الشّتائم: لغةُ الحميميّة (المغايِرة)

السيرة: 

حصلت سينتيا الخوري على شهادة الماجيستير في الصحَة العامّة مع تركيز على تعزيز الصحَة والصحَة المجتمعيّة من الجامعة الأميريكية في بيروت. وبدأ عملها في الكثير من مجالات الصحة والحقوق الجنسيَة والإنجابيَة في 2008 حين جمعت لائحة إحالة لأطباء “ذوي نظرة ايجابيَة عن الجنس” والتي سمحت للنساء الكويريّات التنقل بأمان أكبر في النظام الطبّي اللبناني الذي يحكم على حياتهن الجنسيّة. وطوال السنين، ضغطت لتطبيق لغَة أدقّ في الصحّة الجنسيّة والصحّة العامّة، مما دفع ممارسين الصحة والأخصائيين وحتى الناس بشكل عام لتبنّي نهج جديد في التعاطي مع مواضيع الجنسانية والممارسات والحميميَة والحقوق.

اقتباس: 
سنتيا الخوري. "الشّتائم: لغةُ الحميميّة (المغايِرة)". كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر مجلّد 1 عدد 2 (2015): ص. 7-14. (تمّ الاطلاع عليه أخيرا في تاريخ 29 مارس 2024). متوفّر على: https://kohljournal.press/ar/content/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%91%D8%AA%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D9%84%D8%BA%D8%A9%D9%8F-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%85%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%A7%D9%8A%D9%90%D8%B1%D8%A9.
مشاركة: 

انسخ\ي والصق\ي الرابط اللكتروني ادناه:

انسخ\ي والصق\ي شفرة التضمين ادناه:

Copy and paste this code to your website.
PDF icon تحميل المقال (PDF) (359.36 كيلوبايت)
ترجمة: 

لين هاشم كاتبة ومؤدّية نسوية تعيش في بيروت. حازت على شهادة الماجستير في علوم الجندر والجنسانية من جامعة لندن، وهي جزءٌ من مجموعاتٍ نسويةٍ عدّة في لبنان والمنطقة. نُشرت كتاباتها وترجماتها في عددٍ من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية من بينها ملحق "شباب السفير" ومجلة "كحل" لأبحاث الجسد والجندر. عملت كمدرّبة ومستشارة وباحثة في عددٍ من المؤسسات من بينها "فريدا: الصندوق النسوي الشاب" والجامعة الأميركية في بيروت. تشارك باستمرارٍ في أمسياتٍ شعريةٍ ومهرجاناتٍ فنيةٍ في لبنان والخارج. في أيار 2018، كتبت عرض "المسافة الأخيرة" وأدّته مع الفنان والراقص ألكسندر بوليكفتش في ختام معرض "رسائل حب إلى ميم" من تنظيم ديمة متى في بيروت، ثم في بلفاست وكتماندو. تعمل حاليًا على نشر مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان "حقد طبقي".

اللّغات تتطوّر. هي دومًا في طور التغيّر والتكيّف مع الحاجات المختلفة للمجتمعات. ومن الطّبيعي أن نتساءل عن هذه الحاجات وميزان القوى الكامن خلفها، لاسيّما في وقتٍ مازالت فيه عللٌ مثل “الهيستيريا” وحالاتٌ مثل “متُلازمة ما قبل الحيض” تُستخدم ضدّ النساء في عالمنا. الهيستيريا هي مفردةٌ مشتقّةٌ من الترجمة الإغريقيّة لل”رحم”، وتشير إلى مرضٍ تتسبّب به إضطراباتُ هذا العضو. أما “متلازمة ما قبل الحيض”، فهي مركّبٌ طبّيٌ وثقافيٌّ إبتُكِر بغرض وَسم تجارب النساء الدّوريّة بالمَرضيّة. هكذا، يغدو “هيستِر” أو الرّحم مصدرًا للعلل والإضطرابات العقليّة. وتُستخدم النساء وأعضاؤهنّ عبر اللّغات في الشّتائم الإزدرائيّة كوسيلةٍ للتعبير عن الغضب والحطّ من قدر الآخرين/ات. على سبيل المثال، يُعتبر الفرْج رمزًا لخضوع الإناث أو للجُبن، بينما يُساوى الرّجال وأعضاؤهم بمعاني القوّة والتحكّم والسّطوة، فتدلّ الخصيتان مثلًا على الذّكورة والقوّة (“فليكُن لك خصيتان” أو “فلتكن رجلًا”). تتطوّر اللّغات لتخدم أولئك الأقوياء بالشّرع، ولتصوّر الآخرين كضعيفات. هكذا، يستخدم النظام الأبوي النساء ليشتم، مجزّئًا ومفتّتًا كلّيّتهن إلى شذراتٍ عاجزة. في بيروت، يتحوّل “الكسّ” من مفردةٍ تحمل عاطفةً سلبيّةً إلى مفردةٍ تشجب الخوف والذّعر. فهل الكسّ الذي كان مرّةً مستغلًا ومشتومًا بسلبيّةٍ، بات اليوم حيًّا ليغدو قناةً لإدانة الخوف؟ وهل تستخدم الأصوات المعترضة أدوات السيّد، أم تهدم منزله1 بدلًا من ذلك؟

