إحياء التاريخ عبر بيرو بريمان في كتابها "أيك ساو ساث كافيان": قصّة نجاة ومرونة

السيرة: 

عائشة لطيف تدرّس الشعر كمحاضرة في جامعة كومساتس، إسلام أباد وتعمل كباحثة دكتوراه في جامعة البنجاب في لاهور. تكتب أطروحتها بعنوان "قراءة تاريخية عامية لأعمال شاه حسين وبوله شاه وبيرو بريمان في النوع البنجابي للكافي". مجالات اهتمامها تشمل النسوية والتاريخ العام والأدب. إذا لم تكن تقرأ أو تكتب أو تدرّس، فيمكن رؤيتها تتنزّه في تلال مارجالا في إسلام أباد.

‫ ‫الملخص: 

تكشف القصّة المعقّدة للشاعرة البنجابية، بيرو بريمان (1832-1872)، عن صراع نسوي غير معالج داخل وخارج إطار البهاكتي والصوفي التقليدي للتفاني والانتفاض. تنتمي بيرو إلى ولاية بنجاب القديمة، تهرّبت من وضعها الاجتماعي كعاملة جنس من الكاست الدنيا، أي من الكنجاري. فقد ثارت على هويتها كمسلمة بالولادة لإحياء نفسها كمُحبّة لمعلّمها غولابداس، رائد الغولابداسية، التي هي مذهب ديني ينتمي إلى تراث ثقافي سيخي واسع. في كتابها المعنون: "أيك ساو ساث كافيان"، المسمّى "سرداً مصغراً" وفق التقليد البنجابي للكافي، تعرض فيه سيرتها الذاتية. كتبته في عهد الإمبراطور راجا رانجيت سينغ على البنجاب، وقد تميّز هذا العهد بوجود روح علمانية متسامحة دينيّاً. مع ذلك، إن وصف بيرو للكافي يُؤَشكِل التفاصيل التاريخية التي تصوّر "عالم ما قبل الاستعمار على أنه يوتوبيا". بات كتاب "أيك ساو سات كافيان" (المؤلّف من 160 كافية) وثيقة تاريخية ذات دلالة. تؤكد رواية بيرو مجريات الحقبة المؤلمة من الارتداد القسري، حيث أشارت السجلّات في أماكن أخرى إلى وجود توترات بين الطوائف في حقبة الهند البنجابية ما قبل الاستعمار. في قصتها الشفهية العامية، سجّلت بيرو تحدّيها للأتراك المسلمين والنقاد الهندوس عبر مواجهة التمثيلات الأبوية الخطابية للأنوثة. توقعت أنها كامرأة [لها حرية] اختيار السكن في غولابداس ديرا (مسكن مؤقت). تكشف قصتها أنها داخل الغولابداس ديرا، أمّنت بيرون مساحة آمنة للنساء، وبنت تعريفاً جديداً للحرية والحبّ والنضال الراديكالي ضد البنى الدينية البطريركية. بالإضافة إلى ذلك، إن المناقشة الحالية تنظر إلى النص على أنه كويري وتجادل حول واقع نصوص الكافي، وتاريخ البنجاب ما قبل الاستعمار، والذي بقي صامتاً حيال وجود الشاعرات.

اقتباس: 
عائشة لطيف. " إحياء التاريخ عبر بيرو بريمان في كتابها "أيك ساو ساث كافيان": قصّة نجاة ومرونة". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 9 عدد 1 (22 يناير 2023): ص. 126-139. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 03 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/392.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (539.65 كيلوبايت)
ترجمة: 

مترجم يساريّ ثوري منذ سنوات طوال واستاذ في اللغة العربية، يعمل لأجل الطبقة العاملة التي ينتمي عن وعي وإصرار إلى صفوفها.

asadtryptich11.jpg

نساء الجزائر٬ 2012

أسد فالويل

يمكننا تعريف الوسيلة الشعرية للكافي على أنها أغنية شعبية باللغة الأم لعامّة الناس في البنجاب. كانت الأغاني الشعبية باللغة البنجابية الإقليمية جزءاً لا يتجزّأ من المشهد الثقافي لمنطقة البنجاب. الكافي هو قصيدة قصيرة تتألف بنيتها من مقطعين أو أكثر، وكل مقطع يتضمّن 4 إلى 6 أسطر، ويتبع المقاطع لازمة. وصفت آن ماري شيمل الكافي على أنها "أغانٍ قصيرة لحّنها الصوفيون لمريديهم" (ص. 81، كما ورد في مالهوترا، 217). من المعروف أن الشعراء من البنجاب مثل بابا فريد (1173) وشاه حسين (1538)، وبوليه شاه (1680) قد صاغوا الشكل الشعري البنجابي للكافي، الذي يغنّيه مختلف الشعراء والقوّالين على امتداد مناطق جنوب آسيا. ولدت بيرو بريمان عام 1832 في ولاية البنجاب الهندية المقسمة مسبقاً، وكتبت عملها "أيك ساو ساث كافيان" (160 كافية) ضمن التقليد الذي وضعه أسلافها الشعراء.

ومنذ أن هذه المناقشة تنسج حياة وعمل بيرو بريمان في سياق البنجاب في فترة ما قبل الاستعمار، من المهمّ إعادة قراءة تاريخ تلك المنطقة. من الناحية التاريخية، بدأ الاستعمار البريطاني للهند مع بداية القرن التاسع عشر، ولكن منطقة البنجاب كانت آخر المناطق التي وقعت تحت الاحتلال البريطاني. كانت دولة البنجاب من بين أكثر المناطق تعقيداً منذ أن كان سكانها الأصليون يتشكّلون من أشخاص متنوعين منتمين إلى مجموعات دينية واجتماعية وإثنية مختلفة. بين عامي 1832 و1872، أي مدة حياة بيرو، كانت البنجاب معقل إمبراطور السيخ رانجيت سينغ (1798-1839). وبحسب المؤرخ المعروف هارجوت أوبيروي، التزم سكان منطقة البنجاب بنمط النظام الاجتماعي القائم على نظام الكاست الهندوسي (1994). تشكّل عمل بيرو وسط هذه المشهدية الثقافية المشحونة حيث تكثر الفوارق الكاستية، والطبقية والجندرية. وانعكس هذا العداء بين المجتمعات في كتاب "أيك ساو ساث كافيان".

إلى جانب "سرد السيرة الذاتية" لبيرو بريمان، يمكن تفكيك شيفرة اندماج البهاكتي والفلسفة الصوفية-الباطنية. تعرف الحركتان، البهاكتي والصوفية، ببدء أنماط الانتفاض ضد الأرثوذكسية الدينية الإسلامية والهندوسية. كانت هذه إحدى الطرق التي من خلالها يحدد روّاد الفلسفتين على أنهم صوفيون-باطنيون وقدّيسو البهاكتية الذين أثرّوا على حياة الناس في الهند ما قبل الاستعمار. كانت الحركتان متشابهتين في توفير الملجأ لكلّ الذين شعروا على فترة طويلة من الزمن بالاختناق من الآثار المدمرة للانقسامات الكاستية والعادات الإقطاعية والأرثوذكسية الدينية. يمكن الشعور بتأثير كبير للصوفية-الباطنية وقديسي البهاكتية في وجود روح منتفضة، تثير المهمّشين اجتماعياً لتجاهلهم الهرميات الدينية والاجتماعية، وقد جرى التعبير عن ذلك من خلال أنواع مختلفة عبر التاريخ الأدبي والثقافي الهندي.

استغلت بيرو "الإمكانيات الراديكالية" لقديسي البهاكتي والفلسفية الصوفية-الباطنية (مالهوترا، 2012، ص. 1522). قدّم أدب البهاكتي اللغة الأكثر إثارة للشعراء، وبذلك اعتمدت على موضوعات عن الحبّ والانفصال واتحاد الأخير مع المحبوب من الشعر البهاكتي المبكر الذي ألّفه شاعر القرن الخامس عشر، كبير، وشاعرة القرن السادس عشر، ميرا باي. ومنحها الفكر الصوفي-الباطني بأنماط يمكن من خلالها مساءلة التمييز على أساس الكاست والطبقة.

في النص الشعري بكتاب "أيك ساو ساث كافيان"، تتذكّر الشاعرة البنجابية حقبة من حياتها غير التقليدية. تكشف تفاصيل السيرة الذاتية المتوفرة على نحو ضئيل أن بيرو بريمان تنحدر من عائلة مسلمة، وتنتمي إلى عائلة من فئة دنيا ضمن نظام الكاست من مدينة كاسور والتي كانت تسمّى أساساً "بيرانديتي". يترجم اسمها بشكل تقريبي إلى هدية من القديسين. ولأن كتاب "أيك ساو ساث كافيان" يدلّ بشكل شديد على معرفتها العميقة بالنصوص الدينية والأسطورية، على ما يبدو أن بيرو قد تلقّت دروسها في بعض المدارس المحلّية (مكان للدراسة أو أكاديمية). وكشابّة صغيرة، أُجبرت على العمل في نُزل للعمل الجنسي في مدينة لاهور، في وسط البنجاب. سحقتها واستغلّتها الظروف الصعبة، التقت بيرو الزعيم الروحي الكاريزماتي غولبداس، "المعلم المنشق" (مالهوترا، 2009، ص. 549)، في إحدى دور العبادة بلاهور، قررت تغيير مسار حياتها. تخلّت عن مهنتها وهويتها الدينية، وقطعت في الوقت عينه علاقاتها مع ماضيها، وكرّست حياتها في غولابداس ديرا (منزل مؤقت) تحت وصايته. وأعلنت انشقاقها عن معتقداتها الدينية، الأمر الذي كان في نظر المسلمين خطيئة لا تغتفر. في كتاب "أيك ساو ساث كافيان"، تتذكر كيف كانوا يتكلّمون معها:

مسلم يتكلّم (واحد منهم) من هي هذه الشوراي (الساحرة)؟
بعد أن انشقّت عن ديننا، كيف يمكنها المغادرة؟1 (ص. 112، مقطع 41)

أقرب معنى لكلمة شوراي باللغة الانكليزية هو "ساحرة"،2 وأن توصَم بهذا الوصف كان اتهاماً كبيراً، لأنه يلمّح إلى أن المرأة هي تجسيد للشر، أي الخشية من أنثى الشيطان وشتمها في الوقت عينه. في السردية الشعرية، يشعر المسلمون المشار إليهم بعبارة "أتراك" بدايةً بالانزعاج، وبالغضب اللاحق بسبب تبنّيها للفلسفة الروحية الجديدة التي دعا إليها غولابداس. لم تخف ولم ترد على مطالباتهم لها بالعودة إلى المجتمع المسلم من خلال العودة إلى دينها السابق.

تتقاطع قصة بيرو بريمان مع قصص النساء المتمردات في كل أنحاء العالم؛ فقد كتبت غلوريا أنزالدوا في كتاب الأراضي الحدودية (Borderlands): "تحاول أغلب المجتمعات التخلّص من الانحرافات فيها" (ص. 19). دفعت بيرو، التي تميّزت بكونها معارضة ومنشقّة، ثمن التمرّد. فتعرّضت للتهديد والملاحقة والخطف والاضطهاد من قبل المسلمين الأتراك. في عملها، تتذكّر الأحداث الصادمة في حياتها السابقة، وتختتم أخيراً بعد أن استطاعت النجاح في مساعيها للانضمام إلى المجتمع الروحي بقيادة غولابداس.

كانت البنجاب مركزاً إدارياً وصناعياً هاماً لشبه القارة الهندية التي احتلّها المماليك الأتراك في بداية القرن الثالث عشر. سجّل المؤرخ الفرنسي أموري دو ريانكور هذا الاجتياح، وسمّاه "الامبريالية الإسلامية" التي بدأت، بحسب رأيه، عندما دخل الماليك إلى الهند (ص. 165). وهذا ما أكدته روميلا تابار التي كتبت أنه بحلول القرن الخامس عشر، تأسس الحكم التركي والأفغاني في كل أنحاء شبه القارة تقريباً (ص. 435). ويشير تانفير أنجوم إلى الحلقات المفقودة من التأريخ الهندي والتي تجاهلت الأحداث الأساسية مثل "العسكرة التركية" في تحديد بداية الحكم الإسلامي في الهند (ص. 218).

