فرونتيرا، الحدود، التخوم

السيرة: 

الدكتور سيرجيو أ. جونزاليس هو أستاذ مساعد للتعليم العالي في جامعة بيتسبرغ، حيث يتخصص في المنهاج النوعي للدراسات ضمن مؤسسات تعليمية ومنظمات ومراكز دراسة السياسات. تركّز أبحاثه على فهم تجارب الأفراد المهمّشين تاريخيًا، وخاصة مجتمعات QTPOC، داخل المساحات التعليمية. يرتكز عمل الدكتور جونزاليس على عدّة تخصصات، بما في ذلك الدراسات الكويرية والنسوية النسائية الملوّنة، حيث يستكشف أثر المنهاج اللاتيني للدراسات الكويرية في التعليم العالي.

الدكتور أومي سالاس-سانتا كروز هم أستاذ مساعد في قسم التعليم والثقافة والمجتمع في جامعة يوتا. يتقاطع عملهم مع نظرية إنهاء الاستعمار، ودراسات العبور الجنسي، والنسوية اللاتينية، مع التركيز على التجارب التعليمية للطلاب المثليين العابرين جنسيًا من ذوي البشرة الملونة. بفضل خلفيتهم في الدراسات النقدية حول العرق والطبقة والجنس، يقدّم الدكتور سالاس سانتا كروز منظورًا فريدًا لقضايا النوع الاجتماعي والعدالة الاجتماعية في مجال التعليم وهم يستثمرون بشكل خاص في أطرٍ مثل طرق تدريس جوتيريا والنسوية المتحرّرة من الاستعمار لتحدّي المنطق الاستعماري والمعياري في الأوساط الأكاديمية.

اقتباس: 
سيرجيو أ. غونزاليس، أومي سالاس-سانتا كروز. "فرونتيرا، الحدود، التخوم". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 11 عدد 1 (29 ديسمبر 2024): ص. 4-4. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 18 يناير 2025). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/frontier-frontera-borderlands-ar.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
ترجمة: 

أدهم سليم هو باحث وكاتب يعمل حالياً مديراً لتحرير منصة "الأركيلوغ" للنشر والترجمة.

باحثة ومترجمة واستشارية. يتركّز عملها البحثي في الثقافة والفنون وهي متخصّصة في الفنون العربيّة المعاصرة. يشمل عملها البحثي مجالات عدّة منها العمالة الثقافيّة والفنيّة المجندرة. عملت سابقًا كمديرة مساعدة في مركز بيروت للفن وشاركت في تقييم عدد من المعارض الفنيّة. هي أيضًا مؤسّسة مشاركة في "الأركيلوغ" منصّة إلكترونيّة للترجمة والنشر بشكل جماعيّ.

kohl-7-beyond_binaries-ar.jpg

أود أبو نصر - ما بعد الثنائيات

يعود مفهوما التخوم والفرونتيرا إلى كتاب غلوريا أنزالدوا "التخوم/ الفرونتيرا: الهجين الجديد" (1987) والذي يستكشف الفضاءات المادّية والمجازية للحدود، حيث تتقاطع أنظمة ثقافية وهوياتية وسلطوية مختلفة بما يفضي عادةً إلى أشكالٍ من الصدام والتهجين والمقاومة.

الفرونتيرا والتخوم هما مفهومان نقديّان يستكشفان الآليات المعقّدة لعمل الحدود الجغرافية والثقافية والاجتماعية، كما يتعرّضان للتجارب المُعاشة في هذه الفضاءات البينيّة. يشير مصطلح فرونتيرا إلى المنطقة الحدودية بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك والتي تشكّلت عبر تواريخ عنيفة من الاستعمار والهجرة والمقاومة المستمرّة. وتتقاطع فيها ثلاث جماعات بشرية من ثلاثة عوالم مختلفة: السكّان الأصليون لأميركا الشمالية وشعوب المكسيك والمستعمرون البيض، فتنتج واقعًا سياسيًا وثقافيًا فريدًا.

بالمقابل، يمتدّ مفهوم التخوم إلى ما وراء الحدود المادية ليشمل الفضاء الثقافي والاجتماعي والسيكولوجي والسياسي حيث تلتقي الهويات والثقافات وتصطدم وتتحوّل. التخوم هي مساحات للصدام والتفاوض، تحتدم فيها الهويات ويُعاد تشكيلها بشكل مستمرّ، وهي مساحات لاختبار التهميش والصمود، تولد فيها المقاومة من توتر الحياة بين عوالم مختلفة.

من منظور نسوي مادّي، الحدود أكثر من مجرّد مساحة للتلاقي الثقافي، فهي مساحة للاستنزاف والعنف والتسليع. في هذا الصدد يضيء مفهوما حدود السلعة وحدود الجسد على كيفية استغلال التوسّع الاستعماري تاريخيًا للأرض والأجساد على حدّ سواء – لا سيما أجساد النساء والشعوب الأصلية والمجتمعات المهمّشة. يحوّل هذا الإطار المفهومي النظر عن الحدود بمعناها المباشر باتجاه الآثار الملموسة للاستعمار والاستغلال في المساحات الحدودية.

بالتركيز على مفهومي الفرونتيرا والتخوم وعبر قراءة أنزالدوا، نلحظ أن هذه المساحات لا تفرض القمع فحسب، بل تعمل أيضاً كمواقع للمقاومة والتحوّل والبقاء.

من منظور مناهض للاستعمار، تمثّل التخوم إرثًا متواصلًا لاستعمار تاريخي يرعى الفصل ليس بين الأمم وحسب وإنما أيضًا بين الأجساد والمعارف والمجتمعات. ينتقد هذا الإطار فرض الحدود الاستعمارية بالقوة وتكريسها للتسلسل الهرمي العرقي والجندري والمعرفي وتهميشها للسكان الأصليين والسود والطرق غير الغربية للمعرفة والوجود.

يقدّم كتاب غلوريا أنزالدوا (1987) فهمًا عميقًا للتخوم، لا سيما في نظرتها للفرونتيرا بوصفها "جرحًا مفتوحًا" في جسد العالم الثالث تحزّه نصال العالم الأول. تجسّد هذه الاستعارة التحدّيات والتوتّرات العميقة التي يواجهها أولئك الذين يعيشون في هذه الفضاءات البينية. كذلك تقدّم مفاهيم أنزالدوا عن "الهجين الجديد" new mestiza و"البينيّة" nepantla رؤى جديدة للهوية والتفاوض الثقافي مع التأكيد على سيولة وتعدد الهويات الموجودة داخل التخوم.

عوضًا عن الاستغراق في الحديث عن وعي الهجين، تلك الذات التي تسكن التخوم، يسلّط عمل أنزالدوا الضوء على تنوّع التجارب في التخوم ويقرّ بتعقيدات التنقّل بين أنظمة القمع المتقاطعة. إلا أن هناك ثمة نقد مهمّ لعملها يتمثل في النظر إلى تلك الذات الهجينة العابرة للحدود كذاتٍ جديدة تتمتع بامتيازٍ تاريخيٍّ خاص؛ ذات قد تحجب سيولتها النضالات المستمرّة لمن هم أقلّ قدرة على التنقّل في هذه المساحات (أنزالدوا 1987).

تستكشف ماريا لوغونيس (1992) في مقالها التفسيري "حول التخوم/الفرونتيرا" أعمال أنزالدوا لتفتح مساحةً نظريةً للمقاومة في سياق القمع الذي يواجهه أولئك الذين يعيشون على التخوم. تدرس أنزالدوا الذات المضطهَدة ليس كمجرّد متلقٍّ سلبي للقمع بل كمشاركٍ نَشِط في لحظة التوتّر بين التسلّط والمقاومة. كما تسلّط الضوء على كيفية تجذّر القمع في التجارب اليومية التي يعيشها أولئك الذين يعيشون على التخوم، مع الاعتراف في الوقت ذاته بالطرق التي تنبثق فيها المقاومة باستمرار من هذه التجارب.

بحسب أنزالدوا، للذات أوجه متعددة تتشكل من تأثيرات متعددة ومتقاطعة. وتشمل هذه التأثيرات الموروثات الثقافية لعوالم المكسيكيين/السكّان الأصليين وعوالم الأنغلو/مستعمرين، متجاوزةً بذلك ثنائية التبسيط بين التقليد والحداثة. فالذات في نظر أنزالدوا تقع في حالة تفاوض وتحوّل دائم وهي موجودة في مساحة حدّية من المقاومة والصيرورة داخل التخوم. تؤكد تأمّلات أنزالدوا كذلك العلاقة المعقّدة بين التجارب المباشرة للقمع وإمكانية التمكين التي يمكن أن تنشأ عن تلك الصراعات ذاتها (لوغونيس 1992).

يقدّم تمييز أنزالدوا بين التخوم (مع ال التعريف) Borderlands وتخوم (من دونها) borderlands فهمًا دقيقًا للمساحات التي تتقاطع فيها الثقافات والهويات والمعارف المختلفة. تشير كلمة "التخوم" (مع ال التعريف) إلى المساحات الجغرافية السياسية والمادية للحدود الوطنية والثقافية – وهي مواقع فعلية للتسلّط الاستعماري والتقسيم والصراع. يتطرّق هذا المفهوم للواقع المعاش للشعوب المهمَّشة التي تتشكّل هوياتها من خلال هذه الحدود المفروضة مثل مجتمعات التشيكان التي تتنقل عبر الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.

بالمقابل، تشير كلمة "تخوم" (بدون ال التعريف) إلى المساحات المجازية والداخلية والأكثر اتساعًا للعبور والتفاوض – الأماكن التي يتنقّل فيها الأفراد، لا سيما المهمَّشين أو الذين يحملون هويات متعددة وسائلة. وهي تشمل الأبعاد النفسية والعاطفية والروحية للعيش بين العوالم ولا تقتصر على الجغرافيا بل تمتدّ إلى الهوية والجندر والجنسانية والإبستيمولوجيا.

تحيل "التخوم" (مع ال التعريف) للموروثات المادية والاستعمارية التي تشكّل المساحات الحرفية والمجازية للقمع والمقاومة، ما يجعلها ضرورية عند تحليل الجوانب المنهجية والهيكلية لمناهضة الاستعمار. بالمقابل، تسمح "تخوم" (دون ال التعريف) باستكشافٍ أعمق للتجارب الداخلية والجسدية لأولئك الذين/اللاتي يتنقّلون/يتنقّلن بين هويات عابرة جندريًا ومناهضة للاستعمار، لا سيما في كيفية مقاومتهم/ـن لهذه البنى المفروضة وتحويلها. تسلّط "تخوم" (دون ال التعريف) الضوء على تجربة الأفراد العابرين/ات والكويريين/ات الملوّنين/ات وحركتهم/ـن بين تقاطعات الهوية والسلطة وإنتاج المعرفة إلى ما هو أبعد من الجغرافيا السياسية. ويثري هذا التمييز فهمنا لكيفية تحرّك المهمّشين عبر الحدود الخارجية والداخلية ومقاومتهم/ـن لها ما يقدّم صورة أشمل لمقاومة الاستعمار.

في السياق الفلسطيني، يعمل تمييز أنزالدوا بين الأراضي التخوم (مع ال التعريف) وتخوم (دون ال التعريف) كعدسة قوية لتحليل الأبعاد المادية والنفسية للاستعمار والمقاومة، لا سيما من خلال أطر النسوية المناهضة للاستعمار ونقد النسوية الإمبريالية.

تشير التخوم (مع ال التعريف) في حالة فلسطين إلى الحدود المادية والجيوسياسية التي فرضها الاستعمار الاستيطاني، وأبرز أدواته الاحتلال الإسرائيلي وجدار الفصل العنصري. تمثّل هذه الحدود أدوات عنيفة للسيطرة والتهجير والفصل العنصري وترسم الواقع المعاش للفلسطينيين المحرومين من أبسط حقوق الاستقلالية والتنقّل. يشير هذا الجانب المادّي للحدود إلى المشروع الاستعماري المستمرّ الذي يسعى إلى تفتيت ومحو الهوية والأرض والوجود الفلسطيني. تصبح التخوم هنا وسيلةً حاسمة لاستجواب تجلّيات سلطة الدولة والاستعمار الاستيطاني والإمبريالية في الحياة اليومية للفلسطينيين من خلال الحواجز المادية ونقاط التفتيش العسكرية وتقييد الحركة.

على النقيض، تشير تخوم (من دون ال التعريف) في حالة فلسطين إلى المساحات العاطفية والنفسية والداخلية التي يتنقل فيها الفلسطينيون وغيرهم من المجموعات المهمشة أثناء مقاومتهم للمحو وتأكيد هوياتهم. يسمح لنا مفهوم "تخوم" (دون ال تعريف) بالتركيز على الطرق التي يفاوض بها الشعب الفلسطيني، ولا سيما منه النساء والعابرين/ات والكويريين/ات، على أشكال متعددة من العنف والقمع – الاستعماري والأبوي والمعياري الغيري – مع خلق مساحات من البقاء والصمود والتضامن. هي مساحة مجازية بين بين، حيث يتواصل التفاوض على الهويات وإعادة تشكيلها ردًا على العنف المستمر سواء من القوى الاستعمارية أو داخل المجتمع الفلسطيني نفسه.

في هذا الصدد، تقدّم النسوية المناهضة للاستعمار إطارًا فعّالًا إذ تنتقد الأطر الأبوية المحلّية والنظام الاستعماري الإمبريالي الأوسع الذي يفرض العنف المجندَر على النساء الفلسطينيات وغيرهن من غير متوافقي الجنس. تسعى النسوية المناهضة للاستعمار إلى تركيز أصوات وأجساد وتجارب الأشخاص الأكثر تضررًا من الاستعمار والنظام الأبوي على حدّ سواء، وتدعو إلى التحرّر الذي يرتكز على طرق المعرفة والوجود لدى السكان الأصليين والشعوب غير الغربية.

من ناحية أخرى، تمثّل النسوية الإمبريالية شكلًا من أشكال النسوية التي تعزّز الإيديولوجيات الاستعمارية والإمبريالية من خلال تأطير تحرير المرأة الفلسطينية غربيًا. غالبًا ما يستعين هذا المنظور باللغة النسوية لتبرير التدخّل في شؤون الجنوب العالمي، حيث يقدّم النساء الفلسطينيات كضحايا بحاجة إلى "إنقاذ" من قبل القوى الغربية، بينما يتجاهل الأسباب الجذرية لقمعهن – أي الاحتلال الاستعماري الاستيطاني والإمبريالية العالمية. تعمل النسوية الإمبريالية على دعم هياكل الاستعمار من خلال تعميم فهم نسوي عالمي صادر عن المركزية الأوروبية لا يتصدّى للعنف المنهجي والهيكلي الناجم عن الاحتلال والاستعمار.

 

ملحوظات: 
المراجع: 

Anzaldúa, Gloria. 1987. Borderlands/La Frontera: The New Mestiza. San Francisco: Aunt Lute Books.

Anzaldúa, Gloria. 2015. Light in the Dark/Luz en lo Oscuro: Rewriting Identity, Spirituality, Reality, ed. AnaLouise Keating. Durham: Duke University Press.

Commodity Frontiers. 2023. Human Body Frontiers. The Journal of the Commodity Frontiers Initiative, 5. https://commodityfrontiers.com/journal/human-body-frontiers-issue-5

Lugones, María. 1992. On Borderlands/La Frontera: An Interpretive Essay. Hypatia, 7(4), 31–37.