التنظير حول الطبقية في الدول الناطقة باللغة العربية أفكار وانعكاسات

السيرة: 

د. نوف ناصر الدين هي المؤسسة الشريكة والمديرة الشريكة لمركز التنمية والتعاون عبر الوطنية.(CTDC) هي عالمة اجتماع فلسطينية نسويّة كويريّة، حصلت على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع سنة 2011 من جامعة وارويك. لدى نوف عدد من المنشورات في مجلات أكاديمية مختلفة تركز على قضايا اللاجئين/ات والتقاطعيّة والطبقة والجندر والذكوريات والجنسانيّات والوكالة على الذّات. تشمل اهتمامات نوف البحثية أيضًا منهجيات البحث النسوية الكويريّة والأنوثات ونزع الاستعماريّة والممارسات الجنسية والآداء الجندري.

اقتباس: 
نوف ناصر الدين. "التنظير حول الطبقية في الدول الناطقة باللغة العربية أفكار وانعكاسات". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 5 عدد 2 (2019): ص. 104-110. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 19 أبريل 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/node/180.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (393.26 كيلوبايت)
ترجمة: 

خلود فواز باحثة ومروجة صحية ومترجمة. حصلت على درجة البكالوريوس في علوم المختبرات الطبية وهي حاصلة على درجة الماجستير في الصحة العمومية من الجامعة الأمريكية في بيروت. تشمل اهتماماتها البحثية الرئيسية الصحة الجنسية والإنجابية وصحة مجتمع الميم والمشاكل الصحية بين السكان المشردين/ات. شاركت في المساحات النسوية، وهي عضو في تعاونية الضمة النسوية المحلية، ونادي السنديانة الحمراء في الجامعة الأمريكية في بيروت وهي مجموعة طلابية يسارية. تشمل خبرتها المهنية البحوث الطبية الحيوية في المركز الطبي للجامعة الأمريكية في بيروت، وإعداد التقارير في اليونيسف، وتعزيز الصحة في منظمة أطباء بلا حدود (MSF) مع التركيز على العنف الجنسي بين السكان اللاجئين/ات، وترجمة وتحرير مختلف مواد الصحة الجنسية والإنجابية و مواد نسوية لمشروع الألف وكحل على التّوالي.

kohl2.jpg

Mirella Salamé

من أكبر العقبات التي واجهتها اجهاداً، خلال بحث الدكتوراه الخاص بي، كان تطوير مفهوم للطبقية يتلاءم مع السياق في الأردن بالتحديد وفي سياق الدول الناطقة باللغة العربية عامة. يقدّم هذا المقال عرضاً لانعكاساتي الفكرية فيما يخص تجربتي في إجراء بحث لاستكشاف تقاطعية الطبقة مع الجندر (النوع الإجتماعي) وتأثيرهما على نشاطات النساء الاقتصادية في عمّان، الأردن. أتاح لي اعتماد إطار بحثي فكري نسوي ماركسي من أجل بحث الدكتوراه فرصة استكشاف واقع حيوات النساء المعاش وكيفيّة تأثير الطبقة على حياتهنّ بطرق مختلفة.  ولكن هذا المقال والانعكاسات التي يحتويها يعتمدان على بحث الدكتوراه وأبحاث أخرى قمت بها ما بعد الدكتوراه مع أشخاص غير معياريين/ات1 ضمن سياقات ناطقة باللّغة العربيّة مختلفة. أسعى في هذا المقال إلى تناول حجّة إستخدام إطار نسوي ماركسي بصورة أعمق من خلال تسليط الضوء على خصوصية تجارب النساء والأشخاص غير معياريين/ات ضمن أنظمة اضطهاد متعددة، وبالتحديد موقعهم/ن بالنسبة لطبقتهم/نّ، آدائهم/نّ الجندري ولا معياريتهم/ن. يسعى هذا المقال إلى تحدي الفهم المبسّط لطبقة النساء والأشخاص غير المعياريين/ات من خلال طبقة أسرهم/نّ. عوضاً عن ذلك، أحاجج أن البنيويات الأبوية الجندرية هي التي تؤثر على موقعيات النساء والأشخاص غير المعياريين/ات فيما يخص طبقتهم/نّ ضمن عائلاتهم/نّ. أحاجج أيضا أن ما سبق يحتّم استخدام نهج بحثي يتعامل معهم/ن وكأن لهم/ن طبقة خاصة بهم/ن تختلف في واقعها عن الطبقة التي تنتمي لها عائلاتهم/نّ.

كان اهتمامي الأساسي في بحث الدكتوراه فهم الأعمال التي تقوم بها النساء بهدف إدرار الدخل. ولم يكن هذا الاهتمام المعرفي يهدف إلى اغفال أو تقليل شأن العمل الذي تقوم به النساء الذي لا يعود عليهنّ بمردود مادي مباشر كالعمل المنزلي وأعمال الرعاية. ولكن هدف بحثي بشكل خاص إلى فهم وصولية النساء الى سوق العمل، والأنشطة التي يقمن بها والتي تعود عليهنّ بمردود مادي داخل وخارج المنزل، والوصول إلى الوظائف. يجب على المفاهيم المقترنة بعمل النساء أن تأخذ بعين الاعتبار مشاركة النساء في وسائل الإنتاج "غير الرسمية" و/أو "الرسمية"، إذ تشارك النساء بعدد كبير من النشاطات الاقتصادية التي لا يتم اعتبارها “عملاً” بسبب عدم ادرارها للدخل بشكل مباشر. إنّ عمل النساء المنزلي أساسي ل “بقاء وتسيير النظام الاقتصادي الحالي"(بينيريا وسن، ١٩٩٧:٤٨)، وهو أيضاً مهم لحياة واستمرارية عائلاتهنّ. يمكننا تطبيق هذه الفكرة على الأشخاص غير المعياريين/ات أيضاً، وبالأخص على الأشخاص العابرين/ات للجنس والجندر، حيث يعمل العديد منهم/نّ في وظائف موسمية، غير رسمية، وغير مستقرّة. بالنسبة لهذا البحث بالتحديد، تبنيت إطاراً فكرياً لا يركز على الطبقة من منحى اقتصادي مرتبط برأس المال وحسب، بل يتعدى ذلك من خلال شمل مفاهيم مرتبطة بما يُسمى برأس المال الثقافي الذي يترجم بأسلوب الحياة، المستوى التعليمي، نوع النشاطات الاقتصادية، والحالة الاجتماعية. ومع ذلك ما زال هناك نقص كبير في التنظير حول الطبقية بشكليها الاقتصادي والثقافي في الدراسات المعنية بالدول الناطقة باللغة العربية. كما أن هنالك العديد من العقبات التي تواجه دراسة الطبقية في الدول الناطقة باللغة العربية، ومنها عقبات تتعلق بالوصولية إلى التمويل والأبحاث حول الطبقية في المنطقة ككل، مما يجعل النقاشات حول هذه المفاهيم غير متاحة إلا من خلال المؤسسات الأكاديمية الغربية.

علاوة على ذلك، تفسّر عادة تجارب النساء من خلال نظام اضطهاد واحد، وكأن النساء مجموعة متجانسة تتأثر بالنظام الأبوي بطرق متشابهة. لاحظت خلال بحثي أن الدراسات التي تقوم بها المؤسسات الأكاديمية والجمعيات غير الحكومية حول نشاطات النساء الاقتصادية في البلدان الناطقة باللغة العربية غالباً لا تأخذ بعين الإعتبار الفروقات الطبقية بين النساء، وغالبا تتغاضى عن جانب رأس المال الثقافي للطبقة. كما يشرح ديفين وسافاج (٢٠٠٠: ١٩٤-٦) إن:

استكشاف تداخل الاقتصادي بالثقافي يمكن أن يشكل طريقة ناجعة للبحث- حيث أن الطبقية وأنواع غير المساواة الأخرى تتضمن الجانبين الاقتصادي والثقافي، وعلينا إعادة الجانب الاقتصادي إلى تحليل الطبقية، ولكن بشكل لا يتبنى الاقتصادي بمعناه الضيق، بل يشمل مجموعة تصرفات ذات معاني ثقافية. 

