الكتابة التعاونية: ملاحظات في مسألة المنهجية
- ما الذي جعلنا نلجأ إلى الكتابة التعاونية؟ عمّ أثمرت من حيث بناء المجتمع؟ كيف تؤثّر السياسات المكانية على العمل، خاصة عندما ينتمي الكتّاب إلى مواقع شديدة التباين؟
- كيف واجه تعاوننا، الإنتاج المعرفي السائد وانتشاره؟
- ما هي الآفاق التي تفتحها منهجياتنا والفرص التي توفّرها من جهة، وأين يكمن الخلل فيها من جهةٍ أُخرى؟
- كيف لعمليّتنا أن توجّهنا نحو تمزيق العقلية الأكاديمية والأنماط "الرسمية" السائدة من إنتاج المعرفة؟
كيف لنا أن نقاوم السلطة قبل أن نفهم سيرورة تفاعلاتها واختلالاتها وتقلّباتها وتركيبتها المضمّنة وما تستحضره من إرهاصات؟
هل نعتنق هواجسنا؟
نيحاريكا/سامية
تعكس المنهجية المُتّبع في ورقتنا البحثية على الحوارات والنقاشات والارتياب الذي نشعر به شخصياً خارج حدود البحث. دأبنا في محاولتنا على جعل الكتابة الأكاديمية عميقةً وصريحة على غرار ارتباطاتنا/وخُبراتنا اليومية. ابتعدنا في اسلوبنا عن طريقة إنجاز الكتابة المُشتركة التي يتّبعها الأكاديميون، أي عندما يوزع المؤلفون غالباً أجزاء من أوراقهم البحثية ومن ثمّ يجمّعون الأجزاء من الأعمال الفردية في ورقةٍ بحثيةٍ واحدة. لقد جمعنا المُحادثات التي أجريناها على مدار عام، وشرّحناها مِراراً، وعثرنا في طياتها على لحظات من التضامن والتفكّر. عندها وحسب وصلت عمليات التوثيق إلى طيّ العمل البحثي.
الأرشفة والقراءة والكتابة كأدوات هجومية.
سامية: "ربّما تكون الكتابة هي الطريقة الوحيدة التي أودّ قضاء وقتي فيها خلال الخامس من آب\ أغسطس"
ترتكز منهجية كتابتنا التعاونية على الاختبارية والتجريبية. إنها لا توفّر أية ضمانات سوى أنّها رحلة نسوية في التعلّم والتحرّر من الاستلاب ومن التجرّؤ على الاختلاف ضمن المجتمع.
من سيسير وكم من الخطوات: هل نلتقي في منتصف الطريق؟ هل من الممكن حتى أن نلتقي في منتصف الطريق مع اختلافات مادّية في مواقع موضوعاتنا: كشخصٍ مُستَعمَر وآخر جزء من بنية الدولة الاستعمارية؟
مكان لقاء نسويّ مُعادٍ للاستعمار: رحلة نسوية وقصة حميمية وتضامن وصداقة متحرّرة من الجمود والقطعية.
بدأنا بأسئلةٍ وسبر أغوار، على أمل أن نتعلّم المزيد بشكل متكامل ونصون اختلافاتنا.
ينتابنا شعورٌ بالخسارة – مختلفٌ بيد أنه مشترك – حيال عرض هذه الأرشيفات وتلك الخبرات أمام العالم. هل سيجسّد القرّاء موقفاً تعويضياً، وتغييريّاً، ويقرؤون العمل من المنطلق الذي نقصده؟
"هل سيقرأ قرّاء هذه الورقة البحثية عن العالم الذي نسعى إلى تخيّله، أم أن هذا الأمر مُقتصرٌ على خبرة كتّاب العدد؟"
"آمل في أن يعمد القرّاء على قراءة قراءتنا النقدية من منطلقهم النقدي الخاص".
لا بُدّ للتضامن، سواء عبر الكتابة أم الممارسات المادية والفعّالة، في أن يكون أُممياً و مُدركاً للاختلافات التي لا يجوز الترفّع عنها أو التقليل من شأنها. ليس في مساعينا متسعًا للترفّع عن تفاصيل وقائعنا.
القراءات التفاعلية النقدية بين أراشيف حميمية وأرشفة الحميمية والفقدان والمجهول
المقاومة: الفشل والمثابرة والوجود والآمال والأحلام والتقاط الأنفاس
قيس/وازنة
قيس: عمدنا على كتابة هذا المقطع استناداً إلى الأداء الذي استنبطناه عن دفن الموتى من المُسلمين الكويريين. أصبحت هذه الكتابة المشتركة شكلاً من أشكال الشفاء والصلات التي افتقدناها في كلٍّ من مجتمعاتنا الكويرية المُسلمة والأفغانية. تحوّلت تفكّراتنا الجماعية حيال خبراتنا المُعاشة إلى:
مساعٍ لبناء المجتمعات
وإلى عملية شفاء وتعزيز
ترجمة الخبرات – الأكاديمية والهويات الثقافية، كيف نقوم بأدوارنا الداخلية – والخارجية بطرُق مختلفة (المواضع والمواقع الجغرافية)
اللقاء عبر "زووم" لبناء الثقة والتعلّم من بعضنا الآخر، والتعاون بشكل صادق فيما يتعلّق بمواطن قوّتنا: الولوج في حوارات بنيوية حيوية دون اختلاقها
وازنة: تجلّى تعاوننا بقصد إثارة/ تسهيل/ دعم المعرفة والمعارف والفضاءات الخلّاقة لبعضنا الآخر، دون توخّي تقديم مُنتجٍ معيّن. بالنسبة لي، فقد كان تمريناً واعياً يعمد بشكل مقصود إلى التخلّي عن مفهوم الإنتاج/يّة المتمثّل: بمعايير النجاح والجداول الزمنية والمواعيد النهائية والمُخرجات. حتى أنني لاحظت أن هاجسي الدائم لوضع جدول أعمال لمحادثاتنا الأسبوعية كان محالًا، لأن التفاعل الإنسانيّ لا يمكن أن يؤطّر! لا سيّما في اللحظات التي استوعبت فيها الطرق المختلفة التي يتجلّى بها التكييف الاجتماعي الثقافي في ذواتنا المركّبة.
قيس: تحوّلت هذه الكتابة التشاركية إلى شكل من أشكال التعافي والتواصل والتي افتقدنا إليها في مجتمعاتنا المسلمة الكويرية.
وازنة: سمح لنا التعاون النسوي الكويري هذا بإنتاج عمل متجذّر في مواضعنا الأكثر هشاشة وفي ثقافتنا وحبّنا المشترك لوطننا – أفغانستان، التي تركناها دون أن تهجرها قلوبنا.
كيف نقاوم تعاونيّاً، الإحلال وأبعاد اللامرئية العديدة التي تنتجها منتظمات السلطة على اختلافها؟
ميريام/ملاك
التعاون هو عملية بناء شبكات من التآزر والـ "التآمر". إنّها صداقة كثيرة الأبعاد. فبناء أواصر العلاقات بين الناس على نحو عام هو نوع من أنواع التعاون.
الكتابة التشاركية تمثّل رفضًا لاشتراطات الفردانية المنظمة والتي تضع مسألة الملكية الفكرية في موقع أرقى شأنًا من فعل الانتاج المشترك
أفكّر بتعاوننا كما أفكّر بصداقتنا، مسارات تمتدّ في اتجاهات جمّة ومتشابكة ومتقاطعة
بدأنا بأن يكتب أحدنا إلى الأخر، عبر البريد الإلكتروني وذلك قبل أن نتخيّل عوالم خارجة عن تفاعلنا الخاص
ليس ثمّة من نهاية، إنّها حوار مستمرّ يأخذ لنفسه مناحية واتجاهات ومقاربات مختلفة، وأهمية الطبيعة اللامتناهية لسيرورة حوارنا هو الواقع اللامتناهي لضوضاء الأنظمة التي نسعى إلى النضال ضدّها
لا أتحلّى بما بكفي من صبر يقنعني بأن ألزم جدران عزلتي أو ألّا أحاول عبور الحدود والمحدّدات. لا أريد كبح جموحي. أريد اجتياح كلّ المساحات باسم مآربنا وحاجاتنا
الأزمة والحالات الطارئة والشجن والغضب واللامرئية ومُعاداة الأبوية والهشاشة والعنف والحدود القابلة للعبور و... والعقد والحميمية.
"أُدرك أنّ هذه الصداقة تحتفي بعقدها الثوري"
من خلال هذا التلاقح وجدنا حلقات وصل ما كانت لتوجد لولا التعاون: كيف أنّ المرئية لم تكن مفهوماً مجرّداً وحسب، بل تُرى وتُلمَس ويجري التفاعل معها بالنصّ المكتوب والصور.
ما الذي يجدر بنا قراءته معاً؟ ما هو إرثنا المعرفي الجمعي؟
إقحام أنفسنا في العادات والممارسات التي وصفتنا تاريخياً على أننا دُخلاء – ونعلن حقّنا المتأصّل فيها ونباشرُ في أدلجتها حتى نستعيدها.
بينظير/مادوليكا
لمّ الشمل
بينظير: أيُمكن لمنهجية الكتابة التعاونية أن تصبح طريقة/أداة للتعبير عن ذواتنا بملء إرادتنا – كامرأةٍ مُسلمةٍ شابّة على سبيل المثال؟ كيف سيكون وقع صوتي على الآذان حين أخرج عن موقعي المبحوث في فضاءات أبحاثهم؟
مادوليكا: كيف لنا أن نلأم الجراح التي تصيبنا جرّاء الخوض في الكتابة الإثنوغرافية في سنوات الدكتوراة؟ هل يمكن للكتابة التعاونية مساعدتي على إيواء التبادلية والحبّ والرعاية لأولئك الذين التقيتهم خلال بحثي؟
الكتابة عن الصداقة (المخاض والمواقع)
بينظير: أيّ موضوعٍ يمكننا الكتابة عنه، وما الذي نكتبه عنه؟ كيف أكتب لأُفصح للناس عمّا كان من شأنه تغيير عالمي قبل عام 2020 بكثير؟
مادوليكا: هل يمكننا الكتابة عن الصداقة خارج المعادلة التمثيلية؟ أيكون التفكير بصداقتنا على أنها ملكية خاصة "بنا" أمراً نرجسياً، علماً بأن الحميمية التي جمعت عالمينا لم تتشكل إلّا على إثر تفاعلنا مع أولئك النساء المبحوثات؟
الاعتناء ببعضنا الآخر أثناء الكتابة التعاونية
بينظير: هل يكفي فعل الكتابة كوسيلةٍ لتجميع كلّ المخاوف والهشاشات التي خضناها؟
مادوليكا: ألا يجدر بنا في خضمّ الكتابة التعاونية، أن نُعدّ أنفسنا لمؤازرة بعضنا الآخر؟ أنعتني ببعضنا الآخر أثناء تلك اللحظات التي نسترجع من خلالها ذاكراتنا اليائسة.
الأرشفة: مُعاناة "النظر إلى الوراء"
بينظير: أين أُخفي كلّ ما اخترت أن لا أكتبه؟ لم أكن حريصةً على رسم أية خطوط أو حدود، ولكن هذا النوع من الكتابة التعاونية وجّهني نحو تبنّي الصدق والشعور بالذنب والمخاطرة والمساءلة التي تأتي مع عملية الكتابة.
مادوليكا: ماذا نفعل حين تكون الأرشيفات مؤلمة؟ مهمّتنا كصديقات ومتعاونات تقتضي أن نحكّ جروح الذاكرة التي تناسيناها. كيف للمرء أن يفكّر بمقروئية النصّ إذا كان فعل الكتابة بحدّ ذاته مثقلًا بالهمّ؟
بينظير: شعرت أنه وبمقدار تجذّر هذا التعاون في السياق السياسي، فإنه مجبول في الشخصي.
إلى أين نتّجه؟
بينظير: في وسط فوضى العنف، لا بدّ وأن نجد متّسعًا للشفاء والتضامن. كنه الوعود بالأمل والحبّ تكمن في ديمومتها لا في آنيّتها.
مادوليكا: هل يمكن أن نتّخذ الكتابة التعاونية كلبنة نبني على أساسها المنهجية وليس فقط مساحة للحصاد التحليلي؟