تأدية دور العربية

السيرة: 

تانيا الخوري فنانة تعمل بين لندن وبيروت. هي تخلق تركيبات فنيّة وعروض تفاعلية يكون فيها الجمهور مشاركاً نشطاً. لقد جال عمل تانيا الفرديّ على الصعيد الدولي وتحصّلت عنه على جائزة المسرح الكلّي للابتكار وجائزة آرتشيس في بريطانيا. وهي تعمل حالياً على دكتوراه بين قسمي الدراما والجغرافيا في كلية رويال هولواي في جامعة لندن. تركز تانيا أبحاثها وكتاباتها على الفن الحيّ في زمن الانتفاضات. وهي مؤسسة مشاركة في مجموعة الدكتافون للبحث وفنّ الأداء التي تهدف إلى استرجاع المساحات العامة في لبنان.

‫ ‫الملخص: 

يستند هذا النص على محاضرة قدّمت في عام 2014 ضمن لقاء “فيم فرش” في جامعة الملكة ماري في لندن حيث دعيت كضيفة محاضرة عن الفن الحيّ والنسوية.

اقتباس: 
تانيا الخوري. "تأدية دور العربية". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 2 عدد 2 (2016): ص. 214-218. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 21 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/performing-the-arab.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (362.77 كيلوبايت)
ترجمة: 

مجازة من الجامعة الأمريكية ببيروت في العلوم السياسية، العدالة الانتقاليّة وحقوق الإنسان. عملت صحفيّة بمقال رأي أسبوعي في صحيفة تونسيّة يساريّة، صوت الشّعب، وفي Tunisia Live، أوّل صحيفة إالكترونيّة تونسيّة تقدّم باللّغة الانجليزية، مغطّية أحداث الثّورة والمرحلة الانتقاليّة. في 2014 نشرت روايتها الأولى، ذاكرة الرّصيف، التّي تحصّلت على جائزة الابداع العربي في الأدب لسنة 2015 عن مؤسّسة الفكر العربي. في لبنان، قامت بالتطوع مع جمعيّات للحقوق العمّال المنزليين الأجانب ما فوق الأربع سنوات. رؤى عملت كمستشارة تنمية سياسيّة ببيوند للإصلاح والتنمية. في بيوند، اشتغلت على تطوير الريادة الاجتماعيّة بالبلدان العربيّة، واشتركت في خلق دروس على الانترنيت عن المواطنة الفاعلة، وساهمت في كتابة مشروع قانون عن العنف المنزلي والاغتصاب الزّوجي. متحصّلة على منحة زمالة لسنتين في الصحة والحقوق الجنسية والتناسلية، وهي إحدى مؤسّسي نادي الجندر والجنسانيّة في الجامعة الأمريكيّة ببيروت.

خلال موجة الانتفاضات التي اجتاحت مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تمّ اعتقال الآلاف من الناشطين – والعديد من النساء بينهم وسجنهم/هنّ وتعذيبهم/هنّ في البحرين، مصر، سوريا، تونس، اليمن، وغيرها من البلدان.

وكانت النساء في مصر موجودات بأعداد كبيرة في التظاهرات العامة للثورة المصرية عام 2011. وأكّدن وجودهنّ على الرغم من التعنيف والاغتصاب الجماعي، واختبارات العذرية التّي أدارها الجيش. في مشهد معيّن، سحل الجنود امرأة على الأرض، وكشفوا عن حمالة الصدر الزرقاء التي كانت ترتديها قبل أن يقوموا في الدّعس على صدرها. بعد ذلك الفعل من القمع المسرحي، استخدم العديد من النشطاء حمالة الصدر الزرقاء كرمز نسوي لمقاومة كلّ من الاستبداد والنظام الأبوي. وبدت الصورة مرسومة كغرافيتي على جدران مختلف المدن العربي.

كانت النساء تقدن الاحتجاجات في البحرين. هناك، قام النظام بإيقاف وباعتقال أزواجهن أملا في إسكات وكبح جماح الزوجات اللّواتي كنّ في طليعة الحركة. واعتقلت إحدى صديقاتنا، نزيهة سعيد، وتعرّضت للتعذيب. في نقطة معيّنة من هذه المحنة، حشرت السلطات حذاءها أسفل حلقها في محاولة حرفيّة لإسكاتها ومعاقبة صراحتها. لكنَ صوتها أصبح أعلى من ذلك بكثير بعد تلك الحادثة.

في خضم قصص المقاومة النسوية والثورة ظهرت “فيمن،” مجموعة من الناشطات البيض العاريات اللّواتي قرّرن شنّ الحرب لإنقاذ النساء السمراوات من الرجال السمر. فيمن تقترض الكثير من جماليات فن الأداء. في الواقع، قدّ يعتبرها البعض فرقة آفنيّة للآداء الحيّ، نظراً لكونهنّ تستخدمن العري، طلاء الجسم، الحركة المسرحية، والدعائم الرمزية، وأصواتهنّ بهدف صدمة الجمهور وإجبار من حولهنّ على النقاش السياسي. في الآونة الأخيرة، كشفت مخرجة شابة تدعى كيتي غرين 1 قامت بتوثيق المجموعة أنّ ناشطات “فيمن” في الواقع يرأسهنّ من وصفته بأنه “رجل مؤذ.” قالت أنّ من يدعى فيكتور سياتسكي يدير العرض ويلعب دور المخرج المسرحيّ، من خلال تصميم تصرفات النّساء وانتقاء النساء الأكثر جاذبية للمشهد. على ما يبدو أنه يعتقد أنّ وجود الصدور العارية “الجميلة” (وفقا لمعايير النمطيّة الغيرية الأبويّة) من شأنه أن يجعل الشعار السياسي الذّي كتب تحتها أكثر عرضة للانتقاء من قبل وسائل الإعلام الرئيسية.

يبدو أن المجموعة التي تريد انقاذ النساء السمراوات تحتاج للأسف لإنقاذ نفسها. كما جادلت المفكرة ليلى أبو لغد، إن التركيز على “إنقاذ” النساء المسلمات يحوم حول حفظ الغربيين من مواجهة مشاركتهم في خلق الوضع الذي تعيش فيه هؤلاء النساء “الأخريات،” فضلاً عن تقييم حالة العنف والقمع التي تعيشها المرأة في الغرب، من خلال خلق “القطبيّة التي تضع النسوية فقط على جانب الغرب.” 2

ونتيجة لهذه الخريطة من المعارضة السياسية من جهة، والاستحواذ من جهة أخرى، قمت مؤخّراً بإعادة النظر في موقعيّتي بصفتي فنّانة عربيّة ونسويّة أجول في أماكن مختلفة في جميع أنحاء العالم. تذكرت استجابات مختلفة من الجماهير المشاركة في عروضي التفاعلية، فضلاً عن ردود فعل المارة والشرطة ووسائل الإعلام وزملائي. لم أستطع إلا أن ألاحظ كيف اختلفت وإلى أيّ حدّ كشفت سياساسات الجماهير نفسها.

في عام 2009، قمت بابتكار أداء يدعى “جريدة،” الذي يقام في المقاهي العامة ويدعو الجمهور إلى المشاركة من خلال التّعرف على الشخص الأكثر اشتباهاً في المقهى وفقاً للمعايير الواردة في تقرير شرطة لندن. وقد تم تعميم هذه الوثيقة على مديري الأعمال في قطاع الخدمات في وسط لندن في محاولة لتثقيفهم حول كيفية اكتشاف الإرهابيين. يدور العمل حول تسخيف فكرة القدرة على التعرف على الإرهابيين في الفضاء العام من خلال سرد قصص لمقاتلات لبنانيات اللّواتي بدين مثل نجوم الرّوك في الثمانينات، يخططن للعمليات العسكرية ويخبئن مسدّسات تحت تنانيرهنّ وقنابل في سياراتهنّ. غني عن القول، أنّ العديد من أفراد الجمهور اعتقد أنّ القصص عن هذه المقاتلات العلمانيّات والساحرات مجرّد خيال.

في عام 2011، قمت بخلق عرض فن حي تفاعلي يشاهده شخصاً واحداً فقط في كل عرض. سمّيته ربما إذا قمتَ بتصميم حركاتي، سوف تشعر بالارتياح. وكان العرض مفتوح لأفراد الجمهور من الذكور فقط. كانت الفكرة أن أعطي الرجل المشهد المثالي لامرأة تمر تحت شباكه في الشارع. يقوم الرجل، أي الجمهور، بمشاهدتي من نافذة في الطابق الثالث وتصميم تحرّكاتي في المدينة. يتحدّث إليّ من خلال سماعات لاسلكية ويعطيني تعليمات حول ما يجب عليّ القيام به في الشارع.

بعد اختيار الجمهور اسم وحركة معينة لي، كان يعطى له اختيار زيّ مستوحى من شخصيّتين واقعيّتين: المناضلة الفلسطينية ليلى خالد وملكة الأردن، رانيا. ثم نمزح عن حقيقة أنني غير قادرة على أن يكون مظهري أيّ شيء إلّا إكزوتيكيّا. في واقع الأمر، إن الاختيار بين هذين “النمطين” مفيد للغاية. انه ليس مجرد اختيار بين شعر مستعار وفستان قصير أو كوفيّة فلسطينية. انه ليس مجرد اختبار ما اذا كان جمهوري يميل أكثر نحو حركة التحرير الفلسطينية أو الأنظمة الاستبدادية المدعومة من الغرب في الشرق الأوسط. بل هو أيضاً حول ما يرونه دور المرأة في السياسة، مقاتلة أو أداة دعائية للمملكة.

وقال البعض أنّهم اختاروا الملكة رانيا لأنّ صورة ليلى خالد تخيفهم. عيناها شرستان، قد يقول البعض. ما زلت أتذكر قول أحدهم أنها تبدو كأنها تعرف ما تريد، وهو على ما يبدو شيء لم يشعره بالارتياح. من الملفت استخدام العديد من الرجال مصطلح “ضعيفة” عندما اختاروا صفات للمرأة التي كانوا يخلقونها: ضعيفة، رومانسية، حزينة، ومثيرة، وهلم جرّا.

عند ادراكهم أن الشخص الذّي أنشؤوه كان يفعل بالضبط ما كانوا يطلبونه منّي، صار الجمهور يسألني أن ألمس نفسي، ألكم الرصيف، أركض نحو الجدار، أقفز أمام سيارة متحركة، أتنهد، أبكي، أصرخ. وصلت إلى نقطة حيث كنت استأت من أداء هذا العمل. كانت دائما متعبة، صادمة في بعض الأحيان، ومعظم الوقت باعثة على الاكتئاب. ولكنه كان خيارا، تجربة، تعليقاً على عدد من الأشياء، وأنا لا أستطيع أن أقول إنني فوجئت حقيقة أن الرجال أساؤوا استخدام السلطة التي منحت لهم. ولكن حتى الرجال الذين ادعوا كونهم متضامنين وعبّروا عن أنفسهم كنسويّين أو كويريّين، كانوا بنفس الإساءة وقت العرض.

ولكن أبعد من الجمهور، كنت في كثير من الحالات، متضرّرة من ردود الأفعال على العمل من زميلاتي، من النسوييات، معظمهنّ قد سمعن عن فكرة العرض ولكن لم يمكنهنّ تجربته لأنه كان خاصّاً بالرجال فقط. وكانت هذه الردود على غرار: “فكرة عظيمة يا تانيا، أعتقد أنها عن البلاد التي أتيت منها، لأنّ الوضع مجنون قليلا هناك بالنسبة للنساء، أليس كذلك؟ هل يمكنك ارتداء ما تريدين هناك؟” في بعض الأحيان، كنّ يعقبن هذا النوع من التعليقات بكلام من قبيل: “أعرف ذلك لأنّني سافرت في عطلة إلى دولة عربية العام الماضي” كأنّ ال22 دولة عربيّة، مع خصائصها المتفاوتة من الديموغرافية والأعراق والأديان والثقافات والتّواريخ والأنظمة السياسية، لديها وسيلة واحدة موحدة لمعاملة النساء. شعرت أنني واجهت عبء تمثيل الملايين من النساء العربيات في تلك النصف ساعة من العرض الحي وفي أي محادثة أجريتها حوله.

مهما كانت معقدة الأفكار التي بإمكان فنّ الأداء معالجتها، فإنه في كثير من الأحيان ما تختزل إلى علاقة نمطية بسيطة تكون فيها المرأة السمراء الضحية. ولكن لا يوجد نقص في الوضوح والتعقيد في نقد الأعمال الفنّية الغربية. في هذا الصّدد، يناقش عمل السيرة الذاتية لتريسي إمين من حيث الشكل والمضمون، ولكن نادراً ما يعتبر تمثيليّاً لجميع النساء البيض. على سبيل المثال، لا يمكن لأحد رؤية عملها والتخلص إلى استنتاج أن كل النساء البريطانيات تعرضن للاغتصاب في طفولتهنّ. ومع ذلك، ودائماً يجب أتكون أعمالنا عن النّساء العربيات وجميع النساء العربيات.

اجبارالفنانين/ات الملونين/ات على تحمّل عبء التمثيل قد ينتهي بدفعهم/هنّ خارج إطار التحالفات النسوية العابرة للأقطار، حابسًا إيّانا في تعميم جارف ووجهة نظر استشراقيّة عن النساء العربيات. القيام بذلك يتجاهل صعود الخطاب النسوي الاستعماري واستخدام حقوق النّساء السمراوات لتبرير أشكال متعددة من العنف في بعض المجتمعات غير الغربية. هذا هو في الواقع حال مبررات الحرب في أفغانستان، وقمع الأقليات المهاجرة في أوروبا (كما في حالة قانون الحجاب في فرنسا)، أو لوضع قبّعة فاخرة ومثقفة وراديكاليّة على رهاب الاسلام (كما في تصرفات فيمن ومسرحية DV8 هل يمكننا أن نتحدث عن هذا؟ التي عرضت في المسرح الوطني في لندن).

في النظر بعيداً عن فن الأداء المؤسساتي، أنا مهتمة بالتعلّم من السياسة الأدائية النسوية التي لا تزال تحدث في الأماكن العامة في جميع أنحاء العالم، ونحن نرى كيف يمكن لهذه الأفعال، التي يقوم بها غير الفنانين/ات، أن تؤثر على عملنا كفنانين/ات نسويّين/ات. على سبيل المثال، حاول ركّاب الحرية في فلسطين ركوب الحافلات الإسرائيلية فقط، مستوحين من حركة ركّاب الحرية الأصلية في الولايات المتحدة المفصولة عنصريّاً. وهناك أيضا اعتصامات أدائية في الاحتجاجات السّوداء المناهضة للحرب والتدخلات المختلفة في المدن حول العالم.

العلماء/العالمات والناشطون/ات والفنانون/ات يشيرون إلى اللجوء “للنّسويّة المتعددة” أكثر فأكثر. وهي ليست ظاهرة وحدوية. نقلاً عن أنجيلا ديفيس، “نوع النسوية الذّي أعرّف به نفسي هو أسلوب للبحث ولكن أيضاً للنشاط السّياسي.” 3 هناك حاجة عاجلة ولا هوادة فيها إلى النشاط السياسي والمدني فيما نحن نتكلم هنا اليوم، والبعض منا لا يزالون/لن محتجزين/ات ويتعرضون/ضن للتعذيب بسبب أعمال من العروض النسوية الأدائية.

 

 

 

ملحوظات: