هذا بيتي الذي أردتَ رؤيتَه

السيرة: 

أبيغيل سيلفرسميث عرفان شاعرة وموسيقية عابرة جنسيّاً من جنوب الهند. تتناول كتاباتها موضوعاتٍ تتصل بالأمل الكويري، والحياة، وبناء العوالم. تشارك في الأداء الموسيقي مع فرقة البانك Inshallah Babes. وهي حاليًا طالبة ماجستير في برنامج "الثقافة والمجتمع والفكر" في المعهد الهندي للتكنولوجيا – دلهي.

اقتباس: 
أبيغيل سيلفرسميث عرفان. "هذا بيتي الذي أردتَ رؤيتَه". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 11 عدد 3 (16 كانون الأول/ديسمبر 2025): ص. 13-13. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 2025). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/my-home-you-wanted-see.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
ترجمة: 

رياض الأيوبي دارس للاقتصاد وقارئ لحقول العمران والفلسفة واللغويات في تاريخ العرب، بادي البدء في ممارسته الترجمة لمّا عمل على نقل الأدبيات الشيوعيّة للعربية عبر صفحة «ما العمل؟» ومن ثمّ توسّع في هذا البحر من خلال تتبّع مخاض عمل شيوعيّي لبنان زمن الستينيات على نقل الإنتاج المعرفي من عالم الشمال إلى العالم العربي.

مدير الترجمة في مجلة "كحل". تمارس الترجمة المكتوبة والتعاقبيّة مع تخصص في مجال السياسة والإدارة العامة وموضوعات الهجرة / اللاجئين والعلوم التربوية.

olive_tree_website_ar.png

سارة السرّاج - شجرة زيتون

كتابات زمن الحَجْر الغاضبة لسحاقيّة عابرة مسلمة غَضوبٌ ومحزونة

 

قصائد كتبتها في غرفة الحَجْر

 

ألا إنّ دكّ هذه الحيطان،
ابتداعٌ لا يُضاهى لموعدٍ غرامي ثانٍ،
ألا توافقني الرأي؟

تخيّل الحضور إلى هنا وكفى،
بلا أغلال المعاصم هذه،
بل كما البشر، أحرار.
لَعَمري، إنّ الحرّية شرط الإنسانيّة.

بوسعنا التصدّي لحجارتهم وكتبهم؛
بالتحرّر من سطوة الدين والاستعمار،
وبالخروج على مساطر "الاتّزان العقليّ"

ومن ثمّ استنهاض أحلامنا
من بين أكوام الرماد.

 

ذكرى مولدي الثالثة
وُلِدتُ في مكانٍ كما هذا
لمّا كان عمري أربع أو خمس
وأظنّ أنّي وُلِدتُ للتوّ

أنا الآن في الخريف الثالث من عمري.
مغمومٌ من هذه الحيطان،
والحيطان التي سبقتها،
في هذه البيوت الموحشة،
وهذه التخوت المطّاطيّة. 

أنا غيرٌ عنها، تلك التي في الخارج،
إذ إنّ المسرح ينتهي عند البوّابة،
وفي الداخل ابتداء لآخر.

عيد ميلاد(؟) سعيد(؟!) لي(؟!؟)
أنا في الثالثة من عمري

 

اليوم في الحَجْر عاشرتُ نفسي
المنشفة مدسوسة، ما شأنه أن يضيف احتكاكًا مع الباب،
السطل مليان، مضغوط على الباب.
والتموّجات تخبرني عن غيري من الناس،
سائل الرقابة المضادة

اليوم في الحَجْر عاشرتُ نفسي.
سمّاعةُ واحدة فقط موصولة
r/GWASapphic
تلك الأغنية التي لا أنفكّ أعاود الاستماع لها

"سأغتسل"
لست حقًّا أغتسل

أترك كلتا يديّ تفعل سحرها
على جسمي المتغيّر

أتساءل الآن بعد 7 سنوات من هذا الاشتباك في معترك الجسد،
كم منّا فَعَلنَ هذا هنا.
وكيف لهذه الفِعال أن تربطنا –
نحن المسعورين جنسيّاً-للموسومين جنسيّاً

 

صعلكة عابرة
أنا جليسة حجرتي هذا الصباح.
ضياء الشمس خلّابٌ ووضّاح.
هاك الورقة التي أعطوني،
الملغزة بالطلاسم،
وكأنّها هيروغليفيّة، مبهمة.

كانت المفتاح لبيتٍ ما.
بيتٌ سأرحل منه عمّا قريب،
ومن ثمّة إلى غيره،
ومنه إلى آخر،
وأنا على قدمٍ وساق،
حتى أدرك حتف المنون.

أحقًّا هنالك مُستَقَرٌّ لي؟
دارُ بقاءٍ حقٌ في الحقيقة؟

 

كلّيٌّ الشتات؟
هل من محلٍّ لي غير الشتات؟
أتراه جسدي؟
أم بلدي؟
الشتات استوطن جسدي –
إذ ليس لي ترتيبه
وليس لي تركيبه

وأمّا بعد،
فإنّ بلدي1 ليست حاضرة،

فاستقِرّي يا نفسي الخائرة،
في هذه الجنينة القافرة.

في هذه الدار حيث الأشياء كلّها متناثرة.
حتى أنت عن أناك.

 

ماذا عساي أفعل الآن؟
الآن وقد أُخرِجتُ من دياري؟
الآن وقد قُذِف الوهن في قلبي؟
الآن وقد صارت ألواني رماديّة؟

إن كان لا بدّ لي أن "أستولي"
ومع ذلك لا أتولّى النفس،
فعندئذٍ ما المعنى من كلّ هذا؟

الحارس – هلّل للقدّيس.
النفْس – مدنّسة منجّسة.

هل أتعلّم الاستيلاء على الفضاء؟
أو عساني أترك الفضاء(ات) تستولي عليّ؟

 

الإفراج
إنّه يوم الأحد،
الزمن الذي لا يحضر
ليس بعد.
أنا عائدة إلى العالم. أَوَلَستُ؟

 

خارج الحجر

 

حول الالتفافات وجنونها
استيقظت لثلاث مرّات 
طورًا بعد طورٍ
باكتساب شيء جديد
وفقدان شيء أكثر
فقدان نفسي في دورانها
اللامتناهي 

بالاختلاء،
بالسويّة،
في مجموعات من 4، 5، 6
من الوِحشة
من المحبّة
من الشهوة
من اللهفة
مُذ قبل أن نعرف ماهيّة أنفسنا
نحن المعاتيه
نحن المخابيل
نحن المجانين

 

اللجنة
قد أزمعت بالقرار القاضي
أنّك أخذت قسطك الوافي
من أحوال الجراح والأذيّة
إليك هذا الـ C مع الـ PTSD
هذا جزاؤك الشافي!
يا هنيئًا لك.

تنعّم بأبغض إقامة في هذه المصحّة.
وامضِ وقتًا مقيتًا.
:)

 

تمهّل لوهلة
حتى تنزف السموات مجدّدًا.
افتح مظلّتك 
كما غيرك من الدهماء.
انظر لمظلّتك، تقطر دمًا.
وأنت في مغطس من الدماء.

وحدك.
دون غيرك.

لم أعد أستجوب الفزع. 
إذ يهلكني أكثر ممّا يفعل بالفعل 
حتى دون التفكير. 

وحيدة، ذابلة وبلا مؤنسة.

 

عنّا
نحن محابر ذات أوعية تالفة
ومناقيرٌ معقوفة
والعيش في خلال الحرب 
والحبّ في خلال الحرب

بحبّنا تتصلّح مناقيرنا المعقوفة
فيما ننسج قصصنا. 
عن الحنق 
عن الضفاف حيث تبادلنا القُبَل 
عن المكتبات التي فيها انتحبنا 
عن الأحضان في عنابر الأمراض النفسيّة
عن المعجزات 
عن جنونٍ لا يُسبَر غوره

 

قهقهة (كتبت هذه على الفور بعد إنقاذي من مركز "علاج التحويل أو مراكز التصويب الجنسي")
اتّصلت بصديق.
قهقهت.
فالتعاويذ كانت ــ بغرابة ــ هزليّة!

هنالك كانوا،
يحاولون 
أن يسوّوا طيّاتي،
وأن يفكّوا عُقَدي،
وأن يطلقوا سراحي™.
تضاحكتُ مبكّرًا.
ولكنّي راضيةٌ أنّي فعلت.

يا أيّتها السوائل في عروقي،
ألا تخلّصيني من شياطيني؟
أؤكّد لك أنّهم كُثُرٌ
هذا ما قالوا أنك ستفعلي 
يا خيبة المسعى إن لم تسعفي.

 

رجاءاتي للسيّد نتنياهو
رجاءاتي للسيّد نتنياهو – هناك، 
في تيرور كيرالا ميدانٌ يُعدَم فيه الأطفال المثليون.
أريد أن يُؤتى بنتنياهو سحلًا إلى سيّاف ذاك الجحيم. 
أريد لجسده أن يُقيَّد إلى طاولة الإعدام الكهربائي. 
أريد للأسلاك الكهربائية أن تبتلع ذاك الجسد،
أريد تخديرَه جزئيًّا فقط!
أريد لنتنياهو أن يُعدَم صعقاً بالكهرباء. 
يستحقّ هذا الرجل كلّ عذابات ذاك الجحيم – 
بعيدًا عن الأطفال المثليين، بعيدًا عن أطفال غزة.

 

العلاج بجنون المثليّة

 

حين أفكّر في الكويريّة، تتشكّل أمامي صورةٌ واحدة لا تفارقني:
أنا على طاولة المستشفى، مخدَّر/ة جزئيًا، جسدي ساكن، عاجز عن المقاومة.
يقول الطبيب بصوتٍ آليّ: "عشرون سنتيمترًا مكعّبًا من التستوستيرون"،
فتمدّ الممرضة يدها لتملأ الحقنة.
يغرس الإبرة في جسدي، وعيناه خاليتان من الرحمة.
يهمس: "ستكونين بخير، <الاسم السابق>، سنعالج مشكلتك الهرمونية".

أستيقظ كثيرًا على صدى الصورة نفسها.
يتجمّد الزمن في صدري عند لحظاتٍ مبعثرة:
إبرٌ، صواعق، طقوسٌ، واغتصاب.

أحيانًا أفكّر في الهرب من هذا الوجود.
حاولت، لكنّ الطرق التي سلكتُها أعادتني إلى البياض العقيم للجدران.

قلتُ لصديقٍ ذات مرّة، عقب خروجي من المصحّ العقلي مباشرةً،
إنّ حياتي خارج المصحّ ليست سوى مسرحية مترامية،
وأنّي أُحسّ في ذلك نبوءةً أو سرّاً يختزل حقيقةَ العيشِ الموصومِ بالجنون.
لنا – نحن الموصومون بالجنون – فضاءاتٌ قصيّةٌ ونوافذ سرٍّ،
يُجاهد العالم ضدّ وجودها.
نحن، المغايرون والمجانين، ثوّارٌ أينما انتهى بنا المطاف.
نحن المنبوذون، حتى في المصحّات العقلية.
عصياننا ينخر في الفضاء، وفي الحوار، وفي العلاقات،
يرسم معالم جنونٍ جديدة.

أرى الجنونَ وجهًا من وجوه الكويريّة.
فبنيةُ المجتمع التي تُشيِّد معنى الجنون،
هي نفسُها التي تُنتِجه في هيئةٍ لا ثنائيّة:
تُصوّرنا في آنٍ واحدٍ كوحوشٍ ينبغي إخمادها،
وككائناتٍ هشّةٍ تستحقّ رعايةً قسريّة.

المؤسسة النفسية، والدين الاجتماعيّ بعماراته وصوامعه،
كتبوا علينا اسمَ الشذوذ في قوائمهم التشخيصيّة،
وفي خطَب المساجد والمعابد.
هكذا تُقرأ الذاتُ الكويريّةُ كجنون.

إنّ محاولة الكويريّة أن تُؤطَّر داخل منطقٍ "عاقل"
هي في حقيقتها استسلامٌ لروح النيوليبرالية الرأسمالية –
تلك الروح التي ترى العالمَ شريطًا من الأجساد المهيمنة،
فتطهِّره من كلّ ما لا يخدم وظيفته.

إنكارُ الكويريّة للجنون في جوهره خيانة.

يُنعَتُ المجنون بالشيطنة،
ونُرمى بأنّا سحرة وشياطين،
كُتِبَ علينا أن تُشعَل النار في أجسادنا،
وأن تُجرى علينا طقوس الطرد والطهْرِ،
وأن تُلقى علينا اللعنات من كلِّ لسان،
وأن نُنبذَ من الرعاية والحبّ والأُسر،
كأنَّ وجودنا خطيئة تستوجب أن تُطهَّرَ الأرض من أثره.

تاريخ الذين صاغوا معنى "الجنون"
هو، في جوهره، تاريخ رجالٍ معياريّين
غارقين في لذّة السلطة والامتياز،
في العالم الناطق بالإنجليزية – أكثرُهم من البيض،
وهنا في الهند، من طبقة البراهمة المستعلين.

كانت محاولتهم لاقتلاع "الجنون"
متشابكةً أبداً مع تواريخ العنف ضدّ الكوير والعابرين جنسياً،
إذ لم يكن القمع يومًا بريئًا.

فريكرز ولوفاس، وهما من مؤسّسي ما يُعرف اليوم بـ"التحليل السلوكيّ التطبيقي" (ABA)،
تلك المنهجية القسرية التي تدرّب الأجساد المصابة بما نسمّيه التوحّد  على التصرّف على شاكلة البنى العصبية "النمطيّة" ،
استخدما ذات الأدوات التي ابتكراها  لإجراء "علاجاتٍ تحويليةٍ"2 على من لم تطابق أجسادهم ما خُطَّ في كتبهم عن الجندر والطبيعة.

ولم ينتهِ هذا المسخ إلا عام 2020،
بعد عقودٍ من الصراخ والاحتجاج،
قادته جماعة التوحّديين أنفسهم،
ليقولوا: لسنا مرضى، أنتم الداء.

لقد أرادوا لنا ألّا نكون نحن مَن نحن،
أن يُعيدوا صياغتنا على صورتهم،
أن يطهِّروا العالم منّا باسم "العلاج".
هو مشروع تحسينٍ جينيٍّ في ثوبٍ علاجيّ،
مشروعٌ يصوغ الخروج عن النمط كعلّةٍ يستوجب إنهاءها،

المصحّ العقليّ فضاءٌ كويريٌّ بامتياز،
ليس لأنّ العديد من الكويريّين يقيمون فيه فحسب،
بل لأنّه يبني روابط تضامنٍ ورعايةٍ بطرائق كويريّةٍ خالصة.

بحقّ السماء،
أوّل فتاةٍ قبّلتُها كانت رفيقة كفاحٍ في معركة الجنون،
في أحد المصحّات.

إنّ الفيض الهائل من العنف
الذي يصبّه العالم الخارجيّ على أجسادنا وأرواحنا – نحنُ القابعون على الهوامش –
يدفعُنا دفعًا نحو فضاءات الجنون.

هناك، في أجنحة المصحّات ومراكز "التأهيل"،
نتكدّس…
نتحدّث معًا، نستعيد لغتنا،
وننسج حبّاً وعِشرةً وتضامنًا مجنونًا وكويريّاً في آنٍ واحد.

المصحُّ بقعةٌ تتراكم فيها الحميميّة المجنونة
بين جَمعٍٍ من المجانين.
والحميميّة، في جوهرها، ليست بريئةً من السياسة؛
إنّها تنبثق رغم الممرّضات ومقدّمي "الرعاية"
الذين يقولون لنا: "لا تتحدّث مع ذاك الشخص كثيرًا"،
أو "ابتعدْ عن تلك"،
بل وقد يفرّقون بين اثنين من الموصومين بعلّةٍ نفسيّةٍ كبرى
إذا رأوا بينهما ما لا يتّسق مع مقاييسهم لما يلقّبونه بـ"اللائق".

تبّاً لِلَباقتهم.
تبّاً لرقابتهم.
تبّاً لـ"رعايتهم"

تأتينا قوّة التعافي والشفاء من تلك الحميميّات المجنونة.
أشعر أنّ المجانين، ليبرؤوا من رعب حياتهم،
يعتمدون على رفقائهم في الجنون.

فالأشخاص الذين يُحسنون لغة الألم،
هم وحدهم القادرون على الحديث مع مَن يتقنها.
ليس للمعالجِ النفسيّ، ولا لطبيب النفس، جوابٌ لمأساتنا؛
فهؤلاء، بعد كلّ شيء، يراقبوننا ويصنّفوننا كأغبياء بلا ثقافة،
يُفترض "تصحيحهم" أو "تمدينهم"،
وذلك – في جوهره – مشروعٌ استعماريٌّ بامتياز.

يفرضون بيننا هرميّةً صارمة:
من المجنون القادر على خدمة العالم الاستعماريّ الرأسماليّ،
إلى المجنون الذي يجب أن يُحبَس.
يصنّفوننا إلى مرغوبٍ وغير مرغوب،
ويعيدون إنتاج الرغبة ذاتَها التي صاغها القمع.

بهذا، يعزّزون نزعة المجتمع إلى التطبيع مع العنف،
عبر إضفاء الشرعيّة على الكراهية ضدَّ المجانين.
فحين ينظر حقلٌ "علميٌّ" معتبر إلى جماعةٍ من الناس بازدراء،
تتفاقم الشروخ الاجتماعيّة القائمة،
وتُخلَق أخرى أعمق وأقسى.

إن كنتَ طفلًا مجنونًا،
سينظر إليك الآخرون في بيتك، حيث نشأت،
كما لو كنتَ غريبًا في وطنك.

وقد شعرتُ أنّ هذا يولّد خوفًا من القرب،
لأنّ أولئك المفترَض أن يكونوا "قريبين" منّي…

يحمل الطفل المجنون والكويري عبءَ أن يكون راعياً لنفسه،
ليصمد أمام العنف الذي يحيط به.
فلا عجب أنّ كثيرين منّا لا يبلغون سنّ الرشد.

وإحدى الآليات لهذا القهر
هي ما يسمّونه "المدارس الاختصاصية"،
أماكن يُقيَّد فيها الأطفال بالأصفاد.
النسبة القليلة ممّن ينجون من هذا ويدخلون الجامعات ضئيلة للغاية.

فلماذا لا أرى أمثالي في الصفوف
التي تُناقَش فيها حياتنا؟

هذه الأنظمة تدرّب الطفل المجنون على الطاعة،
على الامتثال،
على الانقياد إلى أيدي الموت.

النظام فاسد إلى أقصى حدّ. دم أمثالي يلطّخ طوب المصحّ الجنوني.

فلنحرق المصحّات – وليندثر الطبّ النفسي في رماده – ذاك الطبّ الذي خطف أرواح الكثير منّا – فالعلاج هو الجنون الكويريّ.

لقد سئمتُ من نظرات حارس المستشفى.
لقد سئمتُ من القيود.
لقد سئمتُ من كَون قسم الطوارئ النفسي هو المكان الوحيد الذي أستطيع فيه الحصول على الرعاية العاجلة.
لقد سئمتُ من فقدان إخوتي المجانين والكويريين.
لقد سئمتُ من هذا النظام الذي يصفعني حين أحتاج حضنًا.

يجب أن يكون البديل عن المؤسّسة النفسيّة،
قبل كلّ شيء، فضاء للرعاية بين المجانين أنفسهم –
رعايةً مجنونةً لمجانين، mad4mad care.

يجب أن يكون مكانًا نجتمع فيه،
نتبادل المعرفة حول ذواتنا،
ونُعيد اكتشاف أنفسنا بعيدًا عن وصاية الطبّ والعقلنة القسرية.

لقد طالَ الزمن الذي فرضت فيه المؤسّسات النفسيّة
كيف ينبغي أن تعيش الأرواح المجنونة.
آنَ لنا أن نتبنّى معرفةَ المجانين بأنفسهم،
وطرائقَ الرعاية التي يصنعونها ويحتاجونها لبعضهم بعضًا.
على تلك الطرائق أن تتقدّم،
أن تَطغى على الهياكل المؤسسية للعلاج النفسيّ القائم على القهر والعجز.

نعم، الإنسانُ يحتاج إلى العناية الطبّية،
لكنّه، قبلَ كلّ شيء، يحتاج إلى العناية نفسها –
إلى اللطف، إلى الرحمة.
فإذا فقدت العناية الطبّية هذين الوجهين،
وجبَ أن نُعيدَ التفكير في قيمتها من الأساس.

لقد كتبتُ هذا النصّ على أجزاء،
لم أكن في مضجعي – إذ لا مضجعَ لي في غرف المصحّ الكثيرة المتقلّبة.
كتبته في غضبٍ مجنونٍ، وفي حزنٍ عميق.
كتبته لأنّني أردتُ أن أُحتضَن،
أن أُعامَلَ بحبّ،
وأن يُعامَلَ مجتمعي المجنونُ بالمثل.

فلنرفعْ كأسَنا، إذًا،
دعوة لتحطيم جدران المصحّ النفسيّ،
ولنحرّرْ هذا المصحّ من لوثة العقلانيّته.

 

ملحق

قاربَت سنتانٍ على تصاعدٍ إباديٍّ تمارسه قوّات صهيونيّة، مدعومة من دولٍ نافذةٍ: الولايات المتحدة، والهند، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وغيرها. لقد استُهدفت المستشفيات ودور الرعاية والمسعفون بصورةٍ بالغةٍ من القتل والتدمير. تشهد الإبادة في غزة والضفة الغربية على عداءِ هذا الكيان لفكرة "العناية" ولجوهر الرعاية والأمان.

نحن، المجانين الأحرار في أنحاء العالم – نحن الذين نعلم مقدار فداحة مأساة الرعاية ونعرف قيمتها لاستمرار الحياة – يجب علينا الآن، أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى، أن نقف مع الشعب الفلسطينيّ. ارتدِ الكوفيّة في جناحك النفسيّ. تحدّثْ عن القضية الفلسطينية بين رفاقك المجانين والكويريين. نَظِّم؛ احشد؛ شارك؛ تواصل. آنَ الأوانُ أن نستخدم حريّتنا "المجنونة" بأقصى صيَغها الراديكالية والأخلاقية من أجل الحرية والكرامة للشعب الفلسطينيّ… من أجل اقتلاع اسرائيل من الوجود. ولنجدّد العهد بإنهاء الاستعمار والظلم حيثما وُجِد – في فلسطين، وكشمير، والكونغو، والسودان، وفي كلّ موضعٍ على هذه الأرض.

الجنونُ يُعلّمُنا أن نرى الجُرحَ؛ فَلنُنصِت إذاً، ولنَجعل من إنصاتنا وجهةً لأفعالنا.

 

  • 1. فيما أنّ ترجمة home إلى العربيّة غير محدّدة، وبما أن مسكن، بيت، ديار، منبت، مسقط رأس، غير نافعة، وبما أنّ البلد بالعامّية المصرية والشامية ممكن أن تفيد إلى الوسط النشط في مكان السكن، وبخاصّة في مصر، "ده بلديّاتي" ممكن أن تكون أقرب للـ home (المترجم).
  • 2. https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC1311956/
ملحوظات: