الأصوات المُجندَرة للشباب والتحرير في “القاهرة: مدينتي، ثورتنا” لـ”أهداف سويف”
هذا المقال هو قراءةٌ نقديّة للتمثيلات النسويّة للصّوت والأمّة في القاهرة: مدينتي، ثورتنا(2012)، المذكّرات السياسيّة لـ”أهداف سويف،” وهو ينقد تيقّظها للصّور ذات النزعة الجندريّة، وتلك ذات التوجّه العائليّ. مستندًا إلى الأعمال النظريّة الأساسيّة التي تتناول السيرة الذاتيّة النسويّة المصريّة، وإلى التأمّلات النقديّة في كتابات النساء المصريّات وفي “ثورة التحرير” في العام 2011، يُموضِع هذا المقال سرديّة “سويف” الشخصيّة والسياسيّة عن الثورة في إطار تقليدٍ مديدٍ من الكتابة النسائيّة المقاوِمة في مصر. ويؤشكِل هذا المقال أيضًا الإدّعاء التمثيليّ للمذكّرات نظرًا للإعتبارات السياسيّة التي تمنح الأولويّة للقرّاء الغربيّين/ات على حساب المحليّين/ات، على الرغم من محاولتها الإحتفاء بنفسها في الكتابة الهجينة للسّيرة الذاتيّة عبر عدّة وسائط متناصّة. وهي حركةٌ في الأدب المصريّ المعاصر تصاعدت مع بداية القرن الحادي والعشرين، كاشفةً عن حاجةٍ وضرورةٍ للتوكيد الذاتيّ للصّوت، ولتوثيق التاريخ من منظورات الناس في الوقت الذي تتكشّف فيه الثّورة.
لين هاشم كاتبة ومؤدّية نسوية تعيش في بيروت. حازت على شهادة الماجستير في علوم الجندر والجنسانية من جامعة لندن، وهي جزءٌ من مجموعاتٍ نسويةٍ عدّة في لبنان والمنطقة. نُشرت كتاباتها وترجماتها في عددٍ من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية من بينها ملحق "شباب السفير" ومجلة "كحل" لأبحاث الجسد والجندر. عملت كمدرّبة ومستشارة وباحثة في عددٍ من المؤسسات من بينها "فريدا: الصندوق النسوي الشاب" والجامعة الأميركية في بيروت. تشارك باستمرارٍ في أمسياتٍ شعريةٍ ومهرجاناتٍ فنيةٍ في لبنان والخارج. في أيار 2018، كتبت عرض "المسافة الأخيرة" وأدّته مع الفنان والراقص ألكسندر بوليكفتش في ختام معرض "رسائل حب إلى ميم" من تنظيم ديمة متى في بيروت، ثم في بلفاست وكتماندو. تعمل حاليًا على نشر مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان "حقد طبقي".
على ضوء “ثورة ميدان التحرير” في العام 2011، تطرح “أهداف سويف” سؤالًا يختزن تبدّلًا نموذجيًا بارزًا يسِم الإنتاج الأدبيّ المصريّ في مطلع القرن الحادي والعشرين: أين ذهبت الرّواية؟ فمع انتشار ثقافة سرد القصص خلال اللحظات الحرجة من التحوّل الإجتماعيّ والسياسيّ المُتوّج بالثّورة، راح الكتّاب والكاتبات والفنانون/ات والفاعليّات الثقافيّة يتحوّلون إلى أشكالٍ غير خياليّةٍ من الكتابة، معتمدين/ات أصنافًا أدبيّةً تتجاوز الرواية التقليديّة، بهدف إعادة إحياء الأصوات التي كانت قد كُمّمَت سابقًا في المجالات الأدبيّة والسياسيّة المصريّة. هذا الاقتصاد من الإنتاج الأدبيّ الذي يحدث إزاء عصرٍ من النضال، والمشاركة السياسيّة، والإعلام الجديد والأدب العالميّ، يسمّيه النقّاد والناقدات الأدبيّون/ات مثل “طارق العريس” “الكتابة الجديدة،” وهو يمثّل ردّ فعلٍ على جيل التسعينيّات المتّسِم بالكتابة التفكيكيّة التي تشكّك بفاعليّة الإلتزام السياسيّ عقب حرب يونيو/حزيرن 1967 1. ويغدو الكتّاب والكاتبات والفنّانون/ات غير المعروفين/ات سابقًا ممّن يظهّرون الأصوات الشعبيّة كأفعالٍ مقاومةٍ أدبيّةٍ ضدّ الظّلم الاجتماعيّ والسياسيّ، أكثر تعبيرًا وظهورًا منذ أحداث 2011 – 2013 في القاهرة، وهي ظاهرةٌ وُصِفَت كدمقرَطةٍ لـ”جمهوريّة الحروف الثوريّة.” 2
في ظلّ وجود وفرةٍ من الأعمال المتداوَلة التي تتناول الإنتفاضات المصريّة، ظلّت المحاولات لكتابة السّرد الخياليّ قليلةً جدًا، وهو أمرٌ أرجعته “سويف” إلى كون “الحقيقة المباشرة صارخةً جدًا لتسمح بتشكّل حقيقةٍ أكثر دقّة،” في مقالٍ نشرته صحيفة “ذى غارديان” في العام 2012. ويشير “روجر بروملي” (Bromley, 2015) إلى نقطةٍ مماثلةٍ في مقاله “منح ذاكرةٍ للمستقبل: النساء، والكتابة والثّورة،” قائلًا أنّ “الكثير من الكاتبات والكتّاب تحدّثوا عن صعوبة كتابة الخيال في أثناء الإنتقاضات، وعن الحاجة إلى المشاركة بفاعليّةٍ فيها بوسائل أخرى” (222). وإلى جانب كون العمل الخياليّ اللائق الذي يعكس تعقيد الإنتفاضات المصريّة يحتاج إلى الوقت والمكان والمنظور ليتشكّل، فإنّ “ثورة التحرير” في العام 2011 قدّمت نفسها كفرصةٍ للكاتبات والكتّاب لإعادة توكيد إلتزامهم/ن السيلسيّ وإعادة كتابة تاريخ تحرير الشّعب كما كان يتكشّف، وبالتالي شرعنته تاريخيًا من منظورٍ شعبيٍّ يتحدّى الخطابات الرسميّة الصّادرة عن الحكومة والإعلام السّائد. مرتكنةً إلى مسيرةٍ مهنيّةٍ حافلةٍ بالجوائز وبكتابة الرواية والقصّة القصيرة منذ أواخر الثمانينيّات، تفاوض “سويف” لحجز مكانٍ لها بين الكاتبات والكتّاب الجدد من خلال مذكّراتها السياسيّة الصّادرة مؤخّرًا، القاهرة: مدينتي، ثورتناCairo: My City, Our Revolution, 2012)). تسرد “سويف” في مذكّراتها القصّة الشعبيّة للثّورة في عامها الأوّل بأسلوبٍ صحافيٍّ من خلال العدسة الخاصّة للذّاكرة والديناميّات الأسريّة، عاصيةً التوقّعات التقليديّة لأدب المذكّرات. ويبرز كعنصرٍ أساسيٍّ في السرديّة إسقاطُ ما يبدو أنّها صورةً مؤيّدةً للنسويّة على النضال الثوريّ وعلى المدينة التي احتضنته، لكن، عند التدقيق في الأمر، يمكن للقارئ/ة النقديّ/ة رؤية أنّ “سويف” تعيد نقش الأدوار النيو – بطريركيّة على النساء كحاملاتٍ للأسرة والأمّة. وعلى الرغم من أنّ المذكّرات تتناول موضوعًا محليًا وتضع نفسها في سياق المساحات الخاصّة والعامّة القابلة للإثبات في القاهرة، فإنّ انشغال “سويف” بالقرّاء الغربيّين/ات يطغى على مسؤوليّتها الإجتماعيّة كامرأةٍ عربيّةٍ وككاتبةٍ أنغلوفونيّةٍ في الشّتات، لتصوير القصص ذات الخصوصيّة التاريخيّة والثقافيّة عن الثورة المصريّة والنضال المحلّي. وتتصاعد هذه المسؤوليّة تحديدًا عند النّظر إلى الكثير من الكاتبات والكتّاب والمدوّنين/ات المصريّين/ات مثل “غادة عبد العال” و”علاء عبد الفتّاح” ممّن كانوا يكتبون وينقلون أخبار “ثورة التحرير” باللّغة العربيّة، محقّقين/ات نسبة قراءة/ مشاهدةٍ هامّةٍ في القاهرة 3.
لم يكن الأدب يومًا منفصلًا عن تناول الإضطهاد على المستويّين السياسيّ والإجتماعيّ، لكن في القرن الجديد، هناك مباشريةٌ وضرورةٌ ملموسةٌ أكثر لأن يمثّل الأدب خطّ مواجهةٍ ضدّ استبداد الدّولة بطرقٍ مبتكرة. “أدب السّيرة الذاتيّة الهجين” الذي يجمع ما بين المذكّرات والسّيرة الذاتيّة في شكل يوميّات، يتصدّر المشهد بين الكاتبات والكتّاب المصريّين/ات اللواتي والذين يمثّلون ثورة 2011 4. تُستخدَم اليوميّات كوسيطٍ يُؤلّف من خلاله بين النضال السياسيّ والشهادات الشخصيّة، كما نرى في إسمي ثورة للكاتبة “منى برنس” (2012) 5. لم يكن شكل اليوميّات شائعًا بين كتّاب وكاتبات السّيرة الذاتيّة المصريّين/ات الأوائل، وهو شكلٌ أسّست له جيدًا الأجيال السّابقة، كما تشرح “دينا حشمت” (2015) في مقالها “السرديّات المصريّة عن ثورة 2011: المذكّرة اليوميّة كوسيطٍ للتصالح مع السياسيّ” (68 – 69). وتبرّر الكتابة الجديدة التحوّل عن الخيال نحو أسلوبٍ شخصيٍّ وعامٍّ معًا، وصريحٍ ومباشرٍ، يحاذي الصحافة بغرض شخصنة السياسيّ والتقاط لحظة الإنتفاضة. ضمن هذا السّياق وثقافة الشّهرة الآنيّة، تجد القاهرة صوتًا خاصًا بها في العام 2012، بعدما بلغت “ثورة التحرير” عامها الأوّل، منتميةً فورًا إلى قرّاء عالميّين/ات كما تنتمي إلى القرّاء المحليّين/ات 6. إذًا، موقعيّة “سويف” ذات الإمتياز وادّعاؤها المسؤوليّة الإجتماعيّة ككاتبة، يبيحان تحليلًا وتحريًا أدقّ لماهيّة الأصوات التي تُبرَز على حساب غيرها، بما يموضِع المذكّرات في فجوة تقليدٍ مديدٍ من كتابة النساء المصريّات الثوريّات من منظورٍ نسويٍّ قائمٍ على أساس الجندر وعائليّ التوجّه.
