تحرير (كورنة) المساحات: مسودّة عمل

السيرة: 

تعرّف كوثر عن نفسها كامرأة x سوداء x كويرية. علامة ال x تشير إلى التقاطعات في هويتها.

جاها هي امرأة كويرية تعيش في الخرطوم

اقتباس: 
كوثر، جاها. "تحرير (كورنة) المساحات: مسودّة عمل". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 6 عدد 3 (20 ديسمبر 2020): ص. 455-468. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 26 أبريل 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/275.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (507.79 كيلوبايت)
ترجمة: 

ساندي مومجي، خريجة إعلام عام 2012, محررة ومدققة لغوية في أكثر من موقع عربي، مترجمة لعدة منظمات دولية غير حكومية.

theod1_copy.jpg

نجمة تنثر جلدها

تيو لوك

ملاحظات المحرّرة:

هذا النص، المكتوب على مدى نثرات من الزمن، لا يزال عملًا "غير مكتمل". ولكن، إبّان نشره نسأل، كيف يؤثّر ما يسمّى بالعمل "النهائي" على فهمنا للمعرفة؟ وما هي المعايير التي نعتمدها عندما نعتبر أن نصاً ما أصبح "جاهزًا"؟ ما هو الشكل والنموذج والمنظور والأفكار المتماسكة والجمل المتكاملة التي يمكن أن ترضي الإنتاج الرأسمالي؟ في كثير من الأحيان، نعجز عن تحقيق حيواتنا الكويرية عبر نهايات "نظيفة" ومناسبة ومصقولة: إيقاف مساراتنا هو حتمية إقصائنا. فالمثابرة في مسار ما هي العمل على تفكيك أن ما يلغينا حقيقة قائمة. وهكذا، يصبح اللامنتهي تجسيدًا لمعارفنا التي لا تعرف بداية أو نهاية. ونحن مسارها. كوثر وجاها تتحاوران مع بعضهما البعض ومعنا جميعاً. بصمتهنّ مطبوعة في كافة أنحاء هذا العدد. وإن نشر هذه المسارات أينما وصلت، كما هي، في الوقت الذي يحين فيه تسليم المسودّات "النهائية" هو التزام بأرشفتنا. إنّه احتفال بحياتهم/ن وتحرّرنا الخاص والمشترك.

 

ملخّص

يأتي هذا المقال من ضمن مخرجات النقاش المستمر بين صديقتين كويرتين من السودان: كوثر وجاها. ويستعرض الاستخدامات الكويرية للمساحة بعيد الثورة السودانية. على مدى أشهر عدّة، استُخدم الاعتصام أمام المقر العسكري في الخرطوم، حيث اجتمع مئات الآلاف من الثوار/الثائرات لرفع مطالبهم السياسية، كمركز سياسي وثقافي. بدت القوانين الاجتماعية الطبقية وكأنها معلّقة، وازدهرت أشكال المقاومة الفاعلة – المقموعة من قبل الديكتاتورية الإسلامية العسكرية.

لا بد من التشديد على أن ممارسات المقاومة اليومية التي باتت واضحة للعلن خلال الاعتصام لطالما كانت موجودة وغالبًا أمام أعين الجميع. ولكن، أنماط الوجود غير المعيارية هذه تحولت إلى غير مرئية ودُفعت إلى الهوامش والظل من قبل البنى القمعية ذاتها التي وسمت ممارسيها بـ"الآخرين" المنحرفين. ونتج عن هذه المقاربة المزدوجة المعايير – التي جُعلت غير مرئية وهي مرئية على الرغم من ذلك – مساحة للكثير من الكويريين/ات حيث يتواجدون تحت غطاء "الإنكار المقبول".

عبر اعتماد إطار عمل كويري نسوي يساوي بين الكويرية وبين أعمال مقاومة جريئة تخالف القواعد، نناقش كيف أن الاعتصام رفع وشبّك ممارسات المقاومة اليومية الموجودة، وبالتالي، يعتبر "استخدام كويري" للمساحة (أحمد، 2018).

وبالاستناد إلى طبيعة علاقة الصراع مع "القواعد" والمعيارية، والعلاقة الجدلية التاريخية بين المركز والهامش في السودان، نناقش أنّ دعوات مجتمع الميم الناشئة والداعية للتقبّل والظهور في المساحة العامة لا يجب أن تُفصل عن الدعوات لتنظيم سياسي تغييري يمهّد لتحرّر كل "الآخرين".

من خلال هذا النقاش، نسعى للمحافظة على بعضنا البعض (وعلى مساحة لبعضنا البعض)، كأصدقاء/صديقات، لمعالجة سيل العواطف الذي يجتاح ثورة تقوم بطريقة ما بتحدّي الكثير من القواعد بشكلٍ جذريّ، ومع ذلك تضع الكويرية على هوامش هوامشها.

 

النوايا

آمل أن يُقرأ هذا المقال على أنّه نقاش مطوّل يتخلّله فترات صمت مطوّلة. وآمل أن يبدو وكأنّه حديث عن المستجدّات مع صديقة، لأنّه كذلك.

يجتاحني القلق؛ لا أشعر أنني حازمة بصوتي المكتوب: قد تبدو الكتابة كفعل محو. أشعر بأصوات الأشخاص الكويريين الآخرين تهمس في أذني: مررت بالحالة ذاتها أيضًا. هذه التجربة. لم تحدث بهذه الطريقة.

أبدأ بالاعتذار: أنا آسفة، حبيبي/حبيبتي.
أرجو كم/ن الانضمام إلى حديثنا.
نحن نخبر بعضنا البعض ما حدث.
حدث كلّ شيء بالتذكّر فقط.
أكتب كل هذا للتواصل معكم/ن.

آمل أن تقرؤوا ما كتبت كدعوة.
تعالوا اجلسوا معنا.

 

الخرطوم
2017

مساحة كويرية في الثورة

كوثر
بدأ الموضوع بسؤال طرحناه قبل ثلاثة أعوام خلال أحد النقاشات: ما الشكل المفترض لمساحة كويرية سودانية؟

كانت دعوة تأمّلية، جعلتنا نستعين بخيالنا وجعلتنا نعمل ضد الاعتقاد بأن وجود مثل هذه المساحات غير ممكن.

ربما يمكن مسامحتنا على الاعتقاد بأن وجود مساحة كهذه مستحيل. فالقدرة على القيام بجهد خيالي هي في النهاية شكل من أشكال المقاومة. واعتقادنا باستحالة وجود مساحة كويرية سودانية لا يمكن أن يُفصل عن العوامل السياقية المتعدّدة. كانت الديكتاتورية العسكرية الإسلامية في السودان تقارب عقدها الثالث في السلطة، والمواد الأرشيفية عن التوجهات الجنسية غير المعيارية في السودان شحيحة.

ولكن بالعودة إلى النقاش، تُهنا في خصائص المسألة، وفي الرؤى التي نتجت عنها: أنواع المنسوجات، الألوان والأقمشة. الجغرافيات والمناظر والأصوات. وبشكلٍ أساسي، تحتلّ الأبعاد المادية والوجود المادي لمثل هكذا مساحة حيّزًا كبيرًا من تفكيرنا، ما ألهانا عن الانتباه لما هو واضح للغاية: أي من خلال أنّ الجلوس هناك، عند تقاطع مزدحم في وسط الخرطوم، وتصوّر مساحة كويرية معًا، كنّا قد أنشأنا بالفعل مساحة كويرية.

جاها
كنت متوترة قبل المجيء إلى اجتماعنا الأوّل. هل أخبرتك بذلك قبل الآن؟ كنت متحمّسة ولكن متوترة أيضًا. لم أكن أعرف شعور الاقتراب واحتضانك للمرّة الأولى، مدركة أنّك تعرفين أنني كويرية. لم أكن يومًا كويرية وفي جسمي قبل ذلك. ظننتُ أن الكويرية ستبدو على جلدي بطريقة ما، وأن الناس حولنا سيلاحظون ذلك. حتى أنني كنت خائفة أنك ستلاحظين؛ أنني قد أحضنك أكثر من اللازم أو ربما أقلّ من اللازم، وأنك ستعتبرين كوني كويرية أمرًا غريبًا أو غير سليم. بعد المراجعة، لا عجب في أن فكرة المساحة الكويرية أضنتنا حيث كنت أشعر بهذا البعد ضمن جسدي.

ولكن أعتقد أن التجرّؤ على التفكير بـ "مساحة كويرية"، بالنسبة لي، بدأ قبل أن نجلس عند ذاك الدوّار حالمين/حالمات بعامية كويرية. أتى ذلك لاحقًا، على شكل رؤية أقوى وأكثر تفصيلاً وجذرية للوجود. لم أكن لأستطيع البدء من تلك النقطة. فمعظم حياتي، كانت الكويرية تهمس همسًا في باطن عقلي. لا شكّ أنه في بعض الليالي، طبعًا في بعض الليالي تلتقين بنفسك بعيدًا عن أعين الجميع، ولكن لم أستطع يومًا اصطحابها معي إلى الضوء. في إحدى تلك الليالي، أنشأتُ حساباً وهميّاً على "تويتر"، وبحثت عن كويرية + سمراء ووجدتك. أعتقد أن مفهوم المساحة الكويرية السودانية بدأ بالنسبة لي حين اكتشفت أنك سودانية.

ربما نبدأ بالمحافظة على مساحة لأنفسنا ابتداءً من تلك المرحلة المبكرة الأولى من الإدراك بأننا لسنا وحدنا. وربما يبدأ إنشاء مساحة كويرية حين نبتعد عن مسيرتنا الفردية في الكويرية إذا صحّ التعبير وندرك أنها مسيرة جماعية.

لم أتوقّف عن التفكير بأحاديثنا عن عامية للكويريات اللواتي يبينّ مظهرًا أنثويًا خلال أشهر الاعتصام. كان الشعور آسرًا وساحرًا، كيف بدا هذا الحلم بمساحة واقعًا جماعيًا ملموسًا ومُعاشًا. عجزت الرصاصات على اختراق ما حققناه وعجز كلّ عنف وترهيب الدولة على ذلك. كنّا لبعضنا البعض. أوجه التشابه كثيرة بين هذه العامية الكويرية المثالية والمساحات الفعلية للتظاهر السياسي وأماكن الاعتصام.

كوثر
جملة "لست وحدك" تثير زوبعة من المشاعر في داخلي. وهذا يعود للشعور المزمن بالتشظّي الذي يراودني منذ أكثر من عام. أشعر أنني كنت ممزّقة إربًا إربًا، وأجزائي مبعثرة ومخبّأة في أعمق وأحلك أصقاع الأرض.

لا أعلم من أين وكيف ولد هذا الشعور بالتشظّي، ولكن أذكر أنه اشتد أكثر فأكثر مع بداية الثورة السودانية. ويمكنني أن أنسب هذا الشعور بالتشظّي إلى الأحاسيس المتضاربة بالوعي بأنني كنت بعيدة جسديًا وفي الوقت عينه موجودة بطريقة ما بفضل كلّ الصور والفيديوهات التي تتمّ مشاركتها؛ والشعور بالخوف وفي الوقت عينه معرفة أنني آمنة.

ومع تقدّم الثورة واحتلال المتظاهرين/ات للمساحات المحاذية للمقرّ العسكري، التي سرعان ما تحولت إلى مواقع فاعلة للإنتاج السياسي والثقافي، بدأت أشعر أنني مستثناة من السرديات والمساحات الكويرية السودانية الناشئة. شعرتُ أنه بعجزي عن المشاركة الفاعلة في ومع هذه المساحات، أخفقت بطريقة ما.

جاها
وأن أصغي إلى ما تقولينه، أدركت أنني لربما وقعت في فخ وسم فكرة التعاضد هذه بالرومنسية. إذ ما زالت تلك "السرديات والمساحات السودانية الكويرية الناشئة" متشظّية هي الأخرى، وفي الوقت عينه نحن في حالة صراع مع أصوات "ثورية" أخرى تختار إسكاتنا وإقصاءنا.

إذ برز توتر واضح بين الاعتراف بالمطالبات الكويرية والتخيّلات الكويرية والعمل السياسي الكويري ضمن الحركة الثورية بشكلٍ عام. وفي لحظات معيّنة أدّى ظهور أصوات كويرية (أغلبها من حسابات إلكترونية من دون أسماء) إلى خلافات. شهدت كيف قام كلّ اليساريين الجذريين، الذين كنت أجلّهم في السابق، بإسكات أصوات الكويريين/ات الذين كانوا يشاركون بشكلٍ فاعل أو يظهرون بشكل أوضح ضمن جموع المتظاهرين/ات مستخدمين الحجّة الاعتيادية بـ "أنّ الوقت لم يحن بعد لتناول هذه القضايا، وأنكم تنفّرون المجتمع الأشمل منّا". وأكثر ما خيّب أملي كان الدلالات إلى "كيف تتجرّؤون على التسلل إلى هذه الحركة؟ كيف تتجرّؤون على تلطيخها وإهانتها بكويريّتكم؟" قد تمنعني كرامتي من الإقرار بذلك خارج حديث حميمي مثل هذا، ولكن ذلك كان مؤلمًا بحق.

ما أخاف أيضًا من التباحث به خارج مساحتنا السودانية الكويرية الآمنة هو غضبي من تطابق المطالبات الكويرية الظاهرة غالبًا مع المفاهيم الغربية الليبرالية للإقرار والإشراك ضمن نظام معيوب واستغلالي في أغلب الأحيان. فذلك فرض أمورًا مثل مناقشة وجودنا استنادًا إلى مبادئ الحرية الشخصية والمطالبة بالاعتراف من الدولة في مؤسسات الزواج على سبيل المثال. لا يمكنني أن أزعم أن هذه ليست أمورًا مهمّة بالنسبة للكثيرين. ففي النهاية، نحن موضوعون/ات تحت وطأة حكم الإعدام لسعينا لعلاقات حميمية. ولكن هذا الخطاب منفصل عن الواقع الميداني وعن مجتمعنا التقليدي إلى حدٍ كبير.

لا أعلم إن كنت أشعر أنني غير مستثناة في المساحات اليسارية المتسمة برهاب المثلية أو في السرديات الكويرية الليبرالية.

كوثر
حين أفكّر في كون فعل إنشاء مساحة فعلاً عنيفًا وإقصائيًا، أتذكر اقتباسًا من عايشة صدّيقي (2015)، "حين نتحدث عن حدودٍ ما تحمل هذه الحدود ضمنيًا وجود استخدام العنف للمحافظة عليها". فالحدود لا تنشأ مرّة واحدة؛ بل هي في حالة إعادة إنشاء وتعزيز وتفاوض على الدوام.

فعل إعادة التفاوض بشأن الحدود يحدث ضمن نطاق الحدود وبين الذين/اللواتي يعيشون ضمنها وخارجها على حدٍ سواء.

وكما سبق وذكرت، الحدود التي يضعها الكويريون/ات في السودان لأنفسهم مسلّحة بشكلٍ كبير بخطاب حديث وليبرالي عن الميول الجنسية. وهذه حدود تدعو لتنظيم مسيرات لمجتمعات الميم وزواج المثليين/ات. وهي حدود تدعو للتقبّل والتشريع.

على سبيل المثال، أتذكر صفحة على "فايسبوك" شاركتها معي، تحاجج أنه يجب قبول وفتح مجال للنساء المثليات ضمن مساحات التنظيم النسوية. ويعبر المنشور ضمنًا الافتراض بأن التقبّل هو الغاية الأوحد لنضالات الكويريين/ات السودانيين/ات. وأن الكويريين/ات مستثنون/يات بطريقة ما من السياق الأوسع الذي يتواجدون فيه وأن نضالاتهم/ن منعزلة عن مجتمعهم/ن.

ماذا تعني مناصرة حقوق المثليات في بيئة تجرَّم فيها أي علاقة جنسية خارج إطار الزواج؟ ما المكسب من تقبّل مجتمع الميم في بيئة لا تقدّم فيها أساسيات الحياة الكريمة؟

جاها
لدي نفس الشعور! هذه أسئلة صائبة.

لتوسيع نطاق هذه التساؤلات: كيف نبدأ بتوضيح غايتنا إذًا؟ كيف نقدّم مطالبنا الخاصة غير المنقولة من مكان آخر، وكيف نبدأ بالنضال من أجلها؟ لا بد من وجود إمكانية لبناء خطاب يظهر كيفية تقاطع حركاتنا الموزاية. لربما أيّ نقاش مبنيّ على مفهوم الحريات الشخصية أقل إفادة من نقاش مبنيّ على الحقوق الجسدية والجنسية يجمع الكثيرين تحت راية واحدة، بحيث حين نعمل على المطالبة بحقّنا في علاقاتنا الحميمة نسير أيضًا كنسوية لوضع حدّ للظلم والعنف ضمن المؤسسات الخاصة بالزواج، وبحيث نشارك وننتقض دور الأبوية والاستعمار والإمبريالية والرأسمالية ضمن نضالاتنا.

لذلك، مسألة المساحة الكويرية في الثورة بالنسبة لي مسألة متعددة المستويات: فهي مرتبطة بنقاشنا في ما بيننا وأن نعمل معًا على بناء العالم المتخيّل، وبالبعد المكاني المادي لوجودنا في المظاهرات، وبمحاولة نقل أصواتنا إلى خارج الحدود والعنف الذي يستثنينا، وبصياغة سردية تعزز التضامن وتتعامل مع الواقع المادي السياقي. ولكن في النهاية، مسألة المساحة الكويرية في الثورة مرتبطة بطرح السؤال التالي: ما شكل الثورة السودانية الكويرية؟

 

الوجود ضمن إطار الإنكار المقبول

جاها
كما تعرفين، لا شكّ في أن الوجود في بيئة تراقب وتجرّم كل أشكال العلاقات الجنسية تقريبًا يطرح أسئلة أكثر إلحاحًا بشأن التنظيم الكويري. فكّرت في المجالات التي تتقاطع فيها نضالاتي المتعددة واستراتيجيات التفاوض على الوجود المشتركة التي استخدمها لكويريتي بالقدر ذاته الذي استخدمها فيه لأي جانب من جوانب حياتي غير المعيارية الأخرى. أعتقد أن الكثير من ممارسات المقاومة التي باتت ظاهرة للعلن خلال الاعتصام لطالما كانت موجودة فعليًا، أمام أعين الجميع في أغلب الأحيان، بالطريقة ذاتها التي اعتمدنا فيها وتجرأنا فيها على تخيّل مساحة كويرية في وسط دوّار.

تزدهر حياة بديلة كاملة تحت أنف الخرطوم، وجهاز الشرطة الخاص بها، والسردية العقائدية السائدة بشأن هوية المدينة. والأشخاص الموجودون خارج نطاق الحياة المعيارية يقومون بشكلٍ يومي بممارسات إعادة رسم الحدود بين المساحات العامة والخاصة، وبإنشاء قواعد جديدة للاعتراف والترابط في ما بينها، وأحيانًا استخدام الأدوات ذاتها التي يستخدمها النظام للسيطرة عليها من أجل التوصل للمزيد من التغطية والحماية. يتشارك الكويريون/ات تلك المساحات مع الكثير من الأشخاص الآخرين؛ نتشاركها مع النساء اللواتي يحاولن لقاء الأصدقاء والبقاء خارج البيت لوقت متأخر من دون أي مواجهات مؤذية مع عائلاتهم، ونتشاركها مع الناس الذين يشربون أو يدخنون وحدهم أو مع من يحبّون، ونتشاركها مع العشّاق غير الكويريين الذين يتجرّؤون على لمس بعضهم البعض من دون موافقة الدولة أو المجتمع من خلال الزواج.

ما يحدث هنا ليس نضالاً من أجل الحصول على الاعتراف؛ في أغلب الأحيان العكس هو الصحيح. هو نضال من أجل تشكيل مساحة لنتواجد فيها الآن وهنا، وفي الوقت عينه تفادي مراقبة الدولة والمجتمع.

وسخرية القدر هنا أنه في بعض الأحيان، تُجبر أنماط الوجود غير المعيارية هذه على الاختفاء من قبل البنى القمعية ذاتها التي تضعنا ضمن فئة المنحرفين "الآخرين" والتي تديننا بقسوة. وبهذه الطريقة، لا تعترف بوجودنا، وتثق بقدرة أجهزة الشرطة وبقدرة عقيدتها على إزالة تلك الصور من مخيلتنا. أشكال الوجود غير المعيارية هذه يتم وضعها أحيانًا ضمن خانة "الآخر" لدرجة أنها تصبح خارجة عن أي تفكير ممكن.

ونتج عن هذه المقاربة المزدوجة المعايير – التي جُعلت غير مرئية وهي مرئية على الرغم من ذلك – مساحة للكثير من الكويريين حيث يتواجدون تحت غطاء "الإنكار المقبول". أتذكّر أنني قبل بضعة أشهر، حين كتبت رسالة إليك وأنا خائفة ظنّاً منّي أن أمري كُشف لزميل لي أكبر سنًا قد يكون قد سمع صدفة حديثًا كنت أُجريه. طمّنتني حينها أنني ما زلت في نطاق "الإنكار المقبول". وهذا ما علق في ذهني. أذكر أنني استخدمت هذه الطريقة في لحظات قلق أحسست بها قبل إحدى التظاهرات، حين كان من الممكن النظر من حولنا وتحديد الوجوه المتمرّدة المحيطة بك في المساحة العامة. يمكنك أيضًا تحديد أنهم متظاهرين أيضًا، ولكن قد يكونون رجال أمن أيضًا. وفي إحدى المرّات، حين سألني رجل أكبر سنًا لا أعرفه، يُرجَّح أن يكون رجل أمن، وأنا أمرّ بالقرب منه: "لست من أولئك المشاغبين، صحيح؟"، كان الإنكار المقبول المساحة الرمادية تلك: مساحة تجرّؤ وتحدّي حيث يصعب تجريمك ويصعب في الوقت عينه تلافي الأذية.

ولكن، من الصعب جدًا على بعضٍ منا ألّا يلفت النظر. أي أولئك الذين/اللواتي لا قدرة لديهم/ن على الوصول إلى تلك المساحات الخاصة الآمنة، والذين/اللواتي يظهر عليهم جلّيًا أنهم/ن من "الآخرين" من وجهة النظر المعيارية، والذين تمّ القبض عليهم بالجرم المشهود وتظهر عليهم آثار أعمال العنف. كل هذا يوقفني في مكاني حين أحاول تجربة حالة الإنكار المقبول هذه.

لست متأكدة ممّا أحاول القيام به. أعتقد أنني فقط أتعجّب من التركيز على الاعتراف في حين تختصر تجربتي بالسعي الدائم لإنشاء مساحة لنفسي وإيجاد حالة الإنكار المقبول لاستخدامها كمنصة تحدث فيها حالة المراوغة هذه مع النظام.

كوثر
شهدت السودان قرون من الاضطرابات ابتداءً بالثورة المهدية في القرن التاسع عشر، ووصولاً إلى الانقلاب العسكري الذي أتى بنظام البشير الديكتاتوري الإسلامي العسكري إلى السلطة. فرض هذا الواقع والتحوّل إلى أسلمة وتعريب تاريخ السودان وهذا يعني بدوره محو وإزالة ممارسات وأنماط وجود وُجدت في السودان لقرون طويلة، من السرديّات الرسمية. وبالتالي، محاولة الدولة العنيفة على مستوى العمل الأمني وتطهير مخيلاتنا امتداد لجهودها الرامية لإعادة كتابة الأرشيف الرسمي لتاريخ السودان. وهذا المحو بذاته شكل من أشكال العنف.

وعلى مدى السنوات، قمت بمحاولات متعدّدة لاستخراج أرشيف تواريخ الانسيابية الجندرية، والتجارب المدوّنة عن الاختلاف، وقصص الانحراف ولكنني لم أجد شيئًا بشكلٍ عام. ولطالما شعرت أن هذا العجز عن بناء صلات مع الماضي وعن إيجاد نوع من الاستمرارية، ولو كانت هشّة، هو نوع من المحو العنيف.

ولا شكّ في أن بحثي في الأرشيف مقوّض بكوني لا أبحث إلا في الأرشيف المكتوب. ومع التحوّل نحو اعتماد السرديّة المعرّبة والمأسلمة لتاريخ السودان، لم يمكن الوثوق بقدرة حماة الأرشيف المكتوب على المحافظة على تواريخ ممارسات العبور.

وهذا ينطبق بشكلٍ فعليّ حين يتعلق الأمر بتجارب النساء السودانيات مع الميول الجنسية، إذ تستمر السرديّات السائدة في التركيز حصرًا على قصص الختان والزواج المبكر والاعتداء وأشكال العنف الأخرى. ولكن، لا نسمع عن ممارسات المقاومة اليومية للنساء وكيفية تفسيرها وتفاعلها مع الأحداث المعاصرة، وكيفية تأثير الممارسات المنزلية في تشكيل الأحداث السياسية وفي تشكيل الأحداث السياسية لهذه الممارسات. يمكن تقفّي أثر هذه السرديّات من خلال تفاصيل الحياة اليومية والتفاصيل التي تبدو غير مهمّة: أغاني النساء المكتوبة والتي يُرقص عليها خلال حفلات الزواج، الأسماء المنسوبة للمأكولات أو الألبسة الشعبية.

الاستغلال:

 

التصعيد اليومي

جاها
من هذا المنطلق إذًا، اختبار المساحة بالطرق التي تمظهرت خلال أشهر الاعتصام شكّلت استردادًا لقدرتنا على التفاوض بشأن وجود ما في الحيّز العام، عوضًا عن القيام بذلك في الحيّز الخاص وفي إطار الإنكار المقبول. ويعتبر فعل الاسترجاع الجريء وسدّ منطقة كبيرة في قلب الخرطوم ومقابل المقرّ العسكري فعلاً يعبّر بشكلٍ واضح عن حقّنا الجماعي بالقيام بذلك، وحقّنا في استرداد الحيّز العام، وحقّنا بالوجود بأي طريقة نريدها ضمنه وحقّنا بالقيام بذلك مباشرة تحت أعين أعنف آليات الدولة.

وكان الزخم الثوري حينها تغييري لدرجة أن تأثيره انتقل إلى أجزاء أخرى من المدينة. إذ علّق الأعراف، ووسّع نطاق وجود الهويات الموضوع ضمن فئة "الآخرين" ليتجاوز الهويات الجندرية والجنسية الكويرية: ابتداءً من الحشاشين في الجانب الهامشي للاعتصام الذي أطلق عليه لاحقًا اسم "كولومبيا"، إلى المجموعات غير الصائمة التي كانت تتولى علنًا الورديات النهارية لحراسة العوائق والمتاريس عند حدود موقع الاعتصام في شهر رمضان، ووصولاً إلى التدقيق المتراخي للدولة والمجتمع على حدٍ سواء، وأي طريقة وجود صريحة في الحيّز العام. وطبعًا لا يخلو الأمر من بعض التوترات العابرة، ولكن لا شك بوجود تعايش وافر وأكثر مما كنت لأتخيّله في ذلك الوقت.

ولكنني هنا لا أزعم أن الاعتصام كان مكان مدينة فاضلة. فوجود بعض التحديات الجديّة واضح وجليّ. لا سيما حوادث الاعتداء والتحرّش الجنسي والأغاني والسلوك الكاره للنساء، وغيرها من الحوادث. ولكن بغياب القواعد المعيارية، توفّرت إمكانيات تصحيح المسار والمشاركة الفاعلة في النقاشات الجماعية بشأن تلك القضايا. ومن ضمن الأمور المفضّلة لدي خلال الثورة السودانية كانت الشعارات المنقّحة مثل "الترس دا ما بتشال الترس وراهو رجال" التي تحوّلت بسرعة إلى "الترس دا ما بتشال الترس وراهو ثوار".

بالنسبة لي، العامل الأساسي الذي جاء دعامةً لمثل هذا الاسترداد الكبير للمساحة، كان الوسائل التعاونية المستخدمة لإعالة أعداد الناس الهائلة هذه. توفّر الغذاء والمسكن للجميع، وحمل الجميع لمسؤولية توفيرهما. غالبًا ما يعبّر عن ذلك على أنه طريقة لإظهار الضيافة والكرم والإحسان السوداني. أعتبر ذلك إطارًا يطرح إشكالية كبيرة. إذ لا بدّ من الاعتراف بأن النظام الاقتصادي الذي ازدهر خلال الاعتصام والثورة بشكلٍ عام كدعامة أساسية في عملية تكرار تجربة الحرّية المؤقتة.

أعرف أنه بالنسبة لمجتمعنا، الموارد العامة ضرورية لبقائنا على قيد الحياة، فبهذه الطريقة تمكنّا من الاستمرار على الرغم من المراحل الشاقة والصعبة. أدرك الآن ما شكل هذا النموذج إذا ما توسّع نطاقه ليتجاوز الجيران أو الأقارب المباشرين. أدرك أنّ تعليق العادات القمعية سعيًا لتوسيع نطاق الحريات الشخصية لم يكن العامل الثوري الوحيد. فاسترداد مسؤوليتنا الجماعية لتأمين الغذاء والمسكن والحماية لكل الذين صنّفوا "آخرين" لوقت طويل.

كوثر
أتساءل بشأن فائدة استخدام منظار المرئي - العام/غير المرئي – الخاص عند النظر إلى الأفكار السياسية المرتبطة بالجنس والجسد في سياق السودان، نظرًا أنها غير قادرة على التعبير عن قصص النزوح والهجرة القسرية التي شهدتها البلاد.

ولا شك أنه لا يمكن التفكير في المساحات الكويرية من دون الأخذ بعين الاعتبار سكّان مساحة كهذه. والأهم من كل ذلك، علينا التساؤل بشأن العلاقة بين المساحة وسكانها.

من يجب أن يتواجد في مساحة معيّنة لتعتبر مساحة كويرية؟ من يجب أن يستثنى منها؟

لعلّه لا يمكن النظر إلى سرديّة مكان الاعتصام ضمن الثورة كسرديّة موازية لسرديّة مدينة الخرطوم كأرض للأمل والفرص.

 

 

بيروت
كانون الأوّل، 2019

تغيير مكان/تحديد مكان المركز/الهامش

جاها
أنا متوترة كثيرًا بشأن فكرة هذا القسم لأنني أعرف كثيرين كتبوا عن ذلك وشارك كثيرون في هذا الخطاب. في هذه المرحلة، في كل مرّة يذكر أحدهم مسألة الهوية السودانية، أقول لنفسي "اخرسي". وهذا يفوق قدرتي. ولكن تذهلني طريقتكم في إدخال مفهوم النزوح إلى النقاش. وبالتالي، لست المركز ولا الهامش، وهنا يمكنكم بلورة أو تخيّل علاقة أكثر تعقيدًا بين الإثنين، بداية بالإقرار بقدرة المهمّشين/ات ضمن المركز ومن ثمّ، كيف تتعاملون مع ذلك؟ كيف تحوّلون المركز إلى مساحة كويرية بحد ذاتها بوجودكم هناك؟ كيف يمكنكم تحويله وتغييره، وكيف تضعونه في مواجهة تداعيات ما حققه في عملية التهميش؟

كوثر
للنزوح قدرة محتملة هائلة حين يتعلق الأمر بالتموضع في حالة كويرية، لأنه يخرّب سرديّات معيارية كثيرة تواجهنا. ويخرّب المفاهيم المرتبطة بالحيزين العام والخاص، وذلك، وبما أنني نازحة، ما هو حيّزي الخاص وما هو حيّزي الخاص؟ كيف أكون موجودة ضمن هاتين المساحتين؟ كما يخرّب مفهومي المركز والهامش، لأنني كنازحة أين أكون موجودة ضمن هذين الحيزين الذين يفترض أنهما منغلقين على ذاتهما أي المركز في مقابل الهامش؟ وهذا يعوّض تلك الحاجة إلى إنشاء تلك المساحات المنغلقة على ذاتها وذلك لأنني سأتحدى تلك الحدود، وسأجد طرقًا للبقاء على قيد الحياة والعيش واستعادة وجودي على الرغم من الحدود الموجودة.

جاها
حين نتحدث عن التنظيم النسوي في السودان، نتحدث عن تنظيم محصور لدرجة كبيرة في سردية المركز- الهامش ابتداءً من العلاقة بالرجال ومرورًا بالرغبة في المشاركة والاعتصام على هوامش العملية السياسية والوجود ضمن مساحاتكم الخاصة في الهامش ووصولاً إلى انتظار الدعوة للدخول.

وبالتالي، بالنسبة لي، تناولي النظرية الكويرية والأفكار السياسية الكويرية يعني استهدافًا أكبر للفئات إلى أن تصبح غير "مهمّة" بالضرورة إن لم أقل إلى حين أن نصبح قادرين/ات على تجاوزها وأيضًا خرقها. والنقاش هنا غير متعلّق بالمطالبة بالإشراك، أي مثلاً إشراك النساء المهمّشات في المساحات النسوية، وهذا يتضمّن المساحات النسوية ضمن المساحات السياسية السائدة. الأمر متعلّق بدرجة أكبر بـ...

كوثر
بالتفجّر من الداخل

جاها
نعم، الأمر أشبه بالتفجّر من الداخل. وهو الإقرار بأمور سبق أن حدثت. على غرار تلك النساء التي جُلبت إلى مساحة ما للتحدث عن قضايا النساء في دارفور، أو قضايا النساء في جبال النوبة. فهنّ يعشن هنا ويعملن هنا منذ فترة طويلة وبالتالي علينا الإقرار بذلك وعلينا توسيع نطاق التنظيم القاعدي الفعلي الذي يحصل أمام أعيننا طوال الوقت. الأمر الذي يمكن أن يغني النقاش هو الحالة الكويرية في عملية سعي لفهم الأشكال التقليدية للتنظيم والأشكال التقليدية للوجود والخطابات التقليدية. إذ لم يمكن القبول بعد الآن بـ "تعالوا إلى هنا وألقوا بعض الكلمات"، لا يمكن القبول بذلك بكل بساطة... ونقطة الانطلاق لا يمكن أن تكون أشركونا، طبعًا لا. نقطة الانطلاق أشبه بـ...

كوثر
يشكّل سؤال "ما الذي نسعى لتعطيله" هاجسًا لي. فللتعطيل تداعيات هائلة مرتبطة بنوايا لم أشعر أنها كانت نواياي. أذكر أنه بالنسبة لنا، كان الأمر مرتبط بالإنجازات الشخصية. أردنا أن تنشر كتاباتنا. هكذا بدأ كل شيء، وهذا أمر لا بأس به طبعًا. ومن بعد ذلك اتسع النطاق ليشمل تحقيق ما يتجاوز الإنجازات الشخصية وتحقيق رؤية لدينا ليس فقط لنفسنا، بل أيضًا لمساحات نريدها ومستقبل نريده ومخيلات نريد التمكّن من إنشائها.

 

موت الثورة هو موت المخيّلة

جاها
واظبنا على تفادي الحديث عن الثالث من حزيران طوال هذا النقاش. أي اليوم الذي تم فيه إزالة موقع الاعتصام بواسطة العنف المفرط؛ بالعصيّ وإطلاق الرصاص والاعتداء الجسدي والجنسي والأجساد التي رميت في نهر النيل؛ قلب الثورة النابض حُرق وبات دخانًا ورمادًا.

ومن بعد ذلك، الترهيب والخوف في الشوارع على مدى أسابيع تلت؛ الصدمة؛ الحداد؛ خيبة الأمل.

ونتيجة للعنف والمساومات التي تلت، ما زلنا نعيش تحت الحكم العسكري مع حكومة تنفيذية مدنية تتمتع بسلطة مشروطة إلى حدٍ كبير، تحت مراقبة الرجال باللباس العسكري.

تبدو لي فكرة المساحات الكويرية اليوم قاتمة جدًا. في كلّ مرّة أحاول الكتابة عن الموضوع، أجهش بالبكاء. هل باتت الثورة بعظمتها تُختزل بتكرار الوضع ذاته، أم أنني في حالة مراجعة ذاتية؟ حين كتبت الملخص، انتابني شعور مختلف. وليس لأنني كنت أتمتّع بالأمل؛ كنت أعيش معجزة. كنتُ شجاعة بما فيه الكفاية للمطالبة بحياة اعتبرتها حلمًا في السابق. أما الواقع الذي تبلور كان الوجود ضمن مجتمعات محبّة وثائرة؛ تزايد في حرية التنقل والاستقلالية؛ مساحة تأثير وتعبير عن المطالب الجماعية أوسع نطاقًا؛ انسيابية جنسية وانسيابية جذب سهلة؛ من دون تناقضات أو ثنائيات. والآن، بعد خيبة أمل الثالث من حزيران والموت البطيء أو بالأحرى تسميم الثورة، أشعر بأن الحيطان تخنقني.

كيف نفسح المجال لذلك كجزء حقيقي من سرديتنا من دون أن يسحقنا وقعه؟ للألم والإحباط الناتج عنه، لقطع الطريق على مخيلتنا...

لم أشعر بأنني كويرية يومًا بالقدر الذي أشعره الآن، وغالبًا بالمعنى الحرفي لذلك أيضًا "الوجود خارج المكان".

كوثر
غالبًا ما أستشهد بمقولة لخوسيه استيبان مونيوز، "الحالة الكويرية توقٌ يدفعنا إلى التقدّم" (2009، ص. 1).

تخيّل مستقبل تحرّري وأنماط جديدة للوجود يسبقه الإقرار بأن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر.

"أريد المزيد"، لازمة غالبًا ما أردّدها بيني وبين نفسي. ما يتضمنه هذا "المزيد" الذي أريده قد يستحيل عليّ تخيله حتى. فقد ناضلت لسنوات من أجل تخيّل مستقبل كويري: مستقبل ليس "سجن منزلي" (المرجع ذاته)؛ ليس "المزيد مما هو متوفّر في الحاضر".

قد لا تتوفّر لدينا رؤية واضحة بشأن ماهية وشكل المساحة السودانية الكويرية، فما بالكم بإطار عمل خاص بكيفية تحقيق ذلك.

وهذا ما يدفعني إلى النظر إلى هذا "المزيد" كمحرّك ذهني؛ تذكير بضرورة "الكشف عما هو في الداخل"

 

ما بعد حياة الكويرين/الكويريات

 

ملحوظات: 
المراجع: 

Ahmed, Sara. (2018). “Queer Use.” feministkilljoys. 8 November. Available at: https://feministkilljoys.com/2018/11/08/queer-use/

Muñoz, José Esteban. (2009). Cruising Utopia: The Then and There of Queer Futurity. NYU Press.

Siddiqi, Ayesha A. (2015). “every border implies the violence of its maintenance” [Tweet]. Twitter. 2 September. Available at: https://twitter.com/ayeshaasiddiqi/status/639054385797038080?lang=en