مشعوذاتٌ من أرض البلقان
"كلهنّ مشعوذات" مؤلف الميمات الأصلية التي تم إنشاؤها من خلال التدخل الإبداعي في الصور الحالية المأخوذة من منصات Pinterest وYouTube وTumblr. يمكن العثور على جميع الصور الأصلية على موقع Pinterest، حيث وجدها مؤلف العمل الإبداعي وأعاد أرشفتها للاستخدام غير التجاري. ومع ذلك، من أجل اعتماد العمل الأصلي بشكل عادل، تم استخراج اعتمادات الصور الأصلية، المستخدمة للإلهام والتدخل الإبداعي، إلى أقصى حد ممكن من خلال البحث عبر الإنترنت.
رياض الأيوبي دارس للاقتصاد وقارئ لحقول العمران والفلسفة واللغويات في تاريخ العرب، بادي البدء في ممارسته الترجمة لمّا عمل على نقل الأدبيات الشيوعيّة للعربية عبر صفحة «ما العمل؟» ومن ثمّ توسّع في هذا البحر من خلال تتبّع مخاض عمل شيوعيّي لبنان زمن الستينيات على نقل الإنتاج المعرفي من عالم الشمال إلى العالم العربي.
ماهيّة أن نكون نسويات في مستعمرةٍ مستقبَحة1 – في مكانٍ لا ترى فيه الطغمة السياسية الأوروبية مآلًا للغزو أو الاستيلاء، بل ساحة خطيرة مختلّة لا بدّ من الاستحكام بها. أتفحَّص هذا التساؤل من خلال حوارٍ مع عالمة الاجتماع والفنّانة الناشطة هانا سوراك من سراييفو البوسنة والهرسك، وهي مدوِّنة بصرية ومؤسّسة منبر "كلهنّ مشعوذات"2 المعنيّ بـ "تحديد وتقويض دعائم الخصائص الأبوية في نطاق اليومي".3 تعيش هانا الآن في برلين حيث تعمل كمستشارة إعلامية، إلى جانب عمليها في إنتاج مشاريع فنّية ومعارض ومقاطع "بودكاست" وحوارات مصوّرة مع كاتبات وأكاديميات ومخرجات نسويات. إضافة إلى كلّ ذلك نظّمت هانا نقاشات عامّة مع مفكّرات من منطقة يوغوسلافيا السابقة، يتناولن فيها الواقع السياسي للمنطقة ومحيطها العالمي.
لا تزال حروب التسعينيات تلقي بظلالها على الحياة السياسية واليومية في البوسنة والهرسك التي ما انفكّت منذ اتفاقية دايتون للسلام التي أنهت الحرب في عام 1995، تعمل على "تزييفٍ للديمقراطية"4 ولواقعها السيادي على حدّ وصف ديفيد تشاندلر. ترزح البلاد تحت وصاية المجتمع الدولي، وبالتحديد تحت سلطة مكتب الممثل السامي ورقابة مجلس تنفيذ السلام. في الوقت نفسه، تضمن القاعدة العرقية القومية للبنية المؤسسية تحت سُلطان دايتون، استمرار الديناميكيات نفسها التي أودت إلى الحرب من خلال السياسات الحزبية والانتخابات. عليه، فإن للبوسنة سيادة مع وقف التنفيذ، ليست مستعمرة ولا هي دولة مستقلّة. لم تعد البوسنة مكبّلة بنظام التأشيرات الذي كان يفرضه الاتحاد الأوروبي عليها، إلا أنها لا تتوجّه نحو أي شكل من أشكال الاندماج بالمنظومة الأوروبية. وبالمثل، بقية يوغوسلافيا السابقة والبلقان تعاني من ضغوطات سياسية جمّة، فبعض تلك الدول فقط تتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أما الأُخرى فلا. هكذا هو حال البلقان تاريخيًا: منطقة عرضة للنزاع والإهمال في آن معًا، بفعل القوى العظمى المحيطة بها. منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير عام 2022، اشتدّت الآثار المتباينة لسياسات التقرّب والإقصاء المُضطردة على أراضي البلقان. تعكس العلاقات بين الجنسين هذه السلاسل الهرمية الدولية وتعيد تشكيلها.
إن نسبة المساواة بين الجنسين في غرب البلقان عمومًا، والبوسنة والهرسك خصوصًا، هي الأدنى في أوروبا.5 أما بالنسبة لمشاركة النساء اليوغوسلافيات في النضالات الثورية المناهضة للفاشية زمن الحرب العالمية الثانية وإنجازاتهن الهامّة في ظلال الاشتراكية وجهودهن في حركة عدم الانحياز، بالإضافة إلى العنف الشديد الذي تعرضن له خلال حروب التسعينيات، كلّها وقائعَ طُويت في غياهب النسيان.6 تشجّع بُنى الدعم الخارجي المعقّدة التي ترسيها الرقابة الدولية، إصدار تشريعات وتدابير مختلفة تتعلّق بالمساواة بين الجنسين، دون أثر لأيٍّ منها في حيوات النساء اليومية. أما نشاط "المجتمع المدني"، وذلك المرتبط بالنوع الاجتماعي ضمنًا، كلّه عبارة عن جملة من الأعمال الممتهنة والأسيرة في جوهرها للمانحين الدوليين، وتبقى النساء الطرف الوحيد الذي يحمل عبئاً غير معترف به – هو عبء تربية الأطفال ورعاية المسنّين والعمل غير الرسمي والأعمال المنزلية. نتيجةً لذلك، فإن معدّلات المواليد آخذة في الانخفاض، وموجات النزوح الجماعي إلى الغرب تُفرغ الدولة وتدفعها نحو الشيخوخة، كما هو الحال في أجزاء أخرى من أوروبا الشرقية.7 تترسّخ ذكورةٌ ما في اتفاقية دايتون للسلام، التي تمّ التفاوض عليها بدون إشراكٍ لأي امرأة. نرى هذه "الذكورة" على شكل تقليصٍ حادّ للخدمات العامة ضمن بنيةٍ ليبرالية جديدة، ونخصّ بالذكر هنا خدمات التعليم والرعاية الصحية والثقافة والفنون.8
في هذا السياق، تُعتبَر المشاريع المتعلّقة بوسائل التواصل الاجتماعي والمساهمات الفنّية التي أنتجتها هانا "محاولاتٍ نادرة لتشجيع النساء على إعادة النظر إلى حيواتهن وفرض إرادتهن التقريرية عليها".9 تستلهم "مشعوذات" هانا هوياتهن من النسويات اليوغوسلافيات اللواتي اتُّهمن بالخيانة لمجاهرتهن بمعاداة النزعات القومية وحرب التسعينيات.10 تعرّضت الكثير من أولئك النساء إلى إعدامات خارج نطاق القانون، كما وُصِمنَ بلقب "المشعوذات". لا يقتصر أثر ميمات هانا على إنتاج السياسة النسوية بصفتها تموضع فكريّ محض، بل تدأب هانا على استغلال جميع منصّات الوسائط الاجتماعية المتاحة (على وجه الخصوص "فايسبوك" و"إنستاغرام" حيث عشرات الآلاف من متابعي "المشعوذات") لتدجين وتوطين الفكر النسوي، وتحدّي نخبويّته، محوّلة إيّاه أداةً للبقاء على قيد الحياة بشكل يومي. في هذا السياق، تتبنّى هانا المعالجات الفكاهية بهدف تقويض النظام الأبوي وتتضمّن معظم ميماتها شخصيات نسوية شهيرة أو "مشاهير" من النساء َضمن تبادلات تتطرق إلى مسألة الأبوية بصيغتها الشعبيّىة اليومية الفجّة. لهذا السبب فإن غالبية هذه المواد لا يستساغ ترجمتها، بما أن قوّتها تُستمَدّ من هذا التبنّي الخلّاق للغة المحكي اليومي كذاك في الخطاب العائد لسيمون دي بوفوار وفيرجينيا وولف وبيتي فرايدين، أو حتى ميشيل أوباما وميلاني ترامب. تصل الميمات إلى نساء لا يدّعين هويّة نسوية، وتخاطب سياقات سياسية واجتماعية مختلفة ومتباينة.
لهذا السبب، فإن الحوار مع هانا سوراك حول المشعوذات، يُعَدّ تحدّياً لإعادة التفكير في الماضي النسوي وفي معنى إرثه داخل المستعمرات المعاصرة غير المرغوب بها، مثل البوسنة التي تستمرّ في كونها معلّقة ما بين كونها من الأراضي السُفلية بالنسبة إلى النفوذ الدولي والتجاهل الكامل لإنسانية مَن فيها من بشر.
عايدة: هانا، هلّا وصفتِ للقرّاء العالم الذي تعيشين فيه؟ ما الذي يحدّد معالمه ومعانيه؟ ما هي العوامل التي تخطّ حدوده، ما الذي يمنحك حرّيتك وقدراتك على الحركة؟
هنا: كثيرة هي الحركة في حياتي إلا أنها في معظمها ذات طابع عابر أو غابر. تشتد "أنثوية" عالمي ونسويته، إذ لا متّسع فيه للمعرفة الذكورية المهيمنة، إلا أنني ولسوء الحظ أنزلق في تناسي هذا الواقع أحياناً.
يتكوّن عالمي من معالم لا من حدود – وُلدت خلال حصار سراييفو، وأنا مُحاطة بأقران ترعرعوا كلاجئين، و دُرّبوا منذ نعومة أظافرهم على النظر إلى الوطن باعتباره مجازًا بتراكيب كثيرة، وقد تعلّمت الكثير منهم. هنالك كتاب ممتاز بقلم ميليكا تراكيلوفيتش حول هذا الموضوع، اسمه "كشف الأسطورة": تتّبع حدود أوروبا من خلال معالمها – أكثر ما أثّر بي في سرديتها هو الكلام عن الكيفية التي لُقّنت بها دروساً عن حدود أوروبا ضمن صفّ الجغرافيا في هولندا في عام 1998: لم يعد ليوغوسلافيا أي أثر على الخارطة – كأنها لم تكن ذات يوم.
لا شكّ أنّ قدرتي على التنقّل تُعتَبر امتيازًا. إن البوسنة والهرسك مكانٌ منهوبٌ ومستعمَر، لدرجة أن مواطنيها يرون في الفرح والسرور والمعرفة ضربًا من ضروب الرفاه أو الامتياز الاجتماعي. بهذا المعنى، لطالما كنت محظيّةً طوال حياتي. كان هذا الامتياز عقبة في المجال الاجتماعي والثقافي للبوسنة، تهيمن عليه مدلولات عنفيّة وصدماتية. كان يراودني شعورٌ بالخجل والحرج من مجرد الإحساس بالفرح هناك على أرض الوطن. لكنني الآن أتقوّى بهذا الامتياز.
هذا العالم – بما هو عالمي، ليس بالضرورة أرض البوسنة والهرسك التي أثّرت معالمها في تشكيل ملامح عملي لا ريب، إلا أنني لا أشعر بالانتماء لها. في الوقت نفسه أُعلن بِفَمٍ ملآن أن لا أحد يَقوى على مزاحمتي في انتمائي لها، ويبقى وجوب السعي لاستحقاق الانتماء الى فضاءٍ هو من صلب جلدتك أمرٌ مثير للاشمئزاز. لهذا كلّه أنا نسوية، هكذا يُمسي في النسوية شيءٌ من المرح.
ليس سهلًا عليّ أن أفهم وضعيّتي الحالية، لكن إحساسي بالوهن يتضاءل كلّما التقيت بالمزيد من الناس الذين يحملون استيعابًا لهذه المواقع والعلاقات المركّبة التي سبق وبيّنتها. لكنني أدرك أن العالم مكانٌ لا بد لأشكال الأنوثة فيه أن تزداد قوّة – في كلّ مناحي الحياة. لن أقبل العودة لأي من المجازات الأبوية لأعرف القوّة. بل اعتناقنا الصارخ للقوّة الكائنة في أنوثتنا تحت نير واقعنا الأبوي من شأنه أن يقوّض التوقعات الرجعية والتصنيفات الهوياتية التي تروّض طبيعة العلاقات الذاتية داخل المجتمع.
عايدة: ما فحوى أن تكوني ناشطةً في الإعلام والفنون – داخل الفضاءات البينيّة التي تمارسين فيها حياتك اليوميّة – مَن الجمهور، الجماعة والمجتمع، المحرّك لفِعالِك؟
هانا: أستهلّ حديثي بالكلام عن صفحة الميمز التي أسّستها منذ سبعِ سِنين – وكانت عِندَئذ باديَ بدءٍ. في حين أنّ جمهوري متباين، وقاعدة المتابعات على وسائل التواصل الاجتماعي عندي تطغى فيها النِسوة من غير النسويات، تلتبس صبغة الموقف النسوي أعمالي المعروضة بالرغم من أنّي لم أدّعِ – أبدًا – انتسابي لهذا الموقع؛ ولا ينمّ هذا القول عن استيائي من الأمر، بل هو بيان أنّ استحداث الفرز ليس من عنديّاتي. الهزلي وما يضحكني في الأمر هو الحِسبان والظنّ بأنّي "النسوية (بأل التعريف) في البوسنة" – والحقّ أقول لك إنّ هذه إهانة لبقيّة النسويات. إذ لمّا كنت السبّاقة في صنع الميمز العاكسة لتجارب النساء داخل حدود يوغسلافيا الماضية، يسعدني أن تكون تِركَتي وإرثي هو نَسَق الميمز المميّز الذي صار طريقةً مُعتَمَدة للتفاعل والتواصل بين نسويّات يوغسلافيا السابقة؛ طالما عرفته واعترفت به النساء في ارتباطه بواقعهنّ المُعاش والمُتباين هنا عن غيره في أماكن أُخرى من العالم.
في الغالب تُلهِم التعابير والمصطلحات الحركة الأساس في عملي؛ تلك الأشياء المنمنمة التي تصل إلى مسامعي على هيئةٍ مذمومة، لا تقيم بالًا للواقع، سخيفة وأحيانًا بَلهاء، أستخرج منها خلاصة الميمز. هذه التعابير إشارةٌ ظاهرة لسيطرة ذكوريّة تضرب جذورها عميقًا في باطن الخطاب ومنطق الأمور عندنا؛ كما أنّها – عمومًا – لارتباطها بخصوصيّة السياق الإجتماعي هنا تصعب ترجمتها الى الإنجليزيّة وفهمها بها. أميل إلى عدم التفاعل مع المجال السياسي الراهن – بِدافع السخط ربّما، وانطلاقًا من السخط ذاته أُصِرّ على استعمال العبارات الدارجة – العامّيّة في الدراسات الأكاديميّة.
بالنسبة لمنصّة الاستشارة والإصدار التي تبلورت عن Vještice (المشعوِذات)، فأنا أبني الشراكة التعاونيّة مع العاملات بالفنّ والمنظّرين بهدف العمل باتّجاه تفكيك "الاستعمار الطوعي" في الفضاء العام، وألتزم هنا باصطلاح "الاستعمار الطوعي" للفصل في المعنى عن مصطلح "الاستعمار الذاتي"11 الملازم والمرهون، بحدود معرفتي النظرية وإدراكي، في سياق أوروبا الشرقيّة بتطبّع الشعوب واستبطانها للقيم المتمحورة حول المركزيّة الأوروبيّة على مستوى الوعي بالذات والمحيط. قد أكون مخطئةً في الفَصل بين المصطلحين؛ لكنّي أضع مصطلح "الاستعمار الطوعي" للدلالة على تعدّد أوجه "الاستعمار الذاتي" في البوسنة غير المحصور بالتمركز حول أوروبا، بل تختلف المستويات التي يعمل بها. وقد تكون مجازفةً أن أقول التالي: لكن "الاستعمار الطوعي" يعني – في نظري – إخضاع هويّة الذات وتصريفها على هوى النظرة المشتهاة من الآخَرين (نظرات سراييفو، روسيا، حزب سياسي ما، المنظمات غير الحكوميّة)، وتطويعها للاستحكام بالعصبويات الجماعية.
لست أفصل في تتبّع آثار "الطوعي" و"الذاتي"؛ بل أسعى للتفرقة بين المفهومَين – مع أنّ الأخير في حكم المعدوم.
إنّما المنصّة أيضًا مشروعٌ لجني المال وأحبّذ أن تُمسي شراكةً اجتماعيّةً مثمرة عمّا قريب؛ إذ لا أعارض هذه التصوّرات بحكم أيديولوجيّة ما.
أشعر أنّ النشاطيّة فعلٌ بالٍ لا أدرِك فحواه في البوسنة والهرسك عام ٢٠٢٢، إذ لا أطيق استيعاب النشاطيّة هذه في دولة مستعمَرة. أقول هذا لأنّ منظور النشاطيّة في البوسنة والهرسك يرتبط مباشرةً بالواقع الإستعماري في البلد. على سبيل المثال: الناشطة شخص تحظى بالدعم لرسم جداريّاتٍ عن المصالحة فوق أنقاض مبنى جامعي لم يخضع للترميم مُذ قُصِف أثناء الحِصار، ولا أتلمّس من هذه الفِعال النشاطيّة تضامنًا أو فهمًا أو نَقدًا. النشاطيّة لا تصلُح في عُزلة، وهو الحال السائد في أرض الوطن – لذا لا أتمسّك بحيازة مسمّى الناشطة لذاتي. من وجهٍ آخر، أكنّ احترامًا عظيمًا للناشطات من الأجيال السابقة من اللواتي ما زلن على كفاحهنّ مستمرّات إلّا أنني لا أرى تواصلًا وتوارثًا في سيرورة حراكهنّ، ما عدا بعض القضايا المحدّدة في قطاع التعليم؛ كما لا أقضي بحكم الإلغاء والإهانة على الناشطات من جيلي، لكنّي نقديّة تجاه الواقع الذي ينجحن هنّ بالعمل والتمكين فيه.
عايدة: تتعاونين، إلى جانب الفنّانات، مع المنظّرات الاجتماعيات؛ نرجو التوسّع في الحديث عن هذه التجارب التعاونيّة والطرق التي تتجاوز بها وتعبّر فوق الحدود الاجتماعيّة والسياسيّة في يوغوسلافيا السابقة.
هانا: أنا أحيا في فضاءٍ "ما بعد يوغوسلافيّة"، مصطلح تبنّيته من عند المنظّرة سفيتلانا سلابشاك، وهي المساحة – كالمرآة – العاكسة لما آلت إليه أوضاع بلداننا. أرى أنّ سكّان هذه المساحة يعترفون ببعضهم البعض وهُم مجتمع مشجونٌ بعمق، فكاهيّ ومشاكس سريع الانفعال.
عايدة: الفكاهة عنصرٌ حيويّ لنشاطيّتك على وسائل التواصل الاجتماعي؛ هلّا حدّثتِنا بإيجاز عن القوّة السياسيّة للفكاهة؟
هانا: في خضمّ البلبلة والفوضى يُفضي الأمر إلى الفكاهة! وفي ظنّي أنّها الأداة السياسيّة الأكثر نجاعةً إذ هي، كما التحيّز والتعصّب، لها أثرٌ صريح ومباشر على الناس. طالما كان التعصّب جواب اليمين في خضمّ الفوضى، أمّا نحن اللواتي نُسلِم للحقيقة في "عالم ما بعد الحقيقة"، نتحلّى بالفكاهة كاستجابة. ومع ذلك لا تزال المنافع السياسيّة للفكاهة غير مستخدمة، إذ لم تَزَل عوالم الأكاديميا والسياسة تحتشم وتخشى "الخفّة".
عايدة: ما هي الإمكانات الكامنة في منصّات التواصل الاجتماعي لإحداث الشَغَب السياسي، وكيف تفسّرين هذا الفعل المشاغب؟
هانا: لا أتصوّر أيّ إمكانٍ كامن في منصّات التواصل الاجتماعي للدفع بتحويلٍ سياسيّ عظيم، ترجع جذوره إلى الحقيقة. بل وسائل التواصل الاجتماعي لا تعدو عن كونها مؤسسات خاصة ذات أثر ضخم في خلع الحقيقة من موقعها كأساس فلسفيّ للواقع؛ وأنا مناصرة كبيرة للحقيقة والقوّة – وكلاهما في اللحظة الراهنة أسيران في قبضة الذُكورة المهيمنة. ما نستطيع فعله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي هو توثيق وحفظ هذه المعارف لنتشاركها مع أُناس لا سبيل آخر لديهنّ للوصول إليها.
في صِغَري، كنت أستمدّ مبادئ الديموقراطيّة الجذريّة من فلسفة شانتال موف وإرنستو لاكلو، فأتّخذ من بعضها منطلقًا للخوض في تطبيقها داخل المجال الاجتماعي للبوسنة والهرسك. في حين أنّي نجحت في إنجاز تأثيرٍ فاعلٍ إلى حدّ معيّن؛ مثلًا: تمكّنت – بالميمز – من تسخير الطعن والتحقير بمفاهيم الأبويّة والعنف عبر الفكاهة، بالتزامن مع التعريف بتفاصيل نظريّات ما بعد الاستعمار وتفكيكه والنسوية؛ إلّا أنّ ارتداد الأمر كان إلى عُزلتي كفرد مُحاضِرة بدلًا من بناءٍ للتواصل.
بعد القليل من اكتساب المزيد من المعرفة، بخاصّة كتابات الفيلسوف غال كِرن، أنا اليوم أقرب إلى الإيمان بأنّ إمكان هذا المحتوى يكمن في الفهم بأنّه أرشيف مضادّ-مقاوم. أمّا بعد، كما قلت، أنا نصيرةٌ كبيرة للقوّة بالمعنى الذي أؤمن فيه بالاستحواذ على الوسائل خدمةً لتحقيق الغاية – غايةٌ ذات كُنهٍ هدّامٍ للسياق القائم. من هنا، ما زلت أحاول استيعاب مدى قدرة الأرشيفات المضادّة على الفعل والهدم في مجالات اجتماعيّة منهوبة ومصدومة في أعماقها كالبوسنة والهرسك، ما الدور التحرّري المضاد للاستعمار الذي يمكن أن تقوم به داخل المجتمعات الألمانية والنمساوية والهنغاريّة مثلًا، وفيما يتوجّب عليها القيام بهذا أساسًا.
عايدة: لِمَ الميمز – وأيّ منها المفضّلة عندك، ثمّ هل بوسعك شرحها للقرّاء إن سمحتِ لنا بنشرها صورةً مع النص المرفق بها؟
هانا: كان سِحر اللحظة حينذاك عام ٢٠١٦، حين كان أصدقائي من الرجال يُنشؤون صفحات الميمز التي كنت أكرهها، إذ لاحظت مدى هامشيّة وجودي في منظورهم، إلى جانب افتقارهم الشديد لحسّ الدعابة. لذا أسّست صفحتي الخاصّة، ولم يكن هذا قرارًا واعيًا إذ كنّا جميعًا في حينها في أوّل عهدنا بالتواصل عبر الميمز؛ أمّا اليوم فأنا مُولَعة بها لِما صارت عليه من قدرة عظيمة.
عايدة: يتواتر ظهور بعض الشخصيّات في الميمز التي تبتكرين: فيرجينيا وولف، سيمون دو بوفوار، يوفانكا بروز؛ بعضها يحتوي نساء شهيرات مثل: ميلانيا ترامب أو ميشيل أوباما، نِسوة لا تنتسبن للنسوية ولا لمناهضة الاستعمار12 أو أيّ سياسات عالمية تقدّمية، بل الميمز تأتي بهن إلى الأرض من منازلهن في عوالم الشهرة – كيف تقرّين موضوع الميم، وما الذي تمثّله تلك النسوة في عوالمك السياسيّة والتي ترغبين بالتأثير فيها؟
هانا: ابتدأت خياراتي بسيمون دو بوفوار، لِوِفرة صورها وسارتر على الإنترنت – كما أنّها المرأة الوحيدة التي درّسونا عنها من بين الفلاسفة في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي في البوسنة والهرسك، لذا أَمِلتُ أن تميّز الناس وجهها وتتعرّف إليه (أقلّه، هم الآن كذلك). مِن ثمّ شَرَعت في خلق شخصيّات بعينها، عبر الخلط بين العناصر الذاتيّة الخاصّة بمشاهير من الشخصيات العموميّة في الغرب مع أشخاص أعرفهم من محيطي – أو مع عبارات مجازيّة ينطقون بها في أحاديثهم. هذا نوعٌ من الرسوم الساخرة لكلّ من الغربيّين الذين استعملهم وضحايا الأبويّة في وطني. أحيانًا أصنع الميم للإشادة بالنظرية وإشراك الجمهور في حماسيّة البحث، وفي أحيانٍ أخرى لا تعدو كونها عبثًا ساخرًا – إن صحّ القول. مؤخّرًا، عرضتُ صورًا عن الحيوات: العموميّة، الدينيّة والثقافية في البوسنة والهرسك – وعليها أبني مداخلتي بهدف استعادة النظرة (بعينيّ المصوّر وجمهوري). وضعتهم هناك لمّا انتبهت إلى أنّ قطاعًا عريضًا من متابِعات ومتابعي صفحتي من الصرب لا يعرفون شيئًا عن البوسنة والهرسك، أو أنهنّ عالقات في تطبيعٍ مهووس بالحرب ومعها، هؤلاء مواليد فترة حروب التسعينيّات وما بعدها.
عايدة: لطالما كان تاريخ النشاطيّة النسائيّة والنسويّة في يوغوسلافيا السابقة غنيّ ومعقّد، فما الذي يدفع بك للنبش فيه باستمرار؟
هانا: دافعان للدّقّة. أوّلًا: إحساسي بأنّي واحدةٌ من النساء اليوغوسلافيات، أمّا الثاني: الامتنان الذي أكنّه لهنّ على الإشتباك مع الاضطهاد والعنف الذي لا يصيبني الآن، بعد صدّهنّ له. ومن العام إلى الخاص يتّصل هذا في المقام الأوّل بِنسوةٍ من عائلتي، لم ينشطن في المجال العام إلّا أنّي أراهنّ في منزلة البطلات.
عايدة: أعلم أنّك تفحّصتِ وأخذتِ في اعتبارِك دور السيرورات الزمنيّة في حاضر ما بعد الحرب، ما بعد اتفاقيّة دايتون، ما بعد الاشتراكيّة؛ كيف تتقاطع هذه السيرورات مع مداخلات الناشطات الساعيات للمستقبل.
هانا: كان من اقتراح زميلتي جينيتا هودجيتش، العاملة في الاثنوغرافيا والانثروبولوجيا، أن نتطرّق إلى موضوع السيرورة الزمنيّة لمّا تناقشنا في كتاب ستيف يانسين "الحنين في الزمن الراهن"، هذا الكتاب ذو تأثيرٍ بليغ في تشكيلنا نحن الاثنتين؛ وأدين لها بمقدّمة لهذا الموضوع، كما بامتناني لتفانيها في نقل معارفها لي.
أمّا في سؤال كيفيّة تقاطع السيرورات الزمنيّة التي تبيّنّاها مع مداخلات الناشطات في استهداف المستقبل، فهذا سؤال شبيه بالذي وضعته في أطروحتي للماجستير! وقد حدّدت دوافع الأفراد الفاعلين المحدودين بتشكيلات البوسنة لكنهم عاملين في مؤسسات قويّة بخلاف ذلك ليست أكثر من عَرَضيّة في سياق البوسنة حتى تلعب دورًا حاسمًا، أقلّه في القطاع الثقافي. لا بدّ لي من التوسّع أكثر في دراسة هذا الأمر، إذ ما يزال في طور المحاججة الضعيفة.
عايدة: هنالك مشاحنة بين النظريات النسوية وما بعد البنيويّة وما بعد الاستعماريّة؛ في الأمميّة المزعومة للأولى بمحوها (أو حتى بإنكارها أيّ إمكانية) لتجارب واشتباكات تخوضها نساءٌ "هناك" في مناطق أخرى غير "هنا"؛ كيف تعاينين هذه التوتّرات التي تعتمل في المشهد السياسي داخل البوسنة والهرسك – يوغوسلافيا سابقًا، البلقان، أوروبا؟ كيف تُتَرجَم هذه الإشكاليّات إلى عملك ونشاطيّتك؟
هانا: أهدَتني صديقتي، دانييلا دوغانجيتش، لمّا كنت في مقتبَل العشرينيّات من عمري، كتابًا لـ دراغانا توماشيفيتش واسمه "لَتَخلّيت عن كل الأوطان كرامةً لسراييفو"؛ تقتحم الكاتبة فيه أرشيف نصوصٍ كتبتها نساءٌ عن سراييفو وداخلها منذ الفترة العثمانيّة حتى اليوم الحاضر. كان كتابًا شديد الأهمّيّة في بناء معرفتي النسوية لما قدّمه لي من تعدّدية التوجهات النسوية الكائنة في هذا المكان الصغير، المدعو سراييفو. لكِ أن تتخيّلي، إذًا، كم الكائنة في العالم الأكبر!
من أولى الدروس التي تعلّمتها آنذاك في ديار الوطن أنّ مفهوم التضامن بين النساء كان مُبهَمًا ومصطنعًا، لأنّا نعيش في سراييفو داخل عالمٍ ذكوريّ نختبر منه جانبًا تكافح كلّ امرأةٍ فيه لتصنع اسمًا لنفسها في خضمّ ظروفٍ قاسية وعنيفة باعتقاد أن البلدة أضيَق من أن تَسَعنا نحن الاثنتين، وهو أمرٌ مُمتع – حتى يصدمكِ بأنّه ليس كذلك.
ليس بمقدورِكِ التضامن مع كلّ النساء، لكن عليك التضامن مع كلّ شخص توظّف – في يقظة – فضولها النسوي. بالطبع، هنالك عثراتٌ في الطريق.
عايدة: نكتب الآن في زمن حربٍ أوروبيّة جديدة يرافقها استقطابٌ بين القوى العظمى؛ كيف تتردّد أصداء الحرب في أوكرانيا داخل عالمك؟
هانا: لست أدري، إحساسي أن لا حول لي ولا قوّة في هذا المخاض، لا أستطيع التعليق عليه، إذ كلّما فعلت أشعر بوجوب غسل فمي. الشيء الوحيد الذي بمقدوري قوله هو إنّي أمِلتُ بحشدٍ وحراكٍ متين من الناشطات والناشطين في البوسنة والهرسك دعمًا لأوكرانيا، لكنّه لم يكن حراكًا صلبًا – وكنت أحسب أن في الإمكان هذه المرّة أكثر من غيرها من محاولات الحشد الأخرى طالما الحدث والعواقب هذه المرّة ذو طبيعة مختلفة وآتٍ من الخارج. لكن من زاوية أخرى، أدرِك مدى عيشنا – نحن في البوسنة – على مقربة من الموت دومًا، فأتفهّم أسباب ومكامن الضعف في الحراك. وسئمت التعبير عن التضامن في برلين، حيث يبدو الحراك كالهذيان. إنّه لأمرٌ محبِط أن تلتفت إلى كلّ جدارٍ لتقرأ "لا للمزيد من الحروب".
عايدة: هل مِن ثمارٍ تُجنى وتُلقّح المخيال السياسي في لحظة الرعب هذه عبر التنقيب في تاريخ حركة عدم الانحياز؟
هانا: هذا سؤال ممتاز! من خلال البحث في أرشيف حركة عدم الانحياز، نستطيع – أقلّه – فهم الوضع ما بعد الاستعماري عند أعضاء الحركة كما نتبيّن ببساطة مِن الذكورة السامة والمهيمنة آليّة الفشل؛ طبعًا بالإضافة إلى الكثير من الجوانب المُشرِقة التي بإمكاننا الاستفادة من دراستها – بالنسبة لي كانت البداية النافعة في مشاهدة فيلم "لقاءان وجنازة" للمخرج نعيم مهيمن (٢٠١٧)، أنتِج للوثائقيّة ١٤ في كاسِل.
عايدة: مع مَن تريدين تكوين التضامن، وأين تفتّشين عن الحلفاء في هذه الأوقات العصيبة؟
هانا: عملت، وما زلت أواظب، على تكوين التضامن مع المؤسسات في برلين، والأوساط الأكاديميّة في عموم ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، العاملة عند تقاطع السبل بين مناهضة الاستعمار والنسوية، وأنتوي مواصلة هذا الجهد. تعاونت أيضًا مع العديد من العاملات في الفنون البصريّة من نطاق يوغوسلافيا السابقة، أودّ أن يكون باستطاعتي مدّهم بكلّ المال الذي يحتاجونه من الفضاءات التي لن تدير لهم بالًا في سياقٍ آخر. لذا كتبت، وما زلت أصوغ، الكثير من النصوص والمشاريع بهذا الخصوص؛ ولهذا أنا شديدة الامتنان للعاملة في الأنثروبولوجيا تشارنا بركوفيتش، فهي من أوائل الأكاديميات اللواتي بذلن جلّ اهتمامهنّ نحو قضيّتي.
أودّ أن أستطيع العمل مع مؤسسات الثقافة في البوسنة والهرسك، إنّما لا أظنّ أنّي في عداد "الأقوياء" بنظرهم الآن – لست السبب في هذا، بل هُم.
عايدة: هنالِك كمّ هائل من المواهب والإبداع في سراييفو، رغمًا عن السياسات التي سَعَت للقضاء عليها. ماذا يستطيع أولئك الذين يرون أنّهم سكّان المدن المركزيّة في العالم أن يستمدّوه من حياة هذه المدينة والمرونة – كما حسّ الفكاهة – عند سكّانها؟
هانا: كيفيّة المُضيّ قدمًا بالقلّة المتوفّرة، الطبخ دون طعام، العفو13، العيش كأوروبيّة فقيرة، ورحيل كلّ الفنّانات البصريّات إلى أرضٍ أخرى.
- 1. اخترنا ترجمة اللفظة الإنجليزية unwanted colony الى مستعمرة مستقبحة والهدف هو التمعن في عناصر الشيطنة والخطاب الحوسلي الذي يجري فيه أرشفة وجود تلك الجغرافيات ضمن نطاق زمني وتحت نير إدارات سياسية معينة. كما أن للصيغة العربية هذه قدرة على تبيان العلاقة التبعية للبلاد المستقبحة تلك على أنها مفاعيلُ داخل جملة التفاعلات الاستغلالية التي تقوم بها الامبرياليات العالمية ضمن النظام الرأسمالي الحالي. إضافة إلى كل ذلك أن القبح يستجدي في ذهن القارئ شيء من منظومة جماليات برجوازية وهو بالذات ما ينضوي على عمليات التصنيف الاستعمارية التوسعية وتأخذ أشكال استشراقية وأيقونية واحلالية وتجريمية إلخ بحق الآخر المستعمَر (ملحوظة المترجمة). Hozić, 2000.
- 2. حبّذنا وضع مسمّى مشعوذات بدلًا من ساحرات، كونه – في مخيّلتنا واطّلاعنا أقلّه – ذا وَقعٍ مذموم وحكم بالنبذ والاقصاء من قبل السلطات في الخلفيّة التاريخيّة، كما لا يزال يرتبط لليوم في المخيّلة بالعلاقة مع "الشيطان"، فنراه صاحب نَفَسٍ أقرب للقارئ العربي كمقابل لـ Witch بدلًا من "ساحرة"، اللفظ الحمّال للأوجه. بذلك قد يصحّ أن يكون السحر فعل المشعوذة (ملحوظة المترجم).
- 3. Sve su to vjestice: https://www.svesutovjestice.com
- 4. Chandler, 2000.
- 5. Hadžiristić, 2016.
- 6. Bonfiglioli, 2018.
- 7. Kurtović, 2021.
- 8. Hozić, 2021.
- 9. Ćurak, 2021.
- 10. Tax, 1993.
- 11. فيما يحمل الاستعمار الذاتي في طيّاته دلالة وجود فاعلٍ (مستعمِر) على مسافةٍ من مفعول به (مستعمَر)، ينطوي اصطلاح الاستعمار الطوعي على دلالة بنيوية التركيز فيها ليس على الفاعل والفعل بل صار الأخير جزءًا من منطق العيش للكائنات الحيويّة المستعمرة – فهو أمرٌ مقضيّ تستحيل مقاومته، بل ينتفي سؤال المقاوم. (ملحوظة المترجمَين).
- 12. هنا ننوّه الى التباين بين هذه المدرسة و وبين الديكولونيالية (ملحوظة في الترجمة).
- 13. في مخاض الترجمة آثرنا نقل "العفو" عن To Let Go، لا التخلّي. إذ لا نرى في العفو فعلُ الصفح عن مجرمي تلك الحرب – وإلّا كان عين التخلّي. بل هو هو، فعلُ التجاوز والعبور عن هوس وجنون – وضيق – تلك اللحظة إلى رحابٍ وسيعٍ يُفسِح للحركة والرؤية. كما نرى فيه برزخ العبور من حال المفعول به بأثرٍ رجعي إلى حال الفاعل الحاضر (ملحوظة المترجم).
Bonfiglioli, Chiara. “Feminist Translations in a Socialist Context: The Case of Yugoslavia.” Gender & History, 30 (1), 2018, pp. 240-254.
Chandler, David. Bosnia: Faking Democracy After Dayton (London: Pluto Press, 2000).
Ćurak, Hana. “I am generation equality.” UN Women, February 1, 2021. Available at: https://eca.unwomen.org/en/news/stories/2021/02/i-am-generation-equality-hana-curak-feminist-blogger-and-activist
Hadžiristić, Tea. “Is Bosnia the worst place to be a woman?” Open Democracy, December 5, 2016. Available at: https://www.opendemocracy.net/en/can-europe-make-it/women-in-bosnia/
Hozić, Aida A. “Dayton, WPS and the entrenched ‘manliness’ of ethnic power-sharing peace agreements.” London School of Economics, Women, Peace and Security Blog, February 15, 2021. Available at: https://blogs.lse.ac.uk/wps/2021/02/15/dayton-wps-and-the-entrenched-manliness-of-ethnic-power-sharing-peace-agreements/
Hozić, Aida A. “Making of the Unwanted Colonies: (Un)Imagining Desire” in Jodi Dean (ed.) Cultural Studies and Political Theory (Ithaca: Cornell University Press, 2000), pp. 228-240.
Kurtović, Larisa. “When the ‘People’ Leave: On the Limits of Nationalist (Bio)Politics in Postwar Bosnia-Herzegovina.” Nationalities Papers, 49 (5), 2021, pp. 873-892. doi:10.1017/nps.2020.42
Tax, Meredith. “Five women that won’t be silenced.” The Nation, May 10, 1993. Available at: https://www.dubravkaugresic.com/writings/wp-content/uploads/2013/09/Five-Women-That-Wont-Be-Silenced.pdf
Trakilović, Milica. Unraveling the Myth: Tracing the Limits of Europe Through its Border Figurations (Utrecht: Utrecht University Repository, October 16, 2020). Available at: https://dspace.library.uu.nl/bitstream/handle/1874/395198/UnravelingMyth_v13_Digital.pdf?sequence=4