"ما عادت لنا جنّة مستقبليّة": النساء والرجاء الثوري والكفاح ضدّ الاستعمار
قُدمت نسخة سابقة من هذه الورقة في المؤتمر السنوي لجمعية الدراسات الدولية في لاس فيغاس، الولايات المتحدة الأمريكية، في مارس 2021 (تقريبًا). أود أن أشكر المشاركين على اسهاماتهن السخية في عملي، وأود التعبير عن امتناني بشكل خاص لراهول راو على قراءته الثاقبة والمفصلة والملهمة للمسودة بصفته مناقشًا. تم تقديم الورقة أيضًا في ورشة العمل الافتراضية التي جرى تنظيمها استعدادًا لهذا العدد الخاص، والتي عقدت في فبراير 2022. نكرر الشكر الجزيل للمشاركين على تعليقاتهم وأسئلتهم الرائعة. وافر الامتنان لنيكولا برات لتخصيص الوقت الكافي لقراءة الورقة وتقديم تعليقات مفيدة للغاية. أنا مدينة للمراجع المجهول لقراءته الجذابة للمسودة المنقحة ولتقديم اقتراحات مفيدة للغاية. شكراً جزيلاً أيضاً إلى غوى صايغ من كحل على دعمها التحريري الاستثنائي.
الجرح هو الثغرة التي ينفذ منها النور إلى أعماقك
الروميقالوا إنّ المرأة هي نصف الأمّة، لكنهم
يقولون ذلك فقط عندما يرغبون في إعطائها أقصى حقوقها
أو عندما يرغبون في مجاملتها. وأنا أقول إنّ المرأة هي الأمّة كلّها؛
فبدونها لم تكن لهذه الجنة الدنيوية أن توجَد.1
ماري شحادةدماؤنا هي نفس دماء الرجال. دماؤنا ليست مياهاً. دماؤنا دماء.2
جميلة بوحيرد
هذا المقال هو تأمّل في موقع المرأة/ النساء في نضالات إنهاء الاستعمار. يستكشف هذا المقال التوتّرات بين الجندر/ النسوية والقومية، أو بالأحرى الصفقات المعقّدة المُبرَمة بين الاستعمار والأبوية (الغربية والمحلّية على حدٍّ سواء) والتحرّر الوطني و"سؤال المرأة". في حين أن العديد من التحليلات المتعلّقة بدور النساء في السياق المقاوم للاستعمار تسلّط الضوء إما على افتقارهن إلى الإرادة التقريرية في الحركة القومية (الرؤية النسوية السائدة) أو افتقارهن إلى الاستقلالية السياسية كفاعلات تاريخيات (رؤية نسوية ما بعد الاستعمار)، يهدف هذا النقاش إلى تجاوز هذه الثنائية. وراء صورة المرأة كقوة تاريخية أو المرأة كضحية لسياقها التاريخي، تكمن فكرة المرأة كجرح. وبالتالي، فإن التركيز هنا ليس على "مساهمات" النساء في عمليات مقاومة الاستعمار، ولكن على فكرة الأمل الثوري كجرحٍ عميقٍ لا يزال يطارد ذكرى مقاومة الاستعمار وما تلاها من خيانات. في هذا السياق، أستكشف تشابكات النساء مع حركات مقاومة الاستعمار في الجزائر وفلسطين. ومع ذلك، فإن التركيز هنا ليس على الحركة النسائية الفلسطينية في حدّ ذاتها، بل على الطريقة التي استبطنت بها مسار النساء الجزائريات التاريخي في مشروع التحرّر الوطني.
يبني هذا النقاش زخمه النظري على مفهومين رئيسيين، الأبوية المستحدثة لهشام شرابي (1988) والسيادة لجوليتا سينغ (2018). بالرغم من الكتابة في أوقات مختلفة وحول إشكاليات مختلفة، يحاول الاثنان تشخيص الفرص الضائعة والخيانات التي طرأت على مسار مقاومة الاستعمار. يركّز تصوّر الشرابي على العالم العربي، بينما تتخذ سينغ من مقاومة الاستعمار إطارًا عامًا أو بالأحرى عالميًا لتحليلها. يتجاوز الاثنان هيمنة الرجال على النساء، ويقترحان تشخيصًا أكثر شمولًا لأشكال العنف "ما بعد الاستعماري" الذي لحق بواقع/ مشروع التحرّر الوطني. انطلاقا من هاتين التأويلتين المفاهيميتين تتعمق آفاق النقاش نحو وضع أسس للتنظير بأشكال الاستبداد المصحوبة بـ "بناء" نموذج دولة "التحرر الوطني". من هنا تكون الإنطلاقة في معالجة "مسألة/قضية المرأة" من الناحيتين التاريخية والنظرية في سياقات متنوعة ضمن "مغرب ومشرق العالم العربي". تجدر الإشارة هنا "على وجه الخصوص" إلى التطرق الحثيث الذي يقدمه النص لمعالجات فرانتز فانون لقضية المرأة، فالنظر في مركزية فكر فانون واشتباكه المباشر في غمار النضال المناهض للاستعمار، يحيلنا إلى "إعادة الاعتبار لضرورة" المراجعة والاهتمام "بطبائع" "الجروح" التي يكشف عنها عمله. هكذا، ينتهي المقال بتأمل ذاتي في حوار أودري لورد وجيمس بالدوين حول الأمل الثوري "وتصوّر" المرأة كجرح ومُنتهىً في آن، وعما "تلوح" به هذه "الرؤى" من "إمكانات" مستقبلية ثوريّة.
مناظير الهيمنة (المقاوِمة) للاستعمار: النظام الأبوي المستحدَث والسيادة
بغضّ النظر عن أشكال تمظهرات الأبوية المستحدَثة، وهياكلها القانونية والسياسية،
فهي، من نواحٍ عدّة، ليست أكثر من نسخة مُحدَّثة
من السلطنة الأبوية التقليدية.
هشام شرابي، "الأبوية الجديد"، 7… كان إنهاء الاستعمار عملاً من أعمال حلّ السيادة الاستعمارية
من خلال إنتاج موضوعات مُهيمِنة جديدة.
جوليتا سينغ، "السيادة الغافلة"،3 2
ظهرت التحليلات المنقِّبة عن وضع النساء في السياقات الاستعمارية/ما بعد الاستعمارية أهمية عمليات الاستعمار والإمبريالية والقومية/ بناء الأمّة في فهم التكرارات المتعدّدة للحركات النسائية وخطابات حقوق النساء في عالم (ما بعد) الاستعمار. كان دور النساء في كلٍّ من نضالات إنهاء الاستعمار وفي مشاريع بناء أمّة ما بعد الاستعمار متشابكًا بشكلٍ وثيقٍ مع أشكال الهيمنة الاستعمارية، ومعايير الحضارة والحداثة الامبريالية،4 وإسقاطات الرؤية الخاصة لتمظهرات التحرّر الوطني حول التحرّر والحداثة والتقدّم والتنمية.5 وبينما أولت الدراسات اهتمامًا للنظام الأبوي في كلٍّ من متغيّراته الاستعمارية/ الامبريالية، وفي تجسيداته المحلّية، كان النهج التحليلي العام هو 1) فهم الأبوية باعتبارها تنطوي في المقام الأول على هيمنة الرجال على النساء، و2) نشر مفهوم "الأبوية" دون الكثير من التفحيص في جوهر محتواه، وتكويناته التاريخية، وخصائصه الخطابية والاجتماعية والاقتصادية.6 كما لاحظت دنيز كانديوتي، فإنّ مفهوم الأبوية مُفرط في الاستخدام وشحيح في التنظير في الأدبيات النسوية.7 ومن اللافت للنظر إذن في دراسة هشام شرابي للأبوية المستحدثة هو تخصيصه كتابًا كاملاً لدراسة التكوينات التاريخية والخطابات والمقتضيات الاجتماعية والثقافية والسياسية لما يعرفه بالأبوية المستحدثة بالتفصيل. ينصبّ تركيزه على "العالم العربي"، بالتحديد المغرب والمشرق، والحجّة المركزية في الكتاب هي أنّ البُنى الأبوية للمجتمعات العربية، بعيدًا عن التحديث على مدى القرن ونصف الماضيين، قد رُسِّخَت في الواقع وأُضفيَت عليها شرعية من خلال عمليات الاستعمار والحداثة.8 في الواقع، "كان مجتمع الأبوية المستحدثة نتيجة استعمار أوروبا الحديثة للعالم العربي الأبوي، أي زواج الإمبريالية بالأبوية".9 يقدّم شرابي تشخيصًا حادًا ولكن مذهلًا، وفقًا له، فإنه "بغضّ النظر عن أشكال الدولة الأبوية الجديدة، وهياكلها القانونية والسياسية، فهي، من نواحٍ عّدة، ليست أكثر من نسخة مُحدّثة من السلطنة الأبوية التقليدية".10
يخصص شرابي بضع صفحات فقط لوضع النساء في تمظهرات الأبوية المستحدثة. وبينما قد يُنظر لذلك باعتباره قصورٍ في تحليله، فالنقطة هنا هي أنه غير مهموم باستخدامٍ ضيّق لـ"الأبوية" باعتبارها هيمنة الرجال على النساء بقدر اهتمامه باستكشاف الأبوية باعتبارها بنية جامعة تخلق ظروف العمليات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المتعدّدة في المجتمعات العربية. ما يعرّفه باعتباره سِمَة نفسية اجتماعية مركزية لتمظهرات الأبوية المستحدثة هو "هيمنة الأب (البطريرك)، المركز الذي تنتظم حوله الأسرة الوطنية وكذلك الأسرة الطبيعية".11 لا تتحدّى أيّ من الحداثة الأوروبية والاستعمار هذه الهيمنة الأبوية، بل بالأحرى تعيدان تنظيمها في أنماط مختلفة. يجب على تمظهرات الأبوية المستحدثة الاشتباك بانتظام وإعادة مَوضَعة نفسها في مواجهة الآخر المهيمن عليها، الغرب، سواء كدرب من المقاومة والفتِش، وفي مواجهة الآخرين بداخلها أيضًا (النساء والأقليات والفقراء، إلخ). يتحدّث جورج طرابيشي بقوة أكبر عن الجرح النرجسي الذي اختبره العرب في مواجهاتهم مع المشروع الاستعماري الأوروبي. يرى الطرابيشي هذا الجرح كشكلٍ من أشكال الباثولوجيا: "وما هو الجرح النرجسي إن لم يكن شرطًا لأن تصير تابعًا وأن تفقد السيطرة على مجرى هذه الصيرورة؟"12 على عكس عدسة طرابيشي الفرويدية /التحليلية النفسية، فإن فينا داس، القادمة من منظور اجتماعي أنثروبولوجي (على الرغم من ميلها أيضًا للحساسية اللاكانية)، تصوّر الجرح باعتباره انتهاكًا "محفورًا على الجسد الأنثوي [...] والتكوينات الخطابية حول هذا الانتهاك جعلت من تخيل هذه الأمة كأمة رجولية تخيلًا باديًا للعيان. ماذا فعل ذلك لذاتية النساء؟"13 أنا أزعم هنا أن الاثنين (جرح الرجولية الذي تسبب فيه الاستعمار، وجرح الأنثى الذي تسبّب فيه النظام الأبوي المحلي والاستعماري) متصلان وغير متصلان جوهريًا: اتصالهما واضح في استخدام مجاز "المرأة كأمة" (الذي أستكشفه في القسم التالي)، حيث يصير سؤال المرأة ركيزةً أساسية في مشاريع التحديث والتعبئة القومية في جميع أنحاء العالم الاستعماري. ويصير عدم اتصالهما واضحًا أيضًا في الفجوة بين تشبع الخيال القومي المفرط بصورة المرأة ورموز الأنوثة المُعتَمَدة من قِبَل الدولة، والغياب والتهميش الحي لأصوات النساء ومنظوراتهن وقصصهن وحضورهن في التأريخ القومي وفي المساحات السياسية والاقتصادية القومية.
برز تصوّر جولييتا سينغ للسيادة في العنف الكامن في صلب مشاريع التحرر الوطني. تعطي دراسة سينغ تشخيصًا مشابهًا لتشخيص شرابي بفشل الحركات المقاوِمة للاستعمار في رسم تحرر أكثر جوهرية للجسم القومي/ الاجتماعي. وتقول "كان إنهاء الاستعمار عملاً من أعمال حلّ السيادة الاستعمارية من خلال إنتاج موضوعات مُهيمِنة جديدة".14 وبشكل أكثر تحديدًا، "في حركة مقاومة الاستعمار، تتبنى السيادة إلى حد كبير شكلاً هيجليًا، حيثُ يعمل مقاومو الاستعمار انطلاقًا من رغبة أو مطلب اعتراف الآخر بهم".15 تكمن مشكلة استخدام سينغ لـ "السيادة" في أنه [مصطلحًا] لا يخبر القارئ كيف يُعاد تشكيل الموضوعات المستعمَرة بالضبط كموضوعات مُهَيمِنَة جديدة. في حين أن تحليل شرابي يجسد بدقّة المعالم التاريخية وأنواع العمليات التي ينطوي عليها إنتاج الأبوية المستحدثة باعتبارها بنية مادية وفكرية، فإن مناقشة سينغ تترك الكثير من الأسئلة دون إجابة: ما الذي تفهمه سينغ بالضبط من خلال السيادة؟ كيف تُنتَج موضوعات مهيمِنة جديدة بالضبط؟ هل هي مجرد رغبة في [كسب] اعتراف السيّد الاستعماري، أم أنها أكثر من ذلك؟ ربما ما ينطوي عليه تحليل سينغ، ولكن يتركه غير مستكشَف، هي الفكرة القائلة بأنه في رغبة الحركات المقاومة للاستعمار في التغلب على سيّدها الاستعماري ومقاومته، انتهى بها الأمر تعكس وتحاكي ما قاومته وعارضته. ما زلت أعتمد على فكرة سينغ عن "السيادة" لأنني أشعر بأن لها قيمة تحليلية حقيقية وبها إمكانيات (وإن كانت غير مُنَظَّر لها بشكلٍ كافٍ). ومع ذلك، لغرض هذا المقال، سأعتمد على إطار شرابي لتغذية بعض الجوانب ناقصة التطور في "السيادة".
مسألة المرأة والاجهاز على الاستعمار
إن الحديث عن "سؤال/ قضيّة المرأة" في سياق الاستعمار وإنهائه يعني الحديث عن مركزية المرأة والأنوثة/ الرجولة في الجرح الذي ألحقته الصدمة الاستعمارية، وفي أثر دوائر عمل الحداثة والرأسمالية على الفضاءات الاستعمارية، وفي عمليات الوعي الوطني الناشئ والنضالات اللاحقة المقاومة للاستعمار. في دراستها البارزة النسوية والقومية في العالم الثالث، لاحظت كوماري جاياوردينا أنه في ظل تأثير الحداثة والتوسع الرأسمالي، ظهر تيار إصلاحي، بين الشرائح البرجوازية والنخبوية في المجتمعات المحلية، تبنّى أفكار تحرير/ تحديث المرأة: "أُلزِمَت النساء بأن يصرن غربيات ومتعلمات كما ينبغي، من أجل تعزيز الصورة الحديثة و"المتحضرة" لبلدهن ولأنفسهن، وليكون لهن أثر جيد على الجيل القادم؛ ازداد الطلب على "ربات البيوت المتحضرات"".16 كما يشير شرابي، نشأ واقع متناقض حيث لم تتحدَّ المعايير الحديثة للتحرر الجندري وتعليم النساء بالضرورة الأبوية المحلية، بل أعادت تشكيلها في هيئة الأبوية "المُحسِنة". تطلّبت الأخيرة أن تكون النساء (من الطبقة البرجوازية الوسطى والعليا) متعلمات و"متحضرات" مع عدم التجرؤ على تحدي انقسام العام/ الخاص (الذي تصادف إبقاء كل من الأبوية المحلية والأبوية الاستعمارية الحديثة عليه) ومع عدم التجرّؤ على زعزعة، ناهيك عن تفكيك، الافتراضات حول ما يشكل أنوثةً محترمة (متعلمة لكن ليست متعلمة جدًا، متحضّرة وحديثة لكن ليست متمرّدة، وتجيد الحديث لكن ليست جريئة وجامحة). ما تسمّيه ليلى أبو لغد "مشاريع إعادة تشكيل النساء"17 قد وفرت للنساء منفذًا وسدًّا في آنِ واحد، من خلال حثهّن على السعي للتعليم والاستقلال مع تأديبهن ومعاقبتهن سريعًا إذا خرجن عن حدود ما كان يُعتَبر مقدارًا مناسبًا من الحرية.
هذه الفجوة المؤلمة، هذه الاستحالة في الإصلاح بين الرغبة والواقع، تعكس بشكلٍ ساخر (ورمزي) [فجوة] تمظهرات التحرر الوطني. في تقييمها للمشروع الناصري، تشير سارة سالم بدقة لهذا المأزق المتمثل في وجود آفاق خيالية تدور حول أفكار التقدم والازدهار والكرامة والإنصاف والعدالة، مع معرفة أن الوصول إلى هذه الآفاق غير واقعي: "إن مأزق القومية المقاوِمة للاستعمار لا يتمثّل في أن هذه الآمال كانت غير واقعية أو ساذجة؛ بل في الاعتقاد بأن الإيمان بالاستقلال يعني أنه يتعيّن على المرء أن يكون لديه هذه الآمال، مع معرفة مدى احتمالية ألا تتحقق أبدًا".18 إن ثقل الحداثة الاستعمارية البنيوي سيؤثر باستمرار على التطلعات والبرامج المقاومة للاستعمار. إذا أردنا أن نأخذ تصوّر هشام شرابي للأبوية المستحدثة، باعتبارها "زواج الإمبريالية والأبوية"، على محمل الجد، فلا يمكننا إذن فصل واقع الهيمنة الاستعمارية وإعادة الهيكلة عن طريق الرأسمالية وعمليات التحديث عن ظهور "سؤال المرأة". كان من المفترض إذن أن تكون "المرأة الجديدة" المزيج المثالي للحداثة والتقاليد: بينما شُجِعَت النساء (البرجوازيات من الطبقة الوسطى/ العليا) على السعي للتعليم، كان الغرض أن يَصِرنَ زوجات وأمّهات أفضل، وبالتالي حاملات أفضل لأمة ما بعد الاستعمار الجديدة.19 في الواقع، ستُستدعى التقاليد وسيُعاد استخدامها لتقليم حواف التطلعات شديدة الحداثة والراديكالية نحو استقلال النساء وحريتهن وتقريرهن الذاتي في المجتمعات المستعمرة. وكما تشير كوماري جاياواردينا، "لا يمكن أن تكون المرأة الجديدة رفضًا تامًا للثقافة التقليدية"، حيث كان من المفترض أن تكون "حارسة الثقافة الوطنية".20
في البيئات الاستعمارية مثل مصر وفلسطين والعراق، "أصبح 'سؤال المرأة' [...] جزءًا من المساحات الأيديولوجية التي عُبِّر من خلالها عن هموم أخرى" – ترتبط بالثقافة الوطنية والتقدم والقدرة على "التحديث".21 تشير إيلين فليشمان إلى أن "العدو الرئيسي للإصلاحيين الأوائل كان 'التخلّف' وليس الأجانب".22 هكذا كُلِّفت النساء بالمهمة المستحيلة المتمثّلة في الحفاظ على شرف أسرهن/ أمّتهن وتحقيق تطلّعات الإصلاحيين البرجوازيين المحلّيين حول التحضّر/ التحديث. ويشير فيجاي براشاد إلى أن "تاريخ الاستقلال القصير قد أظهر لأولئك الناشطات في مجال حقوق النساء أنه لا ينبغي ترك تمظهرات التحرر الوطني لإبداء نُبلها بشكل رمزي. لم يمثّل الواقع الجديد تجربة السعادة القصوى للنساء".23 إن مشروع "نسوية الدولة" هو التوضيح المثالي لسياسة إدّعاء (وتناقض) نموذج "المرأة الجديدة"، حيث أنها رمز للحداثة والتقدّم ومستودع للتقاليد في آن واحد. إن السعي لمُثُلٍ عُليا، مثل التقدّم والتنمية والنهضة، يعني أنه على الدولة السماح للنساء بالوصول إلى المجال العام من خلال التوظيف وزيادة المشاركة السياسية، بينما عليها أيضًا تيسير هذا الانفتاح من خلال "الالتزامات الخاصة بالجندر، المتوقَّع من النساء (والرجال) القيام بها".24
ماذا لو رفضت المرأة الجديدة دورها "كحارسة للثقافة الوطنية" وكقائمة بأعمال رعاية الأجيال القادمة؟ ماذا لو أرادت إعادة تعريف دورها؟ هل يمكن لمشروع التحرّر الوطني في هذه الحالة توفير قبولٍ صادقٍ للنساء في مجتمعه؟ سيجيب كلٌّ من هشام شرابي، بالنظر تحديدًا لدولة ما بعد الاستعمار العربية، وجولييتا سينغ، بالنظر لمشروع التحرر الوطني بشكل عام، لا. ويشير شرابي إلى أنه طالما استمرّت مجتمعات ما بعد الاستعمار العربية في تنظيم نفسها حول تكوين الأب (البطريرك)، سيستمر تهميش الجماعات والهويات التي تهدّد هذا المبدأ التنظيمي الجامع. كما ذكرت سابقًا، يطرح شرابي حجّةً مفادها أن الاستعمار والرأسمالية لم يمتنعا عن تحدّي الهياكل الأبوية القائمة فحسب، بل أعادا تشكيلها وبالأحرى عزّزاها.25 بالوقوع في حلقة مفرغة من تزامن النفور والانجذاب تجاه الغرب وثقافته، طوّرت مجتمعات ما بعد الاستعمار العربية انخراطًا متناقضًا مع الغرب: ظهرت الرغبة في محاكاة حداثة الغرب جنبًا إلى جنب مع الرغبة المضادة في تعزيز، وحتى إعادة تشكيل، حسٍّ ما بـ"التقليد". باستخدام مصطلحات شرابي، تسعى هذه العلاقة المتناقضة مع الغرب إلى تهدئة القلق حول إدامة "السلطة الأبوية القديمة" (وبالتالي إبقاءها مُصانة)،26 بينما تحاول في نفس الوقت ملاقاة تحدّي الحداثة من خلال تبنّي بعضاً من صفاتها وعملياتها دون طرح تحدٍّ جذريٍّ للسلطة الأبوية.
من ناحية أخرى، بالنسبة لسينغ، "كان مقاومو الاستعمار يعملون انطلاقًا من رغبة أو مطلب اعتراف الآخر بهم".27 للوهلة الأولى، أودّ القول إن رؤية المشروع المقاوم للاستعمار على أنه مجرد رغبة هيجلية في القبول هو أمر تبسيطي واختزالي. ومع ذلك، ربما أساء باحثو ما بعد الاستعمار تقدير القوة التي امتلكتها هذه الرغبة وما زالت تمتلكها. يبدو أن كتاب "المعذّبون في الأرض" لفانون كان مدركًا تمامًا لفخّ القبول28 – تكشف قراءة متأنية إشارات فانون المنتظمة في جميع أنحاء الكتاب حول مخاطر كل من الرغبة في استبدال "السيّد" وفي محاكاة النماذج والمؤسسات الأوروبية:29 "النظرة التي يلقيها المستعمَر على قطاع المستعمِر هي نظرة اشتهاء، نظرة حقد. أحلام التملّك. كلّ أنواع التملّك: الجلوس على مائدة المستعمِر والنوم في سريره ويفضّل أن يكون ذلك مع زوجته. الرجل المستعمَر رجلٌ حقود".30 أظن أن هذا الحقد وأحلام الاستحواذ هي المحرّك وراء مفهوم سينغ عن "ممارسات السيادة المضادة" المقاوِمة للاستعمار، على الرغم من أنها لم تستعِر هذه الأفكار صراحةً من فانون. وبشكل أكثر تحديدًا، يلاحظ راندولف بيرسود أنه "يجب قراءة مأساة البرجوازية [المستعمَرة] باعتبارها أثر الصدمة الاستعمارية".31 يواصل بيرسود قراءة مأساة تمظهرات التحرر الوطني من خلال منظار الصدمة الاستعمارية، قائلًا إنّ ما سبق يعني أنّ "النخبة المحلية [يمكن أن تُرى] باعتبارها تعاني، وتُلحق الأذى بالأمّة أيضًا".32 تعقّد هذه العدسة أيضًا قصة إنهاء الاستعمار، فإنها ليست قصة بطولية للتغلّب على الاضطهاد فقط، ولكنها أيضًا (في نفس الوقت) مشروع "الهيمنة المضادة الاستراتيجية"، الذي يصوّره بيرسود على أنه "تجفيف الأحلام الاستعمارية، وإعادة بناء إيقاع داخلي؛ إيقاع يكون فيه إنهاء الاستعمار شكلاً من أشكال التمتّع".33 وبهذا المعنى، ينبغي أيضًا قراءة إنهاء الاستعمار على أنه مشروع "قيادة الحداثة"،34 وهنا يبدو أن تصوّر جولييتا سينغ للنضال المقاوم للاستعمار كمشروع للسيطرة المضادة تصورًا ذا قيمة.
يسمح لنا فهم بيرسود (بعد إيلان كابور) لإنهاء الاستعمار باعتباره تمتّع، ومفهوم سينغ للسيطرة المضادة، بالتوسّع في حجّة شرابي القائلة بأن الحداثة والرأسمالية لم تتحدّيا الهياكل الأبوية المحلية بل أعادتا موقعتها وبالأحرى عززتاها. ثم يظهر "سؤال المرأة" كمحور أساسي بين رغبة الرجل المستعمَر في تَسَيُّد الحداثة، وقلقه حول الحفاظ على السلطة الأبوية دون تحدٍّ لها. تشير إيلين فلايشمان، في دراستها لحركة النساء الفلسطينيات، إلى أنّ "الكثير من الإصلاحيين وجدوا في معاناة النساء وسيلةً قويةً للتعبير عن ارتباكهم من الأعراف الاجتماعية خاصةً تلك التي اعتبروها سفيهة وعتيقة"35. وبالتالي، فإن الحداثة توفّر منفذًا، ليس فقط للنساء، ولكن أيضًا لبعض الرجال. ومهما كان إغراء هذا المنفذ شديدًا، فإن القلق حوله بنفس القدر من الشدّة. تتضح هذه المعضلة في مشهد من رواية لطيفة الزيات "الباب المفتوح"،36 والتي أشيد بها باعتبارها من كلاسيكيات الكتابات النسوية المقاومة للاستعمار. محمود، الأخ الأكبر للبطلة ليلى، هو نموذج مبدئي شبه مثالي لهذا الرجل المعاصر المسفَّه من التقاليد والأعراف الاجتماعية الصارمة: إنه يتمرّد علنًا ضد السلطة الوالدية، وينضمّ إلى النضال المقاوم للاستعمار، ويسخر من عادة زواج الصالونات [المدبَّر] ومن التوقعات المتزمّتة حول محترمية النساء. في محادثة مع ابن عمه عصام، تجادلا حول حق النساء في اختيار شركائهن والزواج من أجل الحب. يعارض عصام موقفه الليبرالي علناً ويطلب منه أن يتخيّل كيف سيكون حال محمود لو اكتشف أن أخته ليلى وقعت في حب رجل. كان رد فعل محمود العفوي والعنيف معبّرًا ورمزيًا للغاية:"سأقتلها، هذا ما كنت لأفعله. فقط سأقتلها".37 يصير "سؤال المرأة" جرح الحداثة الاستعمارية: يُنظر إليها على أنها وسيلة للتقدم (من خلال التعليم والتحرر) وبالتالي وسيلة للتغلب على "التخلّف" وعلى أنها تهديد وجودي للسلطة الأبوية المستحكمة في آن واحد.
سياسات الإذعان: النساء الجزائريات والمسارات النضال المسلّح ضد الاستعمار
في نصٍ بعنوان "سياسات الإذعان"، تطرح الناقدة الثقافية راي تشو السؤال التالي: "كيف يُصار إلى صياغة المجتمع عرقياً وجنسانيًا؟ ما شكل التقبّل الذي يتمخّض عن هذه الصياغات، وما هي دلالاتها؟"38 تسخّر تشو قراءتها النقدية التعاقبيّة التي تستخدم فيها التأويل الفرويدي لمفهوم المجتمع في "الطوطم والتابو" لإعادة قراءة مقاربة فانون التمفصلية عن الإرادة التقريرية الجنسانية العائدة الى النساء، وتنوّه تباعًا إلى أن النساء يشكّلن خطرًا محدقًا بالمحددات العرقية والجنسية والاثنية والدينية المترسخة في بنية المجتمع. ينبع هذا الخطر من قدرتهنّ/ قابليتهنّ على تجاوز تلك المحدَّدات من خلال فعل الاتصال الجسدي أو بعبارة أخرى من خلال الإنجاب.39 وعليه فإنّ "الجنسانيّة العائدة للأنثى لابد وأن تُمنع من الولوج في بنية المجتمع ما لم تكن في شكلها الأكثر خضوعًأ للقوالب السائدة والأقلّ قدرة على الاستفحال".40 بكلمات أخرى "لا يصار إلى محو وجود النساء، إلا أنهن يولونَ مواقع بديهيّة تابعة، وبذلك فإن المجتمع يتقبّل النساء لكن بصيَغٍ منقوصة".41 هذه الحالة الحديّة تزداد هشاشة ووضوحًا في الحالات التي تكون بها النساء منخرطات مباشرة في مشاريع التحرر الوطني ذات الطابع العنفيّ مثل الجزائر وفلسطين. هكذا تغدو حرب الانفكاك عن الاستعمار أرضًا خصبة تتقاطع فيها جروح الذكر النرجسي مع جروح الأنثى: ينتج الأمل الثوري الذي يولد من رحم النضال الطويل والحشد المحرور لتيار معاداة الاستعمار (وما فيه من مساعٍ انعتاقيّة) جرحًا عميقًا يتمثل بخيانة تطلعات المرأة والآفاق الاجتماعية والسياسية التي تصبو إليها.
تنوّه كل من مارنيا لازريج في كتاباتها حول النساء الجزائريات وإيلان فلايشمان في كتاباتها حول النساء الفلسطينيات، إلى أن العنف الثوري وفّر للنساء ديباجة لا سابق لها لفرض إرادتهنّ التقريريّة السياسيّة "محبطين بذلك أنماط العلاقات الجندريّة التي سادت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر".42 إلا أنها وفي الوقت نفسه قابلت حركة تحرّر النساء بشيء من الفتور وذلك لأن المخاض العنيف الواجب لإزالة الاستعمار فرض تقديم النضال القومي على تحرّر المرأة ضمن سلّم من الأولويات. تصوغ فلايشمان فكرةً لطالما كانت في صلب العديد من نضالات التحرر الوطني، يطلق على الفكرة "النظرية التحررية ذات المرحلتين" ومفادها أن التحرّر الوطني سيؤدي لا محالة إلى تحرّر النساء. ستصاحب هذه الاستراتيجية أجيالًا من الناشطات النساء أثناء الحرب الـ ما بعد كولونيالية.43 بموجب تلك المعالجة، يُطلَب من النساء تأجيل تطلعاتهنَّ ومطالباتهنَّ إلى مرحلة ما بعد التحرر الوطني – إلى مستقبل مثاليّ تُقدّس فيه مساعي النساء وتضحياتهنّ.44
تنوّه لازريج في كلامها عن الحالة الجزائرية، إلى أنه وبالرغم من إسهامات النساء الجبّارة لا يزال الاعتراف بهنّ في مضمار الحرب ضد الإستعمار أقلّ من متواضع.45 لا يمكن الاستخفاف بثقل هذه الملاحظة: كثيرة هي الابحاث التي كُرِّسَت من أجل دراسة الحرب الجزائريّة، الا أن غالبيتها لا تأتي على ذكر النساء. قد تذكر مسألة الارادة التقريرية للنساء من حين الى آخر(في بضع صفحات تُسخَّر للموضوع)، إلا أنه وحين يجري ذكرها يكون ذلك في سياق الكلام عن محطة ذائعة الصيت من معركة الجزائر، وهي تلك العمليات التي لعبت النساء فيها دورًا فيصل في تفخيخ مراكز أوروبية في الجزائر (خُلّدت تلك الحقبة في فيلم "معركة الجزائر" للمخرج جيللو بونتيكورفو). النساء المُشار إليهن هُنّ جميلة بوحيرد وزهرة دريف وسامية الاخضري وبايا حسني وحسيبة بنت بو علي.46 لكن بغضّ النظر عن كلّ ذلك، يبقى الرجال هم الفاعلون السياسيون المهيمنون على سرديات النضال، مع إشارات نادرة للنساء كمساهمات في الحرب. هذا التركيز الضئيل على عنصر النساء يعبّر عن موقف وسياسات "جبهة التحرير الوطني" من النساء.47
في بحثها المطوّل والحثيث عن النساء الجزائريات والمعنون "بلاغة الصمت"، تقول مارنيا لازريج "أصبحت النساء بيادق أيديولوجية في المعركة الدائرة بين المستعمِرين والمستعمَرين".48 تبنّت جبهة التحرير الوطني نبرة متعالية بمجملها اتجاه النساء مصوّرين إياهن على أنهن "كائنات مضحيّة".49 النص الأساسي لمخرجات "مؤتمر جبهة التحرير الوطني" الذي عقد عام 1956 في الصومال، ينص على أن مهمة النساء تتمثل بـ "تقديم الدعم المعنوي" والإخبار لصالح والحرص على الإمدادات الغذائية والعناية بالأطفال والعوائل وتأمين المسكن.50 وكما تقول لازريج، كان يُنظر إلى تلك المهام على أنها مواتية لقدرات المرأة. في معرض نقدهم لادعاءات الإدارات الاستعمارية الفرنسية بأن نساء الجزائر مقموعات، صرّح المجاهدون وهم الناطقون الرسميون باسم "جبهة التحرير الوطني" بالتالي "لا تحتاج المرأة الجزائرية إلى التحرير، فهي حرّة لأنها تلعب دورها في تحرير بلادها. إنها روح تلك البلاد وقلبها ومجدها".51 يبرز تناقض صارخ في المشهدية التي يقدمها مولود فرعون في مذكراته، يصف لنا الكاتب بوضوح العمل المضني الذي كانت تقوم به النساء خلال الحرب ضد الاستعمار والقيود الاجتماعية والاقتصادية التي كنّ يقاسينها في الوقت نفسه:
… تُداوي النساء الجرحى ويحملنهم على ظهورهن حين تدوّي صافرات الإنذار، يَدفِنّ الموتى ويجمعن المال ويأخذن مواقع حماية. منذ أن بدأ الثوار بتجنيد النساء، باشر الجنود الفرنسيون باعتقالهنّ وتعذيبهنّ. ربما يُشيّد عالم جديد من تحت هذا الدمار، عالمٌ ترتدي النساء فيه السراويل مجازًا وعمليًا. عالم تمسي فيه تقاليد الماضي التي تؤطّر النساء ضمن منطق القدسية والحُرمات، نشازًا منثورًا.52
نظرت فرعون لمسألة تحرير المرأة من الأصفاد الاستعمارية والأبوية على حد سواء، تكمن في التصوّر المستقبلي غير محدَّد المعالم – تفتقر نبرته الهشّة والمترددة إلى أي حسم، مُعلقاً مجمل كلامة بنحو خطير على كلمة "ربما". ولا يُعَدّ هذا الأمر مثيراً للدهشة، نظراً إلى التسلسل الهرمي الحاد المنظّم للإرادة التقريرية السياسية، إضافةً إلى الذاتية في النضال المُعادي للاستعمار: كما تشير لازريج و(غيرها)، لم تكن هناك نساء في قيادة "جبهة التحرير الجزائرية"، وبما أن "جبهة التحرير الجزائرية" أصبحت المنظمة الشرعية الوحيدة التي تقود النضال المُعادي للاستعمار، لم تحظَ النساء ببدائل سياسية واسعة.53 الأمر الذي يتطابق مع تصريح فلايشمان المذكور آنفاً، تلاحِظ لازريج أن النساء الجزائريات أيضاً كنّ يعلّقن آمالهن على التحرر الوطني باعتباره المسار نحو تحرير المرأة لاحقاً.54
دائمًا ما يكون إدراج المرأة الجزائرية في التأريخ القومي بصيغة المجاهدات أي شخصيات بطولية تساهم في تثبيت صحّة السردية القومية دون الإخلال بالسلطة الأبوية. ومع ذلك، وكما تلاحظ عالمة النفس والناشطة درّية شريفاتي مرابطين، على الرغم من أن النساء اللواتي انضممن إلى الحرب حصلن على لقب المجاهدات (مناضلات/ مقاتلات)، فإن أقلّية صغيرة جدًا منهنّ كُنّ فعلياً مقاتلات.55 الأخيرة على سبيل المثال "ناقلات المتفجرات" إلى المقاهي the porteuses de bombes في معركة الجزائر، كان يُطَلق عليهنّ لقب الفدائيات (مقاتلات حرب العصابات)، وكُنّ في معظمهنّ متمركزات في المناطق الحضرية. في الواقع، تجادل شريفة بوعطة بأن معركة الجزائر "ما كانت لتحدث دون هؤلاء النساء".56 وكما تشير جميلة عمراني (بكونها فدائية سابقاً، وإحدى ناقلات المتفجرات في الجزائر)، "لم تكن النساء المقاتلات المسلّحات بالتأكيد حقيقة واقعة، بل كُنّ أسطورة، ربما تستند إلى بعض الحالات الفردية التي صدمت المخيّلة الشعبية".57 توفّر أسطورة المجاهدات الدعم للرؤية القومية لـ"جبهة التحرير الوطني" لأمّة جزائرية موحّدة، رجالًا ونساءً، تكافح ضد الحكم الاستعماري الفرنسي. من ناحيةٍ أُخرى، لم يُترجَم هذا الأمر أبداً إلى اعترافٍ بالنساء كفاعلات وعاملات سياسيات، ولم يجرِ تضمين أصواتهنّ والاعتراف بها ضمن التأريخ القومي. تصبح شخصية المجاهدة أكثر من أي شيء أيقونةً للمقاومة المناهضة للاستعمار ولكن ضمن هيمنةِ الرواية القومية الأبوية.
بالرغم من ذلك، جرى تسليط الضوء على الفدائيات على الصعيدين الوطني والدولي. أصبحت قصة تعذيب واغتصاب جميلة بوباشا (ومحاكمتها اللاحقة) على يد جيش الاستعمار الفرنسي، قضيةً احتفى بها اليسار الفرنسي بعد نشر كلّ من سيمون دو بوفوار وجيزيل حليمي لقصتها التي (حوّلاها إلى كتابٍ لاحقاً). في عام 1962، قامت كلٌّ من جميلة بوحيرد وزهرة الظريف بجولة في عدد من الدول العربية، من بينها مصر حيث استقبلهما وكرّمهما جمال عبد الناصر شخصيًا، بغرض جمع الأموال لمنظمة تُعنى بأيتام الحرب الجزائرية.58 ومن المفارقات، أنه وفي وقت لاحق من عام 1963، دعت كُلٌّ منهما إلى مؤتمر صحفي حمّلتا فيه الحكومة الجزائرية والحكومات العربية الأخرى مسؤولية عدم الالتزام بتعهداتها من التبرّعات.59 وفي نفس العام 1963، زارت بوحيرد أيضاً الصين حيث احتست الشاي مع الرئيس ماو.60 كتب نزار قباني قصيدةً لبوحيرد، كما كرّست المغنّية الأسطورية فيروز أغنيةً لها.61 جرى العمل على بناء أيقونةٍ متكاملة في العالم العربي وخارجه حول شخصية الفدائيات/ حاملات المتفجّرات. بالنظر إلى الروابط بين الصور الجندرية للأمة في مصر ما بين الحربين العالميتين وسياسات القومية النسائية، تفكّر بيث بارون في التناقض المتمثل في وجود تأريخ قومي مشبَع بتصوير مصر كامرأة، بينما في الوقت نفسه تُستَبعد النساء بشكل منهجي من المشاركة السياسية في مشروع بناء الأمّة. وتطرح السؤال التالي: "إلى أي حدٍّ أصبحت النساء أنفسهنّ عبارة عن "مواقع للذاكرة"، أو بالأحرى رموزاً لحدث أو لحركة؟ هل تصبح النساء رموزاً لأنه جرى استبعادهنّ، أم أنهنُّ استُبعدنَ لأنهنّ رموزٌ بالفعل؟"62 بعبارةٍ أُخرى، ما الذي يفسّر الانفصال الصارخ ما بين الإفراط في إظهار الفدائية في التأريخ القومي وفي وسائل الإعلام من جهة، وما بين الخيانة المُمنهجة للمرأة واستبعادها أثناء إنهاء الاستعمار وما بعد الاستقلال، من جهةٍ أُخرى؟63 تتحدث درّية شريفاتي-مرابطين عن نزع الشرعية عن، والاستخفاف في مجازية المرأة البطلة بعد استقلال الجزائر. يُقصد بـ "التقدير السلبي النشط والمقصود لحركة المرأة العصرية" في أن يكون مجالاً لمعالجة القلق الذي يثيره جرح الذكر النرجسي، والذي تفاقم – كما تلاحظ شريفاتي مرابطين – بظهور الإسلام السياسي في وجه العلمانية (المتصوّرة) لمشاريع القومية العربية.64
أرغب في العودة إلى حجّة راي تشو حول سياسة القبول المذكورة آنفاً. تشير تشو أنّه، نظراً لقدرتهن التي قد تكون خطرة وتجاوزية على تكوين المجتمع، "لا يجري محو النساء أبداً" وإنما يجري إعطاؤهن دائماً مكانةً محدّدة: "بينما لا يجري قبولهنّ تماماً، لا يجري رفضهنّ تماماً على حدٍّ سواء". تجادل بأن التركيز على "تنظيم بنى القرابة" هو أحد السبل لإزاحة مشكلة النشاط الجنسي الأنثوي، وبالتالي التقليل من إمكانياتها على خرق القيود المُجتمعية المفروضة عليها.65 يبدو هذا جليّاً في هاجس كلٍّ من الدولة الاستعمارية وما بعد الاستعمارية على حدٍ سواء، بتنظيم قوانين الأحوال الشخصية، يدور جزء كبير منها حول القضايا المتعلقة بالجنس الأنثوي وما يترتب عليه من (الميراث، الزواج، الطلاق، حضانة الأطفال، إلخ.)66 في الجزائر المستقلّة، أقرّ الميثاق الوطني لعام 1976 الحقوق غير المشروطة للمرأة دون تمييزٍ بين المُجاهدات ومَن لم يشاركن في الحرب.67 وعلى الرغم من حقيقة أن الميثاق حدد عدداً من العقبات والعلل الاجتماعية التي تؤثر على المرأة، بيد أنه لم يقترح أي حلول هيكلية لها.68 بذلت المحاولات إبّان السبعينيات، لتمرير مسودّات مختلفة لقانون الأسرة ولكن دون جدوى. في عام 1981، جرت صياغة مشروع القانون في سرّية، ولكن تمّ تأجيل الموافقة عليه حتى عام 1982 بسبب المعارضة الشديدة له من قبل مجموعاتٍ نسائية.69 كما تشير لازريج، فإن المسودة "حملت السمة المميزة للوضع الاجتماعي المحافظ" وأبلغت النساء بشكل لا لبس فيه أنهن يعشن في مجتمع يمكّن الرجال قانوناً من السيطرة على النساء.70 شهد عام 1981 سلسلة من تظاهرات نسائية ضد مسودة القرار بقيادة التجمع النسائي في الجزائر العاصمة. وكانت ثائرات سابقات مثل جميلة بوحيرد وزهرة الظريف من بين قادة هذه المظاهرات. وللسخرية، تقول مارنيا لازريج أن "مناشداتهنّ لـ الثورة والاشتراكية والمنطق تؤكد على عجزهنّ فحسب. [...] لقد تعلقنّ بخيط الالتزام الأخلاقي للدولة تجاه بعضهنّ بصفتهن مقاتلات سابقات من أجل جزائر مستقلة".71 أصبحنّ يُناشدن مساهمتهنّ الخاصة في بناء الأمة الجديدة وتضحياتهنّ في النضال الجزائري، كملاذٍ أخيرٍ متاح لمطالبتهنّ الاندماج في المجتمع الجديد. وكما تجادل تشو، لم يجري قبولهن بشكل كامل ولكنهنّ لم يُستبعدن أيضاً. عوضاً عن ذلك يجري تضمين النساء وفقاً لشروط لا تُخلّ بالسلطة الأبوية أو تتحدّاها.
أود أن أنتقل الى وصف فانون لدور النساء الجزائريات في الحرب ضد الإستعمار في عمله المعنون "إزالة النقاب عن الجزائر" (1965). إن القراءات النسوية لفقرة فانون الشهيرة تكشف عن تواطئ الكاتب مع السردية الأبوية لجبهة التحرير الجزائريّة حيال تصوير المرأة الجزائرية على أنها "كائنٌ مضحّي".72 يُبيّن فانون في فصله ذاك ماهية تحرّر المرأة في سياق استعماريّ يحاول فيه المستعمر الفرنسي فرض سرديّة تطبَّق على الرجل الجزائريّ المستعمَر وتدّعي عزمها تحرير المرأة الجزائريّة من ذكوريّة واقعها المحليّ. في عزّ حرب الجزائر والعنف الذي شكّل سمة أساسية فيها، بانت إحدى أعتى فصول المواجهة بين المستعمَر والمستعمِر حول ذاتية النساء. قام عدد من الجنرالات الفرنسيين بمكافحة كل من المقاومة الجزائرية والحكومة الفرنسية التي اعتبروا أنها قد خذلتهم، على شكل مظاهرات نسائيّة. حيث نقلوا النساء في الحافلات من القرى المجاورة، مع عدد من النساء "اللواتي خلعن الحجاب على يد نساء فرنسيّات."73 كان يُفترض لهذا المشهد العام أن يوضح "تحرير" المرأة المسلمة.74 في "الجزائر دون حجاب"، يعلّق فانون على هذه الحادثة مشيراً إلى ردّ الفعل العكسي الذي أطلقته، تحديداً بأن النساء بدأن في ارتداء الحايك مرّة أخرى في تحدٍّ لغطرسة الإدارة الاستعمارية الفرنسية.75 يُشير فانون أنه وبالرغم من إمكانية النظر إلى حقيقة عودة النساء إلى الحجاب قد يُنظر إليها بكونها "عودة إلى الوراء" أو "تراجع"، فإن العاقبة الإيجابة لهذه الحادثة تكمن في أن الحجاب أصبح مُسيّساً وتحوّل إلى أداة للمقاومة، وليس مجرد حدٍ يُعزز "التقاليد".76 تعقّد مارنيا لازريج هذه القراءة مُقدمةً نقداً رائعاً للرواية الاستعمارية ولتورّط فانون معها. تقول إن "حقيقة حدث السادس عشر من أيار لعام 1958، ألحق أذى مستمراً للنساء الجزائريات. (...) قيل الكثير، وبشكل محقّ، حول التلاعب العام بالحجاب بكونه رمزاً سياسياً يفصل المستعمِرين عن المستعمَرين، أو عن معناه كسردية آخر معقل لمقاومة الرجال الأصليين للفرنسيين، ضامنةً ملاذاً آمناً للسلطة الشخصية في مجتمع خاضع للسيطرة. كُتب القليل عن معناه بالنسبة للنساء".77
في الواقع، أشارت عدّة ناقدات نسويات إلى أن الكيفية التي ركّز فيها فانون على النساء الجزائريات جاءت كتدريب وبطرق عديدة على رواية "جبهة التحرير الوطني" للنساء بكونهنّ كائنات قربانية. لقد صوّرت مجلة "المجاهد" التابعة لـ"جبهة التحرير الوطني"، النساءَ الجزائريات إما على أنهن "ضحايا الهمجية الاستعمارية، أو كتجسيدات بطولية للمرأة الجزائرية المسلحة الجديدة".78 على الرغم من اهتمام فانون الشديد بتوفير سياق للطبيعة العنيفة التي اندلعت فيها الحرب الجزائرية، فإن تصويره للمرأة الجزائرية يبدو مُجمّداً في الزمن ويفتقر إلى أي عمق: "وسيط بين قوى غامضة والجماعة"، إنها ذات "أهمية أساسية".79 يقرّ فانون بأن المرأة الجزائرية أصبحت محوراً ما بين الرغبة الاستعمارية في إحكام هيمنتها وسيطرتها، وما بين الرغبة المضادة للمستعمَر في حماية نفسه وفي مقاومته. ينصبّ تركيزه بشدّة على الأول، بينما يرفض التفكير في العواقب المترتّبة على النساء من هذا الأخير:
بعد كلّ نجاح، تعزّزت قناعات السلطات (الاستعمارية) بأن المرأة الجزائرية ستدعم التغلغل الغربي في المجتمع المحلي. (...) يبدو أن المجتمع الجزائري ومع كلّ امرأة تتخلّى عن حجابها، يعبّر عن رغبته في الالتحاق بمدرسة السيّد الأبيض ويقرّر تغيير عاداته تحت إشراف ورعاية المُحتلّ.80
كما ذكرنا آنفاً في هذه المقالة، تُصبح معها "قضية المرأة" جرحاً للحداثة الاستعمارية: يُنظَر إلى جسدها (عندما تكون غير محجّبة) على أنه عتبة التغلغل الاستعماري في المجتمع الجزائري من جهة، لذا لا بُدَّ لجهود الرجال المستعمَرين أن تنصبّ نحو مقاومته. بالنظر إلى المسألة في ضوء هذه المعادلة، لا يمكن النظر إلى قرار المرأة الجزائرية بخلع حجابها سوى على أنه فعل خضوع للسلطة الاستعمارية. إن تعليق لازريج المذكور آنفاً، المتعلق بتأثيرات مظاهرة أيار/مايو 1958 على النساء، يطرح سؤالاً مُلحّاً: أين هي الإرادة التقريرية للمرأة في خضم هذه المسابقة الاستعمارية؟
تسأل آن ماكلنتوك: "أين تبدأ الإرادة التقريرية للمرأة بالنسبة إلى فانون؟"81 في جميع أنحاء "الجزائر غير المحجّبة"، جرى تأطير إرادة المرأة الجزائرية التقريرية (وعلقت) في زمانية تبسيطية إلى حدّ ما: إلى ما قبل النضال الثوري، كانت المرأة الجزائرية رمزًا وعلامة وحارسًا للأسرة والتقاليد، فقط مع بداية الحرب الجزائرية، اقتحمت المرأة حقبة جديدة من العمل السياسي. لا يوجد أي معنى في أن يكون للمرأة الجزائرية تاريخ من العمل السياسي، أو "سابق [...] للوعي بالثورة".82 "حتى عام 1955، كان الرجال حصرياً يقودون المعركة"، يُشير فانون.83 هذا عنصر حاسم اختارته مارنيا لازريج في تحليلها عندما أشارت بأن "هنالك استمرارية غير مُلاحظة في مُشاركة النساء في الحياة السياسية/ العسكرية لبلادهنّ".84 لم تكن النساء صاحبات إرادة تقريرية فاعلة سياسياً/ عسكرياً في مقاومة الفتح الاستعماري الفرنسي في القرن التاسع عشر (الذي صوّرته مثلاً آسيا جبارة في روايتها "الحبّ والخيال"، والتي أصبحت من الروايات الكلاسيكية الآن في أدب شمال إفريقيا)، لكن حتى في الخطابات الإسلامية المناهضة للاستعمار في كل من الجزائر وخارجها استندت إلى قصص من التاريخ الإسلامي لنساء بطلات شاركن في العمل السياسي والعسكري.85
آن ماكلينتوك مُحقّة في الإشارة إلى تحليل فانون بكون الإرادة التقريرية السياسية لدى النساء الجزائريات لم تكن أبداً نابعةً بشكل ذاتي، بل كانت "إرادة بالتعيين".86 كما يُشير فانون، الرجال هُم من قرّروا السماح للمرأة في المشاركة بالحرب: "لم يجرِ التوصّل إلى قرار إشراك المرأة كعنصرٍ فاعل في الثورة الجزائرية باستخفاف".87 لكن يبدو أن شهادات النساء تفصح عن قصص أكثر تعقيداً. أجرت شريفة بوعطا (1994) عدداً من المقابلات مع المجاهدات بهدف فهم دوافع النساء وأهدافهن في الانضمام إلى الحرب المناهضة للاستعمار. تُشير إلى أن دوافعهنّ كانت على نفس القدر من التعقيد الذي كانت عليه أوضاعهنّ الحياتية الخاصة:
رأى بعضهنّ مساحة النضال المناهض للاستعمار كمساحة يمكنهنّ من خلالها الهروب من الالتزامات والتوقعات الأُسرية القمعية بشكل خاص، وانضمّت أخريات إلى الحرب من خلال روابطهن الأُسرية القريبة (شائع بشكل خاص عندما انضم أفراد الأسرة المباشرون إلى "جبهة التحرير الوطني"). تشير بوعطا إلى أن المجاهدات اللواتي أجرت معهنّ المقابلات يذكرنَ الحرب بكونها مرحلةً استثنائية من الزمن شعرنَ خلالها بالاحترام وبالمرئية كأنداد أمام رفاقهنّ. إن بوعطا حريصة بالطبع على ملاحظة وجود عمليات تجميل للذكريات أثناء الحرب، تحديداً بسبب خيبة الأمل والخيانة التي شعرت بها النساء في مرحلة ما بعد الحرب.88 إن وجود المجاهدات السابقات مثل جميلة بوحيرد ولويزة إغيل أحريز على رأس التظاهرات المعاصرة، والمعروف أيضاً بالحراك،89 يُعدُّ تذكيراً قوياً بالفجوة الدائمة بين جنّة الكرامة الموعودة للنساء والتحرر، والتأريخ القومي الذي يدّعي تكريم تضحيات النساء ولكنه يمنعهن من المشاركة السياسية.
"لن نكون جزائر أخرى"
من خلال خوض الجزائر حرباً مناهضةً للاستعمار، ودورها في دعم وإلهام الحركات الثورية عبر القارة الإفريقية وما وراءها، أكسبها لقب "مكّة/ قِبلة الثورة".90 من ناحية أخرى فإن قصة مشاركة المرأة الجزائرية، الفعّالة في الحرب التحررية، وخيانة دولة التحرير الوطنية لها لاحقاً، سرديةٌ تحذيرية للمرأة الفلسطينية. ينبع التشابه ما بين قصة المرأة الجزائرية والمرأة الفلسطينية من تشابهات معيّنةٍ في السياق التاريخي: في كلتا الحالتين كان واقع الحال هو استعمارٌ استيطاني إحلالي، تمخّض عنفه المروّع عن حالةٍ من الحرب المناهضة للاستعمار من جهة، ومن جهةٍ أخرى، عن حركة مقاومة ضد الاحتلال استمرّت عدّة عقود. من ناحية مشاركة النساء، فإنه وفي كلتا الحالتين كان الحاج مسألة المقاومة والتحرير يتطلب من النساء إخضاع مسألة مطالبتهنّ بالحقوق والتحرر إلى الهدف الشامل المتمثل بالتحرر الوطني. مع ذلك، ووفقاً لملاحظات العديد من الباحثين النسويين، في حين جرى حصر نشاط المرأة الفلسطينية تاريخياً ضمن الإطار القومي الأوسع،91 أتاحت الانتفاضة الأولى (1987-1993) الفرصة أمام المرأة الفلسطينية لتحويل مشاركتها من "النشاط القومي إلى النسوية القومية".92 يمكن تفسير هذا التحوّل عبر قاعدةٍ أوسع للحركة النسوية، ومن خلال النجاح الذي أحرزته الأخيرة في "تفعيل الخطاب الجندري ضمن حركة التحرّر الوطنية".93 كما وضّحنا في المقدّمة آنفاً، فإن التركيز لا ينصبّ هنا على الحركة النسوية الفلسطينية بحدّ ذاتها، وإنما على الطريقة التي استوعبن بها تاريخ مسار المرأة الجزائرية ضمن مشروع التحرر الوطني الأشمل. تشير نهلة عبده إلى أن "[عدم] العودة إلى الوراء" كان شعاراً عاماً تبنّته النساء الفلسطينيات خلال الانتفاضة الأولى، للإشارة إلى التجربة الجزائرية وإلى تاريخ الفلسطينيات الخاص في العلاقة مع الهيمنة الأبوية.94 العمل الميداني الذي تقوم به عبده يتمحور حول إجراء مقابلات مع النساء في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يسلط الضوء على مستوى من الوعي العميق للنساء الفلسطينيات حيال التجربتين (الجزائرية وتلك الخاصة بهن). فاطمة إحدى النساء اللواتي أُجريت معهنّ المقابلات من بيت حانون (قطاع غزة)، تقول: "لن يُسمح بأن يحدث لنا هنا ما حدث في الجزائر… لقد قطعنا شوطاً كبيراً. لا ينبغي السماح لهم بإيقافنا".95 يتردد صدى جرح الأمل الثوري من الجزائر إلى فلسطين بعد عقود من انتهاء حرب التحرير الجزائرية.
ملاحظات ختامية: جرح الأمل ومخياله الثوري
ما مصير حلمٍ مؤجّل؟
لانغستون هيوز
عند دراسة إنهاء الاستعمار من خلال تاريخ نضالات النساء، تبدو لي حجّة جولييتا سينغ حول الحركات المقاومة للاستعمار المُنتِجة لممارسات السيادة المضادة دقيقة (رغم عدم اكتمالها). أصبحت الجزائر بمثابة مكّة للثوريين وقصة مُنذِرة للنساء الفلسطينيات في آنٍ واحد – فهاتان ليستا قصّتين مختلفتين أو واقعين متباعدين. بقدر ما كان هدف النضال المقاوم للاستعمار هو القضاء على الاحتلال الاستعماري واستعادة الشعور بالاستقلال والكرامة الوطنية، فقد حُقِق الهدف (مرة أخرى، بطريقة جزئية وغير كاملة). إن ادعاءات هشام شرابي بشأن النظام الأبوي المستحدث كمبدأ منظّم للمجتمعات العربية توفّر تماسكًا لقصة الجزائر المزدوجة باعتبارها مكّة للثوار وقصة مُنذِرة للنساء الثوريات. إن "نظرية التحرر ذي المرحلتين" (القائلة بأن التحرر الوطني سيؤدي حتماً إلى تحرر النساء، أو بعبارة أخرى، يجب أن يخضع هدف تحرر النساء للهدف الأكبر المتمثل في التحرر الوطني) منطقيةً تمامًا ضمن إطار الأبوية المستحدثة. إنها تسمح للنساء بالحلم بجنّة مستقبلية؛ تحقيقها ممكن حتى وإن كان مؤجلًا للأبد.
يحتوي جرح الأمل الثوري أيضًا على ادعاءات بتاريخ مشترك من القهر وتاريخ مشترك من النضال يحجب واقعاً أكثر تعقيدًا من التجارب المفكّكة لكل من القهر والنضال. محادثة جيمس بالدوين وأودري لورد، المنشورة في الأصل في مجلة "ايسنس" في عام 1984، هي تذكير صارخ بتفكّك [مسارات] التحرر. افتتح جيمس بالدوين المحادثة بافتراض انتماء مشترك إلى "الحلم الأميركي" نيابة عن أودري لورد: "لقد آمن دو بوا بالحلم الأميركي. وكذلك مارتن. وكذلك مالكولم. وأنا كذلك. وأنتِ كذلك. هذا هو سبب جلوسنا هنا".96 كان رد فعل أودري لورد الفوري: "أنا لست كذلك، عزيزي. أنا آسفة، لا يمكنني ترك ذلك يمرّ. في أعماق أعماق أعماقي أعلم أنّ هذا الحلم لم يكن يومًا حلمي. وانتحبتُ وبكيتُ وقاومتُ وغضبت، لكنني عرفت ذلك. كنت سوداء. كنت أنثى". تدور المحادثة الكاملة بين بالدوين ولورد حول فكرة تجربة القهر المفككة، حيث حاول بالدوين باستمرار شرح غضب الرجل الأسود (بشكل عام، ولكن أيضًا تجاه النساء السود) وعلاقته بالنظام الأميركي الأوسع القاهر ومُنتزِع الإنسانية. من ناحية أخرى، تدعو لورد بالدوين إلى رؤية نفس النظام من منظورها للقهر المزدوج، لرؤية قصتها والاستماع إليها – ولست متأكدة من أنه قد قَبِل الدعوة. ما أدهشني في هذا الحديث هو بالتحديد رفضه السماح لقصّتها بأن تكون ببساطة، بكلّ ألمها الذي يكسر القلب: "كيف يمكنك أن تكوني عاطفية بحيث تلومين الرجل الأسود على وضعٍ لا علاقةَ له به؟" تدعوه لورد مرة أخرى: "لم تتخطَ اللوم بعد. أنا لست مهتمّة باللوم، أنا مهتمّة بالتغيير...". تستطرد مصوّبة نحو نقطتها قائلة:
[...] علينا إلقاء نظرةٍ جديدة على الطرق التي نحارب بها قهرنا المشترك لأننا إذا لم نقم بذلك، فسوف نفجّر بعضنا البعض. علينا البدء بإعادة تعريف مصطلحات ماهيّة المرأة، وماهيّة الرجل، وكيف نفهم بعضنا البعض.
ج.ب.: لكن هذا يتطلّب إعادة تعريف شروط العالم الغربي...
أ.ل.: ويجب على كلَينا القيام بذلك؛ ويجب على كلَينا القيام بذلك...
ما تمفصله أودري لورد هو عبء الاعتراف والفهم المتبادلين لتشابهات القهر وكذلك (بالأخص) اختلافاته؛ والعبء يكمن في الانفتاح على رؤية وقبول أن المرء يمكن أن يكون قاهرًا ومقهورًا في نفس الوقت. ربما ما أوضحته لورد هو بداية لكسر منطق السيادة/ السيادة المضادة عبر دعوة لإعادة تعريف الهويات والطرق التي يفهم من خلالها الناس بعضهم البعض. إنّه أمرٌ شاقّ وعاجل في آن.
- 1. مُقتَبس في فليشمان، 2003، 115.
- 2. مُقتَبَس في هاريزي، 2020.
- 3. انتقينا هذه الترجمة لـ unthinking mastery (المترجمة).
- 4. حاياواردينا، 2016؛ أحمد، 1992؛ ماكلينتوك، 1995؛ ستولر، 2002.
- 5. أبو لغد 1998؛لازرج، 2019؛ باير، 2011؛ بارون، 2005؛ سالم، 2017؛ علي، 2018.
- 6. يتوسع دنيز كانديوتي في الفهم المشترك للنظام الأبوي، لكنه لا يتعمق بنفس درجة هشام شرابي (1992). انظر/ي كانديوتي، 1988؛ 1991.
- 7. كانديوتي، 1988، 274.
- 8. شرابي، 1992، 4.
- 9. المصدر السابق، 21.
- 10. المصدر السابق، 7.
- 11. المصدر السابق.
- 12. مُقتَبَس في كسّاب، 2010، 203.
- 13. داس، 2000، 205.
- 14. سينغ، 2018، 2.
- 15. المصدر السابق، 3.
- 16. جاياوردينا، 2016، 8.
- 17. أبو لغد، 1998، 7.
- 18. سالم، 2020، 75. مبيَّنٌ في المصدر الأصلي.
- 19. جاياوردينا، 2016، 14-19؛ كانديوتي، 1991.
- 20. جاياوردينا، 2016، 14. انظر/ي أيضًا فليشمان، 2003، 9.
- 21. فليشمان، 1999، 99. أنظر/ي أيضًا علي، 2018، 53-61؛ باير، 2011؛ بارون، 2005.
- 22. فليشمان، 1999، 100. أنظر/ي أيضًا أحمد، 1992، 162.
- 23. براشاد، 2007/ 57. أنظر/ي أيضًا أرمسترونج، 2016.
- 24. باير، 2011، 14. أنظر/ي أيضًا حاتم 1992؛ سالم، 2017.
- 25. شرابي، 1992، 7-8.
- 26. المصدر السابق، 45. أنظر/ي أيضًا كسّاب، 102-103.
- 27. سينغ، 2018، 3.
- 28. فانون، 2004.
- 29. يمكن العودة الى خاتمة فانون. ص. (235-239) لعام 2004.
- 30. المصدر السابق، 5.
- 31. بيرسود، 2021. للمزيد عن الصدمة الاستعمارية، انظر/ي خانا، 2003.
- 32. بيرسود، 2021.
- 33. المصدر السابق. للمزيد عن إنهاء الاستعمار كتمتع، انظر/ي كابور، 2020.
- 34. بيرسود، 2021.
- 35. كانديوتي مُقتَبَس في فليشمان، 1999، 99. أنظر/ي أيضًا فليشمان، 2003.
- 36. لطيفة الزيات، الباب المفتوح (القاهرة: هوبوي، 2017). تستكشف رواية ليلى إربيل (2022) إشكالية مشابهة في سياق تركيا الحديثة.
- 37. الزيات، 2017، 89.
- 38. يمكن العودة الى تشو 1999 ص. 36. لحوار حول ساسات التقبل في سياق جزر الهند الشرقية الهولندية – المرجع: ساجدة 20017.
- 39. تشو، 1999، 39.
- 40. المصدر السابق.
- 41. المصدر السابق، 40.
- 42. لازريج، 2019، 209.
- 43. فلايشمان، 2003، 138.
- 44. مكلينتوك، 1995
- 45. لازريج، 2019.
- 46. هورن، 2006؛ مكدوغال، 2017.
- 47. إن البحث في سؤال الجندر والإطاحة بالإستعمار ضمن السياق الجزائري مثل تحديا منهجيًا واضحًا. كما أسلفت الذكر، لا تولي معظم الأبحاث حول الجازائر مساحة لأصوات النساء والمعاناتهنّ. عدت إلى مراجع إنجليزية وفرنسية ومنهم أعمال مارينا لازريج وجوديت سوركيس وناتاليا فينيس إلى جانب دراسات منشورة ومحرّرة لباحثين جزائريين. استلهم في هذه الفقرة على أعمال الباحثين شريفة بو عطا ودوريا شريفاتي مرابطين، وهما علماء نفس اجتماعي من جامعة الجزائر. أجرت دوريا مقابلات مع عدد من المجاهدين عزمت من خلالها الى بلورة فهم للدوافع التي قادتهم الى الانخراط في النضال ضد الاستعمار ورؤيتهم لطبيعة الأمة الجزائرية في مرحلة ما بعد الإستعمار. بعض المجاهدين الذين أجريت معهم المقابلات كتبوا مذكراتهم: دجاميلا عمرانيه في نص النساء الجزائريات أثناء الحرب (باريس: بلون، 1991) أو السردية الأكثر شيوعيا لقصة دجاميلا بوباتشا عن التعذيب أثناء حرب الجزائر بقلم جيزيل حاليمي وسيمون دو بوفوار بعنوان دجاميلا بوباتشا (باريس: جاليمارد، 1962). هناك إصدار أحدث بقلم مجاهدة بعنوان لويزيت اغيلاهريز الجزائرية (باريس فايارد / كالمان – ليفي، 2001). لويزيت اغيلاهريز أطلعت الصحفية آن بيفات بقصتها ونشر الكتاب عام 2001 ليصبح من بين الكتب الأكثر مبيعا في فرنسا.
- 48. لازريج، 2019، 131.
- 49. المصدر السابق، 122.
- 50. المصدر السابق.
- 51. مُقتَبَس في المصدر السابق.
- 52. فرعون، 2000، 242. مبيَّنٌ في المصدر الأصلي. ترجمة بتصرّف.
- 53. لقراءة أعمق حول الخارطة الأيديولوجية المعقدة لجبهة تحرير الجزائر أثناء حرب الجزائر الرجاء العودة الى ساجد (2019).
- 54. لازريج، 2019، 131.
- 55. شريفاتي-مرابطين، 1994، 41.
- 56. بوعطا، 1994، ص.19.
- 57. جميلة عمراني، مُقتَبَس في شريفاتي-مرابطين، 19.
- 58. فينس، 2018، 222-223.
- 59. المصدر السابق، 223.
- 60. المصدر السابق.
- 61. حريزة، 2020.
- 62. بارون، 2005، 3. مبيَّنٌ في المصدر الأصلي.
- 63. كان الإفراط في إظهارها مؤقتاً: اقتصر منحها الاهتمام فقط على العقد الأول لما بعد الاستقلال، وبعدها بهت ذكر أسمائهنّ بين العامة.
- 64. شريفاتي-ميرابطين، 1994، 53-54.
- 65. تشو، 1999، 40.
- 66. للاطلاع على القانون الاستعماري والجنس في الجزائر الفرنسية، انظر/ي سوركس، 2019.
- 67. لازريج، 2019، 139.
- 68. المصدر السابق.
- 69. المصدر السابق، 143-144.
- 70. المصدر السابق، 145.
- 71. المصدر السابق، 146-147.
- 72. انظر/ي على سبيل المثال، شيشادري- كروكس، 2002؛ مكلينتوك، 1995؛ سينغ، 2018. دفاعاً عن عمل فانون ضد الانتقادات النسوية، انظر/ي غوردون، 2015.
- 73. لازريج، 2019، 127. انظر/ي أيضًا مكدوغال، 2017، 220.
- 74. المصدر السابق.
- 75. فانون، 1965، 62.
- 76. المصدر السابق، 63.
- 77. لازريغ، 2019، 127-128.
- 78. فينس، 2018، 225.
- 79. فانون، 1965، 37.
- 80. المصدر السابق.
- 81. مكلينتوك، 1995، 365.
- 82. المصدر السابق.
- 83. فانون، 1965، 48.
- 84. لازريغ، 2019، 129.
- 85. أنظر/ي مثلاً، ميرنيسي، 2012. هذه دراسة رائعة عن الفاعلية النسائية السياسية والعسكرية في المجتمعات الإسلامية بين القرنين السابع والحادي عشر.
- 86. مكلينتوك، 1995، 366.
- 87. فانون 1965، 48.
- 88. بوعطا، 1994، 32-33.
- 89. بوعطا، 2020.
- 90. انظر/ي بيرن، 2016. يُنسب التعبير إلى أميلكار كابرال: "يحجُّ المُسلمون إلى مكة، أما المسيحيون فيحجون إلى الفاتيكان، أما حركات التحرر الوطنية فتحج إلى الجزائر".
- 91. انظر/ي فليشمان، 2003.
- 92. غلوك، 1995، 8. انظر/ي أيضاً عبدو، 1994؛ عبد الهادي، 1992؛ مسعد، 1995. انظر/ي أيضاً نائلة والانتفاضة (فيلم، من إخراج جوليا باشا، 2017).
- 93. غلوك، 1995، 10.
- 94. عبدو، 1994، 148.
- 95. المصدر السابق، 166.
- 96. بالدوين ولورد، 1984.
Abdo, Nahla. “Nationalism and Feminism: Palestinian Women and the Intifada – No Going Back?” In Valentine M. Moghadam (ed.), Gender and National Identity. Women and Politics in Muslim Societies. London: Zed Books, 1994.
Abdulhadi, Rabab. “The Feminist Behind the Spokeswoman – A Candid Talk with Hanan Ashrawi.” Ms., March/April, 1992, 14-17.
Abu-Lughod, Lila (ed). Remaking Women: Feminism and Modernity in the Middle East. Princeton: Princeton University Press, 1998.
Ahmed, Leila. Women and Gender in Islam: Historical Roots of a Modern Debate. New Haven: Yale University Press, 1992.
Al-Zayyat, Latifa. The Open Door. Cairo: Hoopoe, 2017.
Ali, Zahra. Women and Gender in Iraq: Between Nation-Building and Fragmentation. Cambridge: Cambridge University Press, 2018.
Armstrong, Elisabeth. “Before Bandung: The Anti-Imperialist Women’s Movement in Asia and the Women’s International Democratic Federation.” Signs: Journal of Women in Culture and Society 41(2): 2016, 305-331.
Baldwin, James, and Audre Lorde. “Revolutionary Hope: A Conversation Between James Baldwin and Audre Lorde.” Essence Magazine, 1984.
Baron, Beth. Egypt as A Woman: Nationalism, Gender, and Politics. Berkeley and Los Angeles: University of California Press, 2005.
Bier, Laura. Revolutionary Womanhood: Feminisms, Modernity, and the State in Nasser’s Egypt. Stanford, CA: Stanford University Press, 2011.
Bouatta, Cherifa. “Feminine Militancy: Moudjahidates During and After the Algerian War.” In Valentine M. Moghadam (ed.), Gender and National Identity. Women and Politics in Muslim Societies. London: Zed Books, 1994.
Bouattia, Malia. “Algeria’s Women: Unsung Heroes of the Revolution.” Middle East Eye, March 8, 2020. https://www.middleeasteye.net/opinion/algerias-women-unsung-heroes-revolution
Byrne, Jeffrey. Mecca of Revolution: Algeria, Decolonization & the Third World Order. Oxford: Oxford University Press, 2016.
Cherifati-Merabtine, Doria. “Algeria at a Crossroads: National Liberation, Islamization and Women.” In Valentine M. Moghadam (ed.), Gender and National Identity: Women and Politics in Muslim Societies. London: Zed Books, 1994.
Chow, Rey. “The Politics of Admittance: Female Sexual Agency, Miscegenation, and the Formation of Community in Frantz Fanon.” In Anthony C. Alessandrini (ed.), Frantz Fanon: Critical Perspectives. London and New York: Routledge, 1999.
Das, Veena. “The Act of Witnessing.” In Veena Das et al. (eds), Violence and Subjectivity. Berkeley and Los Angeles: University of California Press, 2000.
Erbil, Leylâ. A Strange Woman. Dallas: Deep Vellum, 2022.
Fanon, Frantz. “Algeria Unveiled.” A Dying Colonialism. New York: Grove Press, 1965.
Fanon, Frantz. The Wretched of the Earth. New York: Grove Press, 2004.
Feraoun, Mouloud. Journal 1955-1962: Reflections on the French-Algerian War. Lincoln and London: University of Nebraska Press, 2000.
Fleischmann, Ellen L. The Nation and Its “New” Women: The Palestinian Women’s Movement 1920-1948. Berkeley and Los Angeles: University of California Press, 2003.
Fleischmann, Ellen L. “The Other ‘Awakening’: The Emergence of Women’s Movements in the Modern Middle East, 1900-1948.” In Margaret L. Meriwhether and Judith E. Tucker (eds), Social History of Women and Gender in the Modern Middle East. Boulder, CO: Westview Press, 1999.
Gluck, Sherna Berger. “Palestinian Women: Gender Politics and Nationalism.” Journal of Palestine Studies 24(3): 1995, 5-15.
Gordon, Lewis. What Fanon Said: A Philosophical Introduction to His Life and Thought I. New York: Fordham University Press, 2015.
Harize, Ouissal. “From Militants to Student Activists: The Women Who Fought for Algeria.” Middle East Eye, July 3, 2020. https://www.middleeasteye.net/discover/algeria-women-militants-independence-activists
Hatem, Mervat. “Economic and political liberation in Egypt and the demise of state feminism.” International Journal of Middle East Studies 24(2): 1992, 231–251.
Horne, Alistair. A Savage War of Peace: Algeria 1954-1962. New York: New York Review Books, 2006.
Jayawardena, Kumari. Feminism and Nationalism in the Third World. London: Verso, 2016 [1986].
Kandiyoti, Deniz. “Bargaining with Patriarchy.” Gender & Society 2(3): 1988, 274-290
Kandiyoti, Deniz. “Identity and Its Discontents: Women and the Nation.” Millennium: Journal of International Studies 20(3): 1991, 429-443.
Kapoor, Ilan. Confronting Desire: Psychoanalysis and International Development. Ithaca, NY: Cornell University Press, 2020.
Kassab, Elizabeth. Contemporary Arab Thought: Cultural Critique in Comparative Perspective. New York: Columbia University Press, 2010.
Khanna, Ranjana. Dark Continents: Psychoanalysis and Colonialism. Durham, NC: Duke University Press, 2003.
Lazreg, Marnia. The Eloquence of Silence. Algerian Women in Question, 2nd ed. London and New York: Routledge, 2019.
Massad, Joseph. “Conceiving the Masculine: Gender and Palestinian Nationalism.” Middle East Journal 49(3): 1995, 467-483.
McClintock, Anne. Imperial Leather: Race, Gender, and Sexuality in the Colonial Contest. London and New York: Routledge, 1995.
McDougall, James. A History of Algeria. Cambridge: Cambridge University Press, 2017.
Mernissi, Fatima. The Forgotten Queens of Islam. Minneapolis: University of Minnesota Press, 2012.
Persaud, Randolph B. “Hegemony and the Postcolonial State.” International Politics Reviews 9: 2021, 70-79. https://doi.org/10.1057/s41312-021-00106-0
Prashad, Vijay. The Darker Nations: A People’s History of the Third World. New York: The New Press, 2007.
Sajed, Alina. “How We Fight: Anti-colonial Imaginaries and the Question of National Liberation in the Algerian War.” Interventions: International Journal of Postcolonial Studies, 21(5): 2019, 635-651.
Sajed, Alina. “Peripheral modernity and anti-colonial nationalism in Java: economies of race and gender in the constitution of the Indonesian national teleology.” Third World Quarterly, 38(2): 2017, 505-523.
Salem, Sara. Anticolonial Afterlives in Egypt: The Politics of Hegemony. Cambridge: Cambridge University Press, 2020.
Salem, Sara. “Four Women of Egypt: Memory, Geopolitics, and the Egyptian Women’s Movement during the Nasser and Sadat Eras.” Hypatia: A Journal of Feminist Philosophy 32(3): 2017, 593-608.
Sharabi, Hisham. Neopatriarchy: A Theory of Distorted Change in Arab Society. Oxford: Oxford University Press, 1988.
Sheshadri-Crooks, Kalpana. “‘I am a Master’: Terrorism, Masculinity, Political Violence in Frantz Fanon.” Parallax 8(2): 2002, 84-98.
Singh, Julietta. Unthinking Mastery: Dehumanism and Decolonial Entanglements. Durham, NC: Duke University Press, 2018.
Stoler, Ann Laura. Carnal Knowledge and Imperial Power: Race and the Intimate in Colonial Rule. Berkeley: University of California Press, 2002.
Surkis, Judith. Sex, Law, and Sovereignty in French Algeria 1830-1930. Ithaca: Cornell University Press, 2019.
Vince, Natalya. “Looking for ‘the Woman Question’ in Algeria and Tunisia: Ideas, Political Language, and Female Actors Before and After Independence.” In Jens Hanssen and Max Weiss (eds), Arabic Thought Against the Authoritarian Age. Cambridge: Cambridge University Press, 2018.