الفلسطينيين/ات خارج إسرائيل المثلية، كما ليس هناك من بابٍ سحريٍ يمرّ عبره المثليون/ات الفلسطينيون/ات” (Wolf, 2011).ويتجاوز وهم الشمولية حدود الإستيعاب، إذ يؤدّي إلى مراقبة وضبط أي تعبيرٍ كويريٍ لا يتواطأ مع الإحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري، ما يعيق أي تمرّدٍ فلسطيني ممكن.

إن القومية المثلية، والغسيل الوردي على نحوٍ أوسع، لا يؤديان إلى أي ازديادٍ في قبول الكويريين/ات ذوي/ات البشرة الملوّنة في المساحات التي يغلب عليها الطابع الأوروبي – الأميركي الأبيض والمثلي ذي الهوية الجندرية النمطية. ويشكّل الكويريون/ات ذوو/ات البشرة الملوّنة أهدافًا للإحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وفي غزة المحاصرة، وبالتالي، للعنصرية الممنهجة الناتجة عن العسكرة الإسرائيلية المطبوعة بالأبوية الغيرية (Gentile and Kinsman, 137). وينتهي المطاف بالمثليين/ات الإسرائيليين/ات الملتحقين/ات بالجيش الإسرائيلي إلى استهداف الكويريين/ات الفلسطينيين/ات الذين واللواتي “يُخضعون لجدار الفصل العنصري، وللمستعمَرات غير الشرعية، وللحواجز، ولحصار غزة، ولإنكار حق عودة اللاجئين/ات، ولممارسات التمييز الممنهجة حتى ضد أولئك ممّن يحملون الجنسية الإسرائيلية” (143). يبدو واضحًا إذًا أن قوس القزح لا يشمل الجميع، على الرغم من محاولات إسرائيل تقديم صورةٍ شموليةٍ عن نفسها.

ومن المهم فهم أن الكويرية الفلسطينية والعربية ليست موحّدةً، بل تضمّ مجموعةً متنوّعةً من المجتمعات الكويرية الموزّعة على امتداد العالم العربي. وتتشكّل هذه المجتمعات، وبالتالي فهمها للكويرية، بحسب ظروفها المحلية الخاصة. وتحضر الطائفة والطبقة والاختلافات العرقية بقوةٍ في الشرق الأوسط، بحيث تتيح كل بيئةٍ قواعدها وإمكانياتها الخاصة لأفرادها الكويريين/ات. بالإضافة إلى ذلك، علينا إدراك أن ليس كل من يؤدّي/ تؤدّي الكويرية في العالم العربي يعرّف/ تعرّف عن نفسه/ا ككويري/ة، ما يطرح تحدّياتٍ إضافية: من يتكلّم باسم الكويرية العربية، أو من يقف في واجهة “الصراع” الكويري العربي؟ أكثر من ذلك، تسمح لنا محدوديات تحليل “مسعد” بتحدّي مفهوم وجود جنسانيةٍ عربيةٍ متأصلةٍ يعتدي عليها الغرب. وتكتب “دينا جيورجس:” “بدلًا من اعتماد مقاربةٍ غائيةٍ للجنسانية، أقترح أن نتفكّر في كيف يمكن لمنهجيةٍ ترتكز على عاطفة الألم، أن تعلّمنا لحظ وتناول عواطف الجنسانيات التي تحيا في فائضٍ من الأسماء والهويات القومية” (118). بهذه الطريقة، يمكننا أن نبدأ بإعادة صياغة الكويرية بعيدًا عن إسقاطات التسميات الهوياتية، والتركيز بدلًا من ذلك على الفراغ الذي يحدث عندما تخذلنا اللغة، ومن ضمنها اللغة الكويرية. ويمكننا ملء هذا الفراغ بما تسمّيه “جيورجس” “العاطفة الكويرية،” أو ما يكمن في فائض اللغة، من أجل أن نغدو أكثر شموليةً للجنسانيات والأجساد الكويرية التي لا تتسع لها سردياتُ الطبقة الوسطى المرتكزة على الإعلان والتمكين الكويري.

 

