متعة خارجيّة، عنف داخليّ؟ نقاش عن المطابقة، العمل الجنسيّ، واللّغة

السيرة: 

هي مخطّطة حديثة ومتخصّصة في الأحياء الفقيرة ومخيّمات اللاجئين. لقد عملت في مختلف الأراضي اللبنانيّة في مخيّمات الفلسطينيين وفي الجنوب. هي ناشطة مؤسسة اتحاد العمّال الأجانب بالإضافة الى تنظيم الحركات الطلابيّة وهي عضو مؤسس في نادي البلّوط الأحمر(ريد أوك) وهو نادي يساري يضمّ الطلاب والعاملين والمدرّسين الجامعيين في الجامعة الأميركيّة في بيروت. نشرت سلسلة من المقالات حول المسائل الحديثة والجندريّة والفنّيّة وحول القضايا السّياسيّة المحليّة في كلٍّ من صحيفة الأخبار والسّفير. كما نشرت صور توضيحيّة في كتاب تحت عنوان “على هاوية المدينة” (2010) وهي تبحث اليوم في القضايا المدينية. تعمل حاليًّا مع النساء السوريات ومع اللاجئات الفلسطينيات-السوريات على آليّات المواجهة الإجتماعية والإقتصادية والمكانية.

اقتباس: 
جنى نخّال. "متعة خارجيّة، عنف داخليّ؟ نقاش عن المطابقة، العمل الجنسيّ، واللّغة". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 2 عدد 1 (2016): ص. 9-16. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 23 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/external-pleasure-internal-violence.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (423.97 كيلوبايت)
ترجمة: 

هي مخطّطة حديثة ومتخصّصة في الأحياء الفقيرة ومخيّمات اللاجئين. لقد عملت في مختلف الأراضي اللبنانيّة في مخيّمات الفلسطينيين وفي الجنوب. هي ناشطة مؤسسة اتحاد العمّال الأجانب بالإضافة الى تنظيم الحركات الطلابيّة وهي عضو مؤسس في نادي البلّوط الأحمر(ريد أوك) وهو نادي يساري يضمّ الطلاب والعاملين والمدرّسين الجامعيين في الجامعة الأميركيّة في بيروت. نشرت سلسلة من المقالات حول المسائل الحديثة والجندريّة والفنّيّة وحول القضايا السّياسيّة المحليّة في كلٍّ من صحيفة الأخبار والسّفير. كما نشرت صور توضيحيّة في كتاب تحت عنوان “على هاوية المدينة” (2010) وهي تبحث اليوم في القضايا المدينية. تعمل حاليًّا مع النساء السوريات ومع اللاجئات الفلسطينيات-السوريات على آليّات المواجهة الإجتماعية والإقتصادية والمكانية.

مقدمة

ليس للمتعة وصفة عامة، فبينما تنكشف تعقيدات الألفة والحميمية والمتعة، نجد نفسنا نُشكّك في الأعراف، والمقبول ، والموجة التي أنتجها التكيّف.

ويحصل أحيانا، ان نسأل “لماذا تحصل الأمور بالطريقة التي تحصل بها”، أو أن نكون موجودات/ين فقط، ليصبح ذلك بحد ذاته، فعل مقاومة للتشفير العنيف الذي تتعرّض له أجسامنا وأفكارنا: أن نوجد هو أن نرفض الهيمنة. وإذ نربط هنا المقاومة بالمتعة، سياسياً وجنسياً، نرنو لفصلها عن المفهوم المهيمن للعنف.

في هذا النقاش، حاولنا استرجاع مساحة للمتعة والجنسانية في جو يكون عادة مكرّساً للاستعباد، وحاولنا ربطها بسلوكياتنا وتوقعاتنا، كما استخدامنا للّغة، ومقارباتنا للأرض، والتحرر الجنسي.

وعُقدت جلسة النقاش في مركز المؤسسة العربية للحريات والمساواة في تاريخ 26 أيار 2016، لمدة ثلاث ساعات. أما هذا المقال فيتضمّن مقتطفات مختصرة من أبرز الأفكار التي وردت في النقاش.

في ما يخصّ سياسات التمثيل، تجدر الإشارة إلى أن المشارِكات يتحدّثن انطلاقاً من تجاربهنّ وآرائهنّ الخاصة، وبالتالي، هنّ لا يمثّلن أي جهة أو مجموعة أو جمعيّة، ويعبّرن فقط عن أنفسهن، حتى حين يتحدّثن بصيغة الجمع.

*استُخدمت أسماء مستعارة في هذا النقاش للحفاظ على خصوصيّة وسلامة المشارِكات.

*اذا رغبت في طرح فكرة ما للنقاش، أو حتى استضافة نقاش مع مجموعة معيّنة من الأشخاص في زاوية “أحاديث”، يُمكنك التواصل مع فريق “كحل”: info@kohljournal

 

ل.:

إن الحديث عن التقاطع بين العنف والمتعة قضية واسعة. أعتقد أنه بيجب أن نعرّف كل مصطلح على حدى.

جنى:

يحقّ لكلّ شخص أن يكون له/ها تعريفه/ها الخاص

ل.:

نعم بالضبط. عادة، عندما يضع الناس العنف والمتعة في نفس الإطار، وهو موقفي، فإنهم لا لغيان بعضهما ولا يتواجدان بشكل حصري. لكنني أعتقد بأنه من الأفضل إذا ما ضيّقنا السياق الذي نعالجه.

جنى:

أعتقد بأنه من الممكن أن نستعمل الإطار العام وهو العلاقة بين “الرجال” و”النساء”، لكن بإمكاننا ايضاً الدخول في تفاصيل العلاقات الجنسية. مما أراه، كامرأة موجودة في لبنان، بالإضافة إلى قراءات عن الموضوع، فإن مفهوم “السيطرة” مهم جداً في هذه الحالة. يمكننا أن نبدأ من هنا، من تواجد العنف إلى جانب المتعة في العلاقات التطبيعية بين “الرجال” و”النساء”، عامّة

ل.:

عند النظر إلى المسألة من منظور غيريّ الجنس\الجنسي، فإنه من المهم أن ندرس مفهوم السيطرة. حينما نستطيع إدراك نوع معيّن من العنف على أنّه ممتع بشكل أو بآخر، من داخل هذه الديناميكية، لا أعتقد أنّه بإمكاننا أن نكون واضحين. فإن الديناميكيات غير المتوازنة قد تبدو واضحة، لكنها عامة لا تكون كذلك في الحقيقة.

خليل:

حتى الطريقة التي عبّر عنها ل. لا تزال عامّة جداً. أعتقد أن نقطة البداية تستطيع أن تكون عبر رؤية الديناميكية بين المتعة والعنف، أي بربطهما دائماً بالهوية الاجتماعية للشخص، والتي هي بالآخر، هويته\ا السياسية. ربما نستطيع أن نربطهما بميزة معينة، او بشيء نستطيع قياسه او تحديده، وإلّا يبقى الحديث نظرياً.

جنى:

نستطيع أن نبدأ بالكلام عن السمات التقليدية التي تعرّف ماهية “النساء” و”الرجال”. المرأة هي عامّة “الضعيفة” و”الرقيقة”، والرجل هو “الأقوى”.

خليل:

سنلتزم إذاً بالأدوار الجندرية\الإجتماعية التقليدية؟

جنى:

سنبدأ من هنا، واعتماداً على ذلك، نستطيع أن نقول بأنه هو من يسيطر وهي من تستمتع بكونها المسيطر عليها.

خليل:

“هي\هو”، لا أعرف حقاً لأي مدى تكون هذه العلاقة واضحة. فهل هي بين مهيمِن ومهيمَن عليها، أو من بين من يقبلن بهذه الادوار. أنا أرى المسيطرعليها\المهيمن عليها راضية بشكل أو بآخر وطيّع لهذا الواقع من السيطرة.

جنى:

أو بالأحرى غير واعية.

خليل:

ربما واعية وداعمة. أتكلّم عن نشأتي كمثال، حيث كان الرجال في عائلتي عديمي الأهمية. لم يكن لهم يوماً دور “ما يتوقّع أن يقوم به رجل في المنزل”، كمعيل للعائلة او من بيده القرار. كانوا عامّةّ مخلوقات فوضوية. في الحقيقة، فإن النساء كن ما يجعلن هذه الوحدة (العائلة) تستمر. وفي عقلي، لم يكن الأمر متعلقاً بأدوار جندرية -مع إننا نتعلّم ذلك شيئا فشيئاً- لأن العائلة محاطة بعائلات أخرى نرى من خلالها الشخصية النمطية للذكر البالغ، وهو الشخص الذي يعمل ويهتم بالعائلة، هو الذي يدافع عنك. بينما لو أردنا أن نأخذها بشكل شخصي، فإن أبي لطالما كان النموذج المعاكس تماماً لهذه الصورة النمطية. فقد كان ثملاً في اغلب الاحيان، غائباً، وفي الغالب هو مثير الشغب والمشاكل…بينما تركض النساء في عائلتي خلف الرجال لحل المشاكل..

سيرينا:

ولرعايتهم واحتضانهم.

خليل:

بالضبط، ولتصحيح ما كانوا يقومون به. وفي الوقت ذاته، فقد كان واضحاً أن النساء في عائلتي قمن عمداً بمنع تخطّي الأشكال التقليدية من الإحترام: “مهما جرى، هيدا بيّك (هذا ابوك)، لا تصرخ بوجهه”.

جنى:

…وأحياناً: “لا تجعله يشعر بأنه ضعيف”.

خليل:

تماماً، “لا تهزّوا مفهومهم لذاتهم”. أترين؟ النساء هنا وبهذه الطريقة، يدعمن الايديولوجيا البطريركية. كنت أحس بهذا لانني كنت قريباً جداً منهن وكنت أسمع كلامهن عن الموضوع او “مقاومتهن الصامتة” إذا صحّ التعبير، والتي قليلاً ما تطوف على السطح وتظهر كشكل من اشكال المقاومة. من هنا، أعتقد بأن العنف والمتعة يأتيان معاُ. ليست المسألة دائماً مسألة متعة جسدية. هنا تصبح متعة اجتماعية، وقد أقول “متعة سياسية”، تتعلّق بما إذا كنّا راضين وراضيات بما نحن عليه، وكيف نستمتع بلعب دور مقرَّر ومنتقى لنا.

جنى:

نعم، وهو هذا بالذات الرضى الذي بأتي من شكل من المبادئ الاجتماعية التي تقول لك “يجب ان تكون\ي هكذا، فهكذا تكون وتتصرف الأم المثالية، أو الزوجة الفاضلة، الخ”، وليس لأن هناك رضى فعلي نابع من معرفتك وتعريفك لماهية دورك وما يجب أن تفعلي في حياتك.

ل.:

: أولاً، أريد أن أسألك سؤالاً، خليل. بما أنك عرّفت المتعة كمتعة اجتماعية في هذا النقاش، فماهو العنف في هذه الحالة إذاً؟ ثانياُ، وبالنسبة للنساء اللّواتي “يلعبن الدور”: حين تدعم النساء هذه القوانين (غير المعلنة) عن الدور الإجتماعي، فذلك لا يعني أنّهنّ مصدرها. فالنساء اللواتي عانين من هذا النوع من التصرف، يعرفن كم هو صعب ألّا يعلّمن بناتهن كيف يبقين هامشيّات وبالشكل المطلوب. “إفعلي ذلك لمصلحتك”، يقلن، ويصبحن حارسات لأنفسهن. انت لست بحاجة لرجل ليفعل ذلك، لأنك تعرفين أنه وفي أي لحظة، يمكن لأي رجل آخر أن يلعب هذا الدور.

خليل:

تكلمت عن “التضحية”، وهي ليست “عنف”. هي عنف “مبرّر” ومقبول اجتماعياً.

ل.:

وهذا مخيف.

خليل:

بالتأكيد. جرائم الشرف مثال على ذلك. بمعنى ما، فهي تُمَجَّد شكلا من العنف يصيب النساء حينما يقمن بعمل “معيب” ومخجل، فيكون هذا العنف دواءً. حينما تصف هذا الفعل، حينما تصبغه بمعانٍ أخرى ذات وظائف رمزية، يصبح من السهل للكلمة ذاتها بأن تكون عنيفة. بطريقة أو بأخرى، هذه الهجرة الرمزية للمعنى أو ارتحال المعنى هذا، يقوم بالعمل ذاته، بالنسبة لكيفية تقبلنا لفعل اجتماعي عبر تعريفه بما هو عليه.

ل.:

أوافقك، لكن يبدو بأن لديك مقاربة ذات اتجاه واحد للعنف والمتعة: يمكننا ان ننسى بأن العنف يمكن أن يكون ممتعاً، كشعورنا بالسعادة. لكن هناك أمر آخر، أكثر تعقيداً من ذلك، حينما يحصل هذان الشيئان في الوقت ذاته. كرجل مغاير للجندر، تماشيت لفترة مع الدور (النسائي) المتوقع. على السطح، كان هناك متعة اجتماعية، تحت السطح أحسست بعنفٍ داخليٍ قاسٍ، وقد تواجدت الحالتان في الوقت ذاته. لو كانت لدي قدرات تكيّف عادية، لكنت اعتبرت التصرفات التي انتجت ردة فعل ايجابية من امي وعائلتي، تصرفات “جيدة”. لكن هل هي كذلك؟ فإنني حين أعود إلى المنزل، لا أحتمل حتى أن اكون ما أن عليه بسبب هذا النوع من العنف. إن كان كل من حولي يحتفلون، فهذا لا يعني أن العنف الداخلي غير المرئي، هو غير موجود ايضاً.

خليل:

أوافقك. ولا أعتقد أنني كنت أفكر بطريقة أحادية، لكنني كنت أتكلم عن فكرة أن هذا طقس وأن هذه النماذج تتكرّر. أعتقد أن كل شيء موجود في سياق ديناميكيات الصراع. هو هناك طوال الوقت. لكن لا يمكننا ايضاً ان نكون في حالة حرب طوال الوقت. حينما تحتاج للسلام، فعليك أن تبحث عن هذا المكان الذي تلجؤ إليه، هذا المصدر الهزيل من المتعة، لتخدير نفسك ولاسترجاع طاقتك وللعودة إلى القتال مع ما يسبّب كل هذا الألم والعنف.

جنى:

بأية أشكال تعتقدون بأنه من الممكن خلق مقاومة ما، خلق مساحات أو مجالات من المقاومة الممكنة للأفراد؟ وفيما يتعلّق بعملية خلق مساحات المقاومة هذه، هل يتمّ عبرها إنتاج دعم للأفراد والمجتمعات وكسر لدورة الهيمنة، أم أنها، وعلى العكس، تخلق رفاهية “مناطق أمان” نلجأ إليها هربا من الصراع الحقيقي، نلجأ ونكمل حياتنا ونترك كل شيء آخر في الخارج؟

ل.:

إن فعل المقاومة بحد ذاته هو بعدم التماهي مع العنف حولك. هذا شكل واحد من أشكال المقاومة. شكل آخر يكون في مجرد السؤال: “لماذا؟”. يسألنا الاطفال أحياناً “لماذا” عن أشياء شتى، ولا نجد جواباً ولكنهم لا يتوقفون عن السؤال، “لماذا نفعل الأمور بهذه الطريقة؟”. ففي تلك اللحظة عندما نبدأ بالسؤال، عندما نقول “لماذا؟”، تظهر أولى دلالات المقاومة. وهو ما يدلنا إلى مساحات المقاومة لأن في هذه اللحظة بالذات، تخلق حاجتك لبدء نقاش مع شخص آخر يسأل او تسأل “لماذا؟” أيضاً. هذا أول فعل مقاومة. يبدو الأمر اعتباطي حقاً، لكن عندما تبدئين بالسؤال، فإنك تهزّينهم، تهزّين مواقعهم. وحين تكملين وتستمرين بطرح أسئلتك، فإن التيار سيأخذك إلى حيث تجدين أجوبتك أو تجدين أسئلة أخرى تساعدك في فهم أسئلتك الاساسية. وهناك، تكون هذه المساحات للمقاومة.

سيرينا:

إن فعل المقاومة هو حقاً في الوجود، في التواجد هنا. هناك العديد من التركيبات الاجتماعية الرهيبة، متعلقة بالبطريركية، وبالرأسمالية وبالتباين الجنسي، الخ. لذا أظن لأن وجودنا بحد ذاته هو مقاومة لذلك كله.

ل.:

لكن ذلك يعتمد على “من”-ما هي هوية الذي او التي “يكون موجوداً”، أليس كذلك؟ مثلاً إن شخصاً غير مثلي، ذا هوية اجتماعية متطابقة مع جنسه، فهو موجود، وإن وجود بعض الأشخاص لا يعتبر مقاومة بأي شكل. تأمّلي ذوي الإمتيازات، الرجل الأبيض، الأوروبي، ذا الهوية الاجتماعية المطابقة لجنسه، الغيريّ، القوي جسدياً والذي لا يعاني من مرض أو إعاقة… هناك مساحات بهذا الشكل: الطريقة التي تتواجد بها غير محكية ولا تبدو مهمة، لكنها موجودة. يمكننا مقارنتها بتذكير مزعج بأن “هؤلاء الأشخاص موجودون”، وبأن هؤلاء الاشخاص مازالوا يقومون بأعمال ما، أعمال ربما لا تكون دائما ناجحة، لكنهم مازالوا هنا.

 

تحويل الجسد إلى أداة جنسية

 

جنى:

إذاما تكلّمنا عن أجسام النساء وحركتها داخل المعابد والكنائس والمساجد، يبدو للبعض بأن هناك ثنائية ما: أجساد النساء تتعرّض لإسقاطات جنسية وهي ترتدي ملابس السباحة على الشاطئ، بينما لا يحصل ذلك معها في أماكن العبادة. وأقول بأن هذا القول غير صحيح. إن تغطية “شيء” ما (في هذه الحالة، “جسم المرأة”) لا ينفي وجوده، بل يعمل في بعض الاحيان على تثبيت فكرة ما “يُراد” إخفاؤه، وفي هذه الحالة، جنسانية الجسد.

ل.:

يعتمد ذلك على “من” يقوم بالملاحظة. فمثلاً، يمكن أن يتمّ تحويل أجساد الأطفال إلى مادّة جنسية، كتغطية حلمات الأطفال والرضّع الإناث على الشاطئ. ويعتقد بعض الأهل بأنهم بذلك يمنعون نظرات مريض ما إلى جسم طفلاتهم، معتقدين بأن هذا الوضع عادي…وأعتقد أن هذه مشكلة. فالأمر يتعلّق إذاً بالنساء المحجبات وغير المحجبات: الجنسانية مفروضة على أجساد النساء بكل أشكالها.

جنى:

هذا ما عنيته: تغطية أجسامنا أوعدم تغطيتها في مكان أو آخر، لا يغيّر شيئاً من الاسقاطات الجنسية.

ل.:

: لأعطيك مثالاً. جرت مؤخّراً في الولابات المتحدة الأمريكية عدّة نقاشات بخصوص الحمامات العامة وتواجد المتحولين جنسياً فيها. كان أحد السياسيين يقول بأنه من السخيف أن نسمح لمتحوّلين ومغايري الجندر بدخول الحمّام الذي يتماثلون معه. وقد كانت الحجة على الشكل التالي: “تصوّروا كل الرجال الذين سيصبح بإمكانهم أن يدخلوا حمّامات النساء”، معلّقاً: “لو كنت أعرف أنه كان بإمكاني أن استحمّ مع النساء في قاعة الجيمنازيوم، لكنت عرّفت نفسي كامرأة منذ زمن طويل!”. شكراً لأنك أخبرتني من أنت حقاً، حيوان جنسي متحرّش، وأنه باستطاعتك أن تفعل أي شيء لتحصل على منفذ قانوني لتتعدّى جنسياً على النساء في الحمّام. ذلك لم يخبرني بالكثير عن المتحولين، لكنه أخبرني الكثير عنك )أي عن السياسي(.

جنى:

إن تواجدي مثلاً مع رجل في غرفة لوحدنا، يفيد بأنني أداة جنسية له. ممّا يذكّرني بشيء قرأته: “في الإنجيل، “معرفة” امرأة تأتي بمعنى “مضاجعتها”. أنت حينها تكتسب معرفة جسدية. وقد بدأت النسويات بفهم فكرة أن ال”معرفة” معناها “النكاح”1. هناك علاقة قوية بين هذا وما نتكلّم عنه: معرفة جسد الآخر، هي مضاجعته\ا. وليس هناك أية حدود بين الأشكال المختلفة للمعرفة، واجتياح تام لفضائها هي.

 

الكلام كفعل مقاوم

 

جنى:

من ناحية أخرى، فبينما يتكلّم الرجال بحرية عن حياتهم الجنسية، أجد أن النساء لا يفعلن ذلك. لا أعمّم هنا، بل أتكلّم عن النساء في بيروت، أولئك المنتميات لطبقة متوسطة أو عالية بورجوازية، متعلمات، يساريات، ناشطات سياسياً، الخ. هذه الفئة التي تعتبر “أكثر” تحرراً والتي تملك امتيازات كثيرة…فالكلام بينها عن الجنسانية ليس “عادياً”، بمعنى أننا لا نتكلّم عن تجاربنا الجنسية. وكأن الأمر لا حاجة له بين النساء. لقد تعوّدنا وتم تكييفنا لكي لا نرى أية حاجة في الكلام عن الجنسانية.

خليل:

كيف يحصل ذلك؟ أهو ضغط ما عليكن، باتجاه كيف يجب أن تكنّ؟ هل يحصل هذا التعنيف بين النساء أنفسهن أو هل تشعرن بأنه من الضروري أن يكون هناك سبب لفتح هذا النقاش؟

ل.:

هناك شعور بأنه “من الأفضل أن نتجنّب ذلك”. لقد عشت حياة اجتماعية كامرأة. وما يحصل عامّة هو أنك لا تريدين أن تتكلّمي عن عدد المغامرات والاكتشافات الجنسية التي مررت أو تريدين المرور بها. قد تتكلمين في النهاية، لكن هذا يعتمد على مستوى الثقة الموجود.

جنى:

بالضبط. وفي أكثر الأحيان، فالنقاش يحصل بين امرأتين فقط. ليس من السهل أن تتكلّمي ضمن مجموعة. يبدو الأمر قليلاً وكأنكن جالسات عاريات مع بعضكن البعض.

ل.:

نعم، لأن هذا الحديث ليس الهدف النهائي لهذه المجموعة الجندرية. فالفرصة السّانحة لرجل بعد نقاش من هذا النوع، هو أن يزيد من أهمية موقعه الاجتماعي، بأن يكون مع امرأة أو نساء هن أقرب للشكل المثالي للجمال.

جنى:

مازلنا لا نتكلم عن جنسانيتنا. نتكلّم مع اصدقاء ذكور عن حياتنا الجنسية بسهولة أكبر مما نفعلها مع صديقات نساء. لا أعرف ماذا يمكن أن أتوقّع من صديقاتي، لا أستطيع الكل. معهن بسهولة، واتوقّع الكثير من الأحكام المسبقة. كما أنها إن لم تبدأ الحديث هي، فأكون خائفة من أن تكون لها آراء مختلفة في الموضوع.

ل.:

ومن الممكن ان تكون هي أيضاً تخاف بنفس الطريقة. أنتما الإثنتان خائفتان بنفس الطريقة.

جنى:

أجل، وهنا نقوم، بين بعضنا البعض، بإعادة إنتاج نفس ديناميكيات الهيمنة.

ل.:

نفرضها، أحدنا على الآخر. ممّا يذكّرني بكتاب فوكو “التأديب والعقاب”، وهو يطبّق تماماً هنا. تصبحين قامعة نفسك، وقامعة غيرك.

جنى:

بالنسبة لي، ما يحصل ظالم جداً، لأنه يزيل شكلاً مهماً من المتعة التي أريد أن تكون بيني وبين امرأة أخرى، عبر مشاركة ما يحصل وما نمرّ به. لا أستطيع ان اشارك أمّي، ونساء أخريات في العائلة ما أمرّ به. وهذا شكل قاس من أشكال العنف التي أتعرّض لها كامرأة ، وهو يشوّه تماماً نوع العلاقة المبنية مع نساء أخريات في حياتي عامّة.

خليل:

تستطيعين مشاركته فقط إن كان مقبولاً اجتماعياً، أي إن كان نتيجة علاقة عادية من الزواج المقبول دينياً واجتماعياً.

ل.:

ويكون الخطاب الضمني: أنت تحسّين بأنه من الأسهل أن تكلّمي الرجال بالموضوع، لأنك تعرفين بأنه لن تتمّ معاقبة الرجال، لكنك لن تكلّمي امرأة بالموضوع. فهي إذا قبلت ب”تصرفاتك”، سينعكس ذلك حكماً عليها هي في عيون الآخرين. إذا كلّمت أمّك سيقولون لها “أنت أمّها وقد قبلت بأن تقول هذا وبأن تقوم بهذه الأشياء”، فتصبح هي نفسها في موقع المستضعفة، لأنها تقبّلتك، فأنت قمت إذا بإقصاء أمّك او أي امرأة. لا يجب أن ننسى بانهن هن أيضاً واقعات تحت مجهر حكم الجتمع.

 

اللّغة

 

جنى:

حينما نستعمل الكلمات النابية أو التعابير المهينة، فإننا نستخدم أعضاء من الاجسام لنذلّ الآخر، لكننا أيضاً نستخدم الفعل الجنسي كفعل مهين للسيطرة والعنف. لكنني أسأل، لماذا يكون “سيئاً” إذاما قلنا لرجل “سأنكح أختك”؟ عندما تأتي الجملة من رجل، فهي فهل عنف موجّه إلى عائلة المرأة.

خليل:

هو إعلان حرب حقاً. فعندما نستعمل تعابير كال”فتح\غزو”، هي تقارن مع مضاجعة امرأة “عذراء”. والفعل متعلّق برأيي بالسيطرة، وإمكانية الوصول إلى مكان من المفروض أن يكون “ناصعاً نقياً” ومحمياً بشكل جيد.

ل.:

وهو ليس فقط فعل عنف، لكنه أيضاً مبني على مفهوم الملكية. “سأنكح أمّك”، ممّا يعني بأنها حتى ولو كانت فرداً أكبر منك عمراً، فعليها أن تأخذ موافقتك. عن السيطرة والخضوع.

جنى:

بإمكاننا أن نقارن هذه المقاربة مع “قطيع”: “سآخذ قطيعك الآن. كان ملكك لكنه من الآن فصاعداً ملكي”.

سيرينا:

استملاك صوت الشخص ووجوده/ا السياسي.

ل.:

عبر التاريخ، هناك أيضاً ما فعله المستعمرون: الاستحصال على حق الليلة الأولى.

جنى:

من المفيد رؤية كيف تمّ تكرار هذا واعادة صياغته ضمن خطابنا عن الأرض، الإحتلال والتحررّ\التحرير. “فلسطين هي الأرض المغتصبة”. فهي امرأة، دائماً، والمحرر يكون الرجل دائماً. وأعود إلى السؤال: لماذا يكون فعل ممارسة الجنس كفعل اجتماعي، أمراً عنيفاً، بغض النظر عن نموذج السيطرة الموجود؟

خليل:

في عقلية الإحتلال والاجتياح، متى يستطيع المحتل مضاجعة نساء العدو؟ لا يحصل ذلك إلّا بعد سقوط الدفاعات كافّة، فقط عندها يستطيع الرجل الحصول على ألعاب الحرب واستعمالها والاستمتاع بها. أعتقد أن استخدام التعبير بدأ لوقوع دمار هائل، لدرجة أن المكان المقدس أصبح سهل الاختراق.

ل.:

وهن “مخترقات”، “مغزوات”، وهو ما يجب أن يدفع الرجل يحمي “وطنه الأم”.

جنى:

حين نتكلّم عن الجنس ك”إخضاع واستعباد”، لماذا يبدو “الركوع” سيئاً؟

خليل:

شكل من أشكال الإخضاع؟ لسبب بسيط: المكان، “من يكون “فوق” الآخر”؟

جنى:

وبإمكان ذلك أن يكون طريقة لتفسير لماذا لا يحب الرجال أن يكونوا إلا “فوق”. إذاً، لماذا يحمل الإخضاع الجسدي، حينما يرتبط بموضع الاجسام، لماذا يحمل معنى السيطرة؟

خليل:

عادة. أراها من وجهة نظر الفنون القتالية، إذا كنت أصارع أحداً، فالذي يأخذ موضعاً فوق خصمه يكون المسيطر.

جنى:

فإذاً هي السيطرة الجسدية وفكرة أننا ندرك الفعل الجنسي كفعل متعلق بالقوة والسلطة والسيطرة.

 

برنوغرافيا

 

جنى:

هل يمكن أن تكون البورنوغرافيا والعمل في الخدمات الجنسية، أفعالاً لتحرّر النساء، ومتى؟

ل.:

أعتقد أن هذا ممكن عندما تصبح هذه الأعمال غير معاقب عليها من قبل الرجال.

جنى:

مما يعني أنه وحتى اليوم، لم تكن هذه الاعمال يوماً محرِّرة؟

ل.:

بهذا المعنى، اجل، لم تكن كذلك. أمّا الأفعال الصغيرة التي تمّ عبرها استرجاع مساحة سياسية للحركة والتأثير، ربما تكون محرِّرة. لكننا نعرف أن أعلى مستويات الطلب للخدمات الجنسية قادمة من الرجال الغيريين. وهم ذاتهم من يعتبرون العمل في الخدمات الجنسية وظيفة مهينة. وفي نفس الوقت، هم جزء أساسي من الطلب. لا يشكّك أحد في “حق” الرجال بخلق هذا العرض حينما يستجيب لأجندتهم، وفي نفس الوقت العقاب الذي ينزلونه على هؤلاء النساء حين لا يفيدهم هذا العمل.

جنى:

وهل تعتقدين يا سيرينا، أنه يمكن أن يكون عملاً محرّراً للعاملات في الخدمات الجنسية وممثلات البورنوغرافيا؟

سيرينا:

الأمر يتعلّق بحرية الخيار الموجودة لديهن والقدرة على أخذ القرار واسترجاع مواقعهن السياسية.

ل.:

وحتى لو امتلكن هذا القرار تماماً، وكنّ واعيات له، يبدو أن الجميع ينسى ولو لوهلة بأن هؤلاء النساء يُلَمن، ويتم اصدار الأحكام الأخلاقية عليهن، ويتمّ تحميلهن المسؤولية. فهو يمكن أن يكون محرِّراً في أحيان ومناسبات محددة، في حالة اختيارنا لاستعمال أجسادنا بالطريقة التي نريدها مثلاً، للحصول على المال مثلاً، وعلى الجميع أن يحترم ذلك. لكن المشكلة أن هذا لا يحصل، لا أحد يحترم هذه الخيارات.

جنى:

أعتقد أيضاً بأن الحجج المستخدمة لانتقادها هي، منافقة: فهي إمّا تصوَّر ك”ضحية” للمجتمع، والوضع الاقتصادي، الخ، او يتمّ معاملتها كغول ما، لأنها “تحب” عملها هذا. أوافقك تماماً، فحتى تصبح هذه الوظيفة “عادية”، عندما يتمّ التعامل معها كما يتمّ التعامل مع أية وظيفة أخرى، مع وظيفتي التي أبيع من خلالها أفكاري، حتى ذلك الوقت، لن تكون محرِّرة حقاً. كما أن هؤلاء النساء سيصبحن أقوى عندما يتنظّمن أي عندما يتمّ تشريع المهنة.

ل.:

بالنسبة للنظام، كل ما يصبح “قانونياً” يصبح “مرئياً”.

خليل:

وكيف يتمّ فرض السيطرة؟ يتم الابقاء على الناس ضعفاء، واستخدام هذا الضعف ضدهن\م. كلنا ضعفاء بأشكال ومواقع مختلفة، لكننا لسنا ضعفاء بقدر أولئك اللواتي واللذين تتمّ تسميتهم بغير شرعيات\ين وغير أخلاقيات\ين في نفس الوقت. وهناك حاجة كبيرة لاسترجاع هذا النوع من السيطرة، النوع الذي يجعلهنّ يفقدن ضعفهنّ، يجعلهنّ مرئيات، قادرات على التنظيم والعمل من أجل حقوقهن، الخ.

ل.:

لأنه يعطيهنّ منصة، مساحة حيث يمكن أن يبدأن نقاشاً. كل المجتمعات والمجموعات المضطهدة المستضعفة تعي ماهية المستبد، لكن ذلك لا يمنعها من قمع وظلم الآخر. ومن المهم أيضاً ان نرى كيف تتمّ الإضاءة على مجموعة مستضعفة دون أخرى. وكأنه علينا دائماً أن نعطي مساحة لمجموعة أقوى لتثبّت مكانها ضمن مجتمع ما.

جنى:

ونكتشف كمية الهرميات الموجودة، حتى ضمن المجتمع المستضعف الواحد.

  • 1. MacKinnon, Catharine. ‘Feminism, Marxism, Method and the state’, Chicago Journals, 1983
ملحوظات: