نساءٌ وقعن في حبّ نساء: مقتطفات من السينما المصرية

السيرة: 

طالبة دكتوراة في مدرسة لندن للإقتصاد تبحث في سياسات العمل والرغبة.

اقتباس: 
إيمان شحاتة. "نساءٌ وقعن في حبّ نساء: مقتطفات من السينما المصرية". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 7 عدد 3 (07 يونيو 2022): ص. 11-11. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 26 أبريل 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/358.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
ترجمة: 

حائزة على إجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها، ماجستير في إدارة الأعمال( قسم موارد بشرية ) ، مترجمة محلفة لدى المحاكم في لبنان، وإجازة في علم النفس وطالبة ماجستير في علم النفس العيادي  . تعمل في مجال التدريس والترجمة منذ أكثر من 25 عاما.  عملت كمحررة ومترجمة لدى الوكالة الوطنية للإعلام في وزارة الإعلام،  إضافة إلى الكثير من الصحف والشركات والوكالات واعمال الترجمة القانونية.

12.png

 من فيلم "حبيبي الأسمر" (1958)

أحد أغرب الأمور التي تستوقفك وأنت تشاهد فيلم "بنات اليوم"1 (1957)، رؤية شقيقتين تتنازعان على رجل. تبدو سلوى، الفتاة التي وقعت في حبّ خطيب شقيقتها خالد، غاضبة جدّاً من ليلى لأنها لا تكرّس كلّ وقتها لخطيبها، وبدلاً من ذلك تخرج للّهو مع صديقتها بثينة التي لا تروق لخالد. جرى تصوير ليلى وبثينة على أنهما فتاتين ماجنتين، لأنّهما تحبّان الحفلات واللّهو ولا ترغبان في إنجاب الأطفال، وتثمّنان صداقتهما وتعتبرانها أكثر أهمية من السعي وراء العلاقات الرومانسية. وعندما اشتكت ليلى لسلوى من أن خالد لا يريدها أن تلتقي بصديقتها، جاء ردّ شقيقتها بنبرة مَنْ يعتبر الأمر منطقياً، وكأنّما الإجابة بالنسبة إليها واضحة، ”وماذا في ذلك؟ مَن هو الأهمّ بالنسبة لك، صديقاتك أم خطيبك؟"

لم يكن تصوير وعرض مثل هذه النزاعات بين النساء على الشاشة أمراً "اعتباطياً". فالسينما المصرية تزخر بالسيناريوهات التي تعمد فيها نساءٌ إلى تخريب علاقات نساء أخريات نتيجة حقدهن، وتلك التي تتنازع  فيها الزوجات والأمّهات لنيل اهتمام الرجال، وأخرى تُظهر نساءً تتنصّتن على جيرانهن وتتكلّمن بالسوء عنهم، وتتجسسن على صديقاتهن وتفضحهن لتتفوقنّ عليهن. هذا التصوير المستمر لمشاهد " إساءة فتاة لفتاة" يمكن فهمه بشكل أفضل وأعمق من خلال وضعه ضمن  السياق الأوسع، سياق التاريخ المتشابك من الاضطهاد الجنساني والتكوين الرأسمالي (نشوء الرأسمالية).

 تتقصّى سيلفيا فيديريتشي، في أحد الفصول المذهلة من كتابها "ساحرات، مطاردة الساحرات والنساء"2،  حول كيفية تحريف معنى كلمة "النميمة" (gossip) عبر التاريخ؛ فتُظهر كيف تحوّل معنى الكلمة من "مصطلح يشير عمومًا إلى صديقة قريبة إلى حديث يدلّ على الخمول والاغتياب، أي أنه من المحتمل أن يزرع الفتنة، وهو عكس التضامن الذي تنطوي عليه وتولّده الصداقة الأنثوية" (فيديريتشي 2018: 35)3.

تسرد فيدريتشي كيف جرى في إنكلترا في الفترة التي أعقبت حركة الضميمة4، اعتبار تجمّعات النساء في الحانات ’وثرثرتهن‘ لساعات بهدف الاستمتاع، تهديداً مباشراً لتعزيز السلطة الأبوية والعائلة النواة.  لذا كان يجب تدمير الصداقات والتماسك بين النساء، من خلال العظات الدينية التي تدعو إلى طاعة الأزواج، ومن خلال الأغاني الشعبية والمسرحيات التي تندّد بلقاءات الثرثرة، ومن خلال تعميم القوانين التي تمنع  صراحة  تلك اللقاءات، ومن خلال أدوات التعذيب مثل "لجام الثرثرة"5، الذي يُرغم النساء على التنديد ببعضهن الآخر خلال محاكمات السحر. وبالتزامن مع تسخيف عمل المرأة في المنزل، جاء التقليل من أهمية حياة النساء الاجتماعية. وهكذا تحوّل ما كان يوماً مؤشّراً للمودّة بين النساء وتماسكهن إلى مجرد "كلام نساء خاملات"6.

عبّر قاسم أمين في إحدى كتاباته التي لا يمكن وصفها في الحقيقة إلا  "بالتشدّق"، عن النساء المصريات وعن القلق تجاه المودّة بين النساء في بدايات تأسيس الدولة المصرية الحديثة بقوله:

"باتت نساؤنا معتادات على الكسل؛ يعتبرنه ضرورة من ضرورات الحياة.[...] فيما تجالس الصديقات والجارات، ترتفع تنهّداتها مع دخان السيجارة وبخار القهوة وهي تتحدّث بصوت مرتفع عن أمور خاصة: علاقتها بزوجها وأقارب زوجها وأصدقائه، وأحزانها وسعادتها وقلقها وفرحها. تفصح عن كلّ أسرارها لصديقاتها، حتى تلك التفاصيل الصغيرة عن التصرفات الخاصة التي تحدث في غرفة النوم." (أمين،2008:33).7

بالنسبة لأمين، نموذج المرأة العصرية الذي يجب أن تحتذي به المرأة المصرية الحديثة، هو امرأة حذرة من محيطها، امراة "تخفي أفكارها عن صديقاتها الحميمات". أمرأة تبتعد عن "المسائل التي تثيرها وتدفعها نحو أمور غير لائقة "8، لئلّا تتعارض وأعمالها المنزلية.

سأسهب فيما يلي بالكلام عن تلك المسائل "المثيرة". تلك المسائل الخطيرة لدرجة أنها امتزجت  بالتفاهة، أو تصدّرت الأفلام لتكون بمثابة قصصٍ تحذيرية ليس إلا. لطالما أثارت اهتمامي لحظات  المودّة بين النساء في الثقافة الشعبية المصرية، تلك المودّة التي تجعلك تتساءل: هل هما حبيبتان أم صديقتان؟  بالتعمّق في الأمور وإبرازها واقتطاع مقتطفات من مواجهات وعلاقات بين النساء بعيداً عن المضمون، وجدت نفسي أوافق على العنوان العريض "أحلام يقظة كويرية"، تماشياً مع ما أشار إليه مونيوز على أنه "قوّة جماليات يوتوبيا"9 (مونيوز،خ. 2010:132). هذا النوع من الابتكار الفنّي الذكي10، حيث نصنع شيئاً ممّا في أيدينا، هو بطريقة أو بأخرى ممارسة كويريّة تتناقض والروايات الطبيعية عن الحبّ. المقتطفات التي سأتحدث عنها هي "صور [...] تمثّل احتمالية وجود حقيقة أخرى"11. في كتاباته عن "جماليات يوتوبيّة كويرية"، يتحدّث مونيوز عن قوّة هذه الجماليات، ويرشدنا نحو احتمالية ربما لم ترَ النور بعد. نشاهد النساء في هذه المقتطفات منجذبات لبعضهن الآخر، حيث تجد كلٌّ منهن المواساة والسلوى في الأخرى في أوقات الشدّة. وبهدف جذب الانتباه في هذه الأفلام  إلى العلاقات الحميمة بين النساء، جرى استبعاد التركيز عن الغاية من هذه الأفلام، وعن التماسك السردي وعن الرجال على حدّ سواء.

من ناحية أخرى ،إنما أقلّ خطورة، انطوت هذه المقتطفات على إمكانية ايحائية امتزجت فيها السخرية بالجدّ؛ وتخطّت الحدود لتدخل نطاق التواصل، لتجسد ’مزاجاً‘ (طبعاً) بعينه.

 

المقتطف الأول: سمرا وزكية

أحياناً وقبل أن تأوي إلى فراشها، تنتظر سمرا (سامية جمال) بشوقٍ قرب النافذة، لتلتقط نظرة وتلوح بيدها لزكية (تحية كاريوكا)، الراقصة الشهيرة التي تجول بسيارتها في الحي عندما تأتي لزيارة أمّها. سمرا مخطوبة، يلعب شكري سرحان دور خطيبها، لكن في بداية الفيلم12 لا يبدو أنها تهتمّ له كثيراً. هي مأخوذة بزكية، وفي إحدى المشاهد الأولى للفيلم تبدو مأخوذة بفكرة الرقص معها.

12.png

 من فيلم "حبيبي الأسمر" (1958)

11.png

لقطة تظهر شغف سمرا

تعيش سمرا مع والدين متحفّظين جدّاً يفضّلان أن تبقى سجينة غرفتها على أن تخرج،  ويأملان بتزويجها ليتوقّفا عن القلق حيال المال الذي يصرفانه عليها. تمكّنت سمرا أحيانا من التسلل إلى النادي لمشاهدة زكية وهي ترقص. عند مشاهدة الفيلم، لا تستطيع  في الحقيقة أن تلوم سمرا على حبّها لزكية. فقد كانت تحية كاريوكا في ذلك الوقت في أوج تألّقها الأنثوي. كانت، بالأدوار التي تلعبها، تفسد عقول محبيّها الشباب وتلهيهم عن دروسهم وفروضهم وعن العمل الذي يجعل منهم مواطنين منتجين محترمين. وبمنتهى الصراحة، كان الجميع، فتيان وفتيات يرغبون بأن يتتلمذوا على يديها ( شاهد أيضاً "شباب امرأة"، 1956). كما الشخصيات في كتاب سعدية هارتمان "وايوارد لايفز"13("حياة مشوشة")، كانت زكية امراة متمرّدة؛ وقد كان عنادها وإصرارها على أن تفعل ما يحلو لها، وأن تعيش حياة تسعى فيها إلى الحصول على المتعة، قد جعلها امرأة  آثمة. في نهاية الفيلم، ارتضت الموت لتحقق نهاية سعيدة لسمرا وخطيبها. أخذ الفيلم في منتصفه تحوّلاً غريباً، إذ ظهرت زكية كقوّادة سمرا، وكان هناك عملية تهريب مجوهرات من الماس، ومع ذلك بدت الإثارة التي كانت تخالج سمرا لوجودها قرب زكية واضحة جداً، خاصة وأن دور شكري سرحان لم يكن بارزاً. بالنسبة لسمرا، كانت زكية تمثّل حياة الفرح التي كانت تصبو إليها والتي بقيت مجرد وهم، مجرد أحلام يقظة.

10.png

تحية كاريوكا في لقطة تبدو فيها وكأنّها تمتلك السلطة المطلقة

9.png

سمرا وزكية تتعانقان بعد انتهاء زكية من رقصتها

 

المقتطف الثاني: هند وكاميليا

 "أحلام هند وكاميليا، 1988"14 فيلم آخر يتحدّث عن الشغف.  تربط هند وكاميليا، فتاتان من الطبقة الفقيرة نزحتا من المناطق الريفية لتعملا في القاهرة في خدمة المنازل، صداقة جميلة. صداقتهما هي الشيء الثابت الوحيد في حياتهما. لقد تزوّجتا وتطلّقتا وتركتا عملهما ووجدتا عملاً جديداً، غير أنهما كانتا دائماً تجدان السلوى في بعضهما البعض. لاحظت كاميليا بعدما زوّجها شقيقها لمديره، أن الزواج نوع من العمل من دون أجر "خدمة ببلاش". كانت دائماً تحلم في العيش في شقة مع صديقتها هند. لطالما تحدّثت عن "الونَس" كلّما تكلّمت عن علاقتها بهند، مشيرة إلى نوع من الرفقة السعيدة. انتقلت هند للعيش مع كاميليا وزوجها بعدما اتهمتها إحدى العائلات التي كانت تعمل عندها بالسرقة. لكن، بعد فترة وجيزة، طردهما زوج كاميليا من المنزل لينتهي بهما الأمر إلى السكن في مبنى غير منجز. نرى، في إحدى المشاهد كاميليا سارحة تحلم بحياة أفضل، تتخيّل أنهما قد تستطيعان يوماً السكن في إحدى شقق هذا المبنى (غير المنجز). وضعت هند مولودتها فيما كان زوجها في السجن، فقررت كاميليا أن تسمّي المولودة أحلام، لتكون تجسيداً لأحلامهما المشتركة.  

عانت هند وكاميليا معاً الكثير من المشاكل والمتاعب. وجدتا المال الذي خبّأه زوج هند، وقرّرتا القيام بالرحلة التي طالما حلمتا بها إلى الإسكندرية. لكن انتهى بهما  المطاف على قارعة طريق صحراوي، بعدما سرقهما سائق سيارة الأجرة الذي كان يقلّهما، تركهما ورحل. ينتهي الفيلم بمشهد يصوّرهما وهما تبحثان عن أحلام، التي كانت تقف على شاطئ البحر وهي تلوح لهما بيدها، فركضتا إليها وحضنتاها.

picture_1.png

هند فرِحة لرؤية كاميليا في الباص

6.png

هند وكاميليا تحتضنان بعضهما البعض في الباص

5.png

هند وكاميليا في مدينة الملاهي

4.png

هند وكاميليا وأحلام على شاطئ البحر

 

المقتطف الثالث: مريم وسحر

شاهدتُ فيلم " دانتيلا"15 (1993) عدّة مرّات، وذلك لأشاهد يسرا تقوم بأداء مقطوعاتها الموسيقية المذهلة، إلا أن العلاقة الحميمة بين سحر ومريم كانت دائماً تستوقفني. يبدأ الفيلم بمشهد من الماضي يُظهر سحر وهي تنقذ مريم من الغرق، وقد كانتا حينها فتاتين صغيرتين. في بداية الفيلم، ظهرت مريم على أنها فتاة غنية صغيرة في العاشرة من العمر تقريباً تمضي العطلة في الاسكندرية، أما سحر فقد ظهرت كفتاة استعراض تقدّم عروضاً مع عائلتها في السيرك. كان إنقاذ سحر لمريم نقطة تحوّل وبداية صداقة استمرّت مدى الحياة. بعدما أنهت دراستها في القانون في القاهرة، انتقلت مريم  إلى الاسكندرية لتعيش مع سحر، التي كانت في ذلك الحين تعمل كراقصة ومغنية في إحدى الكباريهات الرخيصة. استطاعت مريم دائماً إخراج سحر من المتاعب، فعلى سبيل المثال في أحد المشاهد، تدفع كفالة وتُخرجها من السجن بعدما جرى توقيفها بتهمة القيادة وهي ثملة. كانت مريم فتاة محافظة أكثر من سحر، إلا أن  جزءاً منها  كان معجباً بمدى حيوية واندفاع سحر. وكانت سحر تتمنّى لو أن مريم تثق بنفسها أكثر، ولو أنها ترى نفسها بعينيها هي، لو أنها ترى نفسها كما تراها هي. إذا أردنا تصوّر شخصيتيهما، سنرى مريم فتاة ذكية استمدّت ذكاءها من العلم والكتب، أما سحر فقد كان ذكاؤها وليد مدرسة الحياة وحياة الشوارع. كاد الرابط الذي يجمعهما أن ينقطع عندما وقعتا في حبّ الرجل ذاته، الذي انتهى به المطاف بأن تزوّج كلتيهما. كانت المشاحنات والمضايقات التي سادت بينهما خلال تلك الفترة  نتيجة غضبهما من بعضهما البعض، ولم يكن ذلك الغضب ناجماً عن الغيرة.  بعد حادث سيارة وصفته بأنه صرخة وعي، قرّرت سحر أنه لا يمكنها الاستمرار في العيش بتلك الطريقة، فذلك غير صائب. تعمّدتا هي ومريم قرابة نهاية الفيلم إلى هجر حسام لتعيشا معاً، وتهتمّا بتربية ابنة مريم. بمعنى آخر، ينتهي الأمر بإمكانية وجود قرابة كويرية في السيناريوهين المطروحين في كلّ من "دانتيلا" و "أحلام هند وكاميليا".

نشاهد في كلا الفيلمين نساءً يعارضن الصورة المثالية للعائلة النواة. قد لا يكون هذا الأمر بمحض الاختيار كما في "أحلام هند وكاميليا"، لكنه يوضح أن الواقع أكثر تعقيداً بكثير من ذلك التصوير الرأسمالي للعائلة كتكوينٍ تقليديّ بالضرورة وغيريّ جنسيًا.

3.png

مريم تقرأ لسحر

2.png

سحر ومريم على الشاطئ مع ابنتهما 

 

المقتطف الرابع: ملصق عن  فيلم "عتبة الستّات" (1995)

 وجدتُ هذا الملصق صدفةً فيما كنت أتصفّح لائحة أفلام صفية العمري. استوقفتني جماليات الرسم، إذ لا يحوي على ما هو هزلي ومثير للسخرية، ما قد تتوقّعه من إنتاج معاصر لتعزيز فكرة استحالة حدوثه، إلا أنه على غرابته مضحك. هو عبارة عن صورة لامرأتين، كأنّهما زوجين أُخذت لهما يوم زفافهما. لسوء الحظ، لم أشاهد الفيلم16 لأنني لم أستطع أن أجد نسخة مقبولة منه على الإنترنت، لكن الرسم الدعائي (الملصق)، يوحي لنا بأن قصة الفيلم تدور حول امرأة (نبيلة عبيد)، يقنعها زوجها بأنها غير قادرة على الإنجاب، فتقرّر لاحقاً أن تقصد مشعوذة ( صفية العمري) لتساعدها على أن تحمل. ما تظهره الصورة قابل للكثير من التأويلات الخاطئة، من الصعب على المرء أن يتخيل ما كان يدور في فكر المخرج المبدع، عندما عمد إلى اختيار هذه المشهديّة لهذا الملصق. يمكننا أن نفترض بأن المقصود منه هو إظهار قوة الإخصاء التي يمتلكها السحرة، أو القلق حيال عجز الرجال الجنسي، لكن ذلك لا يعني أننا لا نستطيع الإستمتاع بهذه الصورة.

 

كلمات أخيرة عن الكويرية، الحبّ والصداقة

 يتطلّب بناء عوالم كويرية، بالإضافة إلى أشياء كثيرة أخرى، تحدّي سيادة الحبّ الرومانسي. لطالما حثّنا الباحثون في نظريات الكويرية والنسوية، على التوسّع وإعادة تعريف المفاهيم المحدودة للحبّ والحميمية والمتعة التي نشأنا عليها في ظل الرأسمالية، ولمواجهة فشل المخيّلة فشلاً ذريعاً في ما سمّته أدريان ريتش "الغيرية القسرية"17. بناء عوالم كويرية، هو أن تسعى إلى الحبّ خارج إطار الحدود المعيارية، هو أن تعتبر "الصداقة كمذهب  للحياة" ،18 كما وصفها فوكو. هي إعادة تعريف للشهوانية كما شرحتها أودري لورد، " [إنها] القوة التي تنبثق عن المشاركة الفعلية لأي مسعى مع شخص آخر"19. ويتضمن هذا "مشاركة الفرح سواء كان جسدي أم عاطفي أم نفسي أم فكري" مع شخص أخر.

 تحدّثت هذه  المقالة المصوّرة عن النساء اللواتي أُغرمن بنساء، عن الحبّ والرقّة والرفقة والفرح والإعجاب التي تشاركنها معاً. كما تناولت المشاكل التي تثيرها في "مجتمعنا شبه المعقّم"20، الذي لا يستطيع تصوّر العلاقة الحميمة إلا ضمن إطار المفهوم الحديث للعلاقات الحميميّة الغيريّة. وفي تأمّل المقتطفات التي تحاول إخفاء تلك الخطوط التي تفصل بين الصداقة الحميمة والرومانسية، تجد  أنها تتناول المقالة أيضاً إمكانية  نشوء علاقة كويرية تتخفّى في نظرة شغف، وعناق رقيق ولحظات فرح مشتركة، وجماليات عفوية تمحو للحظة أعباء الحياة.

  • 1. الفيلم من إخراج هنري بركات وبطولة عبد الحليم حافظ، ماجدة آمال فهمي في أدوار خالد وسلوى وليلى. كتب السيناريو يوسف عيسى. للإطلاع على المزيد حول الحبكة وتحليلها على "ويكي الجندر" هنا.
  • 2. الترجمة لا تستند إلى ترجمات سابقة (المترجمة)
  • 3. Silvia Federici, “On the Meaning of Gossip,” Witches, Witch-hunting and Women (Oakland, CA: PM Press, 2018), 35. تشرح سيلفيا أصل الكلمة، والتي تتألف من " كلمات من اللغة الإنكليزية القديمة، الرب وملائكته [...] ومعناها في الأصل العرّابة" وكانت تستخدم للإشارة إلى النساء اللواتي أنجبن أطفالا ويقدّمن الدعم المباشر للأخريات اللواتي يضعن مواليدهن حديثاً.
  • 4. تكتب فيدريتشي عن محتوى مادي أعقب خصخصة ووضع اليد على الأراضي العامة التي كانت سابقاً مصدر العيش لكثير من الناس. ضمّ الأراضي - وهو ما أشار إليه ماركس بالتراكم الأولي ’بالخطيئة الأساسية للنظام الرأسمالي‘-- إكراه الفلاحين على العمل مقابل أجر حتى يعيشوا. خسارة الأراضي لم تؤدِّ فقط إلى خسارة موارد العيش وأشكاله التي كانت النساء تعتمد عليها إنّما أدّت أيضاً إلى إقصاء النساء عن كسب الأجور والتملّك ليتمّ حصرهن في النطاق المنزلي.
  • 5. المصدر نفسه، ص. 39
  • 6. المصدر نفسه، ص. 41
  • 7. - Amin, Q. & Peterson, S.S. 2000, The liberation of women and The new woman: two documents in the history of Egyptian feminism, The American University in Cairo Press, Cairo.
  • 8. المصدر نفسه، ص.34
  • 9. Muñoz, J. E. 2010, Cruising utopia: the then and there of queer futurity, American Library Association dba CHOICE, Middletown.
  • 10. ترجمة كلمة bricolage كما يعبّر عنها النص أقرب إلى" إبتكار فنّي ذكي" كون النص يتناول الأفلام لتقديم الفكرة الرئيسة (المترجمة)
  • 11. المصدر نفسه، ص. 134
  • 12. "حبيبي الأسمر" فيلم بالأبيض والأسود جرى عرضه عام 1958، من إخراج حسن الصيفي وكتابة محمود اسماعيل.
  • 13. Hartman, S. V. 2019. Wayward Lives, Beautiful Experiments. First edition. New York, NY: W.W. Norton & Company.
  • 14. فيلم من قصة وسيناريو وإخراج محمد خان ومن بطولة نجلاء فتحي وعايدة رياض وأحمد زكي، حاز الفيلم على التقدير لتصويره النساء المتشدقات والمعقدات على نقيض من التمثيلات الميلودرامية السابقة والتي تصور النساء على أنهن ضحايا عاجزات، لمعرفة المزيد عن الفيلم على هذا الرابط من "ويكي الجندر"
  • 15. "دانتيلا" فيلم من إخراج إيناس الدغيدي، سيناريو الكاتب السوري رفيق الصبان
  • 16. - "عتبة الستات" فيلم من بطولة نبيلة عبيد، صفية العمري، وفاروق الفيشاوي. من إخراج علي عبد الخالق وكتابة محمد أبو زيد.
  • 17. - ريتش،أ.،1980 "الغيرية القسرية ووجود المثلية. مؤشرات:مجلة المرأة في الثقافة والمجتمع، 5(4)، صفحة 631-660
  • 18. - Foucault, M. & Lotringer, S. ed. 1989. Foucault Live: Interviews 1961-1984. New York: Autonomedia. هذا التعبير لفوكو ظهر لأول مرة في مقابلة له مع المجلة الفرنسية " Le Gai Pied" في أبريل 1981
  • 19. - Lorde, A.. 1978. Uses of the Erotic : the Erotic as Power. [Distributed by the Crossing Press].
  • 20. Foucault, M. & Lotringer, S. ed. 1989. Foucault Live: Interviews 1961-1984. New York: Autonomedia. p. 136.
ملحوظات: