(نزع) تقاطعيّة التّقاطعيّة في زمن اللّجوء السّوريّ الكويريّ كحالة في لبنان

السيرة: 

صبيحة علوش محاضرة في سياسات الشرق الأوسط بجامعة إكستر. يهتمّ بحث صبيحة، عموما، بسدّ الفجوة بين الكتابة الأنثروبولوجية والتحليل السياسي. تتموقع صبيحة، بطريقة أساسية، في الدراسات النسوية والكويرية. يتناول عملها المناهج النسوية للعنف والصراع والهجرة والحراك الاجتماعي. تكرّس صبيحة نفسها لإنتاج المعرفة المنهية للاستعمار ولإعادة النظر في الأنظمة الجندرية والجنسانية في منطقة الشرق الأوسط فيما يتجاوز الإطار النظري الأوروبي. لها منشورات في مجلة دراسات النساء في الشرق الأوسط والمجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط.

 

‫ ‫الملخص: 

يأتي هذا المقال إستجابةً لدعوة جاسبير بوار إلى إستكمال التحليل التقاطعي بالتوليف عند التطرّق إلى موضوع سياسات الهوية. يحاجج المقال بأنّ إصرار منظمات اللجوء على عدم مراعاة التفاعلات القائمة بين الدولة المضيفة (لبنان في هذه الحالة) من جهة، وواقع حال اللاجئين/ات (السوريين/ات) من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر من جهة ثانية، إنّما يؤدّي إلى بلورة سردية موحّدة تدفع بهؤلاء اللاجئين/ات نحو جسديةً أكثر ظهوراً قد تنطوي على إحتمال أعلى للموت. يتلخّص التفاعل بين اللاجئين/ات والدولة المضيفة بالخطاب النخبوي المرتكز على فكرة “الإحتلال السوري الجديد” الذي يؤدّي إلى إعادة تأجيج “الرجولة اللبنانية الأصيلة.” فكما تتمّ شيطنة السوري “مغتصِباً” في الدوائر الغيرية، يتم خصيه “سالباً” في الدوائر المثلية. يكتسب هذا الخطاب صفته المهيمنة في مواقع تقاطع الطائفية بالولاء السياسي والطبقية. على المستوى التطبيقي، يعتمد هذا المقال في تحليله على سرديات تمّ جمعها خلال أداء أعمال ميدانية من أجل إظهار محدودية التحليل الذي يعتبر سياسات الهوية من المسلمات، كما هو حال منظمات اللجوء في خطابها المتشبّع بالتحليل الغربي “الثابت” لما يجب أن تكون عليه “أشكال” و”سلوكيات” مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر.

شكر‬ ‫واعتراف‬: 

أتوجّه بالشكر للزملاء والزميلات في جامعة سواس في لندن، د. كارولاين أوسيلا ود. راهول راو ولويس تورنر للنصح والإرشاد في المراحل التكوينية لهذا المقال. كما أتوجّه بالشكر للمراجعين/ات إقتراحاتهم/نّ القيمة من أجل تحسين المقال، وفريق كحل للتّرجمة على عملهنّ على النّسخة العربيّة.

الكلمات المفتاحية: 
Syria; Lebanon; Refugee; Asylum; Masculinity; LGBT; Queer Critique
اقتباس: 
صبيحة علوش. "(نزع) تقاطعيّة التّقاطعيّة في زمن اللّجوء السّوريّ الكويريّ كحالة في لبنان". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 3 عدد 1 (2017): ص. 63-83. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 08 أكتوبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/dis-intersecting-intersectionality.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (686.01 كيلوبايت)
ترجمة: 

It took me ten years to graduate with a B.A. in Biology from the Lebanese University, so in the meantime, I became part of the founding team of Meem (2008-2013), The Feminist Collective (2009-2010) which would later become Nasawiya, and Qorras (2014-2019). I currently work as the coordinator and editor-in-chief of Sayaran, a project implemented by Hivos. I began translating out of necessity back in 2009 and haven’t stopped since. What started as a need soon grew into a passion for Arabic language(s), its forms, mutations, history, and how different people relate to it differently. Nowadays, I spend my free time getting lost in books, pondering the machinations of movement building, writing ambitious projects I will (never) publish, and reclaiming my Arabic language, one word at a time.

في شهر تمّوز/يوليو من العام 2012، إرتفعت الأصوات المندّدة ببرنامج “أنت حر” التلفزيوني، ومقدّمه جو معلوف، لإذلاله وتشهيره العلني بمجموعة من الرجال كانوا يشاهدون أفلاماً إباحية ويمارسون الجنس مع رجال آخرين في سينما بلازا المشهورة. “أنت حر” برنامج أقلّ ما يُقال فيه أنّه شعبوي وفضائحي يُبث على قناة الأم تي في اللبنانية. لم يكتفِ البرنامج بإظهار وجوه الرجال وتسميتهم، بل عمد المصوّر على “إغراء” البعض لممارسة علاقة جنسية معه في المرحاض (Mandour 2013:7). وقدّ أدّت هذه الحلقة إلى إعتقال 36 رجلاً وتمّ إخضاع البعض لفحوصات “شرجية” (المرجع نفسه). الفحص الشرجي نوع من المعاينة الطبية يُزعم أنّها تُظهر ما إذا كان الرجل يمارس اللواط، وهي فحوصات تعتمدها قوة الأمن الداخلي في لبنان عند الإشتباه بالممارسة الجنسية بين الرجال بالرغم من أنّها غير منصوص عليها في القانون اللبناني.

بعد ساعات قليلة من بث الحلقة، صخبت وسائل التواصل الإجتماعي بالتعليقات الغاضبة. في اليوم التالي، وجّهت إحدى القنوات التلفزيونية الرئيسية في لبنان، الأل بي سي، نقداً شديد اللهجة إلى الدولة اللبنانية، متّهمةً إيّاها بـ”إغتصاب” الموقوفين (المرجع نفسه). حتّى إنّ وزير الداخلية آنذاك، مروان شربل، عبّر عن عدم رضاه عن الحلقة، وبدر عنه ما يمكن وصفه بالقلق الصادق إزاء نشرها. كما أنّ المعالجة الإعلامية لموضوع المثلية، في الإعلام المكتوب أو المرئي-المسموع، شهدت نقلة نوعية من خطاب التأنيب إلى آخر أكثر تعاطفاً. شأني شأن العديد من المراقبين/ات، بدأت بالتساؤل ما إذا كنّا نشهد عملية تغيير إجتماعي جوهري.

قبل إنقضاء سنة على حادثة سينما بلازا، تجدّدت حالة الذعر الإجتماعي لكن في منطقة الدكوانة هذه المرة حيث يقع ملهى غوست. غوست ملهى ليلي مشهور بالحفلات “المثلية” التي يستضيفها. داهمت قوى الأمن الداخلي غوست تحت إشراف رئيس بلدية الدكوانة، أنطوان شختورة.1 تمّ تصوير المداهمة ورفع الفيديو على وسائل الإعلام الإجتماعي. قامت الشرطة بإعتقال ثلاثة رجال وإمرأة متغيرة جنسياً. في شهادته، وصف أحد الموقوفين، وهو سوري الجنسية، التجربة بالعنيفة والمذلّة، تعرّض فيها لتحرّشات لفظية وعنف جسدي وتعرية ومحاكاة لأفعال جنسية (Raynbow Lebanon, 2013). بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً للشهادة نفسها، “لم يكفّ عناصر الأمن عن توجيه الإهانات.. سألونا [أي عناصر الأمن] لو كنّا تجرّأنا على هذه التصرفات لو كنّا لا نزال نقيم في سوريا.. ثمّ علّقوا مشتكين ممّا ’يأتينا من سوريا’..” (نفس المرجع).

غطّى جو معلوف حادثة الدكوانة في برنامجه منتقداً أداء شختورة وقوى الأمن في ما يمكن تسميته تكفيراً عن ذنوبه. تمّ طرده بسرعة من قناة إم تي في. إلا أنّ “مونولوجات معلوف المتحيزة والأحادية الجانب” – على حد قول جهاد المر، مدير قناة إم تي في، على حسابه الخاص على تويتر – لم تكن الدافع الفعلي لقرار وقف البرنامج (Mandour, 2013). في قضية الدكوانة، تركّز نقد النشطاء، وقناة الأل بي سي LBC في نشرتها الإخبارية، بالدرجة الأولى على رئيس بلدية الدكوانة. يُعتبر شختورة من الزعامات المحلية والإقليمية في لبنان، “إياك والعبث مع الزعيم.” تجدر هنا الإشارة أنّ تعبير “الزعامة” هنا واسع ويدلّ على كافة علاقات الزبائنية التاريخية حيث التمثيل السياسي، أو بالأحرى الولاء السياسي، مرتبط بالإنتماء الطائفي والطبقي. من جهة أخرى، لعلّ الوصف الأنسب لدور شختورة يكون بأنّه موالي، والمقصود هنا ولاؤه لمالك إم تي في MTV، ميشال المر.

حادثتَا غوست وسينما بلازا شكل من أشكال إبيستيم (أو النظام المعرفي) الجنسانية العنيف، أو الجنسانية أداةً للسيطرة في لبنان المعاصر. تبيّن الحادثتان كيف أنّ مثال “لبنان الإستثناء” المحبّب مشروط بما يمكن وصفه بمؤشّر تفاعل حربي النمط بين “النظام الإجتماعي” من جهة، والطبقة السياسية من جهة أخرى. بمعنى آخر، يوظّف الزعيم المحلي الذعر الأخلاقي لتعزيز أجندته.

بالنسبة لحادثة الدكوانة، قد تبدو أفعال رئيس البلدية، أنطوان شختورة، للوهلة الأولى نابعة من رهاب المثلية.غير أنّ الواقع أشدّ تعقيداً من ذلك، والتحليل المحدود هذا لا يأخذ بعين الإعتبار الإرتباطات المتجذرة للجنسانية بالذكورة والسلطة في لبنان. حادثة الدكوانة، كما كان الحال في حادثة الكوين بوت في القاهرة في أيار/مايو 2001 قبلها، لم تأتِ نتيجةً لإعتبارات شختورة الهوموفوبية بقدر ما كانت فرصة تتيح له “تأدية خطاب أمن وطني تتمّ من خلاله إعادة إنتاج السيادة الوطنية وإستمرارية النظام السياسي” (Pratt 2007: 129). التهجّم على الموقوفين على أساس جنسيتهم (ما “يأتينا من سوريا”) فرصة يستغلّها شختورة للإستمرار بمعاملة اللاجئين/ات السوريين/ات بشكلٍ سيء في منطقة الدكوانة، من خلال إستمرار فرض حظر التجوّل عليهم/نّ مثلاً. كما أنّها تشديد على “قباحة” الفئة المستهدفة. تقول أحمد (2000:53) في هذا الإطار، أنّ “المبالغة بتمثيل الأجساد الغريبة كـ”قباحة” يموقعها من الأساس كأجساد لم تكتسب بعد صفة الفردية، خارجةً عن المكان بسبب رفضها لقبول إحتواءه لها.”

إنّ عنف الشرطة المحدق في إطار حادثة غوست، والذي أتى إثر إعتقال 36 رجلاً للإشتباه بممارستهم الجنس مع أفراد من نفس الجنس، يُعيد إلى الذاكرة كتابات بول عمار (2011). يحصر التحليل السطحي لتصرفات قوى الأمن الداخلي بخطاب الرجولة “المأزومة” في الشرق الأوسط، بما يتضمّنه هذا الخطاب من تسليم بوجود العنف والتطرّف الديني والإفتراس الجنسي، بدلاً من الإعتراف بدور “المنطق الأمني” الذي تتبنّاه الدولة، وكما يقول عمار (2013) في هذا الصدد، ممّا يجعل من بعض الرجال أغراضاً منتجة للخوف لا بدّ من السيطرة عليها، وفي نهاية المطاف، إرغامها على الإندماج في أجهزته. بمعنى آخر، يدعونا عمّار للإبتعاد عن نظرة جيوسياسية محدودة تتناول تيمة الجنسانية دون إيلاء الإهتمام اللازم لدور الدولة في بناء الذكورة (والأنوثة).

يعتمد هذا المقال خطّين رئيسيين. يتعلّق الأوّل بدور الدولة اللبنانية في بناء ذكورة قومية تنتج اللاجئين/ات السوريين/ات “آخراً.” أما الثاني فيتطرّق لتأثير هذا البناء على واقع اللاجئين/ات السوريين/ات من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر. تجدر هنا الإشارة إلى أنّ تحليل المقال يعتمد على البيانات التي تمّ إستخلاصها من أعمال ميدانية،2 بالإضافة دراسات الجندر والجنسانية ودراسات اللجوء والعلاقات الدولية النقدية، وذلك بهدف المحاججة بأنّ إصرار منظمات اللجوء على عدم مراعاة التفاعلات القائمة بين الدولة المضيفة (لبنان في هذه الحالة) من جهة، وواقع حال اللاجئين/ات (السوريين/ات) من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر من جهة ثانية، إنّما يؤدّي إلى بلورة سردية موحّدة تدفع بهؤلاء اللاجئين/ات نحو جسدية أكثر ظهوراً قد تنطوي على إحتمال أعلى للموت.

سوف أتطرّق أولاً إلى مفهوم اللجوء بهدف نقد الصورة السائدة وغير النقدية المبنية عن هذه الفئة. ثمّ أحدّد سياق هذا المقال من خلال تنظير رد الفعل السلبي الحالي ضدّ اللاجئين/ات السوريين/ات في لبنان على أساس كونهم أداةً “للإحتلال السوري الجديد.” أحاجج في المقال أنّ هذا الخطاب/رد الفعل يكتسب صفة الهيمنة من خلال تقاطع النخبة الحاكمة في لبنان مع الولاء السياسي والطبقية. كما يستمدّ هذا الخطاب شرعيته (المتخيّلة) من مصادرة هذه النخبة للحماس الوطني المرافق لثورة الأرز عام ٢٠٠٥. سأستخدم التحليل الخطابي ومقابلات أَجريتها مع لاجئين/ات سوريين/ات من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر بهدف إظهار التفاعل الحاصل بين خطاب “الإحتلال السوري الجديد” بالرجولة والأمّة: ففي الإطار الغيري يكون “اللاجئ” السوري “مغتصباً،” أما في الإطار المثلي يُخصى ليمسي “سالباً.” في المرحلة الثانية، أظھر محدودية التحليل الذي يعتبر سياسات الهوية من المسلمات، كما هو حال المنظمات المعنية بشؤون اللجوء في خطابها المتشبّع بالتحليل الغربي “الثابت” لما يجب أن تكون عليه “أشكال” و”سلوكيات” مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر. في نھایة المطاف، أحاول الإستجابةً لدعوة جاسبير بوار إلى إستكمال التحليل التقاطعي بالتوليف عند التطرّق إلى موضوع سياسات الهوية.

 

ملاحظات حول اللجوء كحالة

صحيح أنّ تناول اللجوء السوري في لبنان، كما سائر الدول، في المؤلفات لا يزال في مراحله التكوينية، إلا أنّ تناول اللجوء الفلسطيني في لبنان أكثر تطوّراً. تجدر هنا الإشارة إلى أنّ أغلبية اللاجئين/ات السوريين/ات في لبنان ينطبق على ظروف معيشتهم وصف “خارج المخيمات،” فالإقتصاد اللبناني “يتطلّب” وجود العديد من العمال/العاملات السوريين/ات “خارج المخيمات” ومن ذوي/ات “الأجور المنخفضة” (Turner, 2015). بالتالي، لا بدّ لنا من توسيع تعريفنا لماهية “المخيّم” من “فضاء للعمل الإنساني” إلى أداة تستخدمها الدولة لفصل بعض اللاجئين/ات مساحياً بحسب الغرض الإقتصادي المرجو منهم/ن. نرى نمطاً مشابهاً من الإستغلال في السياق الفلسطيني، كما سيتبيّن لنا لاحقاً.

عند بداية قدوم اللاجئين/ات إلى لبنان في عام 2012، كان حال اللاجئين/ات الفلسطينين/ات يكاد يكون نفسه منذ قدومهم/ن في العام ١٩٤٨. بالنسبة للفلسطينيين/ات المسيحيين/ات، كان من الممكن الحصول على الجنسية اللبنانية بشكلٍ أسهل نسبياً، خصوصاً أيام حكم الرئيس كميل شمعون في الخمسينات (Knudsen 2009). حالياً، ووفقاً لبِتيت (2005: 174)، بات موضوع توطين اللاجئين/ات يَواجه بالرفض من قبل كافة الجهات الطائفية في البلاد، ومن هنا شعار “لبنان للبنانيين.” وكما يضيف كنودسن (2009: 68) يغدو طرح التعامل مع مسألة إعادة التوطين ممارسةً “غير مجدية” في ظلّ “معارضة النخب والزعامات [ومعظمها ممثّلة في البرلمان] بدعم من الرأي العام.” حتّى المحاولات القليلة لإعادة طرح المسألة أتت ضعيفة نظراً لضعف إمكانيات السلطة التنفيذية في هذا الصدد نظراً لأحكام قوانين العمل المرعية الإجراء.

في لبنان ما يقارب ٤٥١ ألف فلسطيني/ة مسجل/ة في الأونوروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي/ات3 فلسطين في الشرق الأدنى). غالباً ما تتمّ الإشارة إلى هشاشة التركيبة الديموغرافية في لبنان – حيث أنّ أعداد المسيحيين/ات والمسلمين/ات تعتبر شبه متساوية – على أنّها السبب الرئيسي لإستبعاد اللاجئين/ات الفلسطينيين/ات من المجتمع من جهة، ورفض الدولة اللبنانية منحهم/ن الجنسية اللبنانية، من جهة ثانية (Knudsen 2009). يفضح هذا الحرمان المعنى الزمني المنسوب خطأً لحال اللاجئين/ات.

عندما نقوم بإضفاء معنىً زمنياً لحيوات اللاجئين/ات نختزل واقعهم/ن المعيوش بسردية “العودة،” هذا على اعتبار أنّ هذه العودة ممكنة أصلاً. بنفس الطريقة، فإنّ الفهم الزمني ينكر التفاوت القائم بين المعنى القانوني والمعنى الإجتماعي للاجئين/ات، كما يتبيّن لنا في التحليل السياسي السائد. لا يزال الفلسطينيون/ات المقيمون/ات في لبنان يعاملون معاملة “مواطنين/ات درجة ثانية،” بالرغم من إقامتهم/ن في البلد لعقود طويلة.4 نسمع اللبنانيين/ات عادةً يقولون أنّ “الفلسطينيين/ات مرفهين/ات في هذا البلد،” على اعتبار أنّ جلّ ما يتوجّب عليهم/نّ القيام به هو التسجيل لدى الأونروا للحصول على إعانات شهرية. غالباً ما تتمّ مقارنة ذلك بالأزمات المتعددة التي يعاني منها اللبنانيين/ات في حياتهم/ن اليومية: من ضعف البنى التحتية (بما في ذلك الطرقات والمياه والكهرباء والإتصالات) إلى ضبابية البنى البيروقراطية فحتمية الهجرة عاجلاً أم آجلاً نظراً لندرة “فرص العمل الجيدة” خصوصاً بالمقارنة مع الأعداد المرتفعة لخريجي/ات الجامعات من الفئة الشبابية في لبنان.

إنّ هذه النظرة الجوهرانية لمن يستأهل صفة اللجوء وتكوين فئة اللجوء مُقيّدة ومُعيقة. بالإضافة إلى إختزال ذاتية اللاجئ/ة عبر حصر واقعهم/ن المعيوش بتعبير قانوني وحسب، تعجز هذه النظرة عن التعبير عن تعقيدات الديناميات القائمة بين اللاجئين/ات والمجتمع العام. تشير بِتيت (2005) مثلاً إلى أنّ الفلسطينيين/ات المقيمين/ات في لبنان تجنّبوا الإشارة إلى أنفسهم بصفة “لاجئ/ة” لأطول مدّة ممكنة، على إعتبار أنّهم/ن حركة مقاومة بالدرجة الأولى. لم يتبدّل الوضع لحين مأسسة وجودهم/ن في لبنان، مع ظهور الأونروا والخدمات التي تشترط التسجيل بهذه الصفة للوصول إليها. وكما تقول بِتيت (2005: 210)، فإنّ المعنى القانوني للجوء الفلسطيني في لبنان متغيّر بالرغم من كونه “فئة من ذوي الإعتراف الدولي،” غير أنّ الترجمة المحلية له “تتبدّل مع تبدّل قوة حركات المقاومة” في فلسطين. يتوافق تحليل بِتيت مع ما خلصت إليه برناديت لودفيغ (2013) التي عملت ضمن برنامج الولايات المتحدة لإعادة التوطين. تكشف لودفيغ (2013) عدم الإتساق بين المعنى القانوني اللاجئ/ة والمعنى “غير الرسمي” أو الإجتماعي:

يعرّف المهجّرون/ات عن أنفسهم/نّ بصفة اللجوء عندما يضمن هذا التعريف لهم/نّ الحماية القانونية وإعادة التوطين في الولايات المتحدة الأمريكية والوصول لخدمات حكومية. إلا أنّهم يرفضونه لو لم يرتبط بالموارد المرجوة واستحال تذكيراً بالماضي، بمعاناته ووصمته.

تظهر كلّ من بِتيت ولودفيغ كيف تتخطى فئة اللاجئين/ات حدود التعبير القانوني، وفيما بعد، سوف نرى كيف يتم بناء هوية اللاجئين/ات السوريين/ات من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر بالتوازي في مخيّلة كلّ من المجتمع المضيف وسلطات اللجوء. وذلك بالرغم من الخطر الناجم عن تعريفات هؤلاء المسبقة لما يفترض أن تكون عليه حياة مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر وكيفية تمثّلها. في ما يلي نسلّط الضوء أيضاً على كيفية دمج اللاجئ/ة السوري/ة في شعار “لبنان للبنانيين،” بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه النخب السياسية في بناء صورة اللاجئ/ة السوري/ة وتطوير خطاب “الإحتلال السوري الجديد،” وهي عملية من الممكن تقفي آثار نشأتها إلى ثورة الأرز عام 2005.

 

اللجوء السوري كحالة من “الإحتلال الجديد”

مع توقيع إتفاق الطائف5 بين الأطراف السياسية اللبنانية في العام 1989، وإعلان إنتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وقع لبنان فعلياً تحت سيطرة النظام السوري. هل بالإمكان القول أنّ إتفاق الطائف أنهى فعلياً القتال بين الأطراف السياسية-الطائفية المختلفة؟ أم أنّه إكتفى بنقل المعركة من ساحة القتال السياسي-الطائفي إلى حيّز النيوليبيرالية المنفلتة؟ يخرج نقاش هذه التساؤلات عن نطاق تغطية هذا المقال، إلّا أنّه أساسي لفهم الجذور السياسية-الإقتصادية للخطاب المعادي للاجئين/ات السوريين/ات في لبنان.

في أعقاب إغتيال رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005، نزل اللبنانيون/ات إلى الشوارع (باستثناء مؤيدي/ات حزب الله ومعظمهم/ن من الشيعة)، للمطالبة بخروج الجيش السوري الفوري من لبنان في ما يمكن إعتباره مشهداً إستثنائياً للوحدة الجمالية الحافز. من المنظور الجندري، بالإمكان إعتبار ثورة الأرز إسترداداً للذكورة اللبنانية وإعادة تفعيلٍ لها، وذلك بعد مرحلة طويلة من الخنوع أمام الإحتلال السوري أو، توخياً للدقة، إنحصار القدرة على التعبير عنها بإذنٍ من الوجود السوري المهيمن.6 وتظهر تجليات هذا الإسترداد للرجولة على كافة مستويات تراتبية السلطة في لبنان، من “الزعيم” اللبناني، وهو القائد السياسي-الطائفي، وما يختبره من إعتدادٍ بلبنانية خطابه التامّة للمرة الأولى، وصولاً إلى اللبناني العادي وما يختبره من عدم الخوف من التعبير عن معاداته للسوريين/ات، بالنسبة لهؤلاء اللبنانيين، يبقى 14 آذار/مارس 2005 من أكثر أيام حياتهم مدعاةً للفخر. بالتالي، فإنّ أقلّ ما يُقال عن التحليل الذي يتجاهل إختلاط الرجولة بالمواطنة بالتاريخ اللبناني-السوري أنّه خاطئ.

لا يمكننا التطرّق لموضوع موجة تدفّق اللاجئين/ات السوريين/ات إلى لبنان من دون العودة إلى ثورة الأرز بالإضافة إلى الجمود المزمن اللاحق بقضية “توطين الفلسطينيين” وتسخير النخبة السياسية لأجساد الأجانب أداةً لممارسة السياسة الوطنية. في ما يلي، سوف أحاجج بأن إعادة إحياء خطاب “الرجل اللبناني الأصيل” يتمّ عبر التعليم المنهجي على السوريين بصفتهم “مغتصبين” في السياق الغيري و”سوالب” في السياق المثلي.

 

الرجال كممثلي الأمة

تزخر الأدبيات بتحليل العبء الواقع على المرأة كممثلات للأمم في الشرق الأوسط، وهذا ما لا شكّ فيه، إلا أنّ عبء التمثيل الواقع على الرجال في تزايد مستمر، وذلك منذ بداية قدوم اللاجئين/ات السوريين/ات إلى لبنان في العام 2010. أي أنّ الخطاب المنادي بالعودة إلى “الرجولة اللبنانية الأصيلة” يتبلور أكثر فأكثر. ومن غير المفاجئ أن نرى هذا التطوّر في السياقات الغيرية واللاغيرية على حد السواء.

الجنسانية، كأداة رقابية، تظهر جلية المعالم في بناء خطاب اللاجئ السوري “الشرير،” وهذا ما بات واضحاً في ظاهرة إتهام هذه الفئة بالإغتصاب بشكلٍ مغرض وعارٍ عن الصحة (Gagné and Qubaia, 2014). يتمّ توظيف الجنسانية في هذا الإطار للتمييز بين الأصيل (اللبناني) والأجنبي (السوري). ممّا يعيدنا بالذاكرة إلى “نموذج الرقابة/ الرعاية” لسعاد جوزيف (2005) حيث النساء ممثلات الأمّة وأمهّات أبنائها والحاصلات على رعاية رجالها. أمّا الإغتصاب فهو فشل الرجل، أن يفشل اللبناني في حماية اللبنانية من “اللاجئ السوري بحضوره الطاغي.” بالإضافة إلى ما يمثّله هذا من محورة الإتهام على جنسية الفاعل بدلاً عن فداحة الفعل، تتمّ محورة الإغتصاب حول اللاجئ السوري بصفته مفترساً جنسياً وخطراً جنسياً، كما لو كان الإغتصاب ظاهرة غريبة عن المجتمع اللبناني.

تبيّن هذه الموجات من الذعر الأخلاقي البعد المتخيّل للجنسانية كما الأمة، فالمرأة اللبنانية يتمّ “تخيّلها” مترفّعةً إجتماعياً وخارجةً عن متناول يد اللاجئ السوري المعوز. الشيطنة المنهجية للذكر السوري مثال واحد من الأمثلة الكثيرة المتوفّرة لكيفية تحويل بعض الأجساد أكثر قيمةً من البعض الآخر. لو نجح اللاجئ السوري بالحصول على جسد مواطنة لبنانية يُنظر إليه على أنّه تخطّى الحدود المرسّمة له وتجاوز حدود الضيافة التي ينعم بها في لبنان. والأهم أنّ التشديد على جنسية المعتدي الأجنبية تسليمٌ بهزيمة الذكر اللبناني. وعند هزيمة الذكر اللبناني تسود “أخلاقيات الطهارة،” كما عرّفتها سينثيا كوكبرن (1999)، أي تشديد على أصالة النساء الثقافية المتجذّرة في الإفتراضات البطريركية للأدوار النسائية؛ وإطلاق “لنداءً يصعب على الرجال تجاهله” وفقاً لجوان ناجل (1998:252).

في سياق اللجوء السوري في لبنان، لبّى النداء عدد من الزعامات الرئيسية على الساحة اللبنانية، لا سيّما أولئك المعارضين لحزب الله الموالي لنظام الأسد، والذي تشارك فصائله المسلّحة علناً في الصراع السوري الداخلي إلى جانب الجيش السوري. لن نعدّد الزعامات المعنية، بل نكتفي بالإشارة إلى أنّ النظام السياسي الشديد التعقيد في لبنان، بالإضافة إلى تاريخ الوجود السوري في لبنان (أو ما يعرف غربياً بالباكس سيريانا)، يؤديان إلى درجات مختلفة من معاملة السوريين/ات كآخرين/أخريات، فالزعامات المسيحية أشدّ مجاهرة بعدائيتها للسوريين/ات من تلك السنّية، غير أنّ ذلك لا يبرّئ القيادات السنية من دورها في بلورة خطاب السوري/ة كآخر/أخرى، لا سيّما لو أخذنا بعين الإعتبار خطاب الفصائل الأخرى الموالية لها.

يقارب الخطاب الباني للسوري/ة كآخر/أخرى فقداناً متسارعاً للذاكرة يهمل ويلغي الإستمرارية في العلاقات العابرة للحدود بين المجتمعات الحدودية في لبنان وسوريا. وقد استثمرت هذه المجتمعات طويلاً في بناء علاقات عائلية عابرة للحدود، من زيجات ومشاريع إقتصادية وغير ذلك. فعلياً، كانت نسبة كبيرة من الفئات الأشدّ فقراً في لبنان تسافر إلى سوريا لأغراض ترفيهية وتجارية وطبية، فالرعاية الطبية مجانية في سوريا في حين أنّها مكلفة جداً لبنان. وهكذا يعتمد الخطاب الباني للوجود السوري في لبنان كهيمنة على تداخل الطبقية في لبنان بنخبتها السياسية.

بإمكاننا أيضاً قراءة هذه المناداة بعودة “الرجل اللبناني الأصيل” في سياقات لاغيرية. نعود هنا إلى مثال اللاجئ السوري السالب، والسالب كناية عن الذكر المتلقّي للولوج في علاقته الجنسية مع ذكر آخر. إثر عمل بحثي شامل، يبيّن بروس دان (1998) كيفية إقتران هرمية الذكورات في الشرق الأوسط بأدوار جنسية محدّدة، مشيراً إلى أنّ “العلاقات الجنسية، سواء غيرية أو مثلية، مفهومة على أنّها علاقات قوّة ترتبط بأدوار جنسية محدّدة” (1998:10). لو اتّبعنا تحليل دان، لا ترتبط الأفعال الجنسية بالرغبة أو الإنجذاب الجسديين بقدر ما ترتبط بإعادة تأكيد ذكورة الفرد، أي أنّ “الموجب” يعيد تأكيد هيمنته في حين أنّ السالب يُفهم على أنّه “أقل رجولة.” أمّا جوزف مسعد، فيشير في كتاباته الأخيرة (2002, 2008) إلى أنّ ممارسات الرجال الجنسية مع رجال آخرين لا تتوافق تماماً مع المثلية الهوياتية بمعناها الضيّق.

فعلياً، عندما أطلق الرئيس الإيراني السابق تصريحه الشهير أن “لا وجود للمثليين في إيران،” كان المقصود بشكلٍ غير مباشر ما أسماه جوزف مسعد “بالمثلية العالمية” (The Gay International). وفقاً لمسعد (in Éwanjé-Épée and Magliani-Belkacem 2013)، فإنّ أجندة المثلية العالمية ترغم الهويات الجنسية في بلدان الإمبراطورية سابقاً على الإمتثال لثنائية المثلية/الغيرية. ولا يزال النقاش حول طروحات مسعد دائراً. وفقاً لقراءتي لمسعد، أرى أنّ طرحه يهمل ذاتية الأفراد من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر في المنطقة ووكالتهم/نّ على أنفسهم/نّ. قد تسترشد هويات مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر في الشرق الأوسط بمفاهيم تتمايز عن تلك الموجودة في الغرب، إلّا أنّ هذا الفصل التام بين الإثنين تكرارٌ لخطاب الشرق في مواجهة الغرب، محفّزاً بالتالي على خطاب الذكورة الشرق-أوسطية المأزومة.

يتبنّى عدد كبير من الرجال اللبنانيين المعرّفين عن أنفسهم كمثليين هذه السردية المثيرة للقلق عن السوري “السالب” كآخر. كما يرى العديد منهم أنّ نظرائهم السوريين شديدو “التأنُّث،” وذلك على صعيد التصرّفات وطريقة الكلام وطريقة الملبس، ممّا يجعلهم عائقاً أمام الوصول إلى “مرحلة متقدّمة” من العمل المطلبي لحقوق مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر في لبنان، إذ يعتمد جزء من هذا العمل على توعية المجتمع أن “مثلي الهوية ليس بالضرورة مثلي التصرّف.”7 أحاجج في هذا المقال بأنّ إعادة التأكيد على سردية اللاجئ السوري “السالب” في السياق المثلي تتمّ بالترافق مع هيكلية “الرجل اللبناني المُسترد.” يصدّر الرجل اللبناني نفسه على أنّه ذكر، نازعاً الذكورة عن العنصر المتأنّث (السوري) وعلى العنصر المفرط الذكورة (اللبناني). قد تكون هذه الملاحظات غير مريحة لكن لا بد من الإشارة إليها، وستضّح أهمية هذا العمل لاحقاً في المقال.

 

محدوديّة منظمات اللجوء

صحيحٌ أنّ الإصرار على حاجة الكويريين/ات للجوء في الغرب هرباً من الإضطهاد نابع عن موقف تعاطف، إلا أنّ الإصرار على أنّ اللجوء هو الحل الأمثل ينمّ عن قصر نظر […]. يقلقني أن أشهد هذا التسرّع في تصوير كافة البلدان الأخرى على أنّها معادية للكويريين/ات بغياب أي تحليل للسياقات المولّدة للعنف… هل نرى حياة الكويريين/ات بالتوازي مع حيوات أخرى لغير الكويريين/ات بما يتعرّضون/يتعرّضن له من عنف جسدي وإقتصادي دون أن يستأهلون اللجوء؟ (Nair, cited in Chavez 2013: 69).

تفصل مؤسسات اللجوء بوضوح بين اللاجئين/ات بناءً على الميول الجنسية والهوية الجندرية، ممّا يخلق من الأساس إطاراً يحدّ ويعرقل الموضوع، بالإضافة إلى إنشاء آليات إدارية خاصة تعزّز هذا الفصل وتكرّسه. إنّ هذا الفصل مبني على إفتراض مفاده أنّ اللاجئين/ات من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر هربوا من بلادهم لأسباب خاصة بهم وغير مرتبطة بتلك التي دفعت سائر اللاجئين/ات للفرار. بالتالي، فإنّ هذه المقاربة تسطّح الحرب في سوريا نازعةً عنها طابعها الملح. يتمّ توظيف اللاجئ/ة من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر لبناء سردية الغد الأفضل (في الغرب)، مع تجنّب التطرّق للحرب الدائرة، لا بل يتمّ تطبيعها في ظلّ المزيد من التدخلات العسكرية المدعومة من الغرب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في هذا السياق أستشهد بملاحظات من العمل الميداني. ردّاً على سؤالي لكلّ من عمر وأحمد عمّا إذا كان فرارهما إلى لبنان مرتبطاً بكون لبنان “أكثر تقبلاً للمثليين،” أشار أحمد إلى أنّ “لبنان ليس بالضرورة أكثر تقبّلاً للمثليين،” خاصةً وأنّه فرّ إلى لبنان برفقة عائلته التي يخفي عنها حقيقة ميوله الجنسية. أمّا عمر فقد فرّ وحيداً وانضمّ إلى أحمد بعد شهرين. يرى عمر أنّه لاقى الكثير من الدعم من قبل الجمعيات غير الحكومية ويعتبر “لبنان آمن بشكلٍ عام، بشرط عدم التواجد في مناطق معينة.”

ولا غرو أنّ تعداد “الأماكن غير الآمنة” يشمل منظمات اللجوء والمنظمات المرحبة بمثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر. وقد عبّر العديد من الأفراد الذين التقيتهم عن خشيتهم من إظهار أي ارتباط بالمساحات التي من المفترض أن تكون “مأمونة.” لعلّ أوضح ما بيّنه العمل الميداني الذي أجريته كان أنّ سلطات اللجوء، بفهمها الأحادي للحياة المتوقّعة من اللاغيرية، تجبر اللاجئين/ات من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر بشكلٍ غير مباشر على الظهورية الجسدية، مقوّضة بالتالي فرصهم/نّ في الحياة. تعيد سلطات اللجوء – بشكلٍ منهجي – إنتاج الخطاب الغربي المتمحور حول “إشهار المثلية” (coming out) ممّا يتناقض مع واقع حياة مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر في المنطقة. وفقاّ لما بيّنه عملي الميداني، فإنّ استراتيجية البقاء الأكثر إعتماداً هي الإبتعاد عن الأضواء “وعدم لفت الإنتباه.” تظهر الحاجة لهذه الإستراتيجية بوضوح عند التطرّق لحادثة غوست المذكورة أعلاه، فتهمة “الشذوذ” إلتصقت بالأجساد السورية دون سواها، بالرغم من كثرة غير-السوريين/ات فيه، ومنهم اللّبنانيّين/ات.

من الأماكن “الخطيرة” أيضاً الخلط بين الرغبات المثلية وعدم التديّن. فإساءة فهم سلطات اللجوء لدور الدين يسبّب عدم الإرتياح، خصوصاً بالنسبة للأفراد الذين يعتبرون أنفسهم متديّنين من بين أولئك الذين أجريت معهم مقابلات. وفي الوقت عينه، فإنّ الإفتراض أنّ مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر غير متديّنون إنّما هو إفتراض أنّ التدين منسوب لمن ليس مثلي/ة وثنائي/ة الميول أو متغير/ة الجنس والجندر، كأنّ سائر المجتمع لا يضمّ أفراد ملحدين أو غير متديّنين. كما أنّ هذا الإفتراض يقرّب مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر من الغرب “العلماني،” ويشدّد على أنّ هذا الغرب ممنوعٌ على طالب اللجوء المتديّن، أو “الإرهابي حتى ثبوت العكس.” من جهة ثانية، سعت مؤلفات عديدة، خصوصاً في أوروبا، لتحليل الخطاب القانوني والثقافي لتفكيك وتحليل أسطورة العلمانية في أوروبا وتبيان كيفية توظيف العلمانية أداةً لتطوير السردية القومية وبناء “الآخر” ((Haritaworn 2012, El-Tayyeb, 2011. كما أنّ الخلط بين العلمانية وعدم الإرهاب يبني لتصوّر مفاده أنّ الهويات اللامعيارية غير قادرة على إنتاج العنف، وهذا تصوّر غير دقيق كما تبيّن قصة طه. بالتالي فإنّ بناء مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر كهويات غير عنيفة يؤدّي، وإن بشكلٍ غير مباشر، إلى إعادة إنتاج هويات معيارية “للإرهابي المحتمل،” ويساهم في “أمننة” الحياة الجنسية.

تعرّفت على طه في إفطار لمثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر في لبنان نظّمته منظمة غير حكومية في بيروت. قدم طه، وهو علوي، إلى لبنان عام 2008، أي قبل عامين من إنطلاق الإنتفاضات الشعبية في سورية، على أمل أن يكون له “بيتاً” ومساحة تمكّنه من “التصالح مع حياته الجنسية.” عاش طه في لبنان مع ثلاثة مثليين لبنانيين من الطائفة السنية طوال هذا الوقت ولم يتسبّب إنتماءه الطائفي بأي مشاكل حتى صيف 2014.

وقد كان صيف 2014 دموياً جداً في لبنان، من الإشتباكات الطائفية (وهو توصيف غير دقيق برأيي) في طرابلس8 بين الميليشيات العلوية والسنية، إلى عدد من التفجيرات بالسيارات المفخخة في بيروت “إنتقاماً” من حزب الله لمشاركته في الحرب الدائرة في سوريا إلى جانب نظام الأسد. قام زملاء طه في الشقة بطرده لأنّهم “ضاقوا ذرعاً بأفعال حزب الله في سوريا.” كما أخبرني طه بأنّه فور خروجه من الشقة تعرّض لهجوم من قبل عصابة من الملثّمين “يعرفون بدقة الموعد المقرر لخروجه،” فأخذوا شنطته الوحيدة، والتي وضع فيها كل مقتنياته في لبنان، ومحفظته. عندما تعرّفت على طه كان “لا يملك شيئاً” ويعتمد على علاقاته بأحد اللبنانيين. بالرغم من تجاهل زملائه لإنتمائه الطائفي سنوات طويلة، سرعان ما وجد طه نفسه منبوذاً بسبب هذا الإنتماء نفسه. مع العلم أنّ هؤلاء الزملاء نفسهم كانوا قبل بداية الحرب (أو الحروب) في سوريا يمازحونه على أساس مشاعره المعادية لبشار الأسد العلوي.

لقصة طه هذه جانبان. من جهة، تقوّض قصة طه إفتراض لاعنفية الهويات اللامعيارية لدى سلطات اللجوء. من جهة أخرى، تظهر هذه القصة أنّ “مواقع الهوموفوبيا،” على حد قول راهول راو (2014)، تختلف في أزمنة العسكرة المتزايدة وتتفعّل بالتوازي مع الرجولة القومية. تظهر قصة طه، على أرض الواقع، ما أسمته جاسبير بوار “الوطنية المثلية،” كما توضّح عند نهاية المطاف كيف أنّ فهم سياسات الهوية يستلزم التوليف، نظراً لأن سياسات الهوية ليست بالثبات المفترض عنها وأنّها ترتبط بالتغيّرات الجيوسياسية والإقتصادية- الإجتماعية الرئيسية.

في كتابها الأسطوري، توليف الإرهاب (Terrorist Assemblage) ، الصادر عام 2005، تظهر بوار كيف قامت الإدارة الأمريكية ببناء مفهوم رهاب المثليّة عقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر كعنصر أجنبي من خلال مصادرة سرديات الجنسانيات اللامعيارية في الأمة الأمريكية. أنتجت أحداث 11 أيلول/سبتمبر مجموعة من البطولات الأمريكية يرتبط بعضها بمجتمعات مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر. كما أنّ إدارة أوباما أنهت العمل بموجب سياسة “الإمتناع عن السؤال والإمتناع عن الإشارة” (Don’t Ask, Don’t Tell) في الجيش الأمريكي، وأقرّت الزواج المثلي في العام 2015. إن توظيف حكايات مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر لخدمة الأمة يعيد إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية واحةً للحقوق الجنسية في هذا العالم، كما يمحي تاريخ البلاد الطويل في معاداة مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر. منذ 11 أيلول/سبتمبر، باتت الممارسات المعادية للمثليين إختصاصاً أجنبياً بشكلٍ عام، والفئات المهاجرة المسلمة والسمراء بشكلٍ خاص.

ونتيجة لتطبيع هويات مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر، يشارك معتنقي/ات القومية المثلية في سياسات مبنية على أساس القومية بدلاً من العمل المطلبي التقاطعي. ومن تجليات القومية المثلية ظاهرة ميلو يانوبولوس الشهير، والذي يعبّر عن قيم قومية بالتوازي مع قيم عنصرية ومعادية للآخرين والمسلمين. ومن التجليات الأخرى ممارسة إسرائيل للغسيل الورديّ، والمقصود به “إستراتيجية متعمّدة معتمدة من الحكومة والوكالات الإسرائيلية ومجتمعات مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر الإسرائيلية، وتهدف هذه الإستراتيجية إلى الإستفادة من موقف إسرائيل التقدمي نسبياً في ما خصّ الحقوق المثلية بهدف تشتيت الإنتباه الدولي عن الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي” (Shafie 2015: 84). يمكّن التبييض المثلي إسرائيل من إعلان نفسها الضامن الوحيد لحقوق مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإعادة إنتاج العالم العربي بيئة عنيفة ومعادية للمثليين.

لفهم كيفية نقل القومية المثلية للهوموفوبيا من الداخل إلى الخارج من المفيد النظر إلى الهوموفوبيا على مستويين، واحد عمودي والآخر أفقي. تتمثّل الهوموفوبيا العمودية بمجموع “البنى والمؤسسات الإقتصادية-الإجتماعية” التي تتميّز بها الدولة، في حين أنّ الهوموفوبيا الأفقية تشير إلى “تغلغل الخطاب المعادي للمثليين/ات في الحياة اليومية والشخصية والنفسية” (Ratele 2014: 120). لا تترادف الهوموفوبيا الأفقية بالعمودية، فالقوانين المعادية للهوموفوبيا لا تنتج بالضرورة مجتمعاً مرحباً بمثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر، في حين أنّ القوانين المعادية للمثلية لا تنتج بالضرورة هوموفوبيا.

لو أخذنا العالم العربي مثالاً، وهو سياق ما بعد إستعماري بإمتياز، تشير الأدبيات المكتوبة عن الموضوع إلى تاريخ يزخر بالجنسانيات المتنوّعة في كافة مجتمعات المنطقة. في حين أنّ الترسيم المصطنع للحدود في الشرق الأوسط وبناء الدول القومية فيه، وفرض المستعمِر فيها لنظمه القانونية والحكومية بشكلٍ صريح ومباشر، فقد نتج عنه إستبدال تدريجي للمعارف المحلية بأخرى مستوحاة من الغرب، بما في ذلك الحقوق الجنسية. يشير العمل الميداني الذي أجريته أنّ العديد من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر في لبنان طوّروا لأنفسهم حيزاً من الأمان، مؤلّف من أصدقاء ومعارف متعاطفين/ات وفي بعض الأحيان أفراد من العائلة. ويدلّ ذلك على محدودية فهم الهوموفوبيا كظاهرة أفقية في لبنان، بالرغم من وجود المادة 534.9غير أنّ حال الأفراد يختلف مع إختلاف الطبقة الإجتماعية والخلفية الإجتماعية والموقع الجغرافي. كما لا يجب أن يغيب عن بالنا موقف الدولة اللبنانية في تحليل الواقع كما بيّنا سابقاً من مثالَي السينما بلازا وملهى غوست.

وهنا يأتي مفهوم “الرأسمالية المثلية” (homocapitalism) لراو، وهو مفهوم منبثق من صلب القومية المثلية (homonationalism). يشير التعبير إلى “الدمج الإنتقائي لبعض الكويريين/ات المطهَّرين/ات عرقياً وطبقياً وجندرياً في المنظومة الرأسمالية، دون سواهم/نّ (يُستثنى بشكلٍ خاص المهاجرون/ات واللاجئون/ات والفقراء وغير البيض/البيضاوات والنساء والأطفال من هذه الفئة). يتمّ ذلك عبر سياسة ليبيرالية تقضي بالإعتراف دون التعويض” (Rao, 2015: 47) (الإضافة مضافة). يساعدنا مفهوم الرأسمالية المثلية على فهم تقاطع الإقتصاد الرأسمالي والطبقية من جهة، وسياسات الهوية من جهة أخرى.

يدفعنا مفهوما الرأسمالية المثلية والقومية المثلية إلى عدم الإكتفاء بالتقاطعية عند دراسة سياسات الهوية، وطرح بعض الأسئلة المهمّة، على سبيل المثال، ما الذي نفهمه عندما تقوم الهيكليات المهَمِشة لهذه الفئة (أي مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر) بالإستحواذ على سردياتها ومصادرتها؟ ما الذي نفهمه عندما يتوقّف النضال من أجل سياسات الهوية عن العمل على تماس مع الهيكليات التي أدّت بحكم الواقع إلى التهميش في الأساس؟ بمعنى آخر، كيف يمكننا أن نأخذ تصرفات زملاء طه السابقون في الشقة بعين الإعتبار؟ كي نتمكّن من الإجابة على هذه الأسئلة لا بدّ لنا من توسيع نطاق التحليل التقاطعي وإعتماد مفهوم التوليف، كما جاء في توصيات جاسبر بوار.

تعتمد حياة اللاجئين/ات السوريين/ات المعرفين/ات عن أنفسهم كمثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر على الموازنة بين حيوات متعدّدة في كل لحظة، ولا نقصد هنا مفهوم الحياة المزدوجة المؤلفة من حياة مخفية وأخرى معلنة – وهذه النقطة أساساً مثار جدل واسع في الإطار الشرق-أوسطي حيث غالباً ما يتمّ تحليل الجنسانية من منظور ثنائية متخيَّلة للعام وخاص10 – بل المقصود هنا هو الموازنة المستمرة بين الإكثار من إظهار الخصائص المصنفة إجتماعياً أو الحد من إظهارها، وذلك على حسب البيئة التي يكونون فيها. فكأنّ الفرد قد طوّر بارومتراً “للحميمية في المساحة العامة” يستخدمه لتقييم “البيئة الخارجية” في ما خصّ جنسانيته.

لا عجب إذاً في أن نرى نسبة كبيرة تقوم بالمبالغة في إظهار هويتها الجنسية في محاولة لإقناع المخاطب/ة بدرجة الإضطهاد الواقع عليها، وبالتالي بحاجتها الماسة للجوء. ذلك بالإضافة إلى تطعيم قصصهم بتفاصيل نمطية ترتبط عادةً بنمط “الكويري السعيد،” من حب السهر ومعاداة الدين والميل لكل ما هو “غربي.” تظهر هذه النتائج طبيعة العلاقة القائمة بين سلطات اللجوء بالنشاط الجندري في لبنان، وتبيّن مفهوم جوزف مسعد للمثلية العالمية.

تتعاون العديد من سلطات اللجوء المكلّفة بملفات مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر مع نشطاء وناشطات في مجال الجندر. بطبيعة الحال، يتعرّض النشاط الجندري في لبنان11 للكثير من النقد، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. وقد وضعت لمى أبو عدي الأصبع على الجرح في مقالٍ نشرته في العام 2015 وأشارت فيه إلى أنّ النشاط الجندري المحلي في العالم العربي “يتعرّض للملامة الدائمة من جماعاته نفسها،” فيُعيب عليه البعض إستيراده للسرديات الأجنبية، “كمايتعرّض للهجوم من قبل أكاديميون/ات مناهضون/ات للإمبريالية من الولايات المتحدة الأمريكية، متّهمين إياه بالتواطؤ مع مخططات الإمبريالية الغربية” (Abu-Odeh, 2015) (التشديد مضاف). تتوافق تصريحات أبو عدي بشدّة مع نتائج عملي الميداني. يشير عدد من النشطاء والناشطات في مجال الجندر، ومنهم/نّ من يعمل مع مؤسسات اللجوء، إلى الموازنة بين ضرورات العمل وضغوطات العلاقات العائلية، مع ما يترتّب عن ذلك من تمزّق بين ضغط العمل وضغط المقاومة المناهضة للإمبريالية والإلتزامات العائلية. بالإضافة إلى ذلك، تشير الأكثرية إلى إدراكها لمحدودية المقاربة المعتمدة من قبل مؤسسات اللجوء. بالتالي، لا تتوافق هذه الآراء مع نتائج عملي الميداني وحسب، بل تستحضر أيضاً بعض نقاط النقد الذي أشارت إليها ميراندا جوزف في ما يتعلّق بمأسسة الحقوق الجنسية:

في ظلّ الرأسمالية المتأخرة يصدر الكثير ممّا يمكن إعتباره “مجتمعات” عن جمعيات لا تبغي الربح والتي لم تأتِ نشأتها لمواجهة الرأسمالية بل لسدّ الثغرات عبر توفير الخدمات والموارد والترفيه للمجتمعات المحلية. (Joseph, cited in Chavez 2013: 72)

في هذا السياق، تؤكّد تصريحات ماهر، وهو مستشار جندري يبلغ من العمر 28 عاماً في منظمة دولية غير حكومية في بيروت:

أكيد أنّ الوضع ليس مثالي. بالرغم من ذلك، ما عسانا نفعل؟ نقف جانباً ونكتفي بالمشاهدة؟ وما همّني لو كان الأمر برمّته معتمد على التمثيل ما دمت تضمن بذلك راتبك في آخر الشهر؟ لا تعرف الجهات المانحة الواقع على الأرض، فالمنافسة شرسة والكل يريد الوصول للتمويل. إنّنا نعي ما الذي تريده الجهات المانحة وبالتالي نكتب مقترحات المشاريع على أساس ذلك.

تعيد مقاربة “القائمة المرجعية” التي تعتمدها سلطات اللجوء ما قاله جوزيف مسعد عن أجندة المثلية العالمية بأنّها تجبر الجنسانيات في دول الإمبراطورية السابقة على مطابقة ثنائية الغيرية/المثلية. تجدر هنا الإشارة إلى أنّ تحليل مسعد ينطبق على تجربة اللاجئين/ات السوريين/ات مع سلطات اللجوء إلا أنّه لا ينطبق تماماً عند تصوير مسعد المنهجي لكافة مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر المحليين/ات، كما تمّت الإشارة سابقاً.

بغض النظر عن مسعد، فإنّ محاور التوتّر المشار إليها سابقاً تعكس واقع الأفراد الذين قابلتهم في إطار عملي الميداني. من جهة أخرى، فإنّ التشديد على نمط “الكويري السعيد” الذي يتم فرضه على اللاجئين/ات من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر على إعتماد الظهورية في حياتهم، مع العلم أنّ هذا الخيار هو الأبعد عمّا هو محبّذ. إنّ اعتناق نمط “الكويري السعيد” يرقى إلى مفهوم “التعمّد” كما وصفته سارة أحمد. تستحضر أحمد (2010) النقد الذي وجّهه كل من الفكر المناهض للعنصرية والفكر النسوي والفكر الكويري لكل من “أسطورة العبد السعيد” و”ربة المنزل السعيدة” و”السعادة الزوجية” تباعاً، للمحاججة بأنّ الصراع للإستئثار بالسعادة يشكّل أفق الممكن للمطالب السياسية، أي التعمّد.

إنّ تعامل سلطات اللجوء مع سرديات مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر على أنّها إستثنائية يبدو سخيفاً لو أخذنا بعين الإعتبار تقاطع الهويات الجنسية مع إعتبارات أخرى، لا سيما الطبقية منها. فعلياً، لا تتساوى مسميات مثلي/ة أو ثنائي/ة أو متغير/ة مع التهميش بالضرورة، فالعديد من الغيريين/ات على نفس المستوى من التهميش، لا سيما لو اعتمدوا/ن سياسات رافضة للمأسسة. بالتالي، من الممكن للغيري أن يكون كويرياً والغيرية كويرية، كما من الممكن لمثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر ألا يكونوا كويريين/ات. بناءً على ذلك، فاضلتُ إستخدام تعبير “مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر” على تعبير “كويري/ة” في هذا المقال حتّى الآن. تعريفي للهوية الكويرية هو تحدّي كافّة الأسس البنيوية العنصرية والجندرية والرأسمالية والبيضاء الناظمة للحياة المعاصرة، كما التنديد بممارسات القومية المثلية، أو كما صاغتها ناير:

لطالما ركّز التنظيم الكويري على تفكيك منظومات الإمتياز الإقتصادي وإعادة تعريف هيكليات القرابة بأشكال باتت الآن متبنّاة من قبل الغيريين/ات. في مرحلة ما قرّرنا – بل الأدّق أنّ التنظيمات المثلية المتنامية السلطة والتي تتكلّم بإسمنا وتعبّر عن الأجندة “الخاصة بنا” قرّرت – أنّ هدفنا هو توسيع الإمتيازات لتشملنا وليس تفكيكها، أوليس النضال من أجل وصول الجميع للحقوق الأساسية؟ (Nair, cited in Chavez 2013: 72)

تصرّفات الزملاء السابقون لطه في الشقة تؤكّد على شعار “لبنان للبنانيين.” لو نظرنا إلى الموقف من منظور كويري نقدي، نكاد لا نجد أي أثر لسياسات التحدّي المذكورة أعلاه، بالرغم من تعريفهم عن أنفسهم كمثليين.

ينتج التوتّر الدائم بين السرديات الجنسية والدولة القومية مواقف معيّنة من الحياة الجنسية. في مثال طه، نجد أنّ إنتماءه الطائفي لم يكن مصدر خلاف مع زملائه السابقين السنّة في الشقة حتّى صيف عام 2014، ففي هذا الصدد، وحتّى في حال الهوموفوبيا الأفقية تدخل عوامل أخرى على الخط لتنتج أنظمة أخرى للإدماج والإستبعاد. ممّا لا شكّ فيه أنّ الفهم الشامل لسياسات الهوية يستلزم التحليل بالتوازي مع آليات التأثير العاطفي الأخرى. ومن هنا أهمية توصية بوار بضرورة الجمع بين التحليل التقاطعي والتوليف، ودورها في الإثراء النظري التحليل السياسي كما صناعة السياسات.

 

إعادة التفكير في التقاطع ضمن التقاطعية

ترى بوار في التقاطعية صيرورةً، وبالتالي تختلف لدرجة بعيدة عن المعنى “الثابت” الذي عرّفته به كيمبرلي كرينشاو عند صياغتها له للمرة الأولة في العام 1989. طرحت كرينشاو مفهوم التقاطعية أساساً في سياق الحديث عن العنف الأسري، في محاولة صائبة للإشارة إلى أنّ حصر الحديث في الفئة الجندرية يعجز عن تفسير مصير النساء المعنيات. فالجندر كفئة يتقاطع مع مجموعة واسعة من الفئات، تأتي كلّ منها مع هيكلية خاصة بها، ومنها العرق والطبقة والجنسية والسن والخ. لتوضيح الفكرة، تعمد كرينشاو إلى تشبيه المفهوم “بحركة السير عند تقاطع مروري.”

يجري التمييز، كحركة السير عند تقاطع مروري ما، في إتجاه أو آخر. لو حصل حادث سيرٍ عند تقاطع ما، قد يكون سببه سيارات تسير في أيّ من الإتجاهات، أو في كافة الإتجاهات في نفس الوقت. (Crenshaw cited in Puar 2013: 382)

في الوقت عينه، تعي كرنشاو تماماً صعوبة تحديد المسؤولية في حال وقوع حادث مروري، فتضيف قائلةً:

إنّ إعادة تركيب تفاصيل الحادث مهمة معقّدة: قد تشير الكدمات والجروح إلى أنّ الصدمة حدثت في الوقت عينه وحسب، محبطة الجهود الرامية لتحديد المسؤولية عن الضرر. يبدو أنّه عادةً في هكذا حالات لا يتحمّل أيّ من الأطراف المعنية المسؤولية، لا يعالَج أحد، ويعود الجميع لحياتهم/نّ. (المرجع عينه)

أمّا بوار، فتهتمّ أكثر بطواعية سياسات الهوية: في أي سياقات تظهر؟ لماذا تظهر في تلك مرحلة؟ أو الآن؟ ما الذي سيحدث بعدها؟ لمَ لم تكن طائفة طه إشكالية قبل صيف عام 2014؟ تهتمّ بوار إذاً “بمرحلة ما قبل وما بعد الإستقرار على وضع معيّن [الحادث]” (Puar 2013: 388). وتشير إلى السخرية المتسرّبة من التحليل التقاطعي، نظراً لكيفية إعادة إنتاج هذه الأخيرة “للآخر” الذي “يفترض بها تخفيفه،” بمعنى آخر “النساء المونات” (Puar 2013: 274). آراء بوار هذه منطقية ضمن إطار دراسات المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تكتسب التقاطعية طابعاً “محدِّد بشدة” (تقاطع) من خلال التركيز المفرط على سياسات الهوية على حساب النقد البنيوي للسلطة القائمة. في إتجاه مماثل، ترى لوغونيز (2007) التقاطعية أداةً وصفية بحتة، تعالج الهويات ولا تحررها.

إنطلاقاً من إستعارة التقاطع المروري، تحاجج بوار أنّ “المهمّ في هذه الحالة لا هو تأكيد حدوث جريمة ولا هو تحديد الجاني/ة، بل الظروف العاطفية الموجبة لانكشاف الحدث-الفضاء” (Puar 2013: 385). تشير بوار إلى أنّ الهويات ليست تقاطعية وحسب، بل تشكّل أيضاً آلية لتعزيز المراقبة والإنضباط على المستوى المجتمعي برمّته:

إستبعاد التوليف لصالح الحفاظ على الأطر التقاطعية الهوياتية هو فرصة ضائعة لفهم كيفية إعتقال وإنتاج ومراقبة مجتمعات التحكّم للأجساد، ولا يتمّ ذلك على أساس المواقف الهوياتية وحسب بل أيضاً الميول ذات التأثيرالعاطفي والإحتمالات الإحصائية. (Puar 2013: 387)

سأمعن هنا في تعقيد حجة بوار بالإنتقال إلى عمل عالم الأنثروبولوجيا الكويرية، مارك غراهام (2014). يطرح غراهام مثال نقطة الوصل المروري غرافلي هيل المتواجدة على الطريق السريع م6 في المملكة المتحدة البريطانية. والفكرة هي تصوّر التقاطعية كتوازٍ بين عدد من التقاطعات المرورية، منها ما يسير جنباً إلى جنب، ومنها يسير في إتجاهات متعارضة، ومنها ما يتقاطع، ومنها ما يسير فوق الآخر. في مواقع معينة، يتقاطع البعض في حين أنّ البعض الآخر لا يتقاطع. قد تبدو كافة الإتجاهات طرقاً، إلا أنها ليست كذلك، فمن بينها الممرات والطرقات السريعة والطرق التي يستلزم إستخدامها دفع بدل، الخ.

لو نظرنا إلى التقاطعية من هذا المنحى، وموضعناها بموازاة هيكليات من المثلية القومية والمثلية الرأسمالية، لهالتنا ضخامة شبكة القوى البنيوية القائمة والمنتجة للهويات التقاطعية كما المجتمعات الرقابية. وهنا تكمن أهمية تحليل الفضاء الواقع بينهما. إنّ تكريس أو رفع التجريم عن الممارسات المثلية (وسائر القوانين المعادية للمثلية)، وتفعيل نمط “الكويري السعيد،” وإستهداف السوريين في حادثة غوست، وما حدث لطه بالتحديد، كلّها أمثلة ترغمنا على دراسة سياسات الهوية خارج نطاق التقاطع الذي نشأت منه.

المزيد والمزيد من الباحثين/ات يشاركون رأي بوار عن التقاطعية، منهم/نّ سينغ (2015) تشاو (2005) وشافيز (2013) على سبيل المثال لا الحصر. تلفت شافيز (2013: 58) إلى أنّ ممارسة التوليف تشدّد على “الحركة والدفق والعاطفيات” في تعارضٍ صارخ مع جمود التقاطعية. بفضل هذه المرونة، ينجح التوليف في أخذ “إحتمالات الإنتماء الأخرى” بعين الإعتبار بشكلٍ “قد تعجز عنه” أطر سياسات الهوية المستوحاة من التقاطعية (Puar 2005: 211).

 

التوظيف التطبيقي للتوليف في سياق منظمات اللجوء

في هذا الجزء الختامي، أحاول مقاربة توصيات بوار النظرية من الجانب التطبيقي مستخدمةً توصيات مبتكرة مقترحة من قبل ناشطو/ات الجندر العاملون/ات مع منظمات اللجوء.

في سياق منظمات اللجوء، يوصي التقرير الصادر عن أبو صعب وناصر الدين وغريتريك (2017) بالتخلّي عن مصطلح “الميول الجنسية والهوية الجندرية” لمصلحة ما يسميه “الممارسات الجنسية والأداء الجندري.” بالإستناد على بيانات تمّ جمعها من 22 بلداً في الشرق الأوسط، يشير التقرير إلى أنّ الإضطهاد يقع في حال عدم توافق الأداء الجندري أو العلاقة الجنسية مع التوقعات المعيارية. بمعنى آخر، وحتّى في سياق غيري، يتعرّض/تتعرّض الرجال والنساء الذين/اللواتي لا يلتزمون/يلتزمن بالتوقعات المهيمنة للأنوثة والرجولة للإضطهاد الشديد، إلّا أنّ هذه الحالات لا تنال صفة الإضطهاد بمعناه الضيق لدى المنظمات اللجوء والتي تلتزم صيغ قانونية دولية محددة في هذا الخصوص. يشير التقرير إلى عدم الإتساق بين الواقع المعيوش (الإضطهاد القائم على أساس الأداء الجنسي) وتعريف سلطات اللجوء لأساس الإضطهاد (الهوية الجنسية). يوصي التقرير، عن حق، “بالتركيز على الممارسة الجنسية وليس الهوية الجنسية” في سياق عمل “الإستجابة الإنسانية” (Abu-Assab et al 2017: 14).

من بين الحالات المشار إليها في التقرير، حالات رجال سس (cis – المطابقون هوياتياً للجندر المحدّد لهم عند الولادة) مضطهدون على أساس “أدائهم الأنثوي،” أو نساء مضطهدات للممارستهنّ الجنس خارج إطار الزواج. كما يسلّط التقرير الضوء على تجذّر ثنائية الذكر/الأنثى في فهم الذكورة والأنوثة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بالتالي، فإنّ الأفراد الذين يتوافق واقعهم المعيوش مع مفهوم أن “الجندر كطيف” يتعرّضون للوصم، فالمثليات مثلاً، يبنين صراعاتهنّ الشخصية والسياسية على تصنيفهنّ كنساء، وليس كمثليات.

يحيد التقرير عن التحليل التقاطعي البحت، وفي حين تساعد التقاطعية في هذا الإطار على وصف الصراعات المتعدّدة للأفراد الذين تمت مقابلتهم/نّ، إلى أنّه يذهب أبعد من ذلك فيربطها بالمزيد من العاطفيات المجندرة بغية إستخلاص التوصيات، ممّا يعيدنا بوضوح لأقوال بوار.

في سياق الولايات المتحدة الأمريكية، تعبّر الناشطة الكويرية الراديكالية، ياسمين ناير، عن أسفها لِما تشهده من إحتفاء “بالسرديات الشخصية” بين مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر من المهاجرين/ات في علاقات مع مواطنين/ات أمريكيين/ات، أو الحائزين/ات على إقامات دائمة في الولايات المتحدة (Nair cited in Chavez 2013: 50-51). السرديات الشخصية تصبح قصص نجاح (أو فشل وفقاً للمنطق الذي تتّبعه ناير) تصوّر تقاطع سياسات الهجرة مع حيوات مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر في الولايات المتحدة الأمريكية، وغالباً ما يستخدمها الناشطون/ات الليبيراليون/ات في مجال حقوق مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر للإحتفاء بقانون لم الشمل في الولايات المتحدة الأمريكية. وفقاً لناير، تتّبع هذه الممارسات نظرة نوستالجية وعاطفية للآخر تبقى جزءاَ لا يتجزّأ من سياسات التحقير والإنقاذ (Nair cited in Chavez 2013: 60). فالروايات الشخصية، وبالرغم مما تتضمّنه من صراعات فردية تقاطعية، تتيح لسلطات اللجوء فرصة إعادة إنتاج الغرب كأنّه “أسعد مكان في العالم.” كما أنّ هذه السرديات تركّز على القلة القليلة، متجاهلة الأغلبية التي ما زالت “بانتظار حبّنا.” في نهاية المطاف، تحاجج ناير بأنّ “إحقاق مشروع التحرّر يعتمد على تغيير الظروف البنيوية العميقة، وليس تفعيل وكالة الفرد (أو شكل من أشكال المجموعات) على الذات” (Nair cited in Chavez 2013: 62). لن تهتزّ الظروف البنيوية ما لم نوازن بين التقاطعية والتوليف.

 

  • 1. سحر مندور (2013) أوّل من قارن حادثة السينما بلازا بحادثة غوست في تحليلها الممتاز للتفاعل بين كل من وسائل الإعلام اللبنانية والنظام السياسي الطائفي والمجتمع المدني. اعتمدتُ على انتقائها للأحداث لتحديد إطار المقال، على سبيل المثال، التفاعل بين الدولة اللبنانية وخطاب الحياة الجنسية في لبنان.
  • 2. قمت بجمع البيانات الموردة في هذا المقال بالتزامن مع العمل الميداني المرافق لأطروحة الدكتوراه التي كتبتها، وقد كان ذلك بين كانون الثاني/يناير 2014 وأيلول/سبتمبر 2014. عندما قرّرت كتابة مقال يضمّ النتائج التي توصّلت إليها، إستكملت البيانات الموجودة بعدد من المقابلات أجريتها في العام 2015، إمّا وجهاً لوجه (أثناء زيارة عائلية إلى لبنان) أو عبر سكايب. وقد شملت المقابلات ستة لاجئين/ات سوريين/ات من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتحولي/ات الجنس والجندر (أربعة تقدّموا/ن بطلب لجوء)، 14 رجل لبناني يعرّفون عن أنفسهم بمثلي الميول، وخمسة نشطاء/ناشطات جندريون/ات في مختلف المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية.
  • 3. التأنيث مضاف.
  • 4. لقراءات أحدث تتناول موضوع عدم المساواة التي يواجهها/تواجهها الفلسطينيون/ات في لبنان، بالإمكان الإطلاع على المراجع التالية: Halabi (2004) و Roberts (2011) وCzajka (2012).
  • 5. يطلق على الإتفاق إسم “الطائف” نسبة لمدينة الطائف السعودية حيث تمّ توقيعه في العام 1989 من قبل عدد من البرلمانيين اللبنانيين. وثيقة التفاهم الوطني التي تمّ توقيعها أنهت الحرب الأهلية الدائرة في لبنان، كما أعلنت عودة المهجرين شرطاً أساسياً للمصالحة الدائمة والسلام المستدام (Assaf and El-Fil, 2000). إلا أنّ إتفاق الطائف سمح أيضاً بانخراط زعماء الحرب في البرلمان اللبناني، كما أنّ نظام التعيينات المتوازن طائفياً التابع له سمح بدرجة عالية من الفساد، ناهيك عن الجمود الطائفي العام في البلاد (Makdisi and El-Khalil, 2013).
  • 6. التركيز في هذا المقال هو على الذكورة اللبنانية، إلا أنّ ثورة الأرز بلورت أيضاً نمط مهيمن للأنوثة في نظر الجماهير العربية (وربما العالمية)، حيث شاع الحديث عن “أناقة” المرأة اللبنانية في بناء للأنوثة يؤكّد مجدداً على تميّز لبنان عن محيطه المباشر. بالإضافة إلى ذلك، عكست ثورة الأرز “هوية وطنية لبنانية” جامعة على مستوى لم يسبق له مثيل في تاريخ لبنان الحديث. وفي الوقت نفسه، شهدت ثورة الأرز بوضوح تقسيما بين الديموغرافية الشيعية في لبنان في مقابل سواها من الديموغرافيات، ينعكس هذا التقسيم في الإصطفاف الراسخ بين 8 و14 آذار.
  • 7. تُرجمت بتصرّف.
  • 8. تبعد مدينة طرابلس حوالي 80 كم عن العاصمة بيروت، وتُعرف أيضاً بإسم “أم الفقير.” في العام 2014 وحده، شهد حي التبّانة (أكثر الأحياء فقراً وإهمالاً في لبنان) ما لا يقل عن 29 جولة من الإشتباكات المسلّحة بين ميليشيات سنية وأخرى علوية، وبين هذه الميليشيات والجيش اللبناني. وتعود أسباب الإحتقان لدرجة معينة إلى دخول حزب الله الشيعي في الحرب الدائرة في سوريا إلى جانب نظام الأسد. غالباً ما يتم تقديم الإشتباكات على أنّها ردٌّ على مشاركة حزب الله، أي أنّ الميليشيات السنية ترفع السلاح بوجه الميليشيات العلوية الموالية للأسد. إنّ تصنيف هذه الإشتباكات على أنّها طائفية المرجع غير دقيق نظراً للتعايش التاريخي بين السنة والعلويين في طرابلس. فعائلات المنطقة تدخل في زيجات وشراكات إقتصادية مختلطة طائفياً. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الإشتباكات تتمّ على يد جماعات مسلّحة “مراوغة” (Milligan, 2014). والمقصود بالمراوغة هنا أنّ هذه المليشيات تقوم بتبديل ولاءها السياسي من زعامة سياسية إلى أخرى. بالتالي، فإنّ الإكتفاء بوصف الصراع على أنّه منبثق من إيديولوجيا طائفية يدلّ على قصر نظر (المرجع نفسه). كما أشارت مارن ميليغان مؤخراً أنّ التركيز على الطابع الطائفي للنزاع الدائر في طرابلس، وتسطيحها على أنّها مسألة طائفية وأمنية ومن تبعات الحرب السورية “يعفي الجهات الدولية من مسؤوليتها في معالجة الأزمة، فأي من الجهود المبذولة لن تؤتي ثماراً حتّى حل الأزمة السورية” (2014).
  • 9. لا تتطرّق المادة 534 من القانون الجزائي اللبناني إلى المثلية بالتحديد، بل إلى الممارسة الجنسية المخالفة للطبيعة. بالرغم من ذلك، يتمّ إستخدام هذه المادة عند الإشتباه بممارسة جنسية بين أفراد الجنس الواحد.
  • 10. لقراءة المزيد من النقد النسوي والكويري لثنائية العام/الخاص في لبنان، الرجاء مراجعة المراجع التالية: Gagné and Qubaia (2013) وYuval-Davis (1997).
  • 11. إنّ إستخدام تعبير “النشاط الجندري” يأتي في المقال بمعناه العريض، لكن تجدر هنا الإشارة إلى التنوّع في هذا المجال، فالبعض ينحصر نشاطهم في الإطار النخبوي والمُقصي لنسوية الدولة، في حين أنّ البعض الآخر يعيد إنتاج الهرميات الإمبريالية من خلال عملهم/نّ مع منظمات دولية. وفي النهاية نجد أقلية تنأى بنفسها عن هذين القطبين وتنخرط في العمل التقاطعي، معترفةً بتقاطع الجندر والطبقة والطائفة والجنسية الخ.
ملحوظات: 
المراجع: 

Abu-Assab, N., Nasser Eddin, N., and Greatrick, P., 2017. Conceptualising Sexualities in the MENA Region: Undoing LGBTQI Categories. London: Centre for Transnational Development and Collaboration.

Abu-Odeh, L., 2015. “Holier Than Thou?: The Anti-Imperialist versus the Local.” Open Democracyhttps://www.opendemocracy.net/5050/lama-abu-odeh/holier-than-thou-antiimperialist-versus-local-activist (last accessed 19 April 2017).

Ahmed, S., 2000. Strange Encounters: Embodied Others in Post-Coloniality. Oxon: Routledge.

—. 2010. “Feminist Killjoys (and Other Willful Subjects).” Polyphonic Feminisms: Acting in Concert 8:3. http://sfonline.barnard.edu/polyphonic/print_ahmed.htm (last accessed 20 April 2017).

Amar, P., 2011. “Middle East Masculinity Studies Discourses of ‘Men in Crisis,’ Industries of Gender in Revolution.” Journal of Middle East Women’s Studies 7, 36–70.

—. 2013. The Security Archipelago: Human-Security States, Sexuality Politics, and the End of Neoliberalism. Durham and London: Duke University Press.

Assaf, G., and El-Fil, R., 2000. “Resolving the Issue of War Displacement in Lebanon.” Forced Migration review 7, 31-33.

Buzan, B., Wæver, O., and de Wilde, J., 1998. Security: A New Framework for Analysis. London: Lynne Rienner Publishers.

Chavez, K.R., 2013. Queer Migration Politics: Activist Rhetoric and Coalitional Possibilities. University of Illinois Press.

Cockburn, C., 1999. “Gender, Armed Conflict and Political Violence.” Background paper presented at The World Bank, Washington DC, June 10 & 11, 1999. repository.forcedmigration.org/pdf/?pid=fmo:5013 (last accessed 20 April 2017).

Czajka, A., 2012. “Discursive constructions of Palestinian Refugees in Lebanon: From the Israel-Hezbollah War to the Struggle over Nahr al-Bared.” Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East 32:1, 238–254.

Dunne, B., 1998. “Power and Sexuality in the Middle East.” Middle East Report 206, 8-11.

El-Tayeb, F., 2011. European Others. Queering Ethnicity in Postnational Europe. Minneapolis: University of Minnesota.

Éwanjé-Épée, F.B., and Magliani-Belkacem, S., 2013. “The Empire of Sexuality: An Interview with Joseph Massad.” Jadaliyyahttp://www.jadaliyya.com/pages/index/10461/the-empire-of-sexuality_an-interview-with-joseph-m (last accessed 21 April 2017).

Gagné, M., and Qubaia, A., 2013. “The Delusions of Representing Male Homosexuality in Beirut.” Jadaliyya.http://www.jadaliyya.com/pages/index/15807/the-delusions-of-representing-male-homosexuality-i (last accessed 18 April 2017).

—. 2014. “Sexualizing and Villainizing Male Syrian Refugees in Lebanon.” Muftahhttps://muftah.org/sexualizing-and-villainizing-syrian-refugees/#.VMertP7F_T8 (last accessed 17 June 2017).

Graham, M., 2014. Anthropological Explorations in Queer Theory. Oxon: Routledge.

Halabi, Z., 2004. “Exclusion and identity in Lebanon’s Palestinian Refugee Camps: a Story of Sustained Conflict.” Environment and Urbanization 16, 39-48.

Haritaworn, J., 2012. “Colorful Bodies in the Multikulti Metropolis: Vitality, Victimology and Transgressive Citizenship in Berlin.” In: Cotten, Trystan T. (Eds.), Transgender Migrations. The Bodies, Borders, and Politics of Transition. New York: Routledge.

Joseph, S., 2005. “The Kin Contract and Citizenship in the Middle East.” In: Friednman, Marilyn (Eds.), Women and Citizenship. Oxford: Oxford University Press.

Knudsen, A., 2009. “Widening the Protection Gap: The ‘Politics of Citizenship’ for Palestinian Refugees in Lebanon, 1948–2008.” Journal of Refugee Studies 22, 51–73.

Makdisi, S., and El-Khalil, Y., 2013. “Lebanon: The Legacy of Sectarian Consociationalism and the Transition to a Fully-fledged Democracy.” Issam Fares Institute for Public Policy and International Affairshttps://www.aub.edu.lb/ifi/public_policy/rapp/Documents/working_paper_series/20130301samir_makdesi_youssef_khalil_rapp_wp.pdf(last accessed 17 June 2017)

Mandour, S., 2013. “Potential Change in Media Discourse on Sexuality in Lebanon: Cinema Plaza and Beyond.” Reuters Institute for the Study of Journalism (last accessed 09 March 2017).

Massad., J.A., 2002. “Re-Orienting Desire: The Gay International and the Arab World.” Public Culture 14:2, 361-385.

—. 2008. Desiring Arabs. Chicago: Chicago University Press.

Milligan, M., 2014. “Making Sense of Tripoli I: The Security Trap or Conflating Cause and Effect.” Jadaliyya. http://www.jadaliyya.com/pages/index/20179/making-sense-of-tripoli-i_the-security-trap-or-con (last accessed 21 March 2017).

Nagel, J., 1998. “Masculinity and Nationalism: Gender and Sexuality in the Making of Nations.” Ethnic and Racial Studies21:2, 242–269.

Peteet, J.M., 2005. Landscape of Hope and Despair: Palestinian Refugee Camps. University of Pennsylvania Press.

Pratt, N., 2007. “The Queen Boat Case in Egypt: Sexuality, National Sovereignty and Security.” Review of International Studies33, 129-144.

Puar, J.K., 2005. Terrorist Assemblages: Homonationalism in Queer Times. Duke University Press.

—. 2012. “I Would Rather Be a Cyborg than a Goddess: Becoming-Intersectional in Assemblage Theory.” Meritum Belo Horizonte 8:2, 371-390.

Rao, R., 2014. “The Locations of Homophobia.” London Review of International Law 2:2, 169–199.

—. 2015. “Global Homocapitalism.” Radical Philosophy, 194, 38-49.

Ratele, K., 2014. “Hegemonic African Masculinities and Men’s Heterosexual Lives: Some Uses for Homophobia.” African Studies Review 57:2, 115-130.

Raynbow Lebanon, 2013. Lebanese Broadcasting Corporation (LBC) News bulletin, 25 April 2013, https://www.youtube.com/watch?v=UXfb40nRazA (last accessed 18 April 2017).

Roberts, R., 2011. “Palestinians in Lebanon: Refugees Living with Long-Term Displacement.” Journal of Refugee Studies 24, 416-417.

Shafie, G., 2015. “Pinkwashing: Israel’s International Strategy and Internal Agenda.” Kohl: a Journal of Body and Gender Research1:1, 82-86.

Turner, L., 2015. “Explaining the (Non-)Encampment of Syrian Refugees: Security, Class and the Labour Market in Lebanon and Jordan.” Mediterranean Politics 20:3, 386-404.

Yuval-Davis, N., 1997. “Women, Citizenship, and Difference