الهجرة إلى الحرب الأهليّة اللبنانيّة

السيرة: 
‫ ‫الملخص: 

تحرير غوى صايغ. هذه الشهادة الشفويّة كانت جزءاً من محادثة مسجّلة بين عاملات منازل مهاجرات مقيمات في لبنان.

اقتباس: 
مالا. "الهجرة إلى الحرب الأهليّة اللبنانيّة". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 2 عدد 2 (2016): ص. 181-184. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 21 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/migrating-to-civil-war.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (409.85 كيلوبايت)
ترجمة: 

  رولى الصغير كاتبة  نسويّة. وهي مؤسسة شريكة لمنشورات المعرفة التقاطعيّة. هي شغوفة بمسائل الاقتصادات السياسية والمعنوية للتنظيم المجتمعي والنظرية النقدية.  تعمل حاليا على قطاع الاقتصاد غير الرسمي على مسائل العمل المؤنث والهجرة.

عندما سعيت إلى للعمل خارج سريلانكا، أرسلني المكتب إلي قبرص، وافترضت أنني سوف أعمل هناك. عندما وصلت إلى قبرص، تم نقلي إلى ميناء حيث مكثت لمدة يوم كامل دون طعام. في الليل، وضعوني في قارب مع عمال مهاجرين آخرين. في وسط البحر، وضعوا كل ستة منا في زوارق صغيرة، ووصلنا إلى ميناء بيروت تحت القصف. كان ذلك عام 1983، أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.

كنت قد وصلت إلى قبرص في ال24 من مايو، وإلى بيروت في ال26. ومكثت في المكتب اللبناني لمدة يومين. في ال28 من الشهر جاءت “سيدتي” أخيرا، وأخذتني إلى منزلها. كان شعري طويلا آنذاك. لدى وصولي، قامت بقصّ شعري، وتعريتي من ملابسي، ثم وضعها كلّها في كيس زبالة، ورميه بعيدا. خلطت ديتول مع ماء حوض الاستحمام، أعطتني قطعة صابون، وشاهدتني أتحمّم. ثم، في حين كنت لا أزال عارية، أمرتني بتنظيف الحمام. كنت أشعر بالبرد، ونظّفت الحمّام وأنا أرتجف. بعدها، أمرتني أن أذهب إلى غرفتي، وأضع بعض الملابس، وأبدأ في العمل.

وبقيت مع “سيدتي” 1 لمدة سنة وتسعة أشهر. لم تعطني راتبي في نهاية كل شهر. بل بقيت تقول أنّ البنك مغلق، وأنه لا يمكنها أن ترسل المال إلى بلدي. لقد بقيت مفلسة لمدة أربعة أشهر. ذات يوم، قالت إنها لا تستطيع أن تدفع لي بالدولار، ولكنّها سوف تعطيني 1000 ليرة 2 بدلا من ذلك. رفضتُ. لم أكن أريدها أن تدفع لي باللّيرة اللّبنانية. كنت قد أتيت إلى لبنان من أجل أطفالي. تركتهم في سريلانكا للحصول على المال، لذلك أردت 100 $، لا 250 ليرة. قلت لها أنّني سوف أستمرّ في العمل فقط إذا أعطتني كلّ رواتبي بالدولار. قالت لي: “قومي بعملك وسأدفع أجره.” لكنها لم تفعل، ولم أقدر على إرسال االمال إلى بلدي. رفضت العمل، وأغلقت غرفتي على نفسي.

كانت الأسرة مكونة من أربعة أطفال. كنت أقوم بالطبخ، والتنظيف، والعناية بالأطفال طوال اليوم. عندما كان الوالدان خارجا، كان الأطفال يبقون تحت رعايتي. و”سيدتي” كانت لطيفة جدا، وعلّمتني كلّ ما يخصّ العمل المنزلي. إذا انتهي من عندنا الحليب في الليل، كانت تخرج وتشتري البعض منه لأنها تعرف أنّني أشرب كوبا من الحليب كل صباح قبل البدء في العمل. كان لديّ الكثير من العمل لدرجة أنني لم أكن أتمكّن من تناول وجبة الإفطار، وأحيانا كنت لا آكل شيئا حتى الغداء. لأنّني كنت الطباخة الوحيدة لجميع أفراد العائلة، لم تكن تُقفل على الثلاجة. كانت تعطيني الطعام كلما أكلوا وتبقي الثلاجة متاحة لي. كنت أعرف أنّه في البناية التّي أسكنها، كانت بعض الأسر تقفل الثلاجة بالمفتاح لكي لا ينسنّى للبنات 3 أن يأكلن قطعة واحدة زائدة من الخبز أكثر ممّا يعطونهنّ. لم يكن لديها الكثير من الملابس كي تعطيها لي. كنت قد أحضرت طقمي ملابس معي من سريلانكا، كما أنها أعطتني زيّين للعمل. كان ذلك كلّ ما ملكت لمدة سنة وتسعة أشهر، ولكنها لم تكن مشكلة بالنسبة لي – كان المال القضية الوحيدة. قالت لي أنّ لديها أربعة أطفال في حاجة إلى الدراسة، ولكن كان لديّ أطفال أيضا، وكنت قد تركتهم ورائي.

كان عدد قليل جدا من الرسائل يأتي من سريلانكا. كان ذلك خلال الحرب الأهلية، لذلك تلقينا البريد مرّة كل ستة أشهر. عندما قاطعت العمل لأنها لم تدفع لي، لم تقل شيئا في الأيام القليلة الأولى. ثم اتّصلت بالمكتب وقالت لهم أنّني لا أريد أن أعمل معها بعد الآن، ثمّ أخذتني إلى المكتب. هناك، قدمت ما يعادل ما كان من المفترض عليها أن تدفعه لي إلى رجل المكتب، بالإضافة إلى رسوم تذكرة السّفر. قام الرّجل بضربي مرّتين، ولكنني رفضت العودة. كان لا يزال لديّ 300 $ منذ الأشهر الأولى من العمل – كان المبلغ لا يزال معي لأنّه لم يكن بإمكاني ترك المنزل لوضعه في البنك أو نقله إلى أولادي. أخذ منّي كل شيء وقال: “هذا هو جواز سفرك، ارحلي الآن.”

في مناسبات قليلة، قمت بأخذ أطفال “سيدتي” الأولى لامرأة في الشارع المجاور حيث اكانت العائلة تقطن. اتّصلت بها وقلت لها أنّني أريد أن أعمل عندها. أرسلت سيارة أجرة في طلبي، وأنا أعمل عندها منذ ذلك الحين. وبإمكاني أيضا أن أعمل لدى عائلات أخرى في وقت فراغي، لذلك بدأت العمل بدوام جزئي في أسرة أخرى. كنت أحصل على 150 ليرة مقابل عمل كل أسبوع، وحتى عندما انخفضت قيمة العملة، لم يمكنّي التفاوض على الأجر لأنني كنت قد خسرت الكثير.

العمل في بلد أجنبي تمزقه الحرب كان من الصعب للغاية. تحت القصف، أنت لا تعرف متى يحين أجلك. قضيت بضع سنوات في الهروب من القنابل: عندما كانت هناك تفجيرات في بيروت، كنّا نهرب إلى الجبل. ثم كانت التفجيرات تبدأ في الجبل، فكنّا نعود إلى بيروت. في بعض الأحيان، عند الهروب، كنا نسمع القنابل فوق رؤوسنا. لم أكن أعرف أين أو متى سوف أموت، ولكن الموت كان يبدو وشيكا. أتذكر ذلك الوقت عندما كنت عائدة الى منزل “سيدتي،” وانفجرت قنبلة أمامي. مرّت فوق رأسي وسقطت على منزل غير بعيد عنّي. رأيت ذلك بأمّ عيني. لم أكن أشعر بجسدي، لكنني ركضت نحو المنزل، وملابسي مبتلّة ببولي. ركضت لأن أطفالي يحتاجونني. كان عليّ أن نقذ حياتي حتى يتمكنوا هم من تلقّي راتبي ومتابعة دراستهم. لمدة عامين، كنّا ننام في القبو. كنت أعمل، أنظّف، وأطبخ أثناء النهار، ثم في الليلكنت أنا وجميع العائلات اللبنانية ننام في القبو. لم أنم جيّدا خلال تلك الليالي الطويلة. خلال النهار، لم يكن لدي الوقت للتفكير، واضطررت للعمل لتحقيق أوامر “سيدتي” ولكن في الليل، فكرت في كيف أنّني أطبخ لأطفال نساء أخريات، وتساءلت عمّا إذا كان لدى أطفالي ما يأكلون.

بعد فترة من الوقت، توقفت عن العمل في الخارج 4، كعاملة مستقلّة. بقيت مع “سيدتي” وعملت لحسابها، مقابل زيارة سريلانكا كل سنتين. ثم، بدأت في الطهي فقط، فقد أحضروا فتاة أخرى لأنّ “سيدتي” مرضت قليلا. كنت أطبخ، أترك الطعام في المنزل، وعندما كان لي وقت فراغ، كنت أذهب إلى المنازل المجاورة وأعمل باجتهاد. كان الراتب الوحيد قليلا مع أربعة أطفال يدرسون في بلدي ومع ازدياد احتياجاتهم إلحاحا أكثر وأكثر وهم يكبرون بعيدا عني. العمل خارجا هو حياة صعبة للغاية، لذلك أردت أن أفعل شيئا للفتيات مثلي، لكي يساعد بعضنا البعض. لقد عملت كثيرا مع مركز مجتمع المهاجرين، مع إنسان، معكفى، وغيرها من المنظمات. أردت منّا، من عاملات المنازل المهاجرات، أن نعمل معا وندعم بعضنا البعض، لذلك بدأت مجتمعا نسائيّا. بدعم من أخواتي، أصبحت الحياة أسهل قليلا في لبنان.

  • 1. “سيّدتي” هي الكلمة التّي يُطلب من العاملات المنزليّات المهاجرات أن ينادين بها صاحبة العمل. نادرا ما ينادى أصحاب العمل بأسمائهم/هنّ.
  • 2. ما يساوي 400 دولار قبل أن تنخفض قيمته.
  • 3. تُطلق كلمة “بنت” على العاملة المنزليّة الأجنبيّة.
  • 4. بالنسبة للعاملات المنزليّات الأجنبيّات، العمل “في الخارج” يعني عدم العيش لدى والعمل عند عائلة واحدة. بدلا عن ذلك، يقمن باستئجار غرفهنّ الخاصّة والعمل بالسّاعات عند عائلات مختلفة.
ملحوظات: