المبادئ الأخلاقيّة الجنسيّة ومشاريع الدولة: كيف يمكن للمقاومة الكويريّة أن تحوّل النّبذ إلى تحرّر؟
مادلين أرناؤوط، خرّيجة صحافة، مُنشِئة محتوى، هاوية لوسائل التواصل الاجتماعي، مؤمنة بالعدالة الاجتماعية. ولدت وترعرعت في تبنين، لبنان الجنوبي، وشعرت دائمًا بالحاجة إلى الاستقلال وتوسيع آفاقها. لذا انتقلت إلى بيروت قبل سبع سنوات، الأمر الذي كان - ولا يزال - رحلة لا تصدّق! تخصّصت في الصحافة في الجامعة اللبنانية بسبب شغفها بالأدب العربي وحرية التعبير ثم أكملت عامها الأول في الماجستير وتخصصت في الصحافة الاقتصادية. تجربة العيش في بيروت ولقاء مختلف أنواع الناس علّمتها أموراً كثيرة. كلّنا مختلفون بطريقتنا الخاصة، كلّنا بشر وكلّنا متساوون. كامرأة تعيش في الشرق الأوسط، شعرت دائمًا بالحاجة إلى إثبات قيمتها، عندها اكتشفت أهمية النسوية. تؤمن أن العمل بنشاط للدفاع عن الحقوق الفردية له فائدة كبيرة، ولكن أيضًا حقوق الآخرين الاجتماعية أو الاقتصادية أو المتعلّقة بالحرية الجندرية. مبدعة ومضحكة ودقيقة في مواعيدها ومنتجة، تطمح إلى الازدهار في مجال الإعلام والاتصال وتأمل بتحقيق هذا الهدف قريبًا.
Tears in the fabric.png
تخلق إسرائيل الفوضى بين المدنيين من الشعوب التي تغزوها من خلال العنف الجسديّ والعاطفيّ (راجع/ي نتانل، 2016) وتستخدم المبادئ الأخلاقيّة الجنسيّة كأداة للاحتلال. هذا جليّ في احتلال فلسطين وفي الحرب ضدّ لبنان. يغوص هذا المقال في الطرق التّي جُيّشت من خلالها الشعوب المُحتَلّة، وسط كل هذه الفوضى، على قضايا النوع الاجتماعي والجنسانيّة (وإن كان ذلك لأهداف مختلفة. فهذه الشعوب أُجبرت على خلق جبهة موّحدة ضد العدو، وبالتّالي أعيد إنتاج الغيريّة الجنسيّة. فتعزّزت ثنائية الأدوار الجندريّة، بحيث جُيّشت النساء من أجل الإنجاب للحفاظ على الأمّة والرّجال للقتال من أجل حماية نسائهم وأطفالهم (راجع/ي نجم آبادي، 2005 ). هذا التّأكيد على المعياريّة الغيريّة النمطيّة أدّى إلى زيادة عزل اللا-معياريين/ات جنسيًا وجندريًا، الذين لا ينتمون إلى أيٍّ من الثنائيات الجندريّة أو الجنسانيّة الصارمة. سأحلّل نظريًا المساحات الكويريّة ضمن هذه السياقات، وذلك لتحديد كيفية تقويض هويّات مجتمع الميم لصالح مشاريع الدولة، ومعرفة ما إذا كان باستطاعة أفراد هذا المجتمع إستخدام فكرة المساحة الكويريّة لمقاومة رهاب مثليّة المحلّي ورهاب مثليّة المحتلّ. أجادل أنّه في فلسطين بينما يوجد مساحة إفتراضية للكويريين/ات، يُعترف بها كمقاومة، إلّا أنّ "حواجز التفتيش" الميدانية تعني أنّ هذا "التقدّم" لا ينعكس على أرض الواقع.
الإحتلال أوفلاين
إن احتلال إسرائيل للشعب الفلسطيني يخلق حالة الطوارئ. في أوقات الطوارئ الوطنيّة، تحتّل قضايا الحرب "أو التحرّر الوطني" الصدارة من جهة، بينما تهمل "قضايا" التمييز الجنسيّ ورهاب المثليّة من جهة أخرى (نابر وزعتري، 2014). يتشكل التّحرر الوطني عبر تطبيق واضح لتقنيات تفعل المعيارية الغيرية النمطية: من خلال "ثنائيات قومية" (المرجع ذاته، 100) تقودها الدولة، تعمل قيم العائلات المعيارية على توحيد الأمّة الدولة المُحتّلة ضد العدو. وبطبيعة الحال، تستبعد الجنسانيات غير المنسجمة مع المعيارية الغيرية النمطية إلى خارج العائلة النواتيّة (راجع نابر وزعتري، 2014). لكن تبقى مركزية القيم الجنسيّة ضمن مشاريع الدولة مبهمة بسبب حالة الطوارئ. في الواقع، المعيارية الغيرية النمطية للمقاومة الوطنية لتحرير فلسطين ليست مجرد نتيجة للاحتلال فحسب، بل أداة له: من خلال خلق الفوضى المعطّلة للمجتمعات المُحتّلة، يُظهر تهميش مجتمع الميم فلسطين على أنّها رجعيّة ومعادية للمثليين/ات.
تعمل الحرب "العالميّة" ضد الإرهاب، على تعزيز الاعتقاد بأن مجتمع الميم العربي والمسلم مقموع من قبل "ثقافتهم" المعادية للمثليين/ات بهدف إضفاء الشرعية على "تجديد" العنف العسكري للولايات المتحدّة وإسرائيل (المرجع ذاته). بعد أحداث 11 أيلول، صُوّر العرب والمسلمون، "كإرهابيين غير حضاريين" حتى تتمكّن للقوى الاستعمارية المعاصرة من التذرّع بحجّة الدفاع عن نفسها وعن "السلام، الديمقراطية والأمن" (المرجع ذاته). إن السبب الجوهري في اختزال العرب والمسلمين بالإرهاب هو فقدان الذاكرة الانتقائي حيال الظروف التاريخية التي أدّت إلى أحداث 11 أيلول. فثنائية "نحن ضدّ هم" تصوّر أي أحد ضد إسرائيل على أنّه مناهض للدّيمقراطية وداعمٌ للإرهاب.
من خلال سيطرة إسرائيل على الجنسانية (المثليّة)، تتعزز ثنائية الغرب المتحرّر جنسيًا في مقابل الشّرق القامع (المرجع ذاته). تقوم إسرائيل ببناء وإنتاج المثليين/ات الاسرائيليين/ات "الصالحين/ات" في مقابل المثليّين/ات العرب "السيئين/ات" للتغطية على مشروعها العنصري الإمبريالي والمعادي للإسلام تحت ستار المبادئ الأخلاقية الجنسية. أكثر من ذلك، فإنّ تبنّي إسرائيل لفلسفة "معنا أو ضدّنا" يصنّف الشّرق الأوسط على أنّه تهديد إرهابي دائم. "في ظل المنافسة الممنهجة على الأولويّات" (المرجع ذاته)، تعمل هرمية الشرق / الغرب على تحريض المجموعات والهويات غير النمطية ضد بعضها البعض.
إنّ التعبئة الأخلاقية الجنسية من قبل مشاريع الدولة (مواطنون/ات "صالحون/ات" معياريون/ات موحدّون/ات ضدّ العدو) هو أداة وهميّة للإمبراطورية، وليس مجرّد عارض للصراع (راجع/ي مكلينتوك، 1995). من خلال خلق الظّروف التّي يتّم على إثرها نبذ أصحاب الميول الجنسّية غير النمطية مثل المثليين/ات والعابرين/ات جنسيًا من الدّول التّي تغزوها، تتمكّن إسرائيل من استيعاب هؤلاء المستبعدين/ات في مشاريعها الاستعمارية. وفقًا لجوزف مسعد (مسعد، 2002: 362) ، فإنّ رسالة الأممية المثلية العالمية، بعبارة أخرى"تحرير المثليين والمثليات العرب والمسلمين" من قمعهم، تحوّل "ممارسات الاتصال الجنسي مع الجنس ذاته إلى مواضيع تُصنف ضمن فئة مثليي الجنس أو مثليات الجنس". من خلال الدفاع عن حقوق المثليين/ات، تبدو إسرائيل أكثر تحضّرًا من الأراضي المحتلة، التي تبدو بالتالي معادية للمثليين/ات، وبالتالي رجعية (أنظر/ي سعيد، الإستشراق،1978).
بينت مكداشي (2011)، بوار (2013) وريتشي (2014) كيف أنّ إسرائيل تختزل المنخرطين/ات في ممارسات جنسية مثليّة بجنسانيّتهم من خلال استراتيجية "الغسيل الوردي"، من أجل تعميم "هوية كويرية". مع أخذ ذلك في عين الإعتبار، سوف أرّكز على تحليل حياة أفراد مجتمع الميم الذين يتجاوزون هذه الهويات "على أرض الواقع" في فلسطين. إنطلاقًا من الاستخدام المزدوج للتطبيع الغيري المعياري للاحتلال، الذي تنتهجه إسرائيل عبر استعمال رهاب المثلية المحلي لتهميش الفلسطينيين/ات من مجتمع الميم باعتبارهم غير نمطيين/ات، وفي الوقت نفسه توظيفهم/ن لدعم صورة إسرائيل على أنها متحرّرة جنسيًا، سأبحث عن الطرق التّي يؤثّر بها "الغسيل الوردي" على حياتهم/ن.
وفقًا لباتلر (1993: 219)، "قد يكون الفشل في تحديد الهوية بحد ذاته نقطة انطلاق لإعتراف أكثر ديمقراطية بالإختلافات الداخلية". تكشف نظرية مونوز (1999) للإنفصال عن الهوية عن كيف يمكن لهؤلاء "المنبوذين/ات" استخدام استبعادهم، ليس فقط لمقاومة قمعهم داخل الدولة بل أيضا للتشكيك في الخطاب الداعم لمكانة إسرائيل عالميًا كحامٍ حضاريّ لحقوق المثليين/ات العالمية. من خلال نبذهم نتيجة رهاب المثلية المحلّي، يتمتّع مجتمع الميم في فلسطين "بحرية" عدم التلاؤم مع التصنيفات الجندرية والجنسانية المعيارية أو النمطية، ليس فقط لمقاومة رهاب المثلية المحلّي ولكن أيضًا الإسرائيلي.
يبحث مونوز (1999: 4) كيف أنّ الموضوعات المنبوذة، أي الذين استبعدوا من "وهم المواطنة المعيارية"، لديهم/ن ثلاثة خيارات للبقاء داخل المجال العام للأغلبية. إذ يمكنهم إمّا أن يستوعبوا الثقافة السائدة ويتماثلوا معها، لينفصلوا عن الهوية، أو يعيدون تدوير أجزاء من الثقافة السائدة لخلق جمهور مضاد يقاومون من خلاله، أو أن يرفضوا التماثل ويواجهوا الثقافة السائدة بشكل قاطع انطلاقًا من عوامل متعددة، ولكن مثل هذه القرارات تتخذ موقع الصدارة في أوقات الإضطرابات المدنية. باستخدام نظرية مونوز للانفصال عن الهوية، سأستكشف الخيارات المتاحة لأفراد الميم لفلسطينيين/ات غير المعياريين/ات. هل يمكنهم مقاومة رهاب المثليّة المحلّي دون أن يتمّ استيعابهم/ن ضمن بعثات التحضّر الإسرائيلي؟
إستعادة الهوية عبر العالم الإفتراضي؟
إيرا تاتلمان هو مهندس معماري وباحث يركّز في عمله على الفضاءات الكويريّة كعالمٍ موازٍ مبني ومليء بإمكانيات التدخّل في "عالم الثّقافة السّائدة" (2000: 223-224). أطبّق تعريف تاتلمان للمساحة الكويريّة للتساؤل حول أتراف Atraf (راجع الشكل 1 لـ لتاتلمان لمجموعة مختارة من مستخدمي أتراف). أتراف هو منصّة مواعدة إلكترونية يستخدمها مجتمع الميم من الإسرائيليين/ات والفلسطينيين/ات تحت الاحتلال. يدافع موغو وأنطونيتز (2014) عن استخدام المنصّات الافتراضية (مثل منصة المواعدة عبر الإنترنت التي يستخدمها الإسرائيليون والفلسطينيون من مجتمع الميم) لإنشاء مساحات للنساء الأفريقيات الكويريريات لمقاومة وصمة الخزي المفروضة عليهن لأنهن كائنات لا معيارية، وبلورة هوياتهن الخاصة وكتابة تاريخهن بأنفسهن.ٍ فعوضًا عن إنشاء حسابات زائفة على الفايسبوك ومن خلال الإنفصال عن هوياتهن غير المعيارية والمفروضة عليهن، يمكن لهؤلاء النساء خلق جمهور افتراضي مضاد، ليس بوصفه فقط مساحة آمنة من المجتمعات المعادية للمثلية، بل كفضاء يتيح تخيّل مستقبل لمجتمعات الميم والكويريين/ات خارج المساحة الافتراضية، وعلى أرض الواقع. في فلسطين، يناقش ريتشي (2014) منصّة المواعدة عبر الإنترنت "أتراف" باعتبارها فرصة للفلسطينيين/ات المثليين/ات الذين/اللواتي تم نبذهم/ن، ليس فقط من قبل مجتمعاتهم بما يتماشى مع تزايد المعيارية على أساس الغيرية الجنسية من قبل الاحتلال، ولكن أيضًا كعرب أو مسلمين في إسرائيل.
لضمان انفصال الاسرائيليين عن "الآخرين"، يتحكم موقع "أتراف" بعملية اختيار الأشخاص الذين يطلبون التعارف. فنظرًا لغياب إمكانية التفتيش المادي للأوراق والوثائق الشخصية (للتأكد من إبقاء هذا الفصل) في "الحياة الواقعية"، يتم إنشاء نقاط تفتيش ضمن الفضاء الإلكتروني بالاعتماد على فئات دينية مختارة ذاتيًا. فضمن الهرمية الداخلية للهوية العربية التي تشمل غالبًا العرب و"المسلمين غير البدو الأقلّ جاذبية" (كنعانة 2009: 10)، يحتاج الفلسطينيون الرّاغبون بالمواعدة خارج هذه الهرمية إلى عدم التماثل مع هذه الفئة. ولكن، في حين أنّه يمكننا اعتبار فعل عدم التماثل هذا (مع الدين والهوية العربية) تحرّري، وفرصة لفلسطينيي/ات مجتمع الميم لتخيّل مستقبل كويري لا يختزلهم "بهويتهم/ن العربية"، إلا أنه لا ينعكس تحررًا في الحياة الواقعية. يفرض مجتمع الميم الاسرائيلي "رقابة بوليسية" ويعلن المساحات الكويرية الإفتراضية كمساحة إسرائيلية: "ففئة غير مناسب تذكر العرب". هذا يوضح كيف أن اختيار فئة "غير مناسب" يشير إلى هوية عربية، وبالتّالي يفترض أنّه محظور على اليهود الإسرائيليين (ريتشي 2014: 625). "أتراف" هو "صورة مصغّرة للفضاء الإسرائيلي الكويري". تعكس عملية الاختيار فيه ما "يميّز التجارب الجسدية واليومية للكويريين/ات الفلسطينيين/ات في إسرائيل" (المرجع ذاته). تخضع "نقاط التفتيش" إلى المعتقد الذي يعتبر أن السماح للفلسطينيين/ات بدخول فضاء ما يجعله أقلّ أمانًا (ويزمان 2007). لذلك، تبقى هذه التخيلات الإبداعية (اللعب بفئات الهوية من خلال نقاط التفتيش الافتراضية) خيالية، مع أمل ضئيل في تحويل كراهية الإسلام والعنصرية التي يواجهها الفلسطينيون/ات في "نقاط التفتيش" على أرض الواقع (ويزمان 2007)، مثلما حصل في مواجهاتهم/ن مع حرّاس نوادي المثليين/ات في إسرائيل (ريتشي 2014).
لا يعزز ذلك فحسب فكرة "الأممية المثلية" ألتي تزعم أن هناك شيئًا خاصًا ومختلفًا في هوية أفراد ومجتمعات الميم، بل يتخيّل المساحات الكويرية كمساحات منفصلة عن المساحات الغيرية جنسيًا. يذكّرنا ريتشي (2014) أن المساحة الكويرية ليست آمنة من "نقاط التفتيش"، أي النظام الذي يسمح بفرض سيادة إسرائيل على كل الفلسطينيين/ات الموجودين/ات في مجالها. إن تخصيص مساحات كويريّة على الإنترنت وفي أرض الواقع يخلق قواعد تستبعد بشكل أكبر المنخرطين/ات في ممارسات جنسية مثليّة وتفصلهم عن المجال العام، بطريقة مشابهة لتلك فرضت إسرائيل من خلالها "نقاط التفتيش" لتقييد حركة الفلسطينيين منذ حرب الستّة أيام في العام 1997 (ويزمان 2007). نظرًا لكونهم/ن "مثليين/ات صالحين/ات"، يمتلك الإسرائيليون/ات قدرة الدخول على هذه المساحات والتسويق أمام العالم الخارجي لإسرائيل المتحرّرة جنسيًا. ولكن المثليون/ات الفلسطنيون/ات "السيئون" يُصوَّرون على أنّهم ينتمون للشرق الأوسط الرجعيّ الذي يرهبهم (راجع مقدسي 2011)، وبذلك تم تشريع إحتلال إسرائيل لفلسطين تحت شعار إنقاذ مثلييها/تها (راجع/ي أيضًا سبايفاك 1988 "النساء البيض ينقذون النساء السّمر من الرجال السمر").
فبدلًا من تجاوز الفضاء الكويري لحدود "المواقع الاجتماعية والروحية والجمالية" (ديزير 1996:20)، عزّز في المقابل "تجاور المساحة الكويرية والمساحة السيادية" (ريتشي 2014: 625) في أتراف (عبر الإنترنت) وفي نوادي المثليين/ات (على أرض الواقع). وبالتاّلي فإن كتم الهوية الفلسطينية أو العربية ليس استراتيجية ناجحة للاندماج مع إسرائيل أو الإنفصال عنها: تتشكّل "نقطة التفتيش" "عند توقّع حصول عنف" (جيجانثن 2002: 360). لأن الهوية العربية لا تحدّد فقط معايير الرغبة ولكن أيضًا من يعدّ إنسانًا (ريتشي 2014).
ان استراتيجية نقطة التفتيش، أي التحقّق من الذّين/اللواتي يعتبرون مثليين/ات صالحين/ات أو سيئين/ات على أساس عناصر لا تتغير في الحياة الواقعية، ما هي إلّا مجرد استمرارية لتقييد حركة الفلسطينيين/ات المثليين/ات افتراضيًا وواقعيًا (المرجع ذاته). ففي إسرائيل، مجتمع الميم هو الغربي أو الاسرائيلي في ضوء إسقاطات إسرائيل الخارجية كدولة متحرّرة، وبالتالي، فإن كل ما هو فلسطيني يصنّف بأنّه غير متوافق مع الكويرية. لا يختلف تنظيم المساحات والأفراد الكوريين في العالم الإفتراضي عن التنظيم في الواقع. إنّ الكشف عن تسامح المساحات الكويرية باعتباره الأسطورة الرسميّة (المرجع نفسه) هو سبيل الفلسطينيين/ات الوحيد (الكويريين/ات) للمقاومة وعدم التماثل مع وجه الرهاب الاسرائيلي الحقيقي. سواء كان على المساحة الكويرية الافتراضية أو خارجها، فإن الفلسطيني/ة العربي/ة هو/ي "الضحية الأبدية لجوهر [...] غير قادر على الهروب من عرقه" (فانون 1986: 18،26،35،67). لا يمكن للفلسطينيين/ات الذين يرتادون المساحات الافتراضية مثل "أتراف" أن لا يتماثلوا مع أو ينفصلوا عن المساحة الكويرية كاستراتيجيات للبقاء، لأن هذه المساحات إسرائيلية.
يصف مصطلح "القومية المثلية" "نقلة تاريخية يمثّلها اعتبار بعض الأفراد المثليين/ات جديرين/ات بحماية الدولة" (بوار 2013: 337). وفي حين يتم اختيار بعض الإسرائيليين/ات ليُعتبروا مثليين/ات صالحين/ات ليحصلوا على الحماية من رهاب المثلية طالما أنهم ما زالو إسرائيليين، يُحرم مجتمع الميم الفلسطيني من الحماية من رهاب الإسلام والمثلية. في الواقع، الإسرائيين/ات المثليين/ات بحاجة إلى الفلسطنيين/ات المثليين/ات "السيّئين" لاكتساب صفة المثليين/ات الصالحين/ات والإبقاء على مساحتهم آمنة من الآخرين. يحمل هذا التّضاد إمكانية التحرر من المساحات الكويرية الاسرائيلية (ريتشي 2014). فبحسب ريتشي (2014: 631)، إنّ تحقيق مساحة كويرية متخيّلة (حيث لا يكون الفلسطينيين/ات مثليين/ات سيئين/ات)"، يتطلّب على الأقل إعادة بناء للعلاقات الإجتماعية الإسرائيلية-الفلسطينية". لذلك، في الحاضر، فإنّ تمركز المبادئ الأخلاقية الجنسية في صلب الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين يعني أنّ المساحة الكويرية الإفتراضية لا تهدف لشيء سوى التذكير بهذه الحقيقية.
إن مركزية الجنسانية في صلب مشاريع الدولة يعني أنّ الجنسانيات غير المعيارية لديها إمكانات خيالية/قابلة للتخيّل لتشكيل تهديد غير مسبوق على الإحتلال الإسرائيلي، لأن تموضعها خارج قيم العائلية المعيارية النمطية المعززة "برهاب المثلية المحلّي" المعلّل بخطاب "الطوارئ"، يمنحها فرصة فريدة من نوعها للمقاومة. بما أن الطائفة والعائلة تلتقيان في أبويتهما وبناهما المعيارية على أٍساس الغيرية الجنسية، فإنّ العديد من الأفراد الفلسطينيين/ات اللا غيريين/ات جنسيًا يشكّلون تهديدًا لكلتا المؤسستين. فنظرًا لوضعهم/ن غير معياري أو النمطي، ونبذهم خارج "مملكة المعيارية النمطية"، ووضعهم في موقع العار، هؤلاء "المنبوذون/ات" قادرون/ات على اتخاذ موقع فريد في معادلات القوة لمقاومة الخطابين، والتوحّد في وجه القوى المعيارية الغيرية واللاغيرية للمحتلّ. من موقعهم/ن كمستبعدين/ات عن المجال العام للأغلبية، يمكن للهويات اللامعيارية ونشطاء مجتمع الميم أن يحصلوا على المنبر وبالتالي الشرعية لإسترداد الجنسانية من سيطرة الدولة، بدلاً من مجرد تبنّي إمتداد عالمي إضافي "للأممية المثلية" (راجع/ي مسعد 2002) لحقوق الإنسان "الغربية".
تتيح نظرية الإنفصال عن الهوية لمونوز (1999) للمساحات الكويرية الإفتراضية والواقعية أن تُرى كإستراتيجيات بقاء للتفاوض على المجالات العامة التي ترهبهم بغالبيتها. من خلال عدم التماثل، يتمكن المنبوذون/ات اللا معياريين/ات من إعادة تدوير صور نمطية سلبية مسقطة عليهم لإعادة سرد حياتهم وخلق هوياتهم بأنفسهم. وعلى الرغم من ذلك، فإن شبح الأمل هذا قصير الأجل بالنسبة للفلسطينيين/ات في ظل الاحتلال الإسرائيلي. في إسرائيل – فلسطين هكذا مساحات هي "متخيّلة" في أفضل الأحوال: فالمساحات الافتراضية لا تستطيع الهرب من الأنظمة التوتاليتارية التي تحكم الواقع. في حين أن حتى فرصة تخيّل مستقبل كويري لا يعتبرون فيه شياطين بسبب ديانتهم (كتهديد إرهابي)، ليست مضمونة لا من قبل الدولة الإسرائيلية ولا شرطة الأخلاق لديها. فإن المقاومة المنفصلة عن الهويات لن تثمر بنتيجة في مساحة تعاقبهم على كونهم (أو ظهورهم) كمسلمين، عرب وفلسطينيين.
Butler, J. (1993). Bodies that Matter: On the Discursive Limits of Sex. London: Routledge.
Désert, J. (1996). Queer Space. In: G. Ingram, A. Bouthillette and Y. Retter, ed., Queers in Space: Communities, Public Spaces, Sites of Resistance. Seattle: Bay Press.
Fanon, F. (1986). Black Skin, White Masks. London: Pluto.
Jeganathan, P. (2002). Walking through violence: “Everyday life” and Anthropology. In: D. Mines and S. Lamb, ed., Everyday life in South Asia. Bloomington: Indiana University Press.
Kanaaneh, R. (2009). Surrounded: Palestinian Soldiers in the Israeli Military. Stanford: Stanford University Press.
Massad, J. (2002). Re-Orienting Desire: The Gay International and the Arab World. Public Culture, 14(2), pp.361-385.
McClintock, A. (1995). Imperial Leather. New York: Routledge.
Mugo, K. and Antonites, C. (2014). #FillThisSpaceIfYou'reAnAfricanWoman. Agenda 99/28 (1), pp.29-36.
Mikdashi, M. (2011). Gay Rights as Human Rights: Pinkwashing Homonationalism. [online] Jadaliyya - جدلية. Available at: http://www.jadaliyya.com/Details/24855/Gay-Rights-as-Human-Rights-Pinkwa... [Accessed 5 May 2019].
Muñoz, J. E. (1999). Disidentifications: Queers of Color and the Performance of Politics. Minneapolis: University of Minnesota, pp.1-34.
Naber, N. and Zaatari, Z. (2014). Reframing the War on Terror: Feminist and Lesbian, Gay, Bisexual, Transgender, and Queer (LGBTQ) Activism in the Context of the 2006 Israeli Invasion of Lebanon. Cultural Dynamics 26(2), pp.91–111.
Najmabadi, A. (2005). Women with Mustaches and Men without Beards: Gender and Sexual Anxieties of Iranian Modernity. Berkeley: University of California Press.
Natanel, K. (2016). Sustaining conflict. Berkeley: University of California Press.
Puar, J. (2013). Rethinking Homonationalism. International Journal of Middle Eastern Studies 45(2), pp.336-339.
Ritchie, J. (2014). Pinkwashing, Homonationalism, and Israel-Palestine: The Conceits of Queer Theory and the Politics of the Ordinary. Antipode: A Journal of Radical Geography, 47(3), pp.616–634.
Said, E. W. (1978): Orientalism. London: Penguin.
Spivak, G. (1988). Can the Subaltern Speak?. Marxism and the Interpretation of Culture. Urbana: University of Illinois, pp.271-313.
Tattleman, I. (2000). Presenting a Queer (Bath)House. In: J. Bonne, ed., Queer Frontiers: Millennial Geographies, Genders and Generations. Madison: University of Wisconsin Press.
Weizman, E. (2007). Hollow Land: Israel’s Architecture of Occupation. New York: Verso.