سبع توصيات تحليلية ل (نزع) التشكيك الكويري عن/ في الشرق الأوسط

السيرة: 

صبيحة علوش محاضرة في سياسات الشرق الأوسط بجامعة إكستر. يهتمّ بحث صبيحة، عموما، بسدّ الفجوة بين الكتابة الأنثروبولوجية والتحليل السياسي. تتموقع صبيحة، بطريقة أساسية، في الدراسات النسوية والكويرية. يتناول عملها المناهج النسوية للعنف والصراع والهجرة والحراك الاجتماعي. تكرّس صبيحة نفسها لإنتاج المعرفة المنهية للاستعمار ولإعادة النظر في الأنظمة الجندرية والجنسانية في منطقة الشرق الأوسط فيما يتجاوز الإطار النظري الأوروبي. لها منشورات في مجلة دراسات النساء في الشرق الأوسط والمجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط.

 

اقتباس: 
صبيحة علوش. "سبع توصيات تحليلية ل (نزع) التشكيك الكويري عن/ في الشرق الأوسط". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 6 عدد 1 (01 يونيو 2020): ص. 30-39. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 15 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/230.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (689.25 كيلوبايت)
ترجمة: 

هبة عباني هي باحثة ومترجمة وكاتبة تعيش في بيروت، درست الصحافة في الجامعة اللبنانية، وعملت في مجال حقوق الأفراد غير المنضبطين جندريا والنساء. تهتم في كتاباتها وأبحاثها بالقضايا التي تندرج ضمن هذه العناوين.

Tears in the fabric.png

تمزّقات في النسيج

سكِن سلز

في مداخلة قيّمة وموفّقة في توقيتها، تدعونا مايا مكداشي وجاسبر بوار (2016) إلى اعتبار الشرق الأوسط ككويريّ من خلال عدسة "حربه الدائمة". حيث تبحثان في الروابط بين النظرية الكويريّة ومجالات دراسيّة، وتفكّران في "ماهيّة الكويريّ" الناشئ في وجه "الحرب الدائمة" (المرجع ذاته: 219). ترثي الكاتبتان كثافة الدراسات الكويريّة التي تصوّر الجنوب العالمي كـ"معلومات أوليّة" (المرجع ذاته: 215)، يجري الاستعلام عنها / التشكيك بها، عبر إحالتها عاجلًا أم آجلًا إلى الدراسات الكويريّة الأنجلو-أميركيّة.

تحيل مكداشي وبوار بجدارة النظرية الكويريّة إلى نطاق الشرق الأوسط من دون تشويه أو إنكار حقيقة الناشطية الممزّقة لجذوره الأنجلو-أميركيّة، بينما تحافظان على خصوصية التجربة الكويريّة ومساهمتها المفيدة على المستوى النظري، من خلال التفكير في مجالات محدّدة ككوير – "النظرية الكويريّة كمجالات دراسية" (المرجع ذاته: 216). وتسألان، في معرض استفساراتهما الهادفة إلى تجاوز الجمود المعرفي (الإبيستيمولوجي):

ما الذي يحرّك دوافع البحث عن أمر، لنسمّيه أو ننظّر بشأنه بصفته كويريّ؟ ما الذي ينبغي على الجسد الكويريّ أن يفعله، أو يكونه، أو يتّصف به، ومن قبل مَن؟ هل نريد أن نعرَّف هكذا، وإذا كان كذلك، كيف ومن أجل ماذا؟ (مكداشي وبوار 2016، 219)

تساهم هذه الورقة البحثية في النقاش الذي أثارته مكداشي وبوار، فهدفها الأشمل، على المستوى الفكري، هو تقييم تداعيات تزايد مرئية الشرق الأوسط كمادة للبحث في السرديّات الثقافية والأدبية والبحثية الناطقة بالانكليزية. وهو وضع أسمّيه التشكيك الكويريّ من المنظور الخارجيّ. أقصد بهذا التعبير تبعيّة الفئات المتخيّلة في الشرق الأوسط القسرية والمصطنعة للتحليل الكويريّ الصادر والمؤطَّر والمشكَّل وفقًا للتجربة الأميركية. فالتشكيك الكويريّ من المنظور الخارجيّ هو في الوقت ذاته تشتيت / تحديد وجهة واستشراق (سعيد 1978). بالتالي، فإن تفاعله مع الكويريّ يوجّهه نحو الدراسات الكويريّة الأميركية، بينما يعزّز التصوّرات الاستشراقية "للآخر". تشمل النتائج غير المثمرة لتشتيت / تحديد الوجهة هذا أربعة جوانب:

أ. تؤاثر الإطار النظري للنظرية الكويريّة بحدّ ذاتها، بدلًا من السياق المطروح؛
ب. تقلّل، من الناحية التحليلية، من أهمية غياب التجانس في الشرق الأوسط نتيجة انهماكها بمسألة الظهور العلني1 للكويريّين/ات فيه؛
ج. تتجاهل أهمية الأدائية الجندرية في مراحل المعارضات الجنسية في الشرق الأوسط، سواء في السياقات الغيرية جنسيًا أو اللا-غيرية جنسيًا؛
د. يؤدي تعميم حقوق المثليين/ات إلى إنتاج تصنيف أورو-أميركي للجنسانية يقوم على ثنائيات كـ"منحرفة" أو "سويّة / طبيعيّة" (ميبر 2016)؛ "جيّدة" أو "سيّئة" (روبن 1984).

 

فيما يلي، أناقش سبعة تعثّرات حتمية في تمرين التشكيك الكويريّ من المنظور الخارجيّ. كما أن ما يرد أدناه ليس شاملًا ولا يدّعي تقديم حلّ كامل للمسألة قيد الطرح، غير أنه يبرز الترابطات المهمّة التي تتجاهلها التحليلات السياسية السائدة:

1. الإرث الاستعماري المجنسَن
2. معوّقات العلمانية الأوروبية
3. ربط رهاب المثلية بالعرق أو رهاب المثلية الصديق للمثليين/ات
4. العنف المعرفي للأممية المثلية
5. محو الأدائية الجندرية من سياقات هوية الميم
6. الغيرية الجنسية للدولة العربية الحديثة
7. تزايد إضفاء البعد الطائفي على الشرق الاوسط

 

1. الإرث الاستعماري المجنسن

استنادًا إلى الفهم الأورو-أميركي للجنسانية، ينتج تقاطع الإسلام مع الجنسانيّة الآخر المسلم كبربريّ ذي جنسانيّة منحرفة، صعبة المنال، ومبهمة، ممّا يوجب ترويضها. في هذا السياق، يركّز الباحثون/ات النقديون/ات المهتّمون/ات بالجندر والجنسانيّة في الشرق الأوسط على الإرث الإستعماريّ الطويل المتعلّق بالتصوّرات حول، والتفاعلات مع الأجساد المستعمَرة / البنيّة من خلال الكشف عن الآراء الاستشراقيّة والاختزاليّة التي يستند إليها الحكم الاستعماري (نجم آبادي 2005؛ زيفي 2006؛ حبيب 2010؛ عامر 2012). يقول إدوراد سعيد في الاستشراق، العمل الذي أحدث تحولًا في المعايير (1978: 1-2):

كان الشرق تقريبًا اكتشافًا أوروبيًا، وهو منذ القدم مكان للرومانسية، الكائنات الإيكزوتيكيّة، الأماكن والذكريات المؤرّقة، والتجارب الاستثنائية.

على الرغم من أن سعيد وضع أسس الاستشراق كأداة للتحليل، لكنّه لم يقارب مسألة الجنسانيّة على وجه التحديد. غير أنّه، رغم ذلك، شدّد على الخاصّية "الأنثوية" للشرق: "فهو (الشرق) مثمّن لأنه خصب، رمزه الأساسي الأنثى الشهوانية، الحريم، والحاكم الطاغية ذي الجاذبية الغامضة" (سعيد 1978: 225). فيما بعد، يبني كاتبون/ات انطلاقًا من أعمال سعيد عبر إظهار كيف أن النظرة الاستشراقية تصنع الآخرين الإيكزوتيكيّين غير الغربيّين. تجادل يجينغلو، مثلًا (199) أنه ومن أجل فهم "الطبيعة المجنسية للاستشراق"، علينا أن نبحث في "بنيته اللا-واعية" (يجينغلو 1998: 2). خلال فترات الاستعمار، استُخدمت أجساد نساء الشرق الأوسط كمحرّكات بصريّة لجمع الهوامات الاستشراقيّة (علولة 1987؛ غريوال 1996). لا يزال امتداد هذا الإسقاط قائمًا بما تسمّيه ليلى أحمد (1995) "النسويّة الاستعماريّة" أو من خلال السؤال الشهير الذي طرحته ليلى أبو اللغد (2005): هل تحتاج النساء المسلمات إلى الإنقاذ؟ فالرجال العرب أيضًا، كانوا ولا يزالون عرضة للاستشراق بالتزامن مع الافتراضات المؤنّثة، والمفرطة في شبقها وذكورتها (بون 1995؛ هوبوود 1999؛ مككورميك 2011).

 

2. معوّقات العلمانيّة الأوروبيّة

بصرف النظر عن الجندر والجنسانيّة، هناك إرث استعماريّ راسخ للخلط بين العروبة والإسلام وتفسير أحدهما تبعًا للآخر. تذكّرنا فاطمة الطيب (2012: 268) في قراءتها النقدية للتنوّع الأوروبي بـ:

تمّ تعميم تأطير الإسلام ليس فقط كـ"نظام اجتماعي" يتحكّم بكافّة جوانب حياة المسلم اليومية، بل بوصفه نظام غير منسجم، إن لم يكن مناقضًا بالفعل "للقيم الأوروبيّة" حول التقبّل والديموقراطية.

هذا التأطير اختزالي للغاية، فهو لا يعزّز وحسب وجهة نظر منقوصة ومبسّطة تصوّر الإسلام كمفهوم تافه، بل ينفي بوقاحة تقاطع الإسلام مع القومية والإثنية والعرق والجندر والطبقة والهجرة، وكذلك أيضًا الفئات السياسية والاجتماعية. جزئيًا، تتيح هذه النظرة المنقوصة للولايات المتحدة تأكيد مزاعمها كشكل من أشكال "الإستثنائية" الذي يؤدّي دور "خطاب تبشيري لإنقاذ النساء المسلمات (والمثليين/ات) من غيرهم/ن من المسلمين/ات" (بوار 2007: 4) (إضافتي).

كما أنّه في ظل افتراض "علمانية الغرب" كشرط مسبق للتحرّر الجنسي (فرانسيس 2017؛ سكوت 2017)، كيف نقيس التشابه بين الفئتين، أي المسلم/ة واللا-غيري/ة جنسيًا؟ في هذا السياق، تشدّد عبيرة خان (2020: 137) على مواجهة خرافة "العلمانية الكويريّة" عبر إبراز تواطؤ الدراسات النقدية العلمانية مع "التوظيف المتزايد للذاتيات والتواطؤات الكويريّة".

 

3. ربط رهاب المثليّة بالعرق أو رهاب المثليّة الصديق للمثليّين/ات

وفقًا لجاسبير بوار (2007)، أدّت أحداث الحادي عشر من أيلول إلى إنتاج شكل "مقبول" للمثليّة الجنسيّة في السياق الوطني في الولايات المتحدة. فاعتراف إدارة جورج بوش ببطولة مثليّة يتبّنى كأمر واقع أنواعًا معيّنة من المثليّة تديم وتعيد إنتاج استثنائية أميركا "من خلال تطهير جندري، عرقي، وطبقي من أجل إنتاج "الوحش-الإرهابي-الشاذ"؛ ما نتج عنه اعتناق المثليين/ات خطاب نحن مقابل هم، أي خطاب الوطنية الأميركية"2 (46). وبالتالي، تصبح مزاعم "الاستثنائية" الأميركية "مترافقة مع شكل استثنائي من المعيارية المثلية الوطنية، بعبارة أخرى، "الوطنية المثلية"" (المرجع ذاته). تحديدًا، تنقل الوطنية المثلية رهاب المثلية من المعيارية الغيرية الأميركية ومواطنيها/اتها وتوجهه نحو الآخر الأجنبي، تحديدًا الأجساد البنية والمسلمة. ينتج تشابك الجنسانيّة ضمن الأمّة الأميركية تجميعًا لمواطنين/ات غير متساويين/ات، فبعضهم/ن أجدر بالاحترام من البعض الآخر. هذه المثلية الناشئة مؤخرًا تستند إلى الحدود الإثنية والعرقية لمن تمّ تأطيرهم/ن كآخرين/يات مسلمين/ات ومعاديين/يات للمثليّة.

فيما تحاول بوار (2007) إثبات التحوّل البنوي للخطاب المعادي للمثليّة في الولايات المتحدة عقب أحداث 9/11، أي الوطنية المثلية، تبحث ويبر (2016) في تشعّبات هذا النظام الجديد في ظل تعميم "حقوق المثليين/ات" عالميًا. وبالتالي، ينبغي على الولايات المتحدة، ومن أجل الحفاظ على استثنائيتها تحضير أرض خصبة لمثليّة لا تكون مقبولة وحسب، بل مطبّعة أيضًا. وهكذا، لا بدّ أن يكون "المثليّ المنحرف" مرئيًا لكي يوجد "المثليّ الطبيعي".

تميّز ويبر، كما تورد في العلاقات الدولية، بين "المثليّ المنحرف" و"المثليّ الطبيعي"، وذلك في معرض بحثها عن التداخل بين الجنسانيّة، الهجرة، والأمن. تبحث ويبر (2016) في العلاقة المتبادلة بين السيادة والجنسانية والعرق والهجرة على مستوى عالمي بهدف إبراز كيف أن "الرجل السيّد الحديث" الذي تُعتبر جنسانتيه طبيعية، هو نتاج يناقض بمفهومه تنوّعًا هائلًا من الآخرين وانحرافاتهم/ن، بما في ذلك "المثليّ الطبيعي"، و"المثليّ المنحرف"، "حامي حقوق المثليين/ات"، "الإرهابي/ة"، و"المهاجر/ة غير المرغوب به/ا". هذه النظم غير المتّصلة ظاهريًا، تندمج ضمن عدد هائل من الطرق (غالبًا غير المتّسقة) بهدف ملاءمة المصالح الأميركية. من أجل استنباط مفهوم لنسق التجميعات هذه، والناجم عن علاقة (ات) الآخر التابعة لـ"الرجل السيّد"، تطرح ويبر (2016: 53) مفهومَين عامَّين، "من يحتاج للتنمية" و"غير القابل للتنمية". يشكّل المفهومان أدوات تهدف لقياس إمكانات الآخرين التابعين للرجل السيّد وقدرته على التطور فكريًا وعاطفيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وصناعيًا وسياسيًا، وفقًا وتبعًا للحقائق الما فوق معرفية الغربية:

يرى الغرب في "مَن هم/ن بحاجة للتنمية" و"مَن هم/ن غير قابلين/ات للتنمية" انحرافات في/عن مفهومهم حول تطور الزمن.

يرصد تحليل ويبر بوضوح ما أُسميه اصطلاحيًا "رهاب الإسلام الصديق للمثليين/ات"، أو الوضع "الشاذ" الذي ينسبه الفهم غير النقدي الأورو-أميركي للجنسانيّة إلى المسلمين اللا غيريّين/ات جنسيًا والمقيمين/ات في الشرق الأوسط. تنبع هذه الشاذّية من هويتهم المسلمة وأوضاعهم/ن الأخرى. وبينما يتمّ اعتبار المسلم/ة اللا غيري/ة جنسيًا غير قادر/ة على قبول جنسانيته بشكل كامل إلّا إذا أعاد موضعتها في سياق غربي، تحيلهم/ن هويتهم المسلمة إلى أشخاص غير مرحّب فيهم/ن.

 

4. العنف المعرفي للأممية المثلية

في سياق الشرق الأوسط، يعتبر جوزف مسعد (2002) أن مجموعات ناشطي/ات الميم الغربية المتمتّعة بالامتيازات، والتي يُطلق عليها اصطلاح "الأمميّة المثليّة" تفرض قاموسًا غريبًا للجنسانيّة. بحسب مسعد (2002)، يمكننا رصد الأسس الاستشراقية في منطق "الأمميّة المثليّة" من خلال فرضها لفهم واحد للجنسانيّة وفق ما يمليه التاريخ والأطر الاجتماعية الأورو-أميركية. بالفعل، يتجاهل الفهم الأورو-أميركي للجنسانيّة خصوصيّة العنف الذي يرافق تجارب "الخروج من الخزانة"3 / الظهور العلني لأفراد مجتمع الميم في الشرق الأوسط. في السياق الفلسطيني مثلًا، يكشف جايسون ريتشي (2010) كيف تنتج "المعابر الاسرائيلية" وليس "الخزانة" الاستراتيجيات التي يعتمدها العرب الذين/اللواتي يعرّفون عن أنفسهم/ن ككويريّين/ات. أيضًا، يخلط الفهم الأورو-أميركي للجنسانية السلوك الجنسي مع الهوية الجنسيّة، أي كما يعبّر أكشاي خانا "إن اختياري للأشخاص الذين أمارس الجنس معهم أو أنجذب إليهم يدلّ على أيّ نوع من الأشخاص أكون" (خانا 2007، اقتبسها راو 2014: 176). يناقش راؤول راو أن "هذا التمييز أتاح إمكانية تأكيد وحدة السلوك المثليّ عالميًا والخصوصيّة الثقافية لهويّات الأقليّات الجنسية" (المرجع ذاته). ولكن، يغيّب هذا الخلط عمليات إنتاج المواد ذات المصادر المحلّية (د اميليو 1984)، والمسارات التاريخية (فوكو 1990)، وتلك المتعلّقة بالهجرة (مانالانسان 2006)، والبيو-بوليتكي (هاريتاوورن وآخرون 2014)، التي تلعب دورًا في تشكيل خطابات الرغبة والجنسانية.

لكن، علينا أن نعترف بـ"شناعة" ما تقترفه النظريات، ونعالج آثار نظرية مسعد الوخيمة أحيانًا على الدراسات المتعلّقة بالجنسانيّة في المنطقة. من جهة أخرى، ينبغي أيضًا الاعتراف بمحاولة تفاعل مسعد أفقيًا مع النموذج الكويريّ في الشرق الأوسط، وتحديدًا نقده لتعميم التجربة المثلية الغربيّة. ولكن، من دون قصد، يؤكّد نقد مسعد مرّة أخرى الاشتباه بالكويريّ من منظور خارجيّ، وذلك لسببين اثنين. نظريًا، وبدلًا من قبول واقع الكويريّين/ات في الشرق الأوسط، يقرأ مسعد المثلية في الشرق الأوسط نظرًا لعلاقتها ب، وإحالتها مجددًا إلى النظرية الكويريّة بالمعنى الأنجلو-أميركي. عمليًا، انتقد أعماله مثليين/ات من المنطقة، معتبرين/ات أن ملاحظاته تتناقض تمامًا مع معتقداتهم/ن وتجاربهم/ن الشخصية (مكارم 2011؛ حمدان 2015).

 

5. تغييب "الممارسات الجنسية والأداء الجندري"

بعيدًا عن التصنيفات، يتجاهل الفهم الأورو-أميركي للجنسانيّة تأثير الجندر على سياقات المعارضات الجنسية في الشرق الأوسط، وهو ما تظهره بجدارة نوف نصر الدين ونور أبو عصب وآيدين غريتريك (2018). فإذن، الفشل في تطبيق التوقّعات الاجتماعية المرتبطة بسلوك الذكر والأنثى (مثلًا النساء الرجوليات، أو الرجال المؤنثين) قد يشكّل بالفعل خطرًا حقيقيًا. وهكذا، يصبح التوجّه الجنسي ثانويًا مقارنة بالأداء المجندر. في المقابل، لا جدوى من التفكير بالجنسانيّة بعيدًا عن الجندر، والعكس صحيح، في الشرق الأوسط وغيره على حدّ سواء. بالإضافة إلى ذلك، وعلى العكس من الافتراضات التي تعتبر أن هناك تناقضًا بين اللا-غيرية الجنسية والإسلام، تُظهر الأدبيات الحديثة كيف حوّل عدد من "التكتيكات، المسائل، ونماذج المعارضات الجنسية" النقاش من مسألة الظهور العلني لحيوات اللا-الغيريين/ات جنسيًا من المسلمين/ات، إلى التأكيد على ارتباطها "بمشاريع الحرّية المتشابكة"، بما فيها "الجندر، النسب، المواطنة، والملكية" (إيونيدس 2014: 117).

 

6. الغيريّة الجنسية للدولة العربية الحديثة

في القرن العشرين، كانت الغيريّة الجنسية تعادل المواطنة الصالحة في الغرب (بيني 2004) وفي الشرق الأوسط (أبو اللغد 1998؛ حايس 2000؛ نجم آبادي 2005؛ وزيفي 2006). بالنسبة للطبقة الحاكمة المعاصرة في الشرق الأوسط، تشكّل الغيريّة الجنسية الحديثة نموذجًا للحوكمة يمكّن هذه الطبقة من امتصاص التطلعات السياسية الهجينة في مجتمعاتها (أي المرتبطة بالجندر، الجنس، الطبقة، والعرق)، والمتّسمة "بالترابط" على عكس ثنائية الأقطاب الدينية والعلمانية (العلي 2004)، التي تتبنّى أو تنكر بشكل انتقائي خصائص يتّسم بها الآخر (أبو اللغد 1998)، خارج الشرق الأوسط، أنتجت أحداث 11/9 ما يسمّيه براين تورنر اصطلاحيًا (2007) "إدارة المسلمين/ات"، أي ما يعنيه ضمنيًا خطاب التعدّد الثقافي. (سوء) الإدارة هذا يصوّر الآخر المسلم كمتخلّف. وعندما يرتبط الأمر بالجنسانيّة، نلاحظ أنّه ما من تمييز بين اللا غيريين/ات جنسيًا والغيريين جنسيًا أو المسلم المثلي، كما تظهر بوضوح التوليفات المجندرة، والمرتبطة بالطبقة أو العرق التي تفرضها الوطنية المثلية.

 

7. تعزيز النزاعات الطائفية في الشرق الاوسط

بصرف النظر عن الجنسانية، إن التحريض الطائفي، خاصة فيما يتعلّق بالنزاع السنّي / الشيعي القائم على التقارب الأميركي-السعودي الحالي وانسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية، يعيد إنتاج الشرق الأوسط مرّة أخرى ككيان غير مؤهل للحكم الذاتي. هذا التحريض الطائفي ما هو إلا امتداد لتكتيكات "فرّق تسُد" الاستعمارية. في هذا السياق، يذكّرنا المؤرخ أسامة مقدسي (2017: 7-8) بـ:

تخدم فكرة الغريزة الطائفية الإسلامية أو الشرق أوسطية مبدأ إعفاء القوى الغربية من تواطئها في خلق، تشجيع، مفاقمة المشهد السياسي الطائفي في الشرق الأوسط.

يتحدّى مقدسي مقولات رئيس الولايات المتحدة السابق باراك أوباما الذي صرّح في خطاب "حالة الاتحاد" الأخير أن "المبادئ العلمانية هي المبادئ الناظمة الوحيدة [في المنطقة]" وأن "النزاعات المحتدمة في الشرق الأوسط ضمن مرحلة السيطرة الأميركية هي نزاعات تعود إلى القرن الماضي" (المرجع ذاته). تبني خرافة قِدَم الخصومة الطائفية آخرين "مسلمين/ات" على المستوى المحلي، العالمي، والعابر للحدود وتعزّز فكرة "تخلّفهم"، لتؤكد من جديد ما شرحته ويبر (2016). كما أنها تتجاهل العلاقة المباشرة بين نتائج البيو-بوليتيك "المشوّهة" "والمدمّرة" والحرب العالمية على الإرهاب، و"الخطابات العابرة للحدود المجنسَنة والمجندَرة والمعرقَنة والطبقية حول الإسلام والعرب والشرق الأوسط" (مكداشي وبوار 2016: 221). عندما يكون الإسلام موضع النقاش، نلاحظ تحوّلًا من خطاب "جميع الرجال المسلمين إرهاببين" إلى خطاب "بعض الرجال المسلمين إرهابيين، بحسب الموقف من السياسات الخارجية للولايات المتحدة". في الخطاب الأول، وكما ناقشت سابقًا، تبدو الجنسانية المسلمة شيئًا يستدعي الخوف والتشكيك والتقييم؛ أما في الخطاب الثاني، فهي تكتسب طابع النسبية الثقافية التي تحمي اختلاف الآخر لتعزيز ديناميكيات القوى الموجودة أصلًا.

إذن، كيف نفكّك تشويش التخيّلات المتشابكة؟ أطرح (نزع) التشكيك الكويريّ بعيدًا عن الثنائية، بالإضافة إلى استخدامه بشكل غير حصري للتصحيح على مستويات متعدّدة. كما أنه منهجية تعترف بتنوّع الكويريّة لأنه يدرك أن التجربة الكويريّة الأميركية هي نموذج عن تفاوض الدولة-المجتمع فيما يتعلّق بالجنسانيّة. على المستوى التحليلي، إن التشكيك الكويريّ من المنظور الداخليّ، أو الفهم المتعدّد للمنهجية الكويريّة يظهر المكاسب التحليلية المترتبة عنه المنطلقات المتعددة للسرديات الكويرية، مساراتها المتعددة، واستناجاتنا المتنوعة كباحثين/ات، ناشطين/ات، وقراء/قارئات فضوليين/ات. لكن الأهم في أثناء التفكير في المسارات المتعدّدة للكويريّ، الاعتراف بما يملك من إمكانيات لناحية نزع الاستعمار وإضافة مكاسب نظرية بالغة الأهمية، كما تكشف ولاء القيسية (2020) في معرض قراءتها للاستعمار-الاستيطاني في السياق الفلسطيني. في المحصلة، (نزع) التشكيك الكويريّ هو تمرين مرن رغم أنه مطوّل، لكنّه قادر على تحديد العنف المباشر الناتج عن منطق "إمّا هذا / أو ذاك" (ويبر 2016) الذي يحكم عالمنا اليوم.

 


     
  • 1. ترجمة لمصطلح visibility، ويحمل التعبير بعدًا سياسيًا ارتبط بالناشطية على قضايا التغيير الاجتماعي. يرتبط مصطلح الظهور غالبًا بالحركات السياسية التي ترغب في اتخاذ حيز في المجال العام عبر الإعلان عن وجودها، يمثل الظهور العلني بالنسبة لناشطي/ات مجتمع الميم الظهور استراتيجية عمل لكسب الحقوق والوصول إلى الخدمات، مع أنه موضع جدل عميق ضمن الحركة ، حيث تعتبر فئة أخرى أن هذه الاستراتيجية مضرة، تهدد أمنهم/ن وتنزع عنهم/ن استقلاليتهم وأصالتهم/ن في التنظيم السياسي والاجتماعي، كما تعكس امتيازًا لأولئك القادرين/ات على الإشهار بميولهم/ن وهوياتهم/ن الجنسية و/أو الجندرية. (هيئة التحرير)
  • 2. أو القومية المثلية، وهي ترجمة لمصطلح Homonationalism، وهو مفهوم نظّرت له جاسبر بوار، لتنتقد من خلاله الحركة المثلية والكويرية في الولايات المتحدة وانخراطها ومساهمتها بتعزيز الأجندة والخطاب القومي التقسيمي، بالإضافة إلى التماهي مع المعيارية على أساس الغيرية الجنسية، ومجاراتها للعنصرية وخطاب تفوق الرجل الأبيض في ما يسمى "بالامبراطورية الأميركية". تقول بوار عن مفهوم القومية المثلية الآتي "نشوء المثلية الجنسية، أو ما أسميه اصطلاحًا القومية المثلية، التي توازي تفوق الامبراطورية الأميركية لا يعمل وحسب بوصفه أداة تنظيمية ورقابية للمثلية والكويرية المعيارية، بل أيضًا بالنسبة للأنماط العرقية والوطنية التي تعزز هذه المواضيع الجنسية. هناك التزام بصعود هيمنة البيض العالمية، ويمكننا ملاحظة هذا التورط من خلال الترويج للامبراطورية الأميركية وأيضًا التحالف بين هذا الترويج وهذا النوع من المثلية". (هيئة التحرير)
  • 3. ترجمة حرفية لعبارة Coming out "الخروج من الخزانة"، ولكنها أصبحت تعبيرًا راج مع صعود حركة المثليين/ات والعابرين/ات، واستخدم مجازيًا للدلالة عن الإفصاح عن التوجهات الجنسية/الهويات الجندرية بشكل علني، حيث تعاني هذه الفئة من اضطهاد مبني على أساس توجهاتها وهوياتها الجنسية والجندرية، مما يجبر بعض أفرادها على "البقاء في الخزانة" (closeted)، أي إخفاء/عدم الإعلان/عدم الإفصاح عن هوياتهم/ن وتوجهاتهم/ن الجنسية والجندرية، لتجنب الوصمة والتمييز والعنف. وفيما بعد باتت استراتيجية الإفصاح أو عدمه نقاشًا سياسيًا بين المجموعات الناشطة على قضايا الجنسانية والجندر. (هيئة التحرير)
ملحوظات: 
المراجع: 

Abu-Lughod, L. 1998. Remaking Women: Feminism and Modernity in the Middle East. Princeton: Princeton University Press.

Abu-Lughod, L. 2013. Do Muslim Women Need Saving? Cambridge: Harvard University Press.

Ahmad, L. 1993. Women and Gender in Islam: Historical Roots of a Modern Debate. New Haven and London: Yale University Press.

Al-Ali, N. 2000. Secularism, Gender and the State in the Middle East: The Egyptian Women’s Movement. Cambridge: Cambridge University Press.

Alloula, M. 1987. The Colonial Harem. Manchester: Manchester University Press.

Alqaisiya, W. 2020. “Palestine and the will to theorise decolonial queering.” Middle East Critique 29(1): 87–113.

Amer, S. 2012. “Naming to empower: lesbianism in the Arab Islamicate world today.” Journal of Lesbian Studies 1(4): 381–397.

Boone J. A. 2014. The Homoerotics of Orientalism. New York: Columbia University Press.

D’Emilio, J. 1983. “Capitalism and Gay identity.” in A. Snitow, C. Stansell, and S Thompson, eds., Powers of Desire: The Politics of Sexuality. New York: Monthly Review Press.

El-Tayeb, F. 2012. “‘Gays who cannot properly be gay’: queer Muslims in the neoliberal European city.” European Journal of Women’s Studies 19(1): 79–95.

Farris, S. R. 2017. In the Name of Women's Rights: The Rise of Femonationalism. Durham: Duke University Press.

Foucault, M. 1990. The History of Sexuality: An Introduction, transl. by R. Hurley. New York: Pantheon Books

Grewal, I. 1996. Home and Harem: Nation, Gender, Empire, and the Cultures of Travel. Durham, NC: Duke University Press.

Habib, S. 2009. Islam and Homosexuality. Santa Barbara: ABC-CLIO.

Hamdan, S. 2015. “Re-orienting desire from with/in queer Arab shame: conceptualizing queer Arab subjectivities through sexual difference theory in a reading of Bareed Mista3jil.” Kohl: A Journal for Body and Gender Research 1 (1): 54–69.

Haritaworn, J., A. Kuntsman and S. Posocco. 2014. Queer Necropolitics. Oxon: Routledge.

Hayes, J. 2000. Queer Nations: Marginal Sexualities in the Maghreb. Chicago and London: Chicago University Press.

Hopwood, D. 1999. Sexual Encounters in the Middle East: The British, the French, and the Arabs. Reading, UK: Ithaca.

Inonnides, G. 2014. “Queer travels: intersections for the study of Islam, sexuality, and queer theory.” In Queering Religion, Religious Queers, edited by Y. Taylor and R. Snowdon, 117–136. New York and London: Routledge.

Khan, A. 2020. “Queer Secularity.” Lambda Nordica 25(1): 133–139.

Makarem, G. 2011. “The Story of Helem.” Journal of Middle East Women’s Studies 7(3): 98–112.

Makdisi, U. 2017. “The mythology of the sectarian Middle East.” Rice University’s Baker Institute for Public Policy. Available at https://www.bakerinstitute.org/media/files/files/5a20626a/CME-pub-Sectar.... Accessed 22 June 2020.

Manalansan IV, M. 2006. “Queer intersections: sexuality and migration in queer studies.” The International Migration Review 40 (1): 223–249.

Massad, J. 2007. Desiring Arabs. Chicago, IL: Chicago University Press.

McCormick, J. 2011. “Hairy chest, will travel: tourism, identity, and sexuality in the Levant.” Journal of Middle East Women's Studies 7(3): 71–97.

Mikdashi, M and Puar, J. K. 2016. “Queer theory and permanent war.” GLQ: A Journal of Lesbian and Gay Studies, 22(2): 215–22.

Najmabadi, A. 2005. Women with Moustaches and Men Without Beards: Gender and Sexual Anxieties of Iranian Modernity. Berkeley: University of California Press.

Nasser Eddin, N., Abu-Assab, N and A. Greatrick. 2018. “Reconceptualising and contextualizing sexual rights in the MENA region: beyond LGBTQI Categories.” Gender & Development 26 (1): 173–189.

Puar, J. K. 2007. Terrorist Assemblages: Homonationalism in Queer Times. Durham: Duke University Press.

Rao, R. 2014. “The Locations of homophobia.” London Review of International Law 2(2):169–199.

Ritchie, J. 2010. “How do you say ‘come out of the closet’ in Arabic? Queer activism and the politics of visibility in Israel-Palestine.” GLQ: A Journal of Lesbian and Gay Studies 16 (4): 557–575.

Rubin, G. 1984. “Thinking sex: notes for a radical theory of the politics of sexuality.” in Peter Aggleton and Richard Parker (eds), Culture, Society and Sexuality: A Reader. Oxon and New York: Routledge.

Said, E. W. 2006. Orientalism. New York: Vintage Books.

Scott, J. W. 2018. Sex and Secularism. Princeton: Princeton University Press.

Turner, B. 2007. “Managing Religions: State Responses to Religious Diversity.” Contemporary Islam 1(2): 123–137.

Weber, C. 2016. Queer International Relations: Sovereignty, Sexuality and the Will to Knowledge. Oxford: Oxford University Press.

Yeğenoğlu, M. 1998. Colonial Fantasies: Towards a Feminist Reading of Orientalism. Cambridge: Cambridge University Press.

Zeʼevi, D. 2005. Producing Desire: Changing Sexual Discourse in the Ottoman Middle East, 1500-1900. Berkeley: University of California Press.