الخاتمة

تُنتج المجتمعات الإستعمارية الإستيطانية مفاهيم جديدة للجنسانيات المُجندرة المتسمة بالمعيارية على أساس الغيرية الجنسية، والتي تُفرض على الشعوب الأصلية حيث تؤسّس المستعمَرات الإستيطانية. وتنتشر هذه الأيديولوجيات من خلال معاقبة وضبط الجنسانيات الأصلية التي ينظر إليها المستعمِرون/ات كجنسانياتٍ منحرفة. وتُقصى هذه الجنسانية إلى المجال الخاص، إذ تخضع الممارسات الجنسية اللا-غيرية (وحتى غير الممتثلة للمعيارية الغيرية في العالم المعاصر) للتجريم والتنظيم عبر نظامٍ من السلطة الحيوية تفرضه الدولة. وفي القرن العشرين، تغيّرت هذه الجنسانية الإستعمارية الإستيطانية لتشمل الجنسانيات المثلية التي غدت أكثر حضورًا في المجال السائد، لكن على نحوٍ انتقائي حصرًا. هكذا، باتت الأجساد المثلية البيضاء ذات الهوية الجندرية النمطية والخاضعة لمُثُل المعيارية الغيرية وحدها مقبولةً في المجال السائد، بينما أُقصيَ الكويريون/ات ذوو/ات البشرة الملوّنة ومطالبهم/ن إلى الهامش، كما أُقصيَت النساء عن هذا الخطاب إلى حدٍ كبيرٍ. وفي سياق جنوب إفريقيا، تجسّد هذا الخطاب بجنسانيةٍ مهيمنةٍ يغلب عليها الطابع الأبيض ذو الهوية الجندرية النمطية، عمدت إلى إقصاء الكويريين/ات السود/اوات عن مساحاتها في ظل الفصل العنصري. أما في إسرائيل/ فلسطين، فتجسّد هذا الخطاب في اعتماد الرجال المثليين من اليهود الأوروبيين ذوي المظهر الرجولي كمثالٍ يُفترض بالكويريين/ات الفلسطينيين/ات والإسرائيليين/ات الإحتذاء به. وتستخدم إسرائيل صورة الرجل المثلي الإسرائيلي لتسويق نفسها كدولةٍ تقدّميةٍ في وجه الأنظمة العربية “المتخلّفة” و”العنيفة” المحيطة بها، وهو خطابٌ يُقصي العرب ويشيطنهم/ن، كما يمحو التجارب الكويرية العربية. بهذه الطريقة، تفشل سياسات الجنسانية الإستعمارية الإستيطانية الإقصائية ذات البعدَين في احتساب تقاطعات العرق والطبقة، فوفقًا لتعبير “فهد علي” (2014): “أنا عربي، أنا فلسطيني، أنا مثلي، وملاذي المثلي ليس مسيرة فخرٍ لمّاعةٍ في تل أبيب، بل هو فلسطين حرّة.”

 

 الحواشي:

 

  • 1. أقصد بـ”الغربيين/ات” الأفراد ذوي/ات الامتيازات، وغالبيتهم/ن من الأميركيين/ات – الأوروبيين/ات ذوي/ات البشرة البيضاء والهوية الجندرية النمطية، والمتماهين/ات مع المعيارية على أساس الغيرية الجنسية.
  • 2. إذا اتخذنا من الولايات المتحدة الأميركية مثالًا، فإن الديموقراطيين والجمهوريين يستخدمون مقياس الحداثة هذا لتبرير التدخل في البلدان الأخرى، ويموضعون أنفسهم/ن في تضادٍ مع ما يُفترض أنها مجتمعاتٌ إستبداديةٌ ذات غالبيةٍ مسلمة.
  • 3. راجع/ي:
    Omar Jabary Salamanca, Mezna Qato, Kareem Rabie & Sobhi Samour. “Past is Present: Settler Colonialism in Palestine,” Settler Colonial Studies, 2:1 (2013), 1-8;
    Shira N. Robinson. Citizen Strangers: Palestinians and the Birth of Israel’s Liberal Settler State. Stanford, CA: Stanford University Press, 2013.
  • 4. ملاحظة المترجمة: مواطنو/ات جنوب إفريقيا ذوي/ات الأصول الأوروبية البيضاء (Afrikaan).
  • 5. اليهودية مفتولة العضلات (Muskeljuden).
  • 6. بحسب “سارة شولمان،” يعني الغسيل الوردي قيام إسرائيل بإخفاء انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها ضد الفلسطينيين/ات من خلال تسويق نفسها كدولةٍ تقدميةٍ ومنفتحةٍ مقارنةً بالمجتمع الفلسطيني الذي يُصوّر كمجتمعٍ متخلّفٍ وقامعٍ للمثليين/ات من أفراده (2001).
  • 7. “القومية المثلية” هو مصطلحٌ سكّته “جاسبير بوار” للإشارة إلى الطريقة التي من خلالها تعمد الخطابات الغربية الليبرالية المثلية إلى إنتاج سرديات التقدّم والحداثة التي تستمرّ في منح بعض المثليين/ات حق الوصول إلى المواطنة – الثقافية والقانونية – على حساب عزل واستبعاد فئاتٍ أخرى (2013، 337).
  • 8. يعرّف “مسعد” “المثلية العالمية” كخطابٍ يجد جذوره في هويةٍ مثليةٍ جوهريةٍ واحدةٍ تتّسم بالكونية، من دون لحظ الفروق الدقيقة التي تبرز على امتداد الزمان والمكان (363).
  • 9. راجع/ي:
    Lila Abu-Lughod. “Do Muslim Women Really Need Saving? Anthropological Reflections on Cultural Relativism and Its Others.” American Anthropologist Vol. 104, No. 3. 2002.
  • 10. ملاحظة المترجمة: تعبيرٌ يُستخدَم للإشارة إلى أن الشخص المثلي/ة غير مُعلَن/ة الهوية أو الميول (closeted).
  • 11. ملاحظة المترجمة: هي حملةٌ أطلقتها الحكومة الإسرائيلية بهدف تلميع صورة إسرائيل عالميًا والترويج لها كبلدٍ ليبرالي ردًا على انتشار حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل.
ملحوظات: 
المراجع: 

Ahmed, Leila. “Social and Intellectual Change.” Women and Gender in Islam. New Haven: Yale University Press, 1992.

Ali, Fahad. “I am Palestinian, I am Gay.” Honi Soit. 2014.

Barnard, Ian. Queer Race: Cultural Interventions in the Racial Politics of Queer Theory. New York: Peter Lang, 2004.

Boyarin, Daniel, Daniel Itzkovitz, and Ann Pellegrini. Queer Theory and the Jewish Question. New York: Columbia University Press, 2003.

Cruz, Arnaldo, and Martin F. Manalansan. Queer Globalizations: Citizenship and the Afterlife of Colonialism. New York: New York University Press, 2002.

Currier, Ashley. Out in Africa: LGBT Organizing in Namibia and South Africa. Minneapolis: University of Minnesota Press, 2012.

De Jong, Alex. “Resisting homophobia and occupation.” International Viewpoint. July 13, 2011.

Donham, Donald L. “Freeing South Africa: The ‘Modernization’ of Male-Male Sexuality in Soweto.” Same-Sex Cultures and Sexualities, 9.

Dryden, OmiSoore H., Suzanne Lenon, and Julian Awwad. Disrupting Queer Inclusion: Canadian Homonationalisms and the Politics of Belonging. Vancouver: UBC Press, 2015.

Foucault, Michel. The History of Sexuality Vol. 1. New York: Pantheon, 1978. E-book.

Gentile, Patrizia, and Gary Kinsman. “National Security and Homonationalism: The QuAIA Wars and the Making of the Neoliberal Queer.” Disrupting Queer Inclusion: Canadian Homonationalisms and the Politics of Belonging. Vancouver: UBC Press, 2015.

Georgis, Dina. The Better Story: Queer Affects from the Middle East. Albany: SUNY Press, 2013.

Leap, William L. “‘Strangers on a Train:’ Sexual Citizenship and the Politics of Public Transportation in Apartheid Cape Town.” Queer Globalizations: Citizenship and the Afterlife of Colonialism. Eds. Arnaldo Cruz, and Martin F. Manalansan. New York: New York University Press, 2002.

Massad, Joseph. “Re-Orienting Desire: The Gay International and the Arab World.” Public Culture Vol. 14 No. 2. 2002.

Mikdashi, Maya. “Gay Rights as Human Rights: Pinkwashing Homonationalism.” Jadaliyya. December 16, 2011.

Morgensen, Scott Lauria. Spaces between Us: Queer Settler Colonialism and Indigenous Decolonization. Minneapolis: University of Minnesota Press, 2011.

—. “The Biopolitics of Settler Colonialism: Right Here, Right Now.” Settler Colonial Studies 1, no. 1 (01 2011): 52-76. doi:10.1080/2201473x.2011.10648801.

Puar, Jasbir. “On Torture: Abu Ghraib.” Radical History Review, 93. 2005.

—. “Rethinking Homonationalism.” International Journal of Middle East Studies Int. J. Middle East Stud. 45, no. 2 (04 2013): 336-39. doi:10.1017/s002074381300007x.

Said, Edward. Orientalism. London: Penguin, 2003. Print.

Schotten, Heike and Haneen Maikey, “Queers Resisting Zionism: On Authority and Accountability Beyond Homonationalism,” Jadaliyya. October 10, 2012.

Schulman, Sarah. “Israel and ‘Pinkwashing’.” The New York Times. Nov 22, 2011.

Sedgwick, Eve Kosofsky. “Introduction.” The Epistemology of the Closet. Berkeley, C.A.: University of California Press, 1990. 1-66.

Solomon, Alisa. “Viva la Diva Citizenship: Post-Zionism and Gay Rights.” Queer Theory and the Jewish Question. Eds. Daniel Boyarin, Daniel Itzkovitz, and Ann Pellegrini. New York: Columbia University Press, 2003.

Voss, Barbara L., and Eleanor Conlin Casella. The Archaeology of Colonialism: Intimate Encounters and Sexual Effects. New York: Cambridge University Press, 2012.

Weiss, Philip. “Israel surveils and blackmails gay Palestinians to make them informants.” Mondoweiss, 2014.

Wolf, Sherry. “What’s so Gay about Apartheid?” Advocate, 2011.