النسويّة (ات) المصريّة من الداخل والخارج: تاريخٌ موجزٌ
إنّ تحليل الأصوات الثوريّة الممثّلة في القاهرة، إستهلالاً بصوت “سويف” ذاتيّ المصدر، يتطلّب أن نسائل السياسات الجندريّة التي تحكم سرديّة (ات) المقاومة الشعبيّة ولغة (ات) التحرير في النصّ. لذلك، على النصّ أن يكون مموضَعًا ضمن – أو على الأرجح على حافّة – تاريخ النضال الأنثويّ وكتابة المذكّرات في مصر. لكن من الهامّ الإشارة إلى أنّ هذه الأرخنة تنتمي إلى مناقشةٍ أوسع للحركات النسويّة العربيّة والإسلاميّة التي مازالت تحتلّ مساحةً محوريةً في النقاش بين النقّاد والناقدات والباحثين/ات في مجال دراسات النساء في الشّرق الأوسط، بما يتجاوز النطاق المنهجيّ لهذا المقال.
في مقالها بعنوان “الحركات النسويّة العربيّة” (Arab Feminisms, 2010)، تحدّد “أناستازيا فالاسوبولوس” (Anastasia Valassopoulos) ميولًا عديدةً لقراءة موجات الفكر النسويّ والخطاب الأيديولوجيّ في العالمَين العربيّ والإسلاميّ وفهمهما بالاستناد إلى العوامل التاريخيّة، والسياسيّة، والإقتصاديّة، والثقافيّة، والدينيّة التي أثّرت في أشكالهما، لاسيّما على ضوء موجة السلفيّة الإسلاميّة 7 في التسعينيّات. وعلى الرغم من تطبيق إطار عملٍ إستشراقيٍ إشكاليّ، يبقى العديد من القراءات ما بعد الإستعماريّة للحركات النسويّة العربيّة والإسلاميّة، لاسيّما تلك الصّادرة عن الباحثين/ات الغربيّين/ات العاملين/ات على منطقة الشّرق الأوسط، والتي تؤكّد بشدّةٍ على الأدوار التاريخيّة والإقتصاديّة والسياسيّة التي أدّاها الاستعمار، معتبرةً النسويّة الإسلاميّة بديلًا رجعيًّا لنماذج الحداثة المستمدّة غربيًا في المنطقة (Valassopoulos 206-7). على نحوٍ مماثل، في الرواية العربيّة ما بعد الإستعماريّة: مناقشة الازدواجيّة (2003)، يموضِع “محسن الموسوي” السياسات والشاعريّات النسويّة في “العالم العربيّ” إلى حدٍّ كبيرٍ ضمن نظريّة ما بعد الإستعمار، نظرًا إلى المنحنيات الشّائعة المتمثّلة في المواجهة مع البطريركيّة، والبحث عن أصلٍ أو نسبٍ يمنحها الشرعيّة، والتلاعب بالظّروف بغرض إرساء الهويّة كمقاومةٍ للدّنس الإستعماريّ (221). من جهةٍ، هذا الفهم للنسويّة الإسلاميّة والعربيّة يجانِس ما بين تجارب النساء عبر الثقافات الإسلاميّة المختلفة في المنطقة، من دون أن يأخذ بالحسبان الرّؤى والأيديولوجيّات الإسلاميّة المُعارضة بين النساء، والتي هي نتاج الإعتبارات السياسيّة والإقتصاديّة الخاصّة بكلّ أمّة. ومن جهةٍ أخرى، يهمل هذا الفهمُ الأشكال والتعبيرات الأخرى للنسويّة العربيّة الموجودة خارج الإطار الإسلاميّ التأويليّ. أما المقاربة الثالثة التي تتجلّى في مثال مذكّرات القاهرة، فتشدّد على “أهميّة الإستماع إلى الأصوات الشعبيّة ]للنساء[ في العالم العربيّ نظرًا لما قد تعلّمنا إيّاه،” في مقابل التركيز حصرًا على أصوات النساء المفكّرات في العالم العربيّ وفي الشّتات (209). وبينما تنظر “فالاسوبولوس” إلى الأشكال المختلفة من الإعلام البصريّ (الفيلم، التلفزيون، وشبكات الإعلام الإجتماعيّ) كمنصّاتٍ تمثّل الأصوات النسائيّة الشعبيّة، يركّز تحليلي على التمثيلات النصيّة للنساء في ضوء ثورة 2011 في مصر. إنّ قراءة أصوات النساء بدقّةٍ في مذكّرات “سويف” بالعلاقة مع الطبقات الإجتماعيّة، والفئات العمريّة، والمستويات الفكريّة، والخلفيّات الدينيّة للنساء، تكشف وجود “أصواتٍ متعدّدةٍ تصرخ من أجل الحصول على الإعتراف،” وأن النسويّة المصريّة بعيدةً عن أن تكون نسويّةً موحّدة 8 (Valassopoulos, 209). بدوره، يستدعي ذلك جولةً سريعةً على موجات النسويّة المصريّة بهدف التأسيس لمقاربةٍ أكثر دقّةً للقراءة التالية للأصوات النسائيّة الشعبيّة في القاهرة.
نصّ “مارغو بدران” الذي بات يُصنّف من بين الكلاسيكيّات النسويّة، الإسلام والأمّة: الجندر وصناعة مصر الحديثة (1995) يحدّد “وعيًا نسويًا” مصريًا قاعديًا يعود إلى خطابٍ مكتوبٍ ظهر في أواخر القرن التاسع عشر على يد نساءٍ من مختلف الطبقات والخلفيّات الدينيّة، اللّواتي يُعتبَرن الآن الأمّهات الأوليات للحركات النسويّة المعاصِرة في مصر. ومن المهمّ الإشارة هنا إلى أنّ رائدات الخطاب النسويّ في مصر، مثل “زينب فوّاز” و”عائشة التيموريّة،” لم يتبنّين مصطلح “النسويّة” في كتاباتهنّ، ولم يُعرّفن عن أنفسهنّ صراحةً كنسويّاتٍ. “هدى الشعراوي” و”نبويّة موسى” هما شخصيّتان أساسيّتان في الحركات النسويّة المصريّة في القرن العشرين، وقد عزّزتا من تمكين النساء لزمنٍ طويلٍ قبل أن تسمّيا نفسيهما وتُسمّيان “نسويّتَين.” بالتالي، ارتبط مصطلح “الكتابة النسويّة” بعملهما ونضالهما على نحوٍ إرتجاعيّ 9.
الإعتقاد الخاطئ الشّائع الذي تحاول “بدران” تصحيحه في دراستها التاريخيّة يطال النظرة إلى النسويّة المصريّة بصفتها انبثقت كنصٍّ فرعيٍّ للإستعمار والتحديث – أو “للخطاب الغربيّ” – في مصر خلال القرن التاسع عشر (24). بحكمها على النسويّة المصريّة كسرديّةٍ متجانسةٍ وجوهرانيّةٍ، تتوافق هذه النظرة والفهم الغربيّ للنساء المصريّات كذواتٍ تتشكّل هويّاتها حصرًا بفعل خاصيّة ما بعد الإستعمار، مصنّفًا إياهنّ إمّا كإسلاميّاتٍ محافظاتٍ أو كعلمانيّاتٍ ليبراليّاتٍ، وحاصرًا إياهنّ في إستقطاباتٍ مثل “الرجعيّة” في مقابل “التقدميّة.” القصّة التي تسردها “بدران” تقترح أنّ الخطاب النسويّ النّامي في مصر انبثق في الواقع عضويًا من الإدراك التدريجيّ لنساء الطبقتَين العليا والوسطى من المسلمات والمسيحيّات واليهوديّات أنّ حريّاتهنّ وحقوقهنّ الإجتماعيّة والدينيّة في حيواتهنّ الشخصيّة والعامّة، لطالما كانت مكبوتةً إلى حدٍّ كبيرٍ على يد الشخصيّات البطريركيّة في مجتمعاتهنّ. إذًا، قبل الصّراعات الوطنيّة، كان العبء الأوّل والأكثر إلحاحًا بالنسبة إلى النساء المصريّات يتمثّل في القبضة البطريركيّة المُمأسسة على حيواتهنّ اليوميّة 10. وعلى الرغم من سقفه المحتوم، فإنّ تعليم النساء في بداية القرن التاسع عشر تحت الحكم شبه الذّاتي لـ”محمد علي باشا” أدّى دورًا هامًا في جذب الإنتباه إلى الحقوق التي كنّ محرومات منها – كالحقّ في العمل، وحضور الفاعليّات الإجتماعيّة من دون مرافقة الرجال لهنّ، والبقاء من دون نقابٍ، والمشاركة في الحياة السياسيّة، إلخ. هكذا، ظهرت التعبيرات الأولى للصّراع ضدّ البطريركيّة في سياق البيت والأسرة، ولم يكن حتى أواخر القرن التاسع عشر، وتحديدًا بعد إحتلال القوّات البريطانيّة الإستعماريّة لمصر في العام 1822 والحقوق الضئيلة التي حصلت عليها النساء، أن وظّف الخطاب النسويّ بعدًا وطنيًا إلى جانب الخطاب الفكريّ للرجال عن الوطنيّة المصريّة: “أحال الإستعمارُ الرجالَ والنساء على حدّ سواء إلى أشخاصٍ بلا إسمٍ ولا وطن، إذ كانوا معًا مُجندَرين كإناث. لم يكن صدفةً أنّ إدراك “الهويّة المصريّة”وإدراك الجندر ظهرا في آنٍ معًا” (Badran, 12). إنّ خطاب المفكّرين الرجال من الروّاد، المسلمين والمسيحيّين وكذلك العلمانيّين والإسلاميّين، مثل “قاسم أمين” و”الشيخ محمد عبده” و”مرقص فهمي،” دعا إلى أهميّة تعليم النساء وتمكينهنّ وتحريرهنّ، من أجل تعزيز القضايا الوطنيّة والمناهضة للإستعمار في مواجهة الاحتلال البريطانيّ 11. كانت النظرة المهيمِنة لدى أولئك الرجال تفيد بأنّ “استبداد الأسرة معكوسٌ في استبداد الدولة. وغياب الوحدة الأسريّة معكوسٌ في غياب الوحدة الوطنيّة” (18). بمعنًى آخر، جادل هؤلاء أنّ مصر كانت خاضعةً لهيمنة القوى الإستعماريّة الأجنبيّة لأنّ النساء والأمّهات المصريّات كنّ مُخضَعاتٍ في هرميّة القوّة. الخطاب النسويّ الوطنيّ والعلمانيّ والإسلاميّ على حدٍّ سواء، استفاد بدرجةٍ كبيرةٍ من دعم نظيره الذّكري، بالغًا الذّروة في مواجهة 1919-1922 بين “حزب الوفد” الوطنيّ المصريّ والقوّات البريطانيّة، وهي مواجهةٌ أدّت فيها النساء المناضلات دورًا هامًا. لكن بعدما نالت مصر الاستقلال، قُوّض خطاب المساواة والتحرّر النسائيّ إلى حدٍ كبيرٍ ما إنّ بدأ الرجال بالتنافس مع بعضهم البعض على السّلطة السياسيّة.
تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من وجود مظلّتَين كبيرتَين ينضوي تحتهما تطوّر الخطاب النسويّ المصريّ، وهما المظلّة الإسلاميّة والمظّلة العلمانيّة، فإنّ إختلاف اللّغة والطبقة والإنقسامات الزمنيّة بين النسويّات تقاوم تأطير الموجات غير المتجانسة من النسويّة ضمن الثنائيّة الضديّة الإسلاميّة – الليبراليّة المحافظة 12. بالإضافة إلى ذلك، لا يتزامن تطوّر الفكر النسويّ من خلال العدسة الإسلاميّة الإصلاحيّة في القرن التاسع عشر مع الموجة الأكثر معاصَرةً من الإسلام المسيّس والشعبويّ الذي اجتاح مصر منذ السّبعينيّات، والذي يجادل “علاء الأسواني” في كتابه عن دولة مصر: ما الذي حتّم الثورة أنّه ليس متأصّلًا في المعتقدات الدينيّة المصريّة، وأنّه يخدم مصالح سياسيّةً معيّنة (On the State of Egypt: What Made the Revolution Inevitable, 75-6). الخطاب الأوّل انبثق عن مناصرة النساء (والرجال) سعيًا للدراسة الفرديّة للإسلام، ما شجّع تأويلًا متحرّرًا ومراجعة ممارساتٍ وتقاليد إجتماعيّةً معيّنةً كانت قائمةً في السّابق باعتبارها تعاليم دينيّة، مثل فرض ملازمة المنزل وارتداء الحجاب للنساء 13 (Badran, 11). أما الخطاب الثاني فأتى نتيجة تنامي تأثير دول النفط الخليجيّة، ولاسيّما المملكة العربيّة السعوديّة، ما سمح بتسلّل الأيديولوجيّات الوهّابيّة إلى المجتمع المصريّ، وهي شكلٌ من الإسلام بالغ المحافظة يركّز على المظاهر الخارجيّة للدّين – أيّ المظهر والممارسات الأدائيّة للتقوى – بدلًا من القيم الجوهريّة للأخلاق والفضيلة (al-Aswany 104). في ظلّ هذه التأويلات الرجعيّة للإسلام، والتي تزامنت مع عهد مبارك الممتدّ، عُزلَت النساء بفعل قواعد اجتماعيّةٍ أكثر صرامةً، وعوملن كأغراضٍ للرغبة الجنسيّة التي يجب حجبها عن الرؤية، حرفيًا ومجازًا.
لا يُقصد من هذا القول أنّه لم تنوجد في مصر نساءٌ إسلاميّاتٌ محافظاتٌ قبل السّبعينيّات؛ لكنّ التفرّعات الدينيّة المتنوّعة في المجتمع المصريّ، الإسلاميّة وغيرها، تتجاوز نطاق هذا المقال. وتجدر الإشارة إلى أنّ تاريخ النسويّة الإسلاميّة في مصر ليس تناقضًا لفظيًا، كما تشرح “بدران” في حوارٍ أجرته مع “أخبار فرانس في 24 كانون الأوّل/ديسمبر من العام 2011” 14. إنّ هويّات النساء النسويّة والدينيّة ليست في حال نزاع؛ فهي تطوّرت بالترادف مع بعضها البعض 15. إنّ فهم تاريخ نسويّات النساء المصريّات كظاهرةٍ تتجاوز الدّين والطبقة والعوائق اللغويّة، وبصفتها منبثقة عن سرديّاتها العضويّة الخاصّة، يسمح لنا بإدراك أنّ “التزام النساء تجاه الوطنيّة كان مفعلًا بنسويّتهنّ ]وليس معميًّا بها[” 16(Badran, 13). تشكّل مذكّرات “الشعراوي” سنوات الحريم: مذكّرات نسويّةٍ مصريّة، 1879 – 1924 مثالًا يعبر بين حياتها الشخصيّة والسياسيّة في مطلع القرن العشرين، ويُتوّج بتجربتها كمناضلةٍ نسويّةٍ في تنظيم التظاهرات النسائيّة والمشاركة فيها ضدّ الإحتلال البريطانيّ في ثورة 1919 الوطنيّة. في مقالٍ نشرته صحيفة “الأهرام،” يقول “محمود الورداني” أنّه “بعد قرنٍ من النضال من أجل الحقوق، تمثّل مذكّرات “هدى الشعراوي” تذكيرًا بضرورة وجود النساء في المعارك السياسيّة – مثل ثورة مصر ]2011[” (“إعادة نشر: مذكّرات “هدى الشعراوي” عن ولادة نسويّة مصر”) 17. من المثير للإهتمام أنّ المذكّرات أُعيد نشرها بعد سنتين من ثورة 2011 في “ميدان التحرير،” ما يشير إلى موجةٍ من الإهتمام بالأدب الشخصيّ (المذكّرات) بغرض إلتقاط الأحداث التي تؤثّر في التاريخ الوطنيّ العام (الثورة). يتتبّع القسم التالي بدقّةٍ كيف خُفِّف من هذا التاريخ المعقّد من النسويّات المصريّة المحليّة بفعل السياسات الجندريّة الإشكاليّة في مذكّرات “سويف” القاهرة، وهو نصّ كلّفها به الغرب (بلومزبوري في المملكة المتحدة، Bloomsbury UK) ليتوجه إلى القرّاء والقارئات الغربيّين/ات المهتمّين/ات بإنعاش صورٍ ما بعد استعماريّةٍ باليةٍ عن النساء المصريّات.
مصر: الأمّة كإمرأةٍ؛ السياسات الجندريّة للمقاومة والتحرّر
في إطار العلاقة بهذا التقليد المديد والمتنوّع من الكتابة النسائيّة، علينا أن نتصوّر تمثيلات النساء الثوريّات الواردة في القاهرة ونفسّرها. إذ تبدو النساء مُجاهراتٍ على نحوٍ خاصٍ في مذكّرات “سويف،” ولا يمكن إنكار أدائهنّ دورًا فاعلًا في الشّارع وفي سرديّتها كذلك، بدءًا بـ”سويف” نفسها. وعلى الرغم من أنّ أدب السّيرة الذاتيّة يوظّف في بعض الأحيان ضمائر المخاطب/ة والغائب/ة بهدف “تمويه” هويّة الكاتب/ة أو الراوي/ة، فإنّ هذه المذكّرات تستخدم بوضوحٍ ومنذ البداية صوتًا ذاتيّ المصدر. وعلى عكس نزعة “السير الذاتيّة المبطّنة” الشائعة بين الروائيّين/ات العرب/يّات في مطلع القرن العشرين، مثلما تقدّمها “الموسوي،” والتي “ينأى ]فيها[ الكتّاب والكاتبات بأنفسهم/ن بينما ينتقدون في آنٍ معًا السياسات الحزبيّة بصيغها البطريركيّة،” فإنّ مذكّرات “سويف” الصّريحة والمنخرطة سياسيًا تكسر الحاجز التقليديّ للإنسلاخ الفكريّ والنأي بنفس الكاتب/ة عن السّيرة الذاتيّة (53). لا يأتي ذلك من إلتباسٍ أو نبذٍ لهويّتها الخاصّة كامرأةٍ وكاتبةٍ وصحافيّةٍ وأمٍّ ومناضلةٍ مصريّة؛ في الواقع، استمالتها للقرّاء الغربيّين/ات تعتمد على ترسيم حدود هذه الهويّة المركّبة منذ البداية. هي كاتبةٌ ومواطنة، وهي تحمل مسؤوليّة الدّورَين، ما يشرح التحوّل في أسلوبها الأدبيّ، وكذلك موضوع كتابتها عن رواياتها الخياليّة السّابقة التي اهتمّت بالتصالح مع الهويّات المتداخلة ثقافيًا والمتباينة (In the Eye of the Sun, 1992; The Map of Love, 1999) نحو مذكّراتٍ ذات سياقٍ محلّي غير مهادنةٍ تتضمّن انعطافات نمط اليوميّات غير المهتمّ بامتلاك خطٍّ سرديٍّ ذي بدايةٍ ومنتصفٍ ونهاية (Heshmat, 68).
في التمهيد، تقول “سويف” صراحةً أنّ هويّتها تختزن الكاتبة والمناضلة في آنٍ معًا، وفي معرض كتابة المذكّرات، تتنقّل بسلاسةٍ بين الدّورَين:
في فبراير 2011، كنت في التحرير، أشارك في الثّورة وأنقل أخبارها… ثبت أنّه من المستحيل الجلوس في الزاوية والكتابة عن الثورة… لذا حاولت أن “أثور” وأن أكتب في آنٍ معًأ. (xiii – xiv)
من خلال ذلك والإبقاء على تقاليد كتابة المذكّرات، تزيل “سويف” فعليًّا المسافة بين ذواتها كراويةٍ وبطلة، وهو أمرٌ يحضر عادةً في الروايات، ولا يهدف إلى إخبار قصّة حياةٍ كاملة – بل فقط قصّة الثورة في أثناء تكشّفها على امتداد الزمان والمكان 18. بالتالي، تعقد “سويف” إتفاقًا مع قرّائها وقارئاتها، سامحةً لهم/ن بتوقّع درجةٍ من الإخلاص لمسار الأحداث نظرًا للهويّة المعقّدة التي تستحضرها بفعل اسمها الموقّع أدناه والوسوم الزمانيّة، محاكيةً شكل كتابة المذكّرات اليوميّة، وكذلك المراجع والأماكن والناس الحقيقيّين/ات، وهو جانبٌ من أدب السيرة الذاتيّة يفضّله “فيليب لوجون” (Philippe Lejeune) في نصّه النظريّ الكلاسيكيّ “معاهدة السّيرة الذاتيّة (The Autobiographical Pact, 1974؛ ترجمته “كاثرين ليري،” Katherine Leary, 1989).
لكن، أيّ نساءٍ يُمثّلن، وما طبيعة الصّورة الأنثويّة الأكثر بروزًا في المذكّرات؟ التمثيلات الواقعيّة للتحرّش الجنسيّ في التظاهرات الشعبيّة الإعتراضيّة قبل “ثورة التحرير” تبقى مهملةً في التصوير الطوباويّ للنضال الأنثويّ لدى “سويف،” شأنها شأن كتابات السّيرة الذاتيّة المماثلة في ثيمتها عن ثورة 2011، كما تشرح “حشمت:” “إنّ ديناميّات التغريب والقمع الجندريّ تُكتَم حتّى هنا، جاعلةً المساحة العامّة تبدو أكثر إنفتاحًا للنساء” (70). على إمتداد السرديّة، تمكن المجادلة بأنّ خطاب “سويف” النسويّ الثوريّ يعكس صورة النساء كمناضلاتٍ قويّاتٍ، متمرّداتٍ، مستقلّاتٍ، ومقيّداتٍ في آن بالأدوار التقليديّة ككونهنّ أمّهات وأخوات وبنات، أو بصفتهنّ رموزًا للأمّة، ما يستحضر الأيقنة الوطنيّة البطريركيّة التي وسَمت مطلع القرن العشرين. في مصر كامرأة: الوطنيّة والجندر والسياسة (2005)، تستعيد “بيث بارون” (Beth Baron) تاريخ المنحوتة الأيقونيّة للفنان “محمد مختار” التي تحمل إسم “نهضة مصر،” وهي نموذجٌ حائزٌ على عدّة جوائز وقد تحوّل إلى عملٍ تذكاريّ يُجاوِر بين شكلَين – “أبو الهول” في طور النّهوض، وفلّاحة تخلع الحجاب. تشرح “بارون:”
“أبو الهول” والمرأة كلاهما يمثّلان مصر: “أبو الهول” النّاهض يقترح ولادةً جديدةً لعظمة مصر القديمة، والفلّاحة الرافعة حجابها ترمز إلى تحرّر الأمّة الحديثة. إنّ الربط بين الشّكلَين – يد المرأة المرخيّة على رأس “أبو الهول” – يصِل العصر القديم بالحاضر. (68).
أُزيلَ السّتار عن منحوتة “مختار” في العام 1928 في ساحة “محطّة قطار القاهرة،” آسرةً المارّين والمارّات من محليّين/ات وأجانب. غدت المنحوتة رمزًا للصّراع الوطنيّ، وقد استُلهمَت من ثورة 1919 التي أدّت فيها النساء دورًا هامًا وفاعلًا (67) 19.
إنّ سقطة نسويّاتٍ معاصراتٍ مثل “سويف” عند قولبة الخطاب الوطنيّ في تمثيلاتهنّ للنساء، كما تجادل “الموسوي،” تكمن في أنهنّ دائمًا يمزجن ما بين الأمّة وجسد المرأة: “في الخطاب الوطنيّ عن الحرب والشّهامة، تُساوى الأرض بالجسد الأنثويّ، ويُجعل كلاهما مقدّسًا” (212). إنّ مجاز الأمّة – كامرأةٍ هو ظاهرةٌ لا تختصّ فقط بالحركة الوطنيّة المصريّة وبمقاومة القوى الإستعماريّة في مصر، بل هي ظاهرةٌ تجد “بارون” جذورًا لها في مصر في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أيّ خلال “النهضة.” تتحدّث “بارون” عن تناقضٍ بين التصوير المجازيّ للأمّة كامرأةٍ في المخيّلة الذكريّة الوطنيّة النخبويّة بينما تُقيّد مشاركة النساء الإجتماعيّة السياسيّة (1-2)، وهو تناقضٌ يُحلّ جزئيًا فقط في مذكّرات القاهرة. كما ذكرت أعلاه، النساء فاعلاتٌ ومُجاهِراتٌ على نحوٍ خاصٍ في نصّ “سويف”؛ لكنّ تعبئتهنّ تُؤطّر في غالب الأحيان ضمن الخطاب الأسريّ. تحدّد “بارون” الممارسة الخطابيّة للرّبط المجازيّ بين ديناميّات الأسرة البرجوازيّة النواتيّة من جهةٍ وهرميّة الدولة الوطنيّة وبُناها من جهةٍ أخرى كظاهرةٍ عالميّة: “ما إن جرى تصوّر الأمّة كعائلة، حتى صار من السّهل توظيف مفهوم شرف العائلة كأساسٍ لشرف الأمّة،” وكلاهما مركّبان حداثويّان بإمتياز (7 و40). تحديدًا، كان خطاب “الشرف” في الأساس خطاب الدولة قبل أن يوظّفه الوطنيّون في مصر لاحقًا لتعزيز قضاياهم السياسيّة (42). أما بالنسبة إلى ربط الأمم والمواطن بالجندر الأنثويّ فهي ظاهرةٌ تعود إلى ما قبل عصر الأمبراطوريّات والمستعمرات. وفي حال مصر، فإنّ مصطلح “مصر” نفسه مجندرٌ أنثويًا، كما هو حال مصطلح “أمّة.” وبينما يُفرّق بين النسويّات والنساء الوطنيّات كمفهومَين مختلفَين، فإنّ تقاطعهما يتصاعد على نحوٍ خاصٍ في زمن الثورة، لاسيّما وأنّ الصّراع ضدّ القمع الإستعماريّ في العام 1919 اضطرّ المناضلات إلى أداء دورهنّ كـ”أمّهاتٍ للأمّة” الموكلات بإنجاب الشّباب الوطنيّ الذي سيحرّر مصر (Baron, 39). مردّدةً صدى العاطفة الأموميّة، تقدّم “سويف” نفسها وجيلها من المناضلات المصريّات كأمّهاتٍ فخوراتٍ بالجيل الثوريّ الشّجاع الشّاب الذي قاد ثورة 2011:
النساء بغالبيتهنّ يبتسمن، ويلوّحن بأيديهنّ، ويلاعبن الرضّع على أنغام الهتافات… تصرخ امرأةٌ عجوزٌ: “ربّنا يكون معاكم ]أي الشّباب[! ربّنا ينصركم!” (17).
وكذا هي حال أمّهات الأمّة المصريّة على نحوٍ أوسع:
“أطلقوا النار علينا إذًا” يقلن للجنود، “أطلقوا النار على النساء. أطلقوا النار على أمّهات مصر. أطلقوا النار على أمّهاتكم.” (83).
في “يوم الغضب،” عندما أُمرَت القوّات المسلّحة المصريّة بقتل مئات المحتجّين/ات من الشّباب، يتكثّف خطاب الأمومة إذ يُصوّر الشّهداء كشباب مصر الذين “ستقضي عائلاتهم شهورًا من الأسى باحثةً ومحاولةً التثبّت من كيفيّة تعرّض أولادها للقتل” (28).
إلى ذلك، تحدّد “بارون” تقليدًا من الكتابة النسائيّة الوطنيّة في مصر استخدمت مجاز العائلة لكنّها تفادت المفاهيم الذكوريّة للشّرف الوطنيّ القائم على الأجساد الأنثويّة وشرفها الجنسيّ (54). في القاهرة، نرى “سويف” تستحسن هذا التقليد بتمثيلاتها ذات التوجّه العائليّ، وتحديدًا المواقع الأموميّة الخاصّة في المدينة، والتي تحوّلها باستمرارٍ إلى مساحاتٍ عامةٍ لإيواء القضيّة الثوريّة. إحدى الصّور الأولى المصوّرة في السرديّة هي تلك الخاصّة بمنزل “تانت ناهد” الواقع في شارعٍ يتحوّل إلى منطقة مواجهاتٍ بين الناس والشرطة. وتقدّم شقّة زوجة عمّها المتوفّاة موقعًا يتجمّع فيه ويجتمع أقارب المناضلين/ات ومن بينهم/ن “سويف” للإطمئنان على الأصدقاء وأفراد الأسرة، وهي مساحةٌ آمنةٌ ومعزولةٌ يمكن فيها إبعاد ضجّة الناس وعنف الثورة على نحوٍ مؤقّت (Soueif 19). تبرهن هذه المساحة عن الحماية والأمان الأموميّين اللّذين يسِمان أمكنةً أخرى في المدينة أيضًا، مثل الأمان المشعّ في منزل “سويف،” والمرموز إليه بنور الشرفة المتروك مضاءً “ليلًا، كي أتمكن لدى قدومي إلى المنزل، أو ليتمكّن أي شخصٍ قادم/ةٍ للزيارة، من ملاحظته والشّعور بالترحيب المبكر” (35).
بالتوازي مع المواقع ضمن المدينة، تقدّم “سويف” من البداية صورةً مُجندرةً للقاهرة، وهي صورةٌ تذكّر إلى حدٍّ كبيرٍ بالخطاب الوطنيّ المُجندر عن الأمّة في مطلع القرن العشرين: “مُهانةٌ ومكدومةٌ ومنهوبةٌ ومُستغلّةٌ ومٌستهزأٌ بها ومصفوعة: مدينتي. كنت أشعر بالخزي من نفسي لعدم إنقاذها. كان ذلك شعور كلٍّ منّا” (45، التوكيد مُضاف). القاهرة ليست فقط مدينتها، بل هي أيضًا مدينةٌ صامتةٌ لا صوت لها؛ مدينةٌ أنثويّةٌ خاضعة، تقبع لا حول لها ضحيّةً للإنتهاك وبحاجةٍ للإنقاذ، إنّه تركيبٌ مألوفٌ يستميل الأحاسيس الغربيّة. من المثير للإهتمام أنّ “سويف” تُجاوِر ما بين حسٍّ نسويٍّ قويٍّ عند تناول المناضلات النسويّات مثل ابنتَي أخيها “منى” و”ليلى” ونفسها من جهةٍ، وترميزٍ بالغ الحميميّةٍ والهشاشة والأموميّة للقاهرة وبالتالي لمصر من جهةٍ أخرى. لكن، المثير أكثر للإهتمام هو إدراك أنّ التركيز في الصّورة أعلاه ينصبّ على المرأة المضروبة، لا على المعتدي الذي ارتكب الجرائم بحقّها. بمعنًى آخر، تعكس “سويف” الوضع القائم الذي يمنح الكلام للقويّ/ة ويفرض السّكوت على الضّعيف/ة. تقدّم “سويف” مدينتها كمنصّةٍ للعثور على صوتها، مهما كان وجلًا، مستعيدةً وصف “جايمس هوداب” (James Hodapp) لهذا الفعل الرسميّ بصفته ركيزةً للكاتب/ة في تمثيل الخاضع/ة ما بعد الإستعماريّ/ة إنطلاقًا من تحت، في “جو ساكو ما بعد الإستعماريّ” (“The Postcolonial Joe Sacco,” 321). وفي صورةٍ بارزةٍ أخرى للمدينة، تُحيل “سويف” القاهرة إلى الخطاب الأنثويّ مجدّدًا، لكن في هذه المرّة، يُصاغ الرابط الأموميّ بين المدينة وناسها تمامًا كما يُنسَج بين الأمّ وطفلها/ طفلتها:
تضع المدينة شفتَيها على آذاننا، وتشبك ذراعها بأذرعنا وتدنينا منها لكي نسمع دقّات قلبها ونشمّ رائحتها، فنتماهى معها، ونقيس خطواتنا بخطواتها، ونملأ أعيننا من وجهها الجميل الجريح، ونهمس لها أن ذكرياتها هي ذكرياتنا، وقدرها هو قدرنا. (Soueif 9).
عندما لا تؤكّد “سويف” الثورة مستخدمةً الإستعارات البيتيّة، وتحديدًا الأموميّة منها على المستويَين الشّخصيّ والعام بالتوازي، فإنّها تبني مخزونًا من صور المناضلات القويّات من مختلف الفئات العمريّة، والطبقات الإجتماعيّة، والخلفيّات االدينيّة، والمستويات الفكريّة، جميعهنّ أدّين دورًا هامًا، إن لم نقل محوريًا في الثورة، وليس أقلّه أنّها تمثّلهنّ كشخصيّاتٍ مُجاهِرةٍ في النصّ. إحدى الصّورة الأولى والبارزة في السرديّة هي صورة “سويف” تركض في شوارع وسط البلد في القاهرة برفقة ابنتَي أخيها بينما يحاولن اللّحاق بالثورة والهرب من الغاز المسيل للدّموع الذي كانت الشرطة تستخدمه في محاولةٍ لتفريق المتظاهرين/ات (20). والد الفتاتين، أيّ أخّ “سويف،” يتنازل عن دوره التقليديّ كحامٍ بطريركيّ لأسرته، مؤتمنًا أخته عليها، التي تُقدّم كمناضلةٍ ومشرفةٍ قويّةٍ ومقتدرة: “عندما اتّصلت بأخي، قال لي أنّ ابنتَيه تريدان الإنضمام إلى النضال، فهلا اصطحبتهما معي؟ كانت تلك تظاهرتهما الأولى” (19). من دون شرحٍ أوسع لدور أخيها في الثورة، تشدّد “سويف” على المشاركة الفاعلة لكلٍّ من “ليلى” و”منى” في المسيرات والتظاهرات (14). أحد الإنطباعات المتكرّرة التي تعطيها “سويف” للقارئة هو الإنطباع بأنّ أسرتها مؤلّفةٌ من مجموعةٍ من النساء المناضلات المستقلّات التقدّميات والناشطات على المستوى الوطنيّ. أكثر من ذلك، عندما تشير “سويف” إلى الوجوه التي تتعرّف إليها في التظاهرات، تسمّي النساء بأسمائهنّ، بينما تشير إلى الرجال بحسب الأدوار التي تربطهم بهؤلاء النساء، مثل إشارتها إلى صديقتها “لينا” وزوجها الذي لا إسم له (21، التوكيد مُضاف). كذلك، تسمع القارئة من نساءٍ أخرياتٍ ذوات مستوًى فكريٍّ واجتماعيٍّ أدنى من “سويف” وأسرتها، مثل “أم نجلا” التي تشير إليها “سويف” بـ”عوننا” عندما تتحدّث عن موقف ابنها “علي” من نظام “مبارك” المجرم: “علي، تقول لي، علي يقول عن مبارك وكلّ رجاله: “قبل أن يفتحوا أفواههم يكذبون، إنّهم يتنفّسون الأكاذيب،” وهذا، تتابع، هو علي العاجز عن الكلام” (15). وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ “سويف” تنادي المرأة باسم “أم نجلا” بدلًا من استخدام اسمها الأوّل أو مناداتها بـ”أم علي،” كما هي العادة في المجتمعات العربيّة التي تمنح الأهل إسم الإبن الذّكر، إذا وُجد. وعلى الرغم من محاولاتها تصوير النساء في المذكّرات كنساءٍ ليبراليّاتٍ ومتحرّرات، فإنّ ذلك يبدو ممكنًا فقط عبر إسكات نظرائهم الرجال، أو عبر إحتضان الروابط الإبنيّة التي تمكّن النساء كأمّهاتٍ حاكماتٍ يُسقطن وهميًا حضورًا بطريركيًا محتومًا.
ونسمع أيضًا من نساءٍ من مختلف التوجّهات الاجتماعيّة: “منى مينا،” الطبيبة والمناضلة الثوريّة التي تُصوّر كبطلةٍ لا تكلّ ولا تتعب من إنقاذ حيوات الثوّار والثائرات الشّباب المُصابين/ات على يد الشرطة (33). أما “كريمة،” جارة “سويف” المسلمة المحافظة والمحتشمة، فتترك في ذهن القارئة صورةً أيقونيّةً لها وهي “تخلع الجلابيّة والحجاب، وترتدي بنطالًا فضفاضًا وشالًا” (37)، وهي إشارةٌ إشكاليّةٌ طبعًا بالنسبة إلى نسويّاتٍ مسلماتٍ كثيراتٍ نظرًا لإرتباط حركة “خلع الحجاب” الأيقونيّة والتاريخيّة بمعنى تحرّر النساء ومقاومة البطريركيّة، بمن فيهنّ “هدى الشعراوي.” تعيد “سويف” إحياء هذه الصّورة تحديدًا خارج سياقها الصّحيح، ما يبدو للجماهير الغربيّة كفعلٍ سياسيٍّ ليبراليٍّ وكرفضٍ للإسلام من قبل النساء المناضلات في العام 2011، وهو تصويرٌ غير صحيحٍ ولا جازم. أما المناضلة البارزة الأخرى في المذكّرات فليست سوى “منى” ابنة أخّ “سويف،” التي تُصوّر كإحدى الفاعلات المحوريّات اللّواتي قاومن حجب الإنترنت على يد الدّولة، إذ قامت مع الشباببإعادة وصل الثورة بالعالم الرّقمي الخارجيّ وشبكاته الإعلاميّة، مجدّدًا من “شقّة إحدى الأمّهات،” وهو موقع حمايةٍ وأمل (27). يبدو أنّ “سويف” مهتمّةً بتوثيق آراء النساء من مختلف الطّبقات ممّن يتحدّثن لغة التحرّر والتمكين ذاتها، وهو أسلوب “بدران” في تصوّر الخطاب النسويّ في مصر كظاهرةٍ عابرةٍ للطّبقات، لكنّها تفعل ذلك فقط على نحوٍ مناصرٍ للعلمانيّة، من دون تسليط الضّوء على إستمرار الصّراعات الطبقيّة، أو الإعتراف بالدّور الذي أدّته النسويّات الإسلاميّات في العام 2011.
حتى عندما تنسج الموادّ السرديّة الكبرى في داخل العالم الصوتيّ للمذكّرات، تختار “سويف” لحظة مواجهةٍ اختبرتها امرأةٌ ما وتعيد سردها على مسامع صديقتها. وتحدث هذه اللّحظة في المداخلة الأخيرة قبل القسم المعنوَن “مقاطعةٌ” والمكتوب في تشرين الأوّل/ أكتوبر، أي قبل ثمانية أشهرٍ من “ثورة التحرير،” والذي تستخدم فيه “سويف” “مدى،” إحدى الشخصيّات الأنثويّة في روايةٍ كانت تعمل عليها قبل الثورة، جاعلةً إيّاها المتحدّثة باسم الشّعب المصريّ، والجنديّ الذّكر كرمزٍ للقمع العسكريّ اليوميّ:
تتحدّث “مدى” إلى “عائشة” عن المتحف: “تعرفين،” تقول “مدى،” “الأمر لا يصدّق. كأنّ المدينة لم تنتمِ يومًا إلينا. ذلك اليوم، أوقفني جنديٌ أثناء سيري بالقرب من المتحف في “التحرير،” في وسط القاهرة، قائلًا أنّ المشي ممنوعٌ هناك. لم أستطع تصديق الأمر. “ماذا تعني بممنوع؟،” “المشي ممنوع.” أشرت إلى عددٍ كبيرٍ من الناس الذين يدخلون المتحف سيرًا على الأقدام. قال: “هؤلاء أجانب.” قلت له، إذًا أنا ممنوعةٌ من المشي لأنّي لست أجنبيّةً؟ هل أنت جادّ؟ ماذا لو أردت دخول المتحف؟ سألني: “لماذا قد تريدين دخول المتحف؟،” فأجبته: ألم تلاحظ أنّ اسمه “المتحف المصريّ”؟ أولَم تلحظ أنّ الميدان اسمه “ميدان التحرير”؟ هل تعرف ممّن تحرّر هذا الميدان؟ تحرّر من الأجانب، من أجلنا نحن: الشّعب المصريّ.” “وبماذا أجابكِ؟.” قال لي: عليك التحدّث مع الضّابط.” (58).
وتجدر الإشارة إلى أنّ موقع المواجهة يقع بالقرب من المتحف الوطنيّ، رمز التاريخ والهويّة الوطنيّة التي تدّعيها “مدى” باسم بنات مصر وأبنائها. مجدّدًا، تخلط “سويف” بين المرأة والأمّة، وتقوّي إحداهما فقط عبر صراع الأخرى. ولو لم تشِر “سويف” إلى أنّ المشهد المذكور هو من صنع الخيال وقد دُرِز في النسيج الأكبر للمذكّرات، لم تكن القارئة لتستطيع التمييز بينه وبين باقي التمثيلات لتجارب النساء في محاربة عنف الدولة في “ميدان التحرير.”
لا يُقصد من هذا القول أنّ الرجال مقصيّون عن التمثيل في المذكّرات، بل على العكس من ذلك، فهم يدخلون في نسخة “سويف” من الثورة. لكنّهم يظهرون حصرًا كفاعلين مدنيّين أذكياء وشبابًا. في خاتمة الكتاب الذي تتخلّى فيه “سويف” عن صوتها ككاتبةٍ لتحمل الأصوات الشعبيّة، تختار عن قصدٍ رجلَين وإمرأتَين من أفراد أسرتها ليعبّروا عن آرائهم/ن في مداخلتَين منفصلتَين بصيغة المتكلّم/ة – “منى،” و”علاء،” و”سناء،” و”عمر روبرت:”
ولأنّ الشّباب هم/ن من جعلوا هذا ممكنًا، ولأنّهم/ن هم/ن من غيّروا العالم، وهو اليوم ينتمي إليهم/ن، أودّ أن أترككم/ن مع بعضٍ من أصواتهم/ن؛ الشّباب والشّابات المصريّون/ات، شباب القاهرة الذي يعمل على ثورتنا ويعيشها بينما أضع قلمي. (Soueif 187).
لكن، تبرز لحظاتٌ تعير فيها الصّوت الخطابيّ إلى أناسٍ مُختارين/ات مُعبّرٍ عنهم/ن ضمن صوتها الخاصّ، من دون نسبهم/ن بالضرورة إلى طبقةٍ إجتماعيّةٍ أو دينيّةٍ معيّنةٍ، أو إلى حزبٍ سياسيٍّ محدّدٍ، مُغلّفةً هويّتها بهويّتهم/ن حتى تختلط الهويّات في كائنٍ جماعيّ عملاق: الشّعب؛ المُشار إليه بـ”نحن.” يتجلّى هذا في استعادتها لموجةٍ جديدةٍ من التظاهرات التي اندلعت بعد صلاة الجمعة يوم 28 يناير من العام 2011، من الميدان الذي كانت فيه برفقة صديقتها، ظهر فيها المهندس المدنيّ الشّهير “ممدوح حمزة:”
ذراع الشّاب في الهواء، وكفّه تطال السّماء، ومن ثم يأتيالصّوت العالي والقويّ: “الشعب يريد إسقاط النظام!.” هكذا كان الأمر، بلا تمهيدٍ ولا أنصاف حلولٍ، وكان الشّاب محمولًا على أكتاف خمسة عشر شابٍ وشابّة. (17، التوكيد مُضاف).
مهما كان الحدث حقيقيًا، فإنّ الجانب الأكثر بروزًا من تمثيل “سويف” هي طبيعتها الشبابيّة (تتكرّر الكلمة ثلاث مرّاتٍ) ما يعكس وهم التضامن بين الأصوات الشعبيّة المعارضة لنظام “مبارك.” بالإضافة إلى ذلك، يُعزّز ذلك بشرح “سويف” المُسهب عن العدد الذي لا يُحصى من الشّهداء الذين ماتوا دفاعًا عن تلك الثورة وفي سبيل التحرّر: “بعضنا مات” (23). هي تُعدّ نفسها من بين أولئك الناس ممّن سقط من بينهم/ن شهداء. في هذه الحال، يسود إحساسٌ بأنّ “سويف” تدير تلك الأصوات، وأنّها تعود جميعًا لتجتمع في صوتها هي – إما تخاطبها أو تدور حولها. صوتها يتحدّث بإسم الشّعب الثائر؛ هي وسيلتهم/ن للوصول إلى مسرح الصّوت العالميّ؛ أصواتهم/ن وأفعالهم/ن تجسّد بدورها ما عجز عن تحقيقه الجيل الإنهزاميّ من الكتّاب والكاتبات والمناضلين/ات منذ الحركات الطالبيّة في السّبعينيّات 20. لكن، وإن كانت “سويف” لا تذكر تلك الأصوات، فإنّها ليست مخفيّةً، لكنّها أيضًا غير مسموعة. بمعنًى آخر، إنّ صوتها الضّميريّ ككاتبةٍ يمنح الآخرين والأخريات صوتًا بالتبعيّة، نظرًا لكونها تتأرجح بين تمثيل نفسها ضمن التضامن الجماعيّ للشّعب الثّائر (“نحن” الشاملة)، وبين الوقوف على مسافةٍ من الناس، مدوّنةً أصواتهم/ن ومراقبةً إيّاهم/ن “هم/ن؛ الشّباب.” هذا التقلّب بين دمج الذّات والإنغلاق عن الحشد الثّوري ينعكس في التنقّل بين إستخدام جمع الغائب/ة (هم/ن) وجمع المتكلّم (نحن)، كما يكشف خاصيّة عزل الذّات في كتابة جيل التسعينيّات الذي تنتمي إليه “سويف” (Heshmat 69-70)، لكنّه يحاول أيضًا تخطّي ذلك بروحيّة الكتابة الأكثر إنخراطًا سياسيًا وشخصيًا في القرن الحادي والعشرين.
بناءً على هذا الجانب اللّغوي، يمكن للقارئ/ة النقديّ/ة المجادلة بأنّ “سويف” تكتب من موقعٍ ذي إمتيازٍ يرتكز على تصوير نسخةٍ مُخفّفةٍ من الخصوصيّة الثقافيّة. بمعنًى آخر، هي تكتب عن الشعب المصريّ للقارئ/ة الغربيّ بلغةٍ يمكن تداولها عالميًا ويمكن للغرب أن يستهلكلها. ويتجلّى ذلك في نقلها الحرفيّ للعبارات المصريّة العاميّة التي كان الجمهور يهتف بها خلال الإنتفاضات، مثل “مش هنمشي، إنت تمشي!،” ومن ثم ترجمتها إلى الإنكليزيّة ليُتاح للقارئ/ة الغربيّ/ة فهمها (We’re not going/ You go home!, 160). بالإضافة إلى ذلك، إنّ البعثرة الملطّفة للكلمات والعبارات الإصطلاحيّة المنقولة حرفيًا من العربيّة مثل “شباب،” و”خلاص،” و”حبيبتي،” و”حبيبي،” و”الله أكبر،” والكلمة الأيقونيّة “بلطجيّة،” وهي كلماتٌ مغرقةٌ بالمعنى في سياقها المحلّي وتفقد معناها عند الترجمة، تشير إلى شكلٍ من السّياحة الثقافيّة – وهي نافذةٌ للقرّاء الغربيّين/ات للإطلاع على ثقافةٍ غريبةٍ من دون تقديم الكثير من اللّون المحلّي. في الواقع، تحضّر “سويف” القارئ/ة من متكلّمي/ات العربيّة كلغةٍ ثانيةٍ لهذه الخواصّ النصيّة، في ملاحظةٍ حول التهجئة قبل التمهيد والشّكر في الكتاب. كما يمكننا رؤية ذلك كمحاولةٍ لإرضاء الجمهورَين المحلّي والعالميّ في آنٍ معًا، بدلًا من “القفز” تمامًا عن جماهير معيّنةٍ وفق تعبير “براين إدواردز” (Brian Edwards)، والبقاء بحالة وفاء للجمهور المصريّ عبر الحفاظ على حسّه الوطنيّ 21.
بات واضحًا الآن أنّ الثقل الأكبر من التمثيل محفوظٌ للمناضلات العلمانيّات والليبراليّات، وللشّباب ممّن يقفون في صفّ الكاتبة في الثورة، لا أيًّا من مسؤولي/ات الدولة، أو مؤسّساتها كـ”المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة،” أو “رئيس مخابرات السّجون” في الداخليّة، أو “الحزب الوطنيّ الديموقراطيّ.” إنّ معظم الخطاب الحكوميّ والبيانات الصحافيّة التي تعبّر عن موقف الدولة بشأن الناس ومطالبهم/ن قبل “ثورة يناير” وبعدها، تجمعه مذكّرات “سويف” في خطابٍ فظٍّ وغير مباشرٍ وملتزم الحدّ الأدنى، ما يشير إلى أنّ صورة الكاتبة عن الثورة الشعبيّة هي صورةٌ حصريّة. حتى الإسلاميّين/ات من الرجال والنساء الذين واللّواتي شكّلوا جسمًا مشارِكًا فاعلًا في باكورة الإنتفاضات، لا يحصلون على ثقلٍ لفظيٍّ أو بصريٍّ في المذكّرات. في القسم الأوسط الإعتراضيّ الذي يرد فيه نقاشٌ بين الأحزاب الثوريّة بشأن مسوّدة المطالب الشعبيّة في تمّوز/يوليو 2011، وعلى نحوٍ مثيرٍ للإهتمام، يُحال النقاش إلى مصطلحاتٍ مجرّدة: إذ تشير “سويف” إلى جماعاتٍ كبيرةٍ من الناس كـ”ليبراليّين/ات،” و”إسلاميّين/ات” و”إخوان،” ذاكرةً على نحوٍ موجزٍ ومن دون أيّ سياقٍ تاريخيّ أنّ مصدر الخلاف يتعلّق بـ”تجربةٍ سابقةٍ وبالشكوك التي يبديها كلّ فريقٍ في نوايا الفريق الآخر” (94). هكذا، تترك الأمر مفتوحًا على نحوٍ متردّدٍ مع العبارة الآتية في الصفحة التالية: “سيغدر بنا الإسلاميّون/ات،” مفرّقةً بين “نحن” الجماعة التي تقاتل من أجل تحرّر الناس، والإسلاميّين/ات الذين واللواتي، بحسب هذه العبارة، لا تنظر “سويف” إليهم/ن كجزءٍ من “ثورتها/ ثورتنا” (95). الصّورة التي تبنيها “سويف” عن الثورة ترغب بأن تكون شاملةً وأن تدّعي التعبير عن كلّ المصريّين/ات، لكنّها في الواقع مُجندرةٌ، وهذه الجندرة تميل على نحوٍ شبه حصريٍّ إلى طبقةٍ معيّنةٍ من النساء العلمانيّات اللّواتي يغوين الأحاسيس النسويّة الغربيّة. الـ”نا” في “ثورتنا” التي تتكرّر في عنوان المذكّرات والتمهيد، هي إذًا مشوبة.
الخاتمة
من خلال التنبّه إلى الصّور ذات النزعة الجندريّة والتوجّه العائليّ، يضع تحليل الأصوات الثوريّة في نصّ “سويف” روايتَها السياسيّة والشخصيّة عن ثورة 2011 في إطار تقليدٍ مديدٍ من الكتابة النسائيّة المقاوِمة في مصر، كما يموضِع سرديّتها وسط موجةٍ من كتابة السّيرة الذاتيّة الهجينة عبر وسائط بينيّةٍ نصيّة تكثّف استخدامها منذ مطلع إنتفاضات القرن الحادي والعشرين في العالم العربيّ، كاشفةً عن حاجةٍ وضرورةٍ للتوكيد الذاتيّ للصّوت، ولتوثيق/ تمثيل التاريخ من منظورات الناس في الوقت الذي تتكشّف فيه الثّورة. وعلى الرغم من إحتواء المذكّرات على تمثيلٍ هامٍ للمشاركة والتعبير السياسيّ للنساء، فإنّ معظم التمثيل ذي الأساس المتباين لطلائع الثّورة يظلّ مدينًا لفكرة الشّباب، وهي فئةٌ شابّةٌ من الرجال والنساء. إنّ موقع “سويف” ككاتبةٍ ومفكّرةٍ وصحافيّةٍ مهاجرةٍ تكتب عن ثورةٍ بالغة المحليّة لجمهورٍ غربيٍ مستخدمةً الصّور النسويّة، قد حصد لسرديّتها إستقبالًا فاترًا، لاسيّما بين المناضلات النسويّات المصريّات والكاتبات والكتّاب الوطنيّين/ات، وقبولًا مختلطًا بين القرّاء والقارئات حول العالم نظرًا لكونها تمثّل الثوّار والثائرات المصريّين/ات تمامًا كما يودّ الغرب أن يراهم/ن: شباب من الطبقة المتوسّطة، علمانيّون/ات متعلّمون، يستخدمون وسائل التواصل الإجتماعيّ الغربيّة بهدف تحقيق رغبتهم/ن بالدّمقرطة.
لكن، لا يمكننا إنكار أنّ محاولة “سويف” العابرة للعموميّات بهدف دمقرَطة أصوات الشّباب والتحرير في الثّورة والتصالح مع ماضيها الخاصّ في القاهرة، تتضمّن بعض اللّخظات التي تحدّت حدود التمثيل ما بعد الإستعماريّ من خلال إصرارها على كون الإنتفاضة ثورةً شعبيّةً لا قيادة لها، وتأكيدها على مطالب الناس التي لا تقع ضمن خطوط الخطاب الغربيّ ولا الخطاب الدينيّ المتطرّف. لكن، عندما يتعلّق الأمر باستخدام الخطاب النسويّ لتعزيز قضيّةٍ مصريّةٍ تتجاوز ما بعد الإستعماريّة، فإننا نرى “سويف” تقع مجدّدًا في إستخدام الرموز والصّور ذاتها التي تردّد أصداء الخطاب ما بعد الإستعماريّ المتحجّر، وكذلك الخطاب الإستعماريّ القائم على تأنيث الأرض.
- 1. راجع/ي مقال “طارق العريس” بعنوان “خيال الفضيحة” (Fiction of Scandal) في Journal of Arabic Literature 43.2/3 (2012) ، لمعرفة المزيد عن الجيل الجديد من الكاتبات والكتّاب مقارنةً بجيل الكتّاب والكاتبات الإنهزاميّين/ات وأيديولوجيّة الهزيمة التي غذّت كتاباتهم/ن. ومن بين الأمثلة التي تفكّك دوافع تغريب ما بعد 1967 و/ بصفتها مسافةً سياسيّةً، رواية أن تكون عبّاس العبد للكاتب “أحمد العايدي” (2003).
- 2. راجع/ي, Anticipating the 2011 Arab Uprisings: Revolutionary Literatures and Political Geographies كتاب “ريتا صقر”(2013).
- 3. راجع/ي مقال “جاك شنكر” (Jack Shenker) بعنوان “المناضل المصريّ علاء عبد الفتّاح يتّهم الجيش باختطاف الثورة،” ومقال “رزيّة إقبال” بعنوان “الكتّاب والكاتبات المصريّون/ات عن “الثورة غير المكتمِلة” في صحيفة “ذى غارديان.”
Jack Shenker, “Egyptian activist Alaa Abd El Fattah accuses army of hijacking revolution”
Razia Iqbal, “Egyptian writers on the ‘unfinished revolution’” - 4. أطلقت المصطلح للمرّة الأولى “هالة كمال” في “مذكّرات النساء عن الثورة المصريّة: إسمي ثورة لمنى برنس والقاهرة: مدينتي، ثورتنالأهداف سويف” (586(.
Hala Kamal, “Women’s Memoirs of the Egyptian Revolution: Mona Prince’s Ismī thawra and Ahdaf Soueif’s Cairo: My City, Our Revolution” - 5. تستخدم “برنس” اليوميّات لتوثيق تردّدها الأوّلي في الإنضمام إلى الأيام الثمانية عشر الأولى من الثّورة (Heshmat, 69)، بينما تستخدمها “سويف” لتسجيل إيمانها الراسخ في النضال من البداية.
- 6. ظهرت طبعة الولايات المتحدة الأميركيّة بعنوان القاهرة: مذكّرات مدينةٍ تحوّلت (Cairo: Memoir of a City Transformed). وظهر الكتاب أيضًا في طبعةٍ ثالثةٍ بعنوان القاهرة (Cairo).
- 7. النصوص التي تولّف “فالاسوبولوس” الحجج إما دعمًا لها أو ضدّها هي:
Lila Abu-Lughod, Remaking Women: Feminism and Modernity in the Middle East,
Margot Badran, Feminism in Islam: Secular and Religious Convergences,
Miriam Cooke, Women Claim Islam: Creating Islamic Feminism through Literature,
Mona Mikhail, Seen and Heard: A Century of Arab Women in Literature and Culture,
Haideh Moghissi, Feminism and Islamic Fundamentalism: The Limits of Postmodern Analysis. - 8. تناقش “فالاسوبولوس” أيضًا صعود النسويّة الإسلاميّة على المستوى العابر للحدود كخطابٍ مضادٍ للسرديّات الغربيّة عن الإسلاموفوبيا. لمزيدٍ من التفاصيل، راجع/ي “الحركات النسويّة العربيّة” (Arab Feminisms, 208 – 209).
- 9. تستخدم “بدران” مصطلح “نسائيّ” للإشارة إلى وسم “نسويّ” الذي كان يُطبّق على الأعمال المتداولة عن مطالب النساء التحرّريّة في العشرينيّات من القرن الماضي، لاسيّما بعد تأسيس “الإتحاد النسائيّ المصريّ” في العام 1923 على يد “هدى الشعراوي،” وهي المرة الأولى التي استخدمن فيها مصطلح “نسويّ” للتعريف عن أنفسهنّ (19).
- 10. تنسب “الموسوي” هذه الممارسات البطريركيّة إلى الإرث العثمانيّ المرِن في مطلع القرن العشرين (44).
- 11. يُسمّى هؤلاء “النهضويّون،” في إشارةٍ إلى حركة النهضة الفكريّة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، والتي برزت فيها سرديّاتٌ متعدّدةٌ للوطنيّة والتحرّر من القوى الإستعماريّة والتحديث في مصر، وفي غيرها من المراكز الثقافيّة – الفكريّة في العالم العربيّ، مثل لبنان وسوريا. وبينما تبنّى البعض موقفًا استشراقيًا ذاتيًا خاضعًأ لليبراليّة والحداثة الغربيّة، عاد البعض الآخر إلى الهويّة الدينيّة الإصلاحيّة كانطلاقةٍ نحو الوطنيّة والحداثة. راجع/ي “الموسوي” (37-41).
- 12. تشير “الموسوي” أيضًا في “النساء بالعربيّة” إلى أنّه على الرغم من الخطاب القويّ للنسويّة الرجاليّة التي دعمت مطالب تحرّر النساء في مصر (والعالم العربيّ) في مطلع القرن العشرين، فإنّ الماركسيّين/ات العرب/يّات انتقدوا/ن خطابًا مضادًا إستعماريًا زائفًا ومماثلًا في القوّة صادرًا عن الطبقات الثريّة ذات الإمتيازات، يعبّر عن الإفتتان الفيتيشيّ والرغبة في الجسد الأنثويّ وكلّ ما يمثّله ذلك الجسد في الأمّة (211-12).
- 13. ممارسة الدراسة والبحث الفرديّ في الإسلام (أيّ الإجتهاد) هي إحدى الحجج التي يستخدمها “الشيخ محمد عبده،” والتي بسببها تعرّض لنقدٍ شديدٍ من الإسلاميّين المحافظين.
- 14. من الهام جدًا التفريق بين صياغة النساء للأجندات النسويّة من خلال إطار عملٍ إسلاميٍ تأويليّ (أي النسويّة الإسلاميّة) من جهةٍ، والموجة المعاصِرة من الإسلام السلفيّ المتطرّف في مصر. في الواقع، في إحدى حجج “بدران” في النسويّة في الإسلام (Feminism in Islam, 2009)، تجادل بأنّه من الممكن قراءة النسويّة الإسلاميّة كسياسةٍ معاصِرةٍ عابرةٍ للقوميّات، تعارض الإسلام السلفيّ القمعيّ في مصر وفي غيرها من البلدان.
- 15. في العام 2011، شهد “ميدان التحرير” مزيجًا من الأفكار النسويّة والممارسات التعاونيّة بين النساء في المنظّمات الإسلاميّة والعماليّة كذلك، لكنّ تركيز المجموعات النسويّة السّائدة في مصر والإعلام الغربيّ انصبّ على الحركات النسويّة الليبراليّة والعلمانيّة. راجع/ي مقال “كاثرين سامح” بعنوان “النضال والأكاديميا: النسويّات في العالم” (Activism and the Academy: Feminisms in the World).
- 16. تشرح “بدران” أنّه في وقتٍ كانت معظم نساء الطبقة العليا يتقنّ اللّغات الفرنسيّة والإنكليزيّة والألمانيّة، فإنّ نساء الطّبقتَين الوسطى والدنيا تكلّمن وكتبن باللّغة العربيّة.
- 17. راجع/ي أيضًا مقال “تحيّة عبد الناصر” بعنوان “ثورة النساء ومذكّرات التحرير” (Women’s Revolution and Tahrir Memoirs) المنشور في “الأهرام الأسبوعيّة” (Al-Ahram Weekly)، لمعرفة المزيد عن تاريخ النضال النسائيّ في مصر خلال القرن الماضي وحتّى ثورة 2011.
- 18. تعبّر “سويف” عن قلقٍ من إلتقاط اللّحظة الثوريّة بصوتها الخاصّ بصيغة الحاضر قبل أن تفوتها (وتفوت العالم). تقول: “لم أتمكّن من كتابة ما كان يغدو من الماضي على نحوٍ سريعٍ من دون الكتابة عن الحاضر” (xiv).
- 19. للمزيد من التفاصيل عن السّياق التاريخيّ الذي أنتج “نهضة مصر،” وبالعودة إلى الجدال الذي أثاره خلع النساء الحجاب وتمثال “مصطفى كامل” في العام 1921، راجع/ي “الأنصاب التذكاريّة والمنحوتات” لـ”بارون” (“Monuments and Sculptures,” Baron 65-66).
- 20. تشرح “سويف” أنّ القوّات المسلّحة أطبقت على كلّ حركةٍ شعبيّةٍ واعدةٍ منذ الحركة الطالبيّة في العام 1972 المعارِضة لسياسات “أنور السّادات” المتعاطفة مع إسرائيل، ولم يتمكّن الناس من استعادة “التحرير” – حرفيًا ومجازيًا – من الدولة والشرطة حتى العام 2011. راجع/ي الصفحة 11 من المذكّرات.
- 21. يستخدم “براين إدواردز” عبارة “القفز عن الجماهير” في مقالٍ عن رواية “مجدي الشّافعي” الغرافيكيّة بعنوان مترو: قصّة عن القاهرة(2008)، وهي عبارةٌ تشير إلى قرارٍ قصديٍ من الكاتب/ة أو المترجم/ة بإقصاء قسمٍ معيّنٍ من القرّاء والقارئات عبر خيارات الألفاظ واللّغة.
Abdel Nasser, Tahia. “Women’s Revolution and Tahrir Memoirs.” Al-Ahram Weekly. 12 Feb. 2013. Web. 16 Feb. 2015.
Al-Aswany, Alaa. On the State of Egypt: What Made the Revolution Inevitable. Trans. Jonathan Wright. New York: Vintage Books, 2011.
Al-Musawi, Muhsin Jassim. The Postcolonial Arabic Novel: Debating Ambivalence. Leiden, Boston: Brill, 2003.
Badran, Margot. Feminists, Islam, and Nation: Gender and the Making of Modern Egypt. Princeton, New Jersey: Princeton University Press, 1995.
—. “Margot Badran, author of Feminism in Islam: Secular and Religious Convergences.” The Interview. France 24 News. 9 Dec. 2011. Web. 18 Sept. 2015.
Baron, Beth. Egypt as a Woman: Nationalism, Gender, and Politics. Berkeley, Los Angeles, and London: University of California Press, 2005.
Bassiouni, Mohamed. “Students in Revolt.” Al-Ahram Weekly. 30 Oct. 2014. Web. 4 Oct. 2015.
Bromley, Roger. “‘Giving Memory a Future’: Women, Writing, Revolution.” Journal for Cultural Research 19.2(2015): 221-232.
Edwards, Brian. “Jumping Publics: Magdy El Shafee’s Cairo Comics.” Novel: A Forum on Fiction 47.1 (2014): 67-89.
El-Ariss, Tarek. “Fiction of Scandal.” Journal of Arabic Literature 43.2/3 (2012): 510-531. Academic Search Complete. Web. 15 Aug. 2015.
El-Wardani, Mahmoud. “Re-published: Hoda Shaarawi Memoirs on Birth of Egypt’s Feminism.” Al-Ahram Online. 26 Jun. 2013. Web. 16 Feb. 2015.
Heshmat, Dina. “Egyptian Narratives of the 2011 Revolution: Diary as a Medium of Reconciliation with the Political.” Commitment and Beyond: Reflections on/of the Political in Arabic Literature since the 1940s. Eds. Friederike Pannewick et al. Wiesbaden: Reichert Verlag, 2015.
Hodapp, James. “The Postcolonial Joe Sacco.” Journal of Graphic Novels and Comics 6.4 (2015): 319-330.
Iqbal, Razia. “Egyptian writers on the ‘unfinished revolution’.” The Guardian. 18 Nov. 2011. Web. 5 Sept. 2015.
Kamal, Hala. “Women’s Memoirs of the Egyptian Revolution: Mona Prince’s Ismi Thawra and Ahdaf Soueif’s Cairo: My City, Our Revolution.” The Proceedings of the 11th International Symposium on Comparative Literature: Creativity and Revolution. Cairo: Cairo U, 2014.
Lejeune, Philippe. Le Pacte Autobiograqhique. 1973. Trans. Katherine Leary. Ed. Paul John Eakin. Minneapolis: University of Minnesota Press, 1989.
Parker, Nick. “Day of Wrath in Egypt as 62 Killed.” The Sun. 29 Jan. 2011. Web. 13 Dec.
Sakr, Rita. Anticipating the 2011 Arab Uprisings: Revolutionary Literatures and Political Geographies. London and New York: Palgrave Macmillan, 2013.
Sameh, Catherine. “Activism and the Academy: Feminisms in the World.” Scholar & Feminist Online 12.1-2 (Fall 2013/Spring 2014). Web. 17 Nov. 2016.
Shenker, Jack. “Egyptian activist Alaa Abd El Fattah accuses army of hijacking revolution.” The Guardian. 2 Nov. 2011. Web. 5 Sept. 2015.
Soueif, Ahdaf. Cairo: My City, Our Revolution. London: Bloomsbury, 2012.
—. “In Times of Crisis, Fiction Has to Take a Back Seat.” The Guardian. 17 Aug. 2012. Web. 3 Sept. 2015.
Valassopoulos, Anastasia. “Arab Feminisms.” Feminist Theory 11.2 (2010): 213-215. Web. 9 Apr. 2015.