 

  1. الجنس والعامّيّات والمذمّات

بحسب ستيفين بينكر2، يشكّل الموت والإعتلال إحدى الفئات الخمس للشّتائم التي يستخدمها معظم الناس لنقل إحساسٍ معيّن. في إحدى المرّات، رشقت أخي بعبارة “العمى بقلبك!3في لحظة غضب. يومها، سألتني أمّي التي سمعت شجارنا إن كنت أعي معنى هذه الكلمات. كنت في السّابعة من العمر وقتذاك، وكأيّ طفلةٍ متسائلةٍ، جزّأت الجملة في ذهني، لأدرك في النتيجة أنّي تمنّيت لقلب أخي أن يُصابَ بالعمى، أي أن يتوقّف عن النبض. وإعماء قلب شخصٍ ما يرادف الموت، لكن “لم يكن ذلك ما عنيت”، برّرت لأمي بندمٍ وشعورٍ بالذّنب. كان المَجاز الكامن خلف كلماتي ممتلئًا بالعنف والنيّة السيّئة، ولم يعكس ما أردت أن أقول لأخي. لقد رافقتني آثار هذه الحادثة، وقيّدت خلايا دماغي نفسها كي أمتنع تمامًا عن التمنّي لأيّ عضوٍ من أعضاء أخي بالتعطّل. منذ ذلك الحين، تعلّمت قوّة الكلمات والنوايا.

بيروت، في 15 أيلول/سبتمبر، 2015. أحد نشطاء العدالة الإجتماعيّة في لبنان يدعو صديقاته وأصدقاءه النسويّات/ين على فايسبوك إلى مشاركته الإحتفال بما بدا كإشارةٍ على ثورةٍ طال إنتظارها: شتائم جارته البالغة من العمر ستّ سنوات. “لكِسّي أبو كيس”4، أجابت الطفلة أباها الذي كان يصرخ في وجهها لتخلد إلى النّوم. يقترح بينكر أننا نستخدم الجنس أيضًا (بما في ذلك الأعضاء الجنسيّة) لننقل إحساسًا سلبيًّا، فالتّابوهات تعبّر بشكلٍ رئيسٍ عن كلّ ما – لا نريد – الشّعور به، كالقرف، والغضب، والإحباط والخوف. ولعلّ والد الطّفلة الشّاتمة تلك إستشعر أنّه يفقد بعضًا من سلطته على إبنته، فوجد أن الطّريقة الوحيدة ليجعلها تخلد إلى النّوم هي بتهديدها بكائنٍ أكثر تخويفًا: أبو كيس. ومن الواضح أن الفتاة لم تكن تشعر بالرّهبة لا من والدها ولا من موقفه الأبويّ، إذ لم يكن لدى أيٍّ منهما سببًا وجيهًا يجعلها تفعل أي شيءٍ آخر غير ما كانت تفعل في تلك اللحظة المعيّنة من الزمن. لقد عبّرت الطفلة بشكلٍ صارخٍ عن المقاومة من خلال جسدها، حرفيًّا. لقد صدمت مقاومتُها للأوامر النّظامَ البطريركي حين رفضت أوامر والدها وذاته البديلة، لكنّها من دون أن تعرف، جمعت الدّاعمات/ين على صفحة جارها على فايسبوك. ولعلّ الأكثر إدهاشًا هنا، أنّها بطريقةٍ ما إستبدلت الشّتيمة الجنسيّة المفضّلة “لأيري”بنظيرتها الأنثوية – مع الإشارة إلى أن “أيري” تمثّل الشّتيمة الأكثر شيوعًا للتعبير عن اللّامبالاة وإنعدام الرّهبة والخوف. وعندما أُجبرت على شرح ما عنته، سُمعت الثائرة الصّغيرة وهي تتساءل بسأمٍ عن حقّ أخيها في “إقحام قضيبه في كلّ شيء”. لم تكتفِ الفتاة باختراع طريقةٍ جديدةٍ للشّتم، بل إستدعت أيضًا قواها العضويّة في فعل مقاومةٍ غير مألوف. هل باتت عبارة “أبو كيس يساوي فَرْجي” طريقةً أخرى للتعبير عن المقاومة من خلال اللّامبالاة؟ بمعنىً آخر، هل صارت مفردة “كسّ” شكلًا آخر لتتفيه الموقف، أم أنّها تُستخدم أحيانًا لترسيم حدود المقاومة وفقًا للسّياق؟ أم أنّ الكسّ صار شديد القوّة لدرجة أن بات له الحقّ أيضًا في توكيد القوّة؟

“الكسّ”5 أو “كسّ” هو الكلمة العاميّة للفَرْج، ومن المعتقد أنها تمثّل الترجمة العربيّة لكلمة “فتاة” بالتركيّة – “كِز”6 – التي تعود أصولها إلى عهد الحكم العثماني في المناطق العربيّة. لكن كيف تُرجمت الفتاة بالضّبط إلى فَرْج؟ بما أنّي لست خبيرةً في التاريخ ولا في الألسنيّات، ولأنّ مجالات التاريخ والألسنيّات التقليديّة هي في معظمها مساعٍ أبويّة، فإنّي ألجأ إلى قوّة الخيال لأستحضر ما يمكن أن يكون قد سقط من الأحكام التجريبيّة ومن كتب التاريخ. الآن، فلنتخيّل بيروت والمنطقة في زمن الأمبراطوريّة العثمانيّة: لعلّنا سنشاهد التجّار والجنود يتنقّلون في أراضٍ خاليةٍ من “سوكلين”. لن يكون هؤلاء في حاجةٍ إلى المأكل والمأوى فحسب، بل سيحتاجون إلى الجنس أيضًا. الآن، فلنتخيّل هؤلاء الرّجال يطلبون كِز في أحد المواخير، محوّلين إمرأةً كاملةً إلى فُتحةٍ محدّدةٍ في جسدها.7 لقد هيّأ هذا الوضع لأن تتحوّل مفردة كسّ إلى شتيمةٍ، يستخدمها الرجال تحديدًا في لحظات الغضب وإستعراض القوّة أمام النساء والرجال الآخرين. كلّنا نعرف الصّور المرسومة بدقّةٍ لأناسٍ يقحمون قضبانهم في فُروج أمّهات وأخوات أناسٍ آخرين8. هكذا، ما يُفترض به أن يهِب ويستقبل المتعة والحياة، يغدو مُجرّدًا ومهاجَمًا بقوّة الكلمات، بل أكثر من ذلك، يُحوّل إلى وسيلةٍ لتنفيس الغضب وتوكيد السّطوة. عندما يصبح الكسّ ملعبًا عامًّا للمشاعر غير المرغوب بها، فإنّ “قناة” الفَرْج توصل العنف والعدوانيّة بدلًا من منح المتعة والحياة لمالكتها الحقّة.

إذًا، ماذا قصدت الفتاة الصّغيرة عندما إستخدمت مفردة كسّ للتعبير عن نفسها؟ هل كانت تشعر بقوّة عضوها، أم أنها كانت تنسخ ببساطةٍ شتائم المنظومة القائمة مع إنعطافةٍ مُجندرة؟

 

  1. كُسّي، مَوردي.

الفَرْج9

  1. الغِمد أو أيّ تكوينٍ مماثلٍ للغِمد.
  2. القناة في جسد الأنثى التي تمتدّ من أعضائها الخارجيّة حتّى عنق الرّحم. يبلغ الطّول الطّبيعي لفرْج المرأة البالغة حوالي ثمانية سنتيمتراتٍ، ويتّسم بمنحنياتٍ تمتدّ صعودًا وهبوطًا. داخليًّا، تكون المثانة أمام الفرْج، ويكون الدّبُر خلفه. يستقبل الفرْج القضيبَ المنتصب في أثناء الجماع، ويُقذَف المنيّ في داخله، ثمّ يسبح عبر القناة العنقيّة ويدخل إلى الرّحم. الفرْج هو أيضًا ممرٌّ للمُفرزات الحيضيّة، ويشكّل كذلك قناةً للولادة.

إذًا، ما الذي نفكّر فيه بالضّبط حين نسمع كلمة فرْج؟ كثيرًا ما طرحتُ هذه الأسئلة في تدريبات الصحّة الجنسيّة التي أعطيت في خلال السّنوات الماضية، ولطالما تردّد التسلسل ذاته في الإجابات بين مجموعاتٍ مختلفةٍ من المشاركين/ات. أناسٌ من مختلف الفئات العمريّة والمستويات العلميّة والخلفيّات الإقتصاديّة والإجتماعيّة، إتّفقوا/ن على أنّ الفرْج يرتبط بالدّرجة الأولى ب”الولادة”؛ هو عضوٌ إنجابيٌّ متّصلٌ بجسد أنثى تتجرّأ أحيانًا على إستخدام هذا المكان كمصدرٍ لمتعتها الخاصّة. وكان هؤلاء يذكرون/يذكرن المتعة فقط بعد أن كنت أصرّ على دلالاتٍ أخرى مرتبطةٍ بالفرْج. “المجتمع يسيطر عليه تمامًا”10، تقول شفتان في فيديو ينقل مفاهيم النساء عن الفُروج، فيما تتحدّث شفاهٌ أخرى عن كيفيّة تشكيل أمّهاتهنّ لتجاربهنّ مع فروجهنّ. نساءٌ أخرياتٌ يطلقن تنهّداتٍ، فيما تلعق أخرياتٌ شفاههنّ.

دائمًا ما كان الإستماع إلى إجابات المشاركين/ات يجعل تجاربي وذكرياتي الخاصّة تطفو على السّطح. كنت في السّادسة من العمر عندما طلبت أمّي إليّ ألا أفتح رجلَيّ بينما كنّا نجلس في غرفة الإنتظار في عيادة الطّبيب/ة. عندما سألتها لماذا كان الصبيّ قُبالتي جالسًا بالطريقة ذاتها، أجابتني ببساطةٍ أنّ بإمكانه فعل ذلك لأنّه صبيّ. طريقة جلوسه لن تُفسّر على أنّها دعوةٌ للإنتهاك. إذا ما أُتيح للمجتمعات المغايِرة المميّزة على أساس الجنس أن تكتب بشكلٍ سافرٍ تعريفها الخاصّ للفرْج، أو إذا ما قرأنا ببساطةٍ ما يقبع خلف السّطور العلميّة في القواميس، لوجدنا ما يلي:

  1. الفَرْج: أنثويٌّ، وسخٌ، نتنٌ، غير نظيفٍ، صغيرٌ جدًّا، كبيرٌ جدًّا، كثيف الشّعر، رخوٌ جدًّا، ضيّقٌ جدًّا، منجبٌ، بِكرٌ، غشاء البكارة، هستيريٌّ، مغاير، فُتحةٌ للقضيب، كلمةٌ مستعارةٌ من أفرادٍ ومستخدمةٌ من أفرادٍ لتوكيد القوّة، عنفٌ وقمعٌ، يحتاج إلى الحماية، خاضعٌ لسيطرة الرّجال ومحكومٌ بالقوانين. مهدٌ للأمراض العقليّة والمشاعر والأحاسيس الخارجة عن السّيطرة.

في عمله الفنّي “سور الفرْج العظيم”، يدعونا الفنّان جايمي ماكّارتني، كأناسٍ بفُروجٍ، إلى تغيير مفهومنا عن أنفسنا من خلال عرض التنوّع التشريحيّ للفُروج والأشفار. وبينما زار عمل ماكّارتني صالات عرض كثيرةٍ، واجهت فنّانةٌ أخرى مشاكل قانونيّةً بسبب عملها الفنّي المتمثّل بطبعةٍ ثلاثيّة الأبعاد لفرْجها11. مجدّدًا، يأتي تحرّر الفرْج عن طريق رجلٍ يعمل للتّخفيف من إضطرابات النّساء.

ويتّسق هذا مع أعذار بعض الرّجال الذين يلجأون إلى ممارسة الجنس الشّرجي بدلًا من الجنس الفرْجي. “]قالت أنّها تريد ذلك، لكنّها مازالت عذراء[ لم أرغب في إيذائها”. إنها إجابةٌ شائعةٌ عندما يُسأل الرّجال عن نوع الجنس الذي يمارسون. لكن ما هو الذي لم يرغب الرجال حقًّا في إيذائه12؟ تتموضَع العذريّة وفحوصاتها ضمن منطق الشّرف، بغرض تعيير جنسانيّة النّساء والسّيطرة عليها، ولحماية شرف الرّجال وقوّتهم الإقتصاديّة13. هكذا، تغدو بكارتنا “الثّمينة” موضوع فحصٍ من قبل الطّبيب الذّكر14، الذي يفحص ويدوّن الملاحظات ويرفع التقرير إلى السّلطات المختصّة. وفي القانون اللّبناني، تُعتبر هذه التقارير مؤشّراتٌ على كون المرأة عاملة جنسٍ، أو على ما إذا كان يحقّ للرّجل إبطال الزّواج – وهو تقليدٌ قانونيٌّ من عهد الآشوريّين كانوا نقلوه إلى اليهود، فالمسيحيّين، ومن ثمّ المسلمين في المنطقة15. وعلى عكس الفحوص الشرجيّة التي تستهدف الرجال المثليّين، تحظى فحوص العذريّة بتوثيقٍ ضئيل. كذلك تُستخدم هذه الفحوص كتهديدٍ لإسكات وتخويف النّساء، وتنال إهتمامًا قليلًا إن لم نقل معدومًا من نشطاء حقوق الإنسان.

لقد حاول مجال الطبّ ومن خلال وسائطه الفنّية (التّشريح) إثبات أنّ للنّساء قيمةٌ أقلّ من قيمة الرّجال16. هكذا، إعتُبرت النساء شافيات، لكنهنّ مُنعن من دخول كلّيّات الطّب17، وحُكم بعدم أهليّتهن للشّهادة في المحاكم في سياقاتٍ معيّنة. لقد مُثِّلت تركيباتنا الجسمانيّة على يد الرّجال الذين هيمنوا على المسارح التشريحيّة وعلى الصّفوف، كما من قبل الفنّانين الذّكور الذين كانوا يُدعون لنقل المحاضرات على أقمشة الرّسم. إن التركيب الجسمانيّ هو مركّبٌ إجتماعيًّا وممثّلٌ سياسيًّا، إذ تتمّ جندرة النّساء من خلال اللّغة البيولوجيّة. إنّ الطّريقة التي نبتكر فيها الكلمات ومعانيها، مثل الفرْج في مقابل القضيب، يهيمن عليها عالمٌ مستقطبٌ، تشكّل فيه أجساد الرّجال المعيار القويّ، بينما يُنظر إلى النّساء كمنحرفاتٍ وضعيفات. نحن نفهم أجسادنا من خلال لغاتنا الأمّ واللّغات الأخرى التي نكتسب مع الوقت، وننقل هذا الفهم في التمثيلات الفنيّة في التّشريح بالمطلق، وفي تشريح الفرْج تحديدًا، كما نرتبط بهذه التمثيلات ونجسّدها. لكن بعض النّساء سئمن من تعرّض أجسادهنّ للتجزئة والتفتيت، ومن إستخدام عضوهنّ الأكثر إيروتيكيّةً وحميميّةً لنقل معاني القوّة والعنف. إنّ عباراتٍ مثل كسّ أختكوبدّي نيك كسّ أمّك تُردّد بشكلٍ شائعٍ بغرض التعبير عن الغضب وتوكيد السّطوة والقوّة. اليوم، من الممكن رؤية عبارة“كسّي مش مسبّة” (كسّي ليس شتيمةً) مرسومةً على جدران شوارع بيروت، في محاولةٍ لاستعادة الكلمة من قبل صاحباتها الشّرعيّات. تلك كانت المرّة الأولى التي تردّد فيها صدى كسّ على جدران بيروت بصيغة المتكلّمة. هل كانت الأخوات، أم الأمّهات، أم جميعنّ من كتبن هذه العبارة على الجدران؟ لا أعرف. لكنّ الأكيد، هو أنّ أجسادًا كانت تستعيد ملكيّتها على كلّ جزءٍ من ذاتها.

“كسّ”، كلمةٌ دلّت مرّةً على الجُبن، تعلن اليوم أنّها تريد أن تُترك وشأنها.

 

  • 1. أودري لورد، “أدوات السيّد لن تهدم منزله أبدًا“.
  • 2. Pinker. S. (2007). The Stuff of Thought: Language as a Window into Human Nature. New York, NY: Viking
  • 3. فليُصَب قلبك بالعمى.
  • 4. عبارةٌ تدلّ على اللّامبالاة.
  • 5. أنظر/ي المرجع.
  • 6. المرجع ذاته.
  • 7. بالإضافة إلى هذا، خضعت معاملةٌ إقتصاديّةٌ أخرى كانت تُعرف باسم “طزّ” لسيطرة الحكم العثماني. وتُترجم مفردة طزّإلى “ملح” بالإنكليزيّة، و”ريح” بالعربيّة، لكنّها تطوّرت لتغدو كلمةً عاميّةً عربيّةً حديثةً تُستخدم اليوم في المنطقة العربيّة لتعبّر عن اللّامبالاة. كما كسّ، غدت طزّ سلعةً أخرى متوفّرةً بحسب طلب أولئك القادرين/ات على دفع ثمنها.
  • 8. على سبيل المثال، تُعتبر عبارتا “كسّ أمّك” و”كسّ أختك” من أكثر الشتائم شيوعًا.
  • 9. أنظر/ي المرجع.
  • 10. شاهد/ي فيديو “مركز مرسى للصحّة الجنسية” بمناسبة يوم المرأة العالمي في العام 2014 عبر هذه الوصلة.
  • 11. واجهت الفنّانة اليابانيّة ميغومي إيغاراشي تهم الفحش بعد إبحارها في زورقٍ على شكل فرْجٍ مصنوعٍ بتقنيّةٍ ثلاثيّة الأبعاد.
  • 12. الرّجال الذين يخدعون الفتيات بوعود الزّواج ويجامعونهنّ بما يتسبّب بتمزّق غشاء البكارة يحاكَمون بالسّجن حتى ستّة أشهرٍ وبغرامةٍ قدرها 200 ألف ليرةٍ لبنانيّةٍ. أنظر/ي المرجع.
  • 13. أنظر/ي المرجع.
  • 14. تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الممارسة كانت شائعةً للنّساء والرّاهبات والملِكات لاختبار درجة ذنبهنّ.
  • 15. Erick Berkowitz, E. (2012). Sex and Punishment: Four Thousand Years of Judging Desire. Berkeley: Counterpoint.
  • 16. في مقارنة دماغ الذّكر مع دماغ الأنثى، أشار العلماء إلى أنّ أدمغة النّساء أخفّ وزنًا من أدمغة الرّجال. “النساء بنصف عقلٍ” هو مثلٌ شعبيٌّ شائعٌ.
  • 17. Ehrenreich, B., & English, D. (2010). Witches, Midwives, and Nurses: A History of Women Healers. New York City: The Feminist Press.
ملحوظات: