هدماً وبناءً
dramatic_hand_cover1.png
كنّا بحاجةٍ إلى هذا الملف. حاجةٌ شخصية جماعية مهنية. كنّا بحاجة إلى أن نستكمل ما بدأنا سرده منذ بداية عام 2021، مستعينين هذه المرّة بالمتخيَّل المشترك. جاءت الدعوة للتفكير بـ"بناء عوالمنا الكويرية" كمحطة تلقائية في مسارٍ انطلق قبل عام كمحاولةٍ لاستعادة وتفكيك وتوثيق بعض ما حلّ بنا بسبب الأزمات المتلاحقة والمتفاقمة خلال السنتين الماضيتين في لبنان وفي عالم الجنوب.
بعد التشارك في التفكير بطروحات بديلة للخروج عن أنظمة أبوية قمعية مسؤولة عن إقصائنا وقتلنا جماعياً، في الملف الأول، أردنا هنا، في الملف الثاني، استعادة تجاربنا وتساؤلاتنا الكثيرة من خلال الشِعر والفوتوغرافيا والفيديو والصوت والألوان وخطوطٍ رسَمَتْ ما أمكننا تخيّله عن أزماتنا السابقة والحالية واللاحقة محاولين الخروج برؤية ما، حول العالم الكويري الذي نريد بناءه. كيف نعيد ترميم/ بناء عوالمنا المشتركة؟ ماذا نفعل بالعزلة المكبِّلة والهروب المفروض علينا؟ كيف نتخيّل مفهوم النجاة ضمن فلكٍ من الصمود والتضامن الجماعي؟
"مع تداخل أصواتنا، نكمّل جُمَلَ بعضنا لنخلق محادثة، تذكاراً، وأجزاء من أنفسنا تتحدّث إلى الـ"نحن""، تقول "العصبة المتآمرة" التي انبثقت من دائرة كتابة تشاركية في عدد بداية العام والتي بنى أعضاؤها مادّتهم المشتركة في هذا الملف على "الحبّ" منطلقين من سؤال: "إذا استطعنا أن نرث صدمة، فهل يمكننا أن نرث بصمة مرتبطة بالحبّ؟".
حول الإرث اللامتناهي من الموت والنزوح الذي خلّفته الدولة القومية وليدة الامبريالية الرأسمالية، وعن البصمة الكويرية الغامضة التي يُمكن أن تتركها المدينة الأمّ على تجربة مجبولة بمعرفة غربية لسياسات الهوية المثلية، عن الحبّ غير الخاضع للقواعد السائدة في الواقع والسينما وفي يومياتنا، عن التَوق إلى عالم محرَّرٍ من "المحدَّدات الثقافية المبتدَعة إجتماعياً"… عالم محرٍّر، عن فكرة الكويرية اللامتناهية ونسج الروابط والحميمية على أساس اللامحدودية، وعن الدلالات المشفّرة وتعطيلها من أجل هدم الهياكل الأيديولوجية المسيطرة… "كيف يتنقّل الكويريون بين الوقائع، وماذا يحدث عندما يُطلق العنان للمخيّلة؟"
هذا ما قدّمه المشاركون والمشاركات في ملفّ "بين الواقعي والمتخيَّل: بناء عوالمنا الكويرية" (2021- 2022) كلٌّ بأسلوبه الإبداعي الخاص، مشكورين على ما صنعوه من صوَر وتواصل وأثَرٍ في ما حاولنا طرحه ضمن ملفنا هذا، ومشكورين على ما تركوه من بصمة حبّ جماعية كنّا وما زلنا بحاجة دائمة إليها، لنصمد ونكافح ونستمرّ.