إنكشاف الكويرية وخفائها في "العلكة الحمراء" (٢٠٠٠) لأحمد زعتري

السيرة: 

د. إيليا إلييف (هم) أساتذة مساعدون في دراسات المرأة والجندر والجنسانية في جامعة ثورنيلو في لورنتيان (كندا)، الواقعة في الأراضي المتعارف عليها لأتيكامشينج أنيشناوبك. حصلوا إلييف على درجة الدكتوراه من معهد الدراسات الجندرية والنسوية في جامعة أوتاوا، حيث حصلوا على زمالة الدكتوراه من مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية والإنسانية. إلييف حاصلون أيضًا على درجة الماجستير في الوسائط النقدية وعبر الثقافات والوسائط الإلكترونية من المدرسة العليا للفنون والتصميم، جنيف، وإجازة في الفنون الجميلة (مع مرتبة الشرف) من جامعة أوتاوا. تشمل اهتماماتهم التعليمية والبحثية ما يلي: الفن المعاصر العالمي، نظرية الكويريين/ات ذوي/ات البشرة الملونة، نقد الكويريين/ات ذوي/ات البشرة الملونة، نظرية العرق النقدي، دراسات الذكورة، نظريات ما بعد الاستعمار ونزع الاستعمار، ودراسات الجندر والجنسانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب إفريقيا.

‫ ‫الملخص: 

إن استخدامي للكويرية في هذه المقالة هو كمجموعة من الأفعال، والهويات، والتعبيرات، والرغبات، والميول، والمشاعر التي لا تنسجم مع الغيرية النمطية في طرق خيالية متبدّلة باستمرار. في تحليلي لـ"العلكة الحمراء"، لا ينحصر الهدف في تحديد الموضوع الكويري "الحقيقي"، والذي قد يقع في نهاية المطاف في إطار استعماري وتحرري، بل بتحديد طرق غير هرمية وغير طبيعية في التفكير والتنظيم حول الجنسانية والجنس.

الكلمات المفتاحية: 
الكويريّة
أفعال كويرية
أكرم زعتري
العلكة الحمراء
لبنان
الدناءة
تردد
المصباح اليدوي
الحميمية
Sexuality
فن الفيديو
اقتباس: 
إيليا إلييف. "إنكشاف الكويرية وخفائها في "العلكة الحمراء" (٢٠٠٠) لأحمد زعتري ". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 6 عدد 3 (18 ديسمبر 2020): ص. 440-454. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 19 أبريل 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/274.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (718.21 كيلوبايت)
ترجمة: 

صحافي وكاتب مهتم بالصحة النفسيّة، الحركات الإجتماعية، والسياسة الكويرية. يتابع الماجيستير في الإعلام في الجامعة اللبنانيّ. متأثر بفوكو وسوزان سونتاغ.

theob1.jpg

 صديقتي م بصحبة الحبّ الذي تستحق قرب البركة

ثيو لوك

في لبنان، تمنع الدولة أي تصوير للمثلية الجنسية في وسائل الإعلام المرئية من الوصول إلى الجمهور العام. تخضع الرقابة على الأعمال الأدبية والفنّية لجهاز الأمن العام – وهو مكتب مكلّف بمراقبة وتقييم الأعمال، وتصنيف الأعمال المتداولة واختيار أيّ منها سيصل للجمهور العام، والردّ على أي طلب للحصول على تصاريح التصوير والعرض (صاغية وآخرون ٢٠١٠). وفقًا للأمن العام، فإن الأعمال الفنّية والأفلام والمسرحيات والمنشورات التي تدور حول مواضيع محظورة، كالدين والسياسة والجنس، تخضع للرقابة لأنّه يمكن اعتبارها "غير ملائمة" لمصلحة البلاد، أو قد تؤدي إلى إحداث "النعرات" و"السلوك غير المنضبط" و"إثارة بعض الحساسيات" (صاغية وآخرون ٢٠١٠). يجتهد الأمن العام في ممارسته للرقابة وفي تقييمه للأعمال التي يتمّ قبولها أو رفضها للعرض أمام الرأي العام. كما ذكر صاغية وآخرون، فإن المعايير التي يستخدمها الأمن العام في الرقابة "واسعة لدرجة أن أيّ شيء يمكن اعتباره خاضعًا للرقابة" (صاغية وآخرون ٢٠١٠، ٨٠). للالتفاف على النظم والقوانين الصارمة حول الرقابة، يميل الفنّانون/الفنّانات المعاصرون/ات والمخرجون/ات من العالم العربي والشرق الأوسط إلى استخدام استراتيجيات مثل "الأجهزة الميلودرامية" و"الترميز" و"النص الفرعي" (حسن ٢٠١٠، ١٩)، بالإضافة إلى "الاستعارات المرئية"، "الشعرية ومحو الذات" (فيتز باتريك ٢٠١٥، ١٨٤) لمعالجة الموضوعات المحظورة كالجنس والجنسانية دون لفت نظر الأجهزة الرقابية للدولة.

أكرم زعتري (مواليد 1966 في صيدا بلبنان) هو فنّان يتناول مواضيع محظورة في أعماله الفنّية مع التفافة ذكية حول الرقابة. رغم أن شهرة زعتري تكمن في طرحه للمواضيع المتعلّقة بالحرب والذاكرة والنزوح، إلا أنّه طوّر أيضًا مجموعة من الأعمال الفنّية التي تنقل رسائل وروايات خفيّة لكنها قوية حول النشاط الجنسي الذكوري والعلاقة الحميمة مع الجنس نفسه، فضلًا عن الآثار القمعية العنيفة للأبوية والغيرية النمطية.1 في هذا المقال، أحلل "العلكة الحمراء" للفنّان أكرم زعتري (2000) – وهي سنابشات لا ينصاع للغيرية النمطية والذي يروي قصة حبّ حسّية بين ثلاثة شبّان في أحد الأزقّة المظلمة في بيروت في بداية الحرب الأهلية اللبنانية. يهدف هذا المقال إلى اكتشاف الاستراتيجيات المرئية التي يستخدمها زعتري لتصوير ومناقشة الطرق المختلفة التي يتفاوض بها أبطال الفيلم حول حياتهم الجنسية في بيروت، حيث لا تزال العدائية تجاه المثلية2 الجنسية منتشرة على نطاق واسع. تتضمن هذه الاستراتيجيات كما هو مذكور لاحقًا: الاستخدام الشامل للون الأحمر، ولحظتان متميّزتان حيث يتجمّد الفيديو، ولحظات التردد بين الشخصيات، وأخيرًا، التشوّهات البصرية.

من المهمّ مراجعة مفهوم "الكوير" لفهم استخدام المصطلح بشكل أفضل. يمكن لمفهوم "الكوير" أن يشير إلى معنى3 أكثر تعقيدًا من كونه مظلّة موحدة اجتماعية وسياسية لأفراد مجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والعابرات والعابرين (LGBT). كما لاحظ المنظّر الكويري لي إيدلمان، "لا يمكن للكويرية أن تحدد الهوية، لا بل يمكن أن تجعلها مضطربة" (2004، 17). بهذا المعنى، يمكن "اعتبار "كوير" اسم، ويمكن أيضًا أن تستخدم كصفة (على سبيل المثال "كوير X"( أو كفعل (على سبيل المثال، أن يصبح كوير X) أو حال (على سبيل المثال، "x-ing" كويريًا)" (هاربر وآخرون ١٩٩٠، ٣٠). كما لاحظت آن ماري جاغوزي، فإنه "مفهوم دائم التبدّل غير آبه بشكله المستقبلي" ويحافظ على "طابع استراتيجي علائقي" (2009، 158). أو كما أشار دونالد هول، يجب فهم نظرية الكوير بصيغة الجمع: "لا توجد "النظرية الكويرية" في صيغة المفرد، فقط العديد من الأصوات المختلفة وأحيانًا وجهات النظر المتداخلة، وأحيانًا المتباينة التي يمكن تسميتها بشكل فضفاض "النظريات الكويرية"" (2003، 5). إن استخدامي للكويرية في هذه المقالة هو كمجموعة من الأفعال، والهويات، والتعبيرات، والرغبات، والميول، والمشاعر التي لا تنسجم مع الغيرية النمطية في طرق خيالية متبدّلة باستمرار. في تحليلي لـ"العلكة الحمراء"، لا ينحصر الهدف في تحديد الموضوع الكويري "الحقيقي"، والذي قد يقع في نهاية المطاف في إطار استعماري وتحرري، بل بتحديد طرق غير هرمية وغير طبيعية في التفكير والتنظيم حول الجنسانية والجنس.

 

 العلكة الحمراء (2000)

العلكة الحمراء (2000) هو فيديو مدّته عشر دقائق، يُروى كرسالة حبّ، ويتحدّث عن قصة انفصال شابّين عاشقين في بداية معارك الحرب الأهلية اللبنانية. يتحدّث الراوي في الفيديو، بالعربية مع ترجمة إلى الإنجليزية، كيف انتهى به المطاف مع حبيبته بمفردهما في أحد الأزقة المظلمة قبل خمسة عشر عامًا في شارع الحمرا، التي كانت مركزًا تجاريًا مزدهرًا في بيروت. هناك، ترصّد الحبيبان وتبعا بائعًا شابًا متجولًا وهو يمضغ قطع من العلكة دون توقّف. يبدأ الحبيبان خلال الفيديو في تطوير اهتمام خاص بهذا البائع. يتكوّن الفيديو بمعظمه من مشاهد تمّ تصويرها في الاستوديو، بينما تتداخل مع ما يبدو أنه لقطات فيديو مصوّرة التقطها حبيب الراوي.

في المشهد الافتتاحي للفيديو، نرى شابًا أشعث يجلس على الرصيف في أحد الأزقّة المظلمة. ينظر الشاب مباشرة إلى الكاميرا، بصمت ودون أي تعبير، وهو يمضغ قطعة من العلكة. ينتقل المشهد فجأة إلى شارع الحمرا النابض بالحياة، والمكتظ بالمارة والسيارات، مما يشير إلى أن الحرب الأهلية لم تبدأ بعد. فجأة، يُسمع صوت صفارة الإنذار من مسافة بعيدة، مخترقًا الهواء، للإشارة إلى احتمال وقوع هجوم. كما أوضح الراوي، فقد هرب هو وحبيبه، تحت طلقات الرصاص إلى زقاق مظلم حيث التقوا بائعًا متجوّلًا شابًا يجلس على جانب الرصيف وكأن كل شيء من حوله قد توقّف في الزمن. يلاحظ الراوي وحبيبه أن الشاب يمارس طقوسًا فضولية. فقد شوهد يمضغ قطعًا من علكة شيكليتس – وهي علامة تجارية شهيرة للعلكة مغطاة بالحلوى تشتهر بعلبتها الصفراء. يمضغ الشاب قطعًا من العلكة البيضاء، واحدة تلو الأخرى؛ يمصّها ويبتلع كل العصارة السكرية، ثم يبصقها بلا أي نكهة أو شكل. يكرر الشاب جملة: "لم يتبق سكر فيها" وهو يبصق علكة تلو الأخرى (الدقيقة 00:55، 02:47، 03:46). من بين كومة العلك البيضاء، لفتت نظر حبيب الراوي علكة واحدة حمراء ممضوغة. ينظر البائع بصمت إلى الرجلَين ملاحظًا وجودهما بصمت. يلتقط حبيب الراوي العلكة الحمراء بإصبعه الأوسط بمجرد تشتت نظر الشاب، ويتحدّى شريكه أن يمضغ العلكة.

يشارك كلا الرجلين العلكة الحمراء: يفتح أحدهم فمه ببطء ويبدأ في امتصاص العلكة بإصبعه الأوسط، مما يترك بقعة حمراء على لسانه. يمكن أن يُنظر إلى مثل هذا الفعل على أنه يحتوي على إيحاء جنسي نظرًا لمدلولاته الجنسية التي ربما تهدف إلى إثارة الشريكين. يُشار إلى هذا المشهد مرارًا وتكرارًا من قبل الراوي حيث يكرره لفظيًا في الفيديو، ويكشف عن معلومات جديدة مع كل تكرار. كلّ ذلك بالتزامن مع أغنية "تملّي معاك" (٢٠٠٠) الشهيرة للفنان المصري عمرو دياب. تدور الأحداث الأصلية للأغنية حول حبّ شريكين مغايرين وعلاقتهما المتينة التي لا تنفصل. نرى حبيب الراوي وهو يدندن المقطع الرئيسي من الأغنية في الفيديو:

تملّي معاك
ولو حتى بعيد عنّي في قلبي هواك
تملّي معاك
تملّي في بالي وفي قلبي ولا بنساك
تملّي واحشني لو حتى بكون ويّاك تملّي واحشني لو حتى بكون ويّاك
(الدقيقة 01:08 – 01:25).

يتردد هذا المقطع لأربع مرات في أجزاء مختلفة من الفيديو. المرّة الأولى في بداية الفيديو عندما يلتقي الراوي وحبيبه بالبائع لأول مرة. بعد ذلك، يمرّ المقطع عندما يكون الشبّان الثلاثة في الزقاق مختبئين من الرصاص الطائش. وأخيرًا، يمرّ المقطع مرتين في نهاية الفيديو عندما يبدو لنا أن الراوي قد انفصل عن حبيبه. قرب النهاية، لا يزال الراوي غير متأكّد من سبب استمتاع حبيبه بمضغ العلكة الحمراء. ومع ذلك، فهو يعترف بأنه يجد المتعة في مشاهدة شريكه يمارس الإثارة أمام البائع. يختتم الفيديو بطريقة غير واعدة: فقد انفصل الراوي وحبيبه، ربما بسبب خطوط التماس الطائفية المنتشرة في المدينة. يستحضر الراوي انتقاله للعيش في الأشرفية من الحمرا دون ذكر أي تفاصيل، وهي منطقة بأغلبية مسيحية في شرق بيروت، بينما بقي حبيبه في الحمرا، وهي منطقة مسلمة في بيروت الغربية (الدقيقة 9:00). يشير الراوي إلى أن انفصالهما أدى إلى عدم اللقاء مجددًا وفقدان الاتصال نهائيًا.

يخبرنا الراوي في الفيديو أن حبيبه قام بتصوير بعض الفيديوهات من فترة المساء بما في ذلك لقاءهم مع البائع الشاب. في الاستوديو (أو مساحة حبيبه)، يُعرض مقطع فيديو لشارع مهجور على الحائط، حيث يتذكّر الراوي الليلة الحافلة بالأحداث من خلال لقطات فيديو تركها حبيبه. تلاشت الصور الموجودة على أشرطة في اتش اس (VHS) البالغة من العمر خمسة عشر عامًا مع مرور الوقت، تاركة الراوي يعتمد على ذكرياته حواسه والروائح. وهكذا تظل ّالأحداث الغامضة في وعي الراوي وتتجلى من خلال تردد نغمة "تملّي معاك"، أصوات طلقات نارية ورائحة دخان السيارات وشعور لمس اليدين (الدقيقة 9:18 – 9:32). ويختتم الفيديو بخطاب حماسي للراوي تجاه حبيبه السابق المفقود: "إن البائع الشاب يرسل لك تحياته، أرجو أن تتذكره؟" (الدقيقة 10:07).

 

 الحمرا – بين الماضي والحاضر

إنّ فيديو "العلكة الحمراء" كان مساهمة زعتري في مشروع شارع الحمرا (2000) في بيروت، وهي مبادرة فنّية برعاية كريستين طعمه. انعكس المشروع على كلّ من الصورة التاريخية والحالية للحمرا، الشارع الأكثر ازدحامًا وشهرة في بيروت. في اللغة العربية، تعني كلمة hamra "أحمر". بينما يربط البعض اسم الشارع باللون البنّي الأحمر للتربة في مزارع حي رأس بيروت، اقترح آخرون تسميته بسبب النوافذ الحمراء للبيت الأحمر – إحدى آخر الفيلات التقليدية التي ما زالت موجودة في بيروت (مرابت 204، الشما 2016). قبل الحرب الأهلية اللبنانية، كان شارع الحمرا المركز الثقافي لبيروت. خلال الحرب الأهلية، أصبحت منطقة الحمرا مكانًا معروفًا للقاء السري بين الرجال الكويريين في الشوارع الضيقة أو في المقاهي بالقرب من مبنى المر المعروف بالHorseshoe Building (مرابت ٢٠١٤، ٨٤).

في الفيديو، يُعدّ اللون الأحمر مهمًا لسرد القصص المرئية لأنه يسمح للفنّان بنقل بعض الحالة المزاجية وإثارة ردود فعل وعواطف معيّنة بطرق غير لفظية، تجذب انتباه الجمهور. لا يقتصر الأمر على اللون المشار إليه في العنوان فحسب، بل يتمّ تضخيمه وتكراره أيضًا طوال الفيديو من حيث التأثيرات والإضاءة. في المشهد الافتتاحي، يمكننا رؤية صورة حمراء غير واضحة لما يبدو أنه محيط الحمرا. عندما تتحرك الكاميرا إلى اليسار، تتحرك الصورة الأولى مع الإطار، لتكشف عن شارع واضح وملون. يساعدنا إطار الفيديو على فهم أن الصورة الأولى كانت انعكاسًا في جسم كروي أحمر لامع. تقوم الكاميرا بالرجوع وتظهر السيارات والمشاة. في الواقع، يزعزع زعتري إدراكنا من خلال إقناعنا بأن الانعكاس في الشيء الأحمر هو الصورة الكاملة، قبل الكشف عن أن تلك الصورة هي مجرد انعكاس داخل العالم "الحقيقي" الأكبر. تتكرر هذه الكرة الحمراء في جميع أنحاء الفيديو وتُستخدم في كل مرة يتذكر فيها الراوي ماضيه، وبالتالي استخدام الكرة الحمراء للتعبير عن فترة زمنية أخرى. في هذا السياق، هذه الفترة الزمنية الأخرى ليست بالضرورة الماضي، بل بين الماضي والحاضر. يقوم الراوي بإعادة تكوين ذكريات عمرها خمسة عشر عامًا في الوقت الحاضر، وربما الآن يتجول جسديًا في هذه الأماكن التي عاش فيها تجاربه، والتي كان من الصعب عليه الوصول إليها بسبب انتمائه الطائفي. تشمل هذه إحدى اللحظات التي يطمس فيها زعتري فهمنا للوقت.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التشويه البصري الذي يفرضه الانعكاس في الكرة الحمراء يلمّح إلى تصوّر الراوي للمساحة المادية التي كان يعرفها ذات مرة. خلال خمسة عشر عامًا من الحرب الأهلية وبعدها، تم تدمير شارع الحمرا وإعادة بنائه وترميمه. قد يكون هذا التشويه الفعلي هو ما يمثّله التشويه البصري للانعكاس في الكرة الحمراء. يحاول الراوي أن يصف الحمرا التي يعرفها. أن يشارك كيف كانت مختلفة عما هي الآن، من خلال الانقسام بين الكرة الحمراء والصورة الواضحة لشارع الحمرا الحديث. يبدو أنه لا يزال يبحث عن تلك المساحة التي جلبت له المتعة. هنا، يبدو أن الاستخدام الطاغي للون الأحمر يمثّل فترتين مختلفتين من الزمن (وإلى حد ما يُستخدَم لإظهار الأبطال الذين يعيشون في عالمين متوازيين). إن استخدام هذه الطريقة هدفه للتمييز بين الخيوط المختلفة والمتفاوتة للقصة. على سبيل المثال، تتكوّن ذكريات الماضي المتكررة للراوي بشكل غير متسلسل زمنيًا، وبالتالي فإنها تخلق روايات متعددة لم يتمّ حلّها. طوال الفيديو، تداخلت ما أسمّيه بالـ"المشاهد الداكنة" مع المشاهد باللون الأحمر عن طريق تصوير انعكاس جسم الكرة المعدنية الأحمر. يبدو أن المشاهد الداكنة تمثّل فترة ما بعد الحرب الحالية، في حين أن المشهد الملون باللون الأحمر يوحي بذكريات الماضي.

ننغمس كمشاهدين/ات في العالم البديل للشبّان الثلاثة. وهكذا، فإن اللون مجازيًا وحرفيًا يلطّخ نظرة الراوي وتجربته للمدينة. تخلق رؤية الراوي جوًا من السوداوية (كما يظهر في الانعكاس غير الواضح للكرة الحمراء)، والتي يمكن القول إنها ناجمة عن انفصاله عن حبيبه. هل مات حبيبه نتيجة الحرب الأهلية؟ كيف فقدوا الاتصال؟ هل عاش الحبيب حياة مزدوجة؟ هل تزوّج؟ كيف كانت علاقتهما ببعضهما؟ هل كانت علاقة عاطفية كويرية أم علاقة غرامية أم مجرد صداقة؟ هنا، يمكن اعتبار أن فيديو "العلكة الحمراء" يحدث في "زمن كويري" حيث يتواجد الأبطال (غير المسنجمين مع الغيرية النمطية) خارج "الأطر الزمنية للتكاثر البرجوازي والأسرة، وطول العمر، المخاطر/السلامة والميراث" (هالبيريستام ٢٠٠٥، ٦).

يدعونا الزعتري في الفيديو للتفاعل مع هذه القصة من منظور الراوي. ولهذه الغاية، يستخدم طريقة معيّنة تضفي جوًا من المسرحية: تحويل سرد الراوي اللفظي للأحداث الماضية وتصويرها وتمثيلها في استوديو. ويشمل ذلك حواره مع حبيبه، والذي تمّ تصويره على خلفية عرض فيديو لشارع الحمرا. بالإضافة إلى ذلك، أُعيد انتاج الحوار وتنفيذه بالإستعانة بممثلين. يتّحد كل عنصر من هذه العناصر لتشكيل بناء للوقت والذاكرة بطريقة مسرحية – يبدو الأمر كما لو أنه بدلًا من تصوير قصة حبّ حنين إلى الماضي، يقوم زعتري بتصوير عملية إعادة بنائها. يؤدّي هذا النهج في الوقت نفسه إلى إزاحة مكانتنا النموذجية كجمهور، ويجذبنا إلى فضاء أكثر حميمية؛ داخل عقل الراوي، وهو حزين، ويحاول جاهدًا لكي يتذكر – مما يؤدي إلى تفكك الوقت، وبالتالي تكرار أجزاء من السرد، مع إضافة المزيد من التفاصيل في كلّ مرة. في هذا الفضاء، ليس هناك تميّزًا وفقًا للخلفيات الاجتماعية، ما يؤدي إلى لحظات غير مريحة حيث ينظر الممثلون مباشرة إلى الكاميرا، وحيث يتحدّث الراوي عن لحظات مشتركة غير نمطية بين الرجال. يمكن وصف مثل هذا الفضاء على أنه في وقت "كويري"؛ حيث تتلاشى الأعراف الاجتماعية، وتتم دعوتنا لتبنّي ومقاربة نظرة الراوي مع نظراتنا.

 

الأفعال الكويرية: الجنس الفموي وتبادل الأموال

يقدّم زعتري في "العلكة الحمراء" مشهدين منفصلين يمكن قراءتهما على أنهما مشاهد كويرية. الأول هو عندما يلتقط الحبيب علكة حمراء وسط القطع البيضاء الأخرى من العلبة ويدخلها ببطء في فمه بإصبعه، مما قد يشير إلى فعل جنسي فموي. بمجرد أن تلمس العلكة الجزء الخلفي من لسانه، يتجمد الفيديو للحظة قصيرة. بالإضافة إلى ذلك، عندما يسحب حبيب الراوي لسانه بعد وضع العلكة عليه، يتم تشويش الفيديو قليلًا، ويتحوّل تسلسله إلى حركة بطيئة. أما المشهد الثاني هو عندما يسأل الراوي حبيبه إذا كان يحمل المال، فيجيبه: "نعم" (الدقيقة 7:06). نرى الراوي يسلّم أوراقاً نقدية بالدولار إلى حبيبه ليعطيها للبائع الشاب، كما كان الحبيب قد استفسر في وقت سابق عن "تكلفة الصندوق بأكمله" (الدقيقة 5:04). في كلتا اللحظتين الصامتتين، تترافق الصور المقدّمة مع الموسيقى الإفتتاحية لأغنية عمرو دياب، بحيث تعود الصور إلى التحرّك بعد جزء من الثانية من بدء الأغنية. إن استخدام الحركة البطيئة ولقطات الفيديو هي تأثيرات تلعب دورًا مؤقتًا لمقاطعة روايتنا التقليدية (شونوفر وغولت 2016). تزعزع هذه اللحظات تدفّق الوقت كما يختبره الجمهور.

علاوة على ذلك، تشير هذه التقنيات إلى تمدّد الوقت خصوصًا في لحظات الإثارة والعواطف المتزايدة – وهو ما يشير إليه مرور الأغنية في الوقت عينه لتصبح هي أيضًا تقنية بحد ذاتها. يؤدّي تباطؤ وتجميد الفيديو أيضًا إلى تحويل الأفعال المبتذلة المتمثّلة في لعق إصبع الشخص وتبادل الأموال إلى أعمال جنسية حسية بين الرجال الثلاثة، والذي يخلق لنا مساحة للتساؤل: هل لمست أيادي الشباب بعضها لفترة طويلة؟ كيف يساهم هذا التباطؤ في إضفاء طابع حسّي على فعل اللعق؟ باختصار، فإن استخدام زعتري لهذه الأساليب والتكتيكات المرئية يؤكد على الإثارة الجنسية والرغبات التي عادة ما تمرّ دون أن يلاحظها أحد.

 

التردّد

يمكن أيضًا قراءة اللقطات البطيئة والمجمّدة في الفيديو على أنها تردّد، والتي تزعزع أيضًا مفاهيم الوقت المتسلسل. نرى تردّدًا في كل مكان في السرد، بدءًا من لهجة الراوي. المثال الأول هو بين الممثلين الذين يلعبون دور الراوي وحبيبه، حيث يناقشون إذا كان ينبغي "الغناء له [البائع]" (الدقيقة 1:28 – 1:31). تأتي اللحظة التالية التي ستصعّد الموقف، وهي عندما يتحدّى الحبيب شريكه على مضغ العلكة أولًا، ويرفض، ويتجرّأ الراوي على المضغ أولًا بدلًا من ذلك، ويسأل: "ألم يتبقّى سكّر فيها؟" (الدقيقة 2:46). تقترب اللحظة الأخيرة من التردّد، عندما يفكر الشابّان في شراء صندوق العلكة من البائع، فيترددان في شرائه وفي مَن سيقوم بهذه المهمة (الدقيقة 5:04).

على مستوى آخر، يثير زعتري التردّد في نظر المشاهد من خلال استخدام اللحظات المجمّدة التي سبق أن ناقشناها. تساهم هذه الزعزعة لمفهوم الوقت وتشرذمه، وكذلك الوضع المسرحي، في التشكيك في فهمنا لقصّة الحبّ. علاوة على ذلك، يثير زعتري التردّد بتصويره صورًا دنيئة لقطع العلكة الممضوغة. يمكن لهذه الصور أن تنفّرنا وتدهشنا في آن معًا؛ قد نرغب في النظر بعيدًا، وأيضًا رؤية المزيد. في كتاب "قوى الرعب"، تستكشف المحللة النفسية الفرنسية جوليا كريستيفا مفهوم الدناءة. تشير الكاتبة إلى أمثلة واضحة عن ما هو "دنيئ" كالجثة والقيء والبراز والدم لتظهر كيف أن وجودهم يخلق شعورًا بالاشمئزاز. في محاولتها لفهم نفور المرء ودهشته عند التفكير في سوائل الجسم، تلاحظ كريستيفا، "أن لا علاقة للنظافة والصحة بهذا الشعور "بالدناءة" بل ما هو يزعزع الهوية والنظام السائدين" (1982، 4). بهذا المعنى، فإن اللحظات التي يتشارك فيها أبطال الرواية السوائل الجسدية لا تؤدي فقط إلى تعطيل وتهديد الهياكل الأبوية، بل إنها تتعدى ذلك إلى التأثير على إحساسنا بالنظافة.

يعمل التردّد داخل الفيديو على إنتاج نوع من التدفّق البطيء والمتقطع للسرد. من منظور سارة أحمد، فإن مثل هذا الفيلم له "توجه كويري" (2006) بسبب عدم انسجامه مع المعيارية السائدة. يناقش كل من توماس وغ وجيسون جاريسون، أن الحبكات الكويرية غالبًا ما تميل نحو سرديات مفتوحة، تتعلق بالخسارة، والإنتقال من مكان الى آخر، على عكس النهايات الإعتيادية (2010، 89). إن التوجه الكويري للعلكة الحمراء هو ما يجعلها تنحرف عن السرد التقليدي. في الواقع، يمكن للمرء أن يقترح تجارب زعتري مع سرد دائري – وهو ما يشير إليه الراوي ويعيد ذكره باستمرار في ذكرياته الماضية. يتسبب هذا في إرباك المشاهد، الذي يتنقل بين الأوقات الزمنية المختلفة للحبكة (قبل الحرب الأهلية وبعدها) والمساحات (الزقاق الخارجي والاستوديو).

 

شخصية "فتى الظل"

إن الشخصية الأساسية في الفيديو هي البائع، الذي أشار إليه الراوي بـ "فتى الظل" (الدقيقة 8:15) لأنه لم يسبق لنا أن رأيناه بالكامل؛ رأينا فقط أجزاءً صغيرة من وجهه وجسده. يظهر الفتى وكأنّه يتجنّب باستمرار النظر إلينا، كي لا نتمكّن من معرفته. بالإضافة إلى ذلك، لدينا معلومات محدودة عن سيرته الذاتية. إنّه غير مرئي. لا نعرفه. بل نعرف عن وجوده. هل هو بائع لبناني محلّي؟ هل هو عامل مهاجر دون وثيقة ثبوتية من فئات مستبعدة؟ يمكننا أن نقترح إذا أن زعتري يسعى للتأكيد على محو العمّال والمهاجرين واللاجئين المستضعفين الذين يعملون بشكل غير مستقرّ في لبنان، من خلال جعل شخصية البائع غير مرئية. يظهر البائع الشاب لأوّل مرة في بداية الفيديو كشخصية غامضة، يقف ويتسكع في زاوية شارع غير واضح المعالم. لقد شوهد يتصرف بغرابة: فهو يمضغ كل قطعة من العلكة بقهر. يدمّر البائع وسائل ربحه، باستهلاكه لكلّ علبة العلكة، وهو ما يبدو غير منطقيٍّ. ربما يريد أن يتذوّق بمفرده في وقت الحرب هذا، كل حبّة سكر في العلكة؛ أن يستمتع بشيء ما قبل ساعته الأخيرة. هكذا، بنى زعتري مساحة لا يكون فيها الفعل الكويري ممكنًا فحسب، بل معقولًا.

يتناول المخرج الإيراني عباس كياروستامي أيضًا تجربة مماثلة لمتعة بسيطة في طعم الكرز (1997) يروي الفيلم قصة السيد بدي، وهو رجل إيراني ثري في منتصف العمر، الذي يقود سيارته في ضواحي طهران باحثًا عن رجل يوافق على دفن جثته بعد وفاته منتحرًا مقابل أجر مالي. طوال الفيلم، لا نفهم تمامًا سبب رغبة بدي في إنهاء حياته. في الواقع، يقدّم كياروستامي القليل من المعلومات حول الحياة الشخصية للبطل وخلفيته. هذا وقد رفض كل من توجّه إليهم بدي طلبه. ومع ذلك، التقى بدي أخيرًا بحانوتي تركي يدعى السيد باغي، الذي وافق على مساعدته. خلال رحلتهما بالسيارة، كشف باغي أنه كان يفكر أيضًا بالانتحار عبر شنق نفسه من شجرة كرز. بعد لحظات من محاولة الانتحار الفاشلة بعدما انكسر غصن الشجرة، شعر باغي بجلد الكرز الناعم وهو يفرك يديه قبل أن يأكل كرزة واحدة. إن طعم "الكرز الحلو اللذيذ"، كما أوضح باغي، منعه من الموت. ذكّرته الفاكهة الحلوة بملذّات الحياة البسيطة، وهو شيء لا يمكنه التخلّي عنه. قبيل نهاية الفيلم، حاول باغي إقناع بدي بسؤاله: "هل تريد التخلّي عن طعم الكرز؟" هذه الجملة هي مفتاح السرد الأساسي للفيلم. لا بد أن كياروستامي يشير إلى أن الحياة تستحق العيش بسبب ملذاتها البسيطة رغم انعدام الأمل في ظل الأنظمة القمعية.

لا بد أن القاسم المشترك في مقطعي الفيديو هو تصوير أبطال الفيلم على أنهم أشخاص عاديون. بحيث أن المخرجين تعمّدا طمس الحياة الشخصية وخلفية الشخصيات، في حين أننا نرى هذه الشخصيات تتعذب في تجاربها ومشاكلها. ربما يسمح ذلك للمشاهدين بقراءةٍ أكثر تعقيدًا وخياليّة للشخصيات الرئيسية. من الناحية المرئية، تتشابه الأعمال من تصويرها في مساحات داخلية بمعظمها (في سيارة ذات نوافذ مفتوحة تطلّ على المناظر الطبيعية وفي زقاق مستنسخ أعيد إنشاؤه في استوديو). فمحيط كلا المساحتين غير واضح.

ومن المثير للاهتمام أنّ كلا الفيلمين يستخدمان نوعًا من اللغة الغامضة التي يمكن قراءتها كتعابير يستخدمها المثلييون للغزل بين بعضهم البعض (سيمنت وغودي 1997). مثلًا، يقترب بدي من الشباب للحصول على المساعدة ويسالهم: "إذا كانت لديكم مشاكل مالية، يمكنني المساعدة"؛ في فيديو الزعتري، طلب حبيب الراوي من البائع الشاب المال. ما قد يوحي به هذا هو أن الأبطال هم أفراد مهمشون، يتفاوضون في مواضيع غامضة تتجاوز الحدود الصارمة للمدينة والمجتمع. كما تهدف الأفلام عمدًا إلى إخفاء الأسماء والوجوه والدوافع عن المشاهد. في الكثير من الأحيان، يمكننا سماع أصوات خارج الشاشة؛ لم تكشف الكاميرا أبدًا عن الممثل الذي يلعب الدور. مقارنةً بفيلم كياروستامي "طعم الكرز"، فإن فيلم الزعتري "العلكة الحمراء" ليس فيلمًا طويلًا ولا يطمح إلى أن يكون شاعريًا وغامضًا. على سبيل المثال، يستخدم كياروستامي شيئًا شاعريًا (الكرز) للإشارة إلى ملذّات الحياة البسيطة وتقدير الطبيعة، في حين يستخدم الزعتري شيئًا بلاستيكيًا مصنّعًا رخيصًا (علكة) والتي ترتبط عادةً بالثقافة الشعبية والنزعة الاستهلاكية، بالتزامن مع نص فرعي إيروتيكي يقوله الراوي.

 

العلكة الحمراء

كانت العلكة الحمراء هي النقطة المحورية في حبكة فيلم "العلكة الحمراء". يُنظر إلى مضغ العلكة عبر اختلاف الثقافات على أنه أمر فظّ، وغير محترم، بينما يشير أيضًا إلى إيحاءات جنسية وجسدية (ريدكليفت 2004، 2). قد تبدو العلكة الحلوة الطعم بريئة في البداية. ولكن سرعان ما نفهم كيف يوحي ذلك بطابع الجنسي بين الشخصيات الرئيسية. في الفيديو، يمكن رؤية العلكة كشيء حسّي تستكشفه الشخصيات – يلمسونه ويضعونه في أفواههم ويمصّونه ويمضغونه ويتذوقونه ويبصقونه ويتشاركونه. بهذا المعنى، قد تمثّل العلكة القضيب، وربما يشير لونه الأحمر إلى الانتصاب، والذي يحمرّ طرفه عند بعض الناس. رغم اعتبار العلكة شيء دنيئ، إلى أنها ستبقى ممتعة ومدهشة للشخصيات الثلاثة. بهذا المعنى، يمكننا فهم دهشتهم بالعلكة كتكتيك كويري استخدمه زعتري؛ بحيث أنه سيطر على الاشمئزاز الذي يستخدمه النظام الأبوي الغيري لإيذاء الرجال الذين لا ينسجمون مع مفهوم الرجولة المهيمن، واستمتع بذلك. هذا تكتيك كويري كلاسيكي – بحيث تستخدم الأقليات الجنسية والعرقية هذه المصطلحات المهينة الموجّهة لها لتعريف وتمكين نفسها. وهكذا، استخدم زعتري شيئاً شائعًا، غير مهمّ، في استعارة كويرية.

عند مناقشة العلكة كشيء واستعارة في تاريخ الفن المعاصر، يمكن أن نلجأ إلى العمل الفني الشهيرS.O.S Starification Object Series (1974، 75) [سلسلة تصنيف الأشياء] للفنّانة النسوية الأميركية هانا ويلك. يتكوّن العمل من سلسلة من الصور بالأبيض والأسود لويلك وهي تقف نصف عارية على خلفية محايدة، مع استخدام لبعض الأكسسوارات كالنظارات الشمسية والعمامات وربطات العنق. تستخدم الفنّانة السخرية للمسّ بالتمثيلات التقليدية "للأنوثة" من خلال تقليد موقف العارضات من مجلات وإعلانات الأزياء الراقية. في كلّ صورة، تضع الفنّانة قطعة صغيرة من العلكة الوردية على جسدها نصف العاري، وقد قامت بترتيبها لتشبه الأعضاء التناسلية الأنثوية (الفرج). قد تذكّرنا هذه الأشكال البصرية بالوشم المرقّم الذي وضع على أجساد ضحايا الهولوكوست (والذي من شأنه أن يفسر "النجمة" في عنوان العمل Starification [تصنيف])، بينما تشير أيضًا إلى الطقوس غير الغربية للخدش على الجثث كطقوس مرور (فروييه وكوهيزر 1989؛ واكس 1999؛ ويلك وآخرون 2006). بالنسبة لويلك، تحمل العلكة رسالة سياسية. فقد كتبت: "اخترت العلكة لأنها الاستعارة المثالية للمرأة الأميركية [...]. امضغها، واحصل على ما تريد منها، ثم ابصقها وابدأ بقطعة جديدة [...]" (مذكورة في بيرمان ١٩٨٠، ٧٧). ومع ذلك، تسعى ويلك إلى تحدّي النظرة الذكورية عن طريق تحويل الأشكال الشبيهة بالمهبل على جسد أنثوي مرغوب فيه إلى أشكال بغيضة. يبدو أن العلكة دائمًا ما تشير إلى الإثارة، بينما في عمل الزعتري، تصبح العلكة عنصرًا مركزيًا مرغوبًا وجذابًا يمكن أعتباره قضيبًا.

لا يزال البعض يجدون الحميمة غير المنسجمة مع الغيرية النمطية مثيرة للإشمئزاز. كما اكتشف علماء النفس تود ج.موريسون وآخرون، قد يشعر البعض بالاشمئزاز من "الممارسات الجنسية لأنها تمس بالمحظورات والأخلاق (مثلًا، الجماع الشرجي بين رجلين مخالف للشريعة) والاشمئزاز الجنسي الذي يحدث دون تدخل الأخلاق والمحظورات (كالجماع الشرجي بين رجلين أمر مثير للاشمئزاز لأنه يتخلل البراز)" (2018، 9). في "العلكة الحمراء"، ليست الحميمية بين الشابين ما هو مثير للإشمئزاز فقط، لا بل أن مشاركتهم لقطعة العلكة وتبادل السوائل هو ما يدفع أكثر إلى الاشمئزاز. على سبيل المثال، قد تؤدي طبيعة المضغ (في هذه الحالة العلكة) إلى ردود فعل متنافرة لأنها تتكسر وتحوّل الطعام إلى مادة لزجة يتمّ هضمها وإخراجها لاحقًا من فتحة الشرج على شكل براز. بالنسبة للباحث ويليام إيان ميلر، "هناك ارتباط وثيق لا يمكن نكرانه بين الفم وفتحة الشرج [...] فهما متصلان حرفيًا، كل منهما يمثل أحد طرفي الأنبوب الذي يمرّ عبر الجسم" (1997، 95). بالنسبة لبعض الأشخاص، قد يرتبط الشرج وقربه من البراز بالتلوث والالتهابات (مثل التهاب الكبد "أ" وإشريكية قولونية).

في الفيديو، يتشارك الرجال الثلاثة العلكة؛ يتشاركون لعابهم من فم إلى فم. هنا، يمكن الإفتراض أن لعابهم يمثل السائل المنوي. كما ذكرنا سابقًا، يستخدم مصطلح "سكّر" لوصف النكهة الحلوة للعلكة. عندما تفقد العلكة مذاقها، تتخلّص الشخصيات منها ببصقها. تشبه العلكة بعد بصقها الهلام، من حيث قوامها وتركيبتها. في أحد المشاهد غير الواضحة، يخرج الحبيب لسانه ليظهر بقعة حمراء خلّفتها العلكة الحمراء. قد تشير البقعة هنا إلى حدوث فعل جنسي (أي لعق القضيب)؛ يمكن فهمها أيضًا كاستهلاك البائع جنسيًا. إنّ عدم وضوح المشهد يرمز إلى رقابة على أيّ فعل جنسي غير منسجم مع الهوية الغيرية النمطية، وأن هكذا أفعال تحدث فقط في خفايا المدينة.

يهدف زعتري إلى إثارة النفور والإنجذاب لدى الجمهور من خلال استخدامه للعاب كرمز للسائل المنوي. يمكننا فهم ذلك في سياق النظام الأبوي الغيري الذي ينظّم الجنس "المقبول" وغير المثير للاشمئزاز لأن السائل المنوي يلوّث بعدة طرق. كما أوضح ميلر، فإن السائل المنوي "لديه القدرة على تأنيث وإذلال ما يلامسه" (1997، 19). ما يفسر اشمئزاز الذكور من الرجال "المؤنَّثين". هنا، يظهر زعتري وكأنه يستمتع بالقرف كما يحدّده النظام الأبوي الذكوري. من خلال القيام بذلك، يخلق زعتري مساحة كويرية حيث يمكن لأفعال جنسية مع الجنس نفسه أن تحدث، كما وتحدى جمهوره لإعادة تعريف المفاهيم الثابتة التي تهمّش وتفرض رقابة على رغبة الرجال للرجال، والحميمية والجنس بينهم.

الصورة الأخيرة التي أقوم بتحليلها في "العلكة الحمراء" هي تلك التي يظهر فيها المصباح اليدوي. في طريق الزقاق المظلم، يستخدم أحد أبطال الرواية مصباحًا يدويًا لكشف المسار. لا يضيئ هذا المصباح على الطريق المظلم فحسب، بل أيضًا على جسم البائع. هنا يمكننا أن نقترح أن للمصباح دلالتين. الأولى هي تجسيد الموضوع وتجزئته وإضفاء الطابع الجنسي عليه، وفي هذه الحالة، البائع. يضيء المصباح فقط أجزاء من جسده، ويركّز بشكل متكرر على الفم – ربما للفت الانتباه إلى ملذات الفموية. يذكّرنا استخدام الضوء القوي للتأكيد على أجزاء من الجسم بتلك المستخدمة في فن الباروك. تُبرز لوحات كارافاجيو مثلًا جسد المسيح وجروحه بطريقة درامية ورمزية وبضوء ساطع واحد. ثانيًا، يمكن اعتبار المصباح اليدوي كأداة للسلطة التي تمثّل النظام الغيري النمطي الذي يبحث ويحقق بأي مسّ لمفهوم الذكورة المهيمنة، كما هو الحال عند مداهمة الشرطة لأماكن تجول المثليين مثل الحمامات أو دور السينما.

خلال أواخر الستينيات وحتى أوائل التسعينيات، في كندا والولايات المتحدة، كان من الممارسات الشائعة للشرطة تحديد مواقع المثليين ومداهمتها بانتظام، مثل الحانات والنوادي والحمامات. كانت الشرطة أحيانًا تضيء مصابيحها الكهربائية في أوجه وأعين الموقوفين بذريعة التحقق من استخدامهم للكحول والمخدرات (جانوڤ 2005؛ كينسمان وجنتايل 2010). يساهم تسليط الضوء في أوجه الموقوفين على تسهيل الحصول على الإعترافات وتنظيمها (غودسي 2009). في بعض الحالات، أصبح المصباح نفسه سلاحًا يستخدم لضرب الرجال والاعتداء جنسيًا عليهم في حالات أخرى (جانوڤ 2005). وقد تمّ توثيق استخدام المصابيح من قبل الأطباء ومحققي الشرطة في تركمانستان خلال "الفحوصات الشرجية" لفحص الشقوق داخل فتحة الشرج (غوسشال 2016). خلال مداهمات سينما بلازا في بيروت في 28 يوليو/تموز 2012، كان رجال الشرطة مسلّحين بالبنادق ولديهم مصابيح يدوية للتعرّف على الرجال. بينما لم يتمّ الإبلاغ عن أي اعتداء جسدي خلال هذه "الحملات القمعية"، بيد أن الشرطة كانت تعنّف المعتقلين لفظيًا (شاهين 2008). إن ما يحدث في غرف الإستجواب المغلقة بين محققي الشرطة والأطباء من جهة والرجال المتّهمين من جهة أخرى لا يتمّ توثيقه في معظم الأحيان. يتردّد العديد من هؤلاء الرجال في مناقشة تجربتهم علنًا، خوفًا من التعرّض للمضايقة والتهديد والتعرّض للهجوم من قبل الشرطة، أو ببساطة بسبب الشعور بالخجل (شاهين 2008).

في الآونة الأخيرة، نفّذت منظمة "البحث عن أرضية مشتركة" (SFGG) – وهي منظمة غير حكومية في لبنان تركّز على تحويل الصراع – وقوى الأمن الداخلي (ISF) حملات أمنية ورقابية جديدة تهدف إلى إرضاء الجمهور العام فيما يتعلق "بالتهديدات الأمنية" الأكبر التي تواجه البلاد، مثل "[...] تدفق اللاجئين، والبطالة، والتشرّد، والعمل في الجنس، والفقر، فضلًا عن المواقف الانتقائية بشأن الجندر والسلوك الجنسي [...]" (صالح وقبية 2015). أدّت الإجراءات الأمنية والرقابية للمنظمة وقوى الأمن الداخلي على السلوك الجنسي والجندري، إلى قيام السلطات بتعريف الأفعال التي تشكّل خطرًا، أو الأشخاص الذين يُعتبَرون "منحرفين"(صالح وقبية 2015). وبالتالي يمكن للسلطات أن تعتقل أي شخص يعتبر "مشكوك بأمره" أو "مشتبه به بالمثلية الجنسية" مثلًا، بذريعة أنه يمثل تهديدًا أمنيًا (شاهين 2008؛ صالح وقبية 2015). يقول الفيلسوف ميشيل فوكو (1977)، إن هذه الرقابة على المساحات العامة والخاصة هدفها فضح الممارسات الجنسية "المنحرفة" التي خرجت عن النظام النمطي السائد. وبالتالي، فإن الأشخاص والأفعال غير النمطية تواجه تدخّل الدولة باستمرار، ذلك للسيطرة عليها من خلال استراتيجيات تأديبية (فوكو 1977). تشير المنظّرة الكويرية جاسبير بوار، أنّه "ليس لنشاط الرقابة اليومي ارتباط بالخوف من الانكشاف فقط ولكن أيضًا بالرغبة في الرقابة على الآخرين والمخاوف الناتجة عن الاحتكاك بآخرين" (2017، 163 عدد 14). بعبارة أخرى، في حين أن "أنظمة الرقابة" الحديثة تشكّل موضوعات نموذجية، فإنها تفرض أيضًا على الأفراد تأديب أنفسهم مع مراقبة الآخرين (بوار 2007). في حين أن كاميرا الفيديو تعرض وجوه كل بطل وأجسادهم بشكل مفرط، فإنها تسعى باستمرار، ولكنها تفشل، في التركيز تلقائيًا، وبالتالي إنشاء صورة غير واضحة ومظلمة للأبطال.

ينتهي فيديو "العلكة الحمراء" بطريقة غامضة. على جدار الاستوديو، نرى عرض فيديو منخفض الجودة لشارع الحمرا، بينما يتحدث الراوي للمرة الأخيرة: "[...] هل تتذكره؟ يرسل لك تحياته وآمل أن تتذكره" (الدقيقة 10:04 – 10:06). تخلق هذه اللحظة المحيّرة في الفيديو سردًا مفتوحًا يثير المزيد من الأسئلة حول علاقة الشباب الكويريين وتجربتهم. هل لديهم أطفال؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل هو بطريقة غير رسمية أم غير ذلك؟ قد يوحي تبادل الأموال في المشاهد السابقة بأن البائع الشاب كان عامل جنس. هل لا يزال الراوي على اتصال بالبائع؟ هل هم عشّاق؟ تكمن القوة في الفيديو في القدرة على إنشاء لحظات سريعة، متبعثرة وغير مؤكدة، والتي يمكن تسميتها بـ تجارب كويرية صغيرة. يقوم الفيديو بإلغاء متابعة الإنتاج المنطقي والتقليدي لما يبدو أنه سرد دائري. في حين أن المشاهد الغربي قد يقترح أن الشخصيات تقع في الصورة النمطية للرجال المثليين الذين يجتمعون سرا في الأزقة المظلمة، يجب أن نتذكر أنهم يبحثون عن تشكيل مساحات لقاء خاصة بهم.

 

الخاتمة

ضمن السياق الاجتماعي والثقافي المعاصر في لبنان، حيث تكون "الأفعال الجنسية غير الطبيعية" وتقاطعها مع الهجرة والعمل بالجنس والفقر محدودة للغاية، يمكن الإشارة إلى أن الضوء الساطع في وجوه الشبّان، في "العلكة الحمراء"، هو تذكير بأنهم يخضعون للرقابة باستمرار. في حين أن الرجال لا يعرّفون علنًا بأنهم مثليين، فإن أفعالهم ليست غيرية نمطية. وبالتالي، فإنهم يواجهون الكثير من المخاطر، مما يعرّض سلامتهم الجسدية ومكانتهم الاجتماعية للخطر، خاصة وأن الصور تشير إلى أنهم من العمّال و/أو المهاجرين. يمكن أن يشير الفيديو أيضًا إلى الخطر المرتبط بالحرب، والإغلاق العام، والشعور بالإلحاح – مما يسهّل بشكل متناقض استعداد الرجال لتجاهل القواعد والسعي وراء متعتهم. بالإضافة إلى التقنيات المستخدمة في الفيديو، فإن إعادة إنشائه في الإستوديو من شأنه اظهار أبعاد متعددة للتجربة الكويرية، التي تزعزع استقرار مفاهيم الوقت والفضاء الطبيعي والقيم المعيارية. يمكن وصف الفيديو، إلى حد ما، بأنه كويري، من حيث عرضه للجنسانية، وعدم انسجامه مع الغيرية النمطية، وتصويره للملذات، والذي يمكن أن يخضع للرقابة إذا تمكّن الأمن العام من "قراءة" رموزه.


     
  • 1. بعض أعماله الفنية التي تدور حول هذه المواضيع: مجنونك (١٩٩٧) العلكة الحمراء (٢٠٠٠) هي + هو فان ليو (٢٠٠١) كيف أحبك (2001) غدًا سيكون كل شيء على ما يرام (٢٠١٠).
  • 2. أتبنى مصطلح "العداء تجاه المثليّين/ات" من مشروع مناهضة العنف، والمعرف على النحو التالي:"العداء أو المعارضة النشطة تجاه الأشخاص الذين لا ينسجمون مع الغيرية النمطية.يرتبط ذلك بفرضية أن العلاقات الجنسية مع شريك واحد بين رجل وامرأة هي الشكل التقليدي والمتفوق والشرعي الوحيد للجنسانية. لقد تحولت اللغة من استخدام "الرهاب" (كما في رهاب المثلية الجنسية)، إلى استخدام العداء لوصف أدق للعنف الذي يحصل".https://www.antiviolenceproject.org/glossary/ https://www.antiviolenceproject.org/glossary/#homoantagonism
  • 3. للحصول على مقدمة لنظرية الكوير، انظر/ي إلى النظرية الكويرية لآن ماري جاغوزي: مقدمة إلى نظرية الكوير (1996) والمقدمة النقدية لنظرية الكوير لنيكي سوليفان.
ملحوظات: 
المراجع: 

Ahmed, Sarah. 2006. Queer Phenomenology: Orientations, Objects, Others. Durham and London: Duke University Press.

Al-Adaileh, Bilal A. 2012. “The Connotations of Arabic Colour Terms.” Linguistica Online (13):35-52.

Balaa, Luma. 2019. “Framed: The Door Swings Both Ways in the Lebanese Movie Caramel Directed by Nadine Labaki, Produced by Anne-Dominique Toussaint; Written by Nadine Lebaki, Rodney El Haddad, Jihad Hoiely. Sunnyland Films, Lebanon, May 2007. Running time 96 minutes.” Journal of International Women’s Studies 20 (7): 430-447.

Berman, Avis. October 1980. “A Decade of Progress, But Could a Female Chardin Make a Living Today.” Art News 79 (8): 73-79.

Chahine, Pascal. 2008. “(Re)Constructing Beirut: Helem and ‘Local’ Homosexualities.” Institute of Islamic Studies, McGill University.

Ciment, Michel, and Stéphane Goudet. February 1997. “Entretien avec Abbas Kiarostami: Une approche existentialiste de la vie.” Positif 442: 83-89.

Edelman, Lee. 2004. No Future: Queer Theory and the Death Drive. Durham and London: Duke University Press.

El Chamaa, Mohamad. March 18, 2016. “The Making of Hamra Street - Part One.” In Outlook. Beirut.

Fitzpatrick, Andrea D. 2015. “Veiled Iranian Identities in the Photographic Art of Sadegh Tirafkan.” Men in Crisis / der Mann in Der Krise? Eds. Söll, Änne and Gerald Schröder. Berlin: Böhlau-Verlag: 182-98.

Foucault, Michel. 1977. Discipline and Punish. Harmondsworth: Penguin.

Frueh, Joanna, and Thomas H. Kochheiser. 1989. Hannah Wilke: A Retrospective, exhibition catalogue, Gallery 210. Missouri: University of Missouri-St Louis.

Ghoshal, Neela. 2016. “Dignity Debased: Forced Anal Examinations in Homosexuality Prosecutions.” LGBT Rights Program at Human Rights Watch accessed July 23, 2017.

Godsey, Mark A. 2009. “Shining the Bright Light on Police Interrogation in America.” Ohio State Journal of Criminal Law 6 (711): 711-735.

Halberstam, Jack. 2005. In a Queer Time and Place: Transgender Bodies, Subcultural Lives. New York: New York University Press.

----. 2011. “Shadow Feminisms: Queer Negativity and Radical Passivity.” In The Queer Art of Failure, 123-146. Durham and London: Duke University Press.

Hall, Donald. 2003. Queer Theories. London: Red Globe Press.

Halperin, David M. 2007. What Do Gay Men Want?: An Essay on Sex, Risk, and Subjectivity. Ann Arbor: University of Michigan Press.

Harper, Philip Brian, Francis White, and Margaret Cerullo. 1990. “Multi/Queer/Culture.” Radical America 24 (4): 27-37.

Hasan, Amna A., Nabiha Mehdi Al-Sammerai, and Fakhrul Adabi Bin Abdul Kadir. 2011. “How Colours are Semantically Construed in the Arabic and English Culture: A Comparative Study.” English Language Teaching 4 (3): 206-213.

Hassan, Omar. 2010. “Real Queer Arabs: The Tension between Colonialism and Homosexuality in Egyptian Cinema.” Film International 8 (43): 18-24.

Honig, Bonnie. 2013. Antigone Interrupted. Cambridge, U.K.: Cambridge University Press.

Houghton, Mifflin. 2007. The American Heritage Dictionary of the English Language. Houghton Mifflin Company.

Jagose, Annamarie. 1996. Queer Theory: An Introduction. Carlton: Melbourne University Press.

Janoff, Douglas Victor. 2005. Pink Blood: Homophobic Violence in Canada. Toronto: University of Toronto Press.

Kiarostami, Abbas. 1997. Taste of Cherry. Iran.

Kinsman, Gary, and Patrizia Gentile. 2010. The Canadian War on Queers: National Security as Sexual Regulation. Vancouver and Toronto: UBC Press.

Kristeva, Julia. 1982. Powers of Horror: An Essay on Abjection. Translated by Leon S. Roudiez. New York: Columbia University Press.

Marks, Laura U. 2000. The Skin of Film: Intercultural Cinema, Embodiment, and the Senses. Durham: Duke University Press.

Merabet, Sofian. 2014. Queer Beirut. Austin: University of Texas Press.

Miller, William Ian. 1997. The Anatomy of Disgust. Cambridge, Mass. & London: Harvard University Press.

Morrison, Todd G., Mark J. Kiss, CJ Bishop, and Melanie A. Morrison. 2018. “‘We’re Disgusted with Queers, not Fearful of Them’: The Interrelationships Among Disgust, Gay Men’s Sexual Behavior, and Homonegativity.” Journal of Homosexuality 66 (7): 1014-1033. https://doi.org/https://doi.org/10.1080/00918369.2018.1490576.

Muñoz, José Esteban. 2009. Cruising Utopia: The Then and There of Queer Futurity. New York: New York University Press.

Puar, Jasbir. 2007. Terrorist Assemblages: Homonationalism in Queer Times. Durham: Duke University Press.

Puar, Jasbir. 2017. The Right to Maim: Debility, Capacity, Disability. Durham and London: Duke University Press.

Ruvalcaba Dominguez, Héctor. 2016. Translating the Queer: Body Politics and Transnational Conversations. London: Zed Books.

Saghieh, Nizar, Rana Saghieh, and Nayla Geagea. 2010. “Censorship in Lebanon: Law and Practice.” Heinrich Böll Foundation. Retrieved from https://lb.boell.org/sites/default/files/2010._censorship_in_lebanon- _law_practice_en.pdf.

Saleh, Ahmad J., and Adriana A. Qubaia. 2015. “Transwomen's Navigation of Arrest and Detention in Beirut: A Study Case.” Civil Society Knowledge Centre, Lebanon Support. Retrieved from http://civilsociety-centre.org/pdf-generate/29155.

Schoonover, Karl, and Rosalind Galt. 2016. Queer Cinema in the World. Durham and London: Duke University Press.

Sedgwick, Eve Kosofsky. 2003. Touching Felling. Affect, Pedagogy, Performativity. Durham and London: Duke University Press.

Sharifi Isaloo, Amin. 2017. Power, Legitimacy and the Public Sphere: The Iran Ta'ziyed Theatre Ritual. New York: Routledge.

Wacks, Debra. Summer 1999. “Naked Truths: Hannah Wilke in Copenhagen.” Art Journal 58 (2): 104-106.

Warner, Michael. 1993. Fear of a Queer Planet: Queer Politics and Social Theory. Minneapolis: University of Minnesota Press.

Waugh, Thomas, and Jason Garrison. 2010. Montreal Main: A Queer Film Classic. Vancouver: Arsenal Pulp Press.

Wilke, Hannah, Laura Fernández Orgaz, Saundra Goldman, and Juan Aliaga Vincent, eds. 2006. Hannah Wilke: Exchange Values. Victoria-Gasteiz: Atrium, Centro-Museo Vasco de Arte Contemporáneo.

William Steffler, Alva. 2002. Symbols of the Christian Faith. Grand Rapids, Michigan and Cambridge, U.K.: William B. Eerdmans Publishing Company.

Zaatari, Akram. 2001. Red Chewing Gum. Lebanon.