"الاغتسال بالصمود": تحليل نسوي-كويري للكفاح السوري والفلسطيني من أجل التحرّر

السيرة: 

نيروز أبو حاطوم أستاذة مساعدة في قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة كونكورديا في مونتريال. يستكشف بحثها السياسة المرئية في فلسطين ويركز على التصورات البديلة، وصنع الناس للمكان، والممارسات السكنية في سياقات الاستعمار الاستيطاني.

رزان غزاوي: (إنهم/إنها) مدونة/ مدونون فلسطينية-سورية، مُناضلة وناشطة وباحثة، حازت على شهادتها الدكتوراة في مجال دراسات الجندر والجنسانية من جامعة سوسيكس في برايتون. كما أنهم يحملون شهادة الماستر في الجندر والجنسانية والجسد من جامعة ليدس في المملكة المُتحدة وشهادة الماستر في الأدب المُقارن من جامعة البلمند في لبنان. في أُطروحتهم "الأصول التربوية لاحتجاجات الكويريين اليومية: إعادة التفكير في الذاتية السياسية والعنف في سوريا ولبنان 2011-2021"، إنهم يتفكرون في المواجهات اليومية للمثليين والعابرين جنسيًا عند نقاط التفتيش وفي السجون وقضايا لجوئهم التي تزامنت مع سياسات "الحرب على الإرهاب" و"أزمة اللاجئين". رزان يتبوؤون منصب زميل باحث في لعام 2022/2023 EUME. رازان سجينة سابقة في سجون النظام السوري كما أنها حائزة على جائزة Frontline Defender عام 2012.

اقتباس: 
نيروز أبو حاطوم، رزان غزاوي. " "الاغتسال بالصمود": تحليل نسوي-كويري للكفاح السوري والفلسطيني من أجل التحرّر". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 9 عدد 1 (24 يناير 2023): ص. 182-201. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 21 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/396.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (830.88 كيلوبايت)
ترجمة: 

رياض الأيوبي دارس للاقتصاد وقارئ لحقول العمران والفلسفة واللغويات في تاريخ العرب، بادي البدء في ممارسته الترجمة لمّا عمل على نقل الأدبيات الشيوعيّة للعربية عبر صفحة «ما العمل؟» ومن ثمّ توسّع في هذا البحر من خلال تتبّع مخاض عمل شيوعيّي لبنان زمن الستينيات على نقل الإنتاج المعرفي من عالم الشمال إلى العالم العربي.

كاتب ومترجم مستقلّ، عمل على ترجمة العديد من المقالات البحثية التي تتناول موضوعات أثرية مع باحثين أثريين ومع المديرية العامة للآثار. له عدة مساهمات في الكتابة والترجمة ضمن الحركة الشيوعية في لبنان.

مدير الترجمة في مجلة "كحل". تمارس الترجمة المكتوبة والتعاقبيّة مع تخصص في مجال السياسة والإدارة العامة وموضوعات الهجرة / اللاجئين والعلوم التربوية.

asadtryptich11.jpg

نساء الجزائر٬ 2012

أسد فالويل

 

المقدمة

تعاين هذه المقالة سياسات الدولة السورية في التدجين والتوظيف المُعَسكَر لكفاح الفلسطينيّين والجولانيّين من أجل التحرّر وحقّ تقرير المصير، في سياق تسويغ وحشيّة حربها على الانتفاضة في سوريا.1 نستهلّ هذا التفحّص مع عام ٢٠١١ الذي خَرَجَت فيه الجماهير إلى الشارع وصدَحَت، في أعقاب سلوك الدولة سبيل الإرهاب، بكلامٍ صاخبٍ كان قد عُلِّق من قبل على أعواد المشانق وفي غياهب المعتقلات والمنافي. على إثره، نتبيّن آلة خطاب النظام السوري التي هيّأها ووظّفها وسيلةً للتسطيح والتضليل بعيدًا عن إجرامه، وغسل ما تلطّخ به من دماء. أمّا بعد البيان، نعلن رفضنا الصريح لمزاعم النظام السوري2 أنّه قوّة معادية للامبريالية والصهيونيّة في المنطقة، نظرًا لما تقتضيه أعراف النظام في المقاومة ومناهضة الإمبرياليّة من عداوَةٍ مع كلّ مقاومةٍ شعبيّة قاعديّة غير نظاميّة – فإذا مَثَلَت بين يديه حَكَمَ بأنّها إمبرياليّة في الصميم، مواتية متواطئة مع الصهيونيّة. لذا، نمضي بالتحليل إلى لحظة3 الجولان المحتلّ والمخيمات الفلسطينيّة في سوريا زمن الانتفاضة وما بعدها بغية إعادة تعريف، وإعادة استحواذ، فعل الصمود خارج قيود الدولة السورية. ولمّا صوّبنا سهام النقد، رمينا بمصطلح "الاغتسال بالصمود" على عُمَد الدولة في الدعاية الرسميّة.

إذ نرى فيما نرى أنّ الاغتسال بالصمود ظاهرةٌ مميّزة في الخطاب القومي العربي ما بعد الاستقلال. ورسمًا على نصوصٍ تأريخيّة، نتتبّع البداية المُحرِقة لمصادرة "البعث" في سوريا ولاية أمر الصمود في المنطقة عام ١٩٧٦ لمّا اجتاح جيش النظام السوري لبنان كي ينقضّ على النهوض والنفوذ العسكري الذي حظيت به المقاومة الفلسطينيّة المسلّحة هناك.4 المفارقة أنّ الدعاية الحربيّة التي يعتمدها النظام السوري مستمَدّة من خطاب إمبرياليّ ينكبّ على شيطنة المسلمين، تصدره وتتغذّى عليه الولايات المتحدة في "الحرب العالميّة على الإرهاب" – وهذا يتبدّى في تعاطي النظام السوري مع الجولانيّين واللاجئين الفلسطينيّين في سوريا.

ننحو إلى بلورة مفهوم "الاغتسال بالصمود" بطرحه، أوّلًا، في السياق التاريخي لتأسيسه ضمن الخطاب البعثيّ عن مناهضة الإمبرياليّة بعد نكسة عام ١٩٦٧ – من خلال نبش وتصفّح الأرشيفات البعثيّة، ثمّ ثانيًا عبر الكفاح الجولاني لتقويض الاستعمار الصهيوني وكذلك مؤيّدي انتفاضة سوريا عام ٢٠١١، ومن ثمّ ثالثًا في حالة المخيّمات الفلسطينيّة داخل سوريا. وننوّه أنّ فعلنا هذا يصدر من مواضِعِنا في الغرب (بين كندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة) حيث قابل الكثير، من المحسوبين على اليسار المناهض للإمبريالية، الانتفاضة في سوريا بالارتياب والتخوين حتى صاروا إلى غسل يَدَي النظام من الدماء التي سطّر بها الرسالة الخالدة، باسم تحرير فلسطين.

إنّ تموضعنا كمستوطِنتان في الولايات المتحدة وكندا يتطلّب منّا أن نمتشق ونطوّر إدراكنا النقديّ في وجه الخطّ السياسي الليبيرالي الذي يموّه العدوان الاستعماري أو الامبريالي بِلِباس الداعية للعدالة الاجتماعيّة وتصفية الاستعمار. وبكلماتٍ أُخرى، نحن، مستوطِنتان في أميركا الشماليّة واثنتان من السكّان الأصليّين في دول استعمار استيطاني إحلالي أخرى، نتحرّك في وضعيّة شديدة التعقيد ولكنّها أيضًا تتيح لنا استبصار الامكانيّات الجذريّة للخيال في الخطّ السياسي للشعوب الأصليّة، وتبيّن لنا الخطّ السياسي الثوري زرعةً ضاربةً جذورها عميقًا في الأرض. عليه، ليست حركيّات الاستنهاض والتنظيم القاعديّ في الانتفاضة ضدّ النظام السوري إلّا مَجلى لواحِظِنا الناظرة للاشتباك السوري والفلسطيني، جُملةً وتبعيضًا.

بل حبّذا لو نستقي من المقاومة في فلسطين وسوريا مخيال النضال لتفكيك الاستعمار، المُستمِدّ من أنماط الاشتباك اليومي لسلوك السبل نحو إشراق الآفاق الثوريّة عِوَضًا عن المساق الجامد للمسار الدولتي الرسمي في تحصيل المكاسب السياسيّة. ذاك المخيال الهدّام لمنطق جدار الفصل بين الثنائي "الوطني والإرهابي"، منطقُ جهاز الدولة العربيّة للاغتسال بالصمود في ما بعد جلاء الاستعمار الإداري. ونستدعي هذا الخيال عبر طرح "الاغتسال بالصمود" أداةً كويريّة نسويّة فلسطينيّة-سوريّة في نقد ونقض استحضار الدولة السوريّة للقضيّة الفلسطينيّة ذرًّا للغبار في العيون وتعتيمًا على حربها ضدّ الشعب في سوريا. كما نسعى بالقرّاء إلى تصوّر أنساقٍ مغايرة في الإمكان لتصفية الاستعمار في المنطقة، أنساقٌ متحرّرة من منطق الدولة القومية العربيّة ما بعد الاستقلال. بيد أنّنا لا ندّعي رصف الطريق المعبّدة نحو هذه المُمكِنات هنا، وحسبنا أن نبعث وهج شرارةٍ تنير معالم الطريق – وربّ شرارةٍ أحرقت سَهلًا.

يمكن للكتابة عن فلسطين وسوريا، على إيقاعٍ ونظمٍ تعاونيّ، أن تغدو مخاضًا عسيرًا لأسباب شتّى. باعتبارنا كاتبتان فلسطينيّتان وإحدانا من فلسطينيّات سوريا لم تطأ قدميها أرض فلسطين والثانية لم تعبر إلى سوريا قطّ، عايشنا – كلٌّ مِنّا بصورة مغايرة عن الأُخرى – سياقات الجغرافية السياسيّة الموضوعة للفحص في هذا المقال. والأمر عائدٌ في التاريخ إلى زمن ترسيم الحدود بادئ ذي بدءٍ مع خريطة التقسيم الاستعماري: سايكس- بيكو- بلفور5 عام ١٩١٦، ولاحقًا تثبّتت هذه الحدود في أعقاب نكبة ١٩٤٨ مع قيام دولة العصابات الصهيونيّة.6 ولا تنفصم العروة الوثقى لدراستنا وموضِعِنا في أرض الشتات والمنفى واستيطان أرض الغير، لذا نرتاب من الدراسات النسويّة والكويريّة التي لا تعترف بتأصّل منطق وسلوك العنف في طيّات بنى دول الاستعمار الاستيطاني-الإحلالي، ثمّ (من حيث ندري أو لا ندري) نلقانا نرتحل بين مساحاتٍ وسيرورات زمنيّة عدّة في آنٍ واحد: نستمدّ إدراكنا لماهيّة العنف السياسي والعنصري من اشتباكنا ضدّ سَجنِ وضبط الأجساد وضدّ العنصريّة في ظلال الاقتلاع والاستيطان والإحلال الاستعماري وتحت نير الأنظمة المستبدّة ما بعد جلاء الاستعمار الإداري. إنّ عيشنا في الشتات ينقضي بالترحال المتواصل بين مختلف الاوساط الناشطة في تقويض الاستعمار، ممّا يتيح لنا امتشاق عدّة من الأدوات نستطيع عبرها أن نصوغ كلامًا وافيًا لشرح رؤيتنا للعنف والمقاومة في سوريا من زاوية نظر فلسطينيّة في الشتات يحرّكها الكفاح الأممي للسكان الأصليّين ولمعاداة العنصريّة.

 

البيان المفاهيمي لـ"الاغتسال بالصمود" من سياق الحرب في سوريا

كشفت لنا، نحن الفلسطينيّين و/أو السوريّين، الانتفاضة في سوريا عام ٢٠١١، لمّا رسمت الباع الطويل للنظام في صياغة وتعميم خُطَب الصمود7 في وجه العدوّ الصهيوني، ما كان معروفًا من قبل في سريرة محكومي النظام السوري.8 ورغم أنّ السياق التاريخي الذي نعالج هو حقل انتفاضة ٢٠١١ في سوريا، إلّا أنّها ليست بالضرورة نقطة انطلاقنا. الحقّ أنّ النظام واظب على توطيد دعائم استبداده ومداده باسم الحرب مع العدوّ (الصهيوني) المجاوِر منذ النكسة عام ١٩٦٧. ونعلن في هذا المقال رفضنا الصريح لمزاعم النظام السوري بأنّه قوّة معادية للامبريالية والصهيونيّة في المنطقة، عبر تصويب سهام النقد كي نرمي بمصطلح "الاغتسال بالصمود" على عُمَد الدولة في الدعاية الرسميّة: التوظيف المُعَسكَر للكفاح الفلسطيني من أجل حقّ تقرير المصير، في سياق تسويغ وحشيّة (النظام) ضدّ الانتفاضة الشعبيّة في سوريا؛ ويتقاطر هذا التوظيف حتى يصل مؤيّدي النظام السوري للطعن في مُعارضي النظام بتهمة التواطؤ والائتلاف مع العقائد الصهيونية (أبو عصب و ناصر الدين ٢٠١٩؛ مغنّم ٢٠١٧).

أمام هذا التخوين، عَلَت الأصوات الفلسطينيّة والسوريّة للحديث عن شتّى الاتهامات التي يُقذَفون بها كلّما أعربوا عن توجّهاتٍ مناهضة للنظام؛ نذكر هنا كلام نور أبو عصب ونوف ناصر الدين في وصف تلك الاتهامات بأنّها مرآة عاكسة لـ "الذوات المستعمَرة" وبأنّ "غالبيّة أنظمة المنطقة قائمةٌ لأمن وأمان الكيان الصهيوني" (٢٠١٧)؛ كذلك تتحدّث جنيفر مغنّم (٢٠١٧) عن إعراض الاوساط الناشطة في الولايات المتحدة عن سماع الأصوات المناهضة للنظام.9 وترصد مغنّم شِقاقًا بين الأجيال من الناشطين والمنتظمين، إذ يميل كبار السنّ من النشّط الفلسطينيّين إلى الإحجام عن التلفّظ والتصريح بانتقاد النظام – بل ينزعون على الدوام لالتماس الأعذار له.

إذ عاش هذا الجيل زمن الحرب الباردة في أجواء التعبئة القوميّة العربيّة للمذاهب الاشتراكيّة والمناهضة للإمبرياليّة وترسيخ الشعور المُعادي للصهيونيّة. بينما تميل الشبيبة من النشّط الفلسطينيّين إلى التعبير عن خطٍّ سياسي مناوئ للنظام، بانطلاقهم في بناء الموقف السياسي من نظرةٍ أمميّة لكفاح السكان الأصليّين وتصفية الاستعمار، وهم أكثر انفتاحًا على استشراف الإمكان والتجدّد في المخيال الثوري (١٤/١٢/٢٠١٧). على ضوء ما سبق، ومن خلال تجربة أحد الكتّاب الناشطين على المستوى الشعبي-القاعدي في مخيّم اليرموك عامَي ٢٠١١ و٢٠١٢، نرى الانغماس الصريح والمباشر للشباب من اللاجئين الفلسطينيّين في المظاهرات الشعبيّة في سوريا جرّاء معاناتهم المريرة من توابع استبداد وسلطويّة دولة ما بعد الاستقلال على حيواتهم اليوميّة؛ فالنقاش والتنظيم خارج حدود المخيّم – في أرض "السيادة السوريّة" المتخيّلة – من الممنوعات عليهم، حتى ولو كان سعيًا إلى عملٍ مضمون و/أو مستقبلٍ مأمون. نعم، يُفتي شرع الدولة السوريّة "المناهضة للإمبرياليّة" بتحريم الحقّ بالتنظيم النقابي والسياسي على الفلسطينيّين خارج المخيّم. هذا لتبيان حجم الشرخ القائم بين مؤيّدي النظام السوري داخل اليسار في الغرب والشباب الفلسطيني المنتظم على أرض مخيّم اليرموك وغيره على امتداد جغرافيا القُطر السوريّة.

تاريخيًّا، قلّما تمخّض عن كلام النظام في الصمود أيّ فعلٍ تحرّري، يتعدّى اللفظ، في الجولان و/أو فلسطين (أبو صالح ٢٠٢٢)؛ بل كان أقصى مبالِغِه الإبقاء على الوضع الراهن للاستعمار الاستيطاني الصهيوني كما هو، في مقابل كتمان وضرب أيّ نقدٍ أو مقاومة للعنف السياسي والإقتصادي الذي يمارسه بحقّ السوريين – العرب والكرد والتركمان – واللاجئين الفلسطينيّن والعراقيّين من بين غيرهم في سوريا.

نتأمّل في اصطلاح "الاغتسال بالصمود" أداةً نافعةً للبناء فوق الأنماط المركّبة من وحشيّة الدولة القوميّة ما بعد جلاء الاستعمار الإداري بحقّ الشعوب والجماعات الأصليّة المهدَّدة بإرهاب الاستعمار الإحلالي مِن تهجيرٍ وسلبٍ وطمسٍ. ورغم أنّ مقالتنا ليست بصدد فحص العلاقة بين الكفاح التاريخي لتصفية الاستعمار وتكوينات دول ما بعد الاستقلال، لكنّ الإشارة واجبة إلى مركزيّة القول عندنا بأنّ قوميّة ما بعد الاستقلال، التي لم تنتهِ تطلّعاتها التحرريّة لتكوّن "مسعىً جماعيًّا" ولا "وعيًا سياسياً-اجتماعياً"، حتمًا تصطدم بطريق مسدود – كما تنبّه ألينا ساجد (٢٠١٩) مستندةً إلى النذير الذي أطلقه فرانتز فانون. هذا الطريق المسدود في سياق سوريا تَمَثّلَ بتأصيل العنف السلطوي في جملة وتفاصيل اليوميّات. على صعيدٍ متّصل، لربّما باءت المساعي الثوريّة لدول ما بعد جلاء الاستعمار الإداري بالفشل في معاداة الاستعمار، إذ – كما تشير إليني سنتمي زيليكي وآراش داڤاري (٢٠٢٢) – كانت الظروف المستعصية التي سَعَت تلك الدول لاحتوائها قد صارت جزءًا أصيلًا في صلب بناها الذي أمسى أرضًا خصبة لتوليد عنف الدولة. رسمًا على نماذج الثورات في الهند وإثيوبيا، ينوّه الكاتب والكاتبة بضرورة إعادة تصوّر فكرة الثورة أبعد من الخطوط التي ترسمها معلّبات الحداثة الغربيّة.

نستلهم اصطلاح "الاغتسال بالصمود" من الدراسات الكويريّة حول استراتيجيّات "الغسيل الورديّ"،10 ونؤسّس له من خلال ثلاث دراساتٍ قاعديّةٍ تتصدّى لمزاعم الدولة السوريّة أنّها رأس حربة المقاومة في المنطقة. هذه الدراسات الإفراديّة – التي سنتوسّع في الحديث عنها في القسم التالي – تسلّط الضوء على الجهود التي تُبذَل لدحض الدعاية الرسميّة، كما تسعى لطرح أطرٍ جديدة تيسّر لنا فهم الاشتباك السوري والفلسطيني، والمشترك السوري-الفلسطيني. نطلق "الاغتسال بالصمود" مفهومًا يشرح ويسيّق ويؤرّخ مصادرة الدولة السوريّة للكفاح الفلسطيني والجولاني ضدّ دولة الاستعمار الاستيطاني-الإحلالي، إسرائيل.

هنالك وِفرةٌ من الأبحاث في الأدبيّات النسويّة والكويريّة حول مصطلح "الغسيل الوردي"، (بوار 2011، 2013؛ شولمان ؛ مورجنزن ؛ جاكمان وأوبادياي 2014؛ شافعي 2015؛ كوري-توي 2015، 2017؛ أبو حاطوم وموسى 2018؛ علوان 2019؛ القيصي 2020)11 الذي يشير إلى سياسات الدول القوميّة في توظيف قضايا الجنسانيّة والجندر كي تصرف الأنظار عن الإجرام الاستعماري أو الامبريالي ضدّ الآخرين (كوري-توي ٢٠١٧)، مثال الاستغلال الإسرائيلي لخطاب القضايا الجنسانيّة كي تَصِمَ الفلسطينيّين والعرب بـ"الرجعيّة والتخلّف" ومن ثمّ التعتيم على الإرهاب الصهيوني والفصل والتمييز العنصري ضدّ الفلسطينيّين. لذلك، لاستراتيجيّة "الغسيل الوردي" المكانة الهامّة في الحفاظ على سلطان الدولة الاستعماريّة وقمع الكويريّين الفلسطينيّين، إلّا في حال التحاقهم بصفوف خدمة الدولة لإعادة إنتاج خطاب المثليّة-الوطنيّة12 (أميرة ٢٠١٠).

بيّنت الانتقادات النسويّة والكويريّة للصيغة النيوليبيراليّة العائدة إلى الحداثة القوميّة والتقدّم كيف تشرع الدول لتبييض سجلّها وشطب جرائمها ضدّ السكان الأصليين والسود والجماعات المقصيّة في سياق تمييز عرقي، من خلال التسويق لخطاب المساواة وحقوق الإنسان والحرّيّات النسويّة أو المثليّة. إذ تلحظ الدراسات الكويريّة والنسويّة والنظريّة النقديّة حول العرق توظيف الحكومات لمشهديّة إقرار قوانين وسياسات الشمول بالصِيَغ النيوليبيراليّة كي تحيط نفسها بهالةٍ من قداسة في مناهضة التمييز والدفاع عن حقوق الإنسان (جماعات الكوير و/أو النساء)، بينما تبادر هذه الحكومات ذاتها إلى الفتك بالآخرين تحت راية الأمّة-القوميّة. وتلجأ الأنظمة الفاشيّة والديمقراطيّة، على السواء، لآليّات الغسل والتبييض متى ما استدعت الحاجة. فـ"الحرب على الإرهاب" بقيادة الولايات المتّحدة مثلًا، سوّغت احتلال الشعوب الأخرى – ليس فقط عبر خطاب الدفاع القومي ضدّ الآخر "الإرهابي"، بل أيضًا تحت لواء تحرير النساء المسلمات "المُستَضعَفات"13 مِن نير "ثقافة المجتمعات الأبويّة والرجعيّة المُبغِضة للنساء" (أبو لغد ٢٠١٣؛ علوان ٢٠١٣؛ نابر وزعتري ٢٠١٤).

على صعيدٍ متّصلٍ أيضًا، أشكَلَت حنين مايكي (٢٠١٣) تضامن الكويريّات من شمال أميركا مع فلسطين عبر التحقيق فيما لو كان فضح عمليّات "الغسيل الوردي" قد دفع (بالفِعل) إلى مزيدٍ من تسييس نضال "مجتمع الميم عين" في الغرب و/أو أسعَفَ كويريّي فلسطين في مقاومة الاحتلال. مؤخّرًا تعزّزت وتزايدت المواقف الناقدة من طرف الحراكات الكويريّة العالميّة لاستراتيجيّة "الغسيل الوردي" الاسرائيليّة، ولكن يشتبك الفلسطينيّون وغيرهم مع إشكاليّة استثناء التضامن في شمال أميركا وأوروبا مع الكويريّين دون الآخرين من الفلسطينيّين كذواتٍ "تستحقّ التضامن"، وكأنّ بقيّة الفلسطينيّين – مِن غير الكويريّين – معفيّون من بطش الاستيطان والإحلال الاستعماري.

وأكثر من ذلك، يسلك تسييس الذوات الكويريّة في أميركا الشماليّة، عبر التضامن مع الكويريّين في فلسطين، الطريق نحو زحزحة ونزع سياقات العنف الاستيطاني-الإحلالي عن مواقع نشاط أولئك الكويريّون ذاتهم، بالأخصّ سياق الاستيطان والإحلال الاستعماري داخل كندا والولايات المتّحدة (جاكمان وأوبادهياي ٢٠١٤؛ أبو حاطوم وموسى ٢٠١٨). بعبارةٍ أُخرى، لم يتّجه داعمو الكويريّين الفلسطينيّين إلى التفكيك النقدي لمواضِعِهِم وأدوارهم كمستوطنين هُم أنفسهم. ويكأنّ الاستعمار الاستيطاني-الإحلالي القائم على أرض فلسطين ليس حاضرًا في أميركا الشماليّة، أو قد سُوّيَ واندثر هناك. الحقّ أنّ هنالك ضرورةٌ، من الآن وصاعدًا، للأطر المكافحة في سبيل تصفية الاستعمار ألّا تتناسى أنّ دولًا مثل الولايات المتّحدة وكندا لا تتهافت لاحتلال منصب الراعي الرسمي لحقوق الإنسان في العالم إلّا في سياق الترويج لأسواق ديمقراطيّتها (المزعومة)، حتى عند شنّ الحروب الإمبرياليّة واتّباع سياسات العدوان والاستحكام بالشعوب ذات البشرة السوداء والبنّيّة، وحصار وسجن – وذبح – السكّان الأصليّين.

هذا الإدراك، للمنزلقات الخطِرة في المساعي – الصادقة – للناشطين وراء فضح عمليّات "الغسيل الوردي"، ضروريٌّ لنا كي نستشعر ما يتهدّد "الاغتسال بالصمود" من مغالطات قد تنجم عن اصطلاحه. فهو كـ"الغسيل الوردي"، قابلٌ أن ينقلب إلى منظارٍ قاصرٍ ومحدود، منه وعليه تُبنى المواقف النقديّة من النظام السوري. وهو (الاصطلاح) الكشّاف لطغيان النظام السوري في كلّ آن ومكان على الشعب في سوريا، عبر فرض قانون الطوارئ ورقابة أجهزة المخابرات على يوميّات الناس (قحف 2013، 2020، 2014؛ ودين 2019؛ غزّاوي 2014؛ الغضبانة 2020)، وفي هندسة المذابح كفنٍّ من فنون القبض على الحكم في حماة وحلب وإدلب وحمص وسِواها من مناطق أُخرى (اسماعيل 2018)، وثمّ تنظيم حملات الاعتقال الجماعي للمُعارِضين – وأُسَرِهِم، من فلسطينيّين ويساريّين ومقاتلين أكراد من كلّ الأجناس. إنّ "الاغتسال بالصمود" هو سياسةُ أداء التضامن مع الفلسطينيّين على قنوات الإعلام الرسمي في غضون استهداف قذائف الجيش السوري من الجوّ للشعب بالبراميل المتفجّرة و/أو الذخيرة الكيميائيّة وغيرها من أسلحة الدّمار الشامل "المحظورة" ("هيومن رايتس ووتش" 2015، "أسوشييتد برس" 2015، "منظمة العفو الدولية" 2020).

وكذلك يتقوّى النظام بدواءٍ مركّب من هياكل عنفٍ وأنساق خطابيّة أُخرى لإطالة عمرِه وترقيع وجهه العروبيّ المناهض للإمبرياليّة. بل لا نسهو عن أنّ إفشاء وقائع الإجرام الاستعماري والعنصري للنظام ضدّ السوريّين من غير العرب – مِن ذوي الانتماء الإثنيّ والعقائديّ المغاير، يَستَوي في الأهمّيّة مع فضح زيف ادّعاءات النظام بالتضامن مع فلسطين والصمود في وجه الأعداء الإمبرياليّين.

بكلمةٍ أُخرى: يزعم النظام مناهضة الإمبرياليّة، بيد أنّه يعلّق ويطوي أيّ حديثٍ أو سؤالٍ عن تفكيك الاستعمار والنماذج المبطّنة منه. وهذا مفهومٌ لو تبيّنّا جمود سياسة الخطاب العام عند النظام في زمن الخمسينيّات من القرن الماضي، في حضرة شعارات القوميّة العربيّة في أعقاب جلاء الاستعمار الإداري، سعيًا في تدشين الدولة-الأمّة بدلًا من استكمال مطامح تصفية الاستعمار (ساجد 2019، ساجد وسيديل 2019). ناصَرَت غالبيّة نُظُم البلاد الناطقة بالعربيّة قضيّة فلسطين، استثمارًا بهدف نيل التأييد الوجداني من شعوب هذه البلدان. إذ كما يبان في هذا المقال، يسعى النظام السوري في الاغتسال بالصمود وراء تَكَسُّب هذا الدعم والتأييد العاطفي وللترويج لذاته – خارج سوريا – على أنّه قلب العروبة النابض في المنطقة والعدوّ اللدود للإمبرياليّة في الغرب. وَرَدًّا على المظاهرات في سوريا عام ٢٠١١، أفرَد منطقًا تسلطيًا عاطفيًا إقصائيًا يُطعَن بموجبه بأيّ مقاومةٍ ضدّه على أنّها فعل خيانة وتواطؤ مع القوى الصهيونيّة والامبرياليّة.14 هذا الطعن والاتهام مستمَدّ من الزمن السابق على الانتفاضة والحرب، من خُطَبٍ عاطفيّة عهدتها جلّ شعوب المنطقة وهضمتها، وكلّما سمعتها تحسّست من عواقِبِها الاعتقال والإخفاء القسريّ (الاختطاف) ("هيومن رايتس ووتش" 2015، "أسوشييتد برس" 2015، منظمة العفو الدولية 2020).

بِخِلاف "الغسيل الوردي"، لا ينجرّ منظار "الاغتسال بالصمود" إلى أرفُفِ المتجر النيوليبيرالي لتدجين السياسة. بالعكس، يرمي (اصطلاح "الاغتسال بالصمود") إلى صوغ سلوكٍ سياسيّ-جماعيّ يصدح بخطاب مكافحة الإمبرياليّة والصهيونيّة – بدلًا من علك المصطلحات الليبيراليّة في حقوق الإنسان للتعمية على اعتناق عقيدة السوق النيوليبيراليّة. وتوظيف النظام السوري للصمود، في صفحات خطابه، إنّما يتمخّض عن شلّ حركة أيّ معارضةٍ للنظام. بتعبيرٍ آخر: في عُرفِ النظام السوري، إنّ فُرقان الاصطفاف مع أو ضدّ الكفاح الفلسطيني هو بيان الموقف منه هو (النظام): مؤيّد/معارض – وطنيّ/إرهابيّ.

تتسبّب هذه الحركيّة بخلخلة وزعزعة الكثير من جماعات المعارضة، تحديدًا المتّهمة بالتواطؤ مع العدوّ الاسرائيلي رغم أنّ أعضاءها قد يكونون من المندّدين بأفعال الكيان الصهيونيّ. نهدف من اصطلاح "الاغتسال بالصمود" أن نبيّن هذا الفصل المتعمَّد ما بين النضال لتفكيك الاستعمار ومعاداة الصهيونيّة من جهة ومعاداة النظام من جهة أخرى.

وبصيغةٍ أُخرى: ليس تحرير فلسطين والجولان – والتضامن مع الفلسطينيّين والسوريّين الجولانيّين، في مفهوم "الاغتسال بالصمود"، إلّا وهمًا باطلًا إن كان هو من باب تأييد النظام السوري بدلًا من كونه خروجًا عن طوعِه. نُجلي فيما يلي كيف أنّ يوميّات الكفاح الثوري لتفكيك الاستعمار في الجولان، وعند عموم الفلسطينيّين في سوريا، تبدع سياسات الصمود خارج (وضدّ) حدود النظام السوري. نسبر أغوار ثلاث دراساتٍ إفراديّة: أوّلًا في الجولان كنقطة افتتاح وانطلاق؛ ثانيًا في تاريخ تدجين الكفاح الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية وسوريا؛ ثالثًا في مخيّمات اللجوء الفلسطينيّة.

 

"الاغتسال بالصمود": مخيمات الجولان والفلسطينيين في سوريا: إنهاء الاستعمار ومناهضة النظام في الجولان

الجولان هو نقطة انطلاقنا. إنّ تحرير الجولان (مرتفعات الجولان) من التوسّع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي هو في صميم الوعي السوري. ومع ذلك، مثل فلسطين، يلعب الجولان السوري دور "البوصلة" في خطاب التحرير المجترّ من نظام البعث السوري على الرغم من عدم وجود جهود من جانبه لاتخاذ خطوات صادقة لتحريره. على العكس من ذلك، نفهم من روايات أبناء الجولان (أبو صالح 2019) أنهم يتعرّضون لأشكال عديدة من الرفض أو النفور من مسؤولي الدولة السورية على الحدود الاستيطانية الاستعمارية الإسرائيلية. كما تظهر هذه الروايات، لا يشعر الجولانيون بالإهمال بسبب تقاعس الدولة السورية عن التحرير فحسب، بل يشعرون أيضًا أن الوقوع تحت الحكم الإسرائيلي جعلهم، في مخيلة دوريات حرس الحدود السورية، إسرائيليين أو عرب مستعدّون للتعاون مع الدولة الإسرائيلية بسبب الضم (المرجع نفسه).

في عام 1967، احتلت إسرائيل الجولان السوري والضفة الغربية الفلسطينية وقطاع غزة (التي أُشير إليها جملةً فيما بعد باسم الأراضي الفلسطينية المحتلة). في حين أن مسألة الضفة الغربية وقطاع غزة تناقَش في الخطابات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، يجري نسيان الاحتلال القائم في أرض الجولان في غالب الأحيان. في أعقاب الضمّ الإسرائيلي للجولان السوري، نزح ما يقرب من 147000 جولاني. من بين 163 قرية، بقيت خمسٌ فقط جميعها من الدروز. منذ عام 1947 (الحوراني 2000 ؛ صايغ 2008)15 وخاصة في عام 1967، قاوم السوريون في الجولان بشكل جماعي التوسع الاستعماري الصهيوني والإسرائيلي وعمليات تشريد السكان وسرقة الملكيات. بالرغم من الجهود العديدة التي بُذلت "لأسرلة" الجولانيين وإلحاقهم بالـ "قومية" الإسرائيلية، إلا أن السوريين في الجولان رفضوا باستمرار الاندماج في مجتمع الدولة الاستعمارية وتدخّلاتها وشتّى محاولاتها التسلّطيّة. والواقع أن هذه الممارسات الجماعية المتمثّلة في رفض الامتثال للنظام الاستعماري وُصفت بأنها ممارسات منوطة بالمطاردين الذين يقاومون النظام الاستعماري العسكري ومؤسّسة الإعتقال (كركابي وإبراهيم 2020). يستند هذا الرفض إلى تاريخ طويل من النضال من أجل إنهاء الاستعمار يمتدّ منذ الثورة السورية الكبرى 1925-1927 (المرجع نفسه).

تجلّت معالم مقاومة أهل الجولان وممارسات صمودهم في، الإضرابات التاريخية والاحتجاجات وبرامج الاستدامة الاجتماعية والزراعية التي تحدّت الاعتماد على السوق الاسرائيلي وخدماته (مراعي وحلبي 1992 ؛ دجاني 2018 ؛ ماسون وآخرون. 2021). ربما الأهم من ذلك، أن الروايات التاريخية والروايات الشخصية الفلسطينية أو الجولانية تشهد على شبكة من التضامن الشعبي بين السوريين في الجولان والفلسطينيين في فلسطين.

كلّما انخرط الفلسطينيون في إضراب عام، انضمّ أهل الجولان. عندما انخرط الجولانيون في إضربات عامة أو عندما فرضت إسرائيل حصارًا (الاتحاد 1982) على الجولان في عام 1981 لإجبارهم على قبول الجنسية الإسرائيلية، شكّل الفلسطينيون تحالفات لدعم الجولان المحاصر بالإمدادات الطبّية والمواد الغذائية المهرّبة، وأفادت التقارير أن تحالفاتٍ قد تشكّلت بين السجناء السوريين والفلسطينيين في السجون الاسرائيلية (مايسون ودجاني 2018؛ مراعي وحلبي ؛ الاتحاد 1982).

في 25 مارس 2011، بعد أيام من اندلاع الانتفاضة السورية، نشر السوريون في الجولان بيانًا (أيوب 2011) عن الدعم والتضامن مع الشعب في سوريا، احتجاجًا على ظلم النظام. في البيان، ذكروا بحزم أنهم يدعمون تمامًا أولئك الذين يرفضون الإذلال والقمع والتبعية لجميع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. كما ذكروا أنهم كجزء لا يتجزّأ من الشعب السوري والأمة السورية، يدعون إلى رفض جميع أشكال العنف ضد السوريين، سواء كان ذلك من قبل النظام السوري أو الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. وإدراكاً منهم للسياسة التي قد تنشأ عن العيش تحت الاحتلال الاستعماري، فقد رفضوا الاستعمار الإسرائيلي وأكّدوا انتماءهم إلى سوريا. الإصرار على الانتماء إلى سوريا لا يعني الانتماء إلى نظام. والواقع أنّ الأمّة السورية أو الوطن السوري لا يعادلان السلطة الحاكمة. هؤلاء الجولانيون يرفضون بشدة رواية الاستعمار والاستبداد تمامًا. كما يؤكدون أن تحرير الجولان من الاستعمار الصهيوني، وهي مهمّة أهملها النظام السوري، ممكن عندما يكون متراصفًا جنبًا إلى جنب مع تحرير الشعب السوري من النظام المذكور. لطالما استخدم النظام السوري إجراءات الطوارئ وآليات حالة الاستثناء التي استمرّت عقودًا باسم معاداة الإمبريالية والمقاومة (المقاومة والممانعة) والمواجهة مع إسرائيل. لم تفشل مثل هذه الإجراءات في تحرير جولان المستعمرة فحسب، بل عززت بيئة من الفساد والانحلال تزيد من قمع السوريين.

وأنهوا بيانهم برفض قتل النظام للمتظاهرين السوريين باسم مقاومة إسرائيل. ونؤكد أن هذا البيان هو أحد أقوى حالات التعرض لآلية "الاغتسال بالصمود" التي ينتهجها نظام البعث. يقدّم الجولانيون، في دعمهم للانتفاضة، تصورًا عن إنهاء الاستعمار يبني على نقدٍ أكثر عمقًا للقومية العربية بعد الاستعمار والتي قد تركّز على الجماعة الوطنية بدلاً من الدولة القومية. على سبيل المثال، وصف نديم كركبي وعامر إبراهيم (2020) بإيجاز سياسات الجولانيين الجماعية لإنهاء الاستعمار والتصورات بأنها "احتمال لانعدام الجنسية الذي يثير حالة من "الهروب"، وهو صراع سياسي يرفض الالتزام بالمبادئ الاستعمارية وممارسة مجازية تهدف إلى إنشاء بدائل وجودية" (2020، 7)

 

الممانعة16 ضد الفلسطينيين: أرشيف "البعث السوري" (1960-2022)

"الاغتسال بالصمود" ليس خطابًا استثنائيًا للدولة ردًا على احتجاجات 2011 ؛ نتتبعّ تطوّره إلى الستينيات والسبعينيات عندما أعطى أعضاء "البعث" الأولوية لبناء العلاقات مع الدول العربية على دعم المقاومة الفلسطينية المسلّحة. في كتاب غادة تلحمي "سوريا والفلسطينيون: فئة المفاوضات" (2001)، تستشهد بخطاب حافظ الأسد أمام أعضاء الحزب في أيلول/ سبتمبر 1967 بعد هزيمة الجيوش العربية ضد إسرائيل. في خطابه، أكّد الأسد كيف شنّت سوريا جميع حروبها منذ استقلالها بعد الاستعمار كنتيجة للقضية الفلسطينية (90، تركيزنا). توسيعاً ومتابعةً لفكرة تلحمي، نرى17 أن آثار نكسة عام 1967، التي أدّت إلى التوسّع الاستعماري الإسرائيلي في المنطقة مع احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، والجولان السوري، وصحراء سيناء المصرية، كانت بادئة غسل البعثيين السوريين سياستهم الأدائية بالصمود.

على سبيل المثال، أيّد حافظ الأسد، في بيانه أمام اجتماع الحزب في أيلول/ سبتمبر 1970، قرار عدم إرسال أسلحة إلى المقاومة الفلسطينية في إربد، الأردن، خوفًا من تدهور العلاقات مع المملكة الأردنية والدول العربية (التهامي 2001، 96). على حدّ تعبير تلحمي، كان الأسد قلقًا على الحفاظ على الجيش الأردني "لمواجهة العدو الحقيقي، الإسرائيليين" (96، تركيزنا). بعد أن أرسلت سوريا لواء دبابات لدعم الفلسطينيين، كوزير للدفاع، رفض الأسد توفير غطاء جوي للدبابات السورية التي تتعرض لهجوم من الأردن، مما أجبرها على الانسحاب. ترك هذا الفلسطينيين غير مدعومين على الأرض، حيث قُتل الآلاف على يد قوات الملك حسين: "إنّ تخلّي الأسد عن الفلسطينيين في الأردن يشكّل سابقة كان من المقرر أن تتكرر في أعمال الخيانة اللاحقة" (شاؤول ومارسدن 2000). علاوة على ذلك، فإن كونه وزيرًا للدفاع في ذلك الوقت أثّر بشكل أساسي على علاقة حافظ الأسد بياسر عرفات عندما أصبح رئيسًا بعد سنوات (تلحمي 2001، 86). أدى ذلك إلى قيام الأسد بسجن عرفات لمدة 55 يومًا في المزة وقادة آخرين في "فتح" (حركة التحرير الوطني الفلسطيني). وأطلق سراحه شريطة ألّا يعود أبداً إلى سوريا (المرجع نفسه، 87).

علاوة على ذلك، بدأ وزير "البعث" الطموح حافظ الأسد في إنشاء روايته لمحاربة إسرائيل، أو ما أسمته تلحمي "القوات المسلحة الفلسطينية التي تسيطر عليها سوريا"، مما أدى إلى إنشاء جماعة "الصاعقة" المسلّحة (المرجع نفسه، 91). ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الخلاف مع جماعات المقاومة الفلسطينية ("فتح"، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، وأجزاء أخرى من منظمة التحرير الفلسطينية) لم يكن حكراً على الأسد أو عرفات؛ كما امتدّ ليشمل البعثيين الآخرين. فعلى سبيل المثال، قام عبد الكريم الجندي، رئيس أجهزة المخابرات في سوريا عقب انقلاب الأسد في عام 1970، بسجن زعيم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" جورج حبش (المرجع نفسه، 92). منذ الحرب على الفلسطينيين في الأردن في عام 1970، تخلّى "البعث السوري"، بعد أن أصبح حافظ الأسد رئيسًا، مرارًا وتكرارًا عن الفلسطينيين في مخيمي الكرنتينا وتل الزعتر في عام 1976،حيث قتلت الميليشيا اليمينية اللبنانية 2000 فلسطيني بالتعاون مع إسرائيل. وقف حافظ الأسد مكتوف الأيدي عندما قُتل فلسطينيون في صبرا وشاتيلا عام 1982 بعد غزو إسرائيل للبنان. كما تخلّى عن عرفات بالموافقة على هدنة مع إسرائيل لا تزال سارية حتى اليوم.

في الواقع، توضح لنا مذبحة تل الزعتر، من بين أمور أخرى، سبب كون العودة إلى الأرشيف طريقة أساسية ودقيقة لفضح غسل النظام السوري جرائمه بأساطير الصمود. تل الزعتر هو مخيم فلسطيني في لبنان، في شمال شرق بيروت. في كانون الثاني/ يناير 1976، حاصرت "القوات اللبنانية" وميليشيات يمينية أخرى المخيم كجزء من حملة أوسع لنزع سلاح "منظمة التحرير الفلسطينية" في الشمال اللبناني وإفراغ مخيم اللاجئين الفلسطينيين. تصاعد الحصار إلى هجوم عسكري على المخيم، انتهى بالقضاء الكامل على المخيم وتدميره، تاركًا الناجين الفلسطينيين مشرّدين في جميع أنحاء لبنان حتى اليوم.

يعمل "الاغتسال بالصمود" على محو التاريخ الموجود في المحفوظات البعثية، أي دورهم في القتل المنهجي للفلسطينيين في الأردن ولبنان والآن سوريا. إن تحديد كيفية عمل "الاغتسال بالصمود" في التاريخ البعثي يكشف تخلّي حافظ الأسد عن المقاومة الفلسطينية وطريقهم إلى تحرر من الاستعمار. نحن نجادل بأن اغتسال حافظ الأسد بالصمود في الأردن ولبنان في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات – المتواطئ في عمليات القتل ضد الفلسطينيين – مهّد الطريق لردّه العسكري على أي شكل من أشكال الانشقاق في سوريا: ضد اليساريين والطلاب والأكراد. الشعب وحركة "الإخوان المسلمين". في كتابها الأخير، تجادل سلوى إسماعيل (2018) بأن مذبحة حماة كانت بمثابة تقنية تربوية تأديبية ضد الحركات المتمرّدة الحالية والمستقبلية. في هذا المقال، نجادل بأن مثل هذه التقنيات التأديبية قد استُخدمت بالفعل ضد الفلسطينيين في الأردن ولبنان قبل استخدامها في سوريا. لا يمكن فهم "الاغتسال بالصمود" الذي قام به حافظ الأسد دون النظر إلى مواقع العنف ضد الفلسطينيين في الأردن ولبنان ودون النظر إلى مواقع العنف داخل سوريا في نفس الوقت. بعبارة أخرى، لا يمكن فهم "الاغتسال بالصمود" دون النظر إلى السياسة الداخلية، وسيطرة النظام السوري على حرية التعبير، والعنف الاستبدادي الممنهج ضد الحركات الشعبية.

لم يكتفِ "البعث السوري" بقيادة حافظ الأسد بالسطو على خطاب الصمود الفلسطيني فحسب، بل قام أيضًا بمحو الذاتية الفلسطينية من الصمود نفسه. بعبارة أخرى، تمّ غسل "البعث" بدون فلسطينيين وعلى حساب الفلسطينيين والسوريين. وبهذا المعنى، فإن نكسة عام 1967 والهدنة مع إسرائيل بعد عام 1982 كانت بمثابة التسليح البعثي السوري لخطاب تقرير المصير والتحرير الفلسطيني. تذكّرنا تلحمي (2001) بأن حافظ الأسد ظهر كزعيم عربي في الوقت الذي كان يهدف فيه إلى إصلاح العزلة الإقليمية والدولية في سوريا. "الاغتسال بالصمود"، بهذا المعنى، تمّ تشكيله من خلال سياقين متزامنين: الأول، تداعيات نكسة عام 1967 والحاجة إلى "إنقاذ وجه سوريا" بعد الهزيمة، والثاني، التطلعات السياسية لحافظ الأسد كزعيم عربي في المنطقة (تلحمي 2001). بهذا المعنى، يرتبط "الاغتسال بالصمود" بالمحو المستمرّ للحظتين تاريخيتين لحزب "البعث" بقيادة حافظ الأسد: الأول هو إخفاء الاعتقاد والذاكرة الشائعة بين الناس في سوريا بأن الأسد سلّم جولان إلى إسرائيل في عام 1967 (حوراني 2000). ثانيا، محو دور الأسد في مذبحة تل الزعتر في عام 1976 أكّد من جديد صورته كخائن للفلسطينيين (تلحمي 2001).

 

مُثيرو فتنة أو إرهابيون: الفلسطينيون في ظلّ نظام الممانعة البعثي السوري

من المستحيل الحديث عن الانتفاضة الشعبية السورية عام 2011 دون الحديث عن تمرّد المخيمات الفلسطينية الذي بدأ خلال الأيام الأولى للانتفاضة. سواء في مخيم اليرموك في دمشق أو مخيم الرمل في اللاذقية أو درعا أو حمص أو مخيم الهول في الشمال،18 كانت المخيمات الفلسطينية في سوريا مساحات مولدة للانتفاضة. كان الرمل واحدا من أقدم المناطق في سوريا التي بدأت بالتظاهر في شهر آذار وقُمعت بعنف من قبل قوات أمن الدولة. في 27 آذار/ مارس 2011، قالت المستشارة الإعلامية للرئيس، بثينة شعبان، إنّ "قلّة من الناس، للأسف، من إخواننا الفلسطينيين، هاجموا وحطّموا المتاجر في اللاذقية وبدأوا في إثارة (فوضى) الفتنة" (دنيا الوطن 2011). وقالت أيضاً إن أحد المتظاهرين كان يحمل مسدساً وقتل ضابط أمن واثنين من المتظاهرين، وأن هذا الأمر موثّق على التلفزيون السوري (المرجع نفسه). وأصدرت السلطة الفلسطينية في رام الله بيان إدانة ضد "استخدام الأمم العربية للفلسطينيين في الشؤون العربية الداخلية" دون تسمية النظام السوري (المرجع نفسه). أدان أحمد جبريل، زعيم "الجبهة الشعبية – القيادة العامة"، بيان شعبان ونفى أيّ تورّط فلسطيني في الاحتجاجات في الرمل. في كلماته: "كان مثيرو الفتنة قد أتوا من خارج المنطقة؛ وهم من إدلب وأماكن أخرى، ولكنهم لم يكونوا فلسطينيين" (المرجع نفسه). وكما هو المثال هنا، عملت القيادة الفلسطينية في كل من سوريا وفلسطين19 على زيادة تعزيز سطو النظام على الصمود الفلسطيني وتهميشه المنهجي للاجئين الفلسطينيين في سوريا. وبالنسبة للنظام، فإن الفلسطينيين في سوريا هم السبب وراء احتجاجات درعا في 18 آذار/ مارس (المرجع نفسه). في الأسابيع الأولى من الاحتجاجات الواسعة النطاق في آذار/ مارس 2011، صاغ المسؤولون السوريون الفلسطينيين والعراقيين والأردنيين والمصريين على أنهم "متسللون" تدعمهم الولايات المتحدة والدولة الإسرائيلية للإطاحة بالنظام السوري (قحف 2014؛ الغضبانة 2020 ؛ غزاوي 2017، 2021).

جاءت مجموعات التضامن إلى المخيم لتنظيم أعمال الإغاثة والاحتجاجات. وتطوّعوا لمساعدة المشردين داخلياً من مدارس "الأونروا" ومستشفى فلسطين ومساجدها. نظرًا بأن تواجد اللاجئين الفلسطينيين في العالم هو أداة سياسية بالنسبة لهم (سعيد 1999)، فإن ذكرى النكبة والتطلع إلى العودة إلى فلسطين تحفّز إحساسهم اليومي بالجماعية والسياسة المجتمعية في سوريا (حردان 2018). كان الناشطون الفلسطينيون في مخيم اليرموك ضروريين في توفير المساعدة والمأوى وورش العلاج والمساعدات المباشرة وجلسات الرعاية الذاتية مع الناجين. وبعبارة أخرى، سمح التسييس القائم بالفعل بين الفلسطينيين في المخيم باتخاذ إجراءات جاهزة للتعبئة ضد النظام. في نيسان/ أبريل 2015، غزت "داعش" ("الدولة الإسلامية في العراق والشام") المخيم واحتلّته حتى عام 2018، فيما عُرف باسم "معركة اليرموك" في الصحافة والخطاب الرسمي للدولة السورية. كان هذا أول حصار-مجاعة يتمّ فرضه كتكتيك حربي، وقد تمّ تبرير هذا الحصار من خلال خطاب "الحرب على الإرهاب" العالمي، الذي يذكّرنا بقصف الجيش اللبناني لمخيم نهر البارد في لبنان عام 2007.

قمع نظام "البعث" الاحتجاجات بلا رحمة منذ بداية الثورة في عام 2011. واستخدم إطارًا عالميًا إمبرياليًا موجودًا بالفعل لـ "الحرب الدولية على الإرهاب"، والتي اتخذت شكلها في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وبعد ذلك غزت الولايات المتحدة أفغانستان في عام 2002 والعراق في عام 2003. ومنذ ذلك الحين، أصبح خطاب الإرهاب الإسلامي أو الإرهاب المشبع بالأيديولوجيات السياسية الإسلامية هو أسلوب إدارة السياسة الدولية وتنظيم الحركات البشرية (بوار 2013) ؛ حجار 2006 ؛ لي 2019). نحن لا ندّعي أن الحكومة السورية تتعاون بشكل كامل مع "الحرب على الإرهاب" الأميركية، على الرغم من أن النظام شارك في برنامج التسليم الاستثنائي بعد 9/11،20 كما أنه لا يعمل من خلال التكتيكات القانونية التي تنشرها الولايات المتحدة لتبرير استخدام العنف الشديد ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم. نحن ببساطة نشير إلى الأرض الخصبة الجاهزة لـ"الحرب على الإرهاب" التي تمكّن الحكومات الاستبدادية، كما هو الحال في سوريا، أن تفرض إجراءات أمنية وحشية أو قوانين طوارئ ضد جميع أشكال الاحتجاجات التي تعتبر "إرهابية".

علاوة على ذلك، قبل الحصار، ربما كان مخيم اليرموك أول "منطقة محرّرة" في ضواحي دمشق، حيث كان يعمل من خلال شكل شعبي من السيادة الشعبية. تعمل هذه السيادة الشعبية في بعض الأحيان داخل سيادة الدولة السورية وخارجها. على سبيل المثال، ما زلتُ، أنا رزان، أتذكّر التجوّل في المخيم في منتصف عام 2011 مع المعتقل عدي التيم، وصديقه، وهو شاب فلسطيني صانع محتوى على YouTube، وقد اندهشتُ، كشخص من مدينة دمشق، من أن الجميع يمكنه التحدّث علنًا عن الاحتجاجات الشعبية المستمرة. وصلنا إلى مقهى، وكان لدينا نحن الثلاثة "نسكافيه ٣ في ١" بينما كنّا نناقش التنظيم الثوري في وسط دمشق. لم يكن هذا ممكنًا في حي دمشق من الطبقة المتوسطة العليا، تنظيم كفرسوسة. هذا لا يعني أنه لم يكن هناك مؤيدون للدولة بين الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيم اليرموك؛ على العكس من ذلك، أتذكر شابًا فلسطينيًا أنتج فيلمًا قصيرًا يصوّر تورّط المخيم في الانتفاضة قائلاً: "إنه شيء جيلي. يدعم والداي النظام لأنهم مرّوا بالكثير بالفعل وتعلّموا اختيار معاركهم. لا أستطيع أن أتخيّل حياة مع الأسد في السلطة. الثورة تحدث في تونس ومصر؛ لماذا ليس في سوريا أيضا". بعد كل شيء، اليرموك هو "المعسكر الذي رفض خدمة الأسد في معركته للبقاء في السلطة" (حلاوي 2015). بالاتفاق مع إبراهيم حلاوي، من المهم عدم فصل معاناة اليرموك عن معاناة سوريا لأنها "تمنح اليرموك وضعًا" استثنائيًا "لاستراتيجية حرب على مستوى البلاد ينفذها الأسد على الفلسطينيين والسوريين بشكل عشوائي" (المرجع نفسه). ليس من قبيل المصادفة إذن أن مخيم اليرموك كان أول مكان تحاصره الدولة السورية للمجاعة في سلسلة تكتيكاتها الحربية ضد القرى والبلدات ومخيمات اللاجئين.

 

الخاتمة

تناقشنا في هذا البحث بأن عملية "الاغتسال بالصمود" التي ينتهجها النظام السوري، لهي مجرّد عمل أدائي يتضمّن تحويل كلٍّ من النضالين الفلسطيني والجولاني وحق تقرير المصير إلى موضوع عرض. إنه ليس اشتباكاً في عملية الصمود، بل هو استحواذ على الصمود بهدف الهيمنة والسيطرة على السكّان. إن فرضية الصمود كاشتباك عمليّ، تعمل من خلال تحويل الحياة اليومية كمنطلقٍ للنضال. كما ذكرنا آنفاً، قد تأخذ عملية ممارسة الصمود المدفوعة سياسياً أشكالاً مختلفة: مثلاً شكلاً مكانياً عند التنقّل أو عبور أو تجاوز نقاط التفتيش العسكرية، وقد تأخذ شكلاً اجتماعياً عند الإصرار على بناء المجتمع بالرغم من التشظيات الموجودة فيه، أو شكلاً نفسياً عند الحفاظ على إرادةٍ قوية تحت ضغوطات التحقيق.

بعكس النظام، فإن القاعدة والحركات الشعبية الفلسطينية والجولانية تواجه الدولة الإسرائيلية الاستيطانية من خلال الأشكال اليومية للصمود. لهذا فإن "الاغتسال بالصمود" يُعَدّ تحويراً للحركات الفلسطينية والجولانية الأصلية، أولاً لتحتكر طبيعة الصمود والكيفية التي يجب أن يكون عليها (عبر الدولة، ليس خارج حدودها أو ما وراءها)، ثانياً، يُستخدم كمزيد من الترويج للهيئات العسكرية الحربية في وجه المتظاهرين على مستوى القاعدة الشعبية والمنظّمين وعمّال الإغاثة والعاملين في وسائل الإعلام. يستثني "الاغتسال بالصمود" الحركات الاحتجاجية السورية لكونها "مدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي آي إي" و"المؤامرة الإسرائيلية ضد الصمود الفلسطيني". إن "الاغتسال بالصمود" هو ما يبدو عليه الاستبداد العسكري الجزئي باسم تحرير فلسطين والجولان. إنه يخلق أجواء تشكيكية يُدان فيها المتظاهرون ضد النظام باعتبارهم إرهابيين.

علاوةً على كونه يولّد الخوف من السرديات الفلسطينية والجولانية الأصلية، والتي تعرّي عملية تحوير النظام للنضال الفلسطيني في وجه الاستعمار الإحلالي والاستبداد العسكري. ممّا لا شك فيه أنه وفي السياق السوري، فإن "الاغتسال بالصمود" وليس مُعاداة الإمبريالية هو ما يفسّر قتل الدولة السورية لشعبها وغيره من المجتمعات بما في ذلك الفلسطينيين. إن "الاغتسال بالصمود" هو ما يفسّر كيف أن شخصية حافظ الأسد كمدافعٍ عن القضية الفلسطينية أصبح محبوباً وسط العرب في الشتات من غير السوريين خارج منطقة شمال إفريقيا وجنوب غرب آسيا. نحاجج بأن "الاغتسال بالصمود" لا يختلف عن استراتيجية التستّر على الجرائم المُرتكَبة بحق السوريين والفلسطينيين باسم تحرير فلسطين. المشكلة في "الاغتسال بالصمود" تكمن في تنحية وتشويه النضال الفلسطيني، حيث أنها تُجرّد الناس من مقاومتهم على الأرض، ومن ممارسة الصمود المدفوعة سياسياً. كما أن هذه العملية تغرّب المقاومة والمُثابرة الجولانية في ظل الاستعمار الإحلالي الإسرائيلي، الذي يحاول فصل الجولانيين عن شعبهم أو عائلاتهم في سوريا ويسلب منهم أراضيهم.

من خلال الأمثلة المُناقَشة في هذا البحث، فإننا نشدّد على فارقٍ جوهري ما بين إطار العمل الليبرالي لخطاب الاغتسال بالدفاع عن المثلية والفكرة السلطوية لـ"الاغتسال بالصمود". "الاغتسال بالصمود" كمفهوم يتعارض مع الاغتسال بالدفاع عن المثلية، لا يطمح إلى التحوير السياسي النيوليبرالي. على العكس من ذلك، فإنه يهدف إلى هيكلة شكل جماعي للسياسة، يستخدم فيها عوضاً عن خطابات حقوق الإنسان الليبرالية، خطابات مناهضة الإمبريالية وإنهاء الاستعمار. تعمل عملية تعبئة الصمود في خطاب النظام السوري من خلال خلق تأثير استقطابي. بعبارة أخرى، فإن الدعم والتحالف مع النظام يُتَرجم على أنه داعم للنضال الفلسطيني من أجل التحرير، ومُناهضة بنية النظام وسياساته وسلوكه يُتَرجم بأنه ضد قضية التحرير الفلسطينية. يُهدد هذا الاستقطاب بخلخلة التنظيم وزعزعة استقرار العديد من مجموعات المعارضة، لا سيما أولئك الذين ينتقدون بشدة الدولة الإسرائيلية والصهيونية ولكن يجري تصويرهم أو تأطيرهم بكونهم حلفاء أو متواطئين مع الدولة الإسرائيلية. يتعلّق هذا الموضوع بالفلسطينيين في سوريا، كما هو مُبيّن أعلاه، وكذلك بالنسبة للسوريين في الجولان (والسوريون بشكل أوسع). مما لا شك فيه فإننا نؤكد بأن مهمّة "الاغتسال بالصمود" في جوهرها، إحداث الطلاق ما بين العمل على مقاومة الاستعمار ومُعاداة الصهيونية من جهة ومقاومة النظام من جهةٍ أًخرى. الأهم من ذلك، تكشف المقاومة الجولانية والفلسطينية كيف أن "الاغتسال بالصمود" من قبل النظام السوري يشكّل عقبة أمام التحرير السوري والفلسطيني. بعبارةٍ أُخرى، فإنه ومن خلال "الاغتسال بالصمود" فإن التحرّر الفلسطيني والجولاني والتضامن مع فلسطين والجولان السوري المُحتل لا يُمكن تحقيقه سوى من خلال دعم النظام السوري وليس ضده.

ولنا نحن مقاربةٌ أخرى في التسمية: إذ نعارض استخدام الدلالة العائليّة لما تحمله من تسطيح مُلَبرَل تتشدّق به الدعاية الغربية، ونتمسّك مقابله بـ”نظام البعث“ وذلك لأن في هذا الاستخدام مواجهة تفكيكيّة تساهم في عملية قراءة المرحلة ببعدها المركّب الأيديولوجي وما ينطوي تحته من تفاعلات جغرافية وطائفية وعائلاتية وإقليمية والخ.. (ملحوظة فريق الترجمة).

  • 1. نطلق هنا لفظة ”الانتفاضة“ متباينةً عن ”الثورة“، نظرًا لارتباط الأخيرة (في السياق السياسي المعاصِر) بجماعات المعارضة والفصائل المسلّحة من أصحاب خطّ اليمين السياسي-الايديولوجي المُعَسكَر – داخل سوريا وخارجها، في الجوار وفي الشتات. نستعين بـ ”الانتفاضة“ كي نسلّط الضوء على الحراكات الشعبيّة والقاعديّة غير المنسوبة لعقيدةٍ ما أو لجماعات سياسيّة/مسلّحة في سوريا.
  • 2. سوف نتناوب على تسميتي ”نظام الأسد“ و”النظام السوريّ“ (ملحوظة الكاتبتين، كما وردت في النص الانغليزي).
  • 3. ارتأينا عند هذا الموضع صلاح نقل لفظة Looking الانغليزيّة إلى اللحظة العربيّة لما تحوي هذه الكلمة في المعاجم من مدلولات زمانيّة ومكانيّة – فهي اللحظ والملاحظة أي التفحّص والمعاينة، وهي في الاصطلاح: البرهة من الزمن بمقدار *لحظة العين*. ومن شأنها ها هنا في الجولان المحتلّ والمخيّمات الفلسطينيّة أن تدفع بالتحليل السياسي عند *النظر* للكفاح التحرري في هذه البقاع الجغرافيّة بعيدًا عن جماد المكان والحدود إلى حركة الصيرورة الزمنيّة، إذ أنّنا ننظر هنا اشتباكًا متواصلًا متجدّدًا من طورٍ إلى آخر (ملحوظة المترجمين).
  • 4. للاطلاع على المزيد من المعلومات حول الموضوع، من المفيد مراجعة كتابات روز ماري صايغ (١٩٧٧، ٢٠٠١، ١٩٩٥).
  • 5. تدخّل المترجم لتصويب المفهوم السياسي للمسمّى الثنائي التأريخي بهدف تقديم شمول أدق لخط الفعل الذي أدى إلى تشكيل الحدود الدولاتية في يومنا هذا (محررة الترجمة).
  • 6. ترجمة سياسية بتصرف ارتأينا ابقاءها لدقة تأريخيتها (محررة الترجمة).
  • 7. اللفظ العربي للثبات ورفض الاستسلام (ميعاري ٢٠١٤) (تنويه من المترجم).
  • 8. لتعميق المعرفة بممارسات الصمود، اقرؤوا ما كتبته لينا ميعاري (٢٠١٤) عن اشتباك الأسرى الفلسطينيّين ومقاومتهم من داخل المعتقلات الإسرائيليّة.
  • 9. عام ٢٠١٣، في خضمّ فعاليّات أسبوع التعريف بممارسات الفصل (والتمييز) العنصري الإسرائيليّة داخل حرم جامعة تورونتو، تعرّضت إحدى كاتبتَي هذا المقال لاعتداءٍ بهدف ثنيها عن استكمال محاضرةٍ كانت تُلقيها حول النشاط القاعدي داخل الانتفاضة في سوريا؛ أطلق فلسطينيّون مِن مؤيّدي النظام السوري عليها وابِلًا من الاتهامات بمحاباة الامبرياليّة والتواطؤ معها، بل وعيّبوا على منظّمي اللقاء استضافتهم لمحاضرةٍ مناهضةٍ للنظام داخل ”فضاءٍ فلسطينيٍّ ثوريّ“.
  • 10. ونحن على درايةٍ بأنّ "الغسيل الوردي" (المصطلح) مُشتَقٌّ عن أشكالٍ أُخرى من عمليّات الغسل -مثل اصطلاح ”التبييض“ دلالةً على توظيف الدول الليبيراليّة لخطاب الشمول والتعدّديّة الثقافيّة والتنوّع بغية غسل بناها الاستعماريّة، الامبرياليّة والعنصريّة وإلباسها ثوبًا أبيضًا ناصعًا (جاكمان وأوبادهياي ٢٠١٤).
  • 11. لطالما بيَّنَت ووصَفَت وصفَعَت جماعات الكوير الناشطة في فلسطين متّحدّيةً توظيف اسرائيل للغسيل الوردي والمثليّة القومية في استراتيجيّاتها. (نذكر من المجموعات: القوس، أصوات، ومجموعة الكويريّات الفلسطينيّات من أجل مقاطعة ومعاقبة الكيان الصهيوني وسحب الاستثمارات منه).
  • 12. أو المثليّة القومية. هي مفهوم نظّرت له جاسبر بوار، لتنتقد من خلاله الحركة المثلية والكويرية في الولايات المتحدة وانخراطها ومساهمتها بتعزيز الأجندة والخطاب القومي التقسيمي، بالإضافة إلى التماهي مع المعيارية الغيرية، ومجاراتها للعنصرية وخطاب تفوق الرجل الأبيض في ما يسمى "بالامبراطورية الأميركية". تقول بوار عن مفهوم القومية المثلية الآتي "نشوء المثلية الجنسية"، أو ما أسميه اصطلاحًا القومية المثلية، التي توازي تميز الامبراطورية الأميركية لا يعمل وحسب بوصفه أداة تنظيمية ورقابية للمثلية والكويرية المعيارية، بل أيضًا بالنسبة للأنماط العرقية والوطنية التي تعزز هذه المواضيع الجنسية. هناك التزام بصعود هيمنة البيض العالمية، ويمكننا ملاحظة هذا التورط من خلال الترويج للامبراطورية الأميركية وأيضًا التحالف بين هذا الترويج وهذا النوع من المثلية (ملاحظة المترجم).
  • 13. صوّرَت الدعاية الأميركيّة النساء المسلمات على أنّهن ضحايا ساكِنة ومستسلِمة في انتظار Captain America لانتشالهنّ من مستنقع البؤس. ونضع هنا مسمّى المستضعفات، أو المقهورات و/أو المغلوبات. فالعبارات هذه كلّها تنطوي على كشف النقاب عن كُنه الضعف والوهن بأنّه فِعل قيود وسلاسل الغريم المستبدّ (المحلّي والمستعمِر) الذي يحيط بالكائن المُستضعَف-المقهور المأخوذ بالغَلَبة في الصراع حتى حين. ومن ثمّ هي تدحض الوهم القائل بأنّ الوهن فِعل "عقليّةٍ خاضعة ومتجذّرة في نفسيّة الذات العربيّة/المُسلِمة" تستلزم تدخّلًا جِراحيًّا مستعجلًا من خبراء هندسة المجتمعات المستعمَرة. نختار "المستضعفات" لرؤيتنا فيها أوسع العبارات الثلاث، تاريخيًّا وسياسيًّا، في الإشارة للمعنى الذي ذكرنا وفي وِسعها أن تفتح إمكانًا لعكس حالة الاستضعاف والقهر والغُلب انطلاقًا من الفِعل الذاتي (ملاحظة المترجم).
  • 14. إذ لم نَرَ هذا النمط من الخطابات يطوف شاشات الإعلام بهذه الروح، مثلًا، ضدّ التظاهرات في تونس ومصر والبحرين، أو أيّ انتفاضةٍ أُخرى في مشرق ومغرب العالم العربي.
  • 15. وثّق أكرم الحوراني في مذكراته الثلاثية كيف حاولت الشركات الصهيونية شراء أراضي الجولانيين عام 1947 (الحوراني 2000، 25).
  • 16. "ممانعة" في هذا السياق تعني الخطاب الذي يدّعي أن النظام السوري هو قوّة معادية للامبريالية في المنطقة.
  • 17. هذا الأمر مثبت أيضاً في سيرة حياة حافظ الأسد التي كتبها باتريك سيل (1989). بصفته أحد المقرّبين من الأسد، يرسم كتاب سيل بوضوح علاقة مشحونة للغاية بين تبنّي النظام خطاب مناهضة الصهيونية، وهوسه بالهيمنة الإقليمية، والتزامه بالقومية العربية.
  • 18. هناك 499,189 لاجئاً فلسطينياً مسجّلاً و12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في سوريا، تسعة منها رسمية وثلاثة غير رسمية ("أونروا" 2019).
  • 19. مع الأسف، في السنوات القليلة الماضية، شهدنا كيف استخدمت السلطة الفلسطينية خطاب "الصمود" لتعزيز جهاز الأمن والرقابة والاستبداد والعنف ضد شعبها. "الاغتسال بالصمود"، في حالة السلطة الفلسطينية، هو أحد ترسّبات عملية بناء شبه الدولة، وهو خطاب يوظف في تسويغ ممارسة السلطة الفلسطينية أشكال العنف المشرعنة دولاتيًا (من خلال استخدام قوة الشرطة على سبيل المثال) على نحو ممنهج يرمي الى الحؤول دون قدرة الفلسطينيين في فلسطين المحتلة من السعي للتحرر.
  • 20. على سبيل المثال، قضية الكندي السوري ماهر عرار الذي اتهمته الولايات المتحدة بالإرهاب وأرسل إلى سوريا مع علم "وكالة المخابرات المركزية" بأنه سيتعرض للتعذيب على يد النظام السوري. انظر "منظمة العفو الدولية" (2015).
ملحوظات: 
المراجع: 

Abu Hatoum, Nayrouz, and Ghaida Moussa. 2018. “Becoming Through Others: Western Queer Self-Fashioning and Solidarity with Queer Palestine.” In Queering Urban Justice: Queer of Colour Formations in Toronto, edited by Jinthana Haritaworn, Ghaida Moussa, Syrus Marcus Ware, and Gabriela (Rio) Rodriguez, 169–86. Toronto: University of Toronto Press.

Abu-Assab, Nour, and Nof Nasser-Eddin. 2019. “(Re)Centralising Palestine in Decolonial Feminist Theory.” Kohl: a Journal for Body and Gender Research 5 (1): 5–10. https://kohljournal.press/recentralising-palestine

Abu-Lughod, Lila. 2013. Do Muslim Women Need Saving? Cambridge: Harvard University Press.

Abu Saleh, Aram. 2022. “‘If It’s Not Apartheid, Then What Is?’: Aram Abu Saleh on Life in The Golan Heights (VIDEO).” Palestine Chronicle (blog). April 8. https://www.palestinechronicle.com/if-its-not-apartheid-then-what-is-aram-abu-saleh-on-life-in-the-golan-heights-video/

Ahmed, Sara. 2004. “Affective economies.” Social text 22 (2): 117–39.

alGhadbanah, Banah. 2020. “What the People of Idlib Teach Us about Resilience during Times of Apocalypse.” Medium. March 21. https://banahghadbanah.medium.com/what-the-people-of-idlib-teach-us-about-resilience-during-times-of-apocalypse-293d4031e0d6

Al-Hardan, Anaheed, 2018. Palestinians in Syria: Nakba Memories of Shattered Communities. New York: Columbia University Press.

Al-Hourani, Akram. 2000. مذكرات أكرم الحوراني [Akram Al Hourani Memoirs]. Al-Qāhirah: Maktabat Madbūlī.

Al-Itihad. 1982. “حصار إرهابي لكسكر إضلاب الجولان [Terrorist Siege to Break the Jawlan Strike].” Al-Itihad. February 28, 83/38 edition.

Alqaisiya, Walaa. 2018. “Decolonial Queering: The Politics of Being Queer in Palestine.” Journal of Palestine Studies 47 (3): 29–44.

Amireh, Amal. 2010. “Afterword.” GLQ: A Journal of Lesbian and Gay Studies 16 (4): 635–47.

Amnesty International. 2015. “Charges Filed Against Syrian Official for Torture of Maher Arar, Survivor of Rendition in Us War on Terror.” Amnesty International (blog). September 1. https://www.amnestyusa.org/press-releases/charges-filed-against-syrian-official-for-torture-of-maher-arar-survivor-of-rendition-in-us-war-on-terror/

---. 2020. “Syria: Targeting Schools Being Properly Used for Educational Purposes in Idlib Is a War Crime.” Amnesty International. February 25. https://www.amnesty.org/en/latest/news/2020/02/syria-targeting-schools-in-idlib-is-a-war-crime/

Associated Press. 2015. “Syria Dictator Bashar Assad Has Killed 11,000 with Barrel Bombs, Amnesty International Says.” CBS News. May 5. https://www.cbsnews.com/news/syria-bashar-assad-killed-11000-barrel-bombs-amnesty-international/

Ayoub, Wahib. 2011. “بيان لسوريين من الجولان المحتل / -أنتم الصوت ونحن صداه- [-Statement from Syrians in the Occupied Jawlan /- You Are the Voice and We its Echo].” Al Hewar. March 25. https://m.ahewar.org/s.asp?aid=252088&r=0

Dunya-Watan. 2011. “بثينة شعبان: فلسطينيون بدأوا فتنة في اللاذقية [Buthaina Sha’ban: Palestinian Started a Fitna in Latakia].” Al Watan Voice. March 27. https://www.alwatanvoice.com/arabic/content/print/172014.html

Ghazzawi, Razan. 2014. “Seeing the Women in Revolutionary Syria.” Open Democracy. April 8. https://www.opendemocracy.net/en/north-africa-west-asia/seeing-women-in-revolutionary-syria/

---. 2017. “Decolonising Syria’s so-called ‘queer liberation’.” AlJazeera. August 5. https://www.aljazeera.com/opinions/2017/8/5/decolonising-syrias-so-called-queer-liberation/

---. 2021. “Reading the Term White Syrian through Fanon: A Feminist Anti-Colorist Critique.” In Fanon Today: Reason and Revolt of the Wretched of the Earth, edited by Nigel Gibson, 155. Québec: Daraja Press.

Hajjar, Lisa. 2006. “Human rights in Israel/Palestine: The history and politics of a movement.” Law and Social Movements, edited by Michael McCann, 137–54. London: Routledge.

Halawi, Ibrahim. 2015. “Assad and the Palestinians: From Tal al-Zaatar to Yarmouk.” The New Arab. April 7. https://english.alaraby.co.uk/analysis/assad-and-palestinians-tal-al-zaatar-yarmouk

HRW. 2015. “Syria: Stories Behind Photos of Killed Detainees.” Human Rights Watch. December 16. https://www.hrw.org/news/2015/12/16/syria-stories-behind-photos-killed-detainees

Ismail, Salwa. 2018. The Rule of Violence: Subjectivity, Memory and Government in Syria. Cambridge: Cambridge University Press.

Jackman, Michael Connors, and Nishant Upadhyay. 2014. “Pinkwatching Israel, Whitewashing Canada: Queer (Settler) Politics and Indigenous Colonization in Canada.” Women’s Studies Quarterly 42 (3/4): 195–210.

Kahf, Mohja. 2013. “Then and Now: The Syrian Revolution to Date” [Special Report]. Friends for a Non-Violent World. February 28. http://www.satyagrahafoundation.org/wp-content/uploads/2014/01/Syria_Special_Report-web.pdf

---. 2014. “The Syrian Revolution, Then and Now.” Peace Review 26 (4): 556–63.

---. 2020. “7. Two Nonviolence Campaigns Initiated by Women in Syria.” In Women Rising: In and Beyond the Arab Spring, edited by Rita Stephan and Mounira M. Charrad, 58–67. New York: New York University Press.

Karkabi, Nadeem, and Aamer Ibraheem. 2020. “On Fleeing Colonial Captivity: Fugitive Arts in the Occupied Jawlan.” Identities 0 (0): 1–20.

Kouri-Towe, Natalie. 2015. “Textured Activism: Affect Theory and Transformational Politics in Transnational Queer Palestine-Solidarity Activism.” Atlantis: Critical Studies in Gender, Culture & Social Justice 37 (1): 23–34.

---. 2017. “Risk, Desire and Adaptation: The Paradox of Queer Solidarity and the Political Possibility of Death Under Neoliberalism and Homonationalism.” Somatechnics 7 (2): 185–200.

Li, Darryl. 2019. The Universal Enemy: Jihad, Empire, and the Challenge of Solidarity. Stanford: Stanford University Press.

Maikey, Haneen. 2013. Keynote from the “Homonationalism and Pinkwashing Conference.” CLAGS: The Center for LGBTQ Studies. 10-11 April. New York: CUNY Graduate Center. https://www.youtube.com/watch?v=FRRTH81MoFs

Mara’i, Tayseer, and Usama R. Halabi. 1992. “Life under Occupation in the Golan Heights.” Journal of Palestine Studies 22 (1): 78–93.

Mason, Michael, and Muna Dajani. 2018. “A Political Ontology of Land: Rooting Syrian Identity in the Occupied Golan Heights.” Antipode 51 (1): 187–206.

Mason, Michael, Muna Dajani, Munir Fakher Eldin, and Omar Tesdell. 2021. The occupied Jawlan: an online open curriculum. LSE Middle East Centre Paper Series (58). London: Middle East Centre, LSE. http://eprints.lse.ac.uk/112792/

Meari, Lena. 2014. “Sumud: A Palestinian Philosophy of Confrontation in Colonial Prisons.” South Atlantic Quarterly 113 (3): 547–78.

Mogannam, Jennifer. 2017. “Syria’s Anti-Imperialist Mask: Unveiling Contradictions of the Left through Anti-Capitalist Thought.” Social Identities 24 (2): 222–37.

Morgensen, Scott. 2013. “Settler Colonialism and Alliance: Comparative Challenges to Pinkwashing and Homonationalism.” Jadaliyya. April 3. https://www.jadaliyya.com/Details/28372

Naber, Nadine, and Zeina Zaatari. 2014. “Reframing the War on Terror: Feminist and Lesbian, Gay, Bisexual, Transgender, and Queer (LGBTQ) Activism in the Context of the 2006 Israeli Invasion of Lebanon.” Cultural Dynamics 26 (1): 91–111.

Olwan, Dana M. 2013. “Gendered Violence, Cultural Otherness, and Honour Crimes in Canadian National Logics.” Canadian Journal of Sociology 38 (4): 533–56.

Puar, Jasbir. 2011. “Citation and Censorship: The Politics of Talking about the Sexual Politics of Israel.” Feminist Legal Studies 19 (2): 133–42.

---. 2013. Rethinking homonationalism.” International Journal of Middle East Studies 45 (2): 336–39.

Sajed, Alina. 2019. “Re-Remembering Third Worldism: An Affirmative Critique of National Liberation in Algeria.” Middle East Critique 28 (3): 243–60.

Sajed, Alina, and Timothy Seidel. 2019. “Introduction: Escaping the Nation? National Consciousness and the Horizons of Decolonization.” International Journal of Postcolonial Studies 21 (5): 583–91.

Sayigh, Rosemary. 1977. “Sources of Palestinian Nationalism: A Study of a Palestinian Camp in Lebanon.” Journal of Palestine Studies 6 (4): 17–40.

---. 1995. “Palestinians in Lebanon: Harsh Present, Uncertain Future.” Journal of Palestine Studies 25 (1): 37–53.

---. 2001. “Palestinian Refugees in Lebanon: Implantation, Transfer or Return?” Middle East Policy 8 (1): 94.

---. 2008. The Palestinians: From Peasants to Revolutionaries. London: Bloomsbury Publishing.

Seale, Patrick. 1989. Asad: The Struggle for the Middle East. Berkeley: University of California Press.

Shaoul, Jean, and Chris Marsden. 2000. “The Bitter Legacy of Syria’s Hafez al-Assad.” World Socialist Web Site. June 16. https://www.wsws.org/en/articles/2000/06/assa-j16.html

Schulman, Sarah. 2012. Israel/Palestine and the Queer International. Durham, NC: Duke University Press.

Shafie, Ghadir. 2015. “Pinkwashing: Israel’s International Strategy and Internal Agenda.” Kohl: A Journal for Body and Gender Research 1 (1): 83–86. https://kohljournal.press/pinkwashing-israels-international-strategy

Talhami, Ghada. 2001. Syria and the Palestinians: The Clash of Nationalism. Gainesville: University Press of Florida.

UNRWA. 2019. “Palestine Refugees in Syria: A Tale of Devastation and Courage – UNRWA Commissioner-General Op Ed.” The Question of Palestine (United Nations blog). March 14. https://www.un.org/unispal/document/palestine-refugees-in-syria-a-tale-of-devastation-and-courage-unrwa-commissioner-general-op-ed/

Wedeen, Lisa. 2019. Authoritarian Apprehensions: Ideology, Judgment, and Mourning in Syria. Chicago: University of Chicago Press.

Zeleke, Elleni Centime, and Arash Davari. 2022. “Introduction: Third World Historical: Rethinking Revolution from Ethiopia to Iran.” Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East 42 (2): 422–29.