لكي نفهم تقاطعية الطبقة والجندر، من المهم أن ندرس الأبعاد المختلفة للطبقة (الثقافية والإقتصادية)، لأن الأدوار الجندرية مرتبطة ومتأثرة بالعلاقات الطبقية. بمعنى آخر، تختلف الأدوار الجندرية المتوقعة من النساء والأشخاص غير المعياريين/ات من طبقة إلى أخرى، ولذلك يختلف مظهر النظام الأبوي نفسه ويتأثر بالبعدين الثقافي والإقتصادي للجندر. أجريت مقابلة مع شخص لا معياري يعرف عن نفسه على أنه منتمٍ للطبقة الوسطى العليا في الأردن، حيث قال:" أشعر أن عائلتي تخنقني، لأنهم دائماً يفرضون عليّ الإلتزام بمعاييرهم التي يعتبرونها مناسبة ومحترمة". وقالت امرأة تعرف عن أنها تنتمي إلى نفس الخلفية الطبقية: " لا تسمح لي عائلتي أن أعمل وظيفة ذات مستوى متدني، ربما بسبب اسم عائلتي حيث أن عائلتي معروفة في الأردن، وإذا عرف أني أعمل وظيفة غير مناسبة ستتأثر صورتهم وصيتهم". يبيّن لنا هذا أن الموقع الطبقي ينتج تجارب جندرية مختلفة للنساء والأشخاص غير المعياريين/ات. بالتالي، إنّ فهم الأبعاد المختلفة للطبقة يساهم في إكتشاف كيفية تقاطع الأبوية مع الطبقة بطرق مختلفة، حيث أنها تؤثر على الأدوار الجندرية بطرق مختلفة. ما سبق يحاكي نظرية سكيغس (٢٠٠٥) التي توضح أهمية الطبقة الاجتماعية والثقافية عوضاً عن التركيز على دراسة الطبقة الاقتصادية وحدها:  

الطبقة تعرّف على أنها ملكية ثقافية (شيء يملكه الشخص كميزة أو سلوك) وهذا ينعكس بالممارسات، ولا يساعدنا ذلك في فهم الناس لقيمتهم الرمزية (إجتماعياً وإقتصادياً) وحسب، وإنما لكي يفهموا كيف أصبحت تصرفاتهم وثقافتهم ذات قيمة (أو لا تمتلك قيمة) لدى الآخرين سكيغز٢٠٠٥: ٤٨-٩)).

في بحثها حول النساء البيضاوات المنتميات للطبقة العاملة في إنكلترا، تستكشف سكيغز (١٩٩٧) معنى أن يكون الشخص امرأة من جهة و منتمية إلى الطبقة العاملة من جهة أخرى. تبنت سكيغز مقاربة بورديو للطبقة، حيث تراه كرأس مال اقتصادي وثقافي، وتستخدمها لتوضّح تقاطعية الطبقة والجندر. وبالرغم أنها لا تذكر حرفيا أن عملها يرتكز على تقاطعيّة الجندر والطبقة إلا أنها تشرح كيف تعاني نساء الطبقة العاملة البيضاوات ليحظيّن ببعض الاحترام أيضاً (سكيغز،١٩٩٧). بمعنى آخر، لا تتأثر التعابير المرتبطة بالطبقة بالبعد الاقتصادي للطبقة فقط، بل بالبعد الثقافي أيضاً. على سبيل المثال، إحدى النساء اللواتي أجريت معهنّ مقابلات والتي تعرف عن نفسها على أنها من خلفية اقتصادية فقيرة قالت:" أعمل في تنظيف المكاتب ولكن أولادي لا يعلمون بذلك. أحاول أن أخفي عملي كعاملة نظافة، لا أريد أن يعلم أحدٌ طبيعة وظيفتي. لا أريد أن يذلّهم (أولادها) أو يهينهم أحد، لأن عملي لا يعتبر محترم أو مشرّف."

يتجسد التقسيم والفروقات الطبقية "من خلال القوّة، المدخول، الثروة، المسؤولية، فرص الحياة المتاحة، أسلوب ونوعية الحياة، وكل شيء آخر يشكّل تركيبة الوجود" (ميليباند، ١٩٨٩: ٢٥). لكنّ الطبقة لا يجب أن تحتسب من خلال تصنيف الناس بحسب وظائفهم وثرواتهم، أو مدخولهم المادي وحسب (كرومبتون، ٢٠٠٨). على دراسة الطبقة أن تأخذ بعين الاعتبار "فهم الآليات التي تنتج الفروقات الطبقية" (سافاج وآخرون، ٢٠٠٥: ٣١). علاوة على ذلك، النظر الى الطبقة من منظار رأس المال الاقتصادي ليس كافياً، لأنه لا يفسّر "دور الثقافة (ثقافة التصرفات والذوق) في تشكيل الطبقات المختلفة" (سافاج وآخرون، ٢٠٠٥: ٤٠).  يعرّف لانغستون (١٩٩٥: ١٠١-٢) الطبقة من خلال الثقافة أيضاً من خلال قوله:

الطبقة هي فهمك للعالم وموقعك المناسب فيه. وتتشكل من الأفكار، التصرفات، المواقف السلوكية، القيم، واللغة. الطبقة هي كيفية تفكيرك، إحساسك، تصرفك، لبسك، كلامك، حركاتك، وطريقة مشيك. الطبقة هي المتاجر التي تتسوق/ين بها، المطاعم التي تتناول/ين طعامك فيها، المدارس التي ترتادها/ينها. الطبقة هي الوظائف التي ستعمل/ين فيها خلال حياتك.

بالإضافة الى الإعتبارات السابقة المتعلقة بالطبقة، من المهم إثبات كيف أن النساء والأشخاص غير المعياريين/ات يتموقعن ضمن طبقة مختلفة ضمن هيكل العائلة نفسها، ومن المهم لفهم تقاطعية الطبقة والجندر أن تؤخذ كل هذه النواحي بعين الإعتبار. يجب أن نفهم العائلة والأسر "كموقع صراع"، حيث تحصل تجاربنا الأولى عن عدم المساواة في إنتاج وتوزيع الموارد، والموقع الأول لحدوث نزاعات. تحاجج أفشار (١٩٨٥) أن العائلة هي المكان الذي تتضح فيه تبعية النساء. وتضيف أن "الأمهات والبنات والأخوات والزوجات عرضة لهيمنة الاقتصاد الأخلاقي للقرابة الذي يسيطر على النساء وأعمالهنّ" (أفشار، ١٩٨٥: ١٤). من هذا المنظور، تفهم العلاقات الجندرية من انتاج وإنجاب ضمن وخارج الأسرة حيث تتقاطع الرأسمالية والأبوية وتأثر على تجاربنا الجندرية (هارتمان، ١٩٨١). لذا، من المهم الإقرار بأن الأبوية تصنع فروقات طبقية ضمن الأسر والعائلات نفسها. أثبت البحثان أنه عند البحث في الطبقة والجندر وتقاطعيتهما، من المهم تعريف الأبوية من منظور نسوي ماركسي على أنها:

مجموعة علاقات اجتماعية ذات قاعدة مادّية حيث يوجد علاقات تراتبية بين الرجال وتضامن بينهم، مما يسمح لهم بدورهم أن يسيطروا على النساء. الأساس المادي للأبوية هو سيطرة الرجال على عمل النساء، والمحافظة على تلك السيطرة من خلال إقصاء النساء من الوصول الى الموارد الاقتصادية الضرورية وتقييد جنسانياتهن (كوبيرن، ١٩٨٥، كما نقلت في فيزاكلي، ١٩٨٨: ١٧-١٨).

هذه الأبوية كما عرّفناها سابقا، تستثني بدورها بعض الأشخاص غير المعياريين/ات من الوصول إلى الموارد الاقتصادية وتقيّد جنسانيتهم/نّ. خلال أكثر من مقابلة مع نساء وأشخاص غير معياريين/ات من دول ناطقة باللغة العربية، عبر العديد منهم/نّ عن أنهم/نّ تعرضوا/ن للتهديد أو حتى العقاب من قبل عائلاتهم/نّ، وتحديداً فيما يخص وصولهم للموارد الاقتصادية المتوفرة للعائلة ككل ووضع قيود على جنسانياتهم/ن. تعتبر الممارسات تمييزية كحرمان النساء والأشخاص غير المعياريين/ات من الميراث، والمصروف، والوصول إلى موارد اقتصادية أخرى شائعة للضغط على النساء والأشخاص غير المعياريين/ات للخضوع للتوقعات الجندرية الطبقية و الأدوار الجندرية المحددة، ولتقييد جنسانيتهم/ن. على سبيل المثال، قالت إمرأة تعرّف عن نفسها على أنها لا معيارية في فلسطين: "توقف أبي عن إعطائي مصروفي الشهري لأني قررت أن أخرج من المنزل وأعيش مع امرأة". وقال رجل يعرف عن نفسه على انّه لا معياري: "عندما وجدت عائلتي صوراً لي مع شريكي، قرروا حرماني من الميراث إلا إذا تزوجت من امرأة.

هذه الأمثلة تظهر أن النساء والأشخاص غير المعياريين/ات يشغلن/ون طبقة مختلفة ضمن عائلاتهم/ن، حيث لا يتمتعن/ون بنفس القدرة على الوصول إلى الموارد، وتتجلى الفروقات الطبقية ضمن الأسر نفسها وليس فقط على مستوى المجتمع خارج الأسرة. لذا، من المهم لتطوير دراسة الطبقية في البلدان الناطقة باللغة العربية الكشف عن الفروقات الطبقية الملموسة على مستوى الأسرة. تعتبر العائلات النووية المتمحورة حول مفاهيم معيارية الغيرية الجنسية الحيز الذي يحصل فيه الإنتاج والإنجاب والإستهلاك بين جهات فاعلة اجتماعية مختلفة. وهي المساحة التي تؤخذ فيها القرارات المتعلقة بتقسيم العمل والكدح وتوزيع الموارد بين الأفراد. كما تخدم العائلة النووية التسلسلات الهرمية الجندرية والجنسية التي تؤدي إلى التستُر على وقمع المصالح والرغبات المتضاربة للحفاظ على معايير مظاهر “الاحترام الاجتماعي” الطبقية خارج المنزل. على الرغم من احتلال النساء واللامعياريين/ات للطبقات مختلفة عن باقي أفراد عائلاتهم/ن وكونهم/ن لا يتمتعن/ون بنفس الوصولية للموارد الاقتصادية المتاحة لأفراد عائلاتهم/ن، إلا أن هذا العقاب الاقتصادي لا يعفي النساء واللامعياريين/ات من التوقعات المناطة بهم/ن من التزام بمفاهيم “الاحترام الاجتماعي” خارج المنزل.  بمعنى آخر، إن البعد الثقافي للتسلسلات الهرمية الطبقية تبقى حاضرة خارج العائلة.

إن تصوير الطبقة من خلال أبعادها الماديّة فقط لا يفسر حقيقة أن تجارب النساء والأشخاص اللامعياريين/ات مختلفة ضمن الهياكل الطبقية ذاتها. على سبيل المثال، عندما تختلف الأبعاد المادية الطبقية للنساء واللامعياريين/ات من خلال الوصول إلى دخل أو موارد اقتصادية أعلى خارج الأسرة لا يؤدي ذلك إلى تغيير في الأيديولوجيات الجندرية التي تدعم السيطرة عليهم/ن وإخضاعهم/ن وكأنهم/ن من طبقة أدنى (كبير، ١٩٩٧).  تحاجج باشو (١٩٨٨) في دراستها للنساء السيخ في بريطانيا أن وصول النساء للمال يحسن وضعهنّ ضمن أسرهنّ ويعطيهنّ الفرصة لأن يتصرّفن بحرية بمدخولهنّ (باشو،١٩٨٨). آخرون أضافت أخريات أن الأعمال التي تعود على النساء بالمدخول المادي تعطيهنّ القوّة لإتخاذ القرارات ضمن الأسر عندما يساهمن ماديا في مدخول الأسرة (آلن وولكويتز، ١٩٨٧). ولكن كبير (١٩٩٧) تشرح أنه بالرغم أنّ الكثير من الباحثين والباحثات وجدوا/ن أن المال والمدخول يعطي النساء قوّة نسبية ضمن الأسر، إلا أن أخريات إعتبرن أن الأيديولوجيات حول الأدوار الجندرية عاصية عن التغيير، وأن الأيدولوجيات الأبوية تبقى مسيطرة (كبير، ١٩٩٧) حتى مع الاختلاف الطبقي المادي. فولغير (٢٠٠٥) تقترح أن المال يلعب دوراً مهماً في تشكيل العلاقات داخل الأسر، وأن لديه تأثير كبير على توزّع القوّة بين أفراد الأسرة (فولغير، ٢٠٠٥). ولكن هذا التوزع يبقى محكوماً بالأيديولوجيات الجندرية الأبوية، مما يشكل ضغطاً على النساء واللامعياريين/ات للقيام بأدوار واداءات تعتبر قامعة وظالمة لهم/ن بسبب الطبقة المختلفة التي يحتلونها في العائلة بشكل عام وطبقتهم الثقافية بشكل خاص.

هدفت هذه المقالة إلى بدء نقاش حول الطبقة والجندر وتقاطعيتهما في الدول الناطقة باللغة العربية وكيف يصقلان حياة الناس المعاشة بشكل مختلف. تقترح المقالة أنه ليس من الممكن إنتاج معرفة عن النساء واللامعياريين/ات دون الإعتراف أن الرأسمالية والأبوية لا يمكن فصلهما عن بعض، ويجب أن نتعامل معهما على أنهما جزء من أنظمة الظلم التي تصيغ تجاربنا كنساء وأشخاص غير معياريين/ات. بينما ركزت هذه المقالة على العلاقات الجندرية والطبقية داخل الأسر، ينبغي علينا توسيع هذه المفاهيم إلى الطبقية خارج الأسر. على الرغم من أنه يمكن اعتبار للنساء واللامعياريين/ات طبقة مختلفة ضمن أسرهم، من المهم أن نلاحظ أن تقاطعية الطبقة والجندر قد تتجلى بشكل مختلف ضمن النطاق العام. إن معايير “الاحترام الاجتماعي” التي ترافق رأس المال الاقتصادي والثقافي تعتبر قيّمة حتّى خارج نطاق الأسرة. إذ يُنظر إلى الأشخاص الذين/اللواتي يمتلكن/ون رأس مال ثقافي واقتصادي في مجتمعات معيّنة على أنهم/ن يستحقّون إحتراماً أكثر مقارنة بالآخرين الأقل احتراما الذين/اللواتي يملكون/يملكن رأس مال ثقافي وإقتصادي أقل، كما أظهرت الدراسة التي قمت بها مع لامعياريين/ات في دول مختلفة ناطقة باللغة العربية.  في العديد من الحالات، يعزز اللامعياريون/ات الذين/اللواتي يمتلكون/يمتلكن إمتيازات الوصول إلى رأس المال الاقتصادي والثقافي تقاطعية الطبقية والأبوية، فيعيدون/ن بذلك إنتاج قمع شبيه بالذي واجهوه/نه في المنزل. في النهاية، يجب أن يأخذ أي نقاش حول الطبقية الدوائر المختلفة التي يحتلها الأشخاص غير المعياريين/ات وخصوصيّتهم/نّ بعين الاعتبار، لكي نتمكن من توسيع فهمنا للمعيارية بشكل يتعدى الجندر والجنس ويشمل الهياكل الطبقية القامعة.

  • 1. أُعرف اللامعيارية في هذا المقال على أنها عدم الالتزام بتوقعات المعيارية الغيرية أو التوقعات الجندرية والجنسية الأبوية، وقد يشمل ذلك الأفراد الذين/اللواتي يعرفن/ون أنفسهم/ن كمنتمين/ات لمجتمع الميم، ولكن التعريف غير محدود بإطار مجتمع الميم.
ملحوظات: 
المراجع: 

AFSHAR, H. 1985. “Introduction.” In: AFSHAR, H. (ed.) Women, Work and Ideology in the Third World. London: Tavistock Publications.

ALLEN, S. & WOLKOWITZ, C. 1987. Homeworking: Myths and Realities. London, Macmillan.

BENERIA, L. & SEN, G. 1997. “Accumulation, Reproduction and Women's Role in Economic Development: Boserup Revisited.” In: VISVANATHAN, N., DUGGAN, L., NIESONOFF, L. & WIEGERSMA, N. (eds.) The Women, Gender and Development Reader. London: Zed Books.

BHACHU, P. 1988. “Apni Marzi Karthi. Home and Work: Sikh Women in Britain.” In: WESTWOOD, S. & BHACHU, P. (eds.) Enterprising Women: Ethnicity, Economy and Gender Relations. London: Routledge.

CROMPTON, R. 2008. Class and Stratification. Cambridge, Polity Press

DEVINE, F. & SAVAGE, M. 2000. “Conclusion: Renewing Class Analysis.” In: CROMPTON, R., DEVINE, F., SAVAGE, M. & SCOTT, J. (eds.) Renewing Class Analysis. Oxford: Blackwell.

HARTMANN, H. I. 1981. “The Family as the Locus of Gender, Class, and Political Struggle: The Example of Housework.” Signs, 6, 366-394

KABEER, N. 1997. “Women, Wages, and Intrahousehold Power Relations in Urban Bangladesh.” Development and Change, 28, 261-302.

LANGSTON, D. 1995. “Class and Inequality.” In: ANDERSEN, M. L. & COLLINS, P. T. (eds.) Race, Class and Gender: An Anthology. 2nd ed. Belmont: Wadsworth Publishing Company.

MILIBAND, R. 1989. Divided Societies: Class Struggle in Contemporary Capitalism. Oxford, Clarendon Press.

PHIZACKLEA, A. 1988. “Entrepreneurship, Ethnicity and Gender.” In: WESTWOOD, S. & BHACHU, P. (eds.) Enterprising Women: Ethnicity, Economy and Gender Relations. London: Routledge

SAVAGE, M., WARDE, A. & DEVINE, F. 2005. “Capitals, Assets, and Resources: Some Critical Issues.” The British Journal of Sociology, 56, 31-47.

SKEGGS, B. 1997. Formations of Class and Gender: Becoming Respectable. London, Sage Publications.

SKEGGS, B. 2005. “The Re-branding of Class: Propertising Culture.” In: DEVINE, F., SAVAGE, M., SCOTT, J. & CROMPTON, R. (eds.) Rethinking Class: Culture, Identities and Life Styles. New York: Palgrave.

VOGLER, C. 2005. “Cohabiting couples: rethinking money in the household at the beginning of the twenty first century.” The Sociological Review, 53, 1-29.