نسوية الترانس* الديكولونيالية
رياض الأيوبي دارس للاقتصاد وقارئ لحقول العمران والفلسفة واللغويات في تاريخ العرب، بادي البدء في ممارسته الترجمة لمّا عمل على نقل الأدبيات الشيوعيّة للعربية عبر صفحة «ما العمل؟» ومن ثمّ توسّع في هذا البحر من خلال تتبّع مخاض عمل شيوعيّي لبنان زمن الستينيات على نقل الإنتاج المعرفي من عالم الشمال إلى العالم العربي.
kohl-8-feminisms-ar.jpg
تمثّل نسوية الترانس* الديكولونيالية تقاطعًا فكريًّا نقديًا يعالج التداخلات بين الاستعمار، السلطة، والهويات الجندرية المُعَرْقَنَة ضمن إطار النسوية الديكولونيالية. أطرح هذا الإطار كنقد تغييري ضد النظريات والممارسات التقليدية لنسوية الترانس التي غالبًا ما أغفلت الطرق المتشابكة التي تداخل بها الاستعمار مع الجندر والعرق (سالاس-سانتا كروز 2024). تتجذّر نسوية الترانس* الديكولونيالية في رفض السرديات الاستعمارية والمركزية الأوروبية التي هيمنت تاريخيًا على دراسات الترانس والكوير ودراسات الذكورية المغايرة جنسيًّا في سياقات الدراسات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية، والتي تقلّل من شأن الناس أو تجزّؤهم إلى ذاتيات أحادية (ياربرو-بيخارانو 1994).
سلّطت باحثات مثل ماريا لوغونيس (2007) وغلوريا أنزالدوَا (1987) الضوء على كيفية تشكيل التاريخ الاستعماري للمنطق الفئوي وإلغاء الذوات غير الغربية المعقّدة وأشكال المعرفة البديلة عن الذات. يمتدّ هذا النقد إلى تفحّصٍ أوسع لكيفية إنتاج المعرفة واعتمادها ضمن الأطر الأكاديمية والتعليمية.
يتطلّب الاستكشاف الفلسفي للأجساد المادية للترانس ضمن إطار نسوية الترانس* الديكولونيالية الانخراط العميق مع ميتافيزيقيات وواقعيات بديلة تتجاوز قيود المعرفة الغربية. يتضمن هذا التساؤل نقدًا عميقًا لكيفية سيطرة الاستعمارية، الإمبريالية، العبودية، و/أو المعيارية الغيرية-جنسيًّا على فهم ومعاملة الأجساد التي لا تتوافق مع المعايير الثنائية للجندر. علاوة على ذلك، يستلزم تبنّي أنظمة المعرفة الأصلية، معرفة الأرض، المعرفة المتناقلة عبر الأسلاف، والمعرفة الروحانية، لتقديم إطارٍ شاملٍ لإعادة التفكير في مادّية الأجساد الترانس.
تدعو نسوية الترانس* الديكولونيالية إلى مراجعة نقدية لمصادر وبنى المعرفة لإدراج أصوات ومنظورات مقموعة، خصوصًا من مجتمعات السود، السكان الأصليين، والكوير، ممّا يتحدّى هيمنة المعرفة الغربية. ويتمثّل جانبٌ محوريٌّ في إعادة تصوّر الأجساد الترانس المادية في دمج الإبستيمولوجيات الأصلانية التي تقدّم رؤى غنية ومتنوعة عن الجندر والوجود (ديبيترو 2020ب). غالبًا ما تعترف أنساق المعرفة الأصلانية بهويات جندرية أكثر سيولة وتعقيدًا مقارنة بالنماذج الثنائية السائدة في الفكر الغربي، مما يوفر إطارًا أنطولوجيًا أوسع لفهم تعددية الجندر.
تظهر أمثلة لهذه الأطر الجندرية اللا-ثنائية والشاملة في مختلف مجتمعات السكان الأصليين. على سبيل المثال، تشكّل "الموشيز" في أواكساكا بالمكسيك جزءًا لا يتجزّأ من مجتمع الزابوتيك، حيث يجسّدون هوية جندرية فريدة تجمع بين الخصائص الذكورية والأنثوية. يتحدّى الموشيز الثنائيات الجندرية ويعقدون مفاهيم "أداء" الجندر وتفكيكه كما يفهمه المنظّرون الغربيون. يوضح الموشيز أن الأدوار الجندرية مركّبة ثقافيًا، ويسلّطون الضوء على طرق بديلة لمزج هويات جندرية متعددة داخل المجتمع (ميراندي 2016). وبالمثل، تشمل مجتمعات الترانس الهندية مصطلحات مثل "هجرة"، "ثيرنانغاي"، و"كوثي"، تحمل كلٌّ منها معانٍ ثقافية واجتماعية محددة ونماذج دعم قائمة على القرابة تتحدى المفاهيم الغربية الفردانية عن الهوية الجندرية (سيمالار 2014).
بين مجتمعات جزر المحيط الهادئ، تعكس هوية "الفافافيني" و"الفافاتاما" في جزر ساموا سيولة الجندر، مع الاعتراف بدورهم كأفراد متنوعين جندريًا ومحترمين في الثقافة الساموية (كانيماسو وليكي 2021). تجسد هوية "ذو الروحين" في مجتمعات الشعوب الأصلية بأميركا الشمالية فهم السكان الأصليين للجندر كعلاقة تتشابك بين الروحاني، الاجتماعي، والبيئي. يتمثّل هذا في فلسفة "سا’ه ناغاي بيكه هوزهو" لدى شعب الديناي (نافاهو)، والتي تركز على مسار حياةٍ يوازن بين الطاقات الذكورية والأنثوية. يعكس هذا التوازن رؤيةً للعالم حيث يكون الجندر سائلًا وعلائقيًّا، مما يتحدّى معايير الجندر الثنائية الغربية (كيوفورابوث 2021).
هذه الأطر الجندرية تجسد هويات تتجاوز البنى الاستعمارية والثنائية. يمكن لنسوية الترانس* الديكولونيالية أن تستفيد من مفهوم "الجندر الثالث"، كما هو الحال في مجتمعات السكان الأصليين، لتحدّي وتوسيع الفئات الجندرية الغربية الجامدة. يتبنّى هذا النهج هويات جندرية سائلة ومتعددة الجوانب ترتبط بممارسات مجتمعية وعلائقيّة ومتجذّرة في التراث الثقافي، بدلاً من النظر إلى الجندر كخاصّيّة فردية فقط. تسلّط هذه التصوّرات الضوء على التفاعل المعقّد بين الجندر، الروحانية، والأدوار المجتمعية ضمن الإبستيمولوجيات الأصلانية، كاشفةً كيف أن الجندر غالبًا ما يُنسج في أنظمة اجتماعية وروحانية أوسع بدلاً من تقسيمه إلى فئات ثنائية منعزلة. ومن خلال هذه المنظورات الأصلانية، يمكن لنسوية الترانس* الديكولونيالية أن تسلّط الضوء على نماذج بديلة تقدّر الترابط والسياق الثقافي في تعريف الجندر.
يُظهر تحليل بشوي بطرس للأنوثة الترانسية في مصر خلال منتصف القرن العشرين كيف يمكن لهذه الفئات الجندرية أن تقوّض الثنائيات الاستعمارية من خلال وجودها خارج عدسة الهيمنة الغربية (2023). ومن خلال مفهوم "الترجمة-الترانس"، يقدّم بطرس طريقةً لفهم سيولة الجندر لا تعتمد على التحوّلات الثابتة أو الخطّية، بل تركّز على مقاربة ديناميكية مفعمة بالسياق الثقافي. هذا الإطار ذو صلة خاصة بنسوية الترانس الديكولونيالية، إذ يوضح كيف يمكن فهم الجندر غير المعياري من خلال مصطلحات وممارسات محلية محددة، متحدّيةً فرض أطر غربية جامدة. ومن خلال استلهام هذه المنظورات، يمكن لنسوية الترانس* الديكولونيالية أن تقدّم نماذج بديلة تقدّر الترابط والسياق الثقافي في تعريف الجندر، مما يوفر طرقًا تحترم الإبستيمولوجيات الأصلانية وغير الغربية.
تُظهر الأنساق الأصلانية أنها ليست أنظمةً ثابتة بل ديناميكية ومترابطة مع الأرض والممارسات الروحانية، مما يعكس نظرة شاملة للوجود حيث لا يُعتبر الجسد مجرد كيان بيولوجي بل ملتقى للعلاقات الثقافية، الروحانية، والبيئية. إن معرفة الأرض والمعرفة الروحانية تُعدّ عناصر محورية في الإبستيمولوجيات الأصلانية، حيث يُنظر إلى الجسد باعتباره مرتبطًا ارتباطًا جوهريًا بالأرض وبالعالم غير البشري. يتحدّى هذا الاتصال المنظورات المتمحورة حول الإنسان والمادية السائدة في الفلسفة والعلم الغربيين، التي غالبًا ما تفصل الجسد عن سياقه البيئي والروحي. في هذه الأطر البديلة، يُعتبر الجسد موقعًا لتقاطع العديد من الوقائع، حيث يتداخل الوجود الفيزيقي مع الأبعاد الروحانية والأسلافية، مما يُثري فهمنا للهوية والمادية. توفّر المعرفة المتناقلة عبر الأسلاف، التي تنتقل من خلال القصص والطقوس والممارسات الثقافية، عمقًا زمنيًا لفهم الأجساد الترانس. تربط هذه المعرفة بين الهويات الحالية والتجارب السابقة والإمكانات المستقبلية، مما يقدّم منظورًا عابرًا للزمن يتحدّى مفاهيم الزمن الخطّي السائدة في الفكر الغربي. يسمح هذا المنظور بتصوّر الأجساد الترانسية على أنها ليست كيانات ثابتة، بل كيانات يُعاد تعريفها باستمرار من خلال حواراتها مع التاريخ والمستقبل.
يتحدّى هذا التساؤل الفلسفي قدرتنا على إعادة تخيّل مفاهيم المادية والوكالة الذاتية (ديبيترو 2020أ). ومن خلال التفاعل مع المعرفة الأصلانية المرتكزة إلى الأرض والمعرفة الروحانية، يمكننا تصوّر نموذج للمادية لا يقتصر على المعايير الفيزيقية أو البيولوجية، بل يكون شاملاً، يدمج الأبعاد العلائقية، المجتمعية، والكونية التي تشكّل الوجود.
يمتدّ هذا النقد إلى النظريات التعليمية التي غالبًا ما تُدرّس هويات الترانس من منظورٍ غربي أبيض يغفل التنوّع الغني والمساهمات التاريخية لمجتمعات السود، السكان الأصليين، والأشخاص الملوّنين. يدعو النهج الديكولونيالي إلى تحدّي السرديات الأحادية وتعزيز رؤية تعددية نحو الجندر والهوية. يجادل هذا المنظور بضرورة الاعتراف بهويات متعددة ومتقاطعة غالبًا ما تكون مهمشة في الدراسات الجندرية السائدة. يُعد هذا المنظور ضروريًا في السياقات التعليمية، حيث يمكن لتمثيل ودمج الهويات الجندرية المتنوعة أن يؤثر بشكل كبير على تجارب ونجاحات طلاب الترانس من الأشخاص الملوّنين. يتحدّى هذا الطرح الادعاءات العالمية التي تروّج لها دراسات الجندر التقليدية، مروّجًا بدلاً من ذلك لفهمٍ تعدّدي ومُرتكز على السياق لتشكّلات وتفاعلات السلطة المشتركة (باكيتا 2009).
يشمل تطبيق مبادئ نسوية الترانس* الديكولونيالية في السياق الفلسطيني استخدام مفهوم "ميستيزاخي" (ساندوفال 1998) لفهم التداخل المعقّد للأبعاد الجيوسياسية، الثقافية، والتاريخية. كإطار عمل، يمكن أن توفر نسوية الترانس* الديكولونيالية رؤىً قوية لفهم ومعالجة تقاطعات الاستعمار، الاحتلال، والجندر في السياق الفلسطيني. يشجع هذا الإطار على تفحّص نقدي لكيفية تشكيل هذه القوى للهويات الجندرية وهياكل السلطة داخل المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك تأثيرات العسكرة، الحدود، والسياسات القومية على التجارب الجندرية للفلسطينيين، خاصةً الأفراد الترانس الذين قد يواجهون طبقات معقّدة من القمع. في سياق فلسطيني، تسلّط نسوية الترانس* الديكولونيالية الضوء على ضرورة الاعتراف بتعدد الهويات – بما في ذلك هويات الترانس وغير الممتثلين للجندر وغيرها – ضمن أطر النضالات المناهضة للاستعمار والمقاومة الثقافية. يتحدّى هذا النهج السرديات الأحادية عن هويةٍ فلسطينية قد تتجاهل التجارب والاحتياجات المتنوعة لشعبها، بما في ذلك الأفراد من المجموعات الجندرية المهمّشة.
تعتمد نسوية الترانس* الديكولونيالية على تقدير الممارسات الثقافية الفلسطينية الأصلية وتصوّرات الجندر بطرق سابقة على التأثيرات الاستعمارية، ومقاوِمة لها. قد يشمل ذلك استكشاف المعايير والأدوار الجندرية العربية والفلسطينية التاريخية والمعاصرة التي تتحدّى الثنائيات الجندرية الغربية، مما يوفر فهمًا أكثر ثراءً وسيولة للجندر والأدوار داخل المجتمعات الفلسطينية. تشكّل العلاقة بالأرض عنصرًا أساسيًا في الهوية والمقاومة الفلسطينيتين. يمكن لنسوية الترانس* الديكولونيالية أن تقدم منظورًا يُنظر من خلاله إلى النضال من أجل الأرض ليس فقط كقضية سياسية ووطنية ولكن أيضًا من خلال عدسة التجارب الجندرية. يوضح هذا المنظور كيف تؤثر الصراعات على الأرض في الحياة اليومية والتعبيرات الجندرية للفلسطينيين، مما يمزج هذه السرديات في المناقشات الأوسع حول الحقوق والسيادة. ينبغي أن تُلهم نسوية الترانس* الديكولونيالية في فلسطين الروابط التضامنية مع الحركات العالمية الأخرى للتحرّر من الاستعمار والتحرّر الجندري، بالتعرّف على النضالات المشتركة ضد القمع وترابط مقاوماتها (سالديبار 2010).
Anzaldúa, Gloria 1987. Borderlands/La Frontera: The New Mestiza. San Francisco: Aunt Lute
Bacchetta, Paola. 2009. Co-Formations: des spatialités de résistance décoloniales chez les lesbiennes of color en France. Genre, sexualité & société, 1. http://journals.openedition.org/gss/810
Botros, Beshouy. 2023. Transition and Trans*lation beyond Binary History in Mid-century Upper Egypt; or, Portraits of Transfemininity in Asyut. Women’s Studies Quarterly, 51(3), 133–155.
DiPietro, PJ. 2020a. Neither Humans, Nor Animals, Nor Monsters: Decolonizing Transgender Embodiments [Ni humanos, ni animales, ni monstruos: la decolonización del cuerpo transgénero]. Eidos: Revista de Filosofía, 34, 254–291.
DiPietro, PJ. 2020b. Hallucinating Knowing (Extra)ordinary Consciousness, More-Than Human Perceptions, and Other Decolonizing Remedios within Latina and Xicana Feminist Theories. In Theories of the Flesh: Latinx and Latin American Feminisms, Transformation, and Resistance, eds. Andrea J. Pitts, Mariana Ortega, and José Medina. Oxford: Oxford University Press, 220–236.
Kanemasu, Yoko and Asenati Liki. 2021 ‘Let Fa’afafine Shine Like Diamonds’: Balancing Accommodation, Negotiation and Resistance in Gender-Nonconforming Samoans’ Counter-Hegemony. Journal of Sociology, 57(4): 806–824.
Keovorabouth, Souksavanh T. 2021. Reaching Back to Traditional Teachings: Diné Knowledge and Gender Politics. Genealogy, 5(4): 95. https://doi.org/10.3390/genealogy5040095.
Lugones, María. 2007. Heterosexualism and the colonial/modern gender system. Hypatia, 22(1), 186–219.
Mirandé, Alfredo. 2016. Hombres Mujeres: An Indigenous Third Gender. Men and Masculinities, 19(4), 384–409.
Salas-SantaCruz, Omi. Forthcoming 2024. What is decolonial trans* feminism and what can it do for Queer/trans BIPOC Education Research? Journal of Queer and Trans Studies in Education (JQTSIE).
Saldívar, Martha V. 2010. From Mexico to Palestine: An occupation of knowledge, a Mestizaje of methods. American Quarterly, 62(4), 821–833.
Sandoval, Chela. 1998. Mestizaje as method: Feminists-of-color challenge the canon. Living Chicana Theory, ed. Carla Trujillo. Bloomington: Third Woman Press, 352–370.
Semmalar, Gee Imaan. 2014. Unpacking Solidarities of the Oppressed: Notes on Trans Struggles in India. Women’s Studies Quarterly, 42(3/4), 286–291.
Yarbro-Bejarano, Yvonne. 1994. Gloria Anzaldua’s Borderlands/La frontera: Cultural Studies, “Difference,” and the Non-Unitary Subject. Cultural Critique, 28, 5–28.