الهجرات المؤسّساتية والنّجاة الراديكاليّة: ما وراء الانقسامات التنظيمية

السيرة: 
‫ ‫الملخص: 

هذه المحادثة المسجلة بين النشطاء النسويات/ين اللبنانيات/ين المقيمات/ين في لبنان عقدت في 18 يونيو من عام 2017 واستمرت ثلاث ساعات. اجتمعت هذه المجموعة من الناشطات/ين النسويات/ين في محاولة لتأريخ إحباطاتهنّ/م الشخصية والسياسية. يغطي نطاق هذه المحادثة الأحداث الأخيرة في الحركات النسويّة والمثليّة في لبنان. وقد نتجت المناقشة عن الإسكات وفصل النقاش حول احتفالات فخر بيروت عام 2017؛ ومع ذلك، فإنها تعيد النظر في التاريخ المعاصر النسوي والكويريّ في لبنان، وتتناول مواضيع تعميم المنظور الجندريّ والجنسانيّ، والمنظمات غير الحكومية، والتمويل، والمساءلة، وركود القيادات. وبهذا المعنى، وبدلا من الإشارة إلى تحولات تاريخية في التحالفات والناس عبر المجموعات والمنظمات، تصبح الهجرة المؤسساتية عملية هيكلية ضرورية تقاوم جذريا مأسسة حركات النّساء والمغايرين/ات للجندر داخل دوائر المنظّمت غير الحكوميّة لمجتمعات الميم.

اقتباس: 
غلامة، زكريّا، أميرة، سما، ومون. "الهجرات المؤسّساتية والنّجاة الراديكاليّة: ما وراء الانقسامات التنظيمية". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 3 عدد 1 (2017): ص. 17-31. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 10 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/institutional-migrations.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (410.6 كيلوبايت)

cover_issue_5_ar.png

هالة حسن

الانقسامات، التشقّقات، والضغوطات من أجل “الوحدة”

مون:             بمجرد أن ينقسم شيء ما في المجتمعات الكويرية أو النسوية، أو بمجرّد أن يتفرّع، يشعر الناس أنّ ذلك يعرّض سلامة المشروع الأصلي إلى الخطر، بدلا من رؤية هذا التّفرّع كإصدارات أو أنهج مختلفة من المشروع ذاته. الأمور تقسم أو تنهار لأنها لا تعمل لنفس الغاية، ولكن لا يظهر استقبال هذه التّغييرات أي امتصاص للتعددية. بدلا من ذلك، يسعى الناس للتستّر على أي قضايا خلافية لديهم. وهذه مشكلة كبيرة لأنك لا تستطيع أبدا أن تدعي أن هناك إجماعا.

غلامة:           عندما نبقى تحت راية واحدة، يجب علينا أن نجد حلا توفيقيا، وهذا الحل التوفيقي يكون دائما على حساب النساء ومغايري/ات الجندر. ودائما ما يقال لنا أنّ الآن ليس هو الوقت المناسب، لأن هناك هجوما معيّنا، أزمة معينة، وزخما معيّنا. شخصيا، لا أتذكر أيّ وقت لم نكن نعيش فيه أزمة. ماذا يعني عندما نتجمع تحت علم واحد؟ ذلك يعني أيضا أننا نحشد تحت قيادة واحدة، وهوية واحدة. فهذه الهوية لا تحجب النهج الأخرى فحسب، بل تجعلها أيضا غير شرعية وتستفيد من قوة التمثيل. لماذا علينا أن نتجمّع إذا لم يكن لدينا شيء لنتجمّع تحته؟ هذا يشبه طريقة تركنا لعائلاتنا. ليس لدينا عملية صحية للخروج من منزل العائلة خارج الزواج الغيريّ والنّمطيّ. إما لأنّ الأسرة خرا، أو لأنّ الابنة تسمّى شرموطة. هذا هو الأمر. هذه هي الديناميكية التي نكررها في تحركاتنا. فالناس لا يرغبون في مناقشة التقاطعيّة على سبيل المثال لأننا بحاجة إلى “إعطاء الأولوية” أو العمل على “الجوهر.” وفي الوقت نفسه، يخبرنا الناس بالعمل تحت رايتهم، والعمل من أجلهم.

أميرة:            نحن نختبر الحقائق بطرق مختلفة جدا. ومفهوم التجمع تحت قضيّة واحدة هو تبسيط مفرط لطرق تموقعنا المختلفة. ومفهوم الوحدة يفترض مسبقا أننا نعمل من أجل غاية واحدة. ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالغاية، بل يتعلق بشكل خاص بما نقوم به، وكيف ننتظم، وكيف نبني الهياكل على الطريق لبلوغ هذه الغاية. على سبيل المثال، طلب منا خلال الشهر الماضي أن ننتشر للقتال من أجل “مجتمع” خال من رهاب المثليّة. ولا يمكن أن يعامل المجتمع على أنه كيان متجانس فحسب، بل يمكن أن تكون المجتمعات الخالية من رهاب المثلية نيوليبرالية، ومخصخصة، وغافلة عن المسائل الطبقية بقدر ما يكون المجتمع الخالي من رهاب المثلية مجتمعا للأغنياء.

مون:             وهذا الوهم الذي لدينا عن وجود غاية مشتركة ناتج عن الطّلب المكرّر لنردّ على “الشر المشترك.” عندما يكون هناك شر شائع، فإنه يخلق الوهم أننا جميعا نعمل نحو نفس الشيء. ولا، لمجرّد أنّنا ضدّ نفس الشيء من حيث المبدأ لا يعني أننا بحاجة إلى أن يتمّ استيعابنا من قبل هذا الكيان المتجانس.

زكريّا:           هل لاحظت إحداكنّ كيف يتم التعامل مع السلطة الأبوية في هذه الأيام؟ لقد تمّ تعمیم مصطلح “السلطة الأبویة،” وأدّى ذلك إلى أنّ الناس توقفوا عن النظر إلی فئات معیّنة وکیف یتم تهميشها أو قمعھما. تُصبح الكلمة العدو النهائي.

مون:             يحصل الشّيء نفسه مع الليبرالية، فيتعامل معها على أنّها شرّ كبير، ولكنّ ذلك لا يكفي لأن يكون الجميع تحت مظلة واحدة. هذا يخلق الوهم بأن الأرقام وحدها، بدلا من الخطاب، يمكن أن تعالج تلك القضايا. فنصبح رموزا رقميّة في الكفاح ضد الشر المشترك.

زكريّا:           إذا كنا سنواصل الاستعارة الأسرية، “الطفل” الذي يقول “هذا ليس نوع الأسرة التّي أريد أن أكون فيها” تقع شيطنته. هذا ما حدث مع حلم1 وميم،2 ويستمرّ في الحدوث مع أي مبادرة تتوقّف عن الرغبة في أن تكون جزءا من كيان تمثيليّ للرّجال المثليين المطابقين للجندر. وفي حالة الانقسام بين نسويّة3 وميم، تم التخلي عن “الطفل:” “ليس هذا الطفل الذي نريده.” والدافع الرئيسي لإنشاءه أصبح السبب وراء طرده: طُرد الطفل لأنّه كويريّ. تم إنشاء نسويّة من ميم لأننا كنّا في حاجة إلى كيان عام. في وقت ما، تمّت قطع الصّلة بميم وكان الفصل اجباريّا. إذن متى يكون الفصل متعمدا، ومتى يتم التخلص من المبادرات لأنها لا تعني شيئا بعد الآن؟ على سبيل المثال، قامت سلوى4 بتعبئة الكثير من الناس؛ ولحظة انتهى التمويل، لم يعد المشروع ذا أولوية.

أميرة:            عندما نعتبر أن كيانا أو مشروعا خرج عن هيكل ما، فهذا يعني أنّه خارج هيكل بإمكانه الوقوف بمفرده. لماذا لا يكون الهيكل هو الذّي تمّ التّخلي عنه أبدا؟ والكيان الذي ينظر إليه على أنه “خارج” أو “معارض” أو “انقسامي” هو دائما الكيان الذي يتمتع بقدر أقل من القوة: قوة القيادة أو الموارد، والسلطة في “الحركة،” والقدرة على الإستقطاب والإكراه. فلا يخرج الهيكل قطّ، بل يعيد إنتاج شخصية الأب، على الرغم من أنه يتحدث عن السلطة الأبوية.

غلامة:           إضافة إلى ذلك، بغض النظر عن ما يحدث الانقسام، وبصرف النظر عن انسكاب الدم المجازي، لا يقوم الهيكل بمسائلة نفسه قطّ ولا يحاول فهم الأسباب الجذرية للانقسام. نتيجة لذلك، لا تحصل التغيرات الهيكلية. إذا كان هناك أي شيء، يتم إنشاء المزيد من الجدران، ووضع المزيد من القيود، ويقع تأطيرها كتدابير “وقائية.”

زكريّا:           بالعودة إلى مثال نسويّة، بسبب غموض الهيكل، تصبح الانقسامات قابلة للمسح من التاريخ بسهولة. بعد ذلك، يستطيع أولئك الذين لديهم الموارد والشبكات أن يواصلوا كل شيء، حتى لو اضطرّوا إلى الهجرة فعليا. وبهذا المعنى، توقفت نسويّة، لكن الهيكل لم يجر إصلاحه أبدا.

غلامة:           المشاجرات إما أخلاقية أو أيديولوجية أو كلاهما، وعندما تنقسم المجموعة أو جزء منها ينقسم، لا يحاول أحد النظر إلى هيكل المنظمة الأصلية.

 

أنماط التّنظيم، إضفاء صبغة المنظّمات غير الحكوميّة، والتّعميم

غلامة:           لقد قمنا بالتّنظيم تقليديا من خلال نموذجين. الأول هو ما نسميه نموذج القاعدة الشعبية، مثل النسويات الذين يستعيدون ويخلقون فضاءات نسوية، أو تنظيم مجتمعي قائم على الهوية، أو كليهما. النموذج الثاني هو نموذج المنظمات غير الحكومية، حيث نبحث عن التمويل، واستئجار الموظفين، وحشد الناس تحت المشاريع. لذلك إذا كنا نخلق شيئا على أساس هوية الناس، التنظيم القائم على الهوية يتسلل إلى نشاطنا، أليس كذلك؟

أميرة:            نعم، ولكن ماذا يحدث عندما تدّعي المنظمات غير الحكومية أنّها أصبحت حركات؟

سما:              أعتقد أن الفرق يكون بين التنظيم القائم على قضية واحدة، والذي تقوم به المنظمات غير الحكومية في معظم الأحيان، في حين أن المساحات مثل نسويّة وغيرها التي قد تكون قد بدأت على أساس الهوية تشمل قضايا متعددة. كيف ترين أنّ المنظمات غير الحكومية تحاول أن تصبح حركات؟

أميرة:            نحن بحاجة إلى الحديث عن المنظمات غير الحكومية بالطريقة التي نحتاجها للحديث عن المنظمات غير الحكومية، مع غرض محدد مثل تقديم الخدمات، أو مشروع محّدد يحصل على تمويل محدّد. ومن الواضح أن هذه الأغراض تملؤ فجوة ما. ولكن خلط الحركات مع المنظمات غير الحكومية يعني، بحكم وصول المنظمات غير الحكومية إلى الموارد، الاعتراف بالمنظمات غير الحكومية كقادة “للحركة،” وأنا أستخدم “الحركة” بشكل فردي لأن الحياة متعددة القضايا تصبح مطهرة في ظل المنظمات غير الحكومية. عمل المنظمات غير الحكومية هو نوع من النشاط المدنيّ، لكنه ليس النّوع الوحيد. لا ينبغي أن يكون الوحيد. وتعقيم “الحركة” المفردة يجعل من المستحيل تحدّي الهياكل والتمويل. على سبيل المثال، أنا مندهشة بشكل لا يصدق أن بعض الدوائر النسوية لم تعد على استعداد لتحدي مصادر التمويل ولمساءلة أولئك الذّين يدّعون تمثيلنا، على الأقل من حيث تمويلهم وعواقبهم.

غلامة:           لا أعتقد أنّه كانت هناك إرادة معينة لتحدي ذلك في الماضي. ما اختلف الآن هو أن المعارضة فردية وليست الهيكلية. لم تشعر ميم بنفس الضغط لأنها كانت تتمتّع بالحكم الذّاتي ولم تستجب لأحد، لذلك لم تتعرّض للنقد. في رأيي، هذا الخطاب لم يلاقي أصداء مع بعض الدوائر النسوية، بما في ذلك الناس الذين عرفناهم/نّ وعملنا معهم/نّ، تحديدا بسبب التأثير السلبي للنزعة النسوية التي تعتمد على الهويّة. في بعض الحالات، لم تعد النسوية حول القضية، بل عن تمثيل النساء في دوائر المثليين، ولا سيما في عصر تعميم المثليّة وتعميم مراعاة المنظور الجندري.

سما:              لنذكّر أنفسنا بأننا على الأقل عندما انضممت إلى ميم، كانت طريقة تفكيرنا في تنظيمنا شديدة الاختلاف عن واقع تنظيمنا. اعتقدت أننا حركة شعبية، تختلف كثيرا عن المنظمات غير الحكومية، وأنّ قراراتنا كان متّفقا عليها بالإجماع. ولكن بعد ذلك عليك أن تبدأ في فهم أنه في بعض الحالات، يكون لدى هذا النوع من التنظيم شكل منظمة غير حكومية غير مرئيّ، لأننا نحصل على التمويل، ويكون لدينا قائمة المهامّ التّي تتضمّن المهام المملة في تقديم التقارير إلى الممولين وجلب في المال. لقد توصّلت إلى فهم أنّه إذا كنت تريد مساحة للأشخاص الكوير، فعليك أن تعمل من خلال هذه الحقائق، بغض النظر عن كيفية تسمية تنظيماتنا وهياكلنا. وأعتقد أننا بحاجة إلى الاعتراف بالتشابهات والتداخلات بين عمل المنظمات غير الحكومية، وما ندعوه تنظيم القاعدة الشعبية.

غلامة:           هناك أوجه تشابه بالطبع، ولكني أعتقد أن هناك فرقا أساسيا في الهيكل. في معظم الأحيان، المساحات التي تعتمد على العضوية تشمل مساحة مادية حيث بإمكان الناس الذين نمثّلهم أن يأتوا وينتفعوا من حقّ الوصول. وبصرف النظر عن الديناميات وقضايا الوصول والمساءلة، فإن المساحات مثل ميم سابقا والضمّة5 تخلق الآن نظاما بيئيا للرأي العام. لديك شرعية معينة ونظام للاعتراض. حتى لو كنت لا تعترض من خلال بنية، كنت لا تزال تعترض. وهو شكل غير مرئي من الاعتراض. وعلى الرغم من ذلك، ظلت القيادات راكدة.

مون:             تقصدين نتيجة لهذا النظام؟

غلامة:           أعتقد أنّ ذلك جاء جنبا إلى جنب. ولكن القيادات راكدة عموما.

مون:             ولا يمكن للمرء أن يعترض؟

غلامة:           كيف تعترضين؟ من خلال أيّة الآليات؟ على سبيل المثال، عندما كانت احتفال الفخر المثليّ يحدث في بيروت، كان لدى الكثيرين اعتراضات لم تُسمع لأنّها جاءت من دوائر غير ناشطة، وظلّ معظم النّقاد صامتين لأنّهم شعروا أنهم لم يشاركوا بشكل مباشر في عملية التنظيم. من ناحية أخرى، تمّ تلخيص كلّ الاعتراضات التي أثيرت كهجمات. ولا توجد مساحة يمكن فيها ترجمة الاعتراضات أو نقلها إلى المنظمين.

أميرة:            نحن بحاجة إلى تحدي فكرة من يمكنه/ها أن ي/تتكلم وماهو مفهوم النشاط. أشعر أن خطاب “لا يمكنك التحدث لأنك لست ناشطا” كان حاضرا بشكل خاص في سياق احتفال الفخر المثليّ ببيروت،6 وأصبح النشاط يقتصر على تلك اللحظة وعلى نموذج أوّلي للمشاركة.

سما:              وذلك يسير جنبا إلى جنب مع تحديد من يعمل على الأرض ومن الذي لا يفعل ذلك.

أميرة:            هناك بالتأكيد نموذج أوّلي لمن يعتبر ناشطا/ة، في حين أن الحالات الأخرى من النشاط الأقل وضوحا، مثل المحادثة التي نقوم بها الآن على سبيل المثال، يتم تجاهلها تماما وتُرفضت باعتبارها تنظيرا.

غلامة:           ليس لدينا فهم لكينونة “الناشط/ة” أو لـ”العمل على الأرض.” بعض الناشطين/ات ينخرطون/ن في الطرق التقليدية “للعمل في الميدان.” إذا كان هذا هو تعريف النّشاط، فأنا مؤهّلة لهذه التّسمية. ومع ذلك، في حالة احتفال فخر بيروت، قمت بدور الرقيب على نفسي وامتنعت عن الحديث عن احترازاتي على هذا المشروع. لقد راقبت نفسي لأنني لا أريد أن أضرّ بعمل بعض المنظمات، وعلى وجه التحديد ب”حلم.” أنا لا أريد محاربتهم، بل أريد محاربة النظام. وفي الوقت نفسه، لم يكن لدى تسمية “النشطاء” مقابل “غير النشطاء” في سياق فخر بيروت أي علاقة بمقدار الخطر الذي تعرضوا له أو مدى قرب اتصالهم/نّ مع المجتمع، أو عدد السّجون لقد دخلوا/ن إليها.

زكريّا:           ربما يجب علينا إعادة تعريف ما يقع تحت هذه المفردات من الصفر. إذا كان الأمر يتعلق بالجندر والجنسانيّة، فإن منظمات مثل كفى7 ستتاح لها الفرصة للحديث لأن ما تقوم به هو عمل ميدانيّ. ولكن هل ينظر الناس إلى ذلك؟ يتم وضع النشطاء المشار إليهم في قالب، ولكن عندما يتعلق الأمر به، كيف يتمّ قياس هذا النّشاط؟ هل يتعلق الأمر بمن يذهب إلى الاحتجاجات؟ من يكتب أكثر المشاركات على وسائل الاعلام الاجتماعية؟ كم من الكتب يقرأ؟ كم ينشر في الفيسبوك؟ وإذا نظرنا إلى تدابير التقييم، فهي شديدة الخطأ. في حين تتكاثر تسميات مثل “نسوية كويريّة،” وتوضع تسمية “ترانس” كيفما كان، ما يهم فعلا هو ما إذا كانت هناك بُنية خلفك أم لا. عندما تكون جزءا من شيء ما، تقع دعوتك إلى المناقشات والمبادرات والاجتماعات. تحصل على شرعية معينة. ولكن في اللحظة التي تقرر فيها انتقاد هذا التوازن، تصبح مشكلة مؤسسية. كما لو كنت تنتظر/ين والدك ليعطيك الموافقة على الكلام.

غلامة:           هذه هي المشكلة. “مسموح” لنا أن نتنقّل في مساحات معيّنة، ولكن عندما تكون هناك مشكلة، يطلب منا التحدث عن ذلك داخليا، وعدم معالجة المسألة من الجذور. نحن نعرف أمثلة جيدة عن نتائج هذه المسائل، مثل قضية الجندر في حلم، وقضية التحرش الجنسي في نسويّة والتّي لم تعالج لمدة 10 أشهر على الرغم من أنّ الناس حاولوا الحديث عنها. لذلك إذا نظرنا إلى يوم الفخر أو المرأة، كل الاعتراضات التي أثيرت عمرها عقد. لقد قضيت 7 سنوات أجادل لنفس الشيء مع نفس الناس مرارا وتكرارا. هل من المفترض أن أبقى قائلة “أرجوكم/نّ اسمعوني، من فضلكم لا تكونوا مركّزين على الذكور، من فضلكم لا تجعلوا المواطن/ة محور عملكم؟” ماذا عن عملي في كل هذا؟ ثم يُقال لنا أن الطريقة المشروعة الوحيدة لقول هذه الأشياء هي التحدث مباشرة إلى نفس الناس. أين هي المشكلة إذا كنت أتكلم علنا؟

مون:             من الغريب أن هذه القضايا لا تناقش علانية. وأعتقد أن المناقشة المفتوحة التي استضافها المنتدى الاشتراكي8 بشأن الفخر كانت المرة الوحيدة التي سمعت فيها مناقشة مفتوحة من هذا النوع.

زكريّا:           ولكن ماذا تعني “المناقشة المفتوحة” و “العلنيّة؟” هناك افتراض بأن الفيسبوك هو منصة عامّة. في منشورة حديثة قمت بنشرها، قام شخص بلومي على عدم إجراء مناقشة عامّة حول جندري، ولاستخدامي لأي كلمة أستخدمها للإشارة إلى نفسي، بحجة أن الفيسبوك هو مساحة عامة، وعند نشري للشّيء يكون ذلك بمثابة فتحه للمناقشة. التّعبير عن الاعتراض لا يكون عن طريق الفيسبوك وحده. وتلك المناقشة المفتوحة لم تكن علنية – سمعناها عن طريق الدعوة. لذلك عندما تريدين أن يكون لديك مناقشة عامة، فأنت تعمّمينها على من؟ وفي كثير من الأحيان، عندما يكون بعض الناس موجودين هناك، يخضع البعض الآخر للرقابة الكاملة بفعل الديناميات.

مون:             أعتقد أن الناس الذين حضروا المناقشة المفتوحة كانوا أنواعا محددة جدا من الناس. بالإمكان أن يجتمع الناس الموافقون والمعارضون، وإلّا سيكون لديك تجانس، ولكن لن يكون لديك تنوّع، حيث أنّ الغرباء هم الشهود. عندما يكون لديك شهود، لا يمكنك مهاجمة شخص ما على صعيد شخصي. مفهوم المناقشة “العامة” متعدّد المستويات.

زكريّا:           ولكن عادة عندما تفعل شيئا مفتوحا، يخع النّاس للاختيار الذّاتي، ويختفي الشهود في نهاية المطاف.

سما:              لدي أيضا مشكلة مع نظرة الناس إلى هذه القضايا على أنها أيديولوجية أو فكرية، كما لو لم يكن لدينا عقد من التاريخ معا. إذا كنت أكتب نقدا وأحصل على إجابة غامضة غير مباشرة في منصّات عامّة، كأنّني لا أستحقّ أن يتحدّث معي مباشرة، فذلك محو لذلك التاريخ. لدى الناس الذين جمعني معهم التاريخ معرفة بما إذا كنت على الأرض أم لا، أو في الحركة أم لا، ولأيّ أسباب. يعرفون كمّ الخراء الذّي من شأنه أن يجعلني أقرّر ألّا أكون جزءا من الحركة – أشياء مثل احتفال فخر بيروت تجعلني لا أريد أن أكون جزءا من الحركة. عملنا معا على أساس يومي، تناولنا القهوة معا، تحدّثنا عن السياسة معا – حتّى أنهم/نّ يعرفون/ن شؤون قلبي، ثمّ يكتبون أشياء من هذا القبيل؟ ثم يقومون/ن بالتظاهر بأنهم/نّ قاموا/قمن بنقاش مفتوح؟ ذلك غير مقبول، فالطريقة التي نتعامل بها مع بعضها البعض مهمّة جدا لصحة حركاتنا.

زكريّا:           لا يمكن أن يكون هناك أي ادعاء قئل بأنّك لا تتواجدين على الأرض، وخصوصا حين نعود في التاريخ. أنت لا تتحدّثين ولا تستطيعين الحديث فقط عن اللحظة “الآنيّة،” بل عن الأشياء التي حدثت من قبل والتي واجهتها كناشطة. السؤال عن تموقعك “على الأرض” لا جدوى منه. إذا كنت جزءا من حركة، لا أستطيع أن أتحدث عن ذلك إذا لم أكن جزءا من التنظيم في اللّحظة الحاليّة ؟ بالنسبة لي شخصيا، بخلاف توقع اتّخاذي كرمز لأنني أتناول قضية الأشخاص الترانس، هل يمكنني التحدث عن ذلك الماضي؟ ممّا أفهمه اليوم يبدو أنه ليس من المفترض أن نتحدّث. من ثم يسأل الكثيرون أين الاستراتيجيات كأنّما الحديث مفتوح. هناك عدد قليل فقط يتحدثون فلا يمكن أن توجد أية استراتيجية، وتتمّ سرقة العمل باستمرار أو وصفه بالشّعبويّ. هناك حاجة مستمرة لمعرفة ما الذّي نقوم به “على الأرض.” إذا ساعدت صديقا في استجابة طارئة، فهل يعتبر أنني فعلت شيئا “على الأرض؟” هذا النوع من العمل هو توفير الخدمات والمساعدات .

أميرة:            أعتقد في قراءتي لاحتفال فخر بيروت تحديدا، لم يعني “على الأرض” التّواجد الفعليّ، ولكن عني “الإحساس بالواجب” في تلك اللحظة من الزّمن للوقوف في “التضامن” مع منظمي احتفال الفخر أو المنظمات غير الحكومية.

غلامة:           بنفس الطريقة التي نسأل بها ما الذّي يحصل على الأرض، يمكننا أيضا أن نسأل ما هو التضامن. ما هو التضامن الذي كانوا يتوقعونه؟ أنا شخصيّا ساعدتهم ولم يكن لديّ مشكلة في القيام بذلك. ولكن هل كنت شرعيّة؟ هل كنت على الأرض؟

أميرة:            إذن، ماذا يعني ذلك؟

غلامة:           نحن نوضع في موقع يطلب منا فيه تقديم الدعم والمساعدة، وغضّ الطرف عن المشاكل وعن نقدنا لاحتفال الفخر. وانتقادات الفخر ليست هي نفسها انتقادات المنظمات غير الحكومية – إذ انتقادات مختلفة لكليهما. ومع ذلك، إذا كنت انتقد مسيرة الفخر في هذه الحالة، يشعر كل زعيم أو كل شخص ينتمي إلى المنظمّة بأنّه مستهدف شخصيا. وعندما يواجه الناس تحديا لتحديد ما يعنيه على أرض الواقع، يهربون من السؤال. على أرض الواقع واضح جدا: هو ما إذا كنت أو لم تكن تعمل في القاعدة الشعبية – كالعمل مع المجتمع، وخلق أنشطة من المجتمع وله. من هم على أرض الواقع هم أيضا الأخصائيون الاجتماعيون الذين يديرون الحالات والمعونة، أو ينشؤون شبكات الدعم التي، على سبيل المثال، لا تنطوي على المديرين التنفيذيين.

سما:              هناك أيضا علامة النشاط، أو تناول شخصية الناشط/ة، وأن تكونها بصوت عال جدا، وأن تُعبّر عن رأيك في كل وقت، على سبيل المثال، أن ترتاد أحداث مختلفة، والذي ينظر إليه أيضا على أنه تموقع على الأرض.

غلامة:           هذا ليس حتى تعريف “على الأرض/الميدان.”

سما:              من الواضح ذلك، ولكن ذلك أحد تصورات شخص بإمكانه أن يقول بشكل مشروع الأشياء التّي يريد قولها. أما بالنسبة للمنظمات غير الحكومية التي تقوم بتقديم الخدمات، فالفكرة ليست أنها عمل لا ينبغي القيام به، بل أنّه عمل غير كامل. في الكثير من الحالات، تم االعمل بطرق كارهة للمرأة. وفي الكثير من الأحيان، كان ذلك من الضروري أيضا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالخدمات التي تقدمها مرسى9، حلم، أو موزاييك10 الآن. في الماضي، كان يحدوني الأمل في أننا نبني حركة نسوية وكويرية خاصة بنا بأيّ طريقة نحددها وبأوسع الطرق، ولكن ذلك لم ينجح حقا. وفي الوقت نفسه، لا يمكننا أن نكون في حركة تعمل مع الشرطة، مثل كفى أو حلم. فأنا أفضّل أن أكون حاضرة في الحركات التي تفكر في ما يمكننا القيام به دون الشرطة.

أميرة:            لدي شعور بأن القدرة على أن تُسمّي منظّمة ما نفسها بالحركة وأن تلقى الدعم لذلك هو نقطة امتياز. بناء شيء حول تقديم الخدمات ليس حركة من تلقاء نفسه، ومع ذلك، فإنه يسمى بالحركة. في نهاية المطاف، يحوم الأمر حول من لديه السلطة لتسمية نفسه بنفسه. وهذا يقودني إلى مسألة من يستحق التضامن. هل كانوا النساء الكويريّات في أيّ وقت مضى؟

زكريّا:           معظم الأحداث النسوية تحدث تحت الجانب الأكاديمي من المناقشة حول ثنائيّة نحن/هم. ولكن هل نشهد تحوّلا لثنائيّة نحن/هم؟

أميرة:            أشعر أن المشكلة في الغالب هي وجوب “الامتنان” على الحصول مساحة، حتى لو كان هذا الفضاء نخبويا، نيوليبراليّا، ومموّلا من وزارات خارجية. بعض النسويين/ات ي/تتبنّين خطابا اعتذاريّا عندما يتعلق الأمر بهذا النوع من التنظيم، وإذا لم يكن هذا هو تعميم الجندر والجنسانية، فأنا لا أعرف ما يكون. وأعتقد أنه من الممكن أن نتحّى الوضع القائم من الداخل – أنا لا أقول خلاف ذلك، ولكن التحدي من الداخل ينطوي أيضا على هزّ الهياكل من الأساس بدلا من منحهم الشرعية. والحجة المضادة هي أن نطلب “البديل،” وأن “شيئا ما” أفضل من لا شيء. ولكن لا يوجد بديل على وجه التحديد لأن هذه المساحات لا تزال بلا منازع. يتم عزل أي صوت مخالف بشكل منهجي، سواء كان من طرف الموارد أو الدعم المعنوي. وبدلا من ذلك، تركض المنظمات غير الحكومية والمبادرات نحو التمويل، وتسكت الآخرين من خلال اتهامهم بعدم القيام بأي شيء.

زكريّا:           كما أنّ ذلك متعلّق بالمناصب القيادية و”حرّاس البوابات.” إذا كنت على علاقة جيدة مع “قادة” مجتمع الميم أو “القادة” النسويين/ات، أو الأشخاص الذين تم تعيينهم في هذا الدّور تاريخيا، يرتفع احتمال لحصولك على تمويل أو مقابلة شخص من شأنه أن يرعاك ماديّا. ونادرا ما يتم مساءلة القيادة والأماكن التي تحصل على الموارد، بما في ذلك الموارد البشرية. وعلى الورق، هناك الكثير من العمل الذي يحدث في لبنان، لذلك يصبح التمويل مقتصرا على نفس المجموعات والقادة.

سما:              وعندما تذهب/ين إلى المؤتمرات والمساحات الدولية، سوف تجد/ين نفس الناس يمثلون ويتحدثون عن عملهم ووضع الاستراتيجيات.

زكريّا:           ولكن من الذي يمثل ويتحدث؟ إذا ذهبت إلى المؤتمرات والاجتماعات، هناك ناس يتم وضعهم تحت النار، ليس أكثر. نحن نواجه تعاونا نشطا بين الحركات النسويّة ومجتمع الميم لمحو التاريخ، لأنّ ذلك عمل بشكل أفضل بالنسبة للأشخاص في المناصب القيادية التاريخية في عام 2007، عندما لم يحدث شيء آخر في لبنان.

أميرة:            أجد أن القدرة علی تغییر جدول أعمال التمویل في المنطقة خطیرة جدا، ولکنني لا أعتقد أن النساء یدرجن و / أو یسمعن في تلك المساحات، خاصة عندما یتعلق الأمر بالتمویل. الإدراج مشروط؛ وينطوي على ألّا يكون الشّخص مثيرا للمتاعب وأن يتمّ استقطابه ضمن الهيكل. فالنسويات “يتم تضمينهن” بشكل سطحي كدليل على الانفتاح والإدماج، ولكن ليس لتغيير أي شيء فعليا. اللحظة التي تحفر/ين فيها أعمق من ذلك، يرمى بك خارجا.

سما:              في مرحلة ما، تحوّل مجال التمويل. وكان المتبرعون مهتمين بمجموعات صغيرة على المستوى الوطني، ومبادرات على مستوى القاعدة الشّعبية، وكانوا على استعداد لأن يكونوا “جريئين،” كما هو الحال مع ميم أو نسويّة. ولكنهم أبدوا بعد ذلك رغبتهم في تمويل المنطقة فأعطوا الأولويّة للمنظّمات التّي تمكنت من العمل على المستوى الإقليمي ووضع كل تمويلهم هناك بدلا من تقسيمه بين المبادرات الأصغر حجما. والنسويات بطبيعة الحال بحاجة إلى إيجاد وظائف، وهنّ يقمن بالعمل لهذه المنظمات بما في ذلك العمل العاطفي، ومن ثم ندرك في لحظات مختلفة بطرق مختلفة أن هذا لا ينفع. يواصل الناس الاستقالة، ومع ذلك فإنه يبقى يحدث. فالواقع المعنيّ الذي يقود الناس إلى اتخاذ خيارات مختلفة لم يتغير.

غلامة:           ولكن هذه مشكلة نسوية عالمية: أن النسويات يعملن باستمرار من أجل حقوق الإنسان أو داخل منظمات مجتمع الميم. هل من الممكن العمل على مستوى تنظيم القاعدة الشعبية في الوقت الحاليّ؟ هذه هي هجراتنا الشخصية أيضا؛ كنا ممضوغات من قبل المنظمات غير الحكومية التّي شوّهت مهاراتنا. بالنسبة للكثيرات منا، فإن الهدف النهائي هو الوصول إلى الأوساط الأكاديمية، ولكن مجموعة مهاراتنا تقتصر على تطوير المنظمات غير الحكومية وليس هناك سوى عدد قليل من الطرق التي يمكن أن يتم ذلك، من خلال تقديم الخدمات، أو العمل في قطاع محاربة العنف ضد المرأة، أو كتابة التقارير. ومع تقلص التمويل، لا أستطيع التفكير في المجموعات التي لديها هياكل مستدامة تكون مسؤولة أمام مجتمعاتها.

 

احتفالات فخر بيروت ونزع الصبغة السياسية عن “الإيجابية:” أيّ نوع من التضامن؟

زكريّا:           لا يمكنك الحديث عن المكان الذي يستثمر فيه الأشخاص الكوير وقتهم وحيث يحصلون على أموالهم ولا يمكننا القيام بهذا النوع من النقد دون النظر إلى من لديه القدرة على القيام بذلك. من الأشخاص الذّين يقيمون في المنازل ويمكنهم أن يعملوا على أن يكونوا نشطاء، دون الحاجة إلى اتخاذ خيارات صعبة؟ هناك الكثير من الامتيازات التّي تدخل في هذه الموقعيّة. وفي الوقت نفسه، هناك الكثير من النقد حول موضعية النشطاء. أثناء احتفالات الفخر المثليّ في بيروت مثلا، كان التمثيل كلمة تتكرر كثيرا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمنظمات غير الحكومية المعنية. من هؤلاء لكي يمثّلونا؟ من هؤلاء لكي يستقطبونا؟

غلامة:           كان الشاغل الرئيسي هو التاريخ.

زكريّا:           ومع ذلك، عندما انقلبت الأمور، فمن المضحك جدا أنّ النّقد ظلّ ذاته ولم يلاحظ أحد ذلك.

أميرة:            أعتقد أن هناك فرقا نوعيّا. أنا لا أعرف إذا كنت تتذكر المناقشة، ولكن ممثلي المنظمات غير الحكومية ظلّوا يجادلون على وسائل الاعلام الاجتماعية أنه ليس بإمكانهم منع أي شخص من ذكر أحداثهم في لوائح أحداث الفخر – وأنها قد تمّ سردها عشوائيا.

غلامة:           جاء ذلك في مرحلة لاحقة.

مون:             ماذا تعنين بقولك لوائح أحداث الفخر؟

غلامة:           لم يكن واضحا ما هو احتفال الفخر، وهل كان الأطراف من المنظّمات قد جلسوا واتفقوا على الأحداث، أو ما إذا كانت هذه الأحداث ستحدث على أي حال ثم أدرجت تحت لائحة احتفالات فخر بيروت. لذا فإن الخطاب المتكرر هو أنّ اللّائحة هي مجرد تقويم، عندما تواصل منظّموا الفخر مع الناشطين لكي ينظّموا أحداثا من أجل المثليّة. وبطبيعة الحال، فإن الفيلة الكبيرة في الغرفة، مثل إشكالية Proud Lebanon، غائبة تماما عن المناقشة. والواقع أن هذه الفيلة يقع تطبيعها. ليس هناك منطق في المناقشة، وهذا هو السبب في أنه لم يكن هناك بيان مكتوب. وكان هناك رد مكتوب على بيان المنتدى الاشتراكي فقط لأنه انتقد الهيكل، ولكنّ الرد كان عامّا.

مون:             وممّا رأيت، كان كل شيء مؤطّر بإيجابية، وكانت الانتقادات تتّهم بالتّشويش على موكب الآخرين، وبمنع الوحدة، وتلطيخ النوايا الحسنة.

سما:              التغطية الإعلامية كانت مروّعة أيضا مع عناوين رئيسية عن كونها أول مسيرة فخر بالعالم “العربي،” مما يعني أن “العرب” أصبحوا متحضرين الآن.

مون:             ردّ صاحب إحدى المساحات التّي استقبلت إحتفالات الفخر على كلّ ذلك كان بالأساس كالآتي “لدينا فضاء معيّن ولكن لا علاقة لنا بما يحدث في هذا الفضاء.” ورفض النقد بأنه “سلبية” في مواجهة “الإيجابية.” وفي الوقت نفسه، كانت الدعوة إلى ورشة ال11drag الخارجة عن السياق أصلا تدعو الناس للذهاب والضحك. كيف يمكن المنظّمين فصل أنفسهم عمّا يحدث في الفضاء؟

زكريا:           يصبح محور التضامن حول الأفراد.

مون:             يعود ذلك إلى التفكير الليبرالي الذّي يقبل درجة انتقائيّة معينة من التنوع طالما سيطر عليها إلى أن تعيق عمله فيتخلّى عنها. أعطت أميرة مثالا لقبول النسويات ما دمن تتنازن عن بعض وجهات نظرهنّ السياسية حين تتعارض مع آراء المنظّمة. وإلا، بالطبع سيصبحن مشكلة ولن يتحدّثوا عنهنّ.

زكريّا:           هذا هو الحال مع المساحات النسوية حيث يمكنك ترك طبقتك الإجتماعيّة خلف الباب، مع وهم أنّ الجميع “متساوون” بمعنى أنّ جميعنا “نساء” نعمل من أجل نفس النضال. ويطلب منا ألا نكون مختلفات، أي ألّا نظهر هذا الاختلاف.

سما:              حتى عندما تعمل حلم مع الشرطة، فهم يعرفون أنّ ذلك حل توفيقي. إذ أنّ عليهم أن يفعلوا ذلك حتى يتمكن الناس في الداخل من الحصول على الحد الأدنى من الحماية. أمّا احتفالات فخر بيروت فقد كانت متجاهلة تماما لإشكاليّة الشرطة.

غلامة:           لم يقم منظمّوا فخر بيروت بشكر الشرطة فحسب، بل سجّلوا فخر بيروت كملكية فكرية، كما عرفت من حوار دار في المنتدى الاشتراكيّ. وهذا لا يبدو لي كشخص يقوم بـ”الـتّجريب.” لقد جعلوا من الاحتفلات عملا تجاريّا. وبالتالي، لا يوجد سبب لكي نكون متواطئين معه. أكبر مشكلة مع التّعميم المثليّ هي تحويله إلى مهرجان. وينطبق الشيء نفسه على اليوم العالمي للمرأة. نحن في مرحلة انتقالية حيث يتوق الناس إلى إظهار أنهم لا يرهبون المثليّة، ولكنهم يفعلون ذلك عن طريق اعتبار الأفراد رموزا سطحيّة وتمثيليّة. إصرار احتفالات فخر بيروت على إعادة كتابة التاريخ وتواطؤ المنظمات التي تعيد كتابة التاريخ إلى جانبها كانت مدمرة وخطيرة جدا. وبالإضافة إلى ذلك، من حيث التمثيل، تناقلت وسائل الإعلام مرارا وتكرارا شخصين مُمشكلين أصبحا فجأة ممثلين دوليين لـ”الحركة.” نحن مشغولون جدا بمحاربة النظام. ولذلك لا يمكنني التعامل مع جميع المنظمات التي انتقدها. وأنا أرفض أن أتعامل مع فخر بيروت، فهو ليس مشكلتي الأساسيّة. هناك مشكلة أساسية عندما يقول أحدهم أنه ليس لديهم أي مشكلة مع القانون، عندما لا يرغبون في تغيير أي شيء، عندما يشكرون الشرطة لحماية الـ”مواطنين اللبنانيين.” ماذا يعني ذلك عندما لا يكون نصف سكان البلاد مواطنين؟ ماذا يعني ذلك عندما يعيش قطاع المنظمات غير الحكومية المعنيّة بالمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الجندر على الأموال التّي تُدفع لمجتمعات الميم من اللاجئين السوريين؟ هل يجب ألّا نعارض أي شيء لأننا نريد محاربة جمعية العلماء المسلمين؟ أرى أننا متواطؤون. تماما مثل جمعية العلماء المسلمين والجماعات المحافظة الأخرى، فقد ساهمنا في زيادة رأسمال المواطنين اللبنانيين وفي تهميش الآخرين. ولهذا السبب نشكر الشرطة.

مون:             إذا كان هناك أي شيء محلي عن فخر بيروت، فهو سياقه. أخذوا قشدة القشدة الفساد المحلّي، مثل تركيز الحدث على المواطنة وعلى الرجال المثليين، مما يجعلها حفلة احتفالية ترفض العمل على أي شيء مفيد، بل تبتعد عنه. ماذا نفعل؟ أين التضامن في هذا؟

 

الهجرات المؤسساتيّة والهيكليّة: عن الاستقطاب والنّجاة

زكريّا:           إذا أردت ربط عملي بحركة، فمن المحتمل أن يكون أقرب إلى المشهد النسوي. ولكن في نفس الوقت، ماذا سيحدث لو انتقدنا العمل النسوي كنسويات؟ هذا أمر مسكوت عنه، مثل إضفاء الطابع الرّمزيّ المميّز على العمال المنزليين المهاجرين خلال اليوم العالمي للمرأة.

غلامة:           إذا انتقدت العمل النسوي، وخاصة هذا النوع من العمل، فمن المحتمل أن يتم تجاهلك.

زكريّا:           التّجاهل أسوء بكثير.

سما:              أعتقد أن هذا ما سيحدث رغم كلّ شيء، سيتم تجاهلك.

غلامة:           أعتقد أن هناك فرق بنيويّا بين التنظيم النسوي وذاك المبنيّ على الهوّية الجنسيّة. إذا انتقدنا بعض النسويات، فسوف تتجاهلنك ما لم تخلق قوة دفع تجمع الكثير من الناس. وسيكون ذلك رد فعل القيادة. على سبيل المثال، هل قلن شيئا عن فخر بيروت؟ كم من الناس انتقدوا احتفالات فخر بيروت؟

زكريّا:           هناك أشياء كتبت على الرغم من ذلك.

غلامة:           نعم، ولكن ردّ حلم على النقد اختفى من موقعهم على الانترنت. المقالات التي نشرت في بخصوص ليست مفهرسة، ولا يمكن العثور عليها على غوغل. هذه المحادثات تحتاج إلى أن تحدث في مكان ما خارج الدوائر وعلى منصات مختلفة، وليس داخل هذه المنظمات نفسها أو على صفحات الفيسبوك لأفراد معينين. ويجب أن يتم ذلك محليا، لأن المحادثات الأخرى ليست ذات صلة حتى في المجتمع السائد في لبنان، سواء كانت معارك سياسية داخل النسوية، أو معارك سياسية داخل التّحرّكات المبنيّة على الهوّية الجنسيّة. هذه المحادثات ليست موصولة بالسياق وليست مكتوبة بلغة مفهومة، ولا يمكنك أن تذكر حادثة لأنّ ذلك يبدو كمجرد مهاجمة للنّاس. فما الذي نبدو عليه بالنسبة للجمهور الفعلي الذي نريد الوصول إليه؟

زكريّا:           ولكن من المهم أيضا إجراء هذه المحادثات داخليا. نفس الضجة التي تحدث حول المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الجندر بإمكانها أن تحدث حول النسوية.

مون:             هناك تمييز هيكلي آخر بين وضع أهداف واضحة والتّظاهر بالوصول إلى الجميع. هل وصلت المنظّمات التّي ننتقدها إلى أهدافها أم لا، وبأي الطرق؟ وأعتقد أن هذا يختلف كثيرا عن التشكيك في الهدف نفسه. المشكلة هي أن تقول أنك تقوم بشيء في حين أنّك لا تفعل.

أميرة:            ذلك مثل أن تقول مجتمع الميم وتقصد المثليّين.

زكريّا:           أو عندما تقول المرأة والأشخاص التّرانس و تعني النساء المطابقات للجندر. هذه هي المحادثة التي أريد القيام بها، وهذا هو الكفاح الذي أريد أن أتحدث عنه. في مساحات المثليين، يتم تهميش المثليّات بشكل منهجي. ولكن الشيء نفسه ينطبق على المساحات النسوية، حيث يتم تضمين مغايري/ات الجندر بشكل اعتباطي. لذلك إذا شعرت أنني لا أناسب الفضاء، هل لا زلت مدعوّا؟ ما تعنيه المساحات المثليّة بقولها الأشخاص المغايرزن للجندر، هو الأفراد المؤنّثة تحديدا. أمّا أمما تعنيه المساحات النسوية بكلمة مغاير للجندر، فهم الأفراد المذكّرون. ما هي نقطة الاندماجية عندما يكون الواقع مختلفا جدا؟ ميم كانت مفتوحة للمغايرين/ات، ولكن هل كان هؤلاء مرتاحين هناك؟ لا. هل شعروا أنها كانت مساحة لهم/نّ؟ لا. وينطبق نفس الشيء على حلم. هل هناك شخص مغاير واحد يذهب إلى حلم ولا يخرج يشكو؟ هل هدف الادماج أن تبدو المنظّمة جيدة؟ أم هو لأن صديقك/تك مغاير/ة؟ هل هو لأن لديك تمويلا للأشخاص المغايرين/ات؟ ثم لديك المؤسسات التي تمول النساء والأشخاص المغايرين/ات دون توضيح ما تعنيه عبر المصطلح الأخير. وأظل أعطي إلسي كمثال، عندما يقولون أنّهم يريدون القيام بشيء من أجل النّساء والمغايرين/ات للجندر. نحن قائمون/ات على الهوية بشكل كبير. عندما تقول “المرأة،” فأنت تتحدث ضمن هوية. ولكن عندما تقول المغايرون/ات، فأنت تتحدث عن مجموعات من الهويات والتمثيلات المختلفة، وكلها ألقيت تحت مظلة واحدة. هل هناك تسوية محدّدة بخصوص الأشخاص المغايرين/ات؟

غلامة:           عندما يقول البعض النساء والتّرانس، فإنهم/نّ يقصدون/ن فقط استبعاد الرجال مطابقي الجندر.

زكريّا:           نحن ندعو باستمرار إلى العدالة، ولكننا لا نفكر في ما تعنيه. إذا نسينا معاركنا، فإننا نقوّض معاركنا. نحن نعتبر بعض المواقف السياسية أمرا مفروغا منه. القيادة تريد “السلام” وأن تعمل الأشياء عن طريق ذاتها، لكنها تحافظ على نفس السلوك. ربما لو بدأنا ننظر من هناك، سنبدأ بالتنظيم بطريقة مختلفة، بتحدي الجندر والعمل قليلا ضدّ غرائزنا. وهذا هو السبب في أننا نهاجر مؤسسيا. فعندما تدفعون الناس إلى الخروج من المساحات، فإنكم تقومون بعملية انتقال مستمر على المستوى المؤسسي. لماذا يهاجر الأشخاص؟

أميرة:            من أجل البقاء على قيد الحياة.

زكريّا:           اليوم الذي نقرّر فيه ألّا نعمل بعد الآن لدى المنظمات غير الحكومية سيكون تحديا شخصيا ومؤسسيا.

  • 1. منظّمة غير حكوميّة في لبنان للمثليين، مثليّات، مزدوجي الميل الجنسي، والمغايرين/ات للجندر، تمّ إنشاؤها سنة 2004.
  • 2. كانت ميم مجموعة للمثليّات، مزدوجات الميل الجنسيّ، والمغايرين/ات للجندر والتّي انشقّت عن حلم سنة 2007.
  • 3. كانت نسويّة مجموجة نسويّة تمّ إنشاؤها سنة 2010 وكانت معظم مؤسّساتها من عضوات ميم.
  • 4. مشروع إعلاميّ عن التّحرّش الجنسيّ قامت به نسويّة.
  • 5. تعاونيّة نسويّة أنشأت سنة 2014.
  • 6. احتفالات فخر بيروت هي حدث مسجّل كعلامة تجارية وقع في فترة اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثليّة والمغايرة الجندريّة في عام 2017.
  • 7. كفى عنف واستغلال هي منظّمة غير حكوميّة تعمل على وقف العنف والاستغلال ذوي الطابع الجندريّ.
  • 8. مجموعة نسويّة يساريّة سياسيّة أنشأت سنة 2010.
  • 9. مركز للصّحة الجنسيّة يعمل منذ 2011.
  • 10. منظّمة إقليميّة لحقوق الانسان تعنى خصوصا بحقوق المثليين والمثليات ومزدوجي الميول الجنسية والمغايرين للجندر والكويريّين وغير القطبيين.
  • 11. اتّجاه ترفيهيّ وسياسيّ يتمثّل في آداء أدوار الجندر المغاير على الركح.
ملحوظات: