نحو بيداغوجيا تحرّرية

السيرة: 

كاتي ناتانيل محاضرة أولى في الدراسات الجندرية في معهد الدراسات العربية والإسلامية وجامعة إكستر (المملكة المتحدة). وهي تعتمد أساليب تربوية نسوية راديكالية مع المعلمين والطلاب في فصولها الدراسية الجامعية. تركز في عملها على النظر في وتطوير التوجهات الاستعمارية والمناهضة للاستعمار. تركز كاتي في ملها على المشاركة السياسية والتعبئة العامة الى جانب موضوعات الصراع والعنف السياسي والإرهاصات العاطفية والأثر السياسي. تركز خصوصًا على السياق الفلسطيني ودولة إسرائيل. في الآونة الأخيرة ، حولت تركيزها إلى السياسات والإيكولوجيات النسوية. حصل مشروع كتابها الأول ، إدامة الصراع: اللامبالاة والهيمنة في السياقات الفلسطينية الاسرائيلية (مطبعة جامعة كاليفورنيا) ، على جائزة الكتاب لعام 2017 لجمعية دراسات المرأة والمرأة (المملكة المتحدة وأيرلندا). كاتي عضو في شبكة إكستر لإنهاء الاستعمار (EDN) والمحرر التنفيذي لمشروع الشرق الأوسط للبحوث والمعلومات (MERIP).

مؤرخة متعددة الاختصاصات بخلفية في دراسات الشرق الأوسط. حصلت على درجة الدكتوراه من معهد الشؤون العربية والإسلامية (IAIS) بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، حيث كانت عضوة في قسم دراسات الخليج والمركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية (ECPS). يدور عملها بشكل عام حول تاريخ الشعوب في الخليج الحديث (اقرأ من خلال تشابكاته مع المنطقة ككلّ) والأساليب النقدية في التأريخ. وهو يركز على الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار واليسارية في منتصف القرن العشرين في الخليج، والعمل خارج الأرشيف الاستعماري لوضع التجربة الحيّة في قلب إنتاج المعرفة وفهم المنطقة. عملت كانوال كباحثة في مركز الشرق الأوسط، كلية لندن للاقتصاد (LSE)، على موضوع الحياة الاجتماعية لتغيّر المناخ في الكويت، وكمساعدة تدريس بعد التخرج ومنظِّمة مشاركة في دورة دراسات النوع الاجتماعي والسياسة في IAIS، جامعة إكستر.

أمل خلف هي قيّمة فنيّة وفنانة تشغل حاليًا منصب مديرة البرامج في Cubitt والمنسقة المدنية في Serpentine Galleries في لندن. طوّرت هنا وفي سياقات أخرى، إقامات ومعارض ومشاريع بحثية تعاونية في تقاطع الفنون والعدالة الاجتماعية وأطلقت مؤخرًا "هياكل دعم لهياكل الدعم" وهو برنامج زمالة ومِنح للفنانين العاملين في مجال الممارسة المجتمعية والسياسة المكانية. تشمل المشاريع الأخيرة Radio Ballads (2019-22) و Sensing the Planet (2021). وهي عضوة مؤسسة في مجموعة الفنانين الخليجيين، وعضوة في مجلس أمناء Mophradat "مفردات" - أثينا. ليس/ في أي مكان، لندن وآرت نايت، لندن. في عام 2019 ، قامت بتنسيق جناح البحرين في البندقية، وفي عام 2018 شاركت في تنظيم مؤتمر دولي للفنون والعدالة الاجتماعية بعنوان الحقوق إلى المدينة في لندن، وفي عام 2016 شاركت في إدارة النسخة العاشرة من منتدى الفن العالمي، آرت دبي.

‫ ‫الملخص: 

تجمع هذه المساهمة ثلاث مهنيّات يعملن في مجالات البحث والتعليم والتنظيم والمسرح المجتمعي في المملكة المتحدة، وهي مجالات منخرطة بشدّة بالحداثة الاستعمارية. ننخرط في حوار عبر مواقعنا داخل المؤسسات الاستخراجية، خاصة التعليم العالي والمنظمات الثقافية/التراثية، بهدف تخيّل وتطبيق ممارسة لغوية لنسوية مناهِضة للاستعمار من خلال التجربة المتجسدة والعمل التعاوني. متّبعات حدسنا وتعليم الأكاديميين/ات النسويات والكويريين/ات، والسكان الأصليين، نركّز على التجسيد والمادية والتأثير والجماليات وعلاقات الرعاية في خطواتنا باتجاه المستقبل.

يأخذ مقالنا شكل المحادثة المتطورة معتمداً على "الكلمة" ويتجاوزها كأسلوب للتواصل والتعبير. نحن نعلم امتياز اللغة المكتوبة (الانكليزية خاصة)، وكذلك الانتاج البصري، سواء في انتاج اللغة أو نقلها ليكون مؤثراً في ظل الهيمنة الاستعمارية المستمرة. في مواجهة هذا التيّار، نستكشف حركة/ حركات النسويات النازعة للاستعمار والمناهضة للاستعمار، والتي تتحرك ضمن نصوص ومواقع معرفية أخرى بما فيها الأرض والجسد والنفس والروح والإحساس. كذلك، إننا نقترح أن المعرفة المناهضة للاستعمار تُصقَل بطرقٍ تعزّز الروابط عبر الزمان والمكان والصراعات والتخيّلات.

من خلال العمل بالفن والدراسات الجامعية، والأداء وحالات الأحلام، والمطاردة، وعدم الراحة، والتنبؤ وسوى ذلك، يتّخذ حوارنا أشكالاً سمعية/صوتية، ومرئية ومكتوبة. نبدأ من اقتراحين يركّزان الانتباه على العمليات والممارسات: 1) الطرق وهي فرص تحويلية للمدرّسين/ات في الصفوف والمهنيين/ات في هذا المجال؛ 2) التجارب الحيّة وهي مصادر للتفكير النقدي وما نسميه بالنظرية المنبثقة عن التجربة. من خلال التفكير والعمل عبر الوسائط ومواقع القوة، نهدف إلى خلخلة واستعادة وتحويل الاحتمالات، وطرح السؤال بحنان وبغضب، أي رغبات يشكّلها عملنا وممارستنا؟

شكر‬ ‫واعتراف‬: 

يتضمّن المقال أعمالاً سمعية بصرية للفنانين/ات:
جمال أبو عيشة، مالو تراب، سيلا إي، آشا علي

اقتباس: 
كاتي ناتانيل، كانوال حميد، أمل خلف. "نحو بيداغوجيا تحرّرية". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 9 عدد 1 (19 يناير 2023): ص. 76-91. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 25 أبريل 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/387.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (581.98 كيلوبايت)
ترجمة: 

مترجم يساريّ ثوري منذ سنوات طوال واستاذ في اللغة العربية، يعمل لأجل الطبقة العاملة التي ينتمي عن وعي وإصرار إلى صفوفها.

les_femmes_dalger_56_72_x_54_2016.jpg

نساء الجزائر٬ 2012

أسد فالويل

الحديث النظري… يدعو القرّاء للانخراط بالتفكير النقدي والالتزام بممارسة النسوية.
بيل هوكس – النظرية كممارسة تحررية1

***

 

ماذا يحصل عندما نرفض؟

ماذا يمكننا أن نفعل، عندما نتّخذ لنقطة/نقاط انطلاقنا شيئاً غير متوقّع أو مقبول؟ أي تجارب، قصص، أحاسيس، أحلام تُستدعى عندما نعمل في هذه الأيام؟ كيف تُحسّ هذه المعرفة – ماذا يمكن أن تقول لنا، (كيف) يمكن أن تنتقل2 – وما هي أنواع المستقبل التي يمكن أن نتّجه نحوها؟

تنامى التزامنا من خلال عرض أمام مؤتمر الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط (بريسمس BRISMES). على الرغم من أن الحوار أدناه يتمظهر بين كانوال (ك.ح.) وكاثرين (ك.ن.)، لكننا بنينا المناقشة أيضاً مع المنسّقة والممارِسة أمل خلف3 (من معرضَي سربينتين وكوبيت Serpentine and Cubitt)، والتي أدارت ورشات اللغة والمقاومة والمسرح. في حين عملت معنا على تطوير هذا المقال، اشتغلت أمل كمنسقة أساسية في العام الأخير على مشروع راديو بالاد (Radio Ballads) الذي أُطلق مؤخراً. مشروع راديو بالاد هو عمل لأربعة فنانين/ات أمضوا/ين أكثر من 3 سنوات في أماكن الرعاية والخدمات الاجتماعية في باركينغ وداغينهام (المملكة المتحدة)، و"قد أقيم من خلال التعاون مع الاختصاصيين الاجتماعيين ومقدّمي الرعاية والمنظّمين والسكّان بحيث يطّلعون على قصص العمل، ومَن يهتمّ بمَن وكيف يتمّ ذلك".4 إن الهموم التي أثارها هذا المشروع المحدّد تعمل جنباً إلى جنب مع عملنا، وتأمّلات أمل النظرية حول تجربتنا كممارسة في صناعة التراث الثقافي (الاستخراجي والاستعماري كذلك) حاضرة بشدّة في التفكير وراء هذا المقال.

في بريسمس، أجرينا نقاشاً بعنوان: "التربية الراديكالية والأدوات التحويلية للباحثين/ات والمربّين/ات". تحدّثنا عبر مؤسساتنا ومهنيينا على أمل اكتشاف بذور الاحتجاج، ومشاركة الأدوات التي يمكن نقلها يدوياً (مع إدراك كيف شكّلناها بالفعل) والتحدّث عن وجودها بطرق تنمّي العمل التعاوني/ الجماعي.

تقوم هذه المقالة على موضوعين، أو نقطتي انطلاق. النقطة الأولى: التجارب الحيّة5 للتفكير النقدي والنظرية المنبثقة من التجربة. نسير مع بيل هوكس، التي تقول إننا نتفحّص ما هو يومي لفهمه وتخيّل البدائل الممكنة – وأنّ العمل النظري ضروريّ كممارسة ضمن إطار النشاط التحرّري.6 والثانية: الأساليب التعليمية منطلقٌ تحوٌّلي للمربّين والمربّيات في الصفوف والممارسين/ات في هذا المجال. بالتفكير والعمل عبر الوسائط والمؤسسات ومراكز السلطة، نهدف إلى خلخلة الاحتمالات واستعادتها وتحويلها وتطويرها.

 

رؤية السلطة

ك.ن.: الجلوس مع هذه المقالة وهذه الأفكار لأكثر من سنة يعني مشاهدتها وهي تتغيّر في شكلها وتنمو وتتحرك. أكتب هذا الآن مع قليل من المسافة، في لحظة ما بعد كثافة فصل التدريس في الربيع وقبل العودة إلى موسم التصحيح والإشراف والبحث. يبدو كأنّه وقت للتوقّف قليلاً، وفرصة لتجميع الأفكار وتشكيلها. للوصول إلى ما هو جديد. ولكنه أيضاً زمن العودة، أعلم أنّ مثل هذه الأحاسيس بالهدوء والتجديد التي تكون دورية – هي بمثابة دعوة سنويّة لإعادة تشذيب مقارباتنا. أفهم كيف أنّ مثل هذه "القواطع" تتجسد كارتياح ووعد بالتجدّد. ولكنني أرى كذلك كيف أن وظيفتها التجديدية تخفي الضرر الحاصل (الذي لم يحصل بعد). الأمر الذي يسمح لنا بتكرار المسار مع أمل أنه هذه المرة سيكون أفضل، وأسهل أو مختلفاً. أعتقد أن ما يربض على قلبي في هذه اللحظة هو كيفية الحفاظ على هذا معاً: إرادة القيام بالأشياء بطريقة مختلفة وبناء أشياء في مكان آخر، بطرق تحافظ على السلطة – مع ذلك رفضها باعتبارها شاملة.

قد يكون هذا ما قصدَته ماريا لوغونس عندما تحدّتنا للعمل أبعد من "منطق السلطة" في تنظيرها لـ/تجاه النسوية النازعة للاستعمار.7 إنه لأمر ممتع، لأنه، لسنوات كنت محتارة في هذا التحوّل بالعبارة – حتى في الصف مع الطلاب/الطالبات – متسائلة: "لكن ما الذي يعنيه ذلك فعلياً؟" ربما كنت أعلم طوال الوقت، أو لم أستطع الوصول إلى حالة الفهم إلا عبر السيطرة على التوتر الشخصي والمهني. ما اقترحته لوغونس (وأصرّت عليه) ليس تأمّلاً نظرياً مجرّداً، شيء يحيّرك من خلال خلخلة الأفكار عبر الأطر. بدلاً من ذلك، إنه شيء يجب القيام به8 – ممارسة نتخيّلها ونجسّدها لأنه يجب فعل ذلك: كتبت لوغونس:

 

بما أن الاستعمار يتسلل إلى كل جانب من جوانب الحياة من خلال تداول السلطة على مستويات الجسم والعمل والقانون وفرض الضريبة، وإدخال [نظام] الملكية ونزعها، فإن منطقه وفعاليته يقابلها أشخاص فعليون من الذين بأجسادهم/ن، وأنفسهم/ن وعلاقاتهم/ن مع الروح لا يتبعون/ن منطق رأس المال. المنطق الذي يتبعونه لا يؤيده منطق السلطة. حركة هذه الأجساد والعلاقات لا تكرر نفسها. لا تصبح ثابتة ومتحجّرة. يستمر كل شيء وكل شخص في الاستجابة للسلطة والاستجابة تكون في كثير من الأحيان بشكل مقاوم – أي ليس عبر تحدٍّ صريح، على الرغم من وجود تحدٍّ مفتوح في بعض الأوقات. بطريقة قد تكون مفيدة أو غير مفيدة لرأس المال، ولكن هذا ليس جزءاً من منطقها. من الموضع المكسور، تنجح الحركة في الحفاظ على الطرق الإبداعية للتفكير والتصرّف والربط المتناقضة مع منطق رأس المال.9

 

أشعر بالراحة لكيفية خلق هذه الرؤية مساحة للغموض والفشل والتكيف والتجديد كجزء من طريقة قديمة/جديدة للوجود في العالم. إنها توفر لنا وسيلة للرد أو المقاومة تُشعر بكرم راديكالي. الأمر الذي يمنحنا الإذن للمحاولة من جديد.

 

ك.ح.: حوارنا مع بعضنا البعض حول القيام بهذه الأشياء هنا، تنجمع مع المحادثة المستمرة حول كيفية القيام بذلك. وذلك يتعاطى مع الدعوة التي أطلقتها أكانكشا ميتا، التي كتبت في المجلد 5 من مجلة "كحل": "ماذا تعني أن تكوني معلمة نسوية وملتزمة بالممارسات التربوية النسوية؟"10 كما أننا نعتمد كذلك على تاريخ طويل من التفكير بأصول التدريس الراديكالية (هوكس، فريري، بوال، وسواهم/ن – من بينها كتابات الممارسين/ات غير المنشورة). كما جرى القيام بذلك من قبل سياقات أخرى، نفكّر في مواقع التعليم التي جرى إقرارها كمصادر للتحويل الاجتماعي، والتي سأعود للكتابة عنها لاحقاً.

أريد البدء بالعمل من خلال السؤال: كوننا داخل مؤسسات استعمارية استخراجية، ما هي علاقتنا بالمعرفة؟ هل يمكن التفكير مع ميشال-رولف ترويو حول كيفية إخفاء هذه العلاقة – التي هي مستثمرة مع السلطة – حيث تنتقل المعرفة وتدخل وتنتشر داخل المؤسسات، ويحصل نشرها من خلال مخرجات مؤسساتية متعددة. كيف يمكننا اختيار ما نشاركه؟ بينما نتحرّك في أعمال إنتاج المعرفة، هل نسأل أنفسنا: مَن يحتاج إلى أن يعلّم هذا، ولماذا؟ يقول ترويو: "قد تكون العلامة النهائية للسلطة هي عدم رؤيتها؛ التحدّي النهائي، هو عبر الكشف عن جذورها".11 كيف يمكن أن نبقي على جذور البنى الفوقية للهيمنة والاستخراج واضحة لأنفسنا، وفي الوقت عينه، العمل، كما قالت تشاندرا موهانتي: كمجتمعات "متمرّدة"12 داخل مؤسساتنا؟ كيف يمكن تطوير ممارسات العمل التي تحترم ارتباطاتنا بالشعوب، والحياة، والتاريخ والأفكار التي نعمل بها؟

 

ك.ن.: نعم لقد وصلنا إلى اهتمام مشترك: ماذا يعني "أبعد من منطق القوة" وبناء "مجتمعات متمرّدة" داخل المؤسسات الاستخراجية؟ وما الذي يتطلبه ذلك منّا؟ في أماكن وأزمنة أخرى، اعتبرتُ أنّ الأكاديميا والتعليم العالي هي نيوليبرالية بشكل واضح،13 تشكّلت بواسطة المثل الرأسمالية لدرجة أن التعليم (الناجح) والتدريس ينتجان موضوعات تعيد إنتاج النظام المهيمن والعنف الذي يحافظ عليه. أعلم أنه مِن بيننا، نتبع باولو فريري وبيل هوكس في رفض هذا المنطق، وبدلاً منه نصرّ على أنّ التعليم يمكن أن يكون مختلفاً – أنّ تنمية المعرفة والمشاركة يمكن أن تدفعنا نحو الوعي النقدي وممارسات الحرية، بدلاً من إعادة إنتاج منطق الاستخراج والتراكم، يعترف هذا التوجه بانخراطنا في العالم وانعدام المساواة فيه، وتشابكنا مع بعضنا البعض ومع البيئة، وقدرتنا على التصرّف وفق الواقع وتغييره.14 إنها رؤية مفعمة بالأمل وقوية، عالم يحاول الكثير من بيننا بناءه، والعيش فيه – عبر ممارسات التدريس، ومشاركتنا بالنشاطات النقابية، وأبحاثنا الجماعية والخلّاقة، وعلاقاتنا الشخصية.

لكنني لست متأكدة من أن الجامعة يمكن أن تكون هذا المكان الذي يتمتع بالإمكانات التوليدية والسخية (الراديكالية). ما زلت مضطربة من الشعور بأن الوعي النقدي لا يمكنه الانتشار من بنى وقيم فضائل قريبة من السلطة، كما أنني أتساءل أي نوع من "الحرية" يمكن لهذه المؤسسات الموافقة عليه، إن أمكن، على حساب تكلفتها (المتخيّلة). نحن نرى بالفعل الانفصال بين "الحرية" والتحرّر في جامعاتنا – مثلا، في المعارك التي خاضتها الجامعات ضد المتحدثين/ات الترانسفوبيك، والكارهين للنساء والعنصريين/ات، ومن أجل الالتزام بحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات دعماً لفلسطين. هل هذه الهيئات التي يتخرّج منها الناس أو الحركات يمكن أن تتدخل نقدياً في العالم، بطرق تعترف وترفض وتفكّك السلطة وتبني عالماً جديداً؟

لقد صارعتُ هذا الشعور – وهو شيء يتراوح بين التفاؤل والتشاؤم – طول فترة تواجدي في التعليم العالي في المملكة المتحدة. هناك طرق لتأطير عملنا لجعله أقلّ نفاقاً، مثل: "أن نصبح أشخاصاً سيّئين" ضمن المؤسسات النيوليبرالية أو "تعليم تجاوُز" النظام الرأسمالي الذي يؤمّن فرص العمل والتعليم.15 إذا أخبرت بانتظام، فهذه القصص يمكن أن تمنع الشكّ بأننا نؤمن بالوعي الزائف16 أو التفاؤل القاسي،17 تحت ستار المقاومة أو الثورة. في الواقع، هذه القصص يمكن أن تكون الطريقة الوحيدة للبقاء والاستمرار والعيش في المؤسسات الاستخراجية (إذا كان هذا ما نريد القيام به).

 

التعلّم من الموروثات: مجابهة السلطة وبناء قواعد أخرى

ك.ح.: يبدو أن هذا توازن مهمّ: لتقريب وعينا وتطلّعاتنا، والعمل على تفعيلها، في حين نعلم أن هذه الممارسات تعمل ضمن فضاء (التعليم العالي، المعارض، المتاحف)؛ وما نأمله هو صراحة ليس الهدف من هذه المساحة. للكلام على نطاق أوسع، لديّ شعور بأن الأمل لا يشكّل نفسه. أغلب الأوقات – إن لم يكن دائماً – يتأطّر ويتعزّز ويكون على حافة الهاوية، والهشاشة أو اليأس.

من جديد، بينما من الواضح أننا لا نعمل في ظل الظروف ذاتها، ولا من الموقع الاجتماعي ذاته، وأعتقد أنّ هناك الكثير للتعلّم منه (والاستلهام منه) في التجارب التاريخية لأولئك الذين/اللواتي واجهوا/ن خطراً أكثر وضوحاً: أفكّر هنا في حركات التحرّر من الاستعمار والتحوّل الثوري، والتزاماتها وممارساتها وأساليبها التربوية. ما نراه بشكل مستمر في هذه التجارب هو: العلاقات والمجتمعات المتشكّلة خارج المؤسسة التعليمية الرسمية؛ التعليم في خدمة التحوّل الاجتماعي المادي؛ استكشاف التجارب الحيّة – وبناء تخيّلات وحقائق بديلة عبر التعليم. هذه الممارسات، ومركزية التعليم فيها، شكّلت جزءاً مهماً من عمل الحركات الوطنية، والمناهضة للاستعمار، والثورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) طوال النصف الأول من القرن العشرين. شارك/ت المعّلمون/ات والطلّاب/ات في مجتمعات سياسية نامية خارج الجامعة في بيروت والقاهرة والكويت ونابلس – وغيرها من الأماكن.18

من المهمّ الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى الأكاديميين/ات وطلاب/ات الجامعات الملتزمين/ات بالسياسات الراديكالية/الوطنية، جرى كذلك تأسيس النظم البيئية التربوية في أماكن لا علاقة لها مباشرة بالجامعة – في النوادي المهنية والاجتماعية والرياضية خلال الفصول الدراسية بعد المدرسة في مخيمات اللجوء وساحات القرى. يدعونا التعلّم من هذه التجارب إلى التفكير حول كيف أنّ المساحات التي ندرّسها ونعمل فيها موجودة داخل ميدان أوسع، ورؤية الخطوط التي تنقسم من الداخل من الخارج على أنها مساميّة قابلة للنقل والعبور. كما يطلب منا قراءة ممارسات الحركات المعادية للاستعمار والتحرير التي كانت متشابكة مع التدريس باعتبارها أكثر من مجرد "شيء وحصل".19 أعتقد أنه لدينا الكثير لنربحه من خلال التفكير بهذه الممارسات وتطوير الأساليب داخلها كجزء من أصول التدريس التحرّرية.

من ناحية ثانية، يمكن المحاججة أن المؤسسات التي نجد أنفسنا فيها اليوم هي في خدمة القوى التي دمّرت الكثير مما ذكرته أعلاه (في بعض الأوقات بمساعدة أولئك الذين/اللواتي يموضعون/ن تفكيرهم/ن مع التابع، مثل جايمس. س. سكوت).20 يبدو أنّ المَخرج من هذا التفكير بوضوح هو بما يمكننا وما نريد فعله في هذه المساحات والموارد. وكما قالت موهانتي: "نحن نتحمّل مسؤولية عميقة للتفكير بعناية وأخلاقية عن مكاننا في هذه الأكاديميا، حيث نتقاضى أجورنا لإنتاج المعرفة وحيث توصّلنا إلى معرفة مكانية السلطة التي تتطلب أن تكون مرئية، وأن يجري تحدّيها".21

 

ك.ن.: دعونا نفكّر بوضوح أكثر هنا في ما يمكننا القيام به وعمّا نريد أن نفعله! ولكن أيضاً ما يجب فعله، وما الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما نتحمّل مسؤوليته. ماذا يحصل لو وافقنا على انعدام الارتياح مع/في المؤسسات الاستخراجية كشرط للحاضر – وفي الوقت عينه توسيع مساحة المستقبل (الآن وهنا) من خلال زيادة قدراتنا على العمل بشكل متناقض؟ العمل ببطء، وبانتباه، وسرّياً بطرقٍ تعكس الأمثلة الرائعة التي ذكرتها منذ قليل. في حين يمكن أن تتخيّلنا المؤسسات أنّنا نعمل من أجل الاستخراج والتراكم، يمكننا بناء حقائق بديلة عبر التنظيم تحت سقفها/أسقفها.

هناك ما هو لافت في المقطع الذي كتبته ماريا لوغونيس يسمح بذلك، طريقة العيش في عالمين أو العمل وفق مستويات مختلفة في آن معاً. أريد أن نرجع إلى كلماتها للمضي قدماً، فلنتذكّر:

 

يستمر كلّ شيء وكلّ شخص في الردّ على السلطة والاستجابة في كثير من الأحيان بمقاومة – أي ليس بتحدٍّ واضح، على الرغم من وجود تحدٍّ مفتوح في بعض الأوقات – بطرق قد تكون أو لا تكون مفيدة لرأس المال، ولكن هذا ليس جزءاً من منطقها.22

 

أعترف بأنني قرأت هذا المقال عدّة مرات دون التوقّف عند القسم الذي يبدو لي الآن مقنعاً للغاية. هناك خطر من أن أجد عزائي في هذه الكلمات المحدّدة اليوم كتكرار للقصة المألوفة – قصة تبرّر استمرار وجودنا واستثمارنا في المؤسسات الاستخراجية. ولكن أعتقد أنه من الممكن كذلك لنا استعمال هذه البنى والأنظمة ضد نفسها، لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الموارد والمنصّات والناس التي تجمعهم/ن. كما تقترحين أيضاً! التخطيط، والبناء والاجتماع والتواصل والحلم والفعل، أن نكون بشكل مختلف كما نتوقّع في لحظة النهوض والتحوّل الـ"الآن وهنا" التي ننبثق منها.23

 

بين البيداغوجيا والممارسة: في سؤال الكيفية

ك.ن.: إذاً، المسألة هي بالتأكيد إحدى الوسائل – كيف نعمل بالضبط وفق هذه الطرق، بعد أن نكون قد وصلنا إلى مكان تكون فيه ضرورته واضحة جداً؟ في كتاب The Undercommons أدركْنا ستيفانو هارني وفْريد موتن بهذا القول: "العلاقة الوحيدة الممكنة مع الجامعة هي علاقة إجرامية".24 شعرتُ ورأيتُ بنفسي أن أحاول فكّ عقدة "كيف" بعدّة طرق، ولكن دائماً مع الإيمان أنّ الجامعة (كمؤسسة) يمكنها وستكون أفضل. إن الأمر يستحقّ استثمارنا ومحاولة تحويله ثقافياً، بنيوياً وسياسياً. لم أعرف كيف/إذا كان يجب الاحتفاظ بهذا الأمل إلى جانب اليقين بأن التغييرات التي نسعى إليها لا يمكن أن تعتمدها الجامعة، لأنها في نهاية المطاف ستتخلّى عنها. بدلاً من ذلك يدعونا هارني وموتن إلى الفرار:

 

لا يمكن نكران أن الجامعة هي مكان لجوء، ولا يمكن قبول أنّ الجامعة هي مكان للتنوير. في مواجهة هذه الظروف، لا يمكن للمرء إلا التسلّل إلى الجامعة وسرقة ما يمكنه. أن تُسيء إلى ضيافتها، أن تضرب رسالتها، أن تنضمّ إلى مستعمرتها للّاجئين، معسكرها الغجري، أن تكون فيها وليس منها – هذا هو طريق المثقّف الانشقاقي في الجامعة الحديثة.25

 

"أن أكون فيها وليس منها". هذا قبول بأن عملنا قد يتمّ الاستيلاء عليه أو استخراجه (حتى عن طيب خاطر) بواسطة المؤسسة – وأننا قد نكون "مفيدين لرأس المال"26 – ولكن أن نقوم بعملنا تحت السطح، ونرفض خدمة منطقنا من خلال "الاختفاء تحت الأرض".27 هذا هو مجال/ زمن المستقبل، حيث نتعلّم ونبني ونغذّي ونخلق ونحضّر لنظام جديد. يسكنها وتسكنها الرفاق/الرفيقات الذين/اللواتي ينالون/ن الإشادة والتسويق من مؤسساتنا، ولكن الذين واللواتي يشكّلون وتشكّلن خطراً على وجودها بسبب عملهم/ن الهارب. تقودنا قدرتنا على أن نكون حاضرين/ات بشكل متوازٍ إلى كيفية – إعطاء بعضاً من أنفسنا وليس كلّها، والبقاء على مرأى من السطح والعيش تحت الأرض، لتطوير لغة وطرق عملية للإلغاء والثورة.

 

ك.ح.: كذلك التفكير بسؤال "كيف" أشعر أنني مضطرة إلى تقديم نوع من التحذي – أنه لا يوجد نجاح كبير – إنما فقط طرق عمل صغيرة ومدروسة بعمق تتحدث عن الأفكار والاهتمامات التي كنّا نناقشها. سأشارك بعضاً من التمارين المأخوذة من الممارسين/ات المسرحيين/ات والدراميين/ات التي يمكن تطبيقها في مساحة التعليم وبالتالي تبرز ذلك. وأنا أسأل عبرهم/ن كذلك: هل يمكننا الالتقاء ببعضنا البعض بطرقٍ أخرى؟

في ندوة ماجيستر صباحية للطلاب حول موضوعة "الجندر والجنسانية والعنف في فلسطين/إسرائيل" في "مؤسسة الدراسات الإسلامية والعربية"، بدأت الجلسة بلعبة للتحمية السريعة مستقاة من أساليب أوغستو بوال،28 وممارسة طرق جديدة في ورش عمل ACT-ESOL (اللغة الانكليزية للمتحدثين/ات بلغات أخرى) للّغة والمقاومة والمسرح. نظّمتها مجموعة حيث لعبَتْ أمل دوراً أساسياً ومرتكزاً على مسرح المضطهدين لبوال، هذه الوسيلة تستكشف "طرق استعمال اللغة والمسرح السياسي والعمل لجمع الأفراد بهدف التحويل والمقاومة".29 هذا التمرين مندرج ضمن موارد ACT-ESOL على أنه "مرآة" ويوصف على أنه نشاط في بناء الثقة. الطلاب/ات الذين/اللواتي تمنّوا/ين أن يكونوا/نّ جزءاً من العمل عملوا/ن كأزواج، يتابع أحدهم/ن حركة اليدين قبل تبديل الأدوار، الأوّل يقود الحركة والثاني يعكسها. حصلت بعض التحوّلات الدقيقة خلال التمرين القصير – خاصة، لأن اللعبة، تقوم على التواصل غير اللفظي، وحوّلت الدينامية التي يلعب فيها المتحدثون/ات الأكثر ثقة وراحة باللغة الانكليزية الأكاديمية دوراً مهيمناً في المجموعة. وهي تشجّع الأعضاء في الصف على النظر إلى بعضهم/ن البعض، والانتباه إلى الإشارات غير اللفظية وقراءتها. في الوقت عينه، خطر لي أنّ التبادل يتشكّل من خلال ديناميات قوة أخرى من بينها العرق والمظهر الجسماني والثياب والإعاقة/القدرة. لعدّة أسباب، لا يرغب الناس بالضرورة أن يُنظر إليهم/ن أو أن يُعرفوا/ن. أفكّر بذلك أيضاً عندما قرأت عن القوة والاختفاء عند ترويو، وكيف أن كونك غير مرئي/ن للسلطة يمكن المحافظة على أولئك الأشخاص الذين/اللواتي لا يتمنّون/ين أن يُنظر إليهم/ن وإلى عملهم/ن. يمكن تنفيذ هذين الفهمين وإغناء بحثنا وتدريسنا.

 

الرسم 1: لعب المرايا وورقة التمارين من منشورات ACT-ESOL، اللغة، المقاومة والمسرح

 

في لعبة أخرى لكسر الجليد، لعبنا لعبة الأسماء التي تقدّم بواسطة الحركات الجسدية، هذه المرة عبر استعمال تطبيق "زووم" في المعرض، كما علمتني مدرّسة المسرح البحرينية رقية عامر.30 في العرض الأول ت/يقول اللاعب/ة اسمه/ا وت/ينفذ إيماءة ثابتة أو متحركة، ثم يقلده/ا بقية أعضاء المجموعة ويستمرون/ن بها أو يحتفظون/ن بها حتى يقدّم الاسم الثاني والإيماءة. ينكشف ما هو ممتع حيث تمتلئ نوافذ الـ"زووم" الصغيرة في شاشة اللابتوب بصور المشاركين/ات المستجيبين/ات للإيماءة الأولى. من جديد نحن نطوّر الاستجابة، وبناء الصلة وكسر الجليد – واللعب! في هذه التمارين المسرحية، نطالب أيضاً ببعض الإدعاء بالوقت – وكيف يمكننا استعماله لفترة قليلة لبناء التفاعلات عبر اللعب، بدلاً من الالتزام الصارم بالوقت الموجّه للتفاعل والانتاجية.

 

ك.م.: ما يعجبني هو أنّ هذه الممارسات المرحة تمكّننا من رؤية العالم كما هو – وفي الوقت عينه تجذبنا إلى عوالم قد تكون كذلك. شيءٌ ما هنا يتعلّق بإعادة التفكير وإعادة بناء كلّ شيء من الصفر – وهذا ما يتطلبه التطبيق العملي المناهض والنازع للاستعمار. بالعودة إلى التدريس في التعليم العالي، إن الأمر هو أكثر بكثير من مجرد لائحة قراءة وإضافة مواضيع! كما تقولين، العمل الحقيقي يُنجَز بشكل يومي، وليس أقلّها الطرق التي نلتقي بها ونتعامل من خلالها مع بعضنا البعض. الممارسة/ات التي وصفتها في صفك تتطلّب انعكاسية-ذاتية، ومخاطرة وثقة وتواصل وخلق – وهذه ليست اتفاقيات تعاقدية، موقّعة في اليوم الأول ومن ثم تُنسى. تظهر من خلال تجاربنا بتواجدنا معاً.

من المسلَّم به أن هذه التجارب في بعض الأوقات (إن لم يكن في الكثير من الأوقات) غير مريحة خلال تعاملنا مع العنف السلبي والهيمنة، والمواقع الاجتماعية المختلفة، وسياسات الصوت والتمثيل. وهذا يعني أن وقت تدريس المناهض والنازع للاستعمار هو بالضرورة أبطأ، كما أن مساحته مشحونة بالعاطفة والإحساس.

ما أحصل عليه هو المجهود الذي يتطلبه عمل بهذا الشكل – مقالة أكانكشا ميتا التي ذكرتها بداية تنبهنا إلى العمل الرعائي والقيام بالعمل "الإضافي" الذي تتطلبه طرق التدريس التحويلية. ولكن أعتقد أننا نتحدّث حول سؤال الـ مَن – مَن هو مركز عملنا؟ – يشكّل (أو حتى يحدد) طرائقنا، وكيف[نا].

 

ك.ح.: نعم العمل بهذه الطريقة (بالطريقة التي تحصل بها!) مجهد – كذلك بمعنى مسرحي، حيث ينوجد قدر كبير من التفكير والإعداد الذي يذهب إلى ما يبدو عفوياً، أو دون مجهود، أو مجرد لعب. ولكنه يعني كذلك أنه في بعض الأوقات كلّ صفّ يبدو وكأنه حدث، وتولد دينامية المجموعة والتعلّم الجماعي، والتفكير والتبادل لحظة لا يمكن تعليبها بسهولة وهي متغيّرة في كلّ مرّة، وحتى مع نفس المواد والأسئلة. كل ذلك يجيب عن السؤال المطروح مبكراً حول "ما نريد فعله بهذه المساحة وهذه الموارد؟" – ما هو نوع البيئة/البيئات التعيلمية والتجربة/التجارب نريد أن نخلق؟ وبشكل حاسم، كما ذكرتِ: لمَن هذا؟ عندما أفكّر حول فكرة مركزة التجارب المعاشة في حين أدرّس صف الماجستير حول فلسطين في جامعة إكستر (على عكس تدريس اللغة الانكليزية للمهاجرين/ات وطالبي/ات اللجوء، الذي ت/ينفذه ممارسو/ات ACT-ESOL)، أنا معنيّة بالدرجة الأولى ببناء فهم عبر التجارب المعاشة لأشخاص من فلسطين، وكثيرة الإدراك إلى الحاجة لتحويل التركيز من النظر عبر عدسات مؤسسة استعمارية بيضاء في المملكة المتحدة. يتضمن هذا المنهج التعليمي التعامل مع انعدام الراحة والتعلّم لنزع المركزة.

تعليم الطلاب/ات على نزع المركزة عن أنفسهم/ن – من خلال السؤال من هو المعلوم؟ من يعلم؟ ومن العالم؟31 – كان أيضاً جزءاً من مدونة الممارسات التي جرت مشاركتها في بداية الدرس، والتي نتبنّاها ونعتمدها في مساحة صفّنا. كما تشجيع الطلاب/ات على تطوير الانعكاسية – ونسمّيها "تمرير الميكروفون"32 – بحيث أعلمهم/ن أنني أستعمل طريقة "التراصف" لدعوة الطلاب/ات الذين/اللواتي يرغبون/ن بإجراء مداخلات. عبر التراصف، إن أعضاء المجموعة الذين/اللواتي لم يتحدثوا/ن من قبل، وأولئك الذين/اللواتي كان حديثهم/ن أقلّ، وأولئك المهمّشين/ات بنيوياً "يأخذون/ن الميكروفون" عندما يقررون/ن الانضمام إلى المحادثة. نمرّر الميكروفون إليهم/ن عندما يقررون/ن قبل أي شخص آخر قد يرفع يده أولاً أو يكون قد شاركنا عدداً من المداخلات بالفعل. إنه نظام غير كامل، ولكن يشكّل سابقة للانعكاسية-الذاتية، كذلك تشكيل التوزيع ضمن المشاركات.

 

المضيّ نحو الإمكانيات المناهضة للاستعمار والنازعة له

ك.ح.: أعتقد أنه يمكننا البدء داخل فصلك الدراسي نفسه، والذي عملت فيه كمساعدة مدرّسة. الفصل الدراسي كان عبارة عن بنية لمقاربات وللإمكانيات البديلة التي تحدثت عنها هنا. في هذه الحالة، أمّن الفصل المنسَّق بعناية والمتطوّر بانتظام، الأساس والنمو الجماعي باتجاه تعليم راديكالي. يتضمن محتوى33 الفصل الدراسي قراءات نقدية محدَّثة بشكل دقيق، إلى جانب مواد إضافية للطالب/ات الذين/اللواتي يريدون/ن تطوير تفاعل أكبر مع المفاهيم. غالباً ما تكون "القراءات" الأسبوعية مكثّفة وصعبة ومثرية، وتقدم نوعاً من "المعرفة الحسّية" التي تسمّيها أفيري غوردون "مرحّبة، قريبة، إدراكية، متجسّدة، مجسِّدة […] إنها تخبر وتنقل في الوقت عينه".34 تتضمن "القراءات" أفلاماً قصيرة، أدبيات، أعمالاً فنية، البودكاست، المسرح المادي، فيديوهات الموسيقى، أرشيفاً رقمياً ومعلومات ومشاريع عبر الانترنت. تؤمّن هذه الموارد عالماً للطلاب/ات للمشاركة العميقة مع العناصر الموضوعية والنظرية للفصل الدراسي. العمل بواسطة هذه الوسائط كان مشجّعاً وممتعاً للنقاش، وقد جرى تشجيع الطلاب/ات على استكشاف المزيد ومشاركة مجموعة غنيّة من الوسائط والمواد التي يمكن التعلّم منها.

 

الرسم 2: الصفحة الرئيسية لـ ARA3200، "الجندر والجنسانية والعنف في فلسطين/ إسرائيل"، كاتي ناتانيل، معهد الدراسات العربية والإسلامية – جامعة إكستر

 

تجعل بنية فصلنا الدراسي، كذلك مضمونه، هذا النوع من العمل ممكناً. لقد عدّلته بحيث يصبح العمل متضمّناً لثلاثة عناصر: عناوين أسبوعية، مذكرات انعكاسية للطالب ومشروع تلخيصي. يسأل تمرين العناوين الأسبوعية الطلاب قراءة ومشاركة العناوين والموارد المتعلقة بفلسطين والقائمة على موضوعة الأسبوع، و"تحدّي الحدود المفترضة بين الأوساط الأكاديمية و"العالم الحقيقي"، مع إظهار الطرق العديدة التي تكوّن التجارب من خلالها أساس المعرفة والنظرية والمفاهيم".35 ترتبط التدوينات الانعكاسية بشدّة بالقراءات الأساسية للفصل الدراسي ويُشجَّع الطلاب/ات على المشاركة في سيرورة إنتاج المعرفة عن إدراك. عبر ذلك، ت/يضع الطلاب/ات المخططات وت/يستكشفون/ن، وت/يثيرون/ن الأسئلة حول "خبرتهم/ن/خبراتهم/ن في التعلم وتنمية المعرفة".36 تصبح المدوّنة موقعاً مهماً في مساحة التعلّم المشتركة التي ننشئها، والتي تنمّي المشاريع التلخيصية للطلاب/ات. ولكنّه كذلك منتدى حيث يمكن للمشاركين/ات التعرّف على بعضهم/ن البعض، وتطوير مناقشات حول مواد الفصل الدراسي في وتيرة زمنية مختلفة عن غرفة الصف.

يدعو المشروع النهائي/ التلخيصي الطلاب/ات إلى إنتاج "مشروع بحثي إبداعي (جماعي أو فردي)"، بحيث يتضمّن عنصراً بأسلوب ورقة تتوضّح فيها الارتباطات النظرية والتفكير الكامن وراء المشروع، ولكنه يفتح الفرصة للتفكير بالأشكال التي تأخذها المعرفة – وكيف يمكن لبعض الأشكال تخطّي حدود المساحات الأكاديمية، في حين أن تبقى على اطلاع عميق وبالتزام نقدي. هذا الأمر يمكن أن يلهم الطلاب/ات ويرعبهم/ن! نحتاج إلى أن نكون متيقظين/ات إلى الأسباب المادية التي قد تجعل الطلاب/ات يشعرون/ن بأنهم/ن أقلّ جهوزية لإنتاج مثل هذا العمل، ولكن غالباً ما يسمح بتطورهم/ن من خلال الفضول الفكري والإبداع. وهذا يحتاج تنسيقاً معقّداً أكثر للتقييم (وقت تقويم أطول!)، كذلك إلى مستوى أعلى من المشاركة من المعلّمين/ات والطلاب/ات الآخرين/ات في مجتمع الفصل الدراسي. لدعم هذا الأمر، جرى تصميم الفصل الدراسي حتى يدرَّس بشكل مكثف من بدايته، قبل أن يتطور إلى مناقشة في منتصفه، وثم يتخفف بعد الانتقال إلى ورش العمل في النهاية.

توضح أمثلة المشاريع التي قدمها/تها الطلاب/ات الإمكانات الجميلة والاستفزازية للعمل عبر طرق وبنى (حيث يمكن ذلك) نقدية وإبداعية ومجتمعية ملتزمة ومناهضة للاستعمار. بعد إذنهم/ن، نتشرّف بالإعلان عن مشاركة مشروعين هنا:

 

  • "العمل كالمعتاد في الأراضي المحتلّة" (2021)، جمال أبو عيشة ومالو تراب، وثائقي روائي.
  • "عقلي حاجز تفتيش لا يمكن لأحد عبوره" (2021)، سيلا إي. وآشا علي؛ سريالي تجريبي.

 

ك.ن.: هذه عوالم يمكن أن نبنيها وأن نعيش فيها – تتضمّن ما كان وما هو وما سيكون. هناك أماكن سرّية، وإجرامية ومتضامنة وثائرة ومنسحبة ومنطلقة.37 هي أماكن للدراسة والاستراتيجية، والرعاية والحبّ والتطوّر واللذة. هذه العوالم الهاربة هي حيث نلتقي ونحلم معاً – حيث نحمل بعضنا البعض عندما نشعر بالعبء، حين نتبادل في حمل الأحمال. ليست سريعة الزوال، إنما ترتفع وتتراجع حسب حاجاتنا وحكمنا/أحكامنا الدقيقة في ذلك الوقت. حيث يمكن أن نكون هناك للتعلّم والتحريض والخلخلة والتطوّر والضحك – وفي الوقت عينه هنا، نخرج إلى السطح لسرقة ما نريده.

لقد بدأت بفهم كيف يمكننا إقامة هذه العوالم مع الناس الذين/اللواتي نلتقي بهم/ن عبر المؤسسات الاستخراجية التي نعمل فيها (ولكن ليس منها) – في الاعتصامات والاجتماعات عبر "الزووم"، في الصفوف وفي الأروقة، وفي المظاهرات وورش العمل – في الوقت الذي "يُسرق" بحكم الأنظمة والقوانين التي تحدد الإجرام، ولكن في الحقيقة تُسترجع ويُعاد تصميمها وتقييمها. لإيجاد مجتمعاتنا يمكن أن يكون بمثابة اعتراف، ورؤية/ سماع/ شعور/ إحساس بذاتك بالآخر (حتى ولو كانت لفتة عابرة) أو ما هو أكثر جذرية: الاعتراف "[…] أن هذا الهراء يقتلك أيضاً، ولكن بهدوء أكبر".38 أعتقد أنه هذا ما يفضي بنا نحو الممارسة النسوية النسوي المناهض للاستعمار والنازع له، والبيداغوجيا، والأفكار: الاعتقاد أنه عندما نعمل بطرق متناقضة، فإننا نتحرك كذلك تجاه بعضنا البعض.

ك.ح.: عند الممارسة، في الممارسة، نسعى إلى "تشابك التجارب الفردية مع المسار التحرري الجماعي"39 – ولكن أيضاً عدم القابلية للقياس، التي هي لحظات (ربما) من الاستحالة. في النهاية كلّنا نعمل في مؤسسات استعمارية بيضاء، وكل ذلك خلال بناء الممارسات والمقاربات عبر التعلّم من البيداغوجيا النازعة للاستعمار والنسوية والخلّاقة. هذا يعني، كما تقول ديان مليون، أن "نزع الاستعمار" يعني أن نفهم قدر الإمكان الأشكال التي يأخذها الاستعمار في عصرنا هذا،40 والقيام، كما اقترحت، ما تحدّتنا ماريا لوغونس على فعله – بتعلّم العمل تدريجياً "خلف منطق القوة" التي تُفرض علينا بشكل مختلف.

 

ملحوظات: 
المراجع: 

ACT ESOL. “Language, Resistance, Theatre.” Serpentine Galleries, 2019. https://d37zoqglehb9o7.cloudfront.net/uploads/2020/03/act_esol-_language_resistance_theatre_2019_0.pdf

Al-Rashoud, Talal. Modern Education and Arab Nationalism in Kuwait, 1911-1961. Unpublished PhD Thesis, SOAS, University of London, 2016.

Berlant, Lauren. Cruel Optimism. Durham: Duke University Press, 2011.

Boal, Augusto. Games for Actors and Non-Actors. London: Routledge, 2002.

Chappell, Kerry, Katherine Natanel and Heather Wren. “Letting the ghosts in: re-designing HE teaching and learning through posthumanism.” Teaching in Higher Education, 2021, pp. 1-23. DOI: 10.1080/13562517.2021.1952563

Freire, Paulo. Pedagogy of the Oppressed. Penguin Books, 2017 [1970].

Gordon, Avery. Ghostly Matters: Haunting and the Sociological Imagination. Minneapolis: University of Minnesota Press, 2008.

Harney, Stefano, and Fred Moten, The Undercommons: Fugitive Planning & Black Study. New York: Minor Compositions, 2013.

hooks, bells. “Theory as Liberatory Practice.” Yale Journal of Law and Feminism, vol. 4, no. 1 1991, pp. 1-12.

Khalaf, Amal. “Squaring the Circle: Bahrain's Pearl Roundabout.” Middle East Critique, vol. 22, no. 3, 2013, pp. 265-280.

Khaled, Leila, and George Hajjar. My People Shall Live. Toronto: NC Press, 1975.

Kilomba, Grada. “Decolonising Knowledge.” Akademie der Künste der Welt (Academy of the Arts of the World), 24 March 2016. https://www.adkdw.org/en/article/937_decolonizing_knowledge

Lugones, María. “Toward a Decolonial Feminism.” Hypatia, vol. 25, no. 4, 2010, 742-759.

Mehta, Akanksha. “Teaching Gender, Race, Sexuality: Reflections on Feminist Pedagogy.” Kohl: a Journal for Body and Gender Research, vol. 5, no. 1, 2019, pp. 23-30. https://kohljournal.press/reflections-feminist-pedagogy

Million, Dian. “Felt Theory: An Indigenous Feminist Approach to Affect and History.” Wicazo Sa Review, vol. 24, no. 2, 2009, pp. 53-76.

Mitchell, Larry. The Faggots and Their Friends Between Revolutions. Nightboat Books, 2019 [1977].

Moed, Kamal. “Educator in the Service of the Homeland: Khalil al-Sakakini’s Conflicted Identities.” Jerusalem Quarterly, no. 59, 2014, pp. 68-85.

Mohanty, Chandra Talpade. “Neoliberal Projects, Insurgent Knowledges, and Pedagogies of Dissent.” Cornelia Goethe Center, Frankfurt, Germany, December 16, 2015. YouTube, February 15, 2022. https://www.youtube.com/watch?v=PhyCLtnGE2A

Molyneux, Maxine. “Mobilization without Emancipation? Women’s Interests, the State, and Revolution in Nicaragua.” Feminist Studies, vol. 11, no. 2, 1985, pp. 227-254.

Nabulsi, Karma, and Abdel Razzaq Takriti. “Learn the Revolution.” The Palestinian Revolution, 2016. http://learnpalestine.politics.ox.ac.uk/learn/part/9

Natanel, Katherine. “On Becoming ‘Bad Subjects’: Teaching to Transgress in Neoliberal Education,” In Being an Early Career Feminist Academic: Global Perspectives, Experiences and Challenges, eds. Rachel Thwaites and Amy Pressland. Palgrave Macmillan, 2017, pp. 239-253.

Prashad, Vijay (@vijayprashed). “Anthropologists from the United States and their work for the @CIA or their ideological ties to US imperialism.” Twitter, 14 February 2022, 12:08am. https://twitter.com/vijayprashad/status/1493014216235798529?s=20&t=b-bTnKeve2PW9Fc9Llbfeg

Salih, Arwa. The Stillborn Notebooks of a Woman from the Student-Movement Generation in Egypt, trans. Samah Selim. London: Seagull Books, 2018.

Serpentine Galleries. “Radio Ballads.” Serpentine Galleries, 2022. https://www.serpentinegalleries.org/whats-on/radio-ballads-exhibition/

Sontag, Susan. On Photography. New York: Farrar, Straus and Giroux, 1977.

Trouillot, Michel-Rolph. Silencing the Past: Power and the Production of History. Boston: Beacon Press, 1995.

Zapperi, Giovanna. “Kader Attia: Voices of Resistance.” Afterall, vol. 46, no. 1, 2018, pp. 119–125. https://www.afterall.org/article/kader-attia