تفكيك "الآخر"

السيرة: 

دكتور كيربي لينش هي مديرة الأبحاث في شركة Ceres Policy Research في أوكلاند، كاليفورنيا. يركّز عمل لينش على المساواة العرقية وسياسة التعويضات في الولايات المتحدة. جهة الاتصال: klynch@cerespolicyresearch.com

اقتباس: 
كيربي لينش. "تفكيك "الآخر"". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 11 عدد 1 (29 ديسمبر 2024): ص. 3-3. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 18 يناير 2025). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/de-othering-ar.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
ترجمة: 

أدهم سليم هو باحث وكاتب يعمل حالياً مديراً لتحرير منصة "الأركيلوغ" للنشر والترجمة.

باحثة ومترجمة واستشارية. يتركّز عملها البحثي في الثقافة والفنون وهي متخصّصة في الفنون العربيّة المعاصرة. يشمل عملها البحثي مجالات عدّة منها العمالة الثقافيّة والفنيّة المجندرة. عملت سابقًا كمديرة مساعدة في مركز بيروت للفن وشاركت في تقييم عدد من المعارض الفنيّة. هي أيضًا مؤسّسة مشاركة في "الأركيلوغ" منصّة إلكترونيّة للترجمة والنشر بشكل جماعيّ.

kohl-7-beyond_binaries-ar.jpg

أود أبو نصر - ما بعد الثنائيات

تفكيك الآخر هو وسيلة لطرح المساءلة حول كيفية تعريف "الذات" كنقيض لـ"الآخر". في الفلسفة المادية المناهضة للاستعمار، يساعد هذا المصطلح على فهم كيفية تشكّل الهوية الشخصية بفعل التواريخ الاستعمارية والإمبريالية. وتقتضي المادية المناهضة للاستعمار الاستعانة بهذا المصطلح لتأطير الذات التي تشكّلها الموروثات الاستعمارية والإمبريالية. تتطلّب عملية تفكيك الآخر هذه البحث عن منشأ التهميش الذي يمارس علينا والآليات التي يُعمِل من خلالها هذا الإقصاء التمييز بصيغته الممنهجة. إنّ تشبّثنا بثنائية "نحن" و"هم" يرسّخ وقع الاستعمار في يوميّاتنا. في المقابل، تفكيك الآخر هو مفهومٌ يمكّننا من البدء في توظيف "الذات" في تيسير الهياكل الاجتماعية الجامعة والعادلة والأفقية. 

يقرّ تفكيك الآخر بقيمة اختلافاتنا وبهويتنا كـ"مهمّشين" لأنها تغدو أساس علائقيتنا. تفكيك "الآخر" هو إطارٌ نسوي مادّي مناهض للاستعمار يسعى إلى معالجة ومقاومة الآثار الدائمة للاستعمار وهيمنة العرق الأبيض والمركزية الأوروبية. فهو يضيء، كإطار وكممارسة مُعاشة، على الظروف المادية التي تعرّض الفرد لعمليتي الجندرة والعنصرة وتجبره تاليًا على الخضوع لمجموعة من علاقات القوة التي تفضي إلى سلبه حقوقه وإقصائه من المجتمع بصفةٍ أعمّ. 

تناقش النسوية المناهضة للاستعمار الآثار العالمية للإرث الاستعماري. وتدفع الناس نحو استخدام مفهومهم عن "الذات" لمجابهة الهياكل السلطوية التي تصم الآخرين بـ"الدونية". يمثّل نهج رفض الفرد ربط "ذاته" بـ"الآخر" مقاربة واحدة ضمن الاستراتيجيات التي تتبعها النسوية المناهضة للاستعمار لتحدّي الهيمنة الاستعمارية على تصوّرات الذات المعنوية. تركّز النسوية المادية على تأثير النظام الأبوي الرأسمالي على هياكل السلطة. فالهويات المتقاطعة كالعرق والطبقة والجنسانية تؤثّر إلى حد كبير على تجربة الفرد، فتضعه غالبًا في موضع الدائم في "الطبقة الدنيا" أو "الآخر" داخل المجتمع. يسلّط هذا التموضع المركّب الضوء على التأثير الهيكلي للإرث الاستعماري والرأسمالي الذي يستغلّ ويهمّش المجموعات بشكلٍ منهجي على أساس تلك الهويات المتقاطعة، ما يولّد مستويات من الإقصاء ويعزّز الهرمية الاجتماعية.

هنالك بضعة محاور رئيسية لإعمال تفكيك الآخر منها أولًا الإقرار والاعتراف، وثانيًا السلطة والحظوة، وثالثًا التقاطعية، فضلًا عن نزع الاستعمار. فالاعتراف والإقرار هما أساس اعتراف الشخص بإنسانيته وقيمته الأصيلة بصرف النظر عن العرق أو الإثنية أو الجنس أو أي مكانة أو موقع اجتماعي آخر (فانون 1952:87). الاعتراف يعني الإقرار بالتجارب المعاشة للأشخاص المهمّشين، الأمر الذي يتعارض مباشرةً مع وصمة "الآخر" المسقَطة عليهم ضمن نطاق البنى الاستعمارية (وينتر 2003:312). ويصدّر هذا الاعتراف موروثات الاستعمار والإمبريالية كضالعة في تكوين تصوّرات "الذات"، ويقدّم بالتالي فهمًا أعمق يَبعد كلّ البعد عن تصنيف "الآخر" الذي يُطلق على المجتمعات المهمّشة. لا شيء "آخر" في المجتمعات المهمّشة سوى الحرمان والإقصاء اللذان ترتكز عليهما موروثات الاستعمار كي تصبح أقوى وأكثر وضوحًا في العلاقات الاجتماعية اليومية (أنزالدوا 1987:43). يشكّل الاعتراف والإقرار ركنًا أساسيًا في مشروع النسوية المادية المناهضة للاستعمار لكونه يخلخل البنى الاجتماعية السائدة ويحثّ على الحوار النقديّ ووضع المسائل في سياقها. ومهمّة هذا الاعتراف هي التأكيد على إنسانية مَن تمّ تصنيفهم في خانة "الآخر" ووصمهم بـ"الدونية" و"النقص" (سميث 1999:58).

يرتبط هذا الموضوع ارتباطًا وثيقًا بموضوع "السلطة الحظوة". يكشف تفكيك الآخر عن طبيعة الترابط بين الأنظمة الاستعمارية والرأسمالية ما يرسّخ ديناميكيات السلطة التي تديم التهميش وتعزّزه (فانون 1961:57). لا بدّ من آلياتٍ لتفكيك الهياكل الاستعمارية التي تدعم شرعية هذه الأنظمة وتعمل على إعادة توزيع السلطة بين الناس العاديين. فمن يملك القدرة على الانتساب إلى "الذات" – وبالتالي الاقتران بـ"السلطة" بدلًا من "التهميش" – يصبح محور اهتمام النسويات الماديات المناهضات للاستعمار الساعيات إلى تقويض تلك الروابط (هوكس 1989:95). تُمَكِّن عملية تفكيك الآخر الأفراد من انتزاع السلطة عن طريق إعادة تعريف "ذاتهم" بصيغة مستقلة عن الهويات التي تستنفرها بنى السلطة المسؤولة عن إدامة حرمان "الآخر" (لورد 1984:45).

يرتبط فهم المرء لهويّته في سياق تفكيك الآخر ارتباطًا وثيقًا بالتقاطعيّة، وهي الاعتراف الكامل بأن مفهوم الفرد عن "الذات" متداخل ومتأثرٌ بأشكالٍ متعدّدةٍ من القهر (كرينشاو 1991:1241). هنا تتراكب التصنيفات الاجتماعية بعضها فوق بعض فتشكّل وعيًا بطبيعة القهر المنبثق من الأثر المركَّب لتعرّض الهويات المهمّشة للقهر نتيجة موقعها كـ"آخر" (كولينز 1987:77). إنّ التأثير المركّب للهويات المتقاطعة – كالعرق والجندر والطبقة الاجتماعية – يبيّن كيفية تضافر الموروثات الاستعمارية لتكريس الإقصاء ضمن الهياكل الاجتماعية (أنزالدوا 1987:77).

أخيرًا، يعطي تفكيك الآخر مضمونًا لعملية نزع الاستعمار من خلال دفع "الذات" مباشرةً إلى تحدّي الموروثات والممارسات الاستعمارية التي تُديم وتُبقي منطق المجتمع عن طريق التهميش لتكريس القهر في الحياة اليومية (فانون 1961:92). ويتحرّى نزع الاستعمار بشكل مباشر كيفية تشكيل التاريخ والأيديولوجيات والإبستمولوجيا الاستعمارية للعلاقات الاجتماعية وهياكل السلطة المجتمعية (مينيولو 2011:54).

إن منهج الإنتاج والنشر المعرفي في سياق عملية تفكيك الآخر من منظور نسوي مادي مناهض للاستعمار، لا بدّ أن يكون في حدّ ذاته فعلًا نازعًا للاستعمار وهدفه التأكيد على امتلاك "الآخر" صوتًا وتجربةً مُعاشةً قادرين على ضحد مشروعية استمرار الموروثات الاستعمارية. إذًا فنزع الاستعمار هو فعلٌ تتحدّى به "الذات" "المهمّشة" النظام الاجتماعي الاستعماري الاعتيادي بشكل مباشر وتفرض عليه بلا استئذان حوارًا مفتوحًا في الاتجاهين.

تناولت العديد من النسويات الماديات المناهضات للاستعمار مفهوم تفكيك الآخر كعملية توليدية وعَمَدن إلى تسليط الضوء عليه لحثّنا على توظيفه كعملية اجتماعية منتجة وتغييرية (موراغا وأنزالدوا 1981:12). كتبت ماريا لوغونيس في نصها "محجّات" أن "النظرة العنصرية/الاستعمارية هي نظرة نرجسية، تنفي استقلالية المرئي، تبني موضوعها تخييلًا كانعكاس للرائي. تنزع عن المشهد هويته المنفصلة... الشخص الأبيض هو الأصل، الأسود مجرد صورة، لا وجود لها بمعزل عن الرائي" (2003:97). تشدّد لوغونيس على ضرورة جعل الأصوات المهمّشة محورًا لتعطيل السرديات المهيمنة ومقاومة الاستلاب الذي يفرضه المستعمِر. وتعتبر أن على الأفراد أن يرفضوا أن يُنظر إليهم على أنهم مجرد نتاج للإرث الاستعماري، بل يجب أن يعرّفوا أنفسهم كفاعلين يعبّرون عن هويات متفرّدة تكشف الظروف والهياكل التي تساهم في تشكيل "الذات" (المرجع نفسه). مفكّرة بارزة أخرى هي ليندا تهيواي سميث تقدّم في كتابها "منهجيات إنهاء الاستعمار: البحث والشعوب الأصلية" مدخلًا لشرح كيفية أجراء الأبحاث النازعة للاستعمار كوسيلة لتبنّي أنظمة معرفية بديلة (1999:88). تناقش الكاتبة مفهوم تفكيك الآخر كوسيلة لتحدّي الافتراضات والانحيازات الكامنة في الممارسات البحثية التي تديم ديناميات القوة الاستعمارية. وينتقد كتابها مباشرةً دور البحث الأكاديمي بأطواره الما بعدية في تذكيرنا الدائم بدور منتجي المعرفة المركزي في توسيع نطاق الإمبريالية والإقصاء الاجتماعي والسلب. يتعيّن على الباحث/ـة الآن مواجهة "ذاتها" بشكل مباشر وتوظيف "تفكيك الآخر" في إنتاج المعرفة. تهدف هذه المقاربة إلى تقويض الأطر القائمة ما يسمح للباحثين/ـات باستكشاف كيفية تعامل المجتمعات المهمّشة مع موقعها كـ"آخر" في ظل القهر.

على صعيد آخر، تتناول النسوية المادية بشكل صريح دور النظام الأبوي الرأسمالي في تشكيل علاقات القوة وإدامة التمييز المنهجي. تسلّط هرشا واليا الضوء على كيفية عمل الهيكليات المتقاطعة – الرأسمالية والاستعمار والأبوية – مجتمعةً لإقصاء المجموعات المهمّشة ووضعها في خانة "الآخر" وخلق ما تطلق عليه "إمبريالية الحدود". تختزل هذه العملية بعض المجموعات في "طبقةٍ دنيا دائمة" ضمن التراتبية الاجتماعية فتصبح هوياتهم مدعاةً للإقصاء والاستغلال (واليا 2013:36). ويؤدي تقاطع الهويات المهمّشة – كالعرق والطبقة والجنسانية – إلى الإمعان في استضعاف الفرد وإخضاعه لأنظمة الاستغلال والسلب وهي ظاهرة تصنّفها واليا ضمن "آليات الإقصاء لدى الدولة الاستعمارية" (المرجع نفسه 42). لا يؤدي هذا التموضع المركّب إلى تكثيف تجارب الإقصاء فحسب، بل يجسّد أيضًا الأثر الدائم للموروثات الاستعمارية والرأسمالية التي تستغلّ وتهمّش المجموعات بشكل ممنهج وفق هوياتها المتقاطعة ما يخلق طبقات من الإقصاء ويعزّز الهرمية الاجتماعية. 

في الشكل العام، ثمّة إنسانية عميقة ومترابطة ومشتركة في نضالنا الجماعي لتفكيك الأنظمة الاستعمارية والإمبريالية. تقوم ممارسات تفكيك الآخر على تفكيك هذه الموروثات من خلال التقاطعية ونقل الأصوات المهمّشة إلى بؤرة الاهتمام. من شأن هذه العمليات أن تساعد في خلق وعيٍ وحركةٍ دائمين لا يتوقّفان عن طرح الأسئلة حول كيفية تحوّل "الآخر" إلى هدف للقهر والسلب والإقصاء.

 

ملحوظات: 
المراجع: 

Anzaldúa, Gloria. 1987. Borderlands/La Frontera: The New Mestiza. San Francisco: Aunt Lute Books,.

Collins, Patricia Hill. 1990. Black Feminist Thought: Knowledge, Consciousness, and the Politics of Empowerment. New York: Routledge.

Crenshaw, Kimberlé. 1991. Mapping the Margins: Intersectionality, Identity Politics, and Violence Against Women of Color. Stanford Law Review, 43(6), 1241–1299.

Fanon, Frantz. 1952. Black Skin, White Masks. New York: Grove Press.

Fanon, Frantz. 1961. The Wretched of the Earth. New York: Grove Press.

hooks, bell. 1989. Talking Back: Thinking Feminist, Thinking Black. Boston: South End Press.

Lorde, Audre. 1984. Sister Outsider. Berkeley: Crossing Press.

Lugones, María. 2003. Pilgrimages/Peregrinajes: Theorizing Coalition Against Multiple Oppressions. Maryland: Rowman & Littlefield Publishers.

Mignolo, Walter. 2011. The Darker Side of Western Modernity: Global Futures, Decolonial Options. Durham: Duke University Press.

Moraga, Cherríe, and Gloria Anzaldúa, eds. 1981. This Bridge Called My Back: Writings by Radical Women of Color. Albany: SUNY Press.

Smith, Linda Tuhiwai. 1999. Decolonizing Methodologies: Research and Indigenous Peoples. London: Zed Books.

Walia, Harsha. 2013. Undoing Border Imperialism. Oakland: AK Press.

Wynter, Sylvia. 2003. Unsettling the Coloniality of Being/Power/Truth/Freedom: Towards the Human, After Man, Its Overrepresentation—An Argument. CR: The New Centennial Review, 3(3), 257–337.