ليا لاكشمى علّمتني: تأمّلاتي القلقة في ظلّ الجائحة حول البناء على المدى الطويل

السيرة: 

نيللي باسيلي نسويّة تقاطعيّة وناشطة في مجال الحقوق الجنسيّة ومناهضة العنصرية. هي أيضًا صانعة إعلامية، مع أكثر من 12 عامًا من الخبرة في القطاع غير الربحي. وُلدت لأبوين مصريين في مونتريال. تشكّل الهجرة والشتات والهوية مصدرًا لناشطيّتها. هي حاليًا مسؤولة مشروع في "شبكة النساء ذوات الإعاقة في كندا" (DAWN)، يتمحور عملها حول الشابّات ذوات الإعاقة والشابّات الصمّ. عملت سابقًا في برنامج للناشطات النسويّات الشابّات في جمعية "حقوق المرأة في التنمية". تتعلّم حاليًا لغة الإشارة الأميركية وتشارك في استضافة برنامج إذاعي نسوي يسمّى "ساحرات مثل الآخرين" (Des sorcières commes les autres) على CKUT 90,3 FM

 

اقتباس: 
نيللي باسيلي. "ليا لاكشمى علّمتني: تأمّلاتي القلقة في ظلّ الجائحة حول البناء على المدى الطويل ". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 6 عدد 2 (23 نوفمبر 2020): ص. 214-217. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 22 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/252.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (249.65 كيلوبايت)
ترجمة: 

درست أمل الأدب الروسي ومارست عمل الترجمة لأكثر من 20 عامًا غطت خلالها طيفًا واسعًا من الموضوعات بما في ذلك الرياضة وأفلام الكرتون للأطفال والأفلام الوثائقية التاريخية والمسلسلات الدرامية والبحوث الإجتماعية والانثرويبولوجية وأما أبرز أعمالها فكانت في ترجمة البرامج السياسية التلفزيونية.

 

الاهتداء الى موضع العلّة

الاهتداء الى موضع العلّة

عود نصر

"فيما أواصل هذه الحياة أقدّم الرعاية وأتلقّاها، يبهرني دائمًا كيف نجد طرقًا تبقينا على قيد الحياة رغم انهيار الدولة وأحيانًا المجتمع الذي قد يغدو فاقدًا لصلاحية العيش فيه".

"أُفكّر أيضًا بالأصدقاء/ الصديقات والغرباء/ الغريبات الذين تنقصهم/ن حاجات كثيرة، ولكن ليس لديهم ما يكفي من أصدقاء/ صديقات أو غرباء/ غريبات مستعدّين/ات وقادرين/ات على رعايتهم/ن. فالمجتمع ليس مدينة فاضلة سحرية، تمامًا كعائلاتنا، كما أننا لا نحب أو نستلطف بعضنا البعض بشكل سحري، هذا في حال اتفقنا على كل قضية سياسية".

"أُفكّر بالأشياء التي مازلت أستطيع أن أطلب من الأصدقاء/ الصديقات أن يساعدونني بها – تنظيف المنزل عندما يكون شديد الاتساخ، كتنظيف البراز أو الدماء بعد معاناتي من الألم طوال أسابيع. أفكّر بكلمات صديقتي عندما قالت إنّه لا يكفينا الاعتماد على الحبّ والاستلطاف للحصول على الرعاية".

تلك اقتباسات من كتاب ليا لاكشمى، "أعمال الرعاية: الحلم بعدالة الإعاقة". فكّرت كثيرًا بمعنى الرعاية خلال أشهر الكورونا تلك.

عندما تنتابني نوبة قلق مثلًا، فإن كلّ ما أتوق إليه هو التعاطف والرعاية. يُمكن للكثير من الأشياء أن تُثير قلقي، وأولئك الذين يعرفون أنّي ناجيةٌ من حالة اغتصاب، يعلمون أني أعاني من الصدمة والاكتئاب والقلق. وعندما لا ألتمس تفهّمًا واهتمامًا وحبًا، أشعر بالإرهاق وتسوء حالتي. فينتابني شعور أسوأ تجاه نفسي والعالم المحيط بي. يرهقني أن أشرح كيف يُستثار دماغي بشدّة جرّاء الأحاديث التي لا تفهم ضرورة الرضى والموافقة المتبادلة، والتي تصل أحيانًا إلى حد عدم تصديق الضحايا اللواتي تندّدن بمغتصبيهن وبالمتحرّشين بهن.

في صيف وخريف العام 2020، شاركتُ في مسيرة تندّد بثقافة الاغتصاب. كما شاركتُ في مسيرة تندّد بوحشية رجال الشرطة والعنصرية الممنهجة ضدّ السود، وضدّ الظلم الاستعماريّ الممارَس حاليًا ضد السكان الأصليين في كندا.

لم يكن العام 2020 عامًا مقرفًا بسبب فايروس (كوفيد 19) فحسب. لطالما عرف المهمّشون/ات الذين يعانون من العنصرية والأبويّة الغيريّة والظلم الاستعماريّ أن العالم من حولهم شديد القذارة. في حين يحصد الوباء العالمي (كوفيد 19) الأرواح بلا رحمة – تشير إحصاءات worldometer.info/ اليومية إلى عدد الوفيات عالميًا التي بلغ عددها 1,288,717 في أثناء كتابتي لهذه المقالة – لطالما كانت مظالم العنصرية والاستعمار الأبويّة ذات أبعادٍ وبائية لأولئك الذين عايشوها، خاصة الكويريين/ات والعابرين/ات والسود والسكان الأصليين والملوّنين/ات الذين يعانون من إعاقة ما. لم يتغيّر شيء سوى أن واقع كوفيد 19 يزيد من هشاشة أولئك الذين عليهم/ن أيضًا التعايش مع أنظمة قمع متعددة ومتقاطعة. كما يفاقم فيروس كورونا عزلتنا – عبر إبعادنا عن أحبتنا.

إرتدي قناعك، حافظي على التباعد بينك وبين الآخرين، إبقي في منزلك، أو في مكان ما. بالطبع، تعبّر كل هذه الأمور عن فعل حبّ مجتمعيّ. فالقيام بكلّ ما يمكن لتجنّب الخطر على أنفسنا وعلى الآخرين وحماية بعضنا البعض وعدم نشر الفيروس هو حقًا فعل رعاية وحُبّ. لكن ما الذي يحدث عندما يفاقم هذا الاحتماء عزلتنا؟ ما الذي يحدث عندما تبقين وحيدة في المنزل وأنت ذات إعاقةٍ جسدية، كيف تحاربين الاكتئاب والقلق من دون تلقّي أي دعم مُجتمعيّ وسط جائحة عالمية مقيتة؟ ما تفعلين عندما تمنعك القواعد من احتضان أحبّتك في حال كنتِ لا تعيشين معهم؟ ما الذي يحدث عندما تمنعكِ قواعد كوفيد 19 من مواعدة عشّاق/ عاشقات كثُر/ كثيرات؟ ما الذي يحدث عندما تكون القواعد التي يجب أن تساعدك على النجاة هي بحدّ ذاتها مدمّرة لصحتك العقلية؟ ما الذي يحدث عندما تتقاطع الإعاقة مع المخاوف من وحشية الشرطة وغياب الدعم المجتمعي، عندما تتمنّين مثلًا أن لا يبلّغ أحدٌ رجال الشرطة عن جارك المصاب بالفصام، والذي يردّد ترانيم دينية بأعلى صوته منذ شروق الشمس حتى بعد الظهر، حتى لا تأتي الشرطة فتكبّل يديه قبل أن تعرفيه.

ما يحدث هو تمامًا ما كتبت عنه ليا لاكشمى في كتابها "أعمال الرعاية": "كُلّ من أعرفه يعيش مزيج قلق وترقّب للكارثة القادمة، ويحاول تجنّب دوامة ردّات الفعل المذعورة، وأحيانًا الأمل والحماسة لبناء المستقبل الذي نريد".

في آب/اغسطس عام 2019، أجريت مقابلةً مسجّلة مع ليا لاكشمى. دفعني إعجابي الشديد بها لأقول: "أنا سعيدة جدًا بالحديث معك ومعجبة بنشاطك الطويل في مجال السياسة وواقع العمل حول عدالة الإعاقة. فبقدر ما يمكن أن يكون العمل حول عدالة الإعاقة مُرهقًا بقدر ما يمكنه أن يبعث البهجة، لأنه ينطلق في الأساس من حبّ عميق للأشخاص ذوي الإعاقة. لأنه وكما تقول ميا مينغوس، "الانخراط عن قُرب هو الحبّ" ولا يمكنني التفكير بطريقة أفضل لتجسيد الحبّ أكثر من العمل في مجال الرعاية، لأنها المقاومة المطلقة والطريقة المُثلى لمحاربة الرأسمالية المعيارية لتفوق "الجسد والعقل القادرين"، في محاولة لفرض هُراء الإنتاجية على حياتك اليومية. عندما أفكّر في "عدالة الإعاقة"، أفكّر دائمًا في مجتمعات الميم، الأجساد الملوّنة، السكّان الأصليين من ذوي/ات الإعاقة الذين يناضلون للاستمرار رغم كافة أشكال التمييز. أما بعد، وبعيدًا عن المصطلحات الأكاديمية وأشكال التمييز المتقاطعة، يهمني أن أعرف كيف ترون تقديم الرعاية، لا سيما فيما يتعلق بمركزية الاستدامة والتأنّي والبناء على المدى الطويل؟".

جُزء من إجابتها الرائعة كان: "إنّ معيار كلّ ما نفعله هو السرعة ثم السرعة ثم السرعة، وهذا يعني أن تكوني "حاضرة" طوال الوقت وأنّ كلّ شيء حالة طارئة، لكن هذا فعليًا ليس مفيدًا. طوال حياتي كنت ولأسباب كثيرة بما فيها الطبقة والصدمة والنجاة، شخصًا مدفوعًا بالقلق الناتج عن طبيعة حياتي، مما أجبرني على القيام بكلّ شيء على الفور. لكنّي تعلّمت مع مرور الوقت وعبر مراقبة أقران من ذوي/ات الإعاقة، حيث كانوا يقولون: سأهتم بالأمر عندما تسنح لي الفرصة. فالعالم لن ينتهي، كما تعلمين. لكن الذعر والتأهب هما حالتي العادية "عليّ البقاء مستيقظة حتى الثالثة، وإلا سينتهي العالم"، إلى أن التقيت بأشخاص قالوا: "مهلًا، ليس بوسعك أن تفعلي أكثر من طاقتك" بينما كانوا يُنجزون الكثير كأشخاص ذوي إعاقة".

أُفكر كثيرًا في التأنّي والبناء على المدى الطويل، بطريقة تشبه ما قالت ليا إلى حد كبير، ففي عالم مصمَّم لاستبعادنا، أفكّر بما تعنيه إعادة برمجة نفسي بعيدًا عن الذعر والعجلة والعذاب حيثما يذهب عقلي وأفكاري. إذا نظرتُ إلى العالم من بعيد، أستنتج أن هذا ما علّمنا إياه نظام الظلم المرتكز على العقاب: الذعر والخوف من بعضنا الآخر. لكن لمصلحة من؟ كيف أستغل وقتي فعلًا في التعرّف على جيراني/ جاراتي وعلى الغرباء/ الغريبات؟ كيف أبني مجتمعًا بالفعل؟ إذا أردتُ عالمًا خاليًا من العنصرية والرأسمالية والأبويّة والتمييز على أساس القدرة ورهاب الكويريين/ات والعابرين/ات، سأحتاج هذا البناء على المدى الطويل الذي قد يعني وضع حجرة تلو الأخرى حتى يقرأ الناس مثلًا في العام 2277 أنه قبل 257 سنة، في العام 2020، ناضلت مجتمات الميم، الأجساد الملوّنة، السكّان الأصليين من ذوي/ات الإعاقة من أجل السكن المجانيّ والمُتاح للجميع، وطالبوا بوقف تمويل الشرطة، ونزلوا إلى الشوارع ليقولوا كفى للمغتصبين والمتحرّشين، وتلاقوا في مجموعات مشتركة لمساعدة جيرانهم/ن من أجل البقاء على قيد الحياة في ظلّ جائحةٍ عالمية، ألخ. حينها سينظر إلينا الناس في العام 2277 ويقولوا، شكراً لوضعكم/نّ الأرضية الصلبة التي قادتنا إلى التحرّر الجماعي.

ملحوظات: