لا نزع للاستعمار دون تحرّرٍ للمرأة: تحرّر النساء في الخطاب النظري للحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر

السيرة: 

زياد النابلسي طالب دكتوراه في دراسات أفريكانا بجامعة كورنيل. حاصل على ماجستير في الفلسفة وبكالوريوس في الهندسة (الهندسة الكيميائية) من جامعة ماكماستر. متخصص في التاريخ الفكري الأفريقي الحديث والفلسفة. وقد نشر كتابات عن التاريخ الفكري للتضامن الأفروآسيوي، وفلسفة أميلكار كابرال للثقافة، ونظرية بولين هاونتوندجي للتبعية العلمية، ومناقشات حول نظرية الإمبريالية في ماركسية شرق إفريقيا، وعن نظرية أميلكار كابرال في التاريخ، وتاريخ الدراسات الأفريقية في مصر من بين مواضيع أخرى.

شكر‬ ‫واعتراف‬: 

انا ممتن لتعليقات جوديث بيفيلد المفيدة للغاية على نسخة سابقة من هذا العمل. كما أود أن أعرب عن امتناني لجميع المشاركين في ورشة العمل التي نظمتها ألينا ساجد وسارة سالم لمناقشة الأوراق في هذا العدد الخاص. أود أيضًا أن الاشادة بالاقتراحات المفيدة التي قدمها مراجع مجهول في مجلة كحل. كما زودتني ألينا ساجد وسارة سالم بتعليقات مفيدة للغاية على المسودة النهائية لهذه الورقة.

اقتباس: 
زياد النابلسي. "لا نزع للاستعمار دون تحرّرٍ للمرأة: تحرّر النساء في الخطاب النظري للحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 9 عدد 1 (23 يناير 2023): ص. 161-174. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 21 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/394.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (554.35 كيلوبايت)
ترجمة: 

أدهم سليم هو باحث وكاتب يعمل حالياً مديراً لتحرير منصة "الأركيلوغ" للنشر والترجمة.

باحثة ومترجمة واستشارية. يتركّز عملها البحثي في الثقافة والفنون وهي متخصّصة في الفنون العربيّة المعاصرة. يشمل عملها البحثي مجالات عدّة منها العمالة الثقافيّة والفنيّة المجندرة. عملت سابقًا كمديرة مساعدة في مركز بيروت للفن وشاركت في تقييم عدد من المعارض الفنيّة. هي أيضًا مؤسّسة مشاركة في "الأركيلوغ" منصّة إلكترونيّة للترجمة والنشر بشكل جماعيّ.

_72a9440_600dpi1.jpg

نساء الجزائر٬ 2012

أسد فالويل

 

مقدمة

شهد منتصف القرن العشرين ذروة النضال الإفريقي من أجل الاستقلال السياسي، ولم يكد عقد الستينيات ينقضي إلا وقد حصل عديدٌ من الدول الإفريقية على استقلاله بالفعل. إلا أن ذلك لا ينطبق على المستعمرات البرتغالية في إفريقيا، والتي اضطرّت شعوبها لخوض حروبٍ مريرةٍ دارت رُحاها حتى السبعينيات قبل نيل الاستقلال. للمفارقة، كان لذلك التأخّر القسري نفعًا في أوجهٍ أقلّها استفادة قادة حركات التحرّر في المستعمرات البرتغالية من أخطاء سابقيهم من الجيل الأول من قادة حركات التحرّر في إفريقيا. أركّز هنا على واحدةٍ من هذه الحركات وقيادتها، وهي الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر (PAIGC) والذي قاد حرب تحرير غينيا والرأس الأخضر بين 1963 و1974. يقول زعيم الحزب، أميلكار كابرال، متأملًا تجارب حركات التحرّر السابقة، أن خطأها الأساسي كمُن في غياب نظريةٍ واضحةٍ للتحوّل الاجتماعي توجِّه دفّة النضال. اعتقد كابرال أنه يجب أن يكون واضحًا لكل الحزبيين أن مساعي الحزب لا تقتصر على نيل الاستقلال وحسب، وإنما تشمل "إزاحة كل عقبةٍ في سبيل تقدم شعبنا [في غينيا والرأس الأخضر]، وتحطيم كل ما من شأنه عرقلة تقدّمه أو تقييد حريته. ما نريده بنهاية المطاف هو أن يظفر كل طفلٍ أو رجلٍ أو امرأةٍ على أرضنا بفرصٍ حقيقيةٍ ومتساويةٍ للتطور على المستوى الإنساني، تمكّنهم/ن من العطاء على قدر كفايتهم/ن، وشحذ نفوسهم/ن وأجسادهم/ن على أكمل ما يُرجى منها" (كابرال 2016، 77). وعلى كثرة العقبات التي وقفت في وجه هذا التحقق الكامل لإمكانات الرجال والنساء في غينيا بيساو والرأس الأخضر، اهتمّ كابرال بالمظالم الجندرية والتضييق على حريات النساء. وعلى الرغم من أن التزام كابرال بقضايا تحرّر النساء هو أمرٌ معلومٌ بطبيعة الحال، إلا أن الأسس الفلسفية لالتزامه هذا لا تزال غير مشمولةٍ بالبحث.

أتناول في هذا المقال طرحًا مفاده أن اهتمام قيادة الـPAIGC، وتحديدًا اهتمام أميلكار كابرال، بالمنافحة عن حقوق النساء وتحرّرهن يجب أن يُرى في ضوء توجهات كابرال الفلسفية الحداثية، كما أسلّط الضوء على الدور المحوري الذي لعبته النساء في النضال من أجل التحرّر من الاستعمار البرتغالي. في الجزء الأول من المقال أوصّف النزعات الفلسفية الحداثية لكابرال والطريقة التي أثّرت بها على نظرته لضرورة تحرّر النساء. أركز هنا على الالتزام الفلسفي تجاه الاستقلالية كمبدأ معياري حاكم. أما في الجزء الثاني، فأتناول الدور المحوري الذي لعبته النساء في الضغط على الـPAIGC للانتظام في هيكل الحزب، على سبيل المثال مثّلت النساء قوةً فاعلةً في سبيل تحررهن لا ذوات خاملة تنتظر من "يحررها". في الجزء الثالث والأخير، أصف مدى التزام الـPAIGC بقضايا تحرّر النساء، وأناقش أسباب اختلاف بعض قيادات الحزب (لويس كابرال مثالًا) مع أميلكار كابرال على أولوية تحرّر النساء بالنسبة الحزب. يتناول هذا المقال إذًا قضية المخيّلة النسوية المناهضة للاستعمار من زاويةٍ تنظر لآمال النضال النسوي الإفريقي للتحرّر، ومن زاويةٍ مقابلةٍ تنظر إلى خيانة من تصدّروا سُدّة الحزب من الرجال لهذه الآمال. بالنسبة لهؤلاء، لم يكن تحرّر النساء شرطًا أساسيًا لخلق بيئةٍ اجتماعيةٍ تسمح بالتحقق الكامل لقدرات شعب غينيا بيساو والرأس الأخضر رجالًا ونساءً.

 

الجذور الفلسفية الحداثية لخطاب الـPAIGC حول تحرّر النساء

يمكن النظر لفلسفة الثقافة عند كابرال كواحدةٍ من تمثّلات الخطاب الفلسفي الحداثي. العناصر الأساسية لهذا الخطاب هي مبدأ الذاتية ومركزية العقل والإيمان بحتمية تطوّر الإنسان. أهم هذه العناصر في إطار هذا المقال هو أوّلها، أي مبدأ الذاتية. يعود "مبدأ الذاتية" إلى فكرة هيغل عن أن ما يميّز الحداثة عن سواها كحقبةٍ تاريخيةٍ وخطابٍ فلسفيٍ هو الأهمية القيمية التي توليها الحداثة لقدرة الفرد على تقرير ما يفعله بحياته/ها، وأنّ إدراك المرء لصوابية قراراته مرهونٌ بإدراكه لها كقراراتٍ خيّرة (تايوو 2010، 76). على المستويين السياسي والاجتماعي يفضي الالتزام بمبدأ الذاتية إلى الإيمان بضرورة الحكم الذاتي. بحلول العام 1972 كان الـPAIGC يحكم مناطق شاسعة من غينيا بيساو، وفي هذه المناطق المحرّرة سعى الحزب إلى إنشاء المدارس والمستشفيات حيث لم يكن هناك أيًا منها في السابق، وهو ما تسجّله شهادة رئيس البعثة الخاصة لغينيا بيساو في نيسان/أبريل 1972 (بورجا 1973). نظر كابرال إلى دور الحزب في المناطق المحرَّرة من زاوية مساعدة الناس على إنشاء أطرٍ تمكنهم/ن من حكم أنفسهم/ن: "لا بد من التعبئة والتنظيم المستمر لشعبنا كي نساعد اللجان الشعبية في القرى على عقد اجتماعاتها ومناقشة ما تواجهه من صعابٍ ودعم قدرتها على الحكم الذاتي وحل مشاكلها" (كابرال 1979 أ، 101). يمكننا فهم الاستقلالية هنا من المنظور الفردي، أي من زاوية حق الأفراد في تنظيم حياتهم/ن الشخصية، ومن المنظور الجمعي، أي من زاوية حق شعب غينيا بيساو والرأس الأخضر في الحكم الذاتي والتحرّر من الخضوع للبرتغاليين.

لكن ثمّة اعتراض جائز على هذه الحجة، فإلى أي مدى يمكننا أن نعزو هذا الالتزام بالاستقلالية الفردية كأثرٍ للحزب بالنظر إلى الارتباط التاريخي بين الاستقلالية الفردية والليبرالية كسمةٍ مقترنةٍ بصعود نمط الإنتاج الرأسمالي، لا سيّما وأن إيديولوجية الحزب عادةً ما توصَف بالماركسية من قبل عديدٍ من الباحثين/ات (رودبيك 1974، 103؛ ميندي 2019، 202؛ ديفدسون 2017 [1981]، 115). لا يمكن الإجابة بشكلٍ وافٍ على هذا التساؤل المهم دون تحليلٍ شاملٍ للعلاقات التاريخية والمفاهيمية بين الماركسية والليبرالية، وهو ما لا يتّسع له المقام هنا. لكن ذلك لا يمنع من سرد بعض النقاط التي من شأنها الإضاءة على الجواب. اقترنت نشأة الخطاب الفلسفي للحداثة في مهده بالليبرالية والرأسمالية، لكن القطيعة التي استحدثتها الماركسية مع الليبرالية والرأسمالية لا تعني بالضرورة انقطاعها، أي الماركسية، عن الخطاب الفلسفي للحداثة. واقع الحال أن نقد ماركس لليبرالية (وما استقرّ عليه لاحقًا التقليد الماركسي في نقد الليبرالية) هو ممّا يمكن فهمه من منظور الخطاب الفلسفي للحداثة. فقد اعتقد ماركس بأن الحرية السلبية للمجتمع البورجوازي تمثل خطوةً مهمةً في التطور الإنساني على الأقل لناحية دورها في تفكيك عُرى وروابط التبعية الفردية (ساير 1991، 17-37)، إلا أن هذه الحرية السلبية تحتاج للتطوير على النحو الذي يصفه هيغل باصطلاح aufheben أي أن تُشمل بتغيرٍ من شأنه الحفاظ على إيجابياتها مع السماح بنشأة وتطور المجتمع. يقول شون ساير "كما هيغل، يقسّم ماركس التاريخ إلى ثلاث مراحلٍ أساسية: أولها مرحلة الوحدة الاجتماعية الأولية [كانت أبرز تمثلاتها الحياة الأخلاقية للمدينة الإغريقية] يتبعها مرحلة من الانقسام والاغتراب [ترافقت مع ظهور الحريات السلبية للحداثة] وأخيرًا مرحلة الموالفة بين المرحلتين السابقتين وفيها تتطور فردية الإنسان ضمن سياق المجتمع [هذه الحرية عند ماركس هي الشيوعية]" (ساير 2007، 99). بعبارةٍ أخرى، يمكننا النظر إلى النقد الماركسي للرأسمالية كنمطٍ للإنتاج وللّيبرالية كإطار نظري لهذا الإنتاج في إطار السعي نحو الاستقلالية الفردية (أو إن شئنا الدقّة، نحو الاستقلالية الفردية للإنسان الحداثي) لا نفيها. وبالطريقة ذاتها يمكننا أن نتفهم توجهات الـPAIGC التي تجمع بين التأثيرات الماركسية والدفاع عن الاستقلالية الفردية.

كنت في مقامٍ آخر أكثر تفصيلًا قد أسهبت في شرح حيثية النظر لكابرال كحداثيٍ على خلفية انتمائه للخطاب الفلسفي للحداثة لا سيّما في تركيزه على مبدأ الذاتية والاستقلالية ومركزية العقل والإيمان بالتقدّم (النابلسي، 2020). وأزعم أن التزام كابرال بالدفاع عن الاستقلالية الفردية كان هو نفسه الدافع وراء إيمانه بتحرّر المرأة. لكن ثمّة سؤال حول ضرورة استحضار هذا الالتزام بالاستقلالية الفردية للإنسان كتبريرٍ لموقف كابرال من حقوق النساء، ألا يمكننا النظر إلى موقفه هذا من خلال "الأعراف الإفريقية التقليدية" المتصلة بالنوع الاجتماعي (أستخدم الاصطلاح هنا كما درج استعماله في بيئته الأصلية بمعزلٍ عن قناعتي بقصوره من الناحية التحليلية)؟ واقع الحال أن سياسات كابرال وحزبه فيما يخصّ التقسيم الجندري للعمل تُظهر أن الأمر ليس كذلك. ويلزم هنا بعض التوضيح لشرح محاولات الحزب في تفكيك أطر التقسيم الجندري للعمل على مستوى المدرسة. يـ/تذهب بعض الباحثين/ات إلى أن وجود تقسيمٍ جندريٍ صارمٍ للعمل في بعض المجتمعات الإفريقية لا يعني ولا ينطوي بالضرورة على شكلٍ من أشكال القهر أو الإجحاف الجندري. على سبيل المثال، تطرح الفيلسوفة النيجيرية نكيرو أويشيا نزيغوو في تحليلها للأطر العائلية في مجتمع الإيبو أن المساواة بين رجال ونساء الإيبو "لا تُقاس بالمعايير المجردة للتماثل، بل ينبغي أن تُرى في إطار المسؤوليات والواجبات الاجتماعية والسياسية الواضحة التي يتشاركها الجنسان" (نزيغوو، 2006، 193). تخلص نزيغوو إلى أن وجود تقسيم جندري صارم للعمل لا يتعارض مفاهيميًا مع المساواة بين الرجال والنساء في مجتمع الإيبو. وإن سلّمنا جدلًا بطرح نزيغوو في أن التقسيم الجندري الصارم للعمل قد لا يؤشر بالضرورة على المساواة أو الإجحاف الجندري، فإن ذلك لا يعفينا من نقد التقسيم الجندري للعمل انطلاقًا من الخطاب الفلسفي للحداثة مع ما يوليه من أهمية قيمية للاستقلالية الفردية وبشكلٍ أخصّ للحرية الفردية. فمحض وجود التقسيم الجندري هو انتهاكٌ لاستقلالية الفرد أكان رجلًا أم امرأة. فمثل هذا التقسيم لا يحظر على النساء وحسب امتهان "أشغال الرجال" إن رغبن بها، بل ويحظر على الرجال أيضًا امتهان "أشغال النساء" حتى وإن رغبوا بها. يسري ذلك أيضًا حتى وإن لم ير المجتمع "أشغال الرجال" و"أشغال النساء" على القدر ذاته من القيمة. بل إن من المجتمعات ما قد يوصف بالمساواة بين "أشغال النساء" و"أشغال الرجال" ويفرض في الوقت ذاته قيودًا على استقلالية أفراده نساءً ورجالًا. لذا قد لا يستقيم النظر في هذا الصدد من زاوية المساواة والإجحاف.

لا يتفق تأكيد كابرال على الاستقلالية الفردية في واقع الأمر مع قيم الحرية المشاعية أو الجماعاتية التي اعتدنا نسبتها إلى "المجتمعات الإفريقية التقليدية" (إيكونوبي 2006، على سبيل المثال). فليس من دورٍ يُذكر لقيم المشاع أو المجتمع الإفريقي التقليدي في فلسفة كابرال السياسية. كان التزام كابرال باستقلالية الفرد يعني ترجيح كفّة حقّ الفرد – لا سيّما حق المرأة كفاعلةٍ مستقلةٍ في تقرير مسيرتها في الحياة – على كفّة أعراف المجتمع حين تتعارض الاثنتان. كانت تعليمات الحزب لكوادره تقضي "بحماية وتطوير ثقافة شعبنا واحترام وضمان احترام أعراف وتقاليد البلاد طالما كانت لا تتعارض مع كرامة الإنسان والاحترام الواجب لكل رجل وامرأة وطفل" (كابرال 1979ب، 243). كانت أولوية برنامج الحزب هي الالتزام بالمساواة الجندرية حتى وإن تعارضت مع أعراف وقيم المجتمع: "الرجال والنساء سواسية فيما يخصّ العائلة والعمل والأنشطة العامة" (منشورات حركة دعم التحرر إل إس إم 1974، 11). كان هذا هو الحال مع منح الحقّ في الطلاق في بعض الجماعات الإثنية في غينيا بيساو، والتي كانت تمنح الرجل الحق الحصري في الطلاق – أو "نبذ الزوجة" على حدّ تعبير فيديليس ألمادا (منشورات حركة دعم التحرر إل إس إم 1978، 84). لجأ كوادر الحزب في مثل هذه المواقف إلى استخدام الخطاب الفلسفي الحداثي نفسه الذي استخدموه للمطالبة بالاستقلال عن الاستعمار البرتغالي، لا سيّما في تأكيده على الاستقلالية الفردية، لإقناع الرجال بحق النساء في ترك أزاوجهن (منشورات حركة دعم التحرر إل إس إم 1978، 84). فحقّ النساء في الاستقلال عن رجالهن مرهونٌ بما يتشاركنه مع الرجال من دوافع الاستقلال عن الحكم الاستعماري.

قد تكون أوروبا هي مهد التقليد الفلسفي الحداثي، وإن كان ذلك ليس أمرًا محسومًا بالضرورة (انظر/ي سامر 1999). لكن ذلك لا يمنع، وإن سلّمنا جدلًا به، من إمكانية تشرّب الثقافة الإفريقية لفلسفة الحداثة كأحد روافدها. بل إن آراء هيغل العنصرية عن إفريقيا وموقعها في التاريخ، على سبيل المثال، لا تحسم النظر في نفع بعض أفكاره الأخرى للنضال التحرري في إفريقيا (كمارا 2011). فلا يصحّ بالمرء افتراض احتكار الفلاسفة للحق الحصري في رسم المسار الاستنتاجي الواصل بين ما يؤمنون به من طروح. وكما كتب كانط في الماضي، "عند النظر فيما يعبر عنه المؤلف كتابةً أو شفاهةً، قد نجد أننا نفهمه أكثر مما فهمه هو نفسه" (ب 370). أزعم أنه لا يسعنا الإتيان بخطابٍ لتحرّر النساء يحمل السمات التي أشرت إليها آنفًا (لناحية كونه غير جماعاتي ومتمركز حول فردانية الإنسان) دون الاستناد إلى خطابٍ فلسفيٍ يركز على الاستقلالية الفردية.

 

النساء ككوادر تعيّن نفسها بنفسها في الـPAIGC

انعكس التزام الـPAIGC بالاستقلالية في خطابه حول ضرورة أن تكون النساء فاعلات أساسيات في تحرّرهن: "منذ البداية، أوضحت القيادة أن تحرّر النساء، ككلّ الحريات، لا يُمنح وإنما هو حقٌ يجب أن يُكتسب [من قبل النساء أنفسهن]" (أوردانغ 1979، 17). فضلًا عن ذلك، تحدّث كابرال بوعيٍ ذاتيٍ عن تحرّر النساء كمطلبٍ للنساء، لا كأمرٍ فرضه الحزب عليهن. كان كابرال حريصًا على التذكير بأنه في كثير من المناسبات كانت النساء هنّ أول من جئن إلى الحزب للمشاركة في النضال: "في بداية كفاحنا، جاءت المئات والمئات من الشابات دون أن يُطلب منهن وطلبن أسلحةً للقتال" (كابرال 1973، 86). بعبارةٍ أخرى، لم يصوّر الخطاب الرسمي للحزب نساء غينيا بيساو والرأس الأخضر كضحايا عاجزات ومناطٍ لإحسان الحزب، بل على العكس، صوّرهن كمناضلاتٍ متلهفاتٍ للمشاركة في تحرير أنفسهن وتحرير بلادهن من نير الاستعمار.

ولا أدلّ على ذلك من أن بعضًا من اللاتي انضممن إلى صفوف الحزب وتقلّدن مناصبه العليا عملن قبل انضمامهن إليه في منظمات مناهضة للاستعمار. على سبيل المثال، غادرت فرانسيسكا بريرا، وهي واحدة من أولى الكوادر النسائية في الحزب، بيساو عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها إلى كوناكري وانضمّت هناك إلى "حركة تحرير المستعمرات البرتغالية، وهي هيئة أنشأها السكان الأفارقة بالتنسيق مع المستوطنين البرتغاليين في كوناكري وجمعية أهالي غينيا بيساو في كوناكري في منتصف الخمسينيات" (لي 2015، 367). انضمّت بريرا إلى صفوف الحزب عام 1960 بعد انتقاله إلى منفاه الاختياري في كوناكري، وتقول: "كانت النساء هنّ الأسهل حشدًا وتعبئةً، فقد أدركن أنها فرصة عظيمة لتحررهن، وكن يعلمن بتوجهات الحزب [حيال تحرر النساء]" (اقتباس عن أوردانغ 1979، 123-124). كان صعود فرانسيسكا بريرا في صفوف الحزب سريعًا بشكلٍ ملحوظ، ففي السابعة عشر من عمرها كانت تعيش وتعمل في بيت للحزب في كوناكري. واختيرت في العام 1965 برفقة اثنتين ممّن سيصبحن لاحقًا من كبار قيادات الحزب هما تيتينا سيلا وكارمن بريرا، في بعثةٍ لدراسة التمريض بالاتحاد السوفياتي لمدة سنة، لتصبح عند عودتها مسؤولة الحزب للشؤون الصحية على الجبهة الشمالية (أوردانغ 1979، 212). واصلت بريرا صعودها لتمثل الحزب في مؤتمر نساء الوحدة الإفريقية كما عملت كمبعوثة للحزب في الجزائر حتى نهاية حرب التحرير. لا شك في أن صعود فرانسيسكا بريرا السريع كان استثنائيًا، إلا أنه في الوقت ذاته مثالٌ على أنّ ارتقاء النساء لمناصب قيادية مهمّة داخل الحزب كان ممكنًا. الأهم من ذلك هو أن صعود بريرا كان نتيجة مثابرتها في مواجهة عددٍ من رجال الحزب. كما تروي، "في البداية تعاملوا [بعض المقاتلين الرجال] معي على أنني أقلّ منزلةً؛ حتى من كانت لديهم مهام مماثلة لما أقوم به كانوا يعتقدون أيضًا أنّ كل ما تقوم به المرأة لا يمكن أن يكون جيدًا بقدر ما يقومون به هم... إنها معركةٌ مستمرةٌ إلى الآن. تغيّرت الأمور بشكلٍ كبيرٍ منذ تلك الأيام، لكن هذا لا يعني أن المشكلة قد انتهت. الرجال بحاجةٍ مستمرةٍ إلى الصقل والتوعية! ولا أزال في خلاف مع رفاقي حول توجهاتهم" (اقتباس من أوردانغ، 212).

من المهمّ أن نلاحظ هنا أن النساء كنّ أيضًا في كثير من الأحيان هنّ مَن يجنّدن المزيد من النساء في الحزب. فنذكر مثلًا تأكيد فرانسيسكا بيريرا على دور زوجة كابرال الأولى، ماريا هيلينا فيينا رودريغيز، في شرح التبرير النظري للحزب حول شن الحرب من أجل الاستقلال، وكذلك أهداف الحزب من هذه الحرب: "الشيء الوحيد الذي كنت متأكدة منه هو أن البرتغاليون احتلوا بلادنا. كانت الزوجة الأولى لكابرال، ماريا هيلينا فيينا رودريغيز، هي التي فتحت عيوني وعيون غيري من الشباب البرتغالي الغيني على حقيقة الاستعمار وآثاره في حياتنا اليومية" (اقتباس عن لي 2018، 154).

بموازاة تأكيدنا على دور النساء كقائداتٍ فاعلاتٍ في النضال من أجل تحرير أنفسهن، لا بد أن ندرك ما واجهته هؤلاء النساء من مقاومةٍ قويةٍ إزاء انخراطهن في الحزب – وهي المقاومة التي استمرّت لاحقًا لدى البعض في قيادة الحزب. بحسب أليو لي، لم يحاول الحزب دمج نساء غينيا بيساو والرأس الأخضر في صفوفه إلا بعد انتقاله إلى كوناكري في أعقاب حملة القمع التي تعرّض لها في بيساو عام 1959 (كان الحزب قد تأسس قبل ذلك بثلاث سنوات، أي عام 1956). في كوناكري لاحظت قيادة الحزب الدور الأساسي الذي لعبته النساء الغينيات في دعم الأجندة التقدمية لسيكو توري (لي 2018، 155). هذا وتنوّه إليزابيث شميدت بالدور الرئيسي الذي لعبته النساء في أنشطة التجمّع الإفريقي الديموقراطي في غينيا كوناكري، لا سيّما دعمهن للإضرابات العمالية (شميدت 2005، 56-67)، والإضراب العام في 1953 (شميدت 2005، 84-87)، ودورهن الكبير في إنتاج الأغاني التي أسهمت بشكلٍ أساسيٍ في تشكيل ونقل الرسائل السياسية للتجمع (شميدت 2005، 129). تلحظ شميدت أيضًا عددًا من الظواهر التي وسمت عمل التجمع الإفريقي الديموقراطي، والتي استمرت أيضًا في الـPAIGC، وأهمها أن العديد من رجال الحزبين لم يشاركوا قيادتي حزبيهما القناعة نفسها حول قضية تحرير المرأة كقضيةٍ مركزية (شميدت 2005، 138).

هذا التحوّل في الاستراتيجية العامة للحزب ومواقفه إزاء دور المرأة في النضال سمح للمنتسبات حديثًا للحزب، أمثال كارمن بريرا، بالارتقاء سريعًا في تراتبية القيادة. انضمّت بريرا إلى الحزب عام 1962 بعد اكتشافها انخراط زوجها في الحزب سرًا. ثم سافرت لدراسة التمريض في الاتحاد السوفياتي لمدة عشرة أشهر في عام 1963 (أوردانغ 1979، 202-203) قبل أن ترتقي في صفوف الحزب بعد عودتها. فتمّ تعيينها أولًا كمسؤولةٍ صحية في المناطق الداخلية من غينيا بيساو. ثم انتقلت عام 1967 لتشغل منصب المفوضة السياسية للجبهة الجنوبية (أوردانغ 1979، 203). وهي اللحظة التي امتلكت عندها ما يكفي من التأثير لاستهدافها صراحةً من قبل جيش المستعمر البرتغالي (أوردانغ 1979، 199). واصلت بريرا مسيرتها إلى أن أصبحت المرأة الوحيدة في المجلس التنفيذي للنضال والمؤلَّف من 24 عضوًا (ماندي 2019، 83). ليتمّ تعيينها بعد نيل الاستقلال نائبة لرئيس الجمعية الوطنية لغينيا بيساو، ثم وزيرة للصحة والخدمات الاجتماعية وعضوة في مجلس الدولة لاحقًا (لي 2014، 38-39).

قد يحملنا العدد القليل من النساء اللاتي شغلن مناصب قيادية في الـPAIGC على الاعتقاد بأن فرانسيسكا وكارمن بريرا هما محض استثناء يثبت القاعدة. في الواقع جاءت كل من فرانسيسكا وكارمن بريرا من خلفياتٍ موسرةٍ من البرجوازية الصغيرة "المندمجة" نسبيًا في بيئة الاستعمار (وهو ما ينطبق على أميلكار كابرال نفسه). وهو ما قد يفسر وصولهما إلى مواقع قيادية داخل الحزب ظلت بعيدة المنال عن غيرهن خارج البرجوازية الصغيرة واللاتي عملن في ظل تصنيف قانوني استعماري اعتبرهن "سكانًا أصليين" (غالفاو ولارانجيرو، 103-105). مع الاعتراف بأن عدد النساء اللاتي تمكنّ من الصعود إلى مناصب رفيعة في الحزب كان ضئيلًا على إطلاقه، إلا أن هذا العدد نفسه لا يعود ضئيلًا إن رأيناه كنسبةٍ إلى مجموع النساء اللاتي تلقين "تعليمًا غربيًا". إذ لا يجب أن ننسى أن السلطات الاستعمارية البرتغالية قد حرمت النساء الإفريقيات من فرص التعليم على نحوٍ ممنهجٍ أكثر ممّا فعلت مع أقرانهن من الرجال الأفارقة (كامبل 2006، 92؛ جاكسون 2002، 192). كانت فرص الحصول على أي نوعٍ من التعليم الرسمي في غينيا بيساو تحت الحكم البرتغالي الاستعماري شحيحةً للغاية (فريرا 1974). إلا أن الأمر بالنسبة للنساء كان أكثر تعقيدًا لجهة أن "الغالبية العظمى من نساء البلاد... لم يتلقَّين تعليمًا غربيًا ولم يكنّ قادرات على فهم لغة المستعمر الحاكم" (بايفيلد 2018، 156). وبالنظر إلى أن البرتغالية كانت هي أيضًا اللغة المعتمدة في مدارس الـPAIGC (بورخيس 2019، 151)، فقد أضعف ذلك من فرص الفتيات والنساء في الوصول إلى صفوف الدراسة. وقد يفسر ضعف التأهيل في اللغة البرتغالية أو غيرها من اللغات الأوروبية جزئيًا التفاوت الواضح بين الجنسين في البعثات الدراسية التي أرسلها PAIGC إلى الخارج، والتي جاءت في الغالب من خلال المنح الدراسية التي موّلتها دول الكتلة الشرقية. فبين عامي 1963 و1975 أرسل الحزب ما مجموعه 354 طالبًا وطالبةً للدراسة في الخارج، كان من بينهم 298 من الرجال و56 فقط من النساء (بورخيس 2019، 99). وقد مثّل ضعف المعرفة باللغات الأوروبية عقبةً عمليةً كبيرةً في وجه الفتيات والنساء اللاتي رغبن في متابعة تعليمهن التقني العلمي في دول الكتلة الشرقية.

أدرك الـ PAIGC العقبات التي كانت تقف في وجه الفتيات وسعى إلى تصحيحها من خلال تطبيق سياسةٍ من التدابير الإيجابية على المستوى الإعدادي بحيث سمح للفتيات الأكبر سنًا بالدخول إلى نظام التعليم الابتدائي الذي أرساه الحزب في المناطق المحررة. جاء ذلك استنادًا إلى فهمٍ مفاده أن تكلفة إرسال الفتيات إلى المدارس كانت تتضاءل بالنسبة إلى الأهل مع بلوغ الأخوات والإخوة الصغار سنّاً معيّنًا يمكّنهن/م من تولّي المهام المنزلية الموكلة إليهن ما يجعلهن "أحرارًا" للالتحاق بالنظام التعليمي الرسمي في سنٍ أكبر (أوردانغ 1979، 174). يمثل هذا نموذجًا لمحاولة الحزب استيعاب أسباب معارضة بعض الجماعات لتعليم الفتيات. فالدين، وإن صبغ تلك المعارضة بصبغته، لم يكن فعليًا العامل الفصل فيها، بل تقدّمت عليه في الأهمية الاعتبارات الاقتصادية كالحاجة إلى العمالة المنزلية (بورخيس 2019، 67). وكانت التوصية العامة من كابرال تقضي بأن يتم تطوير التقويم المدرسي بصورةٍ تتوافق مع الدورة الزراعية كي يتمكّن الطلاب من الالتحاق بصفوف الدراسة خلال المواسم التي تتراجع فيها حاجة الأهل إلى العمالة المنزلية (رودبيك 1974، 207). غير أن الحزب كان مستعدًا لاحتضان الفتيات الهاربات من معارضة عائلاتهن. مثلًا، فرّت ماماي بانديكا من أسرتها لتلتحق بالمدرسة: "لطالما رغبتُ في تعلّم القراءة. وقد أخبرني أحد الصغار الذين درسوا في المعسكر عن المدارس هناك وعن المعلمين الذين كانوا قد بدأوا بإعطاء الدروس. فهربتُ من عائلتي [لأذهب إلى المدرسة] وبقيتُ هناك. كان اسم المعسكر فاير. وكان يقع بين نهر فاريم والسنغال داخل الغابة" (الاقتباس من بورخيس 2019، 69).

أدركت قيادة الحزب أن تعلّم الفتية المشاركة في الأعمال المنزلية يخفف عن كاهل أخواتهم الفتيات وهو ما يسمح لهن بتحسين أدائهن الدراسي. لذا، عمدت المدارس التي أسسها الحزب في كثيرٍ من الأحيان إلى تبديل الأدوار الجندرية، حيث شجّعت الفتية الصغار على تولّي المهام المنزلية في المدرسة (كالطهي والتنظيف والغسيل إلخ.) بينما شجعت الفتيات على ممارسة الأنشطة التي غالبًا ما توكل إلى الرجال كبناء المساكن (منشورات حركة دعم التحرر الوطني إل إس إم 1974، 46). زد على ذلك أن الحزب سعى إلى ضمان عدم استخدام المهام التي تصنّفها بعض الدوائر الاجتماعية في غينيا بيساو أعمالًا نسائية، كالتنظيف مثلًا، كوسيلةٍ عقابية. وعليه فقد نصّت المادة 7 من الوثيقة التي تحمل عنوان "نظام مدارس الحزب" صراحةً على "معاقبة الطلاب ذوي السلوك غير المنضبط. ويُمنع منعًا باتًا استخدام مهام التنظيف أو ضرب الأطفال أو ضرب أيٍّ كان بالعصا كوسائل للعقاب" (الاقتباس عن بورخيس 2019، 198). تجدر المقارنة هنا مع استخدام جبهة تحرير الشعب الإريتري (EPLF) "أعمال النساء" لاحقًا مثل إعداد خبز إنجيرا كوسيلةٍ للعقاب (بيرنال 2001، 136).

سعى منهاج الـ PAIGC التعليمي إلى تقويض شرعية التقسيم الجندري المعياري الصارم للعمل. لذا شاعت محاولة تضمين عضواتٍ بارزات في الحزب، لا سيّما المقاتلات، في المنهاج الدراسي لتقديمهن كنماذج يُحتذى بها للطالبات اليافعات (بورخيس 2019، 141). وعلى ما يبدو أن الحزب نجح إلى حدٍّ ما على هذا الصعيد. فارتفع عدد الفتيات المسجَّلات في المدارس بحلول العام 1974 حتى باتت نسبتهن نحو 33% من مجمل الطلاب المسجلين (أوردانغ 1979، 175). وقد عُرفت مدارس الـPAIGC في القرى في منتصف السبعينيات بكونها الأكثر تقدميةً على صعيد العلاقات الجندرية (رودبيك 1988).

ولا مجال لإغفال دور النساء أنفسهن في العملية التربوية ولا سيّما لجهة إقناع النساء والرجال على السواء بأهمية تحرّر المرأة كجزءٍ أساسيٍ من نضال التحرّر الوطني. فعلى سبيل المثال، تولّت ماريا دا لوز (ليليكا) بوال بين العامين 1969 و1974 رئاسة المدرسة التجريبية  (Escola Piloto)التي أسسها الحزب في كوناكري عام 1965 واعتُبرت أكثر المدارس تطورًا لتدريب الكوادر الحزبية العتيدة خلال فترة الحرب (بورخيس 2019، 122-124). بلغ تمثيل الفتيات في هذه المدرسة النسبة الأعلى بالمقارنة مع المدارس الأخرى التي أسسها الحزب ووصل إلى ثلث الطلاب المائة والعشرين ممّن التحقوا بالدارسة في العام 1974 (أوردانغ 1979، 175). كما استقطبت المدرسة التجريبية ماريا دولسي ألمادا من الرأس الأخضر لتعلّم فيها وتساهم في تحرير مجلة الـPAIGC (كوتينيو 2017). إلى ذلك، تولّت أميليا رودريغيز دا سا سانشيز أراووجو دورًا بارزًا كمنتجةٍ ومذيعةٍ في محطة الراديو التابعة للحزب (كوتينيو 2017). إذًا فقد احتلت النساء مراكز مهمة وحساسة لجهة تأثيرها على عملية الإعداد السياسي والثقافي لكوادر الحزب المستقبلية. وقد عكس هذا الواقع الدور المحوري الهام الذي قامت به النساء في مسيرة النضال من أجل التحرّر منذ بدايتها، ففتحن بيوتهن كمخابئ للناشطين في الحزب خلال المراحل الأولى، كما ساهمن في صياغة الدعاية الحزبية ونشرها وحشد المناصرين في القرى وحملن السلاح وشاركن مباشرةً في القتال (في البدايات وحتى العام 1967) وأشرفن على شبكة الدعم اللوجستي التي كانت أساسيةً في نجاح الفدائيين (غوميز 2006، 75). ومع ذلك، تهمل بعض المقالات البحثية حول التاريخ العسكري الإشارة إلى الدور الذي اضطلعت به النساء (مثال دهادا 1998)، ما يستدعي الاستغراب بالنظر إلى الدور الأساسي الذي لعبته النساء في تأمين الدعم اللوجستي والذي لولاه لما تمكن الفدائيون من إطلاق هجماتهم ضد القوى العسكرية التابعة للمنظومة الاستعمارية البرتغالية. بحسب شهادة إحدى المقاتلات وتُدعى ميديا تي: "كانت النساء تطعمن وتسقين المقاتلين من الرجال وفي الوقت ذاته تحملن السلاح وتطلقن الرصاص. كان إسهامهن أساسيًا كإسهام الجميع" (اقتباس عن رودبيك 1974، 130).

بالرغم من الدور البارز الذي لعبته النساء في المدرسة التجريبية المرموقة التي أسسها الحزب، كان تواجدهن ضمن الكوادر التعليمية في مدارس المناطق المحرّرة أقلّ بكثير (رودبيك 1974، 210). وفي حين يمكننا تفسير ذلك جزئيًا بالعدد المحدود للنساء ممّن كن يتمتعن بالمستوى التعليمي المطلوب للعمل بالتدريس حينذاك، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يكون الحزب قد خضع في هذا الصدد للضغوط المعارضة لتوظيف النساء كمعلّماتٍ في بعض مناطق البلاد. كان الحزب حذرًا تجاه استعداء السكّان المحليين لأسبابٍ واضحة، فجيشه من الفدائيين/ات لا يمكنه البقاء دون دعمهم. لذا وبينما أعتقد بإمكانية إعادة تصوّر الإطار النظري – أي الخطاب الفلسفي للحداثة، الذي سمح لكابرال بصياغة خطابه عن حقوق المرأة، لا يمكنني تهميش القيود المادية والاعتبارات البراغماتية التي منعت الحزب من وضع الأسس اللازمة لمأسسة خطابه حول حقوق المرأة.

 

ملاحظات ختامية: إشكالية الحشد الإيديولوجي

في واقع الحال، يبدو أن الحزب قد واجه مشكلات جمّة على صعيد الحشد الإيديولوجي سواء في إقناع الكوادر الرجالية (ولا سيّما في المواقع القيادية) وعامّة الشعب بأهمية تحرّر النساء. يتجلّى ذلك بوضوح في الصعوبات التي شهدهها الحزب عند محاولة تطبيق قواعد الزواج. وبالنظر إلى الالتزام بمبدأ استقلالية الفرد كما ذكرت آنفًا، فقد سعى الـ PAIGC تحت قيادة كابرال إلى ضمان حقّ النساء والفتيات في طلب إلغاء زيجاتهن المدبَّرة (منشورات حركة دعم التحرر الوطني إل إس إم 1978، 44). تُفهم أهمية تركيز الحزب على الرضا الفردي بصورةٍ أوضح بالنظر إلى أن صلاحيات قضاة المحاكم القروية في المناطق المحرّرة كانت تقضي بإمكانية الرجوع إلى الأعراف طالما أنها لا تتعارض مع مبادئ الـ PAIGC إلا في حالات الأحكام المتعلّقة بالزواج (دهادا 1993، 119). تجدر الإشارة إلى أنه وبالرغم من أن الحزب قد جرّم الزيجات المدبَّرة إلا أنه لم يعمد إلى إبطال الزيجات التي دُبرت وأعرب الطرفان فيها عن رضاهما. لكنه في الوقت ذاته أصرّ على ضمان حق النساء غير الراضيات بزيجاتهن في الطلاق بينما كانت الحرب من أجل التحرير لا تزال مشتعلة. عبّر وزير الدفاع فيديليس ألمادا عن ذلك قائلًا: "أثناء الحرب، أثارت العديد من الشابات المخطوبات في المناطق المحررة هذا السؤال بعدما أدركن حريتهن المكتَسبة. حتى عندما يقوم الآباء بتدبير زيجة ما، يحق للابنة بحسب قوانيننا بأن تلجأ إلى محكمة الشعب التي ستؤكد حريتها" (منشورات حركة دعم التحرر الوطني إل إس إم 1987، 83). ولم يعمّم الحزب القوانين فحسب، بل أخذ في الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي حالت دون تطبيق هذا النوع من القوانين. فقد يواجه أهل المرأة في حال الزواج المدبَّر مثلًا موقفًا صعبًا إذا ما ترتّب عليهم ردّ مهرها الذي استوفوه من الزوج. ولتجنّب هذه التبعات، سعى الحزب إلى تخفيف الضغط على عائلة الزوجة عن طريق محاولة الإلغاء التدريجي لمبدأ المهر. ساعده في اتخاذ تلك الخطوة أن نساء جماعة البالانت الذين شكّلوا العمود الفقري في مساعي الحزب للحشد من أجل حرب التحرير في غينيا بيساو، لم يكنّ ملزَمات على ردّ المهر في حال رغبن في الطلاق (تيمودو 2019، 5). أما في المناطق التي تسكنها الجماعات الإثنية الأخرى، فقد اضطرّ الحزب إلى بعض التنازلات كضمان سداد مهر العروس إلى الزوج الأول عند الطلاق على يد الزوج الجديد الذي تختاره المرأة (منشورات حركة دعم التحرر الوطني إل إس إم 1978، 83). سمح هذا التنازل المهم بمجالٍ أوسع من الحرية في اختيار النساء لأزواجهن وإن لم يمنحهن الاستقلالية الكافية في مسألة اتخاذ قرار الزواج مجددًا أو عدمه. بدت بعض المناطق وكأنها نجحت إلى حدٍ كبير في إضعاف مؤسسة الزواج المدبَّر بينما استمرت هيمنتها في بعض المناطق الأخرى (رودبيك 1974، 130).

كانت التنازلات التي أقدمت عليها قيادة الحزب تنمّ عن فهمها لدور الممارسات القائمة في إعادة إنتاج المجتمع وعدم اعتبارها مجرد "ممارسات لا عقلانية". من هنا كان التركيز دومًا على الإقناع، كما يقول فيديليس ألمادا: "لو كنا اكتفينا بإصدار قانونٍ لكنّا واجهنا الكثير من المعارضة لهذه الأفكار. وقد آثرت كوادرنا تخصيص الكثير من الوقت لمناقشة الأفكار الجديدة مع الناس [كحق المرأة في اختيار شريكها]. لم نفرض شيئًا، بل أفسحنا المجال للمنطق التحرري كي يأخذ مساره" (منشورات حركة دعم التحرر الوطني إل إس إم 1978، 84). ينسجم التركيز على الإقناع مع الخط العام للحزب الذي صاغه كابرال والقائم على مبدأ "النضال ضد الأنماط السلبية المضرّة للبشر التي لا تزال تشكّل جزءًا من معتقداتنا وعاداتنا وذلك دون اللجوء إلى العنف غير الضروري أو المبرر" (كابرال 1979 ب، 243). لا يعني ذلك أن علاقة الحزب بأهالي المناطق المحرّرة كانت بالفعل منزهّةً عن أي إكراه. تدلّ الوقائع على بعض الحالات الموثّقة من القهر على أيدي مقاتلين استغلوا سلطتهم لإجبار النساء على الزواج بهم (غالفاو ولارانجيرو 2019، 102). كما ساهم العديد من قادة الجيش في مطاردة الساحرات وقتل نساءٍ اتُّهمن بممارسة الشعوذة (مندي 2019، 132). كانت هذه الأحداث من جملة الدوافع لعقد الـ PAIGC أول مؤتمر حزبي في كاساكا عام 1964، حيث أعاد ممارسة التأديب الحزبي بحق القادة العسكريين المذنبين. وتمّ إعدام بعض أولئك القادة بينما سُجن البعض الآخر أو خُفضت رتبته كلٌّ بحسب فداحة الجرم الذي ارتكبه (مندي 2019، 135).

لا بدّ من الإقرار هنا بأن بعض التنازلات التي ذكرتها آنفًا كانت لتلقى الترحيب من بعض أعضاء القيادة الذين استخفّوا بمنحى الحزب تجاه تحرير النساء. كان كابرال يعلم بوجود معارضةٍ داخليةٍ لمحاولات إصلاح الروابط الاجتماعية وبالأخص العلاقات الجندرية: "من مظاهر المعارضة الرفض الصامت والمتعنّت لوجود النساء في مواقع القيادة. يبذل بعض الرفاق كلّ ما في وسعهم للحؤول دون تولّي النساء القيادة حتى عندما يثبت تفوق بعضهن على هؤلاء.. لكن الرفاق، بعضهم، يرفضون رؤية تحرّر النساء كمرادف لتحرّر الشعب.. ثمّة من يقولون إن كابرال مهووس بمنح النساء المناصب القيادية. يقولون: لندعه يفعلها ولكننا سنقوم بالتعطيل لاحقًا. هؤلاء أشخاص لم يفهموا بعد" (كابرال 1979أ، 71).

كان الحزب بقيادة كابرال قد أسس الاتحاد الديموقراطي لنساء غينيا بيساو والرأس الأخضر (UDEMU) في العام 1961 بهدف مأسسة توجهات الحزب في ما يتعلق بالمساواة الجندرية. ولكن الاتحاد حُلّ بحلول عام 1966. تعزو فرانسيسكا بريرا فشل الاتحاد إلى غياب الدعم اللازم من قبل القيادات الرجالية في الحزب. وتقول إن بعض قياديي الحزب كانوا يعاملون النساء اللاتي وصلن إلى مراكز القيادة بازدراء: "كان العديد من القادة ينظرون إليّ وإلى زميلتين لي على أننا مجرد سكريتيرات ولم يتردد البعض منهم في الصياح علينا أو طلب القهوة منّا" (الاقتباس عن لي 2015، 366). كان أليو لي قد خلُص في مقابلاته مع المنظمين السابقين للاتحاد الديموقراطي لنساء غينيا بيساو والرأس الأخضر إلى أن ثمّة انطباعًا عامًا بأن لويس كابرال الأخ غير الشقيق لأميلكار كابرال لم يشارك الأخيرَ إيمانه بأهمية المساواة الجندرية (لي 2015، 366). بشكلٍ عام بدا بعض أعضاء قيادة الحزب أقلّ تمسّكًا بمسألة التطوّر الاجتماعي كمبدأ سائد ولا سيّما على صعيد العلاقات القائمة على أساس الجندر. في المحصلة، "باستثناء قلةٍ قليلة، لم تحظَ النساء بالتحرر والاستقلالية الكاملين" (شلدون ورودريغيز 2008، 430).

نلحظ أيضًا على صعيد الحشد أن العديد من النساء اللاتي نشطن في عضوية الـ PAIGC لم يُعنَين بصورةٍ مباشرةٍ بالتحولات الاجتماعية المرتبطة بالعلاقات الجندرية (لي 2015، 368). وقد أظهرت المقابلات الشفهية مع النساء اللاتي اشتركن في نضالات التحرّر أن "تحرّر النساء لم يكن من ضمن المبادئ السياسية للـPAIGC" (غالفاو ولارانجيرو 2019، 107). وعلى ما يبدو، فإن تقييم فشل الحزب في تحقيق الثورة الاجتماعية على صعيد الجندر لا يستوي من دون تعريف الفئة التي يتم التقييم من منظورها، إذ لم تعتبره فشلًا النساء اللاتي لم يرغبن في إحداث تغيير في العلاقات الجندرية. يتطابق الوضع في غينيا بيساو مع الوضع في غينيا كوناكري حيث عمدت الكثير من النساء إلى كسر المعايير الجندرية سعيًا لتحقيق الظروف التي تتيح لهن في نهاية المطاف أن يعاودن ممارسة أدوراهن الجندرية "التقليدية" (شميدت 2002، 296). بالتالي قد يكون الالتزام بالأدوار الجندرية المتوارثة دافعًا لكسرها مؤقتًا حينما لا تتوافر الظروف الملائمة لإعادة إنتاجها. ويكون الهدف في هذه الحالة هو استعادة الظروف اللازمة لمواصلة إعادة إنتاج الأدوار الجندرية الموروثة. وفق هذا الإطار يمكننا القول إن تحرّر النساء لم يكن من بين الأهداف التي أجمعت عليها أو أيّدتها غالبية النساء اللاتي انخرطن في نضال حزب الـ PAIGC التحرّري. وقد يعبّر هذا الاختلاف عن الانقسام الطبقي بين نساء البورجوازية الصغيرة صاحبة الامتيازات من أمثال كارمن وفرانسيسكا بريرا اللتين عبّرتا عن مطامح التحرّر النسوي وبين النساء ذوات الخلفيات الفلّاحية من المناطق الريفية اللاتي لم يؤيدن صراحةً أجندةً حقوقية وتحرّرية نسوية. يدلّ هذا الاختلاف على إشكالاتٍ بارزةٍ في مساعي الـPAIGC للحشد على المستوى الإيديولوجي. ولئن كان كابرال قد أصاب في تشخيص أسباب ضعف حركات التحرّر المبكرة في غياب توجهٍ إيديولوجيٍ واضح، إلا أنه فشل بالرغم من تحديد إطارٍ إيديولوجيٍ واضحٍ للـPAIGC في الخروج بحلٍّ ناجع لمشكلة المدّ والحشد الإيديولوجي.

ملحوظات: 
المراجع: 

Bernal, Victoria. 2001. “From Warriors to Wives: Contradictions of Liberation and Development in Eritrea.” Northeast African Studies 8.3:129-154.

Borges, Sónia Vaz. 2019. Militant Education, Liberation Struggle, Consciousness: The PAIGC Education in Guinea Bissau, 1963-1978. Berlin: Peter Lang.

Borja, Horacio Sevilla. 1973. “What We Saw in Liberated Guinea-Bissau: An on-the-Spot Report of a Special United Nations Mission.” The UNESCO Courier XXVI (11): 20-23.

Byfield, Judith A. 2018. “African Women in Colonial Economies.” In The Palgrave Handbook of African Colonial and Postcolonial History, edited by M.S. Shanguhyia and T. Falola, 145-170. London: Palgrave Macmillan.

Cabral, Amílcar. 1973. “Connecting the Struggles: An Informal Talk with Black Americans.” In Return to the Source: Selected Speeches of Amílcar, edited by Africa Information Service, 75-92. New York and London: Monthly Review Press and Africa Information Service.

Cabral, Amílcar. 1979a. “Party Principles and Political Practices.” In Unity and Struggle: Speeches and Writings of Amílcar, translated by Michael Wolfers, 28-113. New York: Monthly Review Press.

Cabral, Amílcar. 1979b. “General Watchwords.” In Unity and Struggle: Speeches and Writings of Amílcar, translated by Michael Wolfers, 224-250. New York: Monthly Review Press.

Cabral, Amílcar. 2016. “Analysis of a Few Types of Resistance.” In Resistance and Decolonization, translated by Dan Wood, 73-156. New York: Rowman & Littlefield.

Camara, Babacar. 2011. Reason in History: Hegel and Social Changes in Africa. Lanham, MD: Lexington.

Campbell, Horace. 2006. “Re-visiting the Theories and Practices of Amilcar Cabral in the Context of the Exhaustion of the Patriarchal Model of African Liberation.” In The Life, Thought, and Legacy of Cape Verde’s Freedom Fighter, Amilcar Cabral (1924-1973): Essays on his Liberation Philosophy, edited by John Fobanjong and Thomas Ranuga, 79-102. Lewiston, NY: Edwin Mellen Press.

Coutinho, Ângela Sofia Benoliel. 2017. “The Participation of Cape Verdean Women in the National Liberation Movement of Cape Verde and Guinea-Bissau, 1956-1974: The Pioneers.” Africa in the World 02/2017 (Rosa Luxemburg Stiftung West Africa).

Davidson, Basil. 2017 [1981]. No Fist is Big Enough to Hide the Sky: The Liberation of Guinea-Bissau and Cape Verde, 1963-74. London: Zed Books.

Dhada, Mustafah. 1993. Warriors at Work: How Guinea was Really Set Free. Niwot, Colorado: University of Colorado Press.

Dhada, Mustafah. 1998. “The Liberation War in Guinea-Bissau Reconsidered.” The Journal of Military History 62.3: 571-593.

El Nabolsy, Zeyad. 2020. “Amílcar Cabral's Modernist Philosophy of Culture and Cultural Liberation.” Journal of African Cultural Studies 32.2: 231-250.

Ferreira, Eduardo de Sousa. 1974. Portuguese Colonialism in Africa: The End of an Era: The Effects of Portuguese Colonialism on Education, Science, Culture and Information. Paris: The UNESCO Press.

Galvão, Inês, and Catarina Laranjeiro. 2019. “Gender Struggle in Guinea-Bissau: Women’s Participation On and Off the Liberation Record.” In Resistance and Colonialism: Insurgent Peoples in World History, edited by Nuno Domingos, Miguel Bandeira Jerónimo, and Ricardo Roque, 85-122. London: Palgrave MacMillan.

Gomes, Crispina. 2006. “The Women of Guinea Bissau and Cape Verde in the Struggle for National Independence.” In The Life, Thought, and Legacy of Cape Verde’s Freedom Fighter, Amilcar Cabral (1924-1973): Essays on his Liberation Philosophy, edited by John Fobanjong and Thomas Ranuga, 69-78. Lewiston, NY: Edwin Mellen Press.

Ikuenobe, Polycarp. 2006. “The Idea of Personhood in Chinua Achebe’s Things Fall Apart.” Philosophia Africana 9.2: 117-131.

Jackson, Lynette A. 2002. “'When in the White Man's Town': Zimbabwean Women Remember Chibeura.” In Women in African Colonial Histories, edited by Jean Allman, Susan Geiger, and Nakanyike Musisi, 191-215. Bloomington, IN: Indiana University Press.

Kant, Immanuel.1998. Critique of Pure Reason. Translated and edited by Paul Guyer and Allen Wood. Cambridge: Cambridge University Press.

LSM. 1974. Guinea-Bissau: Toward Final Victory!, Selected Speeches and Documents from PAIGC(Partido Africano da Independencia da Guine e Cabo Verde). Richmond, B.C.: LSM Information Center.

LSM. 1978. Sowing the First Harvest: National Reconstruction in Guinea-Bissau. Oakland, CA: LSM Information Center.

Ly, Aliou. 2014. “Promise and Betrayal: Women Fighters and National Liberation in Guinea Bissau” Feminist Africa 19: 24-42.

Ly, Aliou. 2015. “Revisiting the Guinea-Bissau Liberation War: PAIGC, UDEMU and the Question of Women’s Emancipation, 1963-1974.” Portuguese Journal of Social Science 14.3: 361-377.

Ly, Aliou. 2018. “Amílcar Cabral and the Bissau Revolution in Exile: Women and the Salvation of the Nationalist Organization in Guinea, 1959-1962.” In African in Exile: Mobility, Law, and Identity, edited by Nathan Riley Carpenter and Benjamin N. Lawrance, 153-166. Bloomington, IN: Indiana University Press.

Mendy, Peter Karibe. 2019. Amílcar Cabral: A Nationalist and Pan-Africanist Revolutionary. Athens, OH: Ohio University Press.

Nzegwu, Nkiru Uwechia. 2006. Family Matters: Feminist Concepts in African Philosophy of Culture. Albany, NY: SUNY Press.

Rudebeck, Lars. 1974. Guinea-Bissau: A Study of Political Mobilization. Uppsala, Sweden: The Scandinavian Institute of African Studies.

Rudebeck, Lars. 1988. “Kandjadja, Guinea-Bissau 1976-1986: Observations on the Political Economy of an African Village.” Review of African Political Economy 41: 17-29.

Sayer, Derek. 1991. Capitalism and Modernity: An Excursus on Marx and Weber. London: Routledge.

Sayers, Sean. 2007. "Individual and Society in Marx and Hegel: Beyond the Communitarian Critique of Liberalism." Science and Society 71.1: 84-102.

Schmidt, Elizabeth. 2002. “‘Emancipate Your Husbands!’ Women and Nationalism in Guinea, 1953-1958.” In Women in African Colonial Histories, edited by Jean Allman, Susan Geiger, and Nakanyike Musisi, 282-304. Bloomington, IN: Indiana University Press.

Schmidt, Elizabeth. 2005. Mobilizing the Masses: Gender, Ethnicity, and Class in the Nationalist Movement in Guinea, 1939-1958.Portsmouth, NH: Heinemann.

Sheldon, Kathleen and Isabel P. B. F. Rodrigues. 2008. “Outras Vozes: Women's Writings in Lusophone Africa.” African and Asian Studies 7:423-445.

Sumner, Claude. “The Significance of Zera Yacob’s Philosophy.” Ultimate Reality and Meaning 22.3: 172-188.

Táíwò, Olúfẹ́mi. 2010. How Colonialism Preempted Modernity in Africa. Bloomington and Indianapolis: Indiana University Press.

Temudo, Marina Padrão. 2019. “Between ‘Forced Marriage’ and ‘Free Choice’: Social Transformation and Perceptions of Gender and Sexuality among the Balanta in Guinea-Bissau.” Africa: Journal of the International African Institute 89.1:1-20.

Urdang, Stephanie.1979. Fighting Two Colonialisms: Women in Guinea-Bissau. New York: Monthly Review Press.