عندما استولت الجيوش التركية على الحصون في شمالي الهند عام 1206 اعتُبر ذلك "نقطة تحوّل" في تاريخ شبه القارة من قبل سينثيا تالبوت: "لقد رسخت نفسها في الهند وعلى المدى الطويل غيّرت المناخ السياسي والثقافي في المنطقة" (أشر وتالبوت، ص. 25). ذهب ريشي سينغ أبعد حين كتب أن اجتياح البنجاب في القرن التاسع عشر من قبل "الترك والمغول والأفغان والفرس" أدى إلى إقامة مجموعة مهيمنة اجتماعياً مؤلفة من "نخبة المسلمين" (ص. 14). يذكّرنا النص الشعري لبيرو بريمان أنه خلال حياتها، كان المجتمع البنجابي ما قبل الاستعمار منقسماً بشكل حادّ بين المجموعات الدينية للمسلمين وغير المسلمين. يُعتبر الحضور القوي للانقسام الديني مفاجئاً للروايات التي ترمنس حكم الإمبراطور السيخ رانجيت سينغ، الذي يعتبر البعض حكمه من أكثر الفترات التي شهدت سلماً وتسامحاً دينياً في التاريخ الهندي.

على ما يبدو أن الأتراك المسلمين قد جاؤوا بنسخة من الإسلام كانت الأكثر أصولية وأرثوذكسية من النسخة الهندية المحلية للإسلام، والتي تسمّى كذلك الإسلام الشعبي في شبه القارة. يعتبر أتيس داسغوبتا أن النخبة الإسلامية السياسية والدينية قد أسست لهيمنة ثقافية: "كانت الجماعات الإسلامية الهامّة، التي رافقت زعماء العشائر التركية، تتألف من التجّار والإداريين وقادة السلك الإمبراطوري، والمولويين الأرثوذكس والأدباء" (ص. 31). ونتيجة الغزو التركي، استعمل المولويون اسم "الأشرف"، الكلمة التي تستعملها النخبة الدينية والفكرية بين المسلمين، مقابل الطبقات الدنيا، المسمّاة "الأجراف"، الذين جرى التعامل معهم بكراهية وشك.3

من دون شك، أن كتاب "أيك ساو ساث كافيان" هو تأريخ لما يبدو أنه عالم شديد الاستقطاب انحدرت منه بيرو. عبّرت عن غضبها ضد المضطهدين الأجانب، وانتقدت القضاة والمولويين، ورجال الدين المتعلمين، الذين سمتهم دوماً بـ"القساة" لاستقامتهم الذاتية وغرورهم ونفاقهم. يشبه توبيخ بيرو بكتابات بوليه شاه، الشاعر الصوفي القرن الثامن عشر والمعروف بشعره الشفهي من نوع الكافي. أدان بوليه شاه العلماء، وعلماء الدين المتعلمين، على زيفهم وادعاءاتهم. كما أدانت بيرو صراحة كل الأيديولوجيات الدينية المهيمنة في زمنها، من بينها الهندوسية والسيخية والدين الإسلامي لتقسيمهم عامة الناس إلى تيارات مختلفة. مع ذلك، فإن مساءلتها الثاقبة البصر لإقصاء النساء عن الديانات والروحانيات تعطي صفة بلاغية على النص، إذ تقول:

لقد حبسنا الأتراك في شريعة الإسلام، وسجنّا الهندوس كذلك،
واحدهما يتبع الغرب، وثانيهما الجنوب…
محاصرون بطرقهم العديدة
بالنسبة للهندوس، الضفيرة لها مغزى،
ما علاقتهم بالنساء؟
الطرفان لا يعلمان. (ص. 142-143)

يتضمن كتاب "أيك ساو ساث كافيان" طرقاً مختلفة تستعمل فيها بيرو بريمان وكالتها عن نفسها مؤكّدةً خياراتها. يذكر ريانكور أن المحتلّين الأتراك (الذين باتوا فعلياً من الفرس) قد فرضوا ثقافة غريبة على الهند من خلال اللغة الفارسية والتأثيرات الأدبية (ص. 174). وبالنتيجة، كانت الفارسية والبراج والسنسكريتية هي اللغات المستعملة، في الكلام والكتابة، في المستويات العليا (سينغ، ص. 27). لذلك يمكن قراءة سرد بيرو لقصتها باللغة البنجابية، والتي كانت بمتناول عامة الشعب، على أنه تنفيذ لوكالتها. وعلى العكس من الأدب بلغة النخبة، يصور الخطاب باللغة الأم "تجارب الحياة اليومية" لعامة الناس (نوفيتزكي، ص. 34). يكشف كتاب "أيك ساو ساث كافيان" الحياة اليومية للثقافة البنجابية والناس العاديين. من الأمثلة على ذلك وصف بيرو لمشهد اجتماع الناس لمشاهدة والاستماع إلى غولابداس:

لقد وصل إلى لاهور بوجهه الساحر
اسم البازار موتي، يجلس عند أعلى مستوى
تنتشر الملاءة على السرير، الذي يحتل المكان
يجلس مستقيماً ويراه الجميع ساحراً
يضع غطاء رأس كالعامود
لقد جاء كل الرجال والنساء من لاهور لزيارته (ص. 115)

قدّم ألِف لودتكي فكرة Alltagsgeschichte (تاريخ الحياة اليومية)، والرامية إلى استكشاف "الأبعاد التجريبية والذاتية" لـ"حياة أولئك الذين بقوا مجهولي الهوية إلى حد كبير في التاريخ" (ص. x). وعلى العكس من التاريخ التقليدي، يُعدّ هذا النهج بديلاً لفهم التاريخ، ويعتمد بشكل أقل على البنى الكبرى والأرقام والأحداث، إنما بدلاً من ذلك يركز على تحليل التمثلات للتفاعلات اليومية الموجودة في النصوص المختلفة.

المشهد المذكور أعلاه في "أيك ساو ساث كافيان" هو تذكير آخر بمجتمع بنجابي ما قبل الاستعمار المنقسم إلى كاستات وملل وإثنيات. كان غولابداس (1809-1873)، الذي استلهم من "مصادر متعددة تضمّنت أفكار بهكاتية والصوفية الهامشية"، مؤسس طائفة روحية توحيدية أكثر شمولية واحتضاناً للجميع (مالهوترا، 2009، ص. 549). ليس مستغرباً أن تختار بيرو غولابداس كقائد روحي لها لأنها تشير في كتابها إلى نفسها كـ"سودار"،4 أي شخص من الكاست الدنيا. ويبدو أن طائفة غولابداس كانت واحدة من الطوائف الروحية العديدة في البنجاب التي أمّنت ملجأً لمجتمعات الكاستات الدنيا المهمّشة اجتماعياً. يسجل ميشال بوافين أنه في ذلك الوقت على وجه التحديد "كانت الهند عرضة لأي فلسفة جديدة للحياة من شأنها التخلّص من البنية الاجتماعية الظالمة التي فرضها النظام الكاستي" (ص. 177). تذكر دراسة بوافين إلى العديد من "المسارات الروحية" مثل "داريابانث أو الناناكبانث"، مع أطر روحية مرنة انتشرت في مستعمرة السند. رغم ذلك، إن استعداد غولابداس لإدخال بيرو في مجتمعه هو دليل على النطاق الواسع للإدماج الممتدّ نحو المضطهدين، بحيث لم يستبعد عمّال/عاملات الجنس.

تعطي الأحداث المحددة المذكورة في القصيدة مزيداً من التفكير بالوسط الاجتماعي-السياسي الأشمل، خاصة عندما تستحضر بيرو بنبرة مثيرة أكثر الأحداث الصادمة في حياتها السابقة. ينبغي فهم عرضها لمشهد مواجهتها للملالي والقضاة ضمن سياق أشمل. اعتبر القضاة والملالي أن بيرو بريمان هي جزء من مجتمعهم، وأصرّوا على أن تقرأ "الشهادة" حتى تعود إلى الإسلام. في مشهد انفعالي، تجلس وسط مجموعة من الناس، وعندما دخل القضاة إلى الغرفة رفضت اتّباع طقوس الترحيب المعتادة من خلال الوقوف لهم. وبعد مساءلتها عن سبب عدم احترامها للتقاليد، واجهت بيرو أخصامها المكوَّنين من الرجال والنساء. يشبه هذا المشهد كثيراً حادثة من رواية واريس شاه الخرافية بعنوان هير-رانجا، حيث يسأل رجل الدين في القرية هير (الشخصية النسائية الأساسية [في الكتاب]) عن تصرفاتها الطائشة، من بينها رفضها عرض زواج محضّر مسبقاً. تجادل هير مع رموز السلطة الدينية "لأنها تعيد تفسير تفسيرات القضاة المسلمين" (كاظمي، ص. 6) في دراسة حديثة، حللت الباحثة من جنوب آسيا، سارة كاظمي، حجج هير عن كثب، والتي تشير بحسب رأي كاظمي، إلى صوت نسائي معادٍ للتقاليد. مع ذلك، ومقارنة مع الشخصية الخيالية لـواريس شاه، إن حجج بيرو وحدّيتها كانت أكثر صراحة وشجاعة.

تؤكد أنشو مالهوترا (2012، ص. 1507) أن بيرو، "العاهرة المسلمة"، قد اختارت طريقاً روحياً يوفّر الخلاص الروحي للمهمشين اجتماعياً وثقافياً. ورفضت اللجوء إلى أي أيديولوجية دينية، إذ تعتبر أن الأديان تفشل في إعطائها الطريق لتحقيق الخلاص والحقيقة. هي تخبر صديقاتها، ورفيقاتها، أن "الأتراك والهندوس لا يمكنهم مساعدتنا على اجتياز الطريق" (ص. 126). وبالتالي، إن ردة فعل الأتراك على انشقاق بيرو – رفضها الواضح للأيديولوجيات الدينية الأرثوذكسية – أثار خوف العشيرة من المنشقة التي "هي مختلفة، ولأنها أخرى، وبالتالي أقلّ، وبذلك أقلّ من البشر، وغير إنسانية وغير بشرية" (أنزالدوا، ص. 19). في البداية، مُنحت العزاء والمكافآت لتشجيعها من قبل صديقاتها، السهالية، للعودة إلى العشيرة: "أنت جميلة جداً؛ يجب أن تأكلي أفضل طعام وتزيني نفسك… نحن هنا لحمايتك". (بيرمان، ص. 120). وهذا تذكير بالادعاء العام بأن "الثقافة (إقرؤوا/ن الذكورية) تدّعي حماية النساء" (أنزالدوا، ص. 19). ما هو واضح لبيرو هو أن الوعود متقلبة وعبثية، وبذلك لم تعد تهتم بالحياة المادية بعد الآن.

يذكر بحث مالهوترا اللافت حول حياة بيرو بيرمان وعملها بأن بيرو كانت عاملة جنس وتدربت في نزل للعمل الجنسي على الغناء والرقص، وقد استفادت من هذه المهارات في كتاباتها وسردها. وهذا ما أكدته غوربريت بال التي ذكرت أنها، أي بيرو، كانت من المحظيات المرغوبات جداً، وقد زارها الجنرال القوي لجيش رانجيت سينغ (ص. 95). وبالتالي، إن كتاباتها تشبه أداءها على المسرح. بدا [في الكتاب] أن بيرو تقريباً كانت تؤدي عرضاً للجمهور لأنها تتكلم إلى نفسها وتتحدث مع شخصيات أخرى. يتناوب صوت بيرو الراوية لقصتها بين ضمير المتكلّم المفرد (أنا) وضمير الجمع (هم) ضمن النص الشعري. لكن الأجزاء الأكثر درامية في القصة تبرز تفاصيل تعرضها للمضايقة والاضطهاد من قبل المسلمين الأتراك. في إحدى المشاهد يقول المسلمون الأتراك بصوت مرتفع:

تأتي بالضربات حتى تؤذي جسدها
مرتعبة، ستعيد الشهادة إلى فمها فوراً
عندما تُجلَد بالسوط، ستقول الشهادة صراحة… (ص. 125)

يعلّق عمل أ.ك. رامانوجان على النصوص الهندية في العصور الوسطى لإظهار "الإنعكاسية". في عدة نواحٍ، تظهر هذه التجربة المفاهيمية في كتاب بيرو "أيك ساو ساث كافيان". وبحسب رامانوجان، "الانعكاسية" هي سمة أساسية في الكتابة تساعد على خلخلة الأعراف التقليدية. كما يلاحظ رامانوجان أن "الانعكاسية تأخذ أشكالاً عديدة: الوعي بالذات وبالآخرين، الانعكاس، والتحريف، والتهكم، والتمثيلات العائلية والتمرّد…" (ص. 189). يمكن قراءة الانعكاسية في "أيك ساو ساث كافيان" بعدة طرق، ومن الأمثلة على ذلك مساءلة بيرو المتقاطعة للقضاة التي تدل على "لغة المعارضة" (رامانوجان، ص. 190). مثل آخر على هذه الانعكاسية هي الطريقة التي تظهر فيها بيرو وعياً ذاتياً كبيراً لأنها تصف نفسها كريمة وشجاعة وحكيمة؛ وهذه الصفات من شأنها أن تساعدها على تحويل الأعداء إلى أصدقاء:

إلى جانب التضرع إلى غورو، لبيرو ثلاث قدرات
إنها كريمة وشجاعة ولا تخشى شيئاً
وهذا ما يكسب بيرو بعض الصديقات
إنهم يبكون قلوبهم حين يرون حالة بيرو. (ص. 132)

يكشف وعي بيرو الشديد لظروفها ما تسميه ساندر جيلبير "الكثير من الرتيلاء في القانون البطريركي" (ص. xii). تعتبر معرفة بيرو بريمان بالتقاليد الدينية والثقافية ميزة أخرى للكتاب. فهي تواجه الرجال مشكّكة بكل شجاعة بتقاليد الختان الإسلامي. في مثل آخر، تحذّر المسلمين الأتراك من اعتماد التقليد القديم المتجسد بوأد الإناث. رفضت بيرو التخلي عن المسار الروحي المثالي الذي اختارته، باتت "وحش الظل الذي يدفع الرجال إلى الغضب والخوف" (أنزالدوا، ص. 18) كانت على إدراك من أن مخالفة التعاليم الدينية ستؤدي إلى معاقبتها عقاباً لتربية الآخرين/ات بها. درست تاريخ الشعراء الثوار السابقين، وموضعت نفسها بالانتماء إلى سلالة كبير ومنصور الحلاج، الذي أعدم بقسوة عام 922 م. لإدعائه "أنا الحق". بيرو نفسها صوفية وباحثة عن الحقيقة، وطبيعة التصوّف تتضمّن تجربة شخصية للخالق، وهو معتقد يفهم وفق منطوق عبارة "أنا الحق". وبحسب علي أساني، هذه الفلسفة الصوفية المثيرة للنقاش لعبارة "أنا الحق" تعتبر خطيرة لأنها تجتاز الخطوط الفاصلة بين الخالق والمخلوق. هذا التأمّل المذهل في طبيعة الحقيقة موجود في كتاب "أيك ساو ساث كافيان". تعتبر أنشو مالهوترا أن النص الشعري مغمور في الفلسفة الصوفية الهندوسية لأدايفاتا (2012، ص. 1506).  إضافة إلى ذلك، يردد كتاب بيرو بريمان سياسات المقاومة التي تشبه الصوفيين "المالاماتي": الصوفيون الذين لاموا أنفسهم عبر الظهور بمظهر غير المخلصين أمام الجمهور. رغم ذلك، تكمن براعة بيرو في التغلب على المجموعتين الصوفيتين، هندوسية فيدانتا، والصوفية، دون اتباع أي من التقليدين بشكل أعمى.

تظهر بيرو بيرمان البراعة في الطرق التي غيّرت في نوع الكافي. على الرغم من أن نصها يندرج ضمن الكافي البنجابي التقليدي الذي أسسه شاه حسين وبوليه شاه، لكنها لم تقلّد بكل بساطة الشكل والبنية التي استعملها الكتاب الذكور. بدلاً من ذلك، مزجت في كتاباتها بين عدة أنماط. يشير نصها، من حيث الشكل والمضمون، إلى كويرية في الشكل. على نطاق واسع الاستعمال، باتت كلمة "كوير" تتضمن معانٍ مختلفة. يستعمل تاريخ فن العصور الوسطى المصطلح لتعريف الأعمال "المتحدّية لمعظم التصنيفات الأكاديمية" (ويتينغتون، ص. 159).

ضمن تحليل كارل ويتينغتون، جرى تعريف مصطلح كوير بأنه خرق "للحدود التاريخية والأكاديمية" (ص. 165). تستعمل ساندرا جيلبير مصطلح كوير للنصوص "الجريئة، والغاضبة والمرحة والعدوانية" (جيلبير، ص. xxv). تلاحظ أنشو مالهوترا أن بيرو تحرر الكافي من البنية العروضية، أي تكرار الأبيات (2017، ص. 57). أما بحسب وجهة نظر كارما لوتشري فإن القراءة الكويرية للنص "تبحث عن عدم الانسجام والفجوات والتجاوزات في المعنى" (ص. 180).

بتجاوزها للأنماط الشعرية، وفّرت بيرو طرقاً بديلة للكتابة أو أنماطاً تمثل الكويرية. حلّل باشا خان النمط البنجابي، القيسا، وحاجج في جوهره غير المتجانس. وبغض النظر عن المفاهيم الإنسانوية الغربية المرتبطة بـ"نقاء الأنماط"، كتب أن الفكرة التي تقول إن الأنماط يمكن أن تكون نقية لا تصمد أمام التمحيص (ص. 206). يمكن اعتبار انشقاق بيرو عن التقاليد الشعرية بأنه كويري، حيث أنها تخلخل النمط من خلال دمج قصتها ببنية الكافي. يمكن أن تمتد هذه الفكرة إلى الطرق التي تقابل فيها بيرو الشخصيات الأسطورية الرومانسية الهندوسية، مثل سيتا وراما، مع القديسين الصوفيين مثل كبير، ومنصور الحلاج في النص. في أمثلة أخرى، تكتب بيرو النص مع ما يمكن قراءته كعناصر روحية وإيروتيكية. أشارت نيتي سينغ، إحدى أوائل المترجمين لأعمال بيرو بريمان، إلى الطريقة التي تكتب فيها بيرو "روح وجاذبية الطوائف الصوفية وصدقها" (ص. 38). تشير سينغ إلى "تلاشي الحدود" في شعر بيرو، خاصة في الطريقة التي تمزج "الروحي والجسدي" في أعمالها (ص. 39). تشير لوتشري إلى أنه في سياق تفسير نصوص العصور الوسطى يجب فهم كلمة "كوير" على أنها تجاوز لقيود الفئات "مثلي أو مثلي-إيروتيكي" (ص. 181). بالاستناد إلى وجهة نظر لوتشري، تظهر الكويرية في شعر بيرو "على النقيض من الحب العلماني والصوفي التقليدي" (ص. 181). يشير سكوت كوغل إلى اختلاط الجوانب الجنسية والروحية في وَلَه شاعر القرن السادس عشر شاه حسين مع حبيبه الهندوسي البراهماني مادو لال. يسمي كوغل هذه الظاهرة "اتصال روحاني كويري بالجنسانية" (2007، ص. 194). يظهر الارتباط الجسدي بالروحي عبر تبادل السوائل الجسدية: "إنه موضوع ثابت في التقاليد الإسلامية حيث أن الفكر الصوفي ينتقل عبر الاتصال الجسدي، خاصة من خلال تبادل الشراب أو اللعاب" (ص. 195). وبشكل غير مفاجئ، في كتاب "أيك ساو ساث كافيان"، الرابط الذي لا يمكن تفسيره للإثارة الإيروتيكية والروحانية ينتقل عبر مشاهد الانغماس في الطعام:5

لقد أشبعت نفسي بأكل التوت الحلو
لقد ذقت توت حبّك الحلو (ص. 102)

أغنيتها [بيرو]، "أيك ساو ساث كافيان"، شخصية وتاريخية، تعمل التفاصيل على تقديم لمحة عن حياة بيرو، وتاريخ الأماكن والأشخاص المهمين بالنسبة لها. وهذا يتلاقى مع ملاحظات غلوريا أنزالدوا بأن كتابة المرأة لا يمكن فصلها عن حياتها. وكم هو مدهش كيف يتيح نص بيرو للقارئ الوصول إلى المساحات الموجودة في محيطها المباشر. وفي حين كانت تُنقل قسرياً من مكان إلى آخر وتُحتجز في مبنى من أربعة طوابق، عبّرت بيرو عن شوقها العاطفي إلى مدينة لاهور، مكان لقائها الأول مع غولابداس:

أنا مستاءة ومضطهدة
أَبعَدوني عن مدينة لاهور المزدهرة، لحبسي
لا أخوات/صديقات معي، أرسلت لوحدي (ص. 144)

للتعبير عن قلقها العاطفي كامرأة وحيدة، استحضرت الطائر الرمزي كونج، الطائر البنجابي الهندي "الطويل الأرجل والعنق"، ويظهر في قصيدة رمايانا الملحمية. تحدثت جوليا ليزلي عن أهمية الطائر في رامايانا، الذي تجسد صرخته معاناة سيتا وألم الانفصال عن حبيبها رامال (ص. 470). يرمز الطائر في "أيك ساو ساث كافيان" عند بيرو إلى الوحدة الوجودية التي تغرس إحساساً عاماً بالتأمّل الذي نجده في كل أنحاء النص. لاحقاً، أحالت إلى سيتا وراما باعتبارها قصة حب أسطورية واستفزت معلمها للقيام بدوره في إنقاذها. عند هذه النقطة، يمتلئ النص بالنغمات الإيروتيكية بشكل غريب. تسمّي غوروها "جاني"، والذي يمكن أن يعني كذلك العراف والمشعوذ والمحبوب. تجسّد بيرو النظرة الكويرية للشاعرين الصوفيين شاه حسين وبوليه شاه، وخاصة في العبارات المجازية التي تعبّر عن إخلاصها العميق وحبّها للغورو. يلقي روث فانيتا وسليم كيداوي الضوء على وجود الرغبة غير الجوهرانية وغير التقليدية في شعر شاه حسين وبوليه شاه، والتي تُعتبر باعتقادهما جزءاً أساسياً في تأريخ الكويرية الهندية (ص. 183). أظهر سكوت كوغل الجوانب الاختراقية لحياة شاه حسين الصوفي في عرضه لسيرة القديس الصوفي بعنوان "حقيقة الفقراء" (حقيقة أولئك الذين أفقرهم الحبّ). القديس الصوفي والشاعر شاه حسين "لم يتزوّج أبداً، ولم يربِ أطفالاً، وأصبح قائداً بطريركياً للأسرة وكان على ارتباط إيروتيكي مع رجل لم يتزوج بدوره" (2000، ص. 184). أعلن كوغل أن هذه كانت طريقة شاه حسين لـ"قلب التوقعات الجندرية"، وليس مستغرباً بالتالي، أن الحياة الصوفية هي في الغالب انشقاقية (2000، ص. 185). كذلك، عاشت بيرو بريمان حياة خارج الأعراف والأشكال التقليدية. وقد قاومت وصفها بأنها زوجة أو والدة ولم يكن لها انتماءات مع الذكور في اسمها. وكسَلفة الشاعرات البهاكتي، ميرا، لا ديد، أو أكا مهديفي، تبتعد كذلك عن الزوج نحو شخص يشبه كياناً إلهياً أو الإله.

يتطلب ولهها الشديد لمعلمها غولابداس، أن نتخذ منظوراً جديداً لمعاني الرغبة والحب الجنسي. وحتى نستعير من هيلين سيكسوس وكاثرين كليمان، إن علاقة بيرو مع، "الليبيدو"، براعتها الجنسية، واسعة إلى أبعد الحدود (ص. 88). وفي وقت تحدثت فيه عن الغورو الرائع ومعجزاته، شاركت بكتابة التاريخ بشكل مختلف عن عالم المؤرخين أصحاب الامتيازات الذي يهيمن عليه الرجال. أمضت بيرو ما بقي من حياتها في غولابداس ديرا. وليس مستغرباً أن تدفن بيرو وغولابداس معاً تقريباً وفق نفس التقليد الذي دفن فيه شاه حسين ومادو لال في مقبرة واحدة.6

كان قرار عاملة جنس سابقة أن تعيش بقية حياتها باحثة عن الخلاص الروحي "فاضحاً"؛ حتى أن حركتها الفعلية هي أكثر "انشقاقية" (مالهوترا، 2009، ص. 546). إن الاثنين، بيرو وغولابداس، قد تشاركا "علاقات حميمة" من دون وضع قانوني يتيح علاقاتهما الانشقاقية (ص. 548). تصف مالهوترا محاولة بيرو الانتقال من حالة عاملة جنس إلى العيش كشريكة مع الغورو اعتبرت "غير معقولة" (2012، ص. 1515). إن خيارها العيش بقية حياتها كامرأة غير متزوجة في غولابداس ديرا وضعها في "موقف حرج" (ص. 1517). كان مكاناً خطراً لاحتمال حصول فضيحة، خاصة بالنسبة لامرأة كانت تعمل في الجنس بالسابق. وبالتالي، بحسب وجهة نظر مالهوترا، كغيرها من الشخصيات النسائية البهاكتية مثل ميرا باي، إن بيرو لم تصبح "نموذجاً للفضيلة النسائية" (ص. 1521). بحسب وجهة نظر شارادا شاتيرجي، "باتت الكويرية ملجأً للعديد من الأشياء مع الوقت" (ص. 1). بالنسبة إلى شاتيرجي، إذا كانت الكويرية تشكّل فرقاً عن الغيرية الجنسية، فيمكن كذلك فهمها ابتعاداً عن المعيارية على أساس الغيرية الجنسية7 (ص. 2). كذلك، تعتبر سارة أحمد أن سياسات الكويرية امتدت الآن لتتضمن "معاداة المعيارية" كمقاومة لكل أشكال المعايير: وبسبب ندرة الخيارات، حياة الكويرية "تتجنب الاستيعاب" أو "تتعلم كيفية التعايش مع السيناريوهات المتاحة للعيش والودّ" (ص. 155). وبالتالي، في كثير من النواحي، تجسد بيرو حياة الكويرية. تسجل مالهوترا في دراستها أن الأتباع الحاليين لغولابداس، مثل مجتمع الغولبداسي، يشيرون إلى بيرو بريمان كشخصية أساسية تعرف باسم ماتا بيرو (الأم بيرو)، وذلك بالتأكيد للتخلص من إرث المرأة الجنسي. أكثر من ذلك، إن هذا يدلّ على محاولة الأتباع الروحيين شطب من عاملة الجنس السابقة، التي تحولت إلى زوجة، إرثها الكويري.

لقد أتاح الانسياب الدلالي الذي توفره كلمة "كوير" فرصاً للباحثين لتوسيع مجال المعاني المرتبطة بها. كما أفسح مجالاً للغوص في الهويات والأوصاف المتعددة التي لا تتماشى مع التقليدي. وبحسب تايسون بوغ، إن مسار الأنواع الكويرية تتضمن "خلخلة استقرار توقعات الجمهور النموذجية من خلال موقف محدد للانشقاق عن موقع الموضوع" (ص. 119). يخلخل "أيك ساو ساث كافيان" المفاهيم السابقة للكافي حيث تميّز الكافي الوسيط، الذي هيمن عليه الشعراء، بأغانٍ صوفية قصيرة. وفّر تطور الكافي من أغانٍ قصيرة إلى شكل شعري سردي للباحثين فرصة للتفكير بالتناقضات الناتجة عن نص بيرو بريمان. في "أيك ساو ساث كافيان"، تؤكد بيرو على تجربتها كامرأة مسلمة من الطبقة الدنيا في نظام الكاست المضطهدة في العصور الوسطى بالهند، ولكنها إلى جانب ذلك "تعيد تكوين معالم الموضوع والشيء" من خلال اتخاذ موقع الموضوع (ص. 121). تصبح الأرضية أكثر صعوبة خاصة عندما تهين بيرو الأتراك المسلمين عبر استعمالها للغة حادة. استغلت قدرة الكافي للتعبير عن مشاعرها وبالتالي، تثير إمكانية كويرية (ص. 117). تشتم بيرو الأتراك المسلمين، بعبارة "ماجبان كي كوكري" (كلاب الدين)؛ وفي إحدى الأمثلة، اتهمتهم بعبارات مهينة مثل "دي كي لور" (أولئك الذين يغتصبون الفتيات) (مالهوترا، 2017، ص. 89). استعمالها الجريء للشتائم في "أيك ساو ساث كافيان"، كان صادماً ومثيراً في وقت واحد، وتغيير الوصف والسياقات في السرد الشعري يضيف تعقيداً إلى النص.

 

  • 1. كل الاستشهادات من كتاب أيك ساو ساث كافيان هي من ترجمة الكاتبة.
  • 2. يقارن كرابانزانو (1980) "شوراي" مع الشيطانة "المتقلبة والانتقامية" المدعوة "الجنية".
  • 3. استعمل وشرح أساني (2022) مصطلحي "أشرف" و"أجراف".
  • 4. ولدت بيرو مسلمة، ولم تسمح تعاليم الإسلام بأي تمييز اجتماعي على أساس نظام الكاست. مع ذلك، في شبه القارة الهندية، بقي نظام الكاست قائماً ولا يمكن فصله عن كل المجتمعات.
  • 5. وفقاً لكارما لوتشري، تضمنت النصوص الصوفية المسيحية في العصور الوسطى "صور الجوع والنهم" والتي ترمز إلى الإيروتيكية والجنس (ص. 184).
  • 6. خالد (2018).
  • 7. دعم لبنان، قاموس الجندر، 2016، ص. 28.
ملحوظات: 
المراجع: 

Ahmed, Sara. “Queer Feelings.” The Cultural Politics of Emotion. Routledge, 2nd edition, 2014 [2004].

Ahuja, Ameena Ahmad, and Bindu Chawla. “The River of Hindustani Music.” India International Centre Quarterly, vol. 24, no. 2/3, 1997, pp. 178–86.

Anjum, Tanvir. “Androgyny as a metaphorical practice in South Asian sufi culture.” Journal of Asian Civilizations, vol. 38, no. 1, 2015, pp. 91–112.

---. “The Emergence of Muslim Rule in India: Some Historical Disconnects and Missing Links.” Islamic Studies, vol. 46, no. 2, 2007, pp. 217–40.

Anzaldúa, Gloria. Borderlands/La Frontera: The New Mestiza. Aunt Lute Book, 2012 [1987].

Asani, Ali S. “Sufi Poetry in the Folk Tradition of Indo-Pakistan.” Religion & Literature, vol. 20, no. 1, 1988, pp. 81–94.

Asher, Catherine B., and Cynthia Talbot. “The Expansion of Turkic Power, 1180-1350.” India Before Europe. Cambridge University Press, 2006.

Bal, Gurpreet. “A 19th Century Woman of Punjab: Peero.” Indian Journal of Gender Studies, vol. 10, no. 2, 2003, pp. 183–200.

Boivin, Michel. The Sufi Paradigm and the Makings of a Vernacular Knowledge Colonial India: The Case of Sindh (1851-1929). Springer Nature, 2020.

Chatterjee, Sharaddha. “Post-script.” Queer Politics in India: Towards Sexual Subaltern Subjects. Routledge, 2018.

Cixous, Hélène, and Catherine Clément. The Newly Born Woman, translated by Betsy Wing. University of Minnesota Press, 1986.

Crapanzano, Vincent. Tuhami: Portrait of a Moroccan. The University of Chicago Press, 1980.

Dasgupta, Atis. “Islam in Bengal: Formative Period.” Social Scientist, vol. 32, no. 3/4, 2004, pp. 30–41.

Garrett, Clarke. “Women and witches: Patterns of analysis.” Signs: Journal of Women in Culture and Society, vol. 3, no. 2, 1977, pp. 461–470.

Gilbert, Sandra M. “Introduction.” The Newly Born Woman, authored by Hélène Cixous and Catherine Clément, translated by Betsy Wing. University of Minnesota Press, 1986.

Kazmi, Sara. “Radical re-tellings of Hir: gender and the politics of voice in postcolonial Punjabi poetry.” South Asia Multidisciplinary Academic Journal [Free-standing article], 2019, pp. 1–19

Khan, Pasha M. “A Handbook for Storytellers: The Ṭirāz al-Akhbār and the Qissa Genre.” Tellings and Texts: Music, Literature and Performance in North India, edited by Francesca Orsini and Katherine Butler Schofield, 1st ed. Open Book Publishers, 2015, pp. 185–208.

Kugle, Scott A. “Haqiqat al-Fuqara: Poetic Biography of ‘Madho Lal’ Hussayn (Persian),” with Hussayn’s poems (Punjabi) translated by Aditya Behl. Same-Sex Love in India: Readings from Literature and History, edited by Ruth Vanita and Saleem Kidwai. Springer Nature, 2000, pp. 145–156.

---. Sufis and Saints’ Bodies: Mysticism, Corporeality and Sacred Power in Islam. University of North Carolina Press, 2007.

Leslie, J. “A bird bereaved: The Identity and Significance of Valmiki’s Krauñca.” Journal of Indian Philosophy, vol. 26, 1998, pp. 455–487.

Lochrie, Karma. “Mystical Acts, Queer Tendencies.” Constructing Medieval Sexuality, edited by Karma Lochrie, Peggy McCracken and James A. Schultz. University of Minnesota Press, 1997.

Lüdtke, Alf, and William Templer. “Introduction: What is The History of Everyday life And Who are its Practitioners?” The History of Everyday Life: Reconstructing Historical Experiences and Ways of Life. Princeton University Press, 1995, pp. 3–40.

Malhotra, Anshu. “Bhakti and the Gendered Self: A Courtesan and a Consort in Mid Nineteenth Century Punjab.” Modern Asian Studies, vol. 46, no. 6, 2012, pp. 1506–39.

---. Piro and the GulabDasis: Gender, Sect and Society in Punjab. Oxford University Press, 2017.

---. “Telling her tale? Unravelling a life in conflict in Peero’s Ik Sau Saṭh Kāfiaṅ. (one hundred and sixty kafis).” The Indian Economic & Social History Review, vol. 46, no. 4, 2009, pp. 541–578.

Novetzke, Christian L. The Quotidian Revolution: Vernacularization, Religion, and the Premodern Public Sphere in India. Columbia University Press, 2016.

Preman, Piro. Aik Sau Sath Kafian, translated by Ayesha Latif. Unpublished.

Pugh, Tison. “Queering Genres, Battering Males: The Wife of Bath’s Narrative Violence.” Journal of Narrative Theory, vol. 33, no. 2, 2003, pp. 115–42.

Oberoi, Harjot. The Construction of Religious Boundaries: Culture, Identity and Diversity in the Sikh Tradition. University of Chicago Press, 1994.

Ramanujan, A. K. “Where Mirrors Are Windows: Toward an Anthology of Reflections.” History of Religions, vol. 28, no. 3, 1989, pp. 187–216.

Riencourt, Amaury de. The Soul of India. Honeyglen Publishing Ltd, new edition, 1999 [1960].

Singh, Neeti. “Punjab’s First Woman Poet: Peero of Hybrid Bhakti Transgression and Apostasies.” Anekaant: A Journal of Polysemic Thought, no. 9, 2018-19, pp. 37–41.

Singh, Ranjit. State Formation and Establishment of Non-Muslim Hegemony. Sage Publishing, 2015.

Talbot, Ian, and Tahir Kamran. Colonial Lahore: A History of the City and Beyond. Oxford University Press, 2016.

Thapar, Romila. “The Image of the Barbarian in Early India.” Comparative Studies in Society and History, vol. 13, no. 4, 1971, pp. 408–436.

Vanita, Ruth, and Saleem Kidwa. Same-Sex Love in India: Readings from Literature and History. Springer Nature, 2000.

Whittington, Karl. “QUEER.” Studies in Iconography, vol. 33, 2012, pp. 157–68.