ما بين اشتهاء العرب واشتهاء الشرعية: نقدٌ من الأسفل لمفهوم العنف المعرفي لدى مسعد

السيرة: 

بدأت رحلتي مع الجندر والجنسانية عام 2005، حين كنت مدوّنةً شغوفة، وهو ما قادني إلى "حلم" وإلى المجتمع الكويري الأوسع في لبنان. وخلال عشر سنوات استغرقتها لإتمام شهادة البكالوريوس في علم الأحياء في الجامعة اللبنانية، كنت جزءًا من الفرق المؤسسة لكلٍّ من "ميم" (2008–2013)، و"التجمّع النسوي" (2009–2010) الذي أصبح لاحقًا "نسوية"، و"كرّاس" (2014–2019). وقد وجدتني الترجمة عام 2009 بدافع الضرورة، ولم أتوقف عنها منذ ذلك الحين. ما بدأ كوسيلة للبقاء تحوّل إلى انخراطٍ أعمق في اللغة العربية ولهجاتها، في أشكالها وتحوّلاتها وتواريخها، وفي الطرق المتعددة التي يقيم الناس بها علاقاتهم معها. عشت في القاهرة من عام 2012 حتى "ترحيلي غير الرسمي" في أواخر 2015، ثم جاء انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس 2020. وبحلول أواخر 2021، وجدت نفسي في باريس، حيث استأنفت دراستي الأكاديمية في تاريخ العلوم، مركّزة في البداية على الجندر والجنسانية، ثم على الاستعمار العلمي من أواخر القرن التاسع عشر حتى مطلع القرن العشرين. هذه الأيام، أقضي وقتي متاهةً بين الكتب، أفكّر في تعقيدات بناء الحركات، أكتب مشاريع طموحة قد (لا) أنشرها يومًا، وأستعيد لغتي العربية – كلمةً بكلمة.

اقتباس: 
ريبيكا صعب سعادة. "ما بين اشتهاء العرب واشتهاء الشرعية: نقدٌ من الأسفل لمفهوم العنف المعرفي لدى مسعد". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 11 عدد 3 (15 كانون الأول/ديسمبر 2025): ص. 5-5. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 31 كانون الأول/ديسمبر 2025). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/desiring-arabs-desiring-legitimacy.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
ترجمة: 

مدير الترجمة في مجلة "كحل". تمارس الترجمة المكتوبة والتعاقبيّة مع تخصص في مجال السياسة والإدارة العامة وموضوعات الهجرة / اللاجئين والعلوم التربوية.

dabke_website_ar.jpg

سارة السرّاج - دبكة

ظهر هذا المقال ضمن حلقة دراسية قادتها كاثرين كونيغ-برالونغ في ربيع 2023، وقد صُقِل خلال ورشة الدكتوراه السنوية لـCEFRES-EHESS بعنوان "ديناميات المشاركة السياسية: المعرفة التخصصية عبر منظور دراسات المناطق". ورغم أنني كنت أنوي نشره بعد ذلك بوقتٍ قصير، فإنّ الحرب الإبادية على غزة وما خلّفته من دمارٍ هائل في صفوف الفلسطينيين – في غزة وفي الشتات على حدّ سواء – جعلت نشر نقدٍ لعمل باحث/ة فلسطيني/ة يبدو فعلًا غير أخلاقي، بصرف النظر عن موضوعه.

ومع مرور الوقت، تغيّرت الإلحاحات. ففي ظلّ ركودٍ اقتصادي عالمي يغذّي صعود حكومات رجعية في أنحاء العالم، تتلاشى مصادر التمويل لمجلّات صغيرة لكنها حيوية، مثل "كحل". لطالما تخيّلت نشر هذا النصّ في "كحل" – إحدى المجلّات الأكاديمية القليلة التي تتمحور حول الجندر في المنطقة الناطقة بالعربية، والتي تتخذ موقفًا معاديًا للصهيونية بلا مواربة، ويتميّز جمهورها بألفة مع القضايا والسجالات التي أنخرط فيها هنا. إن إلحاح النشر عبر مثل هذه المنصّات، خصوصًا في هذه اللحظة من الانكماش، هو ما دفعني في نهاية المطاف إلى المضي قدمًا في نشر هذا المقال.

 

لقاءٌ سياسي شخصي

في عام 2014، حضرتُ محاضرة لجوزيف مسعد في الجامعة الأميركية بالقاهرة برفقة زملاء نشطاء كويريين. وعلى الرغم من أن جذور نشاطي الكويري كانت قد ترسخت في بيروت، كنت أقيم حينها في القاهرة، من عام 2012 وحتى "ترحيلي غير الرسمي" في أواخر 2015. لم تتناول المحاضرة الجنسانية في العالم العربي، ولا استعمارية المعرفة؛ بل اقتصر مضمونها على إعادة إنتاج صور نمطية رومانسية عن الحضارة العربية، متنقّلاً بين مصطلحات عربية، موضحًا معناها بالإنجليزية ليُظهر جمالها ودقّتها. وفي هذا الإطار، بدا من المستحيل خوض الحوار الذي دفعنا إلى الحضور في ذلك اليوم، الحوار الذي يثيره كتابه "اشتهاء العرب" (Desiring Arabs) – ذلك الكتاب الذي حمَلَنا على الحضور.

في عقد 2010، برز فصيلان أساسيان يتقدّمان عملية تنظيم "مجتمع الميم" في لبنان، وكانت نقطة التباين الجوهرية بينهما تتعلّق بمصادر رهاب المثليين في البلاد وسبل مواجهته. من جهة، كان الفصيل المنتمي صراحةً إلى سياسات الهوية، ومن جهة أخرى، الفصيل الملتزم بالنسوية الكويرية.1 في ضوء الجدليات التي طرحها جوزيف مسعد، تبدو شبكات المثليين والمثليات المبنيّة على سياسات الهوية – أي الفصيل الأول – أقرب ما تكون إلى النموذج الذي يقدّمه بوصفه نتاجًا لتلاعبات ما يسمّيه "الأممية المثلية". وقد وجدت هذه الشبكات في مسعد خصمًا؛ إذ رأت أن إنكاره لشرعية الخطاب الذي صاغه المثليون العرب يمسّ حقّهم في الدفاع عن هويتهم، ويضع قيودًا على إدعائهم بـ"المثلية" بحدّ ذاتها. أما في الدوائر النسوية الكويرية، فقد كانت الآراء متباينة وأكثر تعقيدًا حول سؤال قيمة أعمال مسعد وما فيها من "فتح" سياسي وأكاديمي.

على الرغم من انتمائي إلى فضاءات التنظيم النسوي الكويري، وجدتُ نفسي في موقع معارضة لمسعد على أساسين جوهريين: أوّلهما اختزاله حركات التحرّر الجندري والجنسي في العالم الناطق بالعربية إلى مجرّد منتجات أو أدوات أو وسطاء في خدمة الإمبريالية الغربية؛ وثانيهما جرأته على إطلاق مثل هذه الأحكام من دون أيّ اشتباك مباشر مع النشطاء المعنيين أو مع تواريخ نضالاتهم وتجاربهم الحيّة.

لم يكن اختيار حرم الجامعة الأميركية مسرحًا لهذا الحدث بالتفصيل العابر. ففي القاهرة، على سبيل المثال، ظلّت الذاكرة الجماعية تستحضر واقعة اعتقال حسام الحملاوي2 – وكان حينها طالبًا في الجامعة الأميركية بالقاهرة – من داخل الحرم الجامعي نفسه، وتعذيبه على يد الشرطة المصرية عام 2000. وذات مرة، اصطحبني صديقٌ مصوّر في جولة عبر ميدان التحرير، وحين بلغنا شارع محمد محمود، أشار إلى سطح أحد مباني حرم الجامعة الأميركية، حيث قال إن عناصر من الشرطة تمركزوا هناك خلال الأحداث الدامية التي عُرفت لاحقًا بمجازر محمد محمود في عامي 2011 و2012، مطلقين النار على المتظاهرين. أمّا أنا مثلاً ففي عام 2019، خلال انتفاضة تشرين في لبنان، رافقتُ متظاهرين فاقدي الوعي في سيارات الإسعاف، حرصًا على ألّا يُنقَلوا إلى المركز الطبّي للجامعة الأميركية في بيروت (AUBMC)، وهو من بين مستشفياتٍ اخرى في المدينة شاع آنذاك أنّها سمحت لقوى الأمن بالدخول واعتقال المتظاهرين الجرحى.

إذاً، وعلى الرغم من مكانته الأكاديمية والنبرة النقدية الصدامية التي يحرص مسعد على تبنّيها، لم يتردّد في قبول دعوات لإلقاء محاضرات في حرم جامعات أميركية خلال زياراته لمدنٍ عربية، متوجّهًا بالإنجليزية إلى جمهور يغلب عليه الأجانب، الذين لم يكلّفوا أنفسهم عناء تعلّم العربية. يفضح هذا الخيار هشاشة اتساق خطابه؛ فبينما يُمعن في إدانة أي اشتباكٍ لفاعلين محلّيين مع المؤسسات الغربية، يمنح نفسه امتياز التعاون مع مؤسسة لا يزال حضورها السياسي ودورها التاريخي في المنطقة موضع مساءلةٍ عميقة.

في الصفحات التالية، أعمد إلى تفكيك النقد والسجالات التي تشكّلت حول كتاب "اشتهاء العرب" ومؤلّفه جوزيف مسعد، أركّز على مسألة الشرعية الخطابية أو، على نحوٍ أدقّ، آليات نزع الشرعية بوصفها أدوات تحليلية يوظّفها مسعد للحدّ من فاعلية الأصوات المحلّية أو دفعها نحو هوامش الصمت.

أتعامل مع خبرتي المعاشة على المستوى الشخصي والناشطي والمهني، على أنّها أساس سياقيّ متين لفهم كتابات مسعد. وعليه، يشكّل هذا النصّ تحليلًا سياقياً متجذراً بموقعي الحَدّي من الموضوعات المعالَجة، يوثّق تطوّر منظوري الخاص: من الكيفية التي تلقّيتُ بها النصّ بوصفي ناشطة كويرية في بيروت والقاهرة قبل قراءته، مروراً بانطباعاتي عند قراءتي الأولى، وصولًا إلى قراءةٍ ثانية أُنجزت عام 2023 بوصفي طالبة مهاجرة في فرنسا. وبينما أتحمّل كامل المسؤولية حيال الاستنتاجات الواردة هنا، لا بدّ من التأكيد على أنّ هذا التطوّر الفكري ما كان ليتحقّق لولا نقاشاتٍ عديدة مع آخرين، كان معظمهم من أصدقاء متفكّرين وداعمين، من أوساط نضالية وأكاديمية.

تسعى هذه المقالة إلى إبراز أصوات أفراد "مجتمع الميم عين"، ونسويين وعرب، وناطقين بالعربية في هذا النقاش الأوسع. لهذا الغرض فإنّ من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنني على معرفةٍ شخصية بالعديد من المؤلّفين المُشار إليهم هنا، من بينهم فادي صالح، وغسان مكارم، وسكوت لونغ، وغسان موسوي، وسفيان مرابط، وديما قائدبيه، وبرناديت ضو، وليزا داغن، وقد كان أو لا يزال بعضهم أصدقاء. كما انخرطتُ لفتراتٍ طويلة في العمل مع عدد من المجموعات المذكورة، ولا سيّما "حلم"، و"أصوات"، و"كحل".

 

من هو جوزيف مسعد؟

جوزيف مسعد3 أستاذ في جامعة كولومبيا في نيويورك، حيث يُعلّم التاريخ السياسي والفكري العربي الحديث. وُلد في عمّان، الأردن، عام 1963 – أي قبل نكسة عام 1967 بأربع سنوات لعائلة فلسطينية هجّرها الاحتلال الإسرائيلي. بدأ تعليمه في "كوليج دو لاسال"، وهي مدرسة خاصة مرموقة في عمّان، قبل أن يتابع دراساته في الهندسة في إحدى جامعات ولاية نيومكسيكو. غير أنّ تعرّضه المستمرّ للعنصرية، واطّلاعه على كمٍّ متزايد من الأدبيات حول احتلال فلسطين، وتأثّره العميق بمجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، دفعته إلى إعادة توجيه مساره الأكاديمي نحو الدراسات السياسية.

واصل مسعد لاحقًا تحصيله الأكاديمي في جامعة كولومبيا، حيث أقام علاقة فكرية وثيقة مع إدوارد سعيد، ووجد نفسه في كثير من الأحيان في مواجهةٍ مع محاورين صهاينة،4 قبل أن يُنجز أطروحته للدكتوراه التي نُشرت عام 1998. وقد استند كتابه الأوّل، "الآثار الاستعمارية" (Colonial Effects 2001)، إلى تلك الأطروحة. صدر الكتاب في الشهر نفسه الذي وقعت فيه هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وإلى جانب الصدمة التي خلّفتها تلك الهجمات، فقد أحدثت تحوّلات جذرية في حياة الأفراد العرب و/أو المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة. وفي خضمّ هذه المرحلة، بدأ مسعد العمل على كتابه "اشتهاء العرب" (Desiring Arabs).

تكشف سيرة جوزيف مسعد عن مسار تشكّل في سياق قمعٍ مباشر مارسته الصهيونية الإسرائيلية، والإمبريالية الأميركية، والبُنى الاستعمارية الأوسع. غير أنّ هذا المسار لم يتكوّن تحت وطأة القمع وحده، بل تداخل على نحوٍ حاسم مع امتيازٍ مادي مكّنه من رسم خياراته الفكرية والأكاديمية. فقد أتاح له هذا الامتياز حرية التنقّل والهجرة، وإمكانية الالتحاق بمؤسسات أكاديمية مرموقة، فضلًا عن الهامش الذي سمح له بإجراء تحوّلٍ جذري في مساره المعرفي – من الهندسة إلى العلوم الاجتماعية – خلال إقامته في الخارج. كما وفّر له شروطًا زمنية ومادية مواتية للبحث والكتابة والنشر المكثّف، دون التعرّض لضغوط اقتصادية أو الاضطرار إلى أعمالٍ إعاشية قسرية، وهي عوامل غالبًا ما تشكّل محددًا بنيويًا لمسارات عدد كبير من الباحثين في السياقات الاستعمارية وما بعدها.

 

التركيبة البنيوية لكتاب "اشتهاء العرب"

يستهلّ كتاب "اشتهاء العرب" باعترافٍ صريح مفاده أنّ التركيز على الرغبة أو الشهوة لم يكن في صلب مشروعه منذ البداية، بل جاء بوصفه مسارًا ثانويًا تشكّل انطلاقًا من "إحباط مسعد السياسي إزاء طبيعة الخطاب السياسي الغربي والتمثيلات الصحافية لرغبات العرب الجنسية" (2007:ix). وما كان مُفترضًا أن يكون دراسةً في "الثقافة، والتراث، والحداثة" (المرجع نفسه) انزاح، في نهاية المطاف، ليغدو تاريخًا فكريًا لتمثيلات الرغبات العربية، وصلاتها بما يُنسب إلى العرب من قيمة حضارية. وبعبارة أدقّ، لا ينطلق مسعد من مشروعٍ لتأريخ الجنسانية في السياقات العربية بقدر ما يسعى إلى تفكيك أنماط النظر الغربية إلى الجنسانية.

يتألّف الكتاب من ستة فصول تنتظم ضمن ثلاثة محاور موضوعية مترابطة. يتناول المحور الأوّل السجالات الفكرية التي شهدها القرن العشرون حول الجنسانية، مع تركيزٍ خاص على الجدل المُثار بشأن أبي نواس، وعلى عمل صلاح المنجّد حول الحياة الجنسية عند العرب (1975:184)، بوصفه مثالًا كاشفًا لكيفية تشكّل المعرفة الحديثة عن الجنسانية العربية. أمّا المحور الثاني، فيبلور مفهوم "الأممية المثلية" (Gay International)، وهو المصطلح الذي يصوغه مسعد لوصف شبكات "المنظمات غير الحكومية" ووسائل الإعلام الغربية التي تعمل، بحسب طرحه، على تعميم سياسات هوية كويرية/مثلية ذات ادّعاء كوني. وفي هذا السياق، يتتبّع أيضًا الكيفية التي أعادت بها الحركات الإسلامية توظيف نصوصٍ تراثية لربط ما يُصوَّر بوصفه انحلالًا أخلاقيًا بالنفوذ الغربي، ولا سيّما في ما يتعلّق بظهور فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). أمّا المحور الثالث، فينصرف إلى تحليل التمثيلات الأدبية، من خلال مقاربة مقارنة بين أعمال كُتبت قبل بروز خطاب "الأممية المثلية" وأخرى صدرت في أعقابه.

 

إخفاقات منهجية

قبل الشروع في تحليل النصّ، يجدر التوقّف عند سؤالٍ تمهيديّ يتعلّق بتحديد من – أو ما – يُشكّل موضوع دراسة مسعد. ففي مقدّمته، يصرّح بوضوح أنّ كتابه "ليس، على نحوٍ قاطع، تاريخًا لـ"الجنسانية العربية"، أيًّا كان المقصود بذلك، بل تاريخٌ فكري لتمثيلات الرغبات الجنسية للعرب، في العالم العربي وعنه، وكيف جرى ربطها بقيمتهم الحضارية" (2007:49). وفي عام 2009، شهدت مجلة ResetDOC سجالًا متبادلًا بين مسعد وغسان مكارم،5 على شكل حوار أعقبه ردّان. وفي ردّه المضاد،6 شدّد مسعد على أنّ المثليين ليسوا موضوع دراسته بحدّ ذاتهم، بل إنّ اهتمامه ينصبّ على الفاعلين الذين أسهموا، بحسب طرحه، في إنتاج حالة "الأممية" أو "الكونية" في مقاربة الهوية المثلية. ومع ذلك، ظلّ قدرٌ كبير من النقاشات التي أُثيرت حول الكتاب ينزلق نحو التعامل معه بوصفه دراسةً لتاريخ المثلية عند العرب، وهو انزلاق يكشف توتّرًا بنيويًا بين إعلان المؤلّف عن موضوعه وحدود تلقّي عمله نقديًا.

يبدو أنّ مصدر هذا الالتباس يعود، في المقام الأوّل، إلى ما وصفته كاتيا زكريا (2009) بـ"الالتباس الدلالي الواعد" الكامن في عنوان "اشتهاء العرب" (Desiring Arabs) ذاته؛ إذ يتيح العنوان قراءتين متعارضتين دلاليًا: "عرب يرغبون" من جهة، و"عرب يُرغَب فيهم" من جهة أخرى. ولا يسهم موقف مسعد المنهجي في رفع هذا الالتباس أو ضبط حدوده. فعلى الرغم من تأكيده المتكرّر أنّ نطاق تحليله محصور بما يسمّيه "الأممية المثلية"، وأنه ينصرف إلى فحص كتابات الـ (المثقفين/النخب المتعلّمة)، والخطابات الغربية المعاصرة، والإنتاجات الثقافية، فإنّ اشتغاله التحليلي يشمل، في المحصّلة، معظم الفاعلين المعنيين بالحقل محلّ الدراسة – باستثناء أولئك الأكثر التصاقًا بالموضوع ميدانياً. ذلك أنّ مسعد لا يدرج ضمن مادته التحليلية أصوات الأفراد العرب الذين يعرّفون أنفسهم بوصفهم من مجتمع "الميم عين"، ولا تجارب الرجال الذين يقيمون علاقات جنسية مع رجال آخرين؛ ومع ذلك، ينتهي إلى توصيف تلك الأنماط بوصفها التشكّلات الوحيدة التي تعبّر عن الواقع الاجتماعي في العالم العربي. وعليه، لا يقتصر الإشكال هنا على التباس دلالي في العنوان، بل يمتدّ إلى انزياح منهجي يفضي إلى تعميمات تُبنى في غياب الفاعلين الاجتماعيين الذين يُفترض أنهم في صميم موضوع البحث.

في النسق عينه، ومن أجل تفكيك هذا الغياب على نحوٍ أدقّ، يصبح من الضروري التوقّف عند المنهجيات التي يعتمدها مسعد في كلّ واحد من الحقول الموضوعاتية التي يعالجها. ففي الحقل الأوّل، المتعلّق بكتابات الـ"مثقّفين" ينصبّ تحليل مسعد على نصوصٍ تعود، في غالبيتها، إلى مؤلّفين رحلوا. وبما أنّ النقاشات التاريخية حول الجنسانية كُتبت، على نحوٍ شبه حصري، بأقلام رجال قدّموا أنفسهم بوصفهم مغايرين جنسيًا، فإنّ عمل مسعد يظلّ محكومًا بما هو متاح في الأرشيف. أمّا في الحقل الثالث، الخاصّ بالإنتاجات الثقافية، فيرتكز مسعد على الأدب المقارن بوصفه منهجًا تحليليًا مركزيًا – وهي مقاربة استُخدمت، قبل إدوارد سعيد (1978:365) وبعده، من قِبل باحثين من قبيل سمر حبيب (2009:212) وخالد الرويهب (2005:210). غير أنّ هذا المنهج، على رسوخه الأكاديمي، لا يخلو من إشكاليات بنيوية، ولا سيّما في ما يتعلّق بآليات انتقاء جسد التحليل وحدود التمثيل السياسي للنصوص المختارة، إذ يظلّ السؤال معلّقًا حول من يُسمَح له بالظهور بوصفه "صوتًا" ثقافيًا، ومن يُعاد إنتاج غيابه باسم التحليل المقارن ذاته.

إزاء إشكالياتٍ منهجية مماثلة، يقرّ خالد الرويهب منذ الصفحات الأولى من دراسته "قبل المثلية الجنسية في العالم العربي-الإسلامي" (Before Homosexuality in the Arab-Islamic World) بأنّ عمله لا يدّعي الإحاطة بالواقع الاجتماعي في كليّته، بل يستند، على نحوٍ أكثر دقّة وتواضعًا معرفيًا، إلى ما أفصحت عنه النخبة الحضرية المتعلّمة عن تصوّراتها لذاتها وخبراتها (2005:10). وبهذا المعنى، إذا كان مسعد قد وجد نفسه، في الحقل الموضوعاتي الأوّل، إزاء مجموعة نصوص يهيمن عليها مؤلّفون يعرّفون أنفسهم بوصفهم مغايرين جنسيًا، أمكن – من حيث المبدأ – تفهّم حدود هذا الاشتغال ومشروطياته الأرشيفية. غير أنّ الإشكال يتفاقم، ويغدو أصعب دفاعًا من الناحية المنهجية، عند الانتقال إلى الحقل الموضوعاتي الثاني من كتابه، المتعلّق بـ"الخطابات الغربية"، هناك تصبح الانتقائية أكثر خطورة.

يعتمد فادي صالح المنهج الإثنوغرافي لتحليل تشكّل الهوية الذاتية في سياق سوري متحوّل (2020). بينما يدرس غسّان موسوي منشورات المجموعات المنتمية إلى "مجتمع الميم" في لبنان لاستقصاء الكيفية التي تتناول بها هذه المجموعات القضايا السياسية والاجتماعية (2015). أما ديما قائدبيه، فتوظّف أدوات متعدّدة التخصّصات – تشمل مقابلات معمّقة مع ناشطات وناشطين، الإثنوغرافيا، وتحليل الخطاب – لتتبّع نشوء الخطابات النسوية في لبنان (2016:246). ومن هذا المنظور، يمكن تصوّر استراتيجيات منهجية أخرى بمثل هذا العمق التحليلي؛ في حين اختار مسعد التركيز حصريًا على المنشورات والمواد المكتوبة لجميع الفاعلين، مستثنيًا الأفراد المنتمين إلى "مجتمع الميم" أنفسهم.

فلماذا، إذن، يغفل مسعد ذكر منظمات مثل "حلم" أو "أصوات" ولا ينخرط في نقاش مباشر معها؟ قد يُعزى ذلك جزئيًا إلى اعتماده الانتقائي على الأدب المقارن، الذي يتيح له فضاءً تحليليًا أوسع واستنتاج نتائج عامة لا تسمح بها الدراسات المحلّية والمحدودة زمنيًا. أما الأبحاث الأكثر تفصيلًا، من حيث المعطيات الإمبريقية – مثل أعمال صالح وموسوي وقائدبيه – فتميل إلى نطاق أضيق، ويحرص مؤلفوها على الامتناع عن استخلاص استنتاجات تبسيطية أو شمولية من النوع الذي نجده في أعمال سعيد أو مسعد.

 

نزع الشرعية عن الأصوات: ثلاث حالات

ليس الأمر مجرّد سهو طفيف؛ فإقصاء الأصوات الكويرية العربية يبيّن كيف ينظر مسعد إلى الناشطين المحليين وقادة الرأي، إذ يعتبرهم غير فاعلين، ويُخضع نشاطهم لتصنيفٍ وحيد: مجرّد تقليد لخطى "الأممية المثلية"، دون الاعتراف باستقلاليتهم أو بإسهاماتهم الخاصة.

 

1. "حلم": "مجموعة صغيرة تمثل نفسها فقط"

تأسست منظمة "حلم" في بيروت عام 2001 للدفاع عن حقوق المثليين في لبنان، ومع ذلك تغيّبت تمامًا عن كتاب "اشتهاء العرب" رغم نشاطها الفاعل خلال فترة كتابة الكتاب. وفي مقابلة أجرتها ResetDOC عام 2009، 7 عالج مسعد هذا الغياب بالتشكيك في شرعية "حلم"، مستندًا إلى صغر عدد أعضائها (30-40 شخصًا) ووجود أعضاء غير لبنانيين وغير مثليين بين صفوفها. وخلص إلى أن "حلم" لا يمكن أن تمثّل سوى نفسها وأعضائها فقط، دون أي امتداد أو تأثير أوسع.

يتطلّب هذا النقد قلب السؤال رأسًا على عقب: أيّ شكلٍ من أشكال التمثيل يمنح مسعد سلطة إطلاق استنتاجات شمولية حول الممارسات الجنسية العربية؟ وكيف يمكن لباحث لم ينخرط يومًا في تواصل مباشر مع ناشطي "مجتمع الميم"، أو مع رجال يمارسون الجنس مع رجال في المنطقة، أن يزعم امتلاك فهمٍ لتجاربهم أعمق أو أصدق مما يمتلكونه هم أنفسهم؟ يميّز مسعد بين المثلية الجنسية بوصفها "هوية تسعى إلى الاعتراف الاجتماعي والحقوق السياسية"، وبين العلاقات التقليدية بين الأشخاص من الجنس نفسه باعتبارها "إحدى صور الألفة الجنسية المتعدّدة الساعية إلى المتعة الجسدية" (2009). ويشكّل هذا التمييز الإطار البنيوي المركزي لحجّته برمّتها؛ غير أنّه يستند، على نحوٍ لافت، إلى غيابٍ شبه تامّ لأي تفاعل منهجي مع الأشخاص الذين يُفترض أنّ حياتهم وتجاربهم تجسّد هذه التصنيفات.

 

2. سفيان مرابط: مبشِّر ألماني-جزائري

يَرِد اسم سفيان مرابط مرّتين في حاشيتي الصفحة، غير أنّه يُناقَش في متن النص بصيغةٍ مُبهَمة، إذ يُشار إليه بوصفه "ارسالي الحقوق الجنسية" و"ألمانيًا-جزائريًا يدرس الأنثروبولوجيا في الولايات المتحدة" (2007:43). وتزعم الحواشي، من دون تسمية أو توثيق، أنّ "ناشطين وصحفيين في بيروت" أكّدوا أنّ مرابط كان المحرّك الرئيس لإحدى التظاهرات التي نظّمتها منظمة "حلم".

يمثّل هذا التصوير فعلَ نزعِ شرعيةٍ استراتيجيًا بامتياز. فمع أنّ مرابط ألماني-جزائري فعلًا، إلا أنّه أقام في لبنان، وأتقن العربية عمومًا واللهجة اللبنانية على نحوٍ خاص، وكان منخرطًا بفاعلية في عمل منظمة "حلم". كما أنّ تواصله المتواصل مع الشبكات الأكاديمية والنشاطية شكّل لاحقًا رافعةً أساسية لاستكشافه الإثنوغرافي الموجز للفضاءات الكويرية في بيروت (2014). غير أنّ تأطير مسعد يتعمّد محو هذه الروابط، ويجرّده من سياقه المحّلي، ليختزله في صورة "مرسَل" أجنبي، بدل الاعتراف به كباحث وناشط ملتزم يعمل من داخل المجتمعات التي يدرسها وبالتفاعل معها.

 

3. النساء والمثليات والرجال النسويون

من أكثر ما أثار انزعاجي في قراءتي الأولى لكتاب "اشتهاء العرب" هو تمثيلُ النساء – وهو تمثيل يكاد يكون غائبًا – وموقعُ النسوية فيه، التي تبدو، على نحوٍ مفارق، حاضرة في كل موضع من دون أن تُترجَم إلى حضور تحليلي ملموس. صحيح أنّ النساء عمومًا، والمثليات على وجه الخصوص، كثيرًا ما جرى إقصاؤهن أو محوهن في الإنتاجات المعرفية السائدة، غير أنّ تكرار هذا الإقصاء لا يمنحه مشروعية، ولا يعفيه من المساءلة. وعليه، فإنّ هذا الغياب لا يمكن التعامل معه بوصفه أمرًا عرضيًا أو ثانويًا، بل يظلّ موضعًا يستوجب التوقّف النقدي وإعادة التفكيك.

يَرِد مصطلح "مثلية النساء/السحاق" في الكتاب سبعًا وتسعين مرّة، وغالبًا ما يظهر ضمن الصيغة المركّبة "مثليون ومثليات"، لا بوصفه مدخلًا مستقلًا لتحليل تجارب المثليات أو أنماط تشكّل ذواتهن، بل باعتباره إضافةً لغوية تابعة لمصطلح "مثلي". أمّا الاستثناءات المحدودة لهذا النسق فتقتصر على ثلاثة مواضع: أوّلها تحليل اشتقاقي لمصطلح "مثلية النساء" في العربية (2007:109)، وثانيها حاشية عابرة (2007:172)، وثالثها تمثيل أدبي للمثليات في الفصلين الأخيرين – وهو تمثيل يظلّ محصورًا في شخصيات نسائية مثلية صاغها، على الأرجح، كتّاب يعرّفون أنفسهم بوصفهم مغايرين جنسيًا.

هذا يقودنا إلى حالة فاطمة المرنيسي. كما لاحظنا في طريقة مسعد في عرض منظمة "حلم" وسفيان مرابط، فهو يلجأ غالبًا إلى تكتيك نزع الشرعية عن الخطاب. أثناء قراءتي الأولى للكتاب، لفت انتباهي تفصيل دقيق في الفصل الثاني: يعرض مسعد كاتبتين، فاطنة آيت صبّاح وفاطمة المرنيسي، ويبدو أنه يوحي ضمنيًا بأنّ صبّاح هو اسم مستعار للمرنيسي. بدا لي حينها أن هذا التلميح إلى كشف الهوية الجنسانية لشخص ما أمر يثير القلق. وإذا كانت المرنيسي قد اختارت بالفعل استخدام اسم مستعار، فذلك لأنّها رأت في ذلك ضرورة لحماية نفسها أو لاعتبارات سياقية محدّدة.

عند إعادة قراءتي لكتاب "اشتهاء العرب" عام 2023، لم يعد مصدر انزعاجي يتعلق بـ"إخراج" هوية المرنيسي من المختبأ. بل بدا لي أن مسعد يسعى، مرة أخرى، إلى التأكيد على أن قلّة محدودة جدًا من الأشخاص "العرب الشرعيين" تتناول موضوع الجنسانية بطريقة تتماشى مع النقاش الغربي أو يمكن مقارنتها به، وأن أولئك الذين يفعلون ذلك غالبًا ما يميلون إلى تضخيم أصواتهم الخاصة أو تُضخَّم أصواتهم عبر وساطة ما يسمّيه "الأممية المثلية".

ينبغي التمييز بدقّة في تناول النسوية في كتاب "اشتهاء العرب". يستخدم مسعد مصطلح "نسوي" بصورة متكررة، وهو مصطلح حديث نسبياً ظهر في القرن العشرين، في حين يُقدّم مصطلح "مثلي" كمصطلح مستحدث يُبرز ما يراه تمايز المثليين العرب. ورد المصطلح في الكتاب 42 مرّة إجمالاً، وغالباً للإشارة إلى الرجال. ويُلاحظ أنّ توظيف مصطلح "نسوي" لوصف الرجال يُعتبر، وفق الأدبيات النسوية المعاصرة، وصمة سلبية أو تقييمًا سلبيًا للرجولة، ما يعكس آلية لغوية وخطابية تضفي بعدًا نقديًا على الطريقة التي يقدّم بها مسعد تمثيلات الهوية والجندر في العالم العربي.

بشكل عام، يبدو أن مسعد يوظّف مصطلح "نسوي" للإشارة إلى أن هؤلاء الرجال كانوا "تقدّميين" في قضايا المرأة. غير أن التدقيق في كتاباتهم لا يكشف عن نسويةٍ تضاهي نسوية روّاد الحركة النسوية في تلك الحقبة،8 بل عن خطابٍ حداثي يمكن لمسعد انتقاده لاحقًا بسهولة بوصفه غربيًا. لتجنّب الدخول في تحليلٍ نوعي معقّد، يمكن الاستشهاد بكاتبٍ معروف، هو سلامة موسى، الذي يصفه مسعد بأنه "دارويني اجتماعي متمرّد واشتراكي نسوي غير تقليدي" (2007:100). من المؤكد أن موسى اهتمّ بمصير النساء جزئيًا انطلاقًا من تعاطفٍ إنساني ورغبة في الرحمة، إلا أن اهتمامه الأساسي كان متأثرًا بمبادئ داروينية اجتماعية وسعيه لتحديث المجتمع.

لتوضيح هذا السياق، يمكن النظر في كيفية حديث موسى عن صديقته مي زيادة في مذكراته (2014:226 [1947]). فقد عرف موسى شخصية زيادة، الرمز البارز في تاريخ النسوية الثقافية العربية، شخصيًا خلال ازدهار صالوناتها الثقافية، وكان معجبًا بذكائها ومعرفتها الواسعة. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة من حياتها مشكلات عائلية تتعلّق بالميراث أو صعوبات صحية عقلية، وهو ما يصفه موسى بطريقة مؤثرة وإنسانية. غير أن قراءته لتجربة مي زيادة تختزل "مشكلة" شخصيتها في عدم قدرتها على التوفيق بين كبريائها الأنثوي وتحدّيات الشيخوخة، فيبدو أنه يفسر اضطرابها النفسي – سواء أكان بارانويديًا أو حالة مانيا اكتئابية – على أنه نتاج رفضها للشيخوخة، دون النظر إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بها.

تمامًا كما هو حال المثليين، تُحرَم المرأة العربية في كتاب "اشتهاء العرب" من حقّها في تعريف ذاتها.

 

استقبال الكتاب في الفضاء الأكاديمي لحساب الباحث الغربي

في إطار محاولة فهم كيفية استقبال كتاب "اشتهاء العرب" أكاديميًا، قمتُ بحصر المراجعات المنشورة عنه في الدوريات الأكاديمية. ومن خلال الاعتماد على قواعد بيانات أساسية، تمكّنتُ من تحديد تسع مراجعات كتبها كلٌّ من مارنيا لازريغ (2007)، وسركان غوركملي (2010)، وكاتيا زكريا (2009)، وسحر عامر (2010)، وكمران أسدَر علي (2008)، وفريال غزول (2008)، وفرانسيس س. حصّو (2011)، وخالد الرويهب (2007)، وجيانفرانكو ريبوكيني (2014). كما أجرَيتُ بحثًا أوّليًا حول المسارات المهنية والملفات الأكاديمية لهؤلاء الكتّاب، من أجل تقديم قراءة سياقية لأطرهم الفكرية ومواقعهم الأكاديمية.

باستثناء ريبوكيني، كان لدى جميع الكتّاب علاقات معلنة أو ظاهرة بموضوع العرب و/أو المسلمين في السياق الغربي، على الأقلّ علاقات يمكن الوصول إليها والتحقّق منها بسهولة من خلال البحث الأكاديمي.

علاوة على ذلك، يتّضح أن الأفكار المقدَّمة بوصفها نقدًا أو مدحًا تميل إلى التكرار ضمن أنماطٍ محدّدة. على سبيل المثال، تتكرّر الحجّة القائلة بأن "الغرب ليس كيانًا أحاديًا"، كما جاء في مراجعات غوركملي، عامر، وعلي. بموجب هذا الطرح، يُستنتج أن مسعد لم يكرّس الوقت الكافي للتطرّق أو لوضع أطر تمثيلية للـ"الغرب" الذي يستند إليه في بناء أطروحته.

وتقدّم حجة أخرى مدحًا لكتاب "اشتهاء العرب" وذلك لإتاحته نصوصًا عربية لم تُترجم من قبل، ممّا وفّر فرصة للجمهور الدولي والناطق بالإنجليزية الاطلاع عليها للمرّة الأولى. وقد ورد هذا الثناء تحديدًا في مراجعات الرويهب وعامر. تتصاعد مسألة الإرادة العربية الفاعلة بشكلٍ واضح في مراجعات كلٍّ من زكريا، غوركملي، عامر، وحصّو. إذ يجادل غوركملي وعامر بأن تقييم مسعد القائل بعدم فاعلية العرب يعدّ خاطئًا، بينما يركّز كل من زكريا وحصّو على الغياب الملاحظ للأصوات العربية ضمن منهجية مسعد التحليلية. ومن الجدير بالملاحظة أن الحجج المطروحة هنا لا تستند إلى تقييم شامل لكتاب "اشتهاء العرب". إذ يرى غوركملي وعامر، على سبيل المثال، أن الفاعلية العربية أعمق مما يعترف به مسعد، غير أن غوركملي يتخذ موقفًا نقديًا نسبيًا في مراجعته، بينما تتسم مراجعة عامر بميلٍ نسبيٍّ نحو الإطراء. ويبدو أن درجة هذا القبول أو الرفض ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحقل الاختصاص؛ فالكتّاب الذين يركّزون أكثر على الأدب المقارن يميلون إلى النظر إلى "اشتهاء العرب" كعملٍ ريادي، وهو ما يتّضح بشكل خاص في مراجعات عامر، وغزول، والرويهب.

ما تُبرزه هذه المراجعات جميعها، مع ذلك، هو أن النقاش الأكاديمي حول كتاب "اشتهاء العرب" يتركز أساسًا على ما يضيفه الكتاب إلى الحوارات الأكاديمية الغربية فهو يتيح الوصول إلى نصوصٍ عربية لم تُترجم من قبل، ويستعيد الخطاب الجنساني من منظورٍ غربي، وما إلى ذلك. أمّا مسألة جدوى الكتاب للأوساط الأكاديمية العربية، ناهيك عن أهميته بالنسبة للناشطين والأفراد في الواقع المعاش، فتظلّ، في أفضل الأحوال، مسألة ثانوية. ويمكن توقّع هذا التوجّه، كما أُشير أعلاه، نظرًا إلى أن مسعد لا يدّعي تقديم سردٍ تاريخي شامل للجنسانية، كما أنه لا يركّز على التجربة المباشرة للمثليين في العالم العربي.

 

تبعات ملموسة

في كتابه "اشتهاء العرب" يتناول جوزيف مسعد قضية "كوين بوت" Queen Boat عام 2001، حيث جرى اعتقال ومحاكمة واحتجاز 52 شخصًا بتهمٍ تتعلّق بما وُصف بـ"أنشطة مثلية"، في واقعةٍ شكّلت انتهاكًا جسيمًا للحقوق الأساسية وأفضت إلى آثار قانونية واجتماعية دائمة على المتهمين. يرى مسعد أن هذه الاعتقالات جاءت، إلى حدٍّ كبير، نتيجةً لما يسمّيه "الدائرة الدولية للمثليين وأنشطتها"، التي أسهمت في تصعيد القمع عبر نقل "الممارسات الجنسية" المحلّية من المجال الاجتماعي الخاص إلى حيّز التجريم العلني والتحريض السياسي (2007:184-189). وبناءً عليه، يُعاد تأطير حملة الدولة ضد المتهمين بتهمة "الحميمية بين أفراد الجنس الواحد"، باعتبارها استجابةً متوقّعة ضمن منطق السلطة العقابية عند مواجهة هوية تُصاغ كمشروعٍ سياسي يطالب بالاعتراف القانوني والحقوق، وفق الإطار التحليلي الذي يعتمده مسعد نفسه، بما في ذلك ما ورد في مقابلته مع ResetDOC.9

على مدى السنوات، التقيتُ بعددٍ من الأشخاص الذين كانوا منخرطين مباشرة في قضية "كوين بوت" أو تأثروا بها. من بينهم أحد المعتقلين الاثنين وخمسين، الذي أُجبر، عقب الإفراج عنه، على مغادرة مصر واللجوء إلى أوروبا. كما التقيتُ بسكوت لونغ،10 الذي وثّق ممارسات العنف التي ارتكبتها الدولة المصرية لصالح منظمة "هيومن رايتس ووتش" وقدّم الدعم للمتضررين. كذلك التقيتُ بجيلٍ كاملٍ من أفراد "مجتمع الميم" نشأ وتشكّل وعيه السياسي والاجتماعي في ظل تداعيات هذه القضية.

قد تكون قراءة مسعد مثيرة للاهتمام على المستوى الفلسفي، إلّا أن الدفاع عنها يصبح بالغ الصعوبة عند مواجهة المعاناة المادية والموثّقة التي تكبّدها الضحايا. فبحسب ناشطين وناشطات في قضايا "مجتمع الميم" مطّلعين على قضية "كوين بوت"، لا يمكن فهم هذه الأخيرة إلا بوصفها جزءًا من منظومة اضطهاد تقاطعي، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتعذيب الممنهج الذي تمارسه الدولة، وباستخدام الفضائح الجنسية والعنف الجنسي وحالات الهلع الأخلاقي كأدوات سياسية لإلهاء المجتمع، وضبطه، وردع الأفراد عن التنظيم والحراك.11 وفي هذا السياق، ورغم ادعاء مسعد الاكتفاء بفضح ما يسمّيه "الأممية المثلية"، فإن تحليله يتمّ عمليًا على حساب الأجساد المثلية ذاتها.

في عام 2017، قمتُ بترجمة مقترحاتٍ بحثية لصالح "المجلس العربي للعلوم الاجتماعية"، من بينها مشروع لباحثة عربية في مرحلة ما بعد الدكتوراه، كانت تعتزم دراسة مسارات الحياة لدى المثليات في لبنان بالاستناد إلى أطروحة مسعد. وقد سبق لها أن استخدمت هذا التحليل للتشكيك في محاولات مجتمعات العابرين/ات جندريًا استدعاء هويات سلفية ضمن سياق ما بعد كولونيالي مختلف.

وبعد أشهر، تعرّفتُ إلى هذه الباحثة عبر صديقة مشتركة، إذ كانت تواجه صعوبة في العثور على مشاركات لإجراء مقابلات. ورغم تحفّظاتي، التقيتُ بها. لم تُفصح يومًا عن اعتماد أطروحتها على أعمال مسعد، وهو ما كنتُ أعلمه فقط بحكم عملي على ترجمة مقترحها. ولو فعلَتْ، لكان بالإمكان مناقشة تحفظاتي السياسية والمنهجية صراحة. بدلًا من ذلك، شاركتُ في البحث بحذر شديد في ما أقدّمه من معرفة، في وقت كانت تعبّر فيه عن استيائها من مثليات لبنانيات – بحسب توصيفها – لا يتعاونَّ مع الباحثين الساعين إلى "مساعدتهن". وقد بدا ذلك تمرينًا في الرقابة المعرفية: ممارسة إثنوغرافية في الشكل، لكنها لا تبوح إلا بالقليل من الواقع الذي تزعم الإحاطة به.

في هذا المثال الشخصي، بدا لي أن الباحثة كانت تعيد إنتاج أطروحة مسعد منهجيًا لا خطابيًا، لا عبر تبنّي حجّته صراحة، بل من خلال إنتاج المعرفة عبر أجسادنا نحن، بوصفنا مثليات عربيات. وكما في نموذج "الفاعل المسلم" لدى غيلنر، تُختزل المثليات العربيات هنا إلى ذوات لا يتكلّمن ولا يفكّرن، بل يُفترض بهن أن يتصرّفن (أسعد 2023:97).

 

مسألة الشرعية والامتياز

دافعت باحثة مطّلعة على أعمال مسعد، التقيتُ بها في بيروت عام 2017، لا عن أطروحته بقدر ما دافعت عن موقعه المعرفي. فبحسب طرحها، لا ينبغي التعامل مع مسعد بوصفه باحثًا في الجندر أو الجنسانية، بل كمؤرّخ سياسي فلسطيني يعمل ضمن حقل أكاديمي أميركي مرموق، لكنه شديد الحساسية والتسييس في مرحلة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر. وتشير كذلك إلى أن مسعد، عقب وفاة إدوارد سعيد، تعرّض لحملات تشهير قاسية، من بينها الوثائقي "كولومبيا غير اللائقة" (2004 Columbia Unbecoming)، الذي وجّه إليه اتهامات بالتحرّش والتنمّر ضد طلبة يهود.

لا تُعدّ التجربة المعاشة للباحث عنصرًا مبرّرًا لثغرات العمل أو بديلًا عن مساءلته النقدية، لكنها تتيح فهم المسار السياسي والمعرفي الذي أسهم في بلورة مواقفه واستنتاجاته. ومع ذلك، فإن نجاح مسعد الأكاديمي لا يمكن قراءته بوصفه إنجازًا فرديًا صرفًا، بل بوصفه نتاجًا لبنى مؤسسية واجتماعية. فكما هو الحال مع سعيد من قبله، ينحدر مسعد من خلفية ميسورة نسبيًا، في حين يواجه العديد من الباحثين العرب – ومن بينهم من أستشهد بأعمالهم وأعرفهم شخصيًا – عوائق مالية وبنيوية جسيمة تعرقل إنتاجهم المعرفي، وتتفاقم بفعل أوضاعهم كأجانب داخل الحقول الأكاديمية الغربية. ولا تستهدف هذه الملاحظة مسعد كشخص، بل تسعى إلى إبراز الطابع البنيوي لندرة الأصوات العربية أو الناطقة بالعربية في دراسات الجندر والجنسانية.

أما على مستوى الشبكات الأكاديمية، تجدر الإشارة إلى أن المشرفة على أطروحة مسعد، ليزا أندرسون، شغلت رئاسة "جمعية دراسات الشرق الأوسط" (MESA) بين عامي 2002 و2004، 12 وأن فكرة "اشتهاء العرب" انبثقت من مداخلةٍ قدّمها مسعد في مؤتمر للجمعية. كما تولّت أندرسون رئاسة الجامعة الأميركية في القاهرة بين عامي 2011 و2016، حيث دُعي مسعد لإلقاء محاضرة عام 2015، 13 وهي كذلك عضو في مجلس إدارة منصة ResetDOC التي استضافت مناظرته مع مكارم عام 2009. ويعكس قسم الشكر في كتاب "اشتهاء العرب" هذا الامتداد الشبكي، إذ يضم أسماء أكاديميين بارزين مثل خالد الرويهب، وخالد فهمي، وإلياس خوري، وإدوارد سعيد – وهو ما يعني، بالضرورة، اتساع مدى الوصول والتأثير.

وتُظهر مقارنة أوّلية لبيانات "أمازون"14 أنّ "اشتهاء العرب" هو على الأرجح أكثر أعمال مسعد انتشارًا وتأثيرًا يليه "الإسلام في الليبرالية" (Islam in Liberalism 2015) ثم "الآثار الاستعمارية" (2001)، وبحسب "غوغل سكولار"15 حظي "اشتهاء العرب" بـ1726 اقتباسًا، مقارنة بـ907 لـ"الآثار الاستعمارية" و465 لـ"الإسلام في الليبرالية". عليه، يصبح السؤال مشروعًا: ما دلالة أن يكون العمل الأكثر شهرة وتأثيرًا لباحث ما مادة خارج نطاق اختصاصه الأساسي؟

 

الإزاحة واللا-ارتياح: معضلة الباحث/ة

يقودني مجمل ما سبق إلى شعورٍ شخصيٍّ متزايد بعدم الارتياح. حين كنت أعيش وأُنظّم في لبنان، كان جمهوري الأساسي من الناشطين وأفراد المجتمعات العربية أو الناطقة بالعربية. وقد انصبّت أولوياتنا آنذاك على بناء شبكات تضامن محلّية، وإنتاج خطاب باللغة العربية، والتأثير في الرأي العام ضمن بيئاتنا السياسية والاجتماعية، مع اهتمامٍ محدود بما يُنتَج في الغرب من كتابات عنّا.

أما اليوم، وبوصفي طالبة دراسات عليا في باريس، فقد تغيّر جمهوري الأساسي، وأصبح في غالبيته من الأوروبيين البيض. ومع هذا التحوّل، تغيّر موقعي المعرفي، وتبدّل معنى كلماتي وسياق تلقّيها ووظيفتها. وكما يشير مالكولم فرديناند (2022)،16 فإن إنتاج المعرفة داخل الجامعات الأوروبية موجَّه أساسًا إلى الأجساد البيضاء، في حين تُقصى الأجساد التي يجري التمييز ضدّها عرقياً إلى أدوارٍ خدمية أو مسانِدة، كالأمن والتنظيف والاستقبال.

ومن هذا المنطلق، فإن تسليط الضوء على الامتيازات البنيوية التي مكّنت مسعد من إنتاج عمل ذي انتشار واسع ينطوي على مخاطرة بأن يُساء تأويله بوصفه انتقاصًا من قيمة عمله. غير أن المقصود هنا ليس التقليل من شأن الإنتاج المعرفي، بل إبراز الكيفية التي تؤدي بها أشكال الحرمان المادي البنيوي – بما في ذلك الانتماء المؤسسي، والموقع الجغرافي، والبعد عن الشبكات النخبوية – إلى تقييد مدى وصول الخطاب وحدود تأثيره.

أرى أنّ كتاب مسعد غير كافٍ لإعطائنا فهمًا معمّقًا لتاريخ الجنسانية في العالم الناطق بالعربية. لكن كيف يمكنني صياغة هذا النقد من دون المساهمة في "إلغاء" جوزيف مسعد، وهو أحد القلائل المعروفين على نطاق واسع ككتّاب عرب في تاريخ الجنسانية العربية؟ وكيف يمكن توجيه هذا النقد إلى مثقّف فلسطيني بارز في الأكاديميا الأميركية، في ظل السياق المؤلم لإبادة مستمرّة بحق الفلسطينيين؟ وكيف أستطيع المضي قدمًا من دون أن أؤدّي دور "النسوية المثلية العربية الرمزية" التي تقدّم نقدًا تقاطعيًا متوقّعًا لعمل رجل عربي آخر، أمام جمهور قد يكون أكثر اهتمامًا بالتحليل النصّي منه بالأجساد المُضطهدة – وأحيانًا المختنقة والمهدَّدة بالموت – لأفراد مجتمعي؟

أعتقد أنّ هذا اللا-ارتياح منتج. فهو يكشف كيف لا يزال إنتاج المعرفة حول الجنسانية العربية حبيس بنى القوى الكولونيالية. وسواء كان الباحثون عربًا أم غربيين، ميسورين أم هشّين، فإن البُنى التي تحدّد أيّ الأصوات تُسمَع وأيّها تُقصى تعمل وفق سلطات تستحكم بالمواقع الفردية.

 

الخاتمة: لمن الصوت؟

بعد سنوات من قراءتي الأولى لكتاب "اشتهاء العرب"، ما زلت متردّدة إزاء قيمته بالنسبة للجمهور العربي وناطقِي العربية. مفهوم "الأممية المثلية" لدى مسعد يثير رفضًا قاطعًا في بعض الأوساط، بينما يُستشهد به بكثرة في أوساط أخرى. وأنا شخصيًا لا أعارض المفهوم بحدّ ذاته. مسعد، بصفته فلسطينيًا ضمن السياق الأكاديمي الأميركي، يتعرّض لعنفٍ كبير. غير أنّه، بوصفه باحثًا في الجنسانية العربية، أصبح في الوقت نفسه مؤلفًا وأداةً للعنف.

أكبر إسهامٍ قدّمه "اشتهاء العرب" كان في الأكاديميا الغربية المهتمّة بتاريخ الجنسانية العربية، ومن المهمّ أن يطّلع عليه كلّ أكاديمي يسعى إلى دراسة المثلية العربية. بعض أطروحاته قد تكون مفيدة لمجتمعات عربية أو ناطقة بالعربية تبحث في تاريخها الخاص؛ غير أنّ إسهاماته تبقى أقلّ مما يقدّمه الرويهب، الذي يعرفه مسعد جيدًا. وعلى الرغم من انتقاداتي، لا أعتبر الكتاب عديم القيمة، بل أرى ضرورة أن تصبح أصوات أخرى مرئية بقدر صوت مسعد.

إن اندماج مسعد في شبكات فكرية قوية، وقدرته على النشر باللغة المهيمنة عالميًا، يمنحانه صوتًا مسموعًا. ومع أنّ معظم الكتّاب الذين أستشهد بهم نشروا أيضًا بالإنجليزية، فإن ما يميّز عمله هو شبكته الأكاديمية واتساع نطاق استنتاجاته.

السؤال ليس ما إذا كان ينبغي قراءة "اشتهاء العرب"، بل كيف نقرأه. لماذا لا تستطيع العلوم الاجتماعية في العالم العربي تدريب الباحثين داخل بلدانهم وتعزيز أصواتهم؟ ولماذا يحتاج الباحثون العرب أو الناطقون بالعربية في المؤسسات الأوروبية والأميركية إلى كل هذه الامتيازات ليُنشر لهم ويُقرأ لهم؟ ولماذا، رغم كثرة الأقسام والبرامج المعنيّة بالإسلام والعالم العربي ودراسات الجندر والجنسانية في أوروبا والولايات المتحدة، يُفضَّل عملٌ يفتقر إلى السياق ويعيد إنتاج الثنائيات التقليدية؟

لكتاب "اشتهاء العرب" مكانه في مدوّنة الجنسانية العربية، لكن المعرفة حول حياة المثليين/ات العرب يجب أن تكون خاضعة للمساءلة أمام أصحاب تلك الحياة نفسها. إن الإقصاء المنهجي لأصوات "مجتمع الميم" العربي من الدراسات المعنيّة بالجنسانية – سواء عبر منهجية مسعد أو عبر اختلالات بنيوية أوسع – يشكّل عنفًا معرفياً ذا تبعات مادية ملموسة. نحن لا نحتاج إلى إلغاء عمل مسعد، بل إلى إفساح المجال أمام تعدّدية معرفية أوسع، وإلى الاعتراف بأن إنتاج المعرفة، وما نختار قراءته، هو دائمًا فعل سياسي.

التحدّي المقبل لا يقتصر على نقد أعمال مثل "اشتهاء العرب"، بل يتمثّل في خلق شروط تمكّن الباحثين والناشطين من "مجتمع الميم" العربي من إنتاج المعرفة ونشرها وفق شروطهم، بلغاتهم، ومن أجل مجتمعاتهم، وضمان تقدير هذه الأعمال بقدر تقدير الدراسات المنتَجة لجمهور غربي على يد باحثين ينتمون إلى مؤسسات مرموقة.

 

  • 1. من الصعب تقديم ملخّص لتاريخ الحركة دون تحيّز. وأرى أنّ المجموعات القائمة على الهوية حاولت التركيز بشكل أكبر على إلغاء المادة 534، وتحريك الرموز المرتبطة بـ"مجتمع الميم"، مثل علم قوس القزح، ومفهوم الفخر، وإعلان الميول الجنسية، وما إلى ذلك. من ناحية أخرى، كانت المجموعات النسوية الكويرية تميل إلى التأكيد على فكرة التقاطعية كأساس لفهم نضال النساء الكويريات، أي الطرق التي تأثر فيها واقع النساء الكويريات بعوامل مثل الجنسوية، والإمبريالية، والاستعمار، إلى جانب رهاب المثلية. خلال العقد الأول من الألفية الثانية، تجلّت هذه الانقسامات السياسية في صراعات وعداءات شخصية بين قيادات مجموعتين رئيسيتين، هما "حلم" و"ميم". ففي بعض الأحيان، كانت الأولى تتهم الثانية بافتقاد التركيز، والسمية، والميل إلى النزاع، وتقسيم "مجتمع الميم". أما الثانية، فكانت تتهم الأولى بالجنسوية الذكورية، ومحورية الذكور، وممارسة الاغتسال الوردي (pinkwashing). على المستوى الشعبي، كان الانقسام أكثر جندريًا منه سياسيًا، حيث كانت مجموعة "ميم" أكثر تمثيلاً للنساء السحاقيات، بينما كانت "حلم" أكثر هيمنة من الرجال. بدأتُ مشاركتي السياسية شخصيًا بكوني عضوًا مؤسسًا في مجموعة "ميم".
  • 2. حسام الحملاوي صحفي وناشط مصري. في عام 2000، تمّ اعتقاله من قبل أمن الدولة، بتواطؤ من جامعته أي الجامعة الأميركية في القاهرة (AUC).
    http://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/64/9286/Egypt/Politics-/Students-of-Egypts-American-University-question-it.aspx
  • 3. أغلب المعلومات الواردة حول المراحل الأولى من حياة مسعد مستندة إلى مقابلة له مع قناة "الجزيرة":
    https://www.aljazeera.net/video/the-interview/2022/7/31/%D8%AC%D9%88%D8%B2%D9%8A%D9%81-%D9%85%D8%B3%D8%B9%D8%AF-%D8%A5%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF
  • 4. في مقابلة مع قناة "الجزيرة"، يتحدّث مسعد عن المضايقات التي تعرّض لها. في عام 2004، أنتج "مشروع ديفيد" فيلم "كولومبيا غير اللائقة" ونشره، وهو فيلم يزعم أن جوزيف مسعد كان متحيّزًا ضد إسرائيل، وطالب بفصله. ومع تصاعد الدعاية الإلكترونية منذ تصاعد الإبادة الجماعية في غزة خلال العامين الماضيين، يكشف بحث بسيط باسم جوزيف مسعد عن عددٍ من الهجمات، بما في ذلك، على سبيل المثال، الحملة التي دفعت "الجزيرة" إلى سحب مقال رأي لمسعد في عام 2013.
    https://www.theguardian.com/commentisfree/2013/may/21/al-jazeera-joseph-massad-retraction
  • 5. مكارم ناشط في مجال حقوق الإنسان وحقوق المثليين في لبنان. وكان عضواً في منظمة "حلم" عندما نشر رده على مقابلة مسعد. https://web.archive.org/web/20160404181025/http://www.resetdoc.org/story/1542
  • 6. https://web.archive.org/web/20160404202205/http://www.resetdoc.org/story/1554
  • 7. https://www.resetdoc.org/story/the-west-and-the-orientalism-of-sexuality/
  • 8. خلال هذه الفترة، دافعت رائدات الحركة النسوية، مثل زينب فواز وعفيفة كرم ومي زياده، عن إنسانية المرأة الكاملة ومساواتها الفكرية مع الرجل، بينما نظر الرجال التقدّميون عادةً إلى حقوق المرأة كأدوات للتحديث. ورغم تقارب المجموعتين في قضايا مثل تعليم الفتيات، إلا أن دوافعهما الأساسية اختلفت اختلافًا كبيرًا. فقد أكدت النسويات أن التعليم حقّ أصيل (مسألة عدالة وكرامة إنسانية) ووسيلة لضمان انشغال المرأة بشكل صحّي. في المقابل، روّج الرجال التقدّميون للتعليم في المقام الأول كوسيلة لإعداد رفيقات أفضل للرجال الطموحين فكريًا وأمّهات أكثر كفاءة لتربية الجيل القادم من المثقفين الذكور.
  • 9. https://www.resetdoc.org/story/the-west-and-the-orientalism-of-sexuality/
  • 10. تمّ تصوير سكوت لونغ بطريقة سلبية في كتاب "اشتهاء العرب"، ولم أتطرّق إلى ذلك في هذه المقالة لأنه ليس مثليًا عربيًا.
  • 11. للمزيد من المعلومات حول هذه الإجراءات، انظر: "الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان" 2014:5؛ "المعهد الأوروبي لحقوق الإنسان" 2013؛ "منظمة العفو الدولية" 2011.
  • 12. https://mesana.org/about/previous-boards
  • 13. https://www.aucegypt.edu/about/former-presidents
  • 14. على الرغم من عدم إمكانية الوصول إلى أرقام المبيعات، إلا أنني أعتمد في هذا التقييم السطحي على تصنيف أمازون وأرقامها.
  • 15. https://scholar.google.com/citations?user=___OdbEAAAAJ&hl=en&oi=sra
  • 16. أدلى مالكولم فرديناند بهذه الملاحظة في سياق ندوة بعنوان "معارف في المجتمع"، عُقدت في 22 أيار/مايو 2022 في المدرسة العليا لدراسات العلوم الاجتماعية (EHESS) بباريس. ويمكنكم مشاهدة الندوة عبر الإنترنت باللغة الفرنسية على الرابط التالي:
    https://www.youtube.com/watch?v=vlZOh-5QdUU&list=PLt3MyQKMMEp8ZS3KoxM5cnXWtpLghDIBf&index=13
ملحوظات: 
المراجع: 

Ali, Kamran Asdar. 2008. “Desiring Arabs.” Middle East Journal, 62(3), 540–542.

Amer, Sahar. 2010. “Joseph Massad and the Alleged Violence of Human Rights.” GLQ: A Journal of Lesbian and Gay Studies, 16(4), 649–653.

Amnesty International. 2011. “Egyptian women protesters forced to take ‘virginity tests’.” Amnesty International. https://www.amnesty.org/en/latest/press-release/2011/03/egyptian-women-protesters-forced-take-e28098virginity-testse28099/ 

Asad, Talal. 2023. Tradition critique après la rencontre coloniale. Paris: Éditions Vues de l’Esprit.

Daou, Bernadette. 2015. “Feminisms in Lebanon: After Proving Loyalty to the ‘Nation’, Will the ‘Body’ Rise within the ‘Arab Spring’?” Civil Society Knowledge Center. Beirut: Lebanon Support. https://civilsociety-centre.org/sites/default/files/papers/feminisms_in_lebanon_after_proving_loyalty_en.pdf 

EIPR. 2013. “Egypt held to account for failing to protect women demonstrators from sexual assault - Commission tells Egyptian Government to compensate women as well as to investigate the assaults and punish those responsible.” Egyptian Initiative for Personal Rights. https://eipr.org/en/press/2013/03/egypt-held-account-failing-protect-women-demonstrators-sexual-assault 

El-Rouayheb, Khaled. 2005. Before Homosexuality in the Arab-Islamic World, 1500-1800. Chicago: University of Chicago Press.

El-Rouayheb, Khaled. 2007. “Desiring Arabs by Joseph Massad.” Middle East Report, 245, 44.

Ferdinand, Malcolm. 2019. Une écologie décoloniale. Paris: Seuil.

FIDH. 2014. Exposing State Hypocrisy: Sexual Violence by Security Forces in Egypt. Cairo: Fédération internationale pour les droits humains. https://www.fidh.org/IMG/pdf/egypt_report.pdf 

Ghazoul, Ferial J. 2008. “Desiring Arabs.” Journal of Arabic Literature, 39(3), 424–427.

Gorkemli, Serkan. 2010. “Joseph A. Massad, Desiring Arabs.” International Journal of Middle East Studies, 42(2), 328–330.

Habib, Samar. 2009, Female Homosexuality in the Middle East: Histories and Representations. New York: Routledge.

Hasso, Frances S. 2011. “Review of Desiring Arabs, by Joseph A. Massad.” Journal of the History of Sexuality, 20(3), 652–656.

Kaedbey, Dima. 2014. Building Theory Across Struggles: Queer Feminist Thought from Lebanon. PhD dissertation, The Ohio State University. https://etd.ohiolink.edu/acprod/odb_etd/ws/send_file/send?accession=osu1405945625&disposition=inline 

Lazreg, Marnia. 2007. “Review of Desiring Arabs, by J. A. Massad.” The Arab Studies Journal, 15/16(2/1), 200–202.

Makarem, Ghassan. 2009. “We are not agents of the West.” ResetDOC [response]. https://web.archive.org/web/20160404181025/http://www.resetdoc.org/story/1542 

Makarem, Ghassan. 2011. “The Story of HELEM.” Journal of Middle East Women's Studies, 7(3), 98–112.

Massad, Joseph A. 2001. Colonial Effects: The Making of National Identity in Jordan. New York: Columbia University Press.

Massad, Joseph A. 2007. Desiring Arabs. Chicago: University of Chicago Press.

Massad, Joseph A. 2009. “I criticize Gay Internationalists, not gays.” ResetDOC [counter-response]. https://web.archive.org/web/20160404202205/http://www.resetdoc.org/story/1554 

Massad, Joseph A. 2015. Islam in Liberalism. Chicago: University of Chicago Press.

Massad, Joseph A., and Ernesto Pagano. 2009. “The West and the Orientalism of Sexuality.” ResetDOC [interview]. https://www.resetdoc.org/story/the-west-and-the-orientalism-of-sexuality/ 

Merabet, Sofian. 2014. Queer Beirut. University of Texas Press.

Moussawi, Ghassan. 2015. “(Un)critically Queer Organizing: Towards a More Complex Analysis of LGBTQ Organizing in Lebanon.” Sexualities, 18(5-6), 593–617.

Rizk, Antony, and Ghassan Makarem. 2015. “‘Masculinity-under-threat’: Sexual Rights Organizations and the Masculinist State in Lebanon.” Civil Society Knowledge Center. Beirut: Lebanon Support. https://civilsociety-centre.org/sites/default/files/papers/masculinity-under-threat_en.pdf 

Rebucini, Gianfranco. 2014. “MASSAD Joseph, Desiring Arabs.” Genre, sexualité et société. http://journals.openedition.org/gss/2986 

Said, Edward. 1978. Orientalism. London: Routledge.

Saleh, Fadi. 2020. “Transgender as a Humanitarian Category: The Case of Syrian Queer and Gender-Variant Refugees in Turkey.” TSQ: Transgender Studies Quarterly, 7(1), 37–55.

Zakharia, Katia. 2009. “Review of Desiring Arabs.” Arabica, 56(6), 603–608.

المنجد، صلاح الدين. 1975. الحياة الجنسية عند العرب من الجاهلية إلى أواخر القرن الرابع الهجري. دار الكتاب للطباعة والنشر والتوزيع.

موسى، سلامة. 2014 [1947]. تربية سلامة موسى. القاهرة: مؤسسة هنداوي.