دولة الرقابة البوليسية: الذعر الأخلاقي والذكورة في مصر بعد 2011
تستكشف هذه المقالة التداخل القائم بين سياسات بثّ الذعر الأخلاقي، وهيمنة خطاب الدولة، كما مفهوم الذكورة في مصر، ما بعد الثورة في العام 2011. وفيما أصبح العنف الجنسي الحاصل في الحيّز العام أكثر مرئية في الخطاب العام والسائد ما بعد 2011، ارتكزت الدولة، في المقابل، على خطاب الأخلاق والاستقرار. أحاول، من خلال تمحيص ثلاث حوادث عنف جنسي، تفكيك خطاب الدولة، الذي يهدف الى فرض الرقابة البوليسية على الأجساد، معتبرًا بعض أجساد النساء قابلة للانتهاك، ومشهّرًا بذاتيّة الرجال والنساء معًا. وأبحث، من خلال منطق الدولة الذكورية، في كيفيّة فرض رقابة الدولة البوليسية على أجساد النساء وتعزيزها، في الوقت ذاته، من أجل سيطرة الرجل الجنسية على المرأة، عبر استخدام سياسة بثّ الذعر الأخلاقي. أطرح أن الدولة تهدف الى تثبيت ذكوريّتها المهيمنة، لضمان سيطرتها على المجال العام المجندر، وللتخلّص من أيّ احتمال للتغيير السياسي والاجتماعي. وبالنتيجة، يحصل تمتين الهندسة الجندرية للمواطنة.
أود أن أتوجه بالشكر إلى الدكتورة صبيحة علوش في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، على ملاحظاتها والتشجيع الذي قدمته لي عندما كنت أعمل على تطوير هذه الورقة، بالإضافة إلى المراجعات القرينات المجهولات وفريق كحل على ملاحظاتهنّ المتعمقة والترجمة العربية.
Islamkhatib.png
صرّح الرئيس المصري، عبد الفتّاح السيسي، بعد أيّام على تولّيه الحكم، أنّ “التحرّش الجنسي سلوك دخيل على الثقافة المصرية،” مناشدًا المصريّين استرجاع “الحسّ الأخلاقي” للمجتمع (الأهرام اونلاين، a2014). جاءت هذه الملاحظات بعد زيارة السيسي لناجية من حادثة عنف جنسي في المستشفى والاعتذار لها وتقديم باقة من الزهور اليها. وهي ضحية اعتداء جنسي جماعي حصل عشيّة تولّيه الحكم. فمنذ الثورة الشعبية ضدّ الرئيس السلطوي حسني مبارك في 2011، سيطر الذعر الأخلاقي على الخطاب المصري العام، خاصّة فيما يتعلّق بالديناميات الجندرية. فالذعر الأخلاقي، بحسب تعريف ويكس (2003) في أوائل الثمانينات، هو حالة من القلق الموّجه نحو مجموعة معيّنة تنتهك القيم الاجتماعية، وهو يتمحور غالبًا حول الجنسانية عندما تكون “في حالات من التشوّش والغموض” (2003؛ 101). تعرّف روبن (1984) الذعر الأخلاقي والجنسي، مطوّرة المصطلح، على أنه “لحظة سياسية من الجنس، تتحوّل خلالها المواقف الرائجة الى عمل سياسي، ومن ثمّ الى تغيير اجتماعي” (163)، في حين تطلق الدولة والاعلام ناقوس الخطر حول مسائل الجنسانية، وحدة الجسد، والأخلاق. وهي، أيضًا، بذلك، تحمّل مجموعة معيّنة مسؤولية تشكيل خطر على الأخلاق العامة، ويكون ذلك غالبًا عبر اصدار قوانين كنتيجة. فكما لا يمكن اعتبار النظام السياسي والتنظيم الأبوي للمنظومة السياسية كتلة واحدة، كذلك الأمر بالنسبة للدول. في الحقيقة، يتّخذ هذا النظام أشكال متعدّدة (روبن، 1984؛ 161). قامت الدولة المصرية، بناءًا على هذا التصوّر، بخلق حالة قلق اجتماعي وذعر تجاه أجساد النساء المتظاهرات، معتبرة أنهنّ منحلّات، ومنحرفات جنسيًا. وبالنتيجة، هنّ غير قابلات للانتهاك. هذا الخطاب، بدوره، يساهم في التشهير بذاتيّة الرجل والمرأة معًا.
وبالتالي، تعالج هذه المقالة التداخل بين سياسات بثّ الذعر الاخلاقي، هيمنة خطاب الدولة، ومفهوم الذكورة في مصر بعد 2011. وتهدف الى البحث في كيفية محاولة الدولة المصرية تمتين قبضتها على كل من الذكورة المهيمنة والتابعة، بحيث تحافظ من خلال الرقابة البوليسية على أجساد النساء وتعزيز هيمنة الذكر الجنسية على أجسادهن، وعلى نفوذها المهيمن على المجال العام الجندري. يكتشف القسم الأول من هذه المقالة الأدبيات حول مفهوم الذكورة، خاصّة في علاقتها مع الوطنية، في ظلّ ديناميّات الدولة الأمنية الجندرية. أمّا القسم الثاني، فيتطرّق الى السياقات المرتبطة بالعنف الجنسي للدولة في مصر. والجزء الثالث يراجع سياسات الذعر الأخلاقي، خاصّة بما يتعلّق بالمرئية العالية التي حازت عليها ثلاث حوادث عنف جنسي، وخطاب الدولة بعد 2011: حصلت الحادثة الأولى بعد بضعة أشهر من ثورة 25 يناير، عندما تمّ اخضاع المتظاهرات الى فحوص عذرية قسرية من قبل أعضاء في الجيش. أمّا الحادثة الأخرى، فعُرفت بالاعلام ب حادثة “الفتاة ذات الصدريّة الزرقاء،” وقد تمّ خلالها تعرية امرأة من قبل الأجهزة الأمنية في ديسمبر 2011. والحادثة الأخيرة كانت اعتداءات العصابات الجماعية التي حصلت عشيّة تنصيب السيسي رئيسًا. تميّزت هذه الحوادث بتغطية واسعة من قبل الاعلام، تصاعد دور الدولة، وبردّات فعل كثيفة، نتيجة حصولها إبّان الثورة المصرية. أذكر غضبي أنا ورفاقي، كما أذكر الصخب على وسائل التواصل الاجتماعي، في مقابل تحيّز ووقاحة سردية الدولة والاعلام التابع لها، فيما يخصّ هذه الحوادث. تتفحّص هذه المقالة، من خلال مفهمة الذعر الأخلاقي كخطاب للدولة، كيفية تمتين منطق الدولة الذكر، بالتوازي مع فكرة النساء كحاملات للهويّة الوطنية، من أجل اعادة انتاج مفاهيم الأمّة الشريفة والمرأة المحترمة والرجل الصالح والأجساد القابلة للانتهاك.
الدولة، الذكورة، والأمّة
إنّ عمليّة بناء الذكورة في مصر هي من دون شك عمليّة متعدّدة الأبعاد. حيث تلعب الديناميّات السياسية والاجتماعية دورًا فعّالًا في ظلّ العسكرة المتصاعدة للدولة. وقد شهدت مصر على عدم استقرار سياسي، وتحوّل اقتصادي منذ الثورة الشعبية في 2011. هذا وتولّى المجلس الأعلى للقوات المسلّحة السلطة، بعد الاطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، اثر تظاهرات شعبية حاشدة استمرت لمدّة 18 يومًا. في العام 2012، تمّ انتخاب الرئيس محمد مرسي، المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين. وفي الثالث من يوليو، 2013 قام وزير الدفاع في حكومة مرسي، عبد الفتّاح السيسي، بالاطاحة بمرسي عبر تصريح متلفز، ممثّلًا الجيش. وبناءًا على الدستور، تمّ تعيين رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور، كرئيس مؤقت، في يونيو 2014. فاز السيسي بالانتخابات الرئاسية، واستلم السلطة (ماهر، 2014). ومنذ العام 2011، كانت هناك تطلّعات من أجل اصلاح اعلامي. ولكن، حاز النظام الحالي على دعم كبير من قبل اعلام الدولة، والاعلام الخاص على حدّ سواء. تلاحظ عبدالله (2014) “يبقى اعلام الدولة في خدمة النظام، لا الشعب. فالمحطات الفضائية تخدم، بالدرجة الأولى، مصالح أصحاب الأعمال الذين يملكون تلك المحطات، وأولئك المقرّبين من نظام مبارك، وعلى ما يبدو أنهم داعمون أقوياء للنظام الحالي للرئيس عبد الفتاح السيسي.”1 وبالتالي، لعب الاعلام دورًا مركزيًا في تبنّي خطاب الدولة ومهاجمة الخطاب المعارض.
غالبّا ما تُعتبر هذه الدول ذكورية، على الرغم من صعوبة تواجد دول أو سلطات ذات طابع واحد وموّحد (براون، 1984؛ يوفال دايفيس، 1997). فقوى السلطة، وان كانت لا تسعى عمدًا وعلنيّا لإحقاق مصالح الرجال، لكّنها تُعتبر “نتيجة تاريخية وتعبير عن هيمنة الرجال في الحياة العامّة، وبشكل عام. فقوّة السلطة، بحدّ ذاتها، محدّدة جندريًا بشكل مؤكّد واشكالي” (براون، 1984؛ 12). كما أن الدول، غالبًا ما تطرح نفسها ككيان ذكوري، حيث تتشكّل الهويّة الذكورية في العلاقة مع النساء كحاملات للأمّة. فالنساء في الحركات الوطنية، غالبًا ما يُعاملن من قبل النخب السياسية كرموز للأمّة (أنلو، 2014).
ينطبق الأمر ذاته على الخطاب الوطني في زمن الصراعات والثورات. حيث يتمّ تحجيم النساء المواطنات الى أجساد فقط، والتي تصبح بدورها ساحات للنزاع. وبالإضافة إلى ذلك، نجد أن الهويّة الذكرية مكتسبة ومتوارثة. ف كورنوال ولينديزفرام (1994) يجدان أن التركيب الاجتماعي الخاص بالذكورة موجود فقط في علاقته مع الأنوثة. فلا يمكنه التواجد في المجرّد. لأن التركيب الاجتماعي للجنسانية مبني على الثنائيات، التي تعزّز التراتبية الذكورية والمنحازة للتغاير الجنسي في المجتمعات، والتي تؤكّد، بالتالي، على هيمنة الذكورة. يمكن تعريف الهيمنة الذكورية على أنّها “احتلال مجموعات معيّنة من الرجال لمراكز القوّة والثروة، ومن ثمّ تشريع واعادة انتاج العلاقات الاجتماعية التي تخلق سيطرتهم” (كاريغان وآخرون، 1985؛ 92، نقلها كورنوال وليندزيفرام، 1994؛ 19). وقد برهنت ليندزيفرام (2017) كيف يتمّ اعتبار الرجال ضعفاء، عديمي الشرف، مخزيّين، وحتى أشباه للنساء عندما لا يقومون “بالسيطرة على سلوك النساء،” ليخسروا بالنتيجة “مصداقّيتهم” كرجال (85).
تتفحّص الكاتبة غنّام (2013)، من خلال كتابها حول مفهوم الذكورة في مصر والحدود التي تكوّن العلاقة بين الذكورة والتجسيد في الزاوية، أحد الأحياء المهمّشة اجتماعيًا واقتصاديًا في القاهرة، مفهوم “الرجل المثالي” والذزات الجندرية كمركبّات حصلت جرّاء تجسيد بعض العادات الاجتماعية. فالرجل المثالي، كما تصف، لا يتشكّل من خلال التفريق بين ما هو صفة ذكورية وما هو صفة أنثوية. بل، عبر مسار حيوي من “أن يكون رجل وأن يتصرّف كرجل.” هذه السيرورة ليست جامدة، بل، مستمرّة ومتفاعلة مع محيطها الاجتماعي، من أجل الحفاظ على العادات الاجتماعية (غنّام، 2013؛ 56). وعليه، فإن الدولة تبني خطابها حول الذكورة من خلال التجسيد الجندري للنساء. وبالتالي، تعزّز الهيمنة الذكورية.
فقد تمّ بناء مصر في الخطاب السائد ك مؤنث، كامرأة واجب الدفاع عن شرفها، كما تفعل الدولة الذكورية. لذا، تسعى الدولة الذكورية الى الوصاية على الأمّة الأنثى من أجل حماية شرفها. منذ نهاية القرن التاسع عشر، صادر المصريون الوطنيون مفهوم شرف الأسرة، وجعلوا مركزه طهارة المرأة بالنسبة الى الأمّة.، وقد تطوّر شرف الأمّة، في هذا السياق، في خضم الصراع ضد الاستعمار والتدخّل الامبريالي (بارون، 2004). بالتوازي، تمّ بناء النساء كأمّهات للأمّة، في حين أن الأمّة كانت مصوّرة على أنها مسالة جماعية تعني العائلة البطريركية، وكذلك النساء. وبالتالي، يُتوقّع من النساء أن تحملن قيم الشرف والطهارة (حافظ، 2014a). ولكن، على الرغم من كون النساء حاملات للأمم، يتمّ اعتبارهن أشياء، بدلًا من مواطنات فاعلات. فهنّ غير منتميات الى سياسات الجسد (العلي، 2009)، ومعدّات ليكنّ رموزًا للأمّة، ومحتاجات الى الحماية. فسياسات الجسد، غالبًا ما تستعمل كاستعارة مكانية من أجل التعببير عن مكان سياسي واجتماعي، وفي هذه الحالة بين جسد انساني ومنظومة (براون ورازموسين، 2006). وكما تلاحظ مكداشي (2014)، بدقّة، في السياق اللبناني، فان هناك “توزيع غير عادل للهويّة الوطنية وللشرف، نسبة للتقسيم الجندري.” هذا يشبه السياق المصري، حيث يُستمدّ شرف الأمّة من شرف النساء. وقد بدا ذلك جليًا في أوقات الذروة، والتي يشير اليها الخطاب المصري العام بالثورة. هذا الخطاب انعكس خلال بناء واعادة انتاج الهويّة الذكرية. يعتبر نداء الناشطة المصرية، أسماء محفوظ، خير مثال على ذلك، حيث انتشر فيديو موجّه للرجال من أجل المشاركة في تظاهرات 25 يناير. فقالت، مستهدفة الرجال، “تعالوا وأرونا رجولتكم وشرفكم،” مضيفة، بأن من يرى أن النساء لا يجب ان يذهبن الى ميدان التحرير، لأنّهن سيتعرضن للاعتداء، عليه أن يأتي ليدافع عنهن، وعن الفتيات اللواتي قرّرن التظاهر (محفوظ، 2011، نقله عمّار، 2011؛ 301؛ غنّام؛ 2013؛ 1).2 هذا الخطاب يعني أن النساء بحاجة الى حماية أبويّة ذكرية، من أجل دخول المساحات العامة، كما يؤكّد ويعزّز مقولة تمثّل اشكاليّة، رغم صداها الشعبي الكبير، حول الرجولة، النساء، والشرف، على شكل علاقة أبوية. فالخطاب العام يشير الى ضرورة حماية جنسانية النساء من قبل الرجال لكي يكونوا “رجال.” وكما يتمّ تصوير الأمّة المصرية في الخطاب العام كامرأة واجب حمايتها، فالخطاب الشعبي وجد توازيّا بين قيادة الدولة الصحيحة والرجل الصحيح: ليصبح، بدوره، الحامي، ومصدر الحماية (غنّام، 2013؛ 163). لذا، فان خطاب الدولة يُستمدّ من خلال التأكيد على ضرورة حماية جنسانية النساء لحفظ شرف الوطن وهويّته وقيمه. بمعنى آخر، فإن انعدام سيادة النساء على أجسادهن هو شرط أساسي “لأمّة شريفة.” فحماية شرف النساء هو حجر أساس للذكورة، وهو ما تعبّر عنه انلوا (2014) بالوطنيات الأبويّة.
العنف الجنسي وسياسات الجدارة (الاحترام)
لطالما تواجد العنف الجنسي ضد النساء من قبل الدولة ومن قبل الأفراد في مصر، لكنّه أصبح مرئيًّا في الخطاب العام السائد بعد 2011 (سكالي، 2014). فالعنف الجنسي في الفضاء العام، وفي اطار التظاهر، استهدف النساء والفتيات بشكل متصاعد، حيث تمّ الاعتداء عليهن من قبل مجموعات من الرجال والصبيان (ابو النجا، 2016؛ العلي، 2012، حافظ، 2014a؛ حافظ، 2014b؛ تادروس، 2014؛ تادروس، 2016). لم تقم السلطة بمنع هذه الاعتداءات، ولا حماية المتظاهرات، ولا حتى محاسبة المعتدين. بل، كانت مسؤولة، في بعض الحالات، عن هذه الاعتداءات (FIDH وآخرون.، 2014؛ نظرة وآخرون.، 2014). ويؤكّد تقرير مشترك لجمعيات أن “النساء المتظاهرات كنّ مرارًا مستهدفات من قبل القوى الأمنية والقوى المسلّحة” خلال فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلّحة بعد 25 يناير (FIDH وآخرون.، 2014؛ 10-11). كما تشير العلي (2012؛ 29) الى ان القوات المسلّحة كانت تعامل النساء المتظاهرات بطريقة تختلف عن معاملتها للمتظاهرين الذكور، بحيث كان التعبير عن وحشية الشرطة يتمّ بشكل جنسي، وذلك عبر تعرية النساء، أو تصويرهن، أو اتهامهن بالتورّط في العمل الجنسي.
تمكّنت الجمعيات والمبادرات الشبابية، من خلال التشييج الجماعي، من تنظيم عمليات انقاذ للناجيات من الاعتداءات الجماعية، كما توثيق هذه الانتهاكات، وانتقاد تواطؤ الحكومة ومسؤوليتها (تادرس، 2014). وبينما وقع الرجال والنساء الذين شاركوا/ن في عمليات الانقاذ ضحيّة للعنف الجنسي ذو الدوافع السياسية، لم تلق تجارب الرجال الاهتمام الكافي (تادرس 2016). تمّ توثيق 250 حالة اعتداء جنسي جماعي ذات دوافع سياسية، حصلت على يد رجال وصبيان، واستهدفت النساء، وذلك منذ نوفمبر 2012 ولغاية يوليو 2013 في ميدان التحرير، مركز التظاهرات في القاهرة، وخلال ولاية مرسي (FIDH وآخرون.، 2014). وقد امتازت الاعتداءات التي استهدفت النساء في محيط ميدان التحرير بنمط معيّن، حيث كان يتم عزل النساء عن زملائهم، بينما يزداد عدد المعتدين الذين يسحبون الضحية الى دائرة مكتظّة بالجموع (المركز المصري لحقوق المرأة، 2014). كان يتم لمس النساء، سحبهن بعنف، وتعريتهنّ في بعض الحالات، كما وصلت حالات عديدة الى الاغتصاب (FIDH وآخرون، 2014؛ 11). وقد أطلق بعض النشطاء اسم دائرة الجحيم على هذا النوع من الاعتداءات لوصف كيفية تطويق الرجال والصبيان للناجية في دائرة ومن ثم الاعتداء عليها. هذا وقد وُثّقت 101 حالات عنف جنسي، من ضمنها 3 حالات اغتصاب، في محيط ميدان التحرير، وذلك في تظاهرات 30 يونيو والتي أطاحت بمرسي (16). وقد استمرت الاعتداءات الجماعية بعد الاطاحة بمرسي في يوليو 2013، حيث تمّ بثّ اعتداء مباشرة على التلفزيون، خلال احدى التغطيات لتظاهرة بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير (FIDH وآخرون، 2014). وثّقت المنظمات بين يونيو 2012 ويونيو 2014 أكثر من 500 حالات من الاغتصاب الجماعي والاعتداءات الجنسية (نظرة وآل، 2014). لم تقم السلطات في هذه الأثناء بمحاسبة أحد ولم تتوفّر أي معلومات عن الاعتداءات أو الاغتصابات الجماعية. من المعلوم ان الاعتداءات الجنسية ذات الدوافع السياسية ليست أداة حديثة في يد السلطات المصرية، فقد استُخدمت ضدّ المتظاهرات النساء في الأنظمة السابقة، تحديدًا في ال 2005، في الحادثة التي عرفت بالأربعاء الأسود. فخلال تظاهرة دعت الى مقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، قامت القوى الأمنية بفتح الطريق أمام مجموعة من الرجال للاعتداء على نساء صحفيات مشاركات في التظاهرة. وقد قال أحد أفراد الشرطة لأولئك النساء أنّ هذه الاعتداءات من شأنها “ان تمنعهنّ من التظاهر مرّة أخرى” (FIDH وآخرون.، 2014).
أنتج عدد من حوادث الاعتداء الجنسي، بعد 25 يناير، خطابًا للدولة يرتكز على الأخلاق. فقد تركّز الخطاب السياسي في ردّه على الاعتداءات الجنسية على لوم الضحية، محمّلًا الاعلام رسالة مفادها أن النساء يجب أن لا يشاركن في المساحات العامّة (FIDH وآخرون.، 2014). فقد صرّح، على سبيل المثال، العثيد عادل عفيفي، وهو عضو في مجلس شورى لجنة حقوق الانسان، في فبراير 2013 “أنه يجب على الفتاة التي تعلم أنها ستكون بين بلطجية أن تقوم بحماية نفسها قبل أن تطلب من الشرطة القيام بذلك، فهم عاجزون عن حماية انفسهم.. في بعض الأحيان، تتسبّب المرأة بتعرّضها للاغتصاب، لأنّها تضع نفسها في مواقف مشابهة” (المركز المصري لحقوق النساء، 2014). تلعب سياسات الجدارة (بالاحترام)، ضمن دينامينيات كهذه، دورًا أساسيًا حيث تُعتبر بعض الأجساد جديرة بالاحترام، في حين تعدّ أخرى قابلة للانتهاك. “فالفتاة الصالحة،” أي المنتمية الى الطبقة الوسطى هي جديرة بالاحترام. أمّا “الفتاة السيئة” فهي المتظاهرة أو عاملة الجنس، والتي لا تنسجم مع السلوك الاجتماعي المقبول “للمرأة،” لذا وجبت الرقابة البوليسية على جسدها (عمّار، 2011). ولكن، الدولة الممثّلة بجهازها الأمني الجندري، تحاول فرض رقابة بوليسية على كافة الأجساد، على حدّ سواء، ولو بطرق مختلفة. بمعنى آخر، ليس لصورتي “المرأة” حقّ بالتمتّع بالسيادة على أجسادهن. ف”الفتاة الصالحة” تستحقّ حماية الرجل، بينما تحتاج “الفتاة السيئة” الى التأديب. تختلق الدولة، عبر هذه العملية، ذوات مصبوغة بشرهها الجنسي، متاحة، وكائنات ما وراء انسانية غير قابلة للضبط، من أجل بثّ الذعر الأخلاقي من خلال اعتبار هذه الأجساد شاذّة، كما يلاحظ عمّار (2011). يستعمل عمّار (2011؛ 306) مصطلح “الوصم بالشذوذ” ليس بمعنى فرض الرقابة البوليسية على الأجساد الكويورية أو الخارجة عن السائد المغاير، بل كعملية انتاج ذوات تثير الذعر الاجتماعي والأخلاقي. فالكائنات ما وراء الانسانية هي ذوات مرئية للغاية وفقًا للسياسات التي تعتمدها السلطات الأمنية. “فقدرتهم على التصرّف بحرية تبقى مدفونة جرّاء أنماط متقاطعة كالجنسي، والثقافي، والأخلاقي، والخيال والانضباط الاجتماعي والأخلاقي” (عمّار، 2011؛ 306). هذه المرئيّة العالية تخلق مجموعات من الرجال المشحونين جنسيًا، والذين تراهم الدولة تهديدًا على جدارة النساء بالاحترام. في الوقت ذاته، تسمح الدولة للقوى الأمنية بالاعتداء على النساء المتظاهرات المعتبرات ذوات جندرية لا أخلاقية، وتحرمهنّ من أيّ حقّ بالحماية. يلقي هذا الخطاب الضوء على المرأية العالية، وعلاقتها بالجندر. فهي لا تشوّه، فحسب، سمعة “الفتاة السيئة،” بل أيضًا الرجال واصفة ايّاهم بمجانين الجنس، وبالكائنات غير القابلة للسيطرة، والارهابية، والتي تشكّل المصدر الوحيد للعنف. من خلال هذه الذوات الجندرية تعرض الدولة أجساد النساء على أنّها قابلة أو غير قابلة للانتهاك، منتجة ذعر جنسي وأخلاقي. في الوقت ذاته، تنتج الدولة مفهوم الوصاية كعنصر من عناصر الذكورة في علاقته مع هذه الأجساد. وهي، من خلال هذه العملية، تشرّع فرض رقابة بوليسية على أجساد النساء، وعلى الأجساد غير المطيعة، من أجل حفظ الأخلاق العامة. فالتجييش على العنف الجنسي ضد النساء، اذن، يتمّ من قبل الدولة كأداة لحفظ سيطرة الرجل وهيمنة الذكورية.
الأجساد القابلة للانتهاك، والنساء الجديرات (بالاحترام)
خضعت 18 متظاهرة، في 11 مارس 2011، أي بعد بضعة أشهر من تظاهرات ثورة يناير، الى فحوصات عذرية من قبل أعضاء في الجيش بعد احتجازهن لمدّة 4 أيّام على خلفية مشاركتهن بتظاهرة. أفادت التقارير أن المعتقلات أُجبرن على التعرّي أمام الجنود. وتقّدمت سميرة ابراهيم، إحدى المعتقلات، بشكوى رسمية أمام الجيش. لكنّها، اعُتقلت بتهمة الكذب (أبو النجا، 2016). فيما احتضن بعض الناشطون والأكاديميون الخطوة، ووجدوها بمثابة “كسر للصمت” حول السيطرة على أجساد النساء، وأقاموا دعوى على أسس سياسية في وجه انتهاكات الجيش. بمعنى آخر، هي لم تقم بذلك لكي تحمي شرفها، هي “لم تقل أنها عذراء لكي تنجو” (سيقلي، 2012، نقله أبو النجا، 2016؛ ص 120). ونفا الجيش الاتهامات الموّجهة اليه. ولكن، لاحقًا في يونيو، كان السيسي الظابط الأول الذي يعترف علنيًا بهذه الممارسة، وهو احتلّ، حينئذ، منصب مدير مخابرات الجيش المصري وعضو في المجلس الأعلى للقوات المسلّحة الحاكم. وقال أنه تمّ اجراء فحوصات عذرية قسرية على متظاهرات نساء بهدف حماية الجيش من أيّ اتهامات محتملة بالاغتصاب (منظّمة أمنستي، 2011). كما أقرّ مسؤول في الجيش، عبر مقابلة، لم يتمّ ذكر اسمه فيها، مع سي ان ان، التلفزيون الأميركي، بحصول الفحوص القسرية، وبمقاومة النساء لها، قائلًا: “النساء اللواتي تم اعتقالهن لا يشبهن ابنتي أو ابنتك” (أمين، 2011). وتابع بأن أولئك النساء تواجدوا مع رجال في الخيم، وتعاطين المخدرات، مدعيًّا أنّ القوى الأمنية وجدت مولوتوف ومخدرات في خيمهنّ. هذه المواقف تعطي مثالًا عن خطاب الدولة الذي يحترم أجسادًا معيّنة، اذا توافقت مع المعايير، أي، عذراء ومطيعة سياسيًا للنظام – البنات الصالحات وهنّ الأجساد الوحيدة الجديرة بالاحترام والممكن اعتبارها ضحايا للاغتصاب. وعليه، يجب حمايتها من الاغتصاب من قبل الجيش وأوصيائهنّ الذكور.
وفي العام ذاته، تصدرّت المرأة التي عرفت “بالمرأة ذات الصدرية الزرقاء” عناوين الصحف في فضيحة شائنة من فضائح عنف الدولة. حيث قام الجيش، في ديسمبر 2011، أي بعد أشهر من ثورة 25 يناير، بضرب وسحل امرأة شابة محجّبة. وقد بقيت هويّتها غير معلنة، وذلك خلال اعتصام ضدّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة في ميدان التحرير، حيث تمّ تقطيع عباءتها، وهي ثوب طويل يشبه الفستان ترتدينه بعض النساء المسلمات. وقد انتشرت صورتها ملقاة على الأرض، مسحولة، ومرتدية فقط صدريّتها الزرقاء وبنطالًا. خرج البعض الى الشارع لدعمها، حيث احتجّوا بعد الحادثة بأيام قليلة، للمطالبة بوضع حدّ لعنف الدولة في وجه المتظاهرين. حيث هتفت الحشود “نساء مصر خط أحمر” (حافظ، 2014a؛ أبو النجا، 2016). كما تضامن معها الفنانون ورسموها على جدران القاهرة. وأعلن المجلس الأعلى للقوات المسلّحة وضع الحادثة قيد التحقيق، مستجيبًا لحركة الاعتراض هذه. رغم ذلك، قامت وسائل الاعلام الموالية للسلطة باطلاق حملة تشهير ضدّها من خلال لوم الضحية ونعتها بالعاهرة، والتشكيك بعفّتها، والتشهير بالمتظاهرين ضد المجلس الأعلى للقوات المسلّحة. فقد قال أحد المعلّقين “ماذا كنت تتوقعين وأنت ترتدين عباءة من دون ملابس تحتها ]…[ عباية مع أزرار. بربّك…” (حافظ، 2014b؛ 25). أمّا اللواء عادل عمارة، العضو في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فقد كرّر خطابه الذي يعتبر أنّ النساء المتظاهرات في التحرير لسن “كبنت من بناته،” مشكّكًا بأخلاقهن، ومعتبرًا أنّهن نساء منحلّات. كما قال أيضًا، بحسب معلومات، بأن هؤلاء البنات كنّ منحلّات جنسيًا لكونهن قمن بعلاقات جنسية خارج اطار الزواج، مع شبَان في الميدان. (حافظ، b2014). يعزّز هذا الخطاب فكرة أن النساء المتظاهرات هنّ ذوات منشقّة وعصيّة على السيطرة، ولا تستحق الحماية، بل أنّها تسمح بفرض الرقابة البوليسية على جسدها. بمعنى آخر، تعدّ المرأة المتظاهرة فاقدة لجدارتها بالاحترام عندما تعارض الدولة أو الذكر من أفراد عائلتها – أي الأوصياء عليها، لتصبح جسدًا قابلًا للانتهاك.
رفعت الدولة الصوت في وجه الاعاتداءات الجنسية الجماعية ضد النساء في 2014، خلال الاحتفال بتنصيب السيسي رئيسًا جديدًا للبلاد، في حين انتشرت الاعتداءات ضد النساء منذ ما بعد احتجاجات 2011. فبعض الحوادث تسجّلت وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد قام السيسي، ردًا على ذلك، بزيارة الناجية في المستشفى والاعتذار منها ومن “النساء المصريّات،” واعدًا باتخاد اجراءات أكثر حزمًا فيما يخص المسألة (الأهرام اونلاين، a2014). كما أصدر السيسي بيانًا لاستنكار الحادثة، في حين شاركت حملات اعلامية ضخمة الدولة في خطابها مطلقة الذعر الأخلاقي. قام الرئيس المؤقت حينها، عدلي منصور، بعد يومين من الحادثة، بتعديل القانون، مجرّمًا التحرّش الجنسي ومعرّفًا ايّاه لأوّل مرّة في الاطار القانوني المصري (الأهرام اونلابن، b2014). وفي حين أن التجريم هو نتيجة للجهود الهائلة وللتنظيم الجماعي للمنظمات النسائية (تادروس، 2014)، على مدى عقود طويلة، قامت الدولة بحصد ثماره، مذكرّة بوصاية الرجل على أجساد النساء. وقد جاءت ملاحظات السيسي، بعد عامين من غياب الدولة والمحاسبة، لتؤكّد أن النساء بحاجة الى حماية الذكور، بخلاف المتظاهرات “المستحقات انتهاك أجسادهن.” كما وصف بيانه الاغتصاب أو العنف الجنسي بشكل عام بالدخيل، الغريب، وبالسلوك الغرييب، فاصلًا بذلك مصر الأمّة عن الآخرون السفهاء.
في ظلّ هذا الخطاب، يُصنّف العنف الجنسي، بكل اصرار، كظاهرة دخيلة، بدلًا من اعتباره عنفا منظّما ناضلت ضدّه النساء على مدى عقود. يذكّرنا هذا الأمر بتحليل أحمد (2000) الخاص بانتاج ذوات معيّنة وتصويرها كأجساد غريبة من خلال تجارب الجسد ووحدة الجسد. كما تناقش “يتمّ بناء الجسد الغريب من خلال عملية من الدمج والنبذ – حركة بين الداخل والخارج، فيبدو كأن الجسد الغريب قد لامس بالفعل سطح الجلد الذي يبدو أنه يحوي الجسد في بيته” (54). فبحسب توصيف أحمد، خطاب الدولة يبني أجساد معيّنة – في هذه الحالة المتحرّش الغريب والأجساد غير الذكورية – كأجساد غريبة، معزّزا بذلك ثنائية الأجساد القابلة وغير القابلة للانتهاك. هذه العملية تؤدّي الى التشهير بطبقة معينة من الرجال ووصمهم بالمتحرّش “الآخر،” أو اللا رجال. في حين تستمر شيطنة النساء المتظاهرات والرجال برفقتهم من أجل اقصاء واخضاع الأجساد العصيّة على السيطرة للرقابة البوليسية.
هندست الدولة المصرية، في مسعاها المستمر والحثيث من أجل اقصاء الأجساد غير المطيعة، الهجوم على الكويريين المصريين، بعد رفعهم علم قوس القزح خلال حفل الفرقة اللبنانية مشروع ليلى في القاهرة. فمنذ سبتمر 2017، تمّ التبليغ عن أكثر من 80 اعتقال، كما تمّ الحكم بالسجن على 40 شخص، بحسب هيومن رايتس واتش. لا يعتبر القانون المثلية الجنسية جريمة في مصر. ولكن، يتمّ توقيف المثليين بتهمة الفسق والاخلال بالآداب العامة (الأهرام اونلاين، 2017). كما حصل في حالة كوين بوت، السيئة الذكر، حيث تمّ اعتقال 52 رجلًا ومحاكمتهم بتهمة الفسق والفجور. يناقش برات (2007): “عملية التصنيف الوطني ليست مرتبطة فقط بالجندر، بل أيضًا بالجنسانية، كوسيلة لضمان الهويّات الجندرية والعلاقات في سياق التغيّر في الأدوار الجندرية” (143). فعندما تحاول الدولة بثّ الذعر الاخلاقي من أجل تعزيز سلطتها لا ينجو الجسد المثلي ولا الجسد المغاير من فرضها للرقابة البوليسية على كلّ جسد غير منسجم وغير مطيع.
خلاصة
بنت الدولة نفسها كوصّي ذكر من خلال ذوات وتجسدّات جندرية. وذلك في حالات: فحوصات العذرية القسرية من قبل أعضاء في الجيش، الفتاة ذات الصدرية الزرقاء، وحادثة عشيّة التنصيب. إنّ اعتبار هذه الحوادث بمثابة اعتراف بالتجاوزات التي تتعرّض اليها النساء تجعلنا نسأل عن الهندسة الجندرية للهويّة وللمواطنة. أدانت الدولة فقط العنف الصادر عن أفراد، علمًا أن هذه الحوادث الثلاث هي حوادث عنف جنسي قام بها أعضاء من الدولة وأفراد آخرون، مستخدمة سردية الذعر الأخلاقي حول النساء الجديرات بالاحترام، والأجساد القابلة للانتهاك، و”الدخيلة على ثقافتنا،” والآخرون الغرباء. تذكّرنا هذه الحادثة بمفهوم حماية الدولة للامرأة الصالحة. بينما يفسّر العنف الصادر عن الدولة كردّة فعل على انعدام الأخلاق والاستقرار. يتمّ توصيف النساء بالأجساد العاصية، وغير المطيعة، والتي تتنافى مع العادات الاجتماعية والقيم الاخلاقية، لذا يتوجّب تأديبها. وبالتالي، أجساد النساء ليست فقط ساحات للنزاع من قبل القوّات الأمنية، بل أنّها ساحات للسيطرة الذكورية والهيمنة الأخلاقية (حافظ، 2014b).
لم تشهّر الدولة، في اعتمادها لهذا الخطاب، بالنساء فحسب، بل بالرجال ايضًا، مشيطنةً وواصفة اياهم بالعنيفين، مجانين الجنس، وبال لا رجال، منتجة بذلك فصيلة الذوات ال ما وراء انسانية. قالت إحدى المتحدّثات من تادرس، والتي جرى الاعتداء عليها جنسيًا عند قيامها بانقاذ ناجية من تظاهرة “عندما كنّا نقوم بالتدخل لانقاذ امرأة تتعرّض للاعتداء، كان الرجال يهينوننا، في خضم هذه المواجهات، أرادوا اذلالنا وخزينا” (2016؛ 333). في اطار هذه المرئية العالية للذوات ما وراء الانسانية، تتحدّى الدولة ذكورة رفاق النساء أو أقرابئهم الذكور، لكونهم لم يتصرّفوا “كأوصياء أبويّين تجاه النساء المتظاهرات،” لكونهم لم يحموا “شرفهم” فهم، اذن، “ليسوا رجال.” بعبارة أخرى، الدولة تفرض رقابتها البوليسية عليهم وتصنّفهم كرجال ضعفاء، عديمي الأخلاق، كونهم لم يتمكنوا من رعاية نسائهم. وبالتالي، عندما تعتبر الدولة بعض الأجساد غير قابلة للانتهاك، فانها تعطي الرجال دور الحماة الذين “ينقذون النساء” من الانحلال الأخلاقي، وإلّا يفقدون مصداقيتهم وشرفهم. تعزّز الدولة بناء نفسها من خلال عملية بناء “الرجل الصحيح” لتكون الوصّي على القيم الاخلاقية والهويّة الوطنية، معزّزة بذلك هيمنها الذكورية. تظهر هذه السرديّة دولة ذكورية مهدّدة بفقدان سيطرتها على المساحات المجندرة، ممّا يشكل فرصة أمام التغيير السياسي والاجتماعي. أصبحت النساء عوامل تغييريّة، دفعت الدولة الى استخدام أحكام الأخلاق، واعتماد مبدأ ضرورة حماية الذكر. وذلك ردًا على اعادة التفاوض الحاصل فيما يخصّ العلاقات الجندرية في المجال العام في مصر. فالدولة، بعد 2011، باتت تصنع خطابًا يتمحور حول الأخلاق والعادات الأبوية، للحفاظ على الوضع السياسي والاقتصادي القائم. من المهم النظر الى خطاب الدولة بعلاقته مع الفروقات الطبقية الهائلة، عدم الاستقرار الاقتصادي بعد الثورة، والبنى غير العادلة الموجودة مسبقًا في المجتمع المصري. هذه المظاهر، كنتيجة، تؤثّر بمفهوم الذكورة، خطاب الدولة، والقمع على أجساد النساء والرجال. أعلن السيسي ال 2017 عام المرأة، في وقت استمرت فيه اعادة انتاج الخطاب ذاته، من قبل الدولة، ضمن الخطاب العام. تمّ تثبيت الذعر الأخلاقي والجنسي كأدوات تعدّ أجزاء من دولة العنف، وتساهم في تمتين سيطرة سياسية واجتماعية، مؤكّدة على سلطة الدولة الذكورية فوق أيّ عامل من عوامل التغيير.
- 1. للمزيد، أنظر/ي رشا عبدالله “الاعلام المصري في خضم الثورة،” مركز كارنيغي للشرق الأوسط. متوفّر على الرابط التالي http://carnegieendowment.org/2014/07/16/egypt-s-media-in-midst-of-revolu...
- 2. مقتطفات مترجمة من نداء محفوظ باللغة العربية من عمّار (2011)، وغنّام (2013).
Abouelnaga, S. (2016). Women in Revolutionary Egypt: Gender and the New Geographies of Identity. Cairo: The American University in Cairo Press.
Abdullah, R. (2014). “Egypt’s Media in the Midst of Revolution.” Carnegie Endowment for International Peace. Available at: http://carnegieendowment.org/2014/07/16/egypt-s-media-in-midst-of-revolution/hg1v (Last accessed 16 April 2018)
Al-Ali, N. (2009). “Up Against Conceptual Frameworks: Post-Orientalism, Occidentalism and Presentations of the Self.” Secularism, Gender and the State in the Middle East: The Egyptian Women’s Movement. United Kingdom: Cambridge University Press. 19–50.
Al-Ali, N. (2012). “Gendering the Arab Spring.” Middle East Journal of Culture and Communication 5.1: 26-31.
Ahmed, S. (2000). Embodying Strangers In Strange Encounters: Embodied Others in Post-Coloniality. London and New York: Routledge. 38-54
Ahram Online. (2014a). “El-Sisi visits Tahrir sexual assault victim, apologises to Egypt’s women.” Available at: http://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/0/103444/Egypt/0/ElSisi-visits-Tahrir-sexual-assault-victim,-apolog.aspx (Last accessed 15 January 2017)
Ahram Online. (2014b). “Egypt’s Mansour issues law for tougher sexual harassment penalties.” Available at: http://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/0/103010/Egypt/0/Egypts-Mansour-issues-law-for-tougher-sexual-haras.aspx (Last accessed 15 January 2017)
Ahram Online. (2017). “Two more arrested for allegedly raising rainbow flag at pop concert in Cairo.” Available at: http://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/64/278140/Egypt/Politics-/-Two-more-arrested-for-allegedly-raising-rainbow-f.aspx (Last accessed 5 February 2017)
Amar, P. (2011). “Turning the Gendered Politics of the Security State Inside Out? Charging the Police with Sexual Harassment in Egypt.” International Feminist Journal of Politics 13. 3: 299-328.
Amnesty International. (2011). “Egypt: Military Pledges to Stop Forced ‘Virginity Tests’.” Available at: https://www.amnesty.org/en/press-releases/2011/06/egypt-military-pledges... (Last accessed 15 January 2017)
Amin, S. (2011). “Egyptian general admits ‘virginity checks’ conducted on protesters.” Available at: http://edition.cnn.com/2011/WORLD/meast/05/30/egypt.virginity.tests/inde... (Last accessed 15 January 2017)
Brown, W. (1992) “Finding the man in the state.” Feminist Studies18.1: 7-34.
Brown, M., & Rasmussen, C. (2006). “The Body Politic as Spatial Metaphor.” Citizenship Studies 9.5: 469-484.
Cornwall, A., & Lindisfarne, N. (1994). “Dislocating Masculinity: Gender, Power and Anthropology.” Dislocating masculinities: Comparative ethnographies. London and New York: Routledge. 11-47.
Egyptian Center for Women’s Rights. (2014). “Out of a Gunpowder barrel: Egyptian Women’s Status Report in 2013.” Available at: http://ecwronline.org/?p=4578 (Last accessed on 16 April 2018)
Enloe, C. (2012), “Masculinities, Policing, Women, and International Politics of Sexual Harassment.” International Feminist Journal of Politics 15.1: 77-81.
Enloe, C. (2014). Bananas, Beaches and Bases: Making Feminist Sense of International Politics. 2nd Ed. University of California Press.
FIDH, Nazra for Feminist Studies, New Women Foundation, & Uprising of Women in the Arab World. (2014). “Egypt: Keeping women out. Sexual violence against Women in the Public Sphere.” Available at: http://nazra.org/sites/nazra/files/attachments/joint_report_sexual_violence_egypt_en.pdf(Last accessed on 16 April 2018)
Ghannam, F. (2013). In Live and Die like a Man: Gender Dynamics in Urban Egypt. Stanford: Stanford University Press.
Ghoshal, N. (2018) “More Arrests in Egypt’s LGBT Crackdown, but No International Outcry.” Human Rights Watch. Available at: https://www.hrw.org/news/2018/01/22/more-arrests-egypts-lgbt-crackdown-no-international-outcry (Last accessed 17 February 2018)
Hafez, S. (2014a). Bodies That Protest: The Girl in the Blue Bra, Sexuality, and State Violence in Revolutionary Egypt. University of Chicago Press. 20-28.
Hafez, S. (2014b). ”The revolution shall not pass through women’s bodies: Egypt, uprising and gender politics. The Journal of North African Studies 19.2:172-185.
Lindisfarne, N. (2017). “Variant Masculinities, Variant Feminities: Rethinking Honour and Shame.” Dislocating Masculinities: Comparative Ethnographies. 2nd Ed. Edited by Andrea Cornwall and Nancy Lindisfarne. London: Routledge. 78-92.
Maher, H. (2014). “From the barracks to Egypt’s presidency: El-Sisi’s journey towards Itihadiya.” Ahram. Available at: http://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/0/102828/Egypt/0/-From-the-barracks-to-Egypts-presidency-ElSisis-jo.aspx (Last accessed 15 January 2017)
Mikdashi, M. (2014, February). “Moral Panics, Sex Panics and the Production of A Lebanese Nation.” Jadaliyya. Retrieved from. http://www.jadaliyya.com/Details/30261/Moral-Panics,-Sex-Panics-and-the-Production-of-A-Lebanese-Nation (Last accessed 15 January 2017)
Nazra For Feminist Studies & the Center For Egyptian Women’s Legal Assistance. (2014). “As part of the Events of the 16-Day Campaign for the Elimination of Violence against Women, Nazra For Feminist Studies And the Center For Egyptian Women’s Legal Assistance (CEWLA) Launch ‘Qanun Nashaz’ For The Elimination Of Legalized Violence Against Women.” Available at: http://nazra.org/en/2014/11/qanun-nashaz-elimination-legalized-violence-against-women (Last accessed on 16 April 2018)
Pratt, N. (2007). “The Queen Boat case in Egypt: sexuality, national security and state sovereignty.” Review of International Studies 33: 129–144.
Rubin, G. (1984). “Thinking Sex: Notes for a Radical Theory of the Politics of Sexuality.” Pleasure and Danger: Exploring Female Sexuality. Edited by Carol Vance. Boston and London: Routledge & K. Paul. 143-178
Skalli, L. (2014). “Young women and social media against sexual harassment in North Africa.” The Journal of North African Studies19.2: 244-258.
Tadros, M. (2014). “The politics of mobilising for gender justice in Egypt from Mubarak to Morsi and beyond.” IDS Working Papers442: 1-35.
Tadros, M. (2016). “Challenging Reified Masculinities: Men as Survivors of Politically Motivated Sexual Assault in Egypt.” Journal of Middle East Women’s Studies 12.3: 323-342.
Weeks, J. (2003). “Sexuality, Intimacy and Politics.” Sexuality. London and New York: Routledge. 91-116/
Yuval-Davis, N. (1997). “Theorizing gender and nation.” Gender and Nation. London: SAGE Publications. 1-25.