عرقنة رهاب المثليّة: تتبّع الخطاب السياسي الجنسي في سياق “أزمة اللّجوء” الأوروبيّة في برلين

السيرة: 

مارلين سوليير طالبة ماجستير في الجغرافيا البشرية في جامعة فري في برلين، وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في اللغة العربيّة والتنمية من SOAS، جامعة لندن. وقد أمضت السنوات الخمس الماضية في السفر والدراسة والعمل في مشاريع مختلفة في فلسطين ولبنان والصحراء الغربية وكيرغيستان ومصر. منذ عودتها إلى برلين للدراسة، قامت اهتمامات مارلين الشخصية والأكاديمية بتوجيهها إلى وجهات نظر وقصص الأماكن والناس الذّين أثّروا عليها طول رحلتها، دافعة بها إلى إعادة تطبيق تحليلاتهم النقدية على الأجساد “الأخرى” في سياق مارلين المحلي.

‫ ‫الملخص: 

لطالما تمّ توظيف الخطابات المتعلّقة بالجندر والجنسانية للإستمرار في بناء “الآخر” عنصرياً، وتعزيز الهويات والحدود الوطنيّة عبر إعادة إنتاج البناء الثنائي “للنحن” في مقابل “الهم.” ومع تنامي جهود إعادة تشكيل الدولة القومية الألمانية لنفسها كدولة تعدّد الثقافات والتسامح والتحرّر الجنسي، يأتي هذا الخطاب ليحدّد الأجساد العرقية مواقعاً للتخلّف والذكورية ورهاب المثلية وبالتالي تبرير الفصل والإستبعاد المتمثّلين في السياسات الإسكانية التقييدية والتضييق على حرية الحركة وترحيل طالبي/ات لجوء ومهاجرين/ات. يسعى هذا المقال لتتبّع تطوّر خطاب المؤسسات التنظيمية الرئيسية المدافعة عن طالبي/ات اللجوء والمهاجرين/ات من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيّري/ات الجنس والجندر في برلين، كما الخطاب الدائر ما بين هذه المؤسسات. يحاجج المقال بأنّ المطالبة بحق الجنسية للآخر جنسياً الذي لطالما تمّ إستبعاده تعتمد على ترويج مفهوم محدّد للهوية الجنسية والمشاركة في إضفاء طابع إستشراقي/عرقي على رهاب المثلية.

الكلمات المفتاحية: 
Sexual Citizenship; Homonationalism; Immigration Policy
اقتباس: 
مارلين سوليير. "عرقنة رهاب المثليّة: تتبّع الخطاب السياسي الجنسي في سياق “أزمة اللّجوء” الأوروبيّة في برلين". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 3 عدد 1 (2017): ص. 49-62. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 05 نوفمبر 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/racializing-homophobia.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (650.13 كيلوبايت)
ترجمة: 

cover_issue_5_ar.png

هالة حسن

المقدّمة

أتمعّن في ما يعنيه قبولي لهذه الجائزة، فأدرك أنّ ذلك سيعني خسارة شجاعتي نفسها، ولو قبلت دفع ثمنٍ مماثل في ظلّ الظروف السياسية الراهنة […] فقد صدر عن بعض الجهات المنظمة تصريحات عنصرية في حين أنّ بعضاً آخراً لم ينأ بنفسه عن هذه التصريحات. ترفض المنظمات المضيفة قبول سياسات مناهضة العنصرية كجزء جوهري من عملها. بناءً على ذلك، أجد نفسي مضطرة أن أتجنّب التواطؤ مع ممارسات عنصرية، بما في ذلك العنصرية ضدّ المسلمين/ات (إقتباس مترجم إلى العربية من نص الترجمة الإنكليزية لخطاب جوديث بتلر ضمن فعاليات كريستوفر ستريت داي في برلين عام 2010).1

في العام 2010، رفضت جوديث بتلر تلقي “جائزة الشجاعة المدنية” من اللجنة المنظمة، وذلك ضمن إطار فعاليات كريستوفر ستريت داي في برلين. وقد علّلت بتلر قرارها هذا بالإعتراضات الشديدة اللهجة التي أثارتها جهات ناشطة كويرية و/أو أشخاص ملونين حول الخطاب العنصري الصادر عن اللجنة المنظمة وجهات مشاركة في مسيرة كريستوفر داي. لا بدّ من التنويه على موقف بتلر هذا وإعتباره من أدوات بناء التحالفات بين معارضي تطبيع المنطق العنصري في سياقات تنظيمية، وقد أعاد خطاب بتلر هذا تأجيج الإهتمام في إشكالية العنصرية في دوائر النشاط من أجل حقوق مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر في ألمانيا. إلّا أنّ هذا التطوّر أعاد في الوقت عينه إنتاج الهرميات العرقية والطبقية التي انتقدتها بتلر، بغض النظر عمّا إذا كان ذلك مقصوداً أم لا. تشير بتلر في خطابها إلى عدد من الجمعيات في برلين تحديداً، وألمانيا عامةً، التي لطالما وازنت بين مناهضة العنصرية والتمييز على أساس الجنس والجندر بنجاح، نذكر منها غلادت (GLADT) ولسميغرس (LesMigraS) وسسبكت (SUSPECT) وريتش-آوت (ReachOut). لكن، من المعبّر عن عمق المشكلة أن يحظى خطابها بإهتمامٍ بالغ، سواء في ألمانيا أو خارجها، بالرغم من أنّ طرحها إكتفى بالإشارة إلى النقد الكويري والملون الموجّه لهذه الجهات منذ سنوات. إلا أنّ إمتيازات بتلر، على أساس اللون والطبقية والمستوى التعليمي، أضفت الكثير من المشروعية والشعبية على خطابها.

لم يبتكر خطاب بتلر النقد القائل بتشابك خطاب الجنسانية والعنصرية، والسياسات المنبية على أساسها، أو الخطاب القائل بأنّ جمعيات الدفاع عن حقوق مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر تعيد إنتاج خطاباً عنصرياً، فالعديد من الناشطون/ات والأكاديميون/ات الكويريون/ات والملونون/ات قد تناولوا الموضوع بإسهاب قبل أنّ تتناوله بتلر في خطابها عام 2010 ضمن فعاليات كريستوفر ستريت داي، حتّى تمّ تطويره ومناقشته وتحدّيه ضمن ألمانيا أو على الصعيد العالمي. للمضي قدماً بهذا الخطاب، يسعى هذا المقال إلى تتبّع الحوار الدائر منذ العام 2015، مستخدماً تقارير سياسات أو تقارير إعلامية تركّز على مدينة برلين، كما يسعى المقال لنقد تصوير اللاجئ/ة وطالب/ة اللجوء فيها. أمّا نقطة ضعف المقال الرئيسية فهي غياب أي أبحاث ميدانية أو تطبيقية تؤكّد أو تنفي الإستنتاجات المستقاة من تحليل المواد الإعلامية والسياسية للجهات الفاعلة الرئيسية في ألمانيا، مثال الإتحاد المثلي الألماني (LSVD – Lesbian and Gay Federation in Germany)؛ ومانييو – المشروع المثلي لمناهضة العنف (MANEO – Gay anti-violence project). وأقرّ بإشكالية غياب تمثيل آراء اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء حول الخطابات الدائرة عنهم/نّ.

وذلك مع العلم أنّه بحكم موقعي كمواطنة ألمانية وطالبة جامعية، فإنّني مدركةً تمام الإدراك أنّ أي عمل ميداني أقوم به لن يشرعن سردي لتجارب اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء أو حديثي بالنيابة عنهم/نّ، لا بل يعيد إنتاج نفس الهرمية والعنف المعرفيّين الذين أسعى لكشفهما في هذا المقال، أي هيمنة الأصوات البيضاء والألمانية على الخطاب العام عن الكويريين/ات الملونين/ات. وبالتالي، بالرغم من قناعتي بأنّ هذا المقال غير معصوم عن إنتقادات من هذا النوع، أسعى جاهدةً لطرح النقاش حول خطابات وهيكليات تنظيمية ومؤسساتية مهيمنة معينة في برلين، والتي غالباً ما يستحوذ فيها النقاش مَن شابهني/شابهتني موضعياً. في الوقت عينه، لا بدّ لي من الإعتراف بأنّني لا أشارك – أو أفهم بالضرورة – تجارب اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء الكويريين/ات، إلا أنّني أسعى لبلورة تقييم نقدي للأسس البنوية لشرعية الخطاب العنصري والمعادي للأجانب/أجنبيات إنطلاقاً، من جهة، من موضعي الشخصي، ومن جهة أخرى، من سياسات مناصرين/ات مخضرمين/ات لحقوق اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء الكويريين/ات. وختاماً، آمل أن أتمكّن من مناقشة هذه السياسات والخطابات ضمن سياق أوسع من المناصرة من أجل حقوق مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر الألمان والسردية الوطنية.

تعتمد السياسات الحالية لإدارة السكان في ألمانيا على عدد من التحديدات والتصنيفات والترسيمات المحدّدة، كتصنيف الناس مثلاً وفقاً لوضعيات قانونية تنطوي على تشكيلات مختلفة من القيود والحقوق. فتصنيف الناس كـ”مهاجرين/ات” أو “مهاجرين/ات غير شرعيين/ات” أو لاجئين/ات” أو “طالبي/ات لجوء” ينطوي على تصنيف وهيكلة للبشر (المتنقّلين/ات) وفقاً لمعايير عنصرية وطبقية وذكورية. وهنا أعترف بأنّ إعتماد تصنيفات مماثلة يعيد إنتاج خطاب أعترض عليه، إلا أنّني سأستخدم هذه التعابير تماشياً مع اللغة السائدة في الخطاب الموجود حالياً ولتوضيح سبل بناء “الآخر.” وفي هذا السياق، يتمّ بناء التصنيف الجندري والجنسي للهويات في أطر إجتماعية-سياسية محددة يدخل الإستبعاد والتهميش في صلبها. فتعبير “مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر” مثلاً منتَقَد لكونه تعبيراً مقبولاً سياسياً لسياسات مثليي ومثليات الميول،2 إلا أنّه تعبيرٌ يساهم في هيكلة ومحو الجنسانيات والجنادر غير المعيارية في السياق الجماعي (Murib, 2014). سأستخدم هذه التعابير تماشياً مع التمثيل الذاتي المعتمد من قبل الجماعات والمجموعات، كما للإشارة إلى التأثير المعتدّ والمادي للإتجاهات الإستبعادية الآنفة الذكر.

 

المخلّص المثلي الأبيض و”أزمة اللجوء” في ألمانيا

تشير غابرييل ديتز (2016) في مقالها عن الخطاب الذي تطوّر إثر أحداث ليلة رأس السنة الميلادية بين عامي 2015 و2016 في كولونيا، المدينة التي شهدت على تحوّل الخطاب المستشرق الألماني. ففي حين أنّ الخطاب الوطني إرتكز قبل ذلك التاريخ على أثر إدماج المسلمين/ات في ألمانيا على المدى الطويل، ومعظمهم/نّ ممّن مولودون/ات في ألمانيا أو المستقرين/ات في البلاد منذ سنوات طويلة، سرعان ما تحوّل النقاش إلى القادمين/ات الجدد من طالبي/ات اللجوء .(Dietze, 2016, 95) سرعان ما تمركز النقاش على الشاب المسلم العازب مصدراً للمشاكل، بدلاً من العائلة المسلمة والمرأة المسلمة المحجبة (المرجع نفسه). تعتمد ديتز على عمل مارغاريت ييغر (2000) الذي عرّف مفهوم “عرقنة الذكورية” للتعمّق في عرقنة/شرقنة رهاب المثلية كآليتين لإظهار تحرّر المرأة والمثليين كدلائل على فوقية الذات الثقافية الألمانية (البيضاء) (Dietze, 2009, 44). أن يتم تصوير اللاجئ الشاب المعنصَر كشخص من المحتمل أو من المرتقب أن يصدر عنه سلوك ذكوري أو معادي للمثليين، فهذا يتيح للألمان البيض والألمانيات البيضاوات إظهار أنفسهم/ن كمتسامحين/ات ومنفتحين/ات ومحرّرين/ات أو منقذين/ات لضحايا التمييز. ويبدو أن الجهات والأفراد المدافعين عن حقوق مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر يستغلّون هذه الفرصة المتاحة، سواء عن وعي أم لا، فيعيدون إنتاج الخطاب العنصري والثنائي المذكور أعلاه، خصوصاً وأنّهم “الخبراء” المعتمدين للبتّ في شأن جرائم الكراهية على أساس رهاب المثلية في مساكن اللاجئين/ات. وفي الوقت عينه، لا تعترف هذه المنظمات – والخطاب المنبثق عنها – إلّا بشكلٍ واحد من الهويات الجنسية والجندرية اللامعيارية، وهي العلاقات الحصرية والحاصلة على إعتراف الدولة، مع العلم أنّ هذه المعايير نابعة عن تاريخ أمريكا الشمالية وبعض أجزاء أوروبا مع الحياة الجنسية.

قبل الدخول في نقاش خطاب منظمات مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر وعملها في ما يتعلّق باللاجئي/ات وطالبي/ات اللجوء في برلين، لا بدّ لنا من المرور سريعاً على الظروف هذه الفئة المعيشية. منذ بداية ما يُعرف “أزمة اللجوء”3 في ألمانيا، شهدت برلين، كما سائر المناطق الألمانية، دفقاً من طالبي/ات اللجوء تمّ إرسال معظمهم/نّ إلى مساكن جماعية بإنتظار إستكمال الإجراءات البيروقراطية الألمانية البطيئة والتي سوف تقرّر وضعهم/نّ القانوني. في كانون الأوّل/ديسمبر 2015، كان عدد المقيمين/ات في مراكز جماعية 38 ألف من أصل 46ألف لاجئ/ة وطالب/ة لجوء في مدينة برلين (Flüchtlingsrat Berlin e.V., 2016). تُعرف هذه المراكز بمصطلح لاغر (lager) على ألسنة المقيمين/ات فيها والمجموعات الناشطة التضامنية، ومعناه “المخيم.” ويبدو هذا المصطلح أنسب لوصف الوضع المعيشي في تلك الأماكن من مصطلح “مسكن” (accommodation)، إذ يعبّر عن واقع المهاجرين/ات وطالبي/ات اللجوء اليومي على المدى الطويل المتقلق والمُأمنن والمحفوف بالمخاطر.

نظراً للنظام الإتحادي المعتمد في ألمانيا، يتمّ توزيع طالبي/ات اللجوء على كافة أنحاء البلاد، بالتالي من الممكن أن يجد الفرد نفسه في قرية صغيرة أو مدينة كبرى. أمّا الظروف المعيشية في اللاغر فتكون سيئة بشكلٍ عام وتتميّز بالعزلة والأمننة، فغالباً ما يتمّ إنشاء اللاغر في منطقة تكون على تخوم المدينة حيث البنى التحتية ضعيفة والمواصلات مع سائر المدينة ضعيفة. يؤدّي هذا الفصل المكاني من جهة إلى عزل طالبي/ات اللجوء عن المجتمع الألماني، ومن جهة ثانية، يجبرهم/نّ على العيش في أماكن ضيّقة تغيب عنها أبسط أشكال الخصوصية. إثر صدور “قانون الإجراءات المعجّلة للجوء،” في آذار/مارس 2016، أنشأت الولايات الإتحادية “مساكن خاصة” لطالبي/ات اللجوء من “الدول الآمنة” (Pro Asyl, 2016). تشمل هذه الدول غانا والسنغال ودول البلقان الغربية، ويتمّ فصل القادمين/ات منها لتسهيل وتسريع إجراءات ترحيلهم/نّ فطلباتهم/نّ تُعتبر محكومة بالفشل من الأساس. أما القادمين/ات من سوريا والعراق وأفغانستان مثلاً، فهم أيضاً نادراً ما يتمّ قبول طلباتهم/نّ (وفي هذه الحالات من الشائع تقديم طلبات “حماية إضافية” أو “منع الترحيل”)، غير أنّ عملية ترحليهم/نّ صعبة وتستلزم وقتاً أطول (مع العلم أنّ الترحيل إلى أفغانستان يتمّ منذ نهاية العام 2016).

يتمّ تحديد وضبط حرية حركة المهاجرين/ات وطالبي/ات اللجوء واللاجئين/ات وخيارات مراكز إقامتهم/نّ عبر عدد من القوانين الألمانية التي تفرض الإقامة الإلزامية (Residenzpflicht) وشروط المسكن (Wohnsitzauflage) وآليات أخرى تؤدي إلى فصل الناس وعزلهم في ظلّ ظروف غير مستقرة إجمالاً. تمنع هذه القيود الناس من مغادرة الأماكن التي تمّ فصلهم إليها ويتمّ تطبيقها بالإعتماد على التنميط العرقي على النقاط الحدودية الداخلية وعلى مستوى التنقلات (أو عدمها) اليومية.4 على سبيل المثال، وعند نقاط الوصل الرئيسية وفي وسائل النقل العام، يرتكز التنميط العرقي على “معرفة عنصرية” مقبولة إجتماعياً ومطبّعة بحيث يضطر الأشخاص السود أو الملونون لإثبات قانونية وجودهم في ألمانيا أو براءتهم (Schwarz, 2016). أما القانون الجديد الصادر عام 2016، فيضيف أنّ مغادرة “المساكن الخاصة” يعرّض المرتكب/ة لتعليق طلب اللجوء (Pro Asyl, 2016). تشير هذه النظم إلى عملية تعميم الممارسات الحدودية على الداخل الألماني، والتي لم تعد تفصل بوضوح بين “الداخل/الخارج”؛ بل يجب تطويرها مفاهيمياً كجهود متفرّقة ومعقّدة لتحديد وضبط حركة الأفراد والجماعات بمختلف الأساليب (Balibar 2002 and 2004; Vaughan-Williams 2016). صحيحٌ أنّ سياسات الدولة الألمانية في ما يتعلّق بالهجرة لم تتغيّر بشكلٍ يُذكر قبل وبعد نشوء “أزمة اللجوء،” إلّا أنّ الجهات الإعلامية والحقوقية والأكاديمية (الرئيسية) تولي إهتماماً متزايداً لتعامل نظام الهجرة الألماني مع اللاجئين/ات بشكلٍ عام، والمثليين/ات منهم/نّ بشكلٍ خاص. يعود هذا الإهتمام العام المتزايد إلى حدّ كبير إلى تزايد أعداد الواصلين/ات إلى أوروبا في العامين 2015 و2016، إلّا أنّ فهم هذه الظاهرة يفرض علينا تحليلها في ظلّ تنامي خطاب “الأزمة،” وميل الخطاب العام في ألمانيا وأوروبا إلى الشعبوية واليمينية، والتقييم النقدي لثقافة “الترحيب” في ألمانيا.

تنبّهت الجمعيات الرئيسية التي تعنى بشؤون مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر للموضوع، وبشكلٍ عام تسعى لتسليط الضوء على الظروف المعيشية المتقلقة التي يعيشها طالبي/ات اللجوء من هذه الفئة في المساكن، راسمةً اللاجئ المثلي كمثال “للضحية” النموذجية المحتاجة لأن يتمّ إنقاذها من اللاجئ/ة “الآخر” على يد المنظمات والمناصرين/ات (البيض) من مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر. نشرت صحيفة تاز الألمانية الشهيرة مقابلة أجرتها مع جوانا حسون، عاملة إجتماعية مولودة في لبنان وتعمل حالياً في الإتحاد المثلي الألماني تناولت المقابلة رهاب المثلية في مساكن اللاجئين/ات وقد نُقل عنها قولها أن “للمعتدين تصوّر تقليدي جداً لما يفترض أن يكون عليه الرجل وتكون عليه المرأة” وأنّ الأشخاص غير المتوافقين مع الثنائية الجندرية أهداف سهلة لهذا النوع من العنف (Laugstien, 2016). ثمّ تضيف أنّ “الشبيبة التي تنشأ في عائلات عربية أو تركية تنشأ تتربّى على رهاب المثلية والتغيّر” قبل أن تضيف أنّ هذه الآراء تنتشر أيضاً في المجتمع الألماني (Laugstien, 2016). بالرغم من إضافة هذا التنويه الأخير، لا يخفى على أحد أنّ حسّون هنا تنطق بلسان حال منظمات الحقوق الجنسية الرئيسية، مساهمةً في بناء الخطاب الباني للاجئ المعنصَر مرتكباً “لجرائم كراهية” وممارسات تمييزية نابعة من المعتقدات الدينية والثقافية التقليدية والمحافظة “الخاصة به.”

وفي مقال آخر نشرته مجلة تاغسشبيغل (Tagesspiegel)، يؤشكل يورغ شتاينرت، مدير الإتحاد المثلي الألماني إتحاد مثليي/ات، بأنّ جرائم الكراهية المرتكبة بحق طالبي/ات اللجوء نادراً ما يتمّ تقديم بلاغ بها لدى الشرطة، ويرى أنّ السبب الأساسي وراء ذلك هو الإحساس بالخزي والعار (Bachner, 2016). يتمّ تصوير الإتحاد هنا كحامي اللاجئ/ة المثلي/ة أو المتغيّر/ة من التمييز والعنف الممارس من سائر طالبي/ات الجوء والمترجمين/ات والبيروقراطية الألمانية. ونشهد في هذا الخطاب على كيفية بناء الشخصانية المثلية بوصفها “معلَنة وفخورة” على إعتبار أنّ هذه هي الطريقة الصحيحة الوحيدة التي يستطيع الفرد من خلالها إعتناق جنسانيته. وبالتالي، يبدو هذا الخطاب مرتبطاً إرتباطاً وثيقاً بالهوس الأمريكي والأوروبي بمفهوم “الفخر.” كما يبدو أنّ هذا الخطاب يدعو للإبتعاد عن مسببات الخزي، كالعائلة أو الجماعة مثلاً، والخروج من الظل كما ألمح يورغ شتاينرت، والإنخراط في الجماعات المثلية (وثنائية الميول والمتغيرة) الألمانية. ولا بدّ من الإبلاغ عن رهاب “الآخر” للشرطة ومكافحته بالتعاون معها.

عندما نقوم بتطوير نقد للجهات الفاعلة المشاركة في تصوير بعض الجماعات السكانية معاديةً للمثلية والتغيّر، لا يجوز لنا تجاهل التمييز والعنف الممارس ضدّ اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء يومياً والذين تفاقمهما الظروف المعيشية والقانونية المتقلقة. وهنا يأتي الفكر الناقد للنسوية السجنية مستنيراً جداً إذ يؤشكل المناصرة التي تعتبر تدخّل الشرطة والملاحقة القانونية والسجن حلاً مناسباً لحالات التمييز والعنف على أساس الجندر (النوع الإجتماعي). أمّا في سياق الولايات المتحدة الأمريكية، يشير النقد (مثلاً Bernstein, 2010; Bumiller, 2008; Law, 2012; Sweet, 2016) إلى أنّ هذه السياسات والممارسات تستهدف الجماعات المهاجرة وغيرها من جماعات الأقليات بالدرجة الأولى وبشكلٍ مبالغ به، ممعنةً في شرعنة التنميط العنصري. كما يحاجج هذا الفكر أنّ النسوية السجنية تتجاهل أوجه الضعف المختلفة بين النساء والهرمية القائمة بينهنّ (على أساس العرق أو الطبقة أو الجنسانية أو الوضع القانوني أو غير ذلك) وتفترض النساء مجموعةً متجانسةً من “الضحايا.” وتتجنّب التركيز على التمييز الممأسس والمتأصّل (في الدولة)، معززةً قدرة الدولة على “إعادة إنتاج العنف” وتجيير الموارد نحو تحديد “ضحايا” و”مرتكبين” وإخضاعهم/نّ لممارسات الشرطة (Bumiller, 2008, xv). كما تتوافق النسوية السجنية مع الرؤية الليبيرالية للدولة حيث تنعم الحقوق الفردية بالحماية، وتنصّب الدولة الليبيرالية حامية “لحقوق المرأة” مجيّرة الموارد المالية من دعم الرعاية الإجتماعية إلى دعم النظام القضائي الجنائي وتوسيع السجون. تشدّد بعض المجموعات – مثلاً مجموعة إنسايت (INCITE) (2001) – أيضاً على أهمية أن يكون الرد على العنف على أساس الجندر (النوع الإجتماعي) من الجماعات المحلية ويرتكز عليها وليس الإعتماد على مقاربة النسوية السجنية الفردية، مشدّدة على العنف الكامن في سياسات السجن وأثره السلبي على الأفراد والجماعات. تردّد نادية شحادة، الناشطة والمدونة، هذا النقد في تأملاتها عن الحوار القائم حول تقاطع الذكورية بالعنصرية، والتعديلات على القوانين الألمانية المتعلّقة بالإعتداء الجنسي إثر حادثة مدينة كولونيا (2016)، حيث تتساءل عن إمكانية التعاون مع الشرطة وسائر مؤسسات الدولة على موضوع العنف الجنسي في ظلّ ممارستها المستمرة والتاريخية للعنصرة والتنميط العنصري والتجريم والعنف البنيوي.

بالعودة إلى حال اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء في برلين، يجب أن تكون نقطة إنطلاق أي تدخّل هي نقد معاملة مؤسسات الدولة الألمانية ونظام الهجرة التابع لها. من الشكاوى التي تتكرّر عند التعامل مع نظام الهجرة أنّ المساكن مكتظة ومتهالكة، والإضطرار للعيش في مناطق نائية وهامشية معروفة بطغيان الفكر اليميني المتطرّف فيها وتكرار حالات الإعتداءات العنصرية فيها، والتعرّض للمضايقات وسوء المعاملة من قبل السلطات الأمنية المتواجدة في المساكن. بالإضافة إلى ذلك، يجب إعتبار عدم الأمان المزمن في ما يتعلّق بالوضع القانوني ولم الشمل – وما ينجم عن ذلك من عزلة وعدم القدرة على التنقّل – كنوع من العنف والتمييز البنيويين ضد اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء. يغيب هذا النقد عن خطاب الجمعيات الرئيسية المناصرة لمثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر، كالإتحاد المثلي الألماني ومانييو. بدلاً عن ذلك، تركّز هذه الجمعيات على تطوير تحالفات مع مؤسسات الدولة التي تمارس هذا النوع من العنف والتمييز (أي الشرطة والمكتب الإتحادي للهجرة واللجوء) وتشجّع المهاجرين/ات وطالبي/ات اللجوء الكويريين/ات على التعاون معها من خلال الدعوة مثلاً للتبليغ عن “جرائم الكره.”

كما أنّ هذه الجهات الناشطة عينها تعيب على طالبي/ات اللجوء المثليين/ات عدم إستعدادهم/نّ أو عدم قدرتهم/نّ على الإعلان عن ميولهم/نّ في سياق المقابلات والآليات البيروقراطية لدراسة ملف اللجوء الخاص بهم/نّ، بالإضافة إلى فشلهم/نّ في إبلاغ السلطات بجرائم الكراهية ضدّهم/نّ. ويتمّ نسب هذه العيوب إلى “قلة الفخر” والإحساس “بالعار” لدى طالبي/ات اللجوء. في مقابلة أجرتها معه مجلة “فايس،” يزعم كلاوس ييتس من فرع كولونيا التابع للإتحاد المثلي الألماني، أنّ رفض طلبات لجوء المثليين/ات قد يكون سببه شعورهم/نّ بالعار والتردّد مما يقوّض مصداقيتهم/نّ، بالإضافة إلى تجاربهم/نّ السابقة مع رهاب المثلية في بلد المنشأ (Dammers, 2016). وبالرغم من إشارته إلى أنّ أسباب الرفض قد تشمل “تجارب سيئة مع السلطات الإدارية والشرطة والمترجمين/ات في بلد المنشأ” (Dammers, 2016، التشديد مضاف)، إلّا أنّه لا ينتقد إطلاقاً ممارسات الشرطة والبيروقراطية الألمانية من تشكيك منهجي بتصريحات طالبي/ات اللجوء ودوافعهم/نّ. يتمّ تجاهل دور البيروقراطية الألمانية وممارساتها في تنمية الشعور بعدم الثقة لدى طالبي/ات اللجوء، بل يعتبر ذلك نتيجةً طبيعيةً عندما لا يكون الشخص كويرياً كما يجب ولا يفتخر بذلك.

في نهاية المطاف، أدّت حاجة اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء الملحة والملموسة للأمان إلى إنشاء “مسكن كويري للاجئين/ات” بدعم وموارد عدد من منظمات التي تعنى بشؤون اللاجئين/ات والمهاجرين/ات ومثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر. وتجدر هنا الإشارة إلى أنّني لست بصدد التشكيك، لا في نوايا وجهود هذه الجهات، ولا في الحاجة لهذه المبادرة أو فائدتها. إلا أنّني أقترح موضعة هذه المبادرة ضمن خطاب أوسع وتسليط الضوء على كونها إجراءً إصلاحياً محدود ضمن آليات نظام الهجرة الألماني الحالي. مسكن طالبي/ات اللجوء الكويريين/ات – بالمقارنة مع سائر المساكن المؤلفة من صالات رياضية ومطار بعد أن أصبحت قديمة ومهجورة – يتميّز ببنائه الحديث ونظافته وفساحته، ويضمّ 29 شقة مشتركة مجهزة لإقامة طالبي/ات اللجوء بإنتظار البت بملفاتهم/نّ. إنّ موقع المسكن سرّي مبدئياً، ومراقب من قبل الشرطة. بناءً على ذلك، يصبح المسكن تجسيداً مادياً لمفهوم الدولة الألمانية والمنظمات غير الحكومية عن حماية اللاجئ الكويري من “سائر الآخرين.” بصفته لاغر “بألوان قوس القزح” لا يتحدّى هذا المسكن الممارسات المرعية الإجراء في ما يتعلّق بإجراءات اللجوء الألمانية، وممارسات أخرى. لا بل يؤنسن هذه الممارسة، فكيف يمكن لنظام يحمي (قلةً قليلة) من اللاجئين/ات المثليين/ات والمتغيّرين/ات أن يكون سيئاً.

المشكلة في هذا النوع من الخطاب تتمثّل بنقطتين. أولاً، يعتمد هذا الخطاب على ثنائيات حضارية متخيّلة ويجوهر العنصرية الثقافية، معيداً نموذج “الضحية” في مواجهة “الجاني/ة” المذكورة أعلاه. ثانياً، وهي النقطة الأهم، يساهم هذا الخطاب في تطبيع عنصرية نظام الهجرة الألمان، نازعاً عن اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء (من غير المثليين/ات) إنسانيتهم/نّ. وبالرغم من مثابرة المنظمات المعنية على إستحضار صورة اللاجئ المثلي المحتاج للإنقاذ، تمتنع هذه المنظمات عن المساهمة في نقد شامل وضروري لسياسات ألمانيا وما تنطوي عليه من عزل وسجن وترحيل. وهنا لا بدّ لنا من تحليل هذا الخطاب على ضوء الأدبيات الصاعدة والمتمحورة حول المواطنة الجنسية،5 وهو مجال أكاديمي متشعّب ومتنوّع برز كنقدٍ لتحيّز غيري الإرتكاز “يعزّز بنى المواطنية” (Richardson, 2017, 212). تشدّد ديان ريتشاردسون (2017) على أنّ المواطنة الجنسية مبنية على نماذج غربية من المواطنة النيوليبيرالية تعلي من شأن الخيارات والحقوق الفردية بدلاً من الخوض في أوجه التفاوت الإجتماعي والعدالة الجماعية بشكليهما الأوسع. وبالرغم من نجاح مفهوم المواطنة الجنسية في التشكيك بالغيرية كشرط ضمني للمواطنة، إلّا أنّه عجز عن تحدّي المفهوم الكلاسيكي الغربي للمواطنة بصفته في الأساس مشرّق (Isin, 2002, 2005 in Sabsay, 2014, 53). أتاح العمل المطلبي ضمن إطار المواطنة الليبيرالية بتطبيع وإدماج أشخاص كانوا مُعتبرين “آخراً” على أساس الجنسانية فأصبحوا “أفراد متمتّعين بحقوق جنسية،” وباتت التعددية والحقوق الجنسية معياراً لقياس التطوّر الديموقراطي في المجتمع (Sabsay, 2014, 55-56). تسلّط ليتيسيا سابساي الضوء على الإرتباط بين الجنسانيات وترسيم الحدود نظراً لتنامي تواطؤ الوطنية الجنسية في عملية تعزيز الحدود الوطنية، وذلك من خلال جوهرة البناء الثنائي “للحداثة” و”التخلّف.”

إن ظاهرة جنسنة الحداثة الغربية ضد “آخريها” ترسيمٌ للحدود الوطنية بالإستناد على مفاهيم جنسانية لا يتمّ إلا من خلال ضبط الجنسانية وفقاً للمفاهيم اللليبرالية، سواء المتعلّقة بتعددّ الثقافات أو بالتعددية (Sabsay, 2014, 57).

سواء في السياق الألماني أو العالمي، لا بدّ لنا من تحليل إعتماد المطالبة بالمواطنة الجنسية على آليات متنوّعة من تشكيل “الآخر،” بالإضافة إلى خطابات عرقية ومسشترقة. كما لا بدّ لنا من الإعتراف بأنّ بعض الجمعيات المعنية بحقوق مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر تساهم في هذه البنى القومية، من خلال تعاونها غير النقدي مع مؤسسات الدولة (كالشرطة مثلاً) ممّا يتيح لهذه الأخيرة تقديم نفسها على أنها حامية ومنقذة للوطنية الجنسية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تطبيع هذه الجمعيات للتمييز بين الناس على أساس المواطنة يجعلها تبدو كأنّها تدافع عن مفهوم ضيّق للمواطنة الجنسية (أي الإنتاجية الإقتصادية والحصرية العاطفية/الجنسية والعلمانية).

 

سائر الآخرين: إعادة تصوّر الدولة لنفسها

تمّ وصف جمعية مانييو، أو “المشروع المثلي لمناهضة العنف،” من قبل جينثانا هاريتاوورن (2010-2011) بأنّها إحدى الجهات المشاركة في الدعوة لخطاب جرائم الكراهية في برلين، وباتت الآن تعمل على جهود الإستجابة “لأزمة اللجوء” في ألمانيا. وفقاً لتقريرها السنوي للعام 2015، تقدّم مانييو خدمات المشورة النفسية للرجال والمراهقين من مثليي وثنائيي الميول والذين وقعوا “ضحية” جرائم كراهية أو حالات تمييز، كما تقوم بتوثيق ونشر إحصائيات حول جرائم الكراهية، وتسعى للحوار مع الشرطة والنيابة العامة في البلاد (Finke and Konradi, 2016). وقد ساهمت بنسبة كبيرة في تخصيص وظيفتين في سلك الشرطة في برلين كمسؤوليي/ات إتصال مع مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر. وهذه الإستراتيجية التي باتت تعرف بمسمى “النموذج البرليني” إنتشرت في عدد من المدن أوروبية وإسرائيلية كنوع من الإستجابة لجرائم الكراهية على أساس رهاب المثلية (Kosharek, 2010). أمّا في ما يتعلّق بدور مانييو في جهود “إغاثة اللاجئين/ات” فهو يعتمد، كما هو موضّح في التقرير السنوي أيضاً، على خطاب جرائم الكراهية أيضاً في سياق اللجوء، والفرق هنا أنّ “الضحية” هي اللاجئ الكويري الإستثنائي بدلاً عن المواطن المثلي الأبيض (مبدئياً).

في القسم المخصص لعمل مانييو على جرائم الكراهية ضد اللاجئين، نجد مثالين قام فيهما مثليان لاجئان بطلب المساعدة من مانييو (Finke and Konradi, 2016, 24). في كلا الحالتين من الواضح أنّ الجناة ممثَّلين “كآخر” عنصرياً، فتقوم مانييو بإنقاذ الضحيتين بنجاح وإدماجهما في “جماعة مثليي/ات وثنائيي/ات الميول ومتغيري/ات الجنس والجندر” في برلين (والتي يتمّ الإفتراض أنّها بيضاء). قصتاهما مثالان عن قصص النجاح، فيتركان بيئتهما المعادية للمثلية ويعتنقان ميولهما المثلية فيصبحان جزءاً من المجتمع الألماني المتسامح والمتعدّد الثقافات. في المثال الأول، نقرأ عن رحلة اللاجئ الذي “أنقذته” مانييو من “بيع جسده” من خلال المساعدة المالية المباشرة، وهو الآن يعيش حياةً سعيدة، يتعلّم اللغة الألمانية ودخل في علاقة مثلية حصرية وفي طريقه نحو الإستقلالية المادية (المرجع نفسه). ولسنا هنا بصدد تقويض وكالة من يرتبط بمانييو على نفسه، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المثال، كما الطريقة التي تمّ السرد فيه، يساهم في تعزيز الخطاب المشار إليه أعلاه. كما يساهم في موضعة الجمعية مشاركةً في بناء نمط محدد للكويري لا تتعارض مع المعايير الأوروبية للحقوق الفردية والمواطنة كمنتجة إقتصادياً وموافقة للمعيارية الغيرية. بل إنّ هذا النمط الكويري يتعايش بسلام مع الدولة الألمانية. وفقاً لهاريتاوورن (2010-11, 78)، يكتسب هذا الجسد المسلم الكويري المُعامل كإستثنائي صفة العبور على نقطة حدودية يُشترط فيها عليه إثبات إنه “من صفّنا،” من صفّ “الجماعة الكويرية” المعلنة والفخورة. إنّ وجود الكويريين المسلمين في منشورات مانييو لا يساهم في رأب الصدع المتخيّل بين المسلمين المعادين للمثلية والألمان البيض والمتحررين والعلمانيين. إنّ عبور النقطة الحدودية لا يلغيها، بل يجسّدها، فتمسي الأجساد الكويرية الملونة إستثناءً لقاعدة رهاب المثلية عند الآخر المعنصَر (المرجع نفسه). الحالتان المشار إليهما أعلاه، تشكلان إسقاطاً للرحلة التي يتمّ وصفها من قبل هاريتاوورن، أنّ الأجساد المسلمة الكويرية تقتلع أي إرتباط سابق لأي مصدر من مصادر العار الممكنة، كالأسرة أو الجماعة، وإعتناق هوياتها الجديدة.

من الواضح أيضاً، أنّ تقرير مانييو يستهدف الجهات المموّلة، سواء تلك التي تتعامل معها مانييو حالياً أو تلك التي تطمح بالعمل معها، إذ تتكرّر في المحتوى الإشارة إلى أنّ المزيد من التمويل سيمكّن مانييو من تقديم المزيد من الخدمات وتحسين نوعيتها، بالإضافة إلى تعزيز مشاركتها في هذا المجال. ينبغي علينا مناقشة خطاب جرائم الكراهية هذا والإهتمام المفاجئ بجهود “إغاثة اللاجئين” من جانب المجموعات والجمعيات ضمن سياق “ثقافة الترحيب”6 الألمانية والتي يتغنّى بها السياسيين/ات والإعلاميين/ات في ألمانيا. فقد حاجج النقاد/الناقدات بأنّ هذا التغني يغيّب الإعتداءات اليمينية المتكررة ضد مساكن اللاجئين/ات والجماعات المعنصرة. كما يشير النقد إلى خصخصة “وإضفاء النيوليبيرالية على سياسات اللجوء” المتمثّل في قيام المتطوّعين/ات بأعمال هي من مسؤولية الدولة أو الشركات الخاصة (مثلاً، المسؤولين/ات في مساكن اللاجئين/ات) (Bahar, 2015; Bröse und Friedrich, 2015). وهكذا، يصبح المتطوعون/ات في موقف مناقض لنفسه، يشاركون/ن في المحافظة على الأرباح المالية والهرمية الشديدة، يسهّلون إستغلال رؤوس الأموال لطالبي/ات اللجوء كيد عاملة رخيصة؛ بالإضافة إلى مساعدتهم/نّ الشركات المسؤولة عن إدارة المساكن على خفض التكاليف، ويساهمون/ن في بناء صورة طالب/ة اللجوء كشخص معتمد على المساعدة الخارجية بغياب أي تحدي للهرمية وعدم المساواة الكامنتين في هيكليات الدعم الموجودة (Arbeitskreis Kritische Soziale Arbeit Berlin, 2015; Bahar, 2015). الدعم والتمويل الذي تحظى به الجمعيات المعنية بدعم اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء تستلزم إنتاج الأشخاص الضعيفة (المثلية في مثال مانييو) والتي تحتاج للمساعدة والحماية والإدماج. تبنّي مانييو للغة ومقاربة “تقاطعية” وبالتالي العمل على إدماج الجماعات “المهمشة” يمكّنها من لفت إنتباه المزيد من الجهات المموّلة المحتملة وبالتالي تطوير قدرتها التنافسية في هذا المجال. قد تأتي الخدمات المتوفّرة بالكثير من الفائدة لطالبي/ات اللجوء واللاجئين/ات، لكنّ ذلك لا يلغي ضرورة تحليل الإستخدام الثابت للقومية المثلية كإستراتيجية تنظيمية أساسية لسعيهم وراء المواطنية الجنسية من قبل جمعيات كمانييو والإتحاد المثلي الألماني، وتحليله على ضوء الإتجاهات الإقصائية المركزية والمعايير المبنية على أساس المعيارية المثلية. ويتّضح سعر السوق “للتنوّع” في هذا المشروع عند النظر إلى نمط إضفاء الطابع المهني والطابع النيوليبيرالي المتزايد في مجال النشاط والعمل المطلبي، والذي يدفع بالمنظمات للمنافسة على التمويل.

صدر في العام 2008 كتاب “الإمبريالية المثلية: دور خطابات الجندر والجنسانية في ‘الحرب على الإرهاب'” (Gay Imperialism: The Role of Gender and Sexuality Discourses in the ‘War on Terror’) بقلم كل من جين هاريتاوورن، تامزيلا توير وإسرا إرديم. يطرح الكتاب بعض الأسئلة حول الهدف من، وكيفية، تزايد الإهتمام بإدماج الكويريين/ات الملونين/ات وتمثيلهم/نّ في الخطاب العام. ويرى أنّ الأجساد الملونة، بشكلٍ عام، يتمّ تصويرها إما كإستثنائية أو “كضحايا مجهولة الوجه وعديمة الوكالة على نفسها” (Haritaworn, Tauqir and Erdem, 2008, 72) ممّا يخدم السياق الإمبريالي ومعادي للمسلمين/ات الذي تنبع منه. تمكّن هذه الأشكال من التمثيل الكويرين/ات البيض/البيضاوات من إثبات مساواتهم/نّ بالمجتمع المعياري الغيري نظراً لقبولهم/نّ العمل على إنقاذ الأجساد الكويرية الملونة والرمزية – وتهذيبها حضارياً وتمثيلها – في مواجهة رهاب المثلية المسلم الذي يتهدّدها (Haritaworn, Tauqir and Erdem, 2008, 78-80). كما يعيد الكتاب النظر في النقاش الدائر في ألمانيا منذ مطلع العام 2005، والذي يربط بين الهجرة والجندر والحرية الجنسية. فالمنابر المتاحة للنساء الملونات تضفي شرعيةً ومصداقيةً على خطاب مجندر ومجنسن يساهم في الدعوة لتشديد المراقبة المفروضة على الهجرة وتطوير “إختبار المسلم” لمن قد يحصل على الجنسية (Haritaworn, Tauqir and Erdem, 2008, 84). يتم إعتماد إستراتيجية مماثلة في الخطاب الحالي الساعي لإعلاء أصوات الكويريين/ات الملونين/ات وطالبي/ات اللجوء الكويريين/ات. من الأمثلة الجيدة في هذا الصدد سردية مانييو والإتحاد المثلي الألماني الثابتة لقصص طالبي/ات اللجوء من المثليين/ات والمتغيرين/ات، والتي تضفي شرعيةً ومصداقيةً على المبادرات والعمل المطلبي الخاص بهذه الجمعيات. وكما هو مشروحٌ في الكتاب، يبدو هذا التمثيل كأنّه ينزع وكالة أولئك الذين تسعى هذه السردية لتمثيلهم، فلا يتم بناء هذه السردية بهدف مناصرة ودعم التنظيم الذاتي والإستقلالية بين اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء، بل يشدد على ضرورة تخصيص المزيد من المال للجمعيات الإحترافية “الألمانية.” وهذا النمط يمثّل الهرمية المعنصرة في مجالي النشاط والإنتاج المعرفي: فأصوات وآراء البيض/البيضاوات تحظى بقدر أكبر من المصداقية والقيمة من أصوات الناس الملونة.

في العديد من المقابلات والسرديات المتعلّقة بطالبي/ات اللجوء اللاغيريين/ات في الإعلام الألماني الرئيسي، يتمّ التركيز بالدرجة الأولى على تجاربهم/نّ مع رهاب المثلية وسائر أشكال التمييز في بلد المنشأ، أو أثناء رحلتهم/نّ قبل الوصول إلى ألمانيا، أو في سياق عملية طلب اللجوء، أو في سياق “الجماعات” اللاجئة/المهاجرة والمساكن المخصصة لها. أمّا تحليلهم/نّ لرهاب المثلية والتغيّر في السياق الألماني المعياري والأبيض بشكل أساسي، تبدو قليلة الأهمية بنظر من “يمنح” الكويريين/ات الملونين/ات أو اللاجئين/ات صوتهم/نّ. يصدر تقرير “الحياة بعد اللجوء: رهاب المثلية والعنصرية” (Life After Migration: Homophobia and Racism) السنوي عن مجلس الهجرة في برلين وبراندنبورغ (Migration Council Berlin and Brandenburg – MRBB) وسسبكت، وهي مجموعة من الكويريين/ات المعنيين/ات بتقاطع رهاب المثلية بالعنصرية، ويؤشكل التقرير بأنّ الإمتياز الأبيض والفخر الأوروبي يؤديان إلى محو وجود الأشخاص الملونين وإنكار وجودهم، خاصةً لو حاولوا تطوير مبادرات كويرية تبيّن وتنتقد المعيارية الغيرية والعنصرية في المجتمع الألماني (SUSPECT, 2010, 6). بالتالي، من المتوقّع من الكويريين/ات الملونين/ات التحدّث عن رهاب المثلية والتغيّر والذكورية في الجماعات الملونة، إلّا أنّ التأويل والتحليل يبقى من صلاحيات الأصوات البيضاء. إنّ تزعزع هذا التوازن يهدّد التفوّق الأخلاقي المتخيّل والنظرة الذاتية لألمانيا كحامية للشخص المثلي المعلِن عن ميوله والفخور بها، وأمّا الحدود المرسّمة بين “النحن” التقدميين/ات و”الآخر” المتخلّف والمعادي للمثلية فقد تنكشف إصطناعيتها العنصرية.

 

  • 1. مرجع التّرجمةhttps://www.deutschland.de/ar/topic/lhy/lmjtm-wlndmj/krystwfr-stryt-dy :
  • 2. تتعرَض السياسات المثلية السائدة لأنها تنخرط بشكل أساسي في المقاربة الليبرالية لحقوق الإنسان، ولأنها تتبلور عبر الوطنية المثلية. وقد صاغت هذا المفهوم ليزا دوغان (2003) على الشكل التالي: “الوطنية المثلية: أي سياسة لا تتعارض الإفتراضات والمؤسسات المهيمنة المعيارية الغيرية – مثل الزواج وما يفرضه من حصرية جنسية وضرورة التكاثر – بل تتمسك بها وتحافظ عليها، وفي المقابل تعد بإمكانية الإكتفاء بجمهور مثلي غير مسيس من المثليين/ات، وثقافة مثلية مخصخصة غير مسيّسة مرتكزة على الإستهلاك والترويض” (Duggan, L. (2002) “The New Homonormativity: The Sexual Politics of Neoliberalism.” In Russ Castronovo and Diana D. Nelson (Eds.): Materializing Democracy: Toward a Revitalized Cultural Politics.Durham: Duke University Press. 179). أما في السياق الألماني، فقد حاججت مجموعة سسبكت بأنّ السيسات المثلية ركّزت على “تحقيق المساواة في الحقوق ورفع التجريم القانوني على المثلية والإعتراف القانوني بالعلاقات المثلية” تاركةً “المهاجرين/ات خارج المعادلة (SUSPECT (2010). “Totally Normal: The Story of Homonationalism in Germany.” In Migrationsrat Berlin Brandenburg (Eds.): Leben nach Migration. من الصفحة الإلكترونية التالية:http://www.migrationsrat.de/dokumente/pressemitteilungen/MRBB-NL-2010-special-Leben%20nach%20Migration%20english.pdf).
  • 3. يستخدم مصطلح “أزمة اللجوء” في الغالب للإشارة إلى ارتفاع أعداد الأشخاص الذين دخلوا أوروبا منذ العام 2015، ومعظمهم عبر طرق سفر تعتبر غير شرعية. إلّا أنّه مصطلح يغيّب الأزمات الطويلة الأمد والمتواصلة والقاسية (سواء إقتصادية أو سياسية أو مناخية) والحروب في البلدان التي يأتي منها اللاجئي/ات والمهاجرين/ات. كما أنّ هذا المصطلح يغيّب دور أوروبا في إنتاج هذه الظروف والأزمات والحروب. كما أنّ هذا الإستخدام الأوروبي الإرتكاز لتعبير “أزمة اللجوء” لا يأخذ بعين الإعتبار السواد الأعظم من النازحين/ات واللاجئين/ات الموجودين/ات في بلدانهم/نّ أو دول غير أوروبية (كتركيا مثلاً). إنّ الأغلبية الساحقة لطالبي/ات اللجوء في الإتحاد الأوروبي في عامي 2015 و2016 من حَمَلة الجنسية السورية (363 ألف و335 ألف على التوالي)، يليهم حملة الجنسية الأفغانية والعراقية (المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي (2017) “إحصاءات اللجوء.” يوروستات. من الصفحة الإلكترونية التالية:http://ec.europa.eu/eurostat/statistics-explained/index.php/Asylum_statistics).
  • 4. كما تشير حملة “Ban! Racial Profiling – Gefährliche Orte abschaffen!” (نعم لمنع التنميط العرقي – نعم لمنع أماكن الخطر) فإنّ تحديد بعض الأماكن “كمواقع ذات مستويات عالية من الجريمة” (kriminalitätsbelastete Orte) تمكّن التنميط العرقي إذ تتيح للشرطة توقيف الأشخاص بغياب أي إشتباه وطلب إثبات هوية منهم وتفتيشهم. تقع العديد من هذه المواقع عند نقاط وصل رئيسية للنقل العام أو مناطق تتميّز بوجود مكثّف للأفراد الملونين، مثلاً كوتبوسر تور، هيرمانبلاتز، و ليوبولدبلاتز (Klein, J. (2017) “Gefährliche Orte für Schwarze in Berlin.” Neues Deutschland. Retrieved from https://www.neues-deutschland.de/artikel/1054229.gefaehrliche-orte-fuer-schwarze-in-berlin.html)
  • 5. مع العلم أنّ مفهوم “المواطنة الجنسية” معقّد ومرن، يتمّ فهمه وتنظيره بأكثر من طريقة واحدة. للإطلاع على مراجعة شاملة للأدبيات المكتوبة حول الموضوع: Diane Richardson (2017) “Rethinking Sexual Citizenship.” Sociology 51(2), 208-224.
  • 6. يستخدم تعبير “الثقافة المرحبة” (Willkommenskultur) لوصف رد فعل جزء من المجتمع الألماني على تدفّق اللاجئين/ات والمهاجرين إلى البلاد عام 2015. غالباً ما يتمّ إستخدام التعبير للإشارة إلى خطاب أنجيلا ميركل الذي قالت فيه “يمكننا تحقيق ذلك!” وإلى مشهد الألمان والألمانيات وفي أياديهم/نّ يافطات كتب عليها “مرحباً” (Welcome) في محطات القطارات الألمانية. وأخيراً، يسخدم التعبير للإشارة إلى إنخراط العديد من الناس في أعمال التطوّع والدعم لطالبي/ات اللجوء واللاجئين/ات وسائر المهاجرين/ات.
ملحوظات: 
المراجع: 

Arbeitskreis Kritische Soziale Arbeit Berlin (2015) “Stellungnahme des AKS Berlin zum Umgang mit Flucht, Migration und Rassismus.” Retrieved from https://aks-berlin.org/2015/11/27/stellungnahme-des-aks-berlin-zum-umgang-mit-flucht-migration-und-rassismus/

Bahar, A. (2015) “Refugees need freedom, not handouts.” Africa is a country. Retrieved from http://africasacountry.com/2015/11/refugees-need-freedom-not-handouts/

Balibar, E. (2002) Politics and the Other Scene. London: Verso.

—. (2004). We, the People of Europe? Reflections on Transnational Citizenship. Princeton: Princeton University Press.

Bachner, F. (2016, January 14) “Erzbischof informiert sich bei Lesben- und Schwulenverband: 95 Fälle von Gewalt gegen homosexuelle Flüchtlinge.” Tagesspiegel. Retrieved from http://www.tagesspiegel.de/berlin/queerspiegel/erzbischof-informiert-sich-bei-lesben-und-schwulenverband-95-faelle-von-gewalt-gegen-homosexuelle-fluechtlinge/12834648.html

Bernstein, E. (2010) “Militarized humanitarianism meets carceral feminism: the politics of sex, rights, and freedom in contemporary antitrafficking campaigns.” Signs 36(1), 45–72.

Bröse, J. and Friedrich, S. (2015) “Der schmale Grat der Hilfe.” AK – Analyse & Kritik – Zeitung für linke Debatte und Praxis 607. Retrieved from http://www.akweb.de/ak_s/ak607/08.htm

Bumiller, K. (2008). In an Abusive State: How Neoliberalism Appropriated the Feminist Movement Against Sexual Violence. Durham: Duke University Press.

Butler, J. (2010, June 19) ‘Civil courage prize’ refusal speech. By unknown translator. Retrieved from http://criticaltheorylibrary.blogspot.de/2011/06/judith-butler-i-must-distance-myself.html

Dammers, T. (2016, February 9) “This is what it’s like to be a gay refugee in Germany.” VICE. Retrieved from https://www.vice.com/en_us/article/gay-refugees-germany-876

Dietze, G. (2009) “Okzidentalismuskritik.” In Gabriele Dietze, Claudia Brunner and Edith Wenzel (Eds.): Kritik des Okzidentalismus Transdisziplinäre Beiträge zu (Neo)Orientalismus und Geschlecht. Bielefeld: transcript Verlag.

—. (2016) “Das ‘Ereignis Köln’.” Femina politica 25(1), pp. 93-102. Retrieved from http://www.ssoar.info/ssoar/handle/document/48200

Finke, B. and Konradi, M. (2016) MANEO Report 2015. Berlin: MANEO.

Flüchtlingsrat Berlin e.V. (2016) Asylaufnahme in Berlin Hintergrundinfos. Retrieved from http://www.fluechtlingsinfo-berlin.de/fr/pdf/FR_Asylaufnahme_Hintergrund_04Jan2016.pdf

Haritaworn, J. (2010-11) “Queer injuries: the racial politics of ‘homophobic hate crime’ in Germany.” Social Justice 37(1). Retrieved from http://www.jstor.org/stable/41336936.

Haritaworn, J., Tauqir, T. and Erdem, E. (2008) “Gay Imperialism: Gender and Sexuality Discourse in the ‘War on Terror’.” In Adi Kuntsman and Esperanza Miyake (Eds.): Out of Place: Interrogating Silences in Queerness/Raciality. York: Raw Nerve Books.

Incite (2001) “Incite! Women of color against violence and critical resistance: statement on gender violence and the prison industrial complex.” Retrieved from http://www.incite-national.org/page/incite-critical-resistance-statement

Kosharek, N. (2010) “One Year After Gay Center Attack, Tel Aviv Studies Berlin Model of Tolerance.” Haaretz. Retrieved from http://www.haaretz.com/israel-news/one-year-after-gay-center-attack-tel-aviv-studies-berlin-model-of-tolerance-1.304022#article_comments

Laugstien, F. (2016) “Neue Unterkunft für queere Geflüchtete: coming out of the Heim.” TAZ. Retrieved from https://www.taz.de/Archiv-Suche/!5276160&s=lgbt+fl%C3%BCchtlinge/

Law, V. (2014) “Against Carceral Feminism.” Jacobinmag. Retrieved from https://www.jacobinmag.com/author/victoria-law/

Murib, Z. (2014) “LGBT.” Transgender Studies Quarterly 1(1-2): 118-120 doi: 10.1215/23289252-2399776

Pro Asyl (2016) “Asylpaket II in Kraft: Überblick über die geltenden asylrechtlichen Änderungen.” Pro Asyl. Retrieved from: https://www.proasyl.de/hintergrund/asylpaket-ii-in-kraft-ueberblick-ueber-die-geltenden-asylrechtlichen-aenderungen/

Sabsay, L. (2014) “The emergence of the other sexual citizen: orientalism and the modernization of sexuality.” In Engin Isin (Ed.): Citizenship After Orientalism: An Unfinished Project. Oxon: Routledge.

Schwarz, I. (2016) “Racializing freedom of movement in Europe: experiences of racial profiling at European borders and beyond.” Movements Journal für Kritische Migrations-und Grenzregimeforschung 2(1). Retrieved from http://movements-journal.org/issues/03.rassismus/16.schwarz–racializing.freedom.of.movements.in.europe.html

Shehadeh, N. (2016) “Möglichkeiten und Grenzen aktivistischer, emanzipatorischer Arbeit – Fragen zu #ausnahmslos.” Mädchenmannschaft. Retrieved from http://maedchenmannschaft.net/moeglichkeiten-und-grenzen-aktivistischer-emanzipatorischer-arbeit-fragen-zu-ausnahmslos/

SUSPECT (2010) “Nohomonationalism.” In Migrationsrat Berlin Brandenburg (Eds.): Leben nach Migration. Retrieved from http://www.migrationsrat.de/dokumente/pressemitteilungen/MRBB-NL-2010-special-Leben%20nach%20Migration%20english.pdf

Sweet, E. (2016) “Carceral feminism: linking the state, intersectional bodies, and the dichotomy of place.” Dialogues in Human Geography 6(2), 202–205.

Vaughan-Williams, N. (2009) “The generalised bio-political border? Re-conceptualising the limits of sovereign power.” Review of International Studies 35(4), 729-749.

—. (2015) Europe’s Border Crisis. Biopolitical Security andBeyond. Oxford: Oxford University Press.