تطاردني ذكرى ليست لي

السيرة: 

يحاول الكاتب والمخرج السينمائي بانوس ابراهميان، تشريح وتبيان مختلف الأشكال التي يتمظهر فيها الماضي المعذب والمستقبل المفقود في الأجساد والأمكنة والعلاقات الاجتماعية.

شكر‬ ‫واعتراف‬: 

 ترجمة تحريريّة بقلم مايا زبداوي

اقتباس: 
بانوس ابراهميان. "تطاردني ذكرى ليست لي". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 7 عدد 3 (14 ديسمبر 2021): ص. 3-3. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 29 مارس 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/328.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
ترجمة: 

مدير الترجمة في مجلة "كحل". تمارس الترجمة المكتوبة والتعاقبيّة مع تخصص في مجال السياسة والإدارة العامة وموضوعات الهجرة / اللاجئين والعلوم التربوية.

thm_still_kohl.jpg

بانوس أبراهميان

"الأرمن هم عُذريَ للحديث عن العالم بأسره". – أرتافازد بيليشيان

فيلم

تطاردني ذكرى ليست لي (2021)
إخراج: بانوس أبراهميان

THIS HAUNTING MEMORY THAT IS NOT MY OWN (2021)

ينشطر النظام الإمبريالي القديم إلى دول قومية وليدة، وتبتلع التدفّقات العالمية لرأس المال أراضيها السابقة فتحدّث صناعاتها وتزيد من حسّ التشدّد لدى قومياتها، مُعزّزةً الريبة بين أفراد شعوبها.

تجتثّ تربية دودة القز العلاقات الاجتماعية القديمة مُساهِمةً بذلك في إعادة ترسيم الحدود بأشكال استبدادية، فتراها تدعو النساء إلى الانضمام للقوى العاملة والفتيات إلى المصنع. يأتي الحرير من العقود الآجلة كعامل محفّز للتسارعية الحداثية، تلك التي تُعيد قولبة النماذج القومية القديمة إلى أُخرى ترتكز على طراز جديدٍ من المواطنية العرقية. تباعاً يجري ترسيخ هذه النماذج من خلال إرث من الموت الجماعي والتشريد.

تنتظم الهياكل الاجتماعية المستجدّة فتطفو أجسامٌ وتتشكّل أطرافٌ جديدة. قبل أن يُجتثَّ منتوج العملية التي كانت تقودها الطحالب الميتة من تفكيك لنفسها متحوّلةً بذلك إلى وقود أحفوري يركد في قاع البحر، كانت دودة القز وغذاؤها من ورق التوت وفيرةً عند شواطئ شرق البحر الأبيض المتوسط. وكانت بحضورها تُحفّزةً زحف رأس المال نحو المنطقة.

كما ذكرنا سابقًا، أنهت عمليات التحديث نموذج الإمبريالية الاقطاعية متعددة الثقافات، مستبدلة إياه بمفهوم الأمّة أُحادية التكوين، تلك التي خلّفت بدورها إرثاً لامتناهياً من الموت والنزوح في أرجاء الأرض التي كانت قابضةً عليها.

هذه محاولة لتعقّب مسارات ذاك الإرث، من خلال البحث في المشهدية الطبيعية للحاضر المتقهقر عن مآلات الماضي وآثرٍ ما للمستقبل. ذاك الأثر الكائن في واقع التهجير القسري واللجوء، المُرتسمين على أرض ضواحي بيروت الآسنة - بين برج حمود والكرنتينا – حيث ركَنَ المَحجَر البحريّ قديمًا.

"كان من الممكن الحصول على أي كمٍّ منها (الديدان) مقابل لا شيء تقريبًا. كانت طيّعة للغاية، ولم تكن تتطلّب أقفاصًا أو مُركّبات. كانت، وفي  كل مرحلة من مراحل تطورها، مناسبة لمجموعة متنوعة من التجارب." – د.ج. سيبالد، "حلقات زُحل".

كما في كلّ بقاع العالم، ستجد هنا ارتباطاً جوهريّاً يجمع قصة سكّان المنطقة بقصة الأرض وما تكتنفه من كائنات. ننظر إلى الوراء نحو أطياف تاريخ بلاد الشام ونستشفّ الانهيار البيئي القادم، في مخاض استكشافنا لتلك المساحات الطبيعية التي سيُجهَز عليها، قُربانًا في سبيل تشييد عمران جديد يلتوي في طيّاته الزمن ضمن إيقاع مضطردٍ مُميت.عُمرانٌ تتمظهر فيه الحدود على شكل صدمات تعيش في الأجساد وتجوب بينها.

تَقهقُرُ المساحات الطبيعية دلالة دامغة عن تقهقر الهياكل الاجتماعية، هكذا يصطدم الزمن باضطرابٍ، تتنحّى على إثره دودة القز مُجبرةً أمام البكتيريا المنتجة للنفط، لتبدأ رحلة البحث عن الإيكولوجيات البديلة والألاعيب الزمنية نحو مساحات طبيعيّة تتجانس فيها الكائنات الحيّة من البشر وغيرهم، وينصهر فيها ماضي الزمان بحاضره والمستقبل.

يجد الناس أنفسهم مقتلَعين من أوطانهم ومُلقَى بهم في عرض البحر بحثًا عن مستقبل أفضل. تتوسع المدن وتغتَذي على كلّ شيء في طريقها. يقرأ مجهولٌ رسالة موجّهة إلى أحد الأسلاف - يقرأ مجهولٌ آخر رسالة موجّهة إلى فصيلة مختلفة من الأسلاف العاملين. يتحلّل صدى الألحان ويَنفَقُ بفعل ذاتيّ، تحت هدير طائرات "الدرون"1 العسكريّة.

مع انصهار كلّ تلك النبرات والأصوات والمشاهد، تتكشّف معالم مسارات عدّة. مسارات حِسّيةٍ تستحضر تصوّرًا معيّنا لزمان ومكان وجغرافيا وتجسّدها في رسم الخرائط المناطقية. مسارات سَرَديّة تجد لنفسها تجلّيًا في مراسلات تأمّلية بين الحاضر والمستقبل، وتستدعي في طيّها الماضي.


 

 

  • 1. مسمّى الطائرات دون طيار في بلد منشئها (مديرة الترجمة)
ملحوظات: