العمليات الجنسية: محادثات غير مكتملة بين نساء تونسيّات كويريّات

تحذير‬ ‫المحتوى: 

تحذير عن‬ ‫المحتوى‬‫!

محتوى جنسي صريج، لغة حادة، تصوير للعنف.
مناسب لجماهير ناضجة.

اقتباس: 
عسلان، وماشا، وليلى، وفريال، ودرّة. "العمليات الجنسية: محادثات غير مكتملة بين نساء تونسيّات كويريّات". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 3 عدد 2 (2017): ص. 173-182. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 29 مارس 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/sexual-processes.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (450.84 كيلوبايت)

cover-issue-6-2.jpg

Sex, Desire, and Intimacy 2017 ©

Artwork: Amy Chiniara

يقال أن الجنس لا يأبه للمنطق: فهو بدائي، وحيواني، وفارغ. نتعلّم أن الجنس من أجل المتعة أنانيّ، ويخلو من الأنانية فقط عندما يكون من أجل الحب والإنجاب. نتعلّم أن الجنس سطحي، بينما أي حب دون جنس سيموت إحباطاً. ولكن، الجنس غير موجود في الفراغ، فهو لا يطفو فوق رؤوسنا بعيدا عمّا يشدّنا بالأرض. الجنس يعكس ويجيب على سياساتنا وأفكارنا عن النفس والآخر.

إلى أي مدى تُركّب تفضيلاتنا الجنسية؟ هل يمكننا يوما ما الإدعاء بأننا خرجنا من مجال المفروض، عبر كوننا كويريات، نمارس الجنس، أو نمنتنع عنه؟

جرت هذه المحادثة غير الرسمية في شاطىء تونسي نهاري 13 و16 من شهر يوليو، ودامت ثلاث ساعات بالإجمال. ناقشت خمس نساء، أربعة منهن كويريات، لحظات وصولهن إلى “سن الرشد” الجنسي وتصوراتهن عن الرغبة والقرف. هذه الإقتباسات لا تمثل مجتمع متخيّلا من النساء التونسيات، كويريات كنّ أم غيريات، كما أنهن لا يدعيّن ذلك. الهدف الأقصى من هذه المحادثة هو إعطائنا الفرصة لاستراق النظر على منظومة حياتية ساعدت في تركيب فهمنا عن الجنس واللذه وما يعنيان بالنسبة لنا.

إستخدمت أسماء مستعارة لحماية هويّات النساء اللواتي شاركن في هذه المحادثة.

 

عن إكتشاف الجنس

فريال:            من الغريب أنه ليس لدي ذكرى أولى لسماعي عن الجنس. ولكني أعتقد بأنها ربما حصلت في المرحلة المتوسطة، عندما بدأ الصبية بإستخدام كلمات سباب كالقضيب والفرج، او “وغد”، حينها بدأت بالتفكير بالجنس على أنه شيء سلبي. أول فيلم إباحي شاهدته كان عندما أخبرني أحد الأولاد في صفي بأنه يشاهد القنوات التلفازية الراشدة، بينما لم يكن مسموحا لنا أن نشاهد غير البرامج اللائقة لفئتنا العمرية فقط حينها. أخبرني بأن أضع قناة ’ملتي فيجين‘ (Multivision). هناك، شاهدت فيلم ’أميركان باي‘ (American Pie). بالرغم من أنه لم يكن إباحيا، فقد كان فاضحا. في ذلك الوقت، كنا نستأجر الأقراص المدمجة أو أشرطة الفيديو، وكان ذلك قبل أن بدأنا بإستخدام عناوين الإنترنت الكندية لكي نتمكن من الوصول للأفلام الإباحية. لذلك، فيلم ’أميركان باي‘ كان أقرب ما يمكننا الحصول عليه من الأفلام الإباحية كمراهقين/ات. حتّى وصولي إلى المرحلة الثانوية، كنت أفكر بالجنس على أنه عمل قبيح ي/تمارسه المنحرفون/ات فقط. لم أكن أتخيل ان والديّ قد مارسا الجنس. كانت كفكرة الزنا.1 بعدها بدأت بالبحث عن الجنس.

ليلى:              أجد من الغريب بأن أمراً يُصوّر بتلك السلبية يمكن أن يحثّ على البحث. أعتقد بأن هناك أمرا بديهيّا، كنوع من بوصلة أخلاقية فطرية تجعلنا نرفض تلك الأفكار المسبقة. بالرغم أن التشبيه التالي يمكن أن يكون مبالغا به، لكن ربما عندما يسمع الناس عن الأفكار المسبقة أو الدعاية السلبية حيال الأعراق والديانات المختلفة التي لا ينتمون إليها، لا يسارعون هكذا للتشكيك في تلك المعلومات، فهمت ما أقصد؟ إهتمامهم سيُشتّت. لكن عندما يتعلق الأمر بالجنس، بغض النظر عمّا يقال عنه، فهو أمر لا يمكن تجنبه. لا يملك الجميع بالضرورة إمتياز عدم التفكير به. حسنا، إلّا اذا كانوا لا جنسيين/ات. خلافا لذلك، فالجنس هو أمر متوقع من الجميع أن يشارك به، لذا فالترويج له كأمر يسهل تجنبه لن يكون ناجحاً. مثلا، لماذا أثار إهتمامك إذا كان محصورا بالقبيح والوقح فقط؟ المجتمع يحاول أن يخبرك بأن الجنس موجود من أجل المنحرفين/ات، وبالرغم من ذلك، بدلا من إغلاقك الموضوع، إنجذبتِ إليه.

فريال:            لأنني أردت أن أنتمي. لم أفهم إستخدام كلمة “عاهرة” حتى وصولي الثانوية، حينها نظرت إلى شاب وأخبرته بأنه عاهر. ضحك عليّ، قائلاً بأنها ليست كلمة تستخدم لنعت الرجال، وبأنني جعلت من نفسي أضحوكة. كان يبدو بأن الجميع يتحدثون عن الجنس وأنا لم أكن أعرف معناه.

ليلى:              لذا انتهى بك الأمر وأنتِ تستخدمين شتائم تستخدم لتحجيم النساء اللواتي يبدين إهتماما بالجنس، نساء مثلك، أملاً بأن تشعري بالإنتماء.

فريال:            أجل. بالإضافة الى ’أميركان باي‘، مغنّي الراب كإمينيم، 50 سينتس، سنوب دوغ، ودكتور دري قد كوّنوا فكرتي عن الجنس خلال المراهقة. عندما وصلت إلى المرحلة الثانوية وأصبح لدي حاسوبي الخاص، بدأت بمشاهدة الأفلام الإباحية. حينها أكتشفت بأني كنت أمارس الإرتجاز طوال السنين الماضية، ولكني لم أعلم ما أقوم به. إكتشفت الإسترجاز خلال الإستحمام. لم يسبب لي الموضوع ذعرا أخلاقيا وقتها. كما تعلمون، أبي توفّى، لذا عندما علمت عن الجنس، كان أمراً لم تعد أمّي بالقيام به. كان أمراً من ماضيها، بعيداً عن حياتنا. كان أمراً يحصل خارج عائلتنا. كنت أتسائل كيف لها أن تعيش دونه كونها كانت عازبة في عمر الخامسة والثلاثين، وهي اليوم في عمر الثانية والخمسين. تلك مدّة طويلة من الوقت. أمي محافظة ومتدينة، ولا أدري إذا كانت حتى تقوم بالإسترجاز، بالرغم من أن النشاط الجنسي مرتبط بالشباب والصحّة في ذهنها. صديقات أمي على سبيل المثال يتحدثن عن النساء اللواتي “لا يتزوجن” بأنهن يكبرن بشكل أسرع. يقلن بأن المرأة تظهر وكأنها مريضة وأكبر من عمرها لأنها عازبة. عندما كنت أصغر سنّاً، وجدت الموضوع غير منطقيّا بيني وبين نفسي، فالقيام بالطبخ والتنظيف خلف الرجل سيجعل المرأة تبدو أكبر سنّاً. ما كنّ يعنينه هو أن الجنس يبقي المرأة شابّة، لكن ليس الجنس وحده، ربما الرفقة أيضا.

عسلان:          ليس لدي ذكرى دقيقة، لكني بدأت بسماع الشتائم في حوالي المرحلة المتوسطة. عندما سألت أمي عمّا تعنيه عبارة ’تبّاً لك‘ (حرفيا: مضاعجتك)، أخبرتني بأنها تعني ممارسة الجنس، وهي العملية الجنسية التي يقوم بها أهلكِ لإحضارك إلى الحياة. أخبرتني عن البويضة والحيوان المنوي، مركزة على عملية التكاثر. إجابة عادية جدّاً. سألتها إذا كانت وأبي يمارسان الجنس دائماً، وما إذا كنت سأقوم بالأمر أيضا. قالت نعم، يمارس المتزوجون الجنس، ولكن لا يمكنني ذلك كوني صغيرة جدّاً. أضافت بأننا بشكل عام لا نمارس الجنس في تونس لأننا مسلمون، ولا نمارسه بشكل عشوائي، إذا أراد إثنان ممارسة الجنس، عليهما الزواج. سألتها: “لكن ألا يتزوج شخصان عندما يحبان بعضهما؟” أخبرتني انه عندما يحب شخصان بعضهما، سيريدان أن يمارسا الجنس. شرحت لي آليات ممارسة الجنس بما يتعلق بالإنجاب. كان الأمر مبنيّا على المعيارية على أساس الغيرية الجنسية بالتأكيد. لذا، أردت أن أشاهده، أي الجنس. سمعت عن الممارسة وأردت أن أراها، فقررت أن أنتظر حتى يمارس والداي الجنس وأفاجئهما. فكرت أن أتنصت او أنظر من خارج باب غرفتهما. لكني لم أستطع أن أقبض عليهما. لم أنجح أبدا. لحسن الحظ، ليلة سبت على قناة M6 وجدت بالخطأ فيلما إباحيا كان والدي يشاهده. كان الموضوع صادما في البداية، لم أكن أفكر باللذة التي تأتي مع الجنس، بل كان جلّ تفكيري بالجماليات المرافقة للممارسة. عندما كنا نذهب إلى البلدة حيث يعيش جدّي، كنت أشتاق لمشاهدة الأفلام الإباحية لأنني إعتدت عليها. لذا، ذهبت مرّة إلى الطابق السفلي لأرى إذا كان والدي يشاهد بعض الأفلام. لدهشتي، لم أقبض على والدي هذه المرّة، بل على جدّي الذي كان رجل ديّن. عندما كان أبي هو من يشاهد الأفلام الإباحية، لم أفكر بالأمر كخطيئة، فهو رجل متزوج، والممارسة أو المشاهدة بالنسبة لي واحد. فبدأت بمشاهدة تلك الأفلام مع جدّي دون أن يلاحظ. عندما كنت أتعب من النزول الى الطابق الأسفل في كلّ مرّة، كنت أخبر أهلي أن غرفة جدّى أكثر بروداً وبأني أريد النوم فيها. كنت أسترق مشاهدة الأفلام الإباحية معه على قنوات ’ملتي فيجين‘ السادسة والسابعة والثامنة.

ماشا:             خلال سنوات المراهقة، كانت معاييري مبنية على أساس الغيرية الجنسية كون كل إكتشافاتي فيما يتعلق بالجنس لم تكن من مصادر تعليمية، لا من أهلي أو من المدرسة. لذا، كانت معلوماتي خارجة عن التقاليد والمعرفة الرسمية. إكتسبت معرفتي من الأفلام الإباحية ومن الشارع. لم تكن إكتشافات. كنت دائما أعلم عن الجنس عبر الأسئلة التي نسألها كأطفال، ولكن لطالما كان أمراً سريّاً وحميمي، لكنه متوقع وقادم لامحالة. لم يكن أمراً محرّماً، ولكنه بكل بساطة مؤجّلاً لوقت أفضل، عندما نكبر بالعمر. لم ترتبط الممارسة بأي دلالات سلبية؛ بالتأكيد كان على النساء المحافظة على عذريتهن، وذلك من أجل تأجيل النشاط الجنسي، لا الإمتناع عنه.

درّة:              والداي طبيبان، لذا ليس لدى ذكرى مبكرة عن الجنس. يبدو أنني كنت دائماً أعلم عن الموضوع. تحدّثنا بكل ما يتعلق بالجسم. كان يأتي والداي من لقاءات وإتفاقيات وهما يحملان الواقي الأنثوي والذكري. صُوِّرت الجنسانية على أنها توجد مع جسد الإنسان، وليس كأمراً علينا إخفائه، بالرغم من أنها لم تكن محادثة نخوضها بشكل شخصي. كان يتمحور الأمر بشكل أساسي حول تجنب المعتدين – “لا تسمحي لأحد بأن يلمسك”، “إذا أراكِ أحدهم أعضائه التناسلية، أخبري أي راشد”، “إذا لمسك أحدهم، لست مذنبة. لا تخافي من إخبارنا بالأمر” – وليس حول الممارسة نفسها أو اللذّة. كأطفال، يطلب منا والداي أن نحمي أنفسنا من المعتدين الجنسيّين بالأطفال، وكمراهقين، يطلبا منّا أن نحمي أنفسنا من الحمل. بالطبع، كانوا يفكّرون بالممارسة بطريقة غيرية. عندما بلغت الثامنة عشرة، كنت أحضر برنامج ’نيكست أل-جي-بي-تي‘ (Next LGBT) على قناة ’أم تي في‘ (MTV)، وهو برنامج يطلب الأشخاص فيه مواعدة بعضهم البعض، والثنائي الذي ينجح في بناء علاقة يربح البرنامج. كانت تلك النقطة التي بدأ فيها والدانا بالتحدّث معنا عن “الشرق والغرب”، وحينها كانا يقاطعاننا ونحن نشاهد التلفاز لكي نجلب لهما كأس مياه، الطريقة نفسها التي كانا يستخدمانها عند المشاهد العنيفة. لم أفصح عن ميولي الجنسية لوالديّ، ولم يكن هناك حاجة لذلك. فهما يعلمان، وهمهما ليس الجنس، بل المجتمع – أي أنه عليّ أن أنتبه من الناس.

عن الإسترجاز، والدورة الشهرية، والأفلام الإباحية

ليلى:              فريال، كنت أتسائل، هل تعتبرين أن أمك لا تملك حياة جنسية كونها ليس لديها شريك؟ ماذا عن الإسترجاز؟ هل تعتبرين أنّ الشخص الذي يمارس الاستمناء أو الاسترجاز ليست لديه حياة جنسية؟ أم تجدين أنّ ذلك أدنى من الجنس؟

فريال:            لا أعتقد بأن النساء اللواتي من عمر والدتي وخلفيتها يفكرن بملامسة أعضائهن التناسلية عن قصد. حتّى وإن كنّ يفعلن ذلك، لا أعتقد بأنهن يرين تلك الممارسة كإسترجاز لإستكشاف أجسادهنّ وإمتاع أنفسهن. يمكن أن يلمسن أنفسهن عند الإستحمام، ولكن كجزء من طقوس النظافة أو حتّى التدليك. لن يصورّن الموضوع كأمر جنسي. وإن حصل ذلك، سيشعرن بالإثارة ويلهين أنفسهنّ بشيء آخر. أعلم من تجربتي، فأنا أبدأ بالأكل مثلا.

درّة:              أعتقد بأن الإسترجاز هو عن إستكشاف الذات أكثر من الجنس. الجنس يشمل التبادل، فتكتشف نفسك والآخر. يمكن أن يكون علاقة حميمية غير مادية، كالمراسلة الجنسية أو الجنس عبر الإنترنت، واللذان ممكن أن يدفعا الشخص لممارسة الاستمناء أو الاسترجاز أو الخيال. بالطبع، تصبحين هنا عرضة للمخاطرة حيث أن الشخص الآخر يمكن أن يكون موجود من أجل الضحك لا الجنس؛ لا يمكنك أن تخمّني نوايا الشخص الآخر وما إذا كان يمارس مقلباً او فعلا يقوم بما يدّعي. في النهاية، يحقق هذا النوع من الجنس غايته إذا كنتِ قد إستمتعتِ.

عسلان:          في سنوات مراهقتي، كنت أشعر بأنه يحقّ لي أن اسأل أمي عن الجنس أكثر، حيث أنه كان الوقت قادم لنتكلّم عن الدورة الشهرية، والفوط الصحيّة، والآلام، على الأقل فيما يتعلّق بإنتظام الدورة وإذا ما كانت “صحيّة” أم لا. أتذكّر بأن جارتنا التّي خدمت كوزيرة لشؤون المرأة في مرحلة ما قد أعطتني كتابا في عمر الثانية عشر عن النساء ووظائفهن البيولوجية في الإنجاب. أتذّكر بأني شعرت بأن ثقافتي قد توسّعت، كأني إنتقلت إلى مرحلة أخرى من حياتي. على سبيل المثال، سألت أمي لماذا يصرخ الأشخاص وهم يمارسون الجنس، فأخبرتني أن ذلك بسبب الوصول إلى النشوة. بعدها تذكرتْ وسألتني أين سمعت أشخاصاً يمارسون الجنس.

فريال:            كنت أشاهد ’ون تري هيل‘ (One Tree Hill)، وكان هنالك مشهداً يقيم فيه خمسة أصدقاء حفلة نوم، بينهم ثنائيان وفتاة عازبة إسمها بروك. عندما كانت بروك تمارس الاسترجاز في غرفتها لوحدها، سألها أصدقائها عمّا أذا كانت “تبرك نفسها” (من إسم بروك). لم يستخدموا مصطلح الإسترجاز، لذا إعتقدت أن المصطلح الصحيح هو “إبراك النفس”. عندما بدأت بمشاهدة الأفلام الإباحية، تعلّمت المصلحات الصحيحة، لا التعبيرات الملطّفة.

عسلان:          قرأت عن الإسترجاز بأنه حرام، مما يعني أنه زبّور،2وهذا ما دفعني للرغبة بالقيام به.

درّة:              مشكلة الأفلام الإباحية أنّها ملكية خاصّة. إنّها صناعة، كأي صناعة أخرى، حيث يريد المالكون كسب المال بناءً على خيال الرجل الذي سيدفع. لذا، فالرجال هم من يحددون السوق. إنها ديكتاتورية. لا يمكنكِ أن تجدي نفسكِ في تلك الأفلام، لكنك ستعثرين على شيئ يناسبكِ فيها.

عسلان:          بدأت مشاهدة الأفلام الإباحية بشكل منتظم مع أصدقائي عندما يغيب أهالينا عن المنزل؛ تلك كانت جَمعتنا. بدلاً من أن نخرج من المنزل لكي نلعب الغميضة، كنّا نبقي في الداخل ونقلّب بين محطات ’هوت بيرد‘ (Hotbird). تلك كانت أول مرّة نشاهد فيها أفلام إباحية للمثليات. بدأ أصدقائي بقول أمور مثل: “قرف، نساء مع بعضهنّ البعض؟ إنها معصية.”

ليلى:              لكن مشاهدة أشخاص يمارسون الجنس ليست بمعصية؟

عسلان:          لم أفكّر بذلك كثيرا. ربّما لأن المشاهدة كانت غير مؤذية، فهي لم تجرح أحد أو تكسر أي قاعدة. كما تعلمين، ليس هنالك من آية واضحة يمكن تفسيرها لإثبات أن مشاهدة الأفلام الإباحية حرام. بالرغم من أن تعريف أمي للجنس كان على أنه ممارسة بين الرجل والمرأة، إلى أني كنت أعلم أن النساء في الأفلام الإباحية المثلية كنّ يمارسن الجنس، وليس أي ممارسة أخرى رغم إختلاف ذلك عن التعريف الذي تعلّمته. كنت مقتنعة أن ممارسته حرام، لكن مشاهدته حلال لأنها لم تتضمن خيانة او تكاثر. كنت مرتاحة مع نفسي وتديّني.

 

عن صورة الجسد، والخيال، والإنجذاب

ليلى:              بالنسبة لي، المضاجعة أعطتني راحة مع نفسي. قبل أن أمارس الجنس لأول مرّة، لم أعلم أن جسدي جذّاب. أعلم أن ذلك غير صحيح كون الجنس ليس مقياساً للجاذبية، لكن عندما نكبر ونحن نرى أن النساء في الأفلام الإباحية يملكن فروج موحّدة الشّكل لا تشبه فرجي، يكون الأمر مخيبا. الأفلام الإباحية لم تحررني. كنت أقلق وأفكر بأنه ربمّا هناك خطباً ما في جسدي، جماليا، ومن ناحية القابلية للمضاجعة. لذا عندما بدأت بممارسة الجنس، تصالحت مع جسدي.

فريال:            وعلمت حينها أنك زبّور.

ليلى:              كنت دائما أتعرّض للتحرش على الطريق، لكن ذلك لا يعني أنّي جذّابة؛ ما كان يعنيه أيضاً هو أن هناك خطباً ما في شكلي الخارجي، وبأن جسدي قد خذلني مرّة أخرى. المضاجعة كانت مختلفة لأنها كانت مبنية على الموافقة. أنا أدعو الأشخاص للممارسة؛ لا يدّعون بأنهم يملكون الحقّ على جسدي ببساطة فقط لأني كنت أمرّ من أمامهم في المساحات العامة.

فريال:            أتفهم إنعدام الثقة فيما يتعلّق بالجسد. كنت أريد أن أبيّض فرجي مستخدمةً بيكربونات الصوديوم، لكني علمت بالصدفة بأنها تحرق الجلد لأن أحد النساء في عملي جرّبته. يقتل الحياة هناك. إلى أن الأفلام الإباحية للهواة قد ساعدتني في التعرّف على أجسام مختلفة مع علامات الشدّ وغيرها. لذا فهي قد ساعدتني في التصالح مع جسدي. لا زلت أقارن نفسي بنساء أخريات، ولكن ليس بالدرجة نفسها. إذا رأيت إمرأة تظهر عليها علامات الشدّ، أشعر بالإسترخاء على الفور، وتتغير وضعيتي، وأشعر بالراحة أكثر مما أشعر عادة وأنا محاطة بنساء لديهن أجساد مثالية. الأمر لا يشعرني بالتمكين فقط في العلاقات الحميمية، حتّى في صداقاتي. أشعر بأن الناس مرتاحون/ات معي أكثر عندما أكون أكثر إرتياحاً مع جسدي وإنفتاحاً فيما يخص جنسانيته.

عسلان:          أتذكر عندما كنت أتخيّل، كان الجنس الذي كنت أتخيله غيريّا، بالرغم من أن دوري لم يكن دور المرأة بالضرورة. كان الأمر يربكني. لماذا كلّما أغلق عينيّ لأتخيل ممارسة الجنس، كنت أقوم بدور الرجل؟ لذا فكرت بأنّه ربّما على أن أكون رجلاً.

ليلى:              أنا كنت الرجل أيضاً!

عسلان:          أنّه لأمرٌ غريب، بدأت أتذكّره الآن للتو.

درّة:              التعبير الجندري غير المعياري لا يعني بأن الشخص كويري. أصبح الأمر أكثر تعقيداً الآن بسبب وسائل التواصل الإجتماهي ووسائل المواعدة التي تدفعكِ للإنصياع نحو ثنائية، لأنه عليكِ أن تقابلي الناس بناءً على أشكالهم. من الصعب أن تتهربّي من ذلك الإطار.

عسلان:          لم أفكر يوماً بمضاجعة رجل. ربما كان ذلك عندما بدأت بالإنجذاب للنساء، رغم أنني لم أفكر بالأمر على هذا النحو. كنت قادرة على تقدير الرجال جماليا، على ما أعتقد، لأنه كان من المتوقع منّي أن أنجذب إليهم. أول مرّة قبّلت فيها رجلاً، لم يحرّكني الأمر بتاتاً. كنت خائبة الظن؛ هل هذا ما كنت أبحث عنه دائماً؟ هذا هو؟ هذا كل ما في الأمر؟ فكرت ربما حصل ذلك لأني لم أحترف التقبيل، لذا، إقترحت على الفتيات أن نتدرّب سويّاً، وإتضح لي أنهن كنّ قد تدربّن سويّاً من قبل. كان هنالك معيار مزدوج: إذ أن تقبيل الفتيات مقرف ومحرّم، ولكنّه أفضل من تعلّم التقبيل من الصبيان. عندما قبّلنا بعضنا البعض، كان الأمر أفضل بكثير من قبلتي الأولى بالرغم من أنه كان محاطاً بهالة من الإشمئزاز.

فريال:            رقص الباطشاتا ساعدني على التعرّف على جسدي كشيء جنسي. إنّ مجتمع هذه الرّقصة يملك ضرورات مختلفة لا تتعلق بالتغطية والإخفاء. يُطلب منكِ أن تركّزي على صدركِ ومؤخرتكِ. يُطلب من الرجال أن يبرزوا مؤخراتهم أكثر عند الرقص. هناك عدّة معايير لما هو صحيح حسب المجموعة التي نتكلّم عنها، وذلك حسب المال الذي يملكه الفرد. على سبيل المثال، أخت زوج جدّتي كانت على الأغلب “حاملة صفات الجنسين” كما نفهم العبارة اليوم. في تلك الأيام، لم يفهم أحد معنى ذلك، لذا كان حاملي صفات الجنسين يلقّبون بالبغال، لأن البغل لا يتكاثر. بالرغم من الوصمة، كان تقارب عائلة زوجها من عائلتها لهم أهم من عدم قدرتها على الإنجاب.

عسلان:          عندما كنت أدرس في جامعة الفنون الجميلة (Beaux Arts)، قابلت مثليات كون العديد منهنّ يظهرن في تلك الأماكن. حينها عاودت النظر في ديني ووجدت أن هنالك الكثير من التفسيرات التي تتعلق بالمثلية. لم أعد أعتبرها خطيئة. في الوقت نفسه، بدأت بمواعدة شاب وخُطِّبت له لأن العديد من صديقاتي بدأن بالزواج وشعرت بأنها مسابقة، بالرغم من أنّي لم أشعر بأي إنجذاب جنسي نحوه. لم أكن أريد مضاجعته. ربطت الأمر في رأسي بتربيتي الدينية وليس بميولي الجنسية. لم يرد المضاجعة هو أيضاً لأنه كان محافظاً، ولن يضاجع المرأة التي يريد الزواج منها. شرح أمّي الأول للجنس كان عن الحب، لذا إعتقدت أنّه عندما يصبح حبّنا شرعياً عندما نتزوج، يمكننا ممارسة الجنس. قررت بأن أمارس جنس دون إيلاج معه، ولكني لم أستطع الوصول إلى النشوة. كانت هناك إمرأة من أقاربي البعيدين، وكانت هي مخطوبة أيضاً. كنا نخرج سويّاً في مواعيد غرامية مزدوجة. من أول يوم بدأنا بالخروج سويّاً، علمت أنّ هنالك شيئاً مميّزاً فيها. بدأنا بالخروج سويّاً لوحدنا. كانت تداعبني وتلمسني. فكّرت أن صديقاتي الأخريات لم يفعلن ذلك.

ليلى:              هل شعرتِ بالإنتهاك؟

عسلان:          كلّا، شعرت بأنّ الأمر كان صائباً. لكني شعرت بأنه غريب وغير مألوف، على الأغلب لأنني أحببته كثيراً، ولأنني لم أحبّ الأمر عندما لامسني خطيبي. كان الأمر مربكاً أيضاً. لماذا تلمسني بتلك الطريقة؟ كنت في السادسة والعشرين عندما علمت بأني تشّا.3 كانت تخبرني بأنها تحبّني، وأنا أحببتها أيضاً. لكن صديقاتي الأخريات لم يتعاملن مع بعضهنّ البعض بتلك الطريقة. في أحد الأيّام، إستلقت عليّ وقالت لي بأنّها غير سعيدة في علاقتها مع خطيبها. تخيّلت فوراً بأنها ستخبرني بأنّها مثلية. لكنها لم تفعل أكثر من ذلك. يوماً ما، قررنا أخيراً بأننا سوف نقضي ليلة لوحدنا سويّاً في نُزل. أخبرتني بأن أفضل ما في الموضوع هو أنّنا سنستطيع مشاركة سرير. ليلاًّ، في إحدى الحانات، بدأ رجلان بمعاكستنا، فتظاهرنا بأننا مثليتان كي يتركونا وشأننا.

ليلى:              لم يكن ذلك سينفع.

عسلان:          تلك الليلة، كنّا وكأننا ملصقتان إحدانا بالأخرى، نتكلّم عن الجنس الذي مارسناه مع خطيبينا. سألتني إذا كنت قد خنت خطيبي مع أحد. قلت لها كلّا. أخبرتني بأنها خانت خطيبها مع إمرأة. بعدها سألتني إذا كنت غبيّة أو أنني فعلاً لم أفهم. كنت ما زلت مرتبكة، فعبّرت لي عن رغبتها في تقبيلي. قضينا الليل نداعب بعضنا البعض دون ممارسة الجنس، ولكنّنا وصلنا للنشوة. عندما انتهينا، سألتني إذا كنا قد مارسنا حراماً – هي ترهب المثلية، على فكرة. قلت لها كلّا. لم نتكلّم عن الموضوع بعدها أبداً.

 

عن الإشمئزاز، والرغبة، واللذّة

ماشا:             هناك بعض الممارسات التي لا أقوم بها، كالممارسات التي تعتمد فيها اللذة على مشاركة البراز. كي أمارس أي نشاط جنسي، أحتاج إلى الحد الأدنى من النظافة.

ليلى:              هناك مسلّمة بأن بعض الممارسات أكثر نظافة من غيرها. يمكن للفرد ألّا يرغب بأن يشارك في بعض الممارسات الغريبة، لكن ذلك لا يجعلها مقرفة أو غير “نظيفة” كفايةً، خاصّة أن أغلب الممارسين للنشاطات الغريبة يعون معايير السلامة الأولية بشكل جيّد، ربّما أكثر من الأشخاص اللذين لا يشاركون في تلك الممارسات.

ماشا:             بي-دي-أس-أم4 هي الممارسة التي لا يمكنني أن أتلقّاها أو أعطيها بالرغم من أنني أعلم جيّداً بأنها مبنية على التراضي. لدي مانع نفسي بالرغم من أنني أعلم أن الأشخاص المشاركين يطلبون تلك المساعدة، حرفيّاً. ذهبت إلى ورشات عمل عديدة حول ال بي-دي-أس-أم كي أحاول أن أتقبله، ولكنّي لا أستطيع أن أتعامل مع العنف.

ليلى:              حسنا، تعلمين أنّه ليس عنفاً. العنف هو ما يُفرض على الأشخاص.

ماشا:             لا زلت غير قادرة على فصلها عن العنف. لكن بالنسبة لي، العقل الذي لا يتطور هو العقل البسيط. يتغيّر الناس ويصبحون أكثر تقبّلاً مع الوقت. يمكن أن تنفصل عن فكرة العنف بالنسبة لي أيضاً يوما ما. في هذه المرحلة، الموضوع متطرّف بالنسبة لي، لكن “التطرّف” نسبي أيضاً، لذا يمكن أن يكون الأمر غير متطرّف للآخرين/أخريات.

ليلى:              من الممكن أن ننتقل من عدم الإرتياح إلى التفهّم، بعيداً عن خطاب “ليفعلوا ما يريدوا طالما أنّهم/نّ بعيدون/ات عنّي”. أنّه نفس الخطاب الذي يتسخدمه رهابيّو/ات المثلية كي يخبروا المثليات والمثليين بأنّ عليهم/نّ الإحتفاظ بمثليتهم لأنفسهم/نّ.

درّة:              أنا أيضاً أجد اللعب بالفضلات مقزّزاً، لكنّي لا أعتقد بأن الأمر غريزي؛ إذا كان الأمر يعود إلى رفضنا الغريزي للسوائل الجسدية، لما استطاع أحد من الإنجاب لأنهن سيشمئزن من السائل المنوي. أعتقد بأن الرغبة والإشمئزاز يأتيان من محل لذّة. ستعرفين ما المثير بالنسبة لكِ وتتصرّفي على أساس ذلك. على سبيل المثال، يملك الناس تفضيلات جنسية مختلفة فيما يتعلّق بالمظهر الخارجي. عندما تكونين منجذبة إلى “مظهر عرقي” واحد حصرياً، يصبح الأمر عنصريا كونكِ لستِ مهتمة بالشخص، بل بعرقه. هل شاهدتِ ’سكينز‘ (Skins)؟ إنها عن رجل ليس مغرماًّ بشخص معيّن، لكنه يقضي وقته باحثاّ عن تركيبة معيّنه يعبدها.

ليلى:              لذا، إذا كنت أريد ممارسة الجنس، وأنا لا أهتم بالشخص الذي سأمارسه معه، لا بأماله ولا بأحلامه، ولا أريد أن أعلم عنه شيئاً، ولكني فقط أريد أن أمارس الجنس وأنتهي، هذا أمر سيء؟ من الواضح أنّني لستُ مهتمة بالشخص، هل يجعلني ذلك سطحية؟

درّة:              يختلف المثل المتعلّق بالعرق؛ فهو ليس حول صفة جسدية كالطول أو القصر، بل التصنيف العرقي للبشر. الرغبة ليست منطقية. أمّا اللذّة، فهي غريزية، هي أمر فطريّ. أم أنّها ليست كذلك؟

ليلى:              اللذّة أو الرغبة؟

درّة:              اللذّة.

ليلى:              أعتقد بأنّها ليست ماديّة بالضرورة. عندما يمارس الأشخاص المحدّدون/ات جسديّاً الجنس، لا يمارسونه ضمن حدود الجسد بالضرورة: الأشخاص الذين يملكون أطراف صناعية، أو النساء عابرات النوع الإجتماعي اللواتي لا يتسخدمن قضيبهنّ للجنس، او اللواتي لا يقذفن. هناك متعة أخرى ليست بيولوجية بالضرورة. يمكنني أن أحصل على اللذّة إذا مصّ أحدهم قضيبي الإصطناعي. ستكون تلك لذّة جنسية غير ماديّة. ليس هنالك من معادلة جوهرية للرغبة ولا من وصفة عامّة للذّة. فهي تنبع من أماكن مبطّنة ومُتخيّلة، من ذكريات، وقيم، ومخاوف. الرغبة واللذّة تضبطهما كل بنية فوقية نواجهها. يتم إستيعابهما، وإعادة إنتاجهما، وتحديّهما، ومحاربتهما. هما كل تلك الأمور سويّاً: جدلية. التكلّم عن الجنس تمرين حرج، فهو يذكّرنا بمسائلة كل ما هو ممنوح وكل ما هو محفوظ وكل ما هو مؤَجّل. غالباً، نُجبر على إرتداء هويّات مرتبطة بممارساتنا الجنسية، كنساء وعاهرات وكويريّات، وننسى بأن تلك التسميّات تدلّ على محادثة يجب أن تحدث. علينا أن نكمل تلك المحادثات.

  • 1. الأفعال الجنسية التي تُعتبر غير أخلاقية، كالسفاح، الجماع خارج الزواج، والعمل الجنسي.
  • 2. شتيمة تونسية، تعني “الفرج” او “جذّاب للغاية” حسب الحوار: غير مناسبة للإستخدام العام، غير أنّه تمّ الإستحواذ عليها كعبارة في بعض الدوائر النسائية.
  • 3. توليد بالقلب باللغة الفرنسية، من كلمة ’شات‘ (chatte) أي قطّة بالفرنسية، أو فرج. تستخدم بالقلب بإستبدال أحرف te-cha بدلcha-tte في تونس لوصف الـ”عاهرات.” تستخدم من قبل بعض النساء في الدوائر المثلية لنعت جنسانيتهن.
  • 4. نوع من الممارسات والنشاطات الجنسية القائمة على الإستمتاع بالسيطرة، والعقاب وتمثيل الأدوار بين المسيطر والمسيطر عليه بالتراضي.
ملحوظات: