العنف الجنساني في النمسا: الخروج عن لوم الضحية والعَنصَرة

السيرة: 

ألكسندرا شتاودنجر كاتبة نسوية مهتمة باستكشاف الأرضية المشتركة لأشخاص منتمين الى شبكات اجتماعية مختلفة. تقيم حاليًا في فيينا وتضع كتاباتها على خلفية العداوات العرقية في النمسا (في الماضي والزمن الراهن) ، على أمل المساهمة بشكل فعال في التحالفات الفعالة وحماية الحقوق الإنجابية والعلاقات المبنية على التوافق. الأصدقاء وقصص الخيال ووسائل التواصل الاجتماعي يخففون عن كاهلها بينما تعود الى الطبيعة والسفر واليوتوبيا الخيالية بحثا عن الالهام. الى جانب ذلك، إن الكسندرا منفتحة على المزيد من فرص الكتابة.

اقتباس: 
ألكسندرا شتاودنجر. "العنف الجنساني في النمسا: الخروج عن لوم الضحية والعَنصَرة ". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 7 عدد 2 (09 مايو 2022): ص. 8-8. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 21 ديسمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/355.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
ترجمة: 

مترجم يساريّ ثوري منذ سنوات طوال واستاذ في اللغة العربية، يعمل لأجل الطبقة العاملة التي ينتمي عن وعي وإصرار إلى صفوفها.

haneen_nazzal_213

حنين نزّال

في النمسا، غالباً ما يُستولى على السردية حول عنف الرجال ضد النساء، وخاصة العنف الجنسي أو قتل النساء، من قبل اليمين (واليمين المتطرّف) كنوع من الترويج لبروباغندا معادية للأجانب. إنّ خطاب أولئك الذين هم في صفوف اليمين (واليمين المتطرّف) يُرَمنِس قتل النساء أو ينخرط في لوم الضحية أو "يُعنصِر" ويستعمل العنف الجنساني لدعم البروباغندا والاقتراحات السياسية المعادية للأجانب. وبدلاً من الانخراط في أيٍّ من هذين الخيارين، أقترح النقاش المبني على وجعات نظر مختلفة حول قتل النساء والعنف الجنسي في النمسا عبر تسليط الضوء على التمييز العنصري لهذا الخطاب وربطه بنضال نسوي أوسع عابر للقوميات من أجل السلامة الجسدية واللاعنف من جهة، والنشاط المناهض للعنصرية والنازع للاستعمار من جهة ثانية.

سأركّز ضمن هذا المقال، على الكيفية التي تُغذّى بها العَنْصَرة والعنف الجنسي وقتل النساء بروباغندا أحزاب اليمين (واليمين المتطرّف)  وأجندة الدولة في النمسا. أصبّ اهتمامي في هذا الإطار على الفترة الواقعة بين عامي 2017-2019، خلال ولاية الحكومة الائتلافية لحزب اليمين-الوسط المسيحي المحافظ النمساوي، "حزب الشعب النمساوي" (ÖVP)، والحزب النمساوي اليميني المتطرّف، "حزب الحرية النمساوي" (FPÖ). وكنمساوية درستُ وبتُّ مشارِكة في الحركة النسوية والمناهضة للاستعمار في الخارج، واجهتُ السياسات النمساوية مع مشاركة شخصية عميقة، بحيث أريد دمج المقاربة الأوسع التي شكّلت تجربتي مع الحركات النسوية المناهضة للعنصرية والتي يقودها المهاجرون، ومع ناشطين يساريين في دول عربية عديدة.

في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من نجاح جهود المنظمات النسوية في رفع مستوى الوعي بالطبيعة المنهجية للعنف الجندري من خلال تقديم عبارة "قتل النساء" (femicide) للجمهور النمساوي (Schober 2021)، واستعمال الوسائل الإعلامية المهيمنة لهذه العبارة، عندما يكون الجاني أبيضاً من النمسا، والتي كانت تقليدياً تركّز على لوم الضحية ورَمْنَسة 1العنف بين الشركاء. في النشرات الإخبارية النمساوية، ما زالت تصنّف قضايا قتل الرجل لشريكته بأنها قضايا نسائية: على سبيل المثال، عام 2019 حصلت حالة قتل للنساء، حيث قُتِلت امرأة على يد رجل كان قد عاكسها في وقت سابق من تلك الليلة. فقد أعلن الموقع الإخباري الرسمي ORF أن "رفض العرض [من الضحية المقتولة] لا بد وأنه قد أدّى إلى وفاتها" (KeinGeldfuerHetze, 2019). هذا ما يشير إلى لوم الضحية المنتشر في التقارير الإعلامية حول العنف الجنسي في النمسا. بحيث تُحَمَّل الضحية ضمنياً مسؤولية الجريمة، بسبب عدم تلبيتها لرغبات المرتكب أو رفضها له. في حالة المرتكِب "الأجنبي"(ausländisch)، فإن المسؤولية الكاملة تقع على ثقافة المرتكِب. يخبرنا هذا الإطار الكثير عن الفضائل (Werte) المزعومة التي يتغنّى بها الخطاب اليميني النمساوي (المهيمن): الخطاب العام ليس كثير الاهتمام بسلامة النساء (دعكم/ن من الحق بتقرير مصيرهنّ) إنما بالمفاهيم النيو-فاشية للنقاوة الإثنية والمعادية للأجانب. على سبيل المثال، ادّعت الوزيرة النمساوية كارولين إدتستادلر عام 2019 أن النظام الأبوي او الذكوري غير موجود في النمسا، وأن قتل النساء جديدة فيها، وأن جرائم  قتل النساء الأربعة التي حصلت خلال أسبوع واحد من شهر كانون الثاني/يناير هي نتيجة النظام الابوي/الذكوري للمهاجرين. وبذلك تكون قد أشارت ضمنياً بأن النموذج الابوي/الذكوري المتجسد في الرجال الأجانب هو الذي يفسد الرجال النمساويين البيض، وأن تأثير الأجانب المعنصرين (المفترضين أنهم عنيفون بطبيعتهم)، هو الذي أدّى إلى قتل النمساويين البيض لشريكاتهم (السابقات)، كما لو أن المرتكبين المفترضين لن تكون لديهم فكرة ارتكاب جريمة من دون "مثال" عنف الرجال المهاجرين (Stajić, 2019). مع هذا التصريح ومنطقه الضمني، لم تُبنَ فقط صورة للذكورة غير النمساوية ذات الطابع العنصري على أنها عنيفة بطبيعتها، إنما قدّمت صورة للرجولة النمساوية البيضاء على أنها عكس ذلك تماماً، إلى جانب اعتبارها غير عنيفة بطبيعتها. بذلك، عززت الوزيرة إدتستادلر الوهم المعادي للأجانب، والذي يُفيد بأن العنف المجندَر يحصل في النمسا بسبب الهجرة فقط.

مثل هذا الخطاب الذي يشيطن ويعنصر المهاجرين/ات، هو ما انتقاه سياسيو حزب الشعب النمساوي ليكون أولويتهم خلال ظهورهم في برنامج Im Zentrum التلفزيوني، في حين تبدّدت الأسئلة حول مسؤولية الدولة عن العنف المجندَر.

على الرغم من أن الدولة النمساوية، من ناحية، لا تكلّ على الإطلاق من التأكيد على أهمية حقوق النساء عند المطالبة بإدماج المهاجرين/ات واللاجئين/ات، إلا أنها لا تتردد بممارسة العنف ضد اللاجئين/ات من كل الجنسيات، عبر دفاعها عن إجراءات الهجرة القاسية. أدّى ترحيل فتاة عمرها 13 سنة عام 2021 كانت قد ولدت في فيينا إلى جورجيا، والذي اعتبرته إحدى المحاكم عام 2022 بأنه غير قانوني (Šećerović and Willim, 2022)، إلى حصول موجة تضامنية وأطلق عاصفة من التساؤلات حول قوانين الهجرة الحالية. أظهرت صور الترحيل حالات العنف الذي تمارسه أجهزة الدولة تجاه المهاجرين/ات، حتى تجاه القاصرين/ات، حيث أجبر رجال الشرطة الأطفال على ركوب الحافلات الصغيرة خلال منتصف الليل، ودَفعوا وسَحلوا المتظاهرين/ات على جوانب الطرقات (ORF, 2021)

"النسائية القومية"- Femonationalism،  هو مصطلح نحتته سارة فارس (2017, p.19)، وهو مفهوم أساسي خلال التفكير في استعمال خطاب العنف الجنسي وقتل النساء، من قبل اليمين واليمين المتطرّف. تدلّ النسائية القومية، بحسب سارة فارس، إلى "محاولة الأحزاب الأوروبية والنيوليبرالية، من خلال تقديم سياسات عنصرية معادية للأجانب، الترويج للمساواة الجندرية (ibid.)". النسائية القومية للحزب النمساوي اليميني المتطرّف، "حزب الحرية النمساوي"، تجعل الجمهور يعتقد أن عليه الخوف من المهاجرين/ات خاصة إذا كانوا من الرجال، من السود أو السمر، وهُم (أو معتبرين) من المسلمين، لأن هؤلاء المهاجرين يشكّلون تهديداً لنسائـ"نا" (الغربيات والبيضاوات)، بسبب العنف المجندر والموصوم بأنه سمة أساسية من سمات الإسلام (ibid., p.27). من خلال تفحص بوسترات "حزب الحرية النمساوي"، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر لنا أن متعة الرجل المغاير، هي موضع التهديد وليس حرية النساء الشخصية وقُدرتهنّ على الاختيار. شعار مثل "أجمل من [أن تضعين] الحجاب- أوقفوا أسلمة أوروبا" (Misik, 2014)، تضمّن صورة لشابة شقراء ترتدي الزي النمساوي التقليدي، الدرندل. وبالتالي، ما اعتبره الملصق يتعرّض للتهديد ليس سيادة النساء، إنما نظرة الرجل الغيري.

كما كتبت يوليا غاريو (2021, p.139): "إن التاريخ الطويل لاستعمال الجرائم الجنسية كأداة ضد البرامج المناهضة للهجرة، وإدماجها في تاريخ الحكم الاستعماري، أدّى حتماً إلى تعقيد المناقشات حول التشابكات الاجتماعية والثقافية للعنف الجنسي". تتعقد هذه الإشكالية بسبب موقفي الشخصي: أن أكون بيضاء، وناشطة نسوية غربية، فإنني أخاطر في أن أُصبح متواطئة مع العنف المعنصَر بحسب سياسات النيو-فاشيين/ات عند إدانتي مثل هذه الجرائم. أو فأنا أساهم في تعزيز الاتجاه المتمركز أوروبياً، مرة جديدة، بوضع نضالات النساء الغربيات في الصدارة، من خلال الإشارة فقط إلى مخاوف النساء من عالم الجنوب والتي تؤثر بدورها على الحياة في الغرب كذلك. من خلال القراءة والتعلّم من العديد من المفكّرات النسويات من عالم الجنوب، أدرك أنني أساهم من دون وعي بتعزيز نسوية امبريالية بيضاء، ومن المهم بالنسبة لي أن أضع نضالات المجتمع الذي أعيش فيه في سياق أوسع من الجيوسياسية وديناميات القوة الثقافية، مثل التحوّل العالمي نحو اليمين "التحرّري" واستحواذه على النسوية المهيمنة. كانت مراجعة غاريو الشاملة لردود الفعل تجاه اعتداءات كولونيا عام 2016 من مختلف الاتجاهات النسوية وكذلك بحثت [أميرة] الوكيل عن "ردّ نسوي مناهض للعنصرية ومؤيد للمهاجرين على العنف الذي يرتكبه المهاجرون" (Anti-Racist, Pro-Migrant Feminist Response to Sexual Assault Committed by Migrants) (Elwakil, 2017) حيث من الضروري بالنسبة لي تطوير "أفق سياسي" حول كيفية تأطير "الإشكالية المركزية لحقوق النساء في المناقشات حول الهجرة" (Garraio, 2021, p.131).

جرى التطرّق إلى النقاشات المشحونة بالعنصرية حول سياسات الهجرة والتجنيس خلال عملية قتل للنساء جرت عام 2019، والتي شارك فيها نمساويون بيض من عائلات غير مُهاجرة: شاب قتل شريكته السابقة، وشريكها الجديد ووالديها وشقيقها ولاحقاً سلّم نفسه للشرطة. استفاد الجمهور من هذه الجريمة لإعادة التأكيد على فضائل الرجل النمساوي. وقد انتشرت تدوينة على "فايسبوك" تضمّنت الجملة التالية: "إنه لأمر مؤسف أنّه [الجاني] ليس أفغانياً" (Rauscher, 2019)، الأمر الذي يدل على انتشار العنصرية وخلق وتشويه الآخر في البلاد. إن "الشفقة" الواردة في الجملة هي تذكير بعدم القدرة على ربط قتل النساء بجسم نمساوي ذكوري، وبالتالي توكيد فكرة أن قتل النساء جريمة مستوردة وغريبة عن النمسا.

إن الادعاء أن العنف المجندر هو غريب عن النمسا، إنما يتعلق بثقافة معينة، يقوّض الفكرة القائلة إن قتل النساء تشكّل مصدر قلق للمجتمع بأسره، وإن ذلك يمكن أن يحصل في أي مكان، وإن المرتكب هو واحد "منّا". إن الاعتراف بمشكلة الهيمنة الذكورية إلى جانب الهيمنة العنيفة، من دون استثناء الذكورة الإسلامية أو الشرق الأوسطية، لا تستدعي مباشرة سياسات هجرة قاسية أو تنميطاً عرقياً. إنما، من شأنه إجبار النخبة الحاكمة، التي يهيمن عليها نخبة من ذكور البلد، على تفحّص مفاهيمهم الخاصة بالتفوّق الأبيض، القائمة على تملّك الذكور لأجساد النساء، وكيف تتسبب في إلحاق الضرر جسدياً واجتماعياً-اقتصادياً بالنساء والمجتمعات المهمّشة.

في قصيدة س.ب. كافافي بانتظار البرابرة (1975)، إن وجود البرابرة هو الشيء الوحيد الذي يعطي الشرعية لوجود الامبراطورية. كذلك، وجود رجل عنيف آخر يبرّر للحكم التسلّط والتدابير الأمنية واسعة النطاق، وتوسّع جهاز الشرطة، وإجراءات الرقابة. فعلى سبيل المثال، زاد وزير الداخلية السابق من "حزب الحرية النمساوي"، [هربرت] كيكل، نفقات الشرطة على التسلّح (أسلحة أبعد مدى وأكثر أذىً) والحماية، لتحضير واستعداد الشرطة لـ"الميل المتزايد للعنف" تجاهها- وليس من قِبَلِها، والتهديد بتنفيذ أعمال إرهابية (Greber and Seeh, 2019). كما أقيمت وحدة للشرطة الخيّالة، وهو مشروع قصير الأمد جرى تمويله بـ 2،3 مليون يورو من أموال دافعي الضرائب (ORF, 2019). إن تبعية النساء ورعايتهن "لمصلحتهن" له ما يبرره كذلك- مثل نصيحة رئيس بلدية كولونيا للنساء بالابتعاد عن الرجال "مسافة ذراع" وذلك بعد الاعتداء والتحرّش الجنسي الجماعي ليلة رأس السنة في كولونيا عام 2016 (Eddy, 2016). "إن استدعاء التهديد الضمني" (Scheibelhofer, 2017, p.104) يعطي الشرعية لسياسات الهجرة الصارمة وغير الإنسانية، ويهدّد بالانسحاب من الاتفاقيات الدولية، كما حصل مع الحزب الحاكم وقتها "حزب الحرية النمساوي" في النمسا (Mischke, 2019)، وانتشار حالة العسكرة الشاملة. في أوائل عام 2019، وقبل انفجار الحكومة الائتلافية التي ضمت حزبي الوسط وأقصى اليمين "حزب الشعب النمساوي" - "حزب الحرية النمساوي" بعد تسرّب فضيحة فساد. اقترح كيكل إجراءً سياسياً جديداً: ما يسمّى بالاحتجاز الأمني (Sicherungshaft). وبسبب تعارضه مع حقوق الإنسان في حالة المواطنين/ات النمساويين/ات، فإن هذا الإجراء تطلّب وجود شكّ (التشديد من الكاتبة) قويّ باحتمال ارتكاب أجنبي لجرم يكون كافياً لاعتقال الشخص، بموافقة القاضي. جاء اقتراح هذه السياسة بعد طعن موظف حكومي نمساوي من قبل مواطن تركي له سجل إجرامي (Hager, 2019). كان يُنظر إلى الاحتجاز دون وقوع جريمة على الإطلاق على أنه إجراء شرعي، لأن صورة المهاجر المعنصر قد بُنيت على أنه عنيف ومجرم بالفطرة، مع عدم وجود أي احتمال آخر لرجل يجسد هذا الإسقاط ما عداه. فمجرد وجود مهاجر معنصر على الأراضي النمساوية، يُعَدُّ أمراً كافياً لاحتمال إلقاء القبض عليه واعتقاله. وفي ظل مناخ من هذا العداء، تُبنى صورة المهاجر على أنه مخطئ دوماً وموضع شكّ.

من الواضح أن التركيز المعنصَر لأحزاب اليمين (واليمين المتطرّف) على العنف، عندما يرتكبه شخص "مهاجر" (Tudor, 2018, p.1058)2، خاصة في حالات الاعتداء الجنسي أو قتل النساء، يساعد على إدخال برامج هجرة مشحونة بالعنصرية، وغير متوافقة مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، إضافة إلى تزايد الإنفاق العسكري والأمني والمضايقات المالية للمجتمعات المهاجرة في النمسا3. الاقتراحات والتدابير المشحونة بالعنصرية التي أخذها "حزب الحرية النمساوي" خلال فترة ولايته القصيرة في الحكومة، والتي هدفت بشكل ظاهري إلى تحسين حياة النساء النمساويات (البيضاوات) عبر حمايتهن من عنف الرجال الأجانب (السود والسمر)، إنما قيّدت فعلياً الحقوق والحركية الاجتماعية للمهاجرين/ات والمواطنين/ات النمساويين/ات المنحدرين/ات من أصول مهاجرة. ومن الأمثلة على ذلك، استعمال مصطلح "التجميع" عام 2018، والذي استخدمه كيكل بكل جدّية (BBC, 2018)، لوصف أماكن إقامة طالبي اللجوء والمنفصلة عن بقية السكان. كما أن هناك طريقة أخرى تمثّلت بالاحتفاظ بالقاصرين/ات غير المصحوبين/ات بأهاليهم/ات، "الذين/اللواتي سبّبوا/ن مشاكل في أوقات سابقة" (Das Gupta, 2018 ترجمة الكاتبة) في مساكن بعيدة كيلومترات عن أقرب مدينة ومسيّجة بالأسلاك الشائكة. قُدّمت هذه المراكز بوصفها أمكنة إقامة فعلية للأطفال، وجرى اعتبار هذه المعاملة المسيئة كإجراء وقائي للسكان النمساويين/ات، ولكن من الواضح أنه قيّد حقوق الأطفال، حتى أنه أُوقِفَ بعد ذلك بوقت قصير.

إضافة إلى ذلك، قبل جريمة القتل الخماسية وغير المتعلّقة بأفغاني، وردود الفعل التي تلتها، جرى تسريب مذكرة من كيكل. حيث طلب الأخير من الوسائل الإعلامية التركيز على الخلفية العرقية للجاني، مع وجود دافع ضمني لخلق/تعميق الانطباع عند الجمهور بأن الأجانب يمثلون "تهديداً للأمة" (Pratt Ewing, 2008, p.10).

في وقت كانت السياسات المقترحة والخطوات التي أخذتها حكومة ائتلاف الوسط واليمين المتطرّف في النمسا عامي 2017-2019 قد أظهرت أيديولوجية تفوّق البيض، هدفت كذلك إلى توسيع سيطرة الدولة بشكل عام، من خلال إقامة جهاز شرطة مخيف ومعسكر، وتمهيد الطريق لزيادة المراقبة والبروباغندا والاعتقال، لإبعاد المجتمعات المهاجرة والحدّ من نشاطات المجتمع المدني والفاعلين/ات السياسيين/ات الملتزمين/ات في نقد المجتمع والدولة بشكل عام. كذلك حصلت اتجاهات مماثلة في بلدان أخرى، في مصر مثلاً، حيث تخنق الحكومة باستمرار الحركات الاجتماعية المناهضة للعنف المجندَر والمناهضة لقمع الطبقة العاملة، باستعمال "التحرش الجنسي […] (وتحريف) قضايا حركية اليد العاملة، والوحشية الأمنية، والنزاعات الطبقية، واغتراب الشباب والتفكك الاجتماعي في ظل نظام سياسي يزيد من الاستقطاب (Amar, 2011, p. 303).

أعتقد أن حلّ معضلة صياغة نقاش نسوي مناهض للعنصرية حول العنف الجنسي وقتل النساء الذي يرتكبه المهاجرون، يجب أن تكون له مقاربة ثلاثية الأبعاد. متأثرة بتفكير الوكيل (Elwakil, 2017)، أعتقد أنّ من الضروري أن تشكّل النسويات الغربيات والنسويات في عالم الجنوب التحالفات العابرة للقوميات، لخلق نقاش دقيق حول مواضيع متعلقة بالهيمنة الأبوية والتي تواجهها النساء في العديد من الدول في العالم، وليس فقط في الدول الغربية أو غير الغربية. ينبغي أن تكون معيشة وأفعال المهاجرين/ات والشرائح السكّانية المصنّفة والتي يتمّ التعامل معها على أنها من الأغيار، جزءاً مكوّناً من الخطاب العام، ومن غير الجائز اختزالها ضمن موضوعات عنصرية أو الاكتفاء بنعتها بـ "الصوت الأصيل" (ibid., p.12). إن تعطيل الخطاب المُرتكز على أساس مفهوم الآخرين الأغيار، يجري من خلال تنويع كل النقاشات، كإجراء مضاد لسياسات الهوية. يجب أن تركّز التحالفات العابرة للقوميات على مختلف أشكال الدعم  ضمن المجتمعات المحلية وبالذات تلك المتمثلة بالنشاطات النسوية والمناهضة للعنصرية. كما يجب على تلك التحالفات إبراز ارتباط تلك المُجتمعات باضطهاد الأنظمة العالمية الابوية/الذكورية الاستعمارية، عوضاً عن إسقاط سببية ثقافيةٍ على أنه عنصر جوهري في تحليل المشهد العام. يمكن للنسويات البيضاوات في عالم الشمال بشكل خاص، مثلي، تعلّم كيفية تنويع نشاطاتهنّ من الجمعيات النسوية في شمالي أفريقيا والشرق الأوسط (في الدول المتهمة بأنها الأكثر كرهاً للنساء وبالأصولية الدينية)، واللواتي طالما نظّمن حملات ضد العنف الجنسي في بلادهن الأم (Nazra, 2016). في حين أنه لا يمكن السكوت عن خطر استغلالهن من قبل خطاب اليمين المتطرّف المعادي للأجانب، يجب ألا يتسبب ذلك في إسكات النسويات البيض في نقد العنف المجندَر، بغضّ النظر عن هوية الجاني، بل يجب بدلاً من ذلك تنويع النضال النسوي ضد البطريركية النيو-فاشية، والسماح بنقاش أوسع ضد الاغتصاب وضد قتل النساء، بالتظافر مع حلفاء من كل أجزاء العالم. على الرغم من مخاطر الهيمنة، أتمنّى إجراء مناقشات تعددية حول النسوية العابرة للقوميات في سياق العنف الذي يرتكبه مهاجر (مسلم Muslim-read)، عندما نشارك كناشطات نسويات، وعبر اعتراف مستمر بامتيازاتنا الخاصة، وبعض الأوقات تواطئنا، وننضم إلى الجهود من أجل تحقيق المساواة الجندرية والعرقية مع المجتمعات المتأثرة بالخطاب العنصري لليمين.

ختاماً، من الضروري توسيع النقاش والذهاب أبعد من الفصل الواضح بين حقوق المهاجرين/ات وحقوق النساء، وتحويل التركيز بدلاً من ذلك باتجاه اليمين المتطرف وأجندة الدولة. إجراء تفحّص أكثر راديكالية لمُعالجة مسألة أعمال العنف حين يرتكبها شخص مهاجر. في هذه السياقات، من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار أثر وسائل الإعلام (الحكومية) ليس لجهة الشرائح التي يُلحِق الخطاب الإعلامي بها الضرر فحسب بل أيضاً لجهة الأطراف المُستفيدة منها. ينبغي تفكيك الخطاب النسائي القومي الذي يعطي شرعية للإجراءات غير الإنسانية للهجرة، لأنه يتواطأ مع الهيمنة البطريركية وعسكرة الدولة، حيث "يجري [نقل] الحكم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي إلى يد القوى الأمنية والجيش في حالات الطوارئ" (Amar, 2011, p. 306). وليس مصادفة أن تزداد ميزانية نفقات الشرطة والجيش باسم الأمن، وفي أغلب الحالات على حساب الحريات واللاعنف و[الحق بـ]تحقيق المصير، وخاصة في سياق العنف المجندَر والمجنسَن أو التمييز العرقي. في حين أن هذا الأمر يزيد من ثروات وتأثير صانعي الأسلحة، على سبيل المثال، إلا أنه لن يؤدي إلى تعايش سلمي مستدام لشعوب متنوعة بشكل متزايد.


  • 1. أو إضفاء الطابع الرومنسي، ويُستخدم هذا المصطلح في سياق نقد السرديات أو اللغة أو السلوكيات التي تُضفي هالةً من القُدسية على ظواهر أو أشخاص أو أفعال معينة غالباً ما تستبطن حالةً قمعيةً أو استحواذية على الجماهير (مديرة الترجمة).
  • 2. تعرّف أليوكسا تودور الهجرة على أنها “علاقة القوة التي تنسب الهجرة إلى أجساد معينة وتؤسس لـاللاهجرة كقاعدة […]” وتربطها بالتنظير المابعداستعماري (Tudor, 2018, p.1058).
  • 3. لقراءة المزيد حول تحديد وزارة المالية العنصري لمواصفات المشتبه بهم (بالألمانية) https://www.derstandard.at/story/2000120351575/bluemel-gegen-wiener-keba...
ملحوظات: 
المراجع: 

Amar, Paul. “Turning the Gendered Politics of the Security State Inside Out? Charging the Police with Sexual Harassment in Egypt.” International Feminist Journal of Politics 13, no.3 (2011): 299-328. https://doi.org/10.1080/14616742.2011.587364.

BBC. Europe. “Far-right Austria minister's 'Nazi language' causes anger.” Last modified January 11, 2018. https://www.bbc.com/news/world-europe-42652518.

Brennan, Teresa. “History After Lacan.” Economy and Society 19, no. 3 (August 1990): 277-313.

Cavafy, Constantine P. “Waiting for the Barbarians.” Collected Poems. Princeton: Princeton University Press, 1975.

Das Gupta, Oliver. “FPÖ-Regierungspolitiker:"Solche Provokationen hat es in Zukunft nicht mehr zu geben".“ Süddeutsche Zeitung, December 1, 2018. https://www.sueddeutsche.de/politik/fpoe-oesterreich-waldhaeusl-1.4235420.

Eddy, Melissa. “Cologne Mayor’s ‘Arm’s Length’ Advice on Sexual Attacks Stirs Outcry.” The New York Times, January 6, 2016. https://www.nytimes.com/2016/01/07/world/europe/cologne-mayor-henriette-....

Elwakil, Amira. “Reflections on Intersections: Searching for an Anti-Racist, Pro-Migrant Feminist Response to Sexual Assault Committed by Migrants.” Kohl: a Journal for Body and Gender Research 3, no. 1 (2017): pp. 41-45. https://kohljournal.press/reflections-on-intersections

Farris, Sara R. In the Name of Women's Rights: The Rise of Femonationalism. Durham: Duke University Press, 2017.

Feroz, Emran. “’Ein Afghane war das!‘.“ Wiener Zeitung, July 25, 2021. https://www.wienerzeitung.at/nachrichten/politik/wien-politik/2113764-Ei....

FIPU-Blog. “Tötung von Frauen: Von Beziehungsgewalt und Femiziden.” Der Standard, June 25, 2021. https://www.derstandard.at/story/2000127242747/toetung-von-frauen-von-be....

Garraio, Júlia. “Cologne and the (un)making of transnational approaches to sexual violence.” European Journal of Women’s Studies 28, no. 2 (2021): 129-144.

Greber, Wolfgang and Seeh, Manfred. “Polizei rüstet auf: Stärkere Munition ab 2020 im Einsatz.“ Die Presse, May 5, 2019. https://www.diepresse.com/5625549/polizei-ruestet-auf-staerkere-munition....

Hager, Johanna. “Sicherungshaft: Was bisher erlaubt und was verboten ist.” Der Kurier, March 3, 2019. https://kurier.at/politik/inland/sicherungshaft-was-bisher-erlaubt-und-w....

KeinGeldfuerHetze. “Eine 16jährige trennt sich von ihrem Freund. Als dieser die Trennung nicht akzeptiert und sie belästigt und bedroht, erwirkt sie eine einstweilige Verfügung gegen ihn. Diese schützt sie jedoch nicht, der Mann passt sie vor ihrem zu Hause ab und ermordet sie. Und @orf_at schreibt, ihr Todesurteil sei ihre "ablehnende Haltung" gewesen.” Facebook, October 4, 2019. https://www.facebook.com/KeinGeldfuerHetze/posts/818878321847595.

Mischke, Judith. ”Austrian opposition call on interior minister to step down.” Politico, January 25, 2019. https://www.politico.eu/article/herbert-kickl-austrian-opposition-call-o....

Misik, Robert (@misik). “Frage zur FPÖ-Kampagne: Wer ist aus deren Sicht denn hässlich genug für einen Schleier? Strache? Rosenkranz?” Twitter, July 3, 2014. https://twitter.com/misik/status/484628393263398912.

Nazra for Feminist Studies. “From Egypt to Germany: Reflections about Sexual Violence from a Feminist Perspective in light of the Cologne Attacks.” Nazra, 2016. https://nazra.org/sites/nazra/files/attachments/cologne-position-paper-e....

ORF. 2021. “Schülerinnen trotz Protesten abgeschoben.“ Chronik. Last modified January 28, 2021. https://wien.orf.at/stories/3087217/.

ORF. 2019. “Berittene Polizei: Eine Chronologie.“ Politik. Last modified November 27, 2019. https://wien.orf.at/stories/3023780/.

Pernegger, Maria. “Gewalt gegen Frauen: Jahresstudie 2019. Analyse der Berichterstattung über Gewaltdelikte an Frauen und die Rolle der Medien.” Media Affairs (November 2020): 1-98. https://www.contentadmin.de/contentanlagen/contentdatei13591.pdf.

Pernegger, Maria. “Frauen Politik Medien – Jahresstudie 2019: Fokusthema Frauen und Digitalisierung.” Media Affairs (July 2020): 1-98. https://www.contentadmin.de/contentanlagen/contentdatei12392.pdf.

Pratt Ewing, Katherine. Stolen Honor: Stigmatizing Muslim Men in Berlin. Stanford: Stanford University Press, 2008.

Rauscher, Hans. “Das Unfassbare.” Der Standard, October 8, 2019. https://www.derstandard.at/story/2000109603531/das-unfassbare.

Rössler, Benedikt. “’Weil sie Frauen sind‘ – Die dramatische Lage der Femizide in Österreich.” Treffpunkt Europa, July 8, 2021. https://www.treffpunkteuropa.de/weil-sie-frauen-sind-die-dramatische-lag....

Scheibelhofer, Paul. “‘It won’t work without ugly pictures’: images of othered masculinities and the legitimisation of restrictive refugee-politics in Austria.” NORMA 12, no. 2 (June 2017): 96-111.

Schober, Sandra. “Frauenmorde: Die vielen Gesichter der gelernten Gewalt.“ ORF, November 25, 2021. https://orf.at/stories/3237491/.

Šećerović, Antonio and Willim, Christian. “Abschiebung von Tina nach Georgien war rechtswidrig.“ Kurier, March 21, 2022. https://kurier.at/chronik/wien/abschiebung-von-tina-und-ihrer-familie-na....

Seeh, Manfred and Greber, Wolfgang. “Polizei rüstet auf: Stärkere Munition ab 2020 im Einsatz.“ Die Presse, May 5, 2019. https://www.diepresse.com/5625549/polizei-ruestet-auf-staerkere-munition....

Stajic, Olivera, “Staatssekretärin Edtstadler bei "Im Zentrum": Es gibt kein Patriarchat.“ Der Standard, January 21, 2019. https://www.derstandard.at/story/2000096748287/staatssekretaerin-edtstad....

Szi. “ Blümel gegen Wiener Kebabverkäufer – das ist Brutalität.“ Der Standard, September 30, 2020. https://www.derstandard.at/story/2000120351575/bluemel-gegen-wiener-keba....

Tudor, Alyoxsa. “Cross-fadings of racialisation and migratisation: the postcolonial turn in Western European gender and migration& n studies.” Gender, Place & Culture 25, no. 7 (2018): 1057-1072.

Yegenoglu, Meyda. Colonial fantasies: Towards a feminist reading of Orientalism. Cambridge: Cambridge University Press, 2009.