تأمّلات قصيرة حول حركة "المرأة، الحياة، الحرية"
محامية إيرانية-كندية ومعلمة نسوية تتبنى مدرسة مناهضة الاستعمار، تعمل ضمن برنامج النوع الاجتماعي والعدالة الاجتماعية في جامعة ماكماستر. نجد في عمل / بحث آياتاك تشابكًا في المجالات التالية: إنتاج المعرفة النسوية الكويريّة والديوكولونيالية والمناهض للعنصرية والممارسات التعليمية الإبداعية / القائمة على الفن. آياتاك قارئة وكاتبة في موضوعات العرق والجنس والذاكرة والصدمة السياسية والصمت. لأكثر من عقد من الزمان ، عملت آياتاك في المجالين النشاطي والأكاديمي حيث أنها كانت منخرطة في قضايا حقوق المرأة ومجتمع الميم عين لاسيما في المضمار المتعلق بالناجين من الصدمات وإعادة التوطين والحواجز التي تحول دون التعليم والوصول إلى مكان العمل للاجئات. لدى آياتكي شغف كبير بالناس وخبراتهم الحية. هي مهتمة بالسرديات المتعلقة بالحيوات الشخصية، والطرق التي يفهم بها الناس حياتهم الخاصة وما إذا كانوا يشاركونها أو يبينوننها للآخرين وكيف يبرزونها أولماذا يظلون صامتين حيالها. تحاول آياتك قضاء معظم وقت فراغها إما في الهواء الطلق للاستمتاع بالطبيعة أوالخوض في الصناعة والاستهلاك الفني. الرسم والشعر ليسا ميدانيين سياسيين مهمين لأعمالهم فحسب ، بل إنهما جزء لا يتدزأ من هويتهم ، فهم يدمجون الفن في حياتهم اليومية - من خلال زيارة المعارض والرسم المحلي - وفي ممارستهم التربوية.
les_femmes_dalger_56_72_x_54_2016.jpg
تأتي هذه التأمّلات القصيرة كإضافة لاحقة إلى مقالتي في ضوء الأحداث الملتهبة في إيران. حيث أن هذا الإصدار المميّز يركّز على "تصوّرات نسوية مناهضة للاستعمار"، أجد أنه من الضروري الانتباه إلى الحركة الحالية في إيران ضمن كتاباتي. ولهذا السبب أُضيف هذه التأمّلات، لمعالجة ثلاث نقاط تحمل أهمية في خضمّ المنعطف الحالي.
كنسوية باحثة ومعلّمة من منطلقات كويرية ومناهضة للعنصرية والإمبريالية، أعتقد أنّه من الأهمية بمكان الإجابة على أحد أبرز الأسئلة حول هذه الانتفاضة، ألا وهو ما إذا كان بالإمكان اعتبار الحركة الحالية في إيران ثورةً نسوية أم لا. أظن أن هنالك حاجة إلى تقسيم هذا السؤال بحدّ ذاته إلى قسمين. أولاً ما هي الثورة؟ ثانياً، أي نوع من النسوية هو موضع السؤال هنا؟ في كثير من الأحيان في الحداثة الاستعمارية، عندما نتحدّث عن الثورة، فإننا نعني الاستبدال المفاجئ لمجموعة النخبة في دولة قومية ما بمجموعةٍ أخرى. بالتأكيد، أجد صعوبة في التوفيق ما بين فكرة الثورة تلك والأخلاق النسوية، أو على الأقل مع ما أعرّفه بالنسوية – المنظور الذي بإمكانه مساعدتنا على رؤية الكيفية التي جرى من خلالها تحديد مكانة العرق والجندر والطبقة والقدرة والجنسانية تاريخياً وكيفية تزامن تشكّلها. بالتالي فإن الثورة التي تميل إلى استبدال مجموعة نخبة متميزة بأخرى، لا يمكن أن تكون في جوهرها ثورة نسوية. ومع ذلك، إن كنّا نعني بالثورة ذاك المدّ العفوي الذي يُعكّر صفو الخطاب الأبوي، والفصل العنصري بين الجنسين، والسيطرة الممنهجة على جسد المرأة باسم الدين والدولة، فإن إجابتي هي نعم. نعم، إنّ ما يجري في إيران ضمن حركة "المرأة والحياة والحرية"، هي بالتأكيد ثورة نسوية.
في واقع الأمر، إنّ شعار "المرأة والحياة والحرية" الذي أصبح نشيد الثورة وظهر كردّ فعل على قمع الدولة، هو شعار بالأصل كُردي (ژن، ژیان، ئازادی) يندّد بالعنف ضد المرأة الكردية في كلٍّ من تركيا وإيران والعراق وسوريا – وسرعان ما تحوّل إلى أُهزوجة تَحرُّر للمرأة الكردية من نير النظام الأبوي والقمع الذي ترعاه الدولة، وعنف الهياكل الاجتماعية والاقتصادية الراسخة في الرأسمالية. إن تجذّر حركة "المرأة والحياة والحرية" في مثل هذه الأنماط الراديكالية من التفكير، يجعلها قادرةً على تقديم مسار تحوّلي وثوري نحو الأمام.
السؤال الثاني الذي يُطرح في كثير من الأحيان، هو ما إذا كان انتقاد السلطة الإسلامية معادياً للإسلام. باعتقادي، إنّ لدينا باعاً طويلاً في هذا السؤال، على وجه الخصوص في حالة فلسطين المحتلّة. إن الذين يَصِمون كلّ مَن يحاول انتقاد إسرائيل بمعاداة السامية (وبالتالي، يجري إسكات أي مشاركة ذات مغزى تواجه عنف الدولة الصهيونية)، يتماشون في مواقفهم مع أولئك الذين يُسكتون أي انتقاد موجّه للجمهورية الإسلامية من خلال اعتبار هكذا انتقاد كراهية للإسلام. إنّ تقديم أي انتقاد ضدّ شكل مؤسسي للدين مع الدين نفسه، هو أمر إشكالي وفيه قِصر نظرٍ ومقيِّد بشكل خطير. علينا أن نكون قادرين على الانخراط في حوارات هادفة حول كيف أنّ القومية الإسلامية، شأنها شأن أي مشروع سلطوي ديني وقومي، تُديم النظام الأبوي وكراهية النساء ورهاب المثليين وسيطرة الدولة والنخبوية والأيديولوجية الإقصائية التي تُتَرجم إلى عنف ضدّ الأقلّيات العرقية والجنسية والدينية.
أخيراً، وكنسويةٍ إيرانية ومحامية نُفيَت إلى كندا منذ عقد من الزمن، فإنني أعي بعمق الحاجة إلى التفكير على مستويات عدّة في الأحداث الراهنة في إيران، وإضفاء الطابع التاريخي على كلّ ما يجري ضمن جغرافيا اتّسمت بالتطفّل والتدخّل الامبريالي. لكن لا ينبغي لمثل هذا الواقع أن يمنعنا من الاعتراف بالنساء والأقلّيات والمطالب الحقيقية للإيرانيين الآخرين بتغيير النظام. يجب ألّا تمنعنا النظرة الامبريالية الدائمة نحو المنطقة، "نحن" النسويات اليساريات والمناهضات للإمبريالية، من محاولة خلق تضامن نسوي عابر للحدود الوطنية، من الإسهاب في تعزيز مطالب النساء الإيرانيات. لأنه كَونكِ نسوية يسارية/ مناهضة للإمبريالية لا يعني أن تكوني محاصرةً في اتخاذ مواقف مؤطَّرة باختيار جانب معيّن – أي أنّكِ إمّا تدعمين الاحتجاج الإيراني أو أنّكِ تنتقدين الأجندات الامبريالية في المنطقة.
بالأحرى هي دعوةٌ لنا جميعاً لتجاوز أسلوب التفكير المؤطَّر الذي يحاصرنا دوماً. ولاستخدام أية منصّةٍ تُتاح لنا لرفع أصوات الإيرانيين من الداخل دونما تردّد مع الحفاظ على العين الناقدة. وذلك لإنقاذ وتحرير مخيّلتنا من الخوف حيال ما يمكن وما لا يمكن استيعابه، وبدلاً من ذلك تغذية الحلم بمستقبل نريد أن نخلقه. لِتخسأ الأجندات النسوية الليبرالية وعقلية المُنقذ الأبيض، ولتخسأ الدعاية النيوليبرالية. إننا بحاجة إلى مساحةٍ لنفكّر بأنفسنا ولنتصوّر أنفسَنا ولنتحدّث مع بعضنا الآخر ولأن نرغب ونتمنّى. إننا نطلب من حلفائنا من النسويات أن يسمعننا، لأن النساء الإيرانيات من الكويريات والفقيرات والمقموعات تستحقّ العثور على كلّ المنصّات الممكنة. أعلم أنّه من الصعب علينا، ممّن يعشن في الغرب وتُعَدّ أجسادهنّ على دراية بالغربة وبممارسات التفوّق الأبيض، إننا غالباً ما نخشى سماع رغباتنا وآمالنا في مستقبل إيران. لكن على الأقلّ دعونا نحلم ونأمل، حتى وإن كان عُمر هذا الأمل قصيراً، نأمل بمستقبلٍ دون نظام أبوي غيري.
تحيا حركة "المرأة والحياة والحرية".