صور لأرشيفٍ ثوريٍّ مضادّ

السيرة: 

فنانة تشكيلية إيرانية تخرجت من أكاديمية ريتفيلد في أمستردام. درست التصميم في جامعة طهران للفنون. تعمل مصورة وصانعة الرسوم المتحركة وصانعة الدمى في ميدان الفنون المفاهيمية المعاصرة. تقوم الآن بتجاري العروض في الأماكن العامة. انها مهتمة باكتشاف أشكال جديدة من العمل الجماعي تشمل الأجساد الجماعية والأيديولوجيات.

اقتباس: 
جولروخ نفيسي. "صور لأرشيفٍ ثوريٍّ مضادّ". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 7 عدد 1 (06 سبتمبر 2021): ص. 178-184. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 19 أبريل 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/307.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (854.28 كيلوبايت)
ترجمة: 

مدير الترجمة في مجلة "كحل". تمارس الترجمة المكتوبة والتعاقبيّة مع تخصص في مجال السياسة والإدارة العامة وموضوعات الهجرة / اللاجئين والعلوم التربوية.

Golrokh_Nafisi

انقلاب الجماهير على هرمية السلطة

جولروخ نفيسي

توهم

 

بيروت السوداء

اطّلعتُ على تعبير بيروت السوداء لأوّل مرّة من سمية قساملي في بيروت، أثناء شهر حزيران/ يونيو 2019. سمية قساملي عالمة أنثروبولوجيا ينصبّ عملها على منطقة الشرق الأوسط، حيث تركّز على أنماط العنف المدني/ الحضري ومسائل الهجرة. قساملي حائزة على درجة الدكتوراة من جامعة كولومبيا (2017)، وتعمل الآن في مركز ماهيندرا للعلوم الإنسانية بجامعة هارفارد كزميلة باحثة في دراسات ما بعد الدكتوراة. تُعرّف قساملي تعبير بيروت السوداء على النحو التالي:

"على مدار العقد الماضي، قامت أعداد متزايدة من النساء الإفريقيات والآسيويات اللواتي وصلن إلى لبنان كعاملات منازل مهاجرات، بالهرب من منازل أرباب عملهن، أولئك الأرباب الذين ترتبط مشروعية إقامة العاملات في لبنان بهم. هكذا انضمّت العاملات إلى صفوف الطبقات العاملة الحضرية في العاصمة اللبنانية، وتباعًا انضمّ إليهنّ آلاف الرجال الهاربين من أتون الحرب في سوريا المجاورة.

مع بعضهم الآخر، شكّل العمّال/ات الوافدون/ات طبقة غيّرت شكل مدينة بيروت وحيوات العمّال فيها. تظهر معالم مدينتهم/نّ في متاجر البقالة البنغلاديشية تلك المُقامة في مخيمٍ للاجئين الفلسطينيين، كما تظهر في زواج الإثيوبيات من لاجئين سودانيين، وفي النساء الفلبينيات اللواتي تدعِين عمّال البناء السوريين للانضمام إليهن في أمسيات الطرب، تظهر في أفراد الجمع الذين يتشاركون السجائر بانتظار ساعات الزيارة عند أبواب مركز الاحتجاز الأمني في منطقة العدلية. وجه بيروتَ هذا الخاص بهم/نّ مرئيٌّ لكن ضمن حدود، فتفاعلاتِه الداخلية تعتمد على دلائلَ مكتسبة ضمن دوائرهم/نّ، وتلك الأخيرة محصّنة بشروط دخولها. ذاك الوجه لبيروت متعدّد اللغات والجنسيات والأعراق، هو بالتأكيد أحد أكثر الأمكنة تنوّعًا في عموم بلاد الشام. مكانيًا، يتمركز هذا الوجه لبيروتَ في الأحياء المجاورة لبرج حمود والدورة ورأس النبع. أما زمانيًا فترى وجه المدينة ذاك يصعد إلى ذروة مرئيتِه أيام الأحد، إنه عبارة عن شبكة منتشرة في جميع أنحاء المدينة وخارجها. يشتمل هذا التمركز الجغرافي على شوارع فرعيّة صغيرة في عدد من الأحياء وأزقّة تتشعّب من جوانب كل شارع. هناك تجدين كنيسةً ومدارس خاصة تتحول إلى قاعات احتفالات مليئة بالأعلام لدول مختلفة، وملاعب خارجية تستضيف نجوم البوب ​​الدوليين لجماهير المهاجرين/ات، وتقدَّم خدمات توزيع مأكولات من مطابخ مختلفة معدّة منزليًا، إضافة إلى الفرق الرياضية ومسابقات الموضة والنوادي الاجتماعية المختصّة. يضاف إلى تلك المظاهر تبادلٌ لطرق تهريب الهواتف المحمولة وإبر الخياطة ووصلات خصال الشعر إلى السجينات والسجناء. وجه بيروتَ ذاك مزدهر في سريّته، لكنه يخضع لمضايقات مستمرّة وتهديدات بإغلاق قسري على يد كلٍّ من الدولة والمجتمع. أُسمّي هذا الوجه من بيروت، "بيروت السوداء"".

 

فشل المستحيل

في اللحظة التي تسعى فيها إرادتنا الجماعية إلى تحرير فعل الإنعتاق من الخوف، يتغيّر معنى المستحيل إلى الأبد. إن الإرادة التي وُلدت في لبنان قبل عشرين يوماً، مفعمةٌ بمشاعر الخوف والأمل التي تعتري آلاف الأشخاص هنا، في أثناء الصباح إلى ساعات الليل ومن لحظات الذروة إلى أوقات الانهيارات. إلى جانب المعاني الجديدة التي تتشكل بين ساعة وأخرى، يغنّي الناس ويرقصون وينشدون معًا، فتتغير ماهية مفهوم المستحيل على نحو جذري. كلّ الأشياء التي بدت صلبة وغير قابلة للتغيير غدت تدريجيًا مواضيع قابلة للتحّول، كالحركات والهياكل والكلمات والمعتقدات وحتى الثوار أنفسهم، أولئك الذين أوجدوا هذا الفضاء الجديد. فقد تحوّل الثوار من حالة الفعل الفردي المشتّت، إلى حالة فعل جماعيّ متراصّ. تحوّل الشارع، تلك المساحة التي يعرفها الجميع والتي تجسّد بعدًا للـ "مستحيل" الذي يقوّض أجسادنا، إلى مسرح للجماهير في مختلف مدن لبنان يمارسون/ تمارسن فيه جماعيّتَهم/نّ. احتلّ الثوار/ الثائرات تلك الشوارع التي طالما كانت معسكَرة وملأى بالبوّابات والحواجز الإسمنتية والسلاسل، وأعلنوا - بعد ثلاثين عامًا - عن  نهاية كابوس الحرب الأهلية.

من بين المشاهد العديدة الاستثنائية لهذه الإرادة الجماعية، كانت تلك اللحظة التي قام بها رجال ونساء في ساحة رياض الصلح، بتحريك إحدى الكتل الإسمنتية الثقيلة لاستخدامها كمنصة في خيمتهم. في تلك اللحظة أدركت أنني طالما اعتقدت بسذاجة استحالة تحريك تلك الكتلة الحضرية الإسمنتية الثقيلة. قناعتي بهول الثقل المنوط بتلك الكتلة، تشكّلت على إثر مقاربة محض فردانية قارنتُ من خلالها هول الكتلة بجسدي المنفرد. لكن قناعتي تلك تحطّمت أمام مشهد الحركة الجماعيّة للأجساد.

جولروخ نفيسي 27 -10-2019
بيروت

ملحوظات: