الميزوجيناركية
باحثة ومترجمة واستشارية. يتركّز عملها البحثي في الثقافة والفنون وهي متخصّصة في الفنون العربيّة المعاصرة. يشمل عملها البحثي مجالات عدّة منها العمالة الثقافيّة والفنيّة المجندرة. عملت سابقًا كمديرة مساعدة في مركز بيروت للفن وشاركت في تقييم عدد من المعارض الفنيّة. هي أيضًا مؤسّسة مشاركة في "الأركيلوغ" منصّة إلكترونيّة للترجمة والنشر بشكل جماعيّ.
kohl-8-feminisms-ar.jpg
"الميزوجيناركية" مفهوم اصطلاحي نسويٌّ كويريٌّ مناهضٌ للاستعمار يختصر مجموعة من الأنظمة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والنفسية والعاطفية والرمزية والروحية القائمة على التمييز الجنسي ورهاب المثليات والكويريات والعابرات (باكيتا 2020؛ قادم في 2025). وينبثق مفهوم "الميزوجيناركية" من واقع عملي الميداني ومحاولتي لفهم كيفية عمل علاقات السلطة من الناحية النظرية على اختلاف أساليبها وتعدّد مواقعها الجغرافية في آنٍ واحد (الهند وفرنسا والولايات المتحدة والبرازيل)، وكيفية انخراط الذوات المجندرة المجنسنة المهيمِنة والخاضعة للهيمنة فيها وتأثّرها بها. وينطلق هذا المفهوم بالتوازي مع اهتماماتي السياسية بالتحالفات النسوية والكويرية العابرة للحدود الوطنية والمحلية والداخلية. وهو بذلك مفهوم ينتمي بصفة خاصة إلى مشروع نزع الاستعمار ونزع الكونية. ولا يعدّ مفهوم "الميزوجيناركية" نظامًا أو بناءً في حدّ ذاته لكنه عنوان عريض يضمّ تحته أنواعًا عديدةً من الأنظمة والبنى والتركيبات والتشكيلات والتكوينات والأبعاد والدلالات التي تنطوي على التمييز الجنسي ورهاب المثليات والكويريات والعابرات. يؤدي مفهوم "الميزوجيناركية" من بين وظائفه، مهمّة تطريف فكرة النظام الأبوي التي نشأت في الشمال العالمي لخدمته ومن ثم عُمّمت كما لو أنها نموذج مطلق يصلح لكلّ مكان ومقام. في المقابل، تفتح "الميزوجيناركية" آفاقًا لقراءات تحليلية أكثر تأنيًا وتجذّرًا للتمييز الجنسي ورهاب المثليات والكويريات والعابرات الممنهجين.
"الميزوجيناركية" مفهومٌ مركّبٌ يجمع بين فكرتين. أولًا، الميزوجينية وهي مصطلح لا يقتصر معناه على كراهية ورهاب النساء – كما يتمّ تعريفه في بعض السياقات – بل يشمل في نطاقه الأوسع كراهية النساء والأنوثة والهويات الجندرية والجنسانية خارج الثنائيات والمعياريات الاستعمارية للجندر والجنسانية (أي خارج ثنائيات الرجل/المرأة والأنوثة/الذكورة والنوع الاجتماعي المتوافق مع الجنس والغيرية). وقد تتجسد الميزوجينية في أشكال متعددة من النكات المسيئة للنساء والمثليات والعابرات جنسياً إلى القتل على أنواعه مثل قتل الإناث وقتل المثليات والعابرات وغير ذلك. أما الجزء الثاني من مصطلح "الميزوجيناركية" فهو "الآركي" -archy أو "الآركيات" -archies أي الأنظمة والهياكل والتنظيمات السياسية والاجتماعية. ويوسّع مصطلح "الميزوجيناركية" الحقل الدلالي لمكوّنيه ليشمل مجموع أشكال التعبير عن الكراهية وأنماط التنظيم والممارسات.
يعتمد مصطلح "الميزوجيناركية" على المفهوم الفوكوديّ للسلطة بوصفها الفيزياء المجهريّة التي تسري في الجسد الإجتماعي والتي يمكن أن تتبلور هنا وهناك في أنظمةٍ وبنىً وتشكيلاتٍ وتراكيبَ وتكويناتٍ متمايزة (فوكو 1976؛ 2001؛ 2004). ويختصّ مصطلح "الميزوجيناركية" بتفسير التنظيم المتمايز السياقي والعلائقي على مستوى الكوكب للعلاقات المتمحورة حول الجندر والجنسانية وغيرهما من علاقات السلطة المتلازمة معها (كالاستعمار والرأسمالية والإمبريالية والعنصرية والطبقية والكاستية... إلخ). وبدلًا من تجاهل الاختلافات أو افتراض التماثل، تنطوي "الميزوجيناركية" على أبعاد أخرى تشمل ممارسات القرابة المختلفة كالرحمية والعصبية والأمومية والأبوية. وفي حين تحتكم الأبوية على النساء والرجال تُظهر "الميزوجيناركية" شريحة من المحكومين ومن الهويات الجندرية والجنسانية المهمّشة والمكتومة كالمثليات والكويريات وغير ثنائيات الجنس والعابرات بوصفها ذواتٍ غير مسمّاة أو لا تحتاج إلى التسميات في دوائرها وسياقاتها الخاصة.
يُستخدم مصطلح الأبوية ("حكم الأب") في أدبيات مختلف تيارات النسوية في الشمال العالمي بشكل عام لوصف الأنظمة والمجتمعات القائمة على التمييز الجنسي أينما كان. يفتح مصطلح الأبوية مساحةً لإدراك وتحليل الفروق الدقيقة في كيفية تنظيم وتمظهر التمييز الجنسي ورهاب الكويرية والعبور الجنسي في سياقات زمنية وجغرافية مختلفة. وللأسف، لا يتضمّن مفهوم النظام الأبوي طريقة متأصّلة لتفسير الاستعمار والرأسمالية والإمبريالية والعنصرية والعلاقات الطبقية أو غيرها من الظروف مثل الاحتلال والفصل العنصري والإبادة الجماعية. وإن كانت "الميزوجيناركية" لا تهدف إلى إلغاء مفهوم النظام الأبوي، لكنها تدرجه كنظام واحد أو بنية واحدة من بين العديد من الأنظمة. كما يستطيع مفهوم "الميزوجيناركية" أن يأخذ في الاعتبار متغيّرات النظام الأبوي ومستويات حدّة السلطة وكثافتها على غرار تصنيف ريتا سيغاتو (2021) ما بين "منخفض الحدّة" و"شديد الحدّة". المهمّ أنّ "الميزوجيناركية" لا تلزمنا بالنظر إلى كل شيء في إطار النظام الأبوي، بل تنبهنا إلى أنظمةٍ وبنىً وتشكيلات وتركيبات وتكوينات أخرى من التمييز الجنسي ورهاب الكويرية والعبور الجنسي. يستدعي التفكير مع فلسطين مثلًا التفكير في البنى الاجتماعية والسياسية التي كانت قائمة قبل الاحتلال الاستعماري وفي تأثير النماذج الجندر والجنسانية الصهيونية التي فرضتها دولة إسرائيل الاستعمارية المحتلّة بعنف على المجتمع وإدارة الاجتماع الفلسطينيين، وفي الآثار المدمّرة للخطابات والممارسات الوحشية التي تعتمدها دولة إسرائيل الاستعمارية المحتلة ضد الفلسطينيين، فضلًا عن التفكير في وطأة هذا الواقع على الفلسطينيين إذ يجدون أنفسهم فجأة مضطرّين للمقاومة من أجل البقاء ومجابهة ما يفرضه الاحتلال والفصل العنصري والإبادة الجماعية من انسدادٍ كاملٍ للديناميكية الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني بما في ذلك مناقشاته حول الجندر والجنسانية، من دون أن ننسى الغسيل الوردي الإسرائيلي المستمرّ وغير ذلك (عبود 2024؛ القوس 2020). وقد خلقت هذه الظروف مجتمعةً في فلسطين نظامًا جندريًا وجنسانيًا شديد التعقيد ولا تنطبق عليه التسميات المتعارف عليها.
تتيح لنا "الميزوجيناركية" التعرّف على أنظمة وبنى وتشكيلات وتراكيب وتكوينات متمايزة لكنها تجمع كذلك وبدرجات مختلفة بين التمييز الجنسي ورهاب الكويرية والعبور الجنسي. ففي الهند، على سبيل المثال، ارتكز اليمينيون المتطرفون من القوميين الهندوس وهم من يمسك بزمام السلطة اليوم، في تصوّرهم عن أنفسهم وفي مشروعهم السياسي الراهن، على ما أسميته أنا النظام البنوي والأخوي في آن واحد (باكيتا 2020؛ 2019؛ 2004). فهم يعتبرون أنفسهم أبناء بهارات ماتا إلهة الهند (أي أنهم رعايا بنويون معًا في نظام بنوي) وإخوة من نفس (الوطن) الأم (أي رعايا أخويين معًا في نظام أخوي). في الواقع، يتألّف البرلمان الهندي في غالبيته الساحقة من رجال ونساء متوافقي الجنس، لكنه بدأ يشهد على نحو متزايد انضمام نواب عابرين جنسيًا إلى عضويته، وذلك على خلاف معظم البلدان الأخرى حول العالم. تضمّ الهند على الصعيد الاجتماعي تشكيلات من القرابة الرحمية والعصبية والأمومية والأبوية. غير أن علاقات القربى بالنسبة إلى الهِجِرة (العابرات جنسيًا) تتخطّى روابط الدم وتتشكّل بناءً على معايير الخبرة والموهبة. وقد حظي العابرون جنسيًا تاريخيًا بمكانة مقدّسة في الهندوسية وبدورٍ مهمٍّ في نظام الإسلام في الهند. أما على المستوى الرمزي، فقد عمد الاستعمار البريطاني إلى تجريم التموضعات الجندرية والجنسية المتعددة التي كانت جزءًا لا يتجزّأ من ثقافة جنوب آسيا واعتبرها حالات مرضية سواء في الخطاب والممارسة. يساعدنا مفهوم "الميزوجيناركية" على فهم التفاوت في كيفية عمل منظومتي التمييز الجنسي ورهاب الكويرية داخل الهند قبل الاستعمار وإبّان الاستعمار وفي ظل موروثات الاستعمار اليوم، لا سيما أن الاكتفاء بإدراج أيٍّ من هذه التمايزات الزمانية والمكانية تحت مسمّى "الأبوية" من شأنه أن يختزل جذريًّا تعقيداتها التاريخية والحالية. فالأبوية لن تمكّكنا على سبيل المثال من فهم دافع القوميين الهندوس لإطلاق اسم "ما-باب" أي أم وأب الأمة تحبّبًا على مؤسس المنظمة القومية الهندوسية راشتريا سوايامسيفاك سانغ، الدكتور هيدجفار، بينما لا تعرف أمم الشمال العالمي سوى الآباء. خلاصة القول، يعمل مفهوم الأبوية في إطار استعماري كمعيار أنتجه الشمال العالمي وأطلق عليه صفة الكونية ليلغي التفاصيل الدقيقة والمهمّة من أدواتنا التحليلية وأوجه مقاومتنا.
وتساعدنا "الميزوجيناركية" أيضًا على طرح الأسئلة عن مدى أهمية النظام الأبوي أو عدم أهميته بالنسبة إلى الشمال العالمي. فعلى سبيل المثال، وصفت عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي البرلمان الفرنسي قبل إقرار قانون المساواة (parité) في فرنسا الذي بات يشترط المساواة في عدد المرشحين والمرشحات للانتخابات بأنه "حريم الرجال" أي كنوع من "النظام الأخوي" (الأبيض) (أيت بن لمداني قادم في 2025). واليوم وفي ضوء تركيبته المائلة بصورة متزايدة إلى ثنائية الجنس (وإن كانت لا تزال متوافقة الجنس، يمكننا أن نسميه نظامًا "ذُريًا" (أبيض).
خلاصة القول، في حين قد يختزل النظام الأبوي الظواهر المتمايزة في نموذجٍ واحد، تتيح لنا "الميزوجيناركية" التمعّن في التمايزات بالمقاييس (من الصغير إلى الكوكبي) وفي الأبعاد والسرديات على تعدّدها وتظهر أسباب أهميتها مع إيجاد أرضية مشتركة لحوارٍ مناهض للاستعمار حول الجندر والجنسانية ومواضع تلازمهما مع علاقات السلطة الأخرى.
Abboud, Angelique. 2024. Feminist and Queer Solidarities with Palestine. Panel Talk. The Department of Gender and Women’s Studies, University of California, Berkeley, May 6.
Ait Ben Lmamdani, Fatima. Forthcoming 2025. Fatima Mernissi and the Situated Viewpoint: “The Mirror Effect.” In Fatima Mernissi for Our Times, eds. Minoo Moallem and Paola Bacchetta. Syracuse, NY: Syracuse University Press.
alQaws. 2020. Beyond Propaganda: Pinkwashing as Colonial Violence. alQaws Blog. https://www.alqaws.org/articles/Beyond-Propaganda-Pinkwashing-as-Colonial-Violence?category_id=0
Bacchetta, Paola. Forthcoming 2025. Co-Motion: Re-Thinking Power, Subjects, and Feminist and Queer Alliances for Our Times. Durham: Duke University Press.
Bacchetta, Paola, Sandeep Bakshi and Silvia Posocco. 2020. Decolonial Sexualities: Paola Bacchetta in conversation with Suhraiya Jivraj and Sandeep Bakshi. Interventions: International Journal of Postcolonial Studies, 22(4), 574–585.
Bacchetta, Paola. 2019. Queer Presence in/and Hindu Nationalism. In The Majoritarian State: How Hindu Nationalism is Changing India, eds. Angana Chatterji, Thomas Hanson, Christophe Jaffrelot. London: Hurst and Company, 527–558.
Bacchetta, Paola. 2004. Gender in the Hindu Nation: RSS Women as Ideologues. New Delhi: Women Unlimited.
Foucault, Michel. 2004. Naissance de la biopolitique. Paris: Seuil.
Foucault, Michel. 2001. Le sujet et le pouvoir. In Dits et Ecrits, Vol. I. 19754-1975. Paris: Gallimard, 1041–1062.
Foucault, Michel. 1976. Histoire de la sexualité, vol. I : La volonté de savoir. Paris: Gallimard.
Segato, Rita. 2021. Gender and Coloniality: From Low-Intensity Communal Patriarchy to High-Intensity Colonial-Modern Patriarchy. Trans. Pedro Monque. Hypatia, 36(4